أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - غفران قسّام - الولَهُ السّرديّ في نصّ ابن بطّوطة(1): سردُ المدائن















المزيد.....

الولَهُ السّرديّ في نصّ ابن بطّوطة(1): سردُ المدائن


غفران قسّام

الحوار المتمدن-العدد: 2958 - 2010 / 3 / 28 - 23:25
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة تأويليّة خطابيّة، لـ: غفران قسّام

1. جداريّة:
"سألني الشّرطيّ عن سبب زيارتي لسويسرا، قدّمتُ له الدّعوة التي جاءتني من: الدّار العالميّة للكتاب باللافينيي. طبعَ على وجهه ابتسامة، وعلى الجواز ختمًا، وقال لي: مرحبًا بك. حالما استدرتُ، وجدتُ نفسي داخل البلد"
الكاتب المغربيّ: عبد العزيز الرّاشدي- رحلة إلى سويسرا: مدينة الزّجاج.

2. سرد المدائن:

تحرّكتْ أُطر أنوثة المدائن في عراقة أجيالها، وارتباطها بذات ساكنيها وزائريها والسّامعين عنها في فضاء نصّ الرّحلة مع زمنيّة انزياح الطّوّافة ابن بطّوطة (بتشديد الطّاء كما أثبتها المستشرق فيشر A.Fishcher) عنها، ومع ما تبعثُ في داخله فتنتُها مدنًا أخرى، فالسّرد المدائنيّ تدور حلقاته ضمن دائرة واحدة، هي: المكان بكلّ أبعاده الجغرافيّة، والدّلاليّة، والنّصّيّة.
وتتجلّى دلالات قداسة المكان بعبور الرّحّالة ابن بطّوطة زهرةَ المدائن: القدس الشّريف التي كان لها استباقها الزّمنيّ في زيارته لها –كمدينة لها شرف استقبال كلّ الأنبياء على أرضها- ممّا تلاه احتفالٌ ترداديٌّ بها يتكرّر في فضاء النصّ مع تغيّر البيئات الجغرافيّة المُطوِّف فيها فغدا السّؤال عنها من قِبل: السّلاطين، والعلماء، والقساوسة... وغيرهم كعبير فاح شذاه الثّقافيّ، والدّيني في أجواء سرد النّصّ، شكّل رؤية ائتلافيّة مع الآخر وإن كان مختلفًا عنه في اللّغة، والدّين. ويؤوَّل ذلك في سياق سرديّ لابن بطّوطة يعقّبُ من خلاله على خطاب الملك المترهِّب جرجيس للوسيط المترجِم بينهما الذي يقول فيه الملك:

"قلْ لهذا السّراكنوا -يعني: المسلم- أنا أُصافحُ اليد التي دخلتْ بيت المقدس، والرِّجل التي مشتْ داخل الصّخرة والكنيسة العظمى التي تسمّى قيامة وبيت لحم. وجعلَ يده على قدمي –المتكلّم ابن بطّوطة- ومسح بها وجهه. فعجبتُ من اعتقادهم فيمن دخل تلك المواضع من غير ملّتهم".

ولا يوجد شكلٌ تمثيليّ لسرد مدينةٍ يزاحم المدينة الأخرى، فكلٌ له تفرّده الحكائيّ تبعًا لموروث المكان التّأريخي، والاجتماعيّ، والثّقافيّ، والدّينيّ. هذا التفرّد قد اتّخذ هيئة الحالة النّادرة حيال ذاتيّة ابن بطّوطة؛ فـ: "لم يُعرف عنه بحفاوته بالأرض والمدينة بالقدر الذي كان شائعًا في نصّه من اهتمامه بالنّاس وخاصّة العلماء والأولياء" إلا مدينة واحدة فرضَ حُسنها على سرده التّأريخيّ انطباعَه المولّه بها، فكانت في أنوثة فتنتها الصّارخة تأتي به وهو في شرقه الأدنى وغربه الأقصى حيث تكون هي، وتحثّه بأن يأتي إليها في تمفصل مقارناتيّ يرفلُ بفيء خضرتها، وبهاء اكتناهها. دمشق، لا سواها، أسرعَ إليها بكلّ حفاوة حين كان في بعلبك التي لم يلبث بها إلا نصف يوم!:

"وكان دخولي لبعلبك عشيّة النّهار وخرجتُ منها بالغد؛ لفرط اشتياقي إلى دمشق".

ومع كلّ حُسْنٍ مدائنيّ يدير كأس اجتلاب مولّهته دمشق ويعيدها إلى نفسه بتراجيديّة تذكّرها، كما كان في شيراز يقول:

"وليس في المشرق (بلدةٌ تداني دمشق في حُسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور ساكنيها) إلا شيراز".
وكذلك في وصفه السّارد لـ: قَنْجَنفو في الصّين:

" مدينة كبيرة حسنة في بسيط أفيح، والبساتين محدِّقة بها (فكأنّها غوطة) دمشق".

وتتكرّر لواعج حيثيّات سرده المتعلّق بها أثناء خطّ رحلته العائد إلى الوطن، فإذا به يحصي الأيّام والليالي، ويخصّها بالشّوق والحنين رغم مرور ارتحاله بمدن تساوتْ هي ودمشق في فترة الغياب. وغدا سرده الحاضر في أحضان الجمال السّحر التّدمريّ يتذكّر مدّة غروبه عنها، وهو أمر لم يذكره مع غيرها من المدن؛ الأمر المجلي فضاءه النّفسي الذي تسكنه دمشق وترافقه أينما رحل:

"ثمّ سافرنا منها –أي:تدمر- إلى مدينة دمشق الشّام، وكانت مدّة مغيبي عنها عشرين سنة كاملة".

