|
شؤون تنحتُ في القلب
محمد سعيد الصگار
الحوار المتمدن-العدد: 2957 - 2010 / 3 / 27 - 19:07
المحور:
الادب والفن
قررت أن أمنح نفسي عطلة عن الكتابة، تجنّباً للهذر والإطالة، والتماساً للراحة التي صارت عصيّةً عليّ، بعد الخوض في شؤون العراق الثقافية والسياسية والإجتماعبة بشكل متواصل منذ سنتين ونصف في الصحف العراقية والعربية، كنت خلالها متوهج العواطف والأعصاب، أكبس على غضبي لئلا يُفلتَ فيأتيني بما لا أحب. وإذ كنتُ دقيق الإختيار للقنوات التي أطلّ منها على القاريء، صيانةً لما أكتب، واحتراماً لقرائي في هذه القنوات؛ اقتصرت كتاباتي على عدد قليل من تلك القنوات، من بينها (المدى).
وكنت على غضب شفيف على صديقي التاريخي، فخري كريم، وكان لمزاجي الشائك والحساس شأن في خصوصية علاقتي بفخري، وهو مزاج يعرفه فخري كريم أكثر من سواه، كاد أن يبعدني عن (المدى) وفخري معاً. ولولا الكبس على الغضب، وهو غضب (إخواني) لا يصل حدّ القطيعة في كل الأحوال، لكان لنا شأن لا نحبه ولا نسعى إليه؛ وكنتُ خسرت بسببه صداقات وعلاقات طيبة مع كثير من القراء، بفضل ما نشرته في (المدى).
أعدتُ على نفسي السؤال الخالد: »لمن يكتب الأديب«؟ لقارئه أم لفخري كريم المغضوب عليه من قبلي (إخوانياً) والمهدّد بالمقاطعة؟ قلتُ إن (المدى) مداي، قبل أن تنهض ويتمدد أفقها وتصبح بجهد فخري ممتدّةً على هذه المساحات. فما معنى أن أغضب عليها وعلى فخري وهما يتعاملان مع كتاباتي بمنتهى التقدير؟ وكيف أشكر قرائي وأتناقش وأتسامر معهم، إذا غادرتُ خيمة (المدى)، وأنا ممن يختار قنوات أفكاره، ويُعنى بها؟
أطفأتُ غضبي على فخري ومزاجه، وأجّلتُ مضاعفات مزاجي الشائك، وقررت الإنسحاب من دائرة القول، وتعطيل مساهماتي في جريدة (المدى)؛ وهي مساهمات متواضعة ما كنت أظن أن تجد لها صدى، ولكنها وجدت ذلك الصدى، وجاءتني بمداخلات ورسائل وضعتني بين قوسين؛ أن أواصل علاقتي بالقراء، رغم غضبي الشفيف على فخري كريم، أو أن أريح نفسي وفخري والقراء مما أهذي به.
قررتُ أن أنفرد بقرائي ومشاكلهم التي تستريح معي على المخدّة ؛ وهي مشاكل تتناسل في وعيي، ومنها ما لا يغادره.
ولكن ما وجه هذه المشاكل، وما أبعادها بعد أن جرت الإنتخابات بما كنا نأمل من وعي العراقيين الذي كان موضع تقدير نستحقّه ونشكرهم عليه.
المشاكل القادمة التي نتابع أبعادها لا تبعث على المسرّة، فما زال شبح التحاصص في اقتسام المواقع السيادية يطغى على مجمل الكتل السياسية، ويكذّب دعاوى ما قبل الإنتخابات، فما الذي ننتظر؟
في مقال سابق لنا عن (هذه البرمكيات) التي خصصت أموالاً طائلة، وامتيازات خرافية للنواب وأتباعهم، لا سابق لها، عجبنا من رصد تلك المخصصات التي تأخذ من ميزانية الفقراء ما هم في حاجة إليه.
