أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - الأداء التمثيلي المسرحي عبر العصور















المزيد.....


الأداء التمثيلي المسرحي عبر العصور


سرمد السرمدي

الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 02:08
المحور: الادب والفن
    



قبل ان تتبلور فكرة الدراما وتصبح نشاطاً له اصوله وقواعده ويشترك فيه المؤلف والممثل والجمهور وكذلك منظم العرض، كان الانسان البدائي يعبر عن دواخله وما يشعر به من خوف وشجاعة وتردد واقدام، وصراعه مع قوى الطبيعة، فيضانات، حرائق، اوبئة، حيوانات ضارية(عبّر عن هذه العواطف المتضاربة بواسطة الرقص والحركات التعبيرية لذلك عدّ الرقص وسيلة من "اقدم الوسائل التي كان الناس ينفسون بها عن انفعالاتهم) التمثيل وان الطبيعة الاصلية لنشوء الفعل التمثيلي ، بجميع تجلياته واشكاله في الزمان والمكان مصدره ( الميل الغريزي إلى التحول ومفارقة الذات )(1) .
هو عمل يقوم به شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص من أجل محاكاة وتقليد أشخاص آخرين أو موقف لغرض وهدف معين ومهمة الممثلون هو تجسيد النص المسرحي بما فيه من أحداث وشخصيات وأفعال وحوارات بشكل مرئي ومنظور على خشبة المسرح أمام المتفرجين .أن فن التمثيل مر عبر عصور تأريخية طويلة فقد بدأ التمثيل عند الإغريق اليونان على شكل رقصات وحركات إيقاعية يؤديها الممثلون في الطقوس والاحتفالات الدينية ، وفي هذه الطقوس والممارسات الحركية التي يصاحبها بعض التراتيل والحوا رات بدأت ملامح التمثيل الأولى ففي المهرجانات والطقوس والاحتفالات القديمة ( يتحرر الناس من مقاييس ، المكانة والمرتبة والسن . والوضع المالي ويتصلون مع بعضهم البعض ويشتركون حتى في المكان المقام عليه الاحتفال )(2) ، وقد أعتمد فن التمثيل عند الشعب اليوناني على قوة الصوت وجماله وحسن تلوينه مع بعض الحركات البهلوانية والاستعراضية ، كذلك كان التمثيل خطابياً جامداً بسبب عدم وجود القوانين والمعايير الخاصة لفن التمثيل وقد تنوع التمثيل عند الإغريق إلى نوعين مهمين وهما التمثيل التراجيدي والتمثيل الكوميدي.هذا بالنسبة للإغريق أما الرومان فقد تأثر المسرح لديهم بالتقاليد اليونانية ألا أن الرومان طوروا التمثيل وأضافوا عناصر جديدة إليه مثل تمثيل الكوميديات الموسيقية والتمثيليات الإيمائية ولكن الطفرة الكبرى في المسرح الروماني كانت صيغ التمثيل مسخرة لإبراز بطولات الشعب الروماني والمعارك العنيفة التي يخوضها .
وهذه الممارسات التي هي رد فعل ازاء الطبيعة بما تحمله من متناقضات وكانت النواة الاولى للمسرحية ، كونها تحتوي