ومع آلية السّياق الإحصائيّة، كان استدعاء جدليّة الحضور والغياب التي برزَ السّرد فيها أسيرًا لأهواء ابن بطّوطة، وانسياقه وراء فكره الجغرافيّ، وعشقه للمغامرة، يدفعه حبُّ التّرحال أو الرّغبة في التّنقّل من مكانٍ إلى آخر، وهو شعورٌ انتاب الإنسان القديم منذ أن بدا يعي اختلافه مع الآخر، ويلاحظ ما يحيط به، مدركًا ميزات هذا المحيط، ولم يكن ليشعر بهذا الشّعور إلا بعد أن صار محيطه لا يحقّق له كلّ حاجاته، ولهذا لقّب بـ: شيخ الرّحّالين.
ولم يكن جلال شيخوخته، لولا مقصده إلى مهبط الوحيّ: مكّة المكرّمة والتي أتت حولها رؤيته منتشيةً بتجلّيات عبقها المكانيّ الدّيني، والثّقافيّ، والسّياسي، والاقتصاديّ، والاجتماعيّ بياسمين استحضار النّصّ القرآني والنّبويّ حولها فيما يخصّ مآثرها، ويطوّقها بقداسة الكلمة:

"فوصلنا عند الصّباح إلى (البلد الأمين) مكّة شرّفها الله تعالى... ودخلنا البيت الحرام الشّريف الذي (مَن دخله كان آمنًا)".

ومن معين صحن الكعبة الآمن، تهفو نفسه إلى دار السّلام: بغداد، لتأتي سياقاته تناصّيّة متوالدة مع نصوص الرّحالة المغربيّ ابن جبير عنها، وكأنّه يضيف إلى الفضاء الزّمنيّ للنّصّ زمنًا آخر لرحلةٍ أخرى، علّه يعمد في ذكرها إلى إحياء المدينة مرّتين؛ الأمر الذي يدمجه ضمن دائرة أدبيّة أو إيديولوجيّة.
ويختلف فعل التّناصّ لديه من مدينةٍ إلى أخرى، لتستجلبَ أنوثة الحضور الغائب وإن كان بعيدًا، فمع دمشق يصبح تناصّه أكثر استلطافًا ورقّة من تناصّه مع بغداد. وتأمّل كيف قدّمَ سردُ ابن بطّوطة نصَّ ابن جُبير في دمشق، وكيف بذلَ لها أقصى طاقات أفعل التّفضيل لديه بنفيس ما تملكهُ في روحه:

"وكلّ وصفٍ وإن طال فهو قاصر عن محاسن، (ولا أبدعَ) ممّا قاله أبو الحسن بن جُبير في ذكرها، قال: وأمّا دمشق فهي جنّة المَشرِق، ومطلع نورها المُشرِق،... وحَلَّتْ موضعَ الحُسن بالمكان المكين، وتزيّنت في منصّتها أجمل تزيين".

وتخبو سطوةَ سرده مع عنفوان بغداد وإرثها العظيم، ويكتفي بالإشارة إلى قول ابن جبير عنها كما إصبع صغير يحاولُ الوصولَ مشارفَ البدر:

"ثمّ سافرنا إلى بغداد مدينة السّلام، وحضرة الإسلام... (وقال) أبو الحسن بن جبير: وهذه المدينة العتيقة وإن لم تزل حضرة الخلافة العبّاسيّة،... فقد ذهبَ رسْمها ولم يبقَ إلا اسمها،... فلا حُسن فيها يستوقف النّظر... إلا دجلتها التي هي بين شرقها وغربها كالمرآة المجلوة بين صفحتين،... والحُسن الحريميّ بين هوائها ومائها ينشأ".

يحبّ ابن بطّوطة المرأة الثريّة وينحني لجلالها كحاله مع بغداد، ويقبّل يديها بأناقة ما تملكه أصابعُها من ثمين خواتم العصور. ويعشق المطواعة الهنيّة كما عينيّ دمشق التي يتلهّف للقائها، ويحفظ لها ودّها في موروث مدائنيّ يكتبهُ بولهِ السّرد واشتياقه.


وشوشة الحواشي:
" " ما بين قوسي التّنصيص، مقتبسٌ من كتاب: ابن بطّوطة، تحفة النّظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه: طلال حرب، لبنان، دار الكتب العلميّة.
( ) ما بين القوسين لدلالة على أهميّة الاستشهاد.

بقلم الكاتبة: غفران قسّام- جدّة.

يتبعْ... الوله السّرديّ في نصّ ابن بطّوطة (2): "سرد ما خلف الحجاب".






#غفران_قسّام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما حدّثتني به شهرزاد
- نعيم عبد مُهلهل (مُزْنٌ كأنّه قانون)!
- نعيم مهلهل (غابةُ حُسْنٍ وإنْ غابتْ عنكم..)!


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - غفران قسّام - الولَهُ السّرديّ في نصّ ابن بطّوطة(1): سردُ المدائن