واليوم ماذا نقول في نصف مليار دولار صُرفت على وسائل الدعاية والإعلان للمرشحين في هذه الإنتخابات التي نعتزّ بها؟
نصف مليار دولار، عدّاً ونقداً للدعاية لمرشحين لم يفز أكثرهم ! والتي عادت إلى أيدي الحواسم الجدد الذين يبيعون مخلفات الإعلانات الضخمة ويتاجرون بها.
ولكنني، من جانب آخر، سُررتُ بما أتاحه الله لزملائي الخطاطين الفقراء، في العادة، من هذه الموجة الإعلانية المجنونة، ويا ليتنا كنا معهم !
ولكن التساؤل لا يغادرنا عمّا إذا كان هناك وعي من نوع ما لحاجة الوطن الرازح تحت مشاكل البطالة ومشاكل الكهرباء والصرف الصحي والمواصلات وغيرها مما يعرفه الجميع ويتمسكون بالعروة الوثقى لوعود الكتل السياسية؟ كم من المستشفيات والمدارس ومعاهد العلم والبيوت المهدومة والأهوار المدمّرة، والطرقات المتعثرة والأنهار الملوّثة، كان جديراً بهذا الإنفاق الخرافي اللامسؤول، للإعلانات؛ حتى ولو كانت من مصادر غير عراقية؟
لا نستعدي أحداً علي أحد، ولكننا لا بدّ أن نتسائل، وننتظر الجواب ممن له شأن في ذلك؛ خصوصاً في ما يتعلق بثرواتنا الطبيعية والإنسانية، وحاجاتنا الحياتية. من أين جاءت هذه الملايين وما أوجه صرفها، وما هو الوازع الوطني و الأخلاقي لتقبّلها وإنفاقها بهذا الشكل البرمكي المخجل على ظروف ليست في موضع الإستحقاق.
أنا اليوم أتابع المرحلة الإنتخابية الأولى للإنتخابات الفرنسية التي ظهرت نتائجها قبل أن أتعشى، في حين ننتظر نحن نتائجنا بعد أسابيع؛ وأتساءل: أما كان من الممكن أن تخضع هذه الموارد للرقابة والتوجيه، ويخصص جزء من النصف مليار دولار المصروفة على الدعاية، لشراء أجهزة متطورة تأتينا بالنتائج يوماً بيوم، بل ساعةً بساعة، ولا تحرق ما تبقًى من أعصابنا؟
أدري أنها أسئلة ساذجة لا تغيب عني وعن القراء، ولكنها تحفر في القلب، ولابدّ للمصدور أن ينفث.
الآن بدأت عطلتي مع (المدى)، ومع غيرها، وبدأت معها عطلة قسرية مع المستشفيات والأطباء التي تريد أن تُعيد الشيخ إلى صباه، وهي عطلة قد تطول، ولا أظن أن يسعف العمر بنهاية لها. شكراً لكم، وعذراً على هذه الحالة الخاصة التي جئتكم بها. وداعاً.
#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو المربد السابع
-
غداً موعدنا مع الغد
-
الصگار في حوار مع جريدة المدى
-
برمكيات
-
البرد وعلي الشرقي والإنتخابات
-
إحماض قبل الإنتخابات
-
ايمان صبيح والوعي الرياضي
-
قداس الميلاد في كنيسة الكلدان في
...
-
سيدات محافظة واسط
-
سامي عبد الحميد لا ̷
...
-
خذ قصيدتك وامش ١
-
إنا لله وإنا لهذا العراق
-
مزالق الشيخوخة وفؤاد التكرلي
-
نعمة الملل
-
آفاق الكتابة
-
محمد شرارة الشجرة الوارفة
-
مجسّات القلم
-
رجلان ... أي رجلين!
-
يوسف العاني يلاطف حيرتي
-
اوراق سياسية - لقاء مع حازم جواد
المزيد.....
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
-
السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
-
فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف
...
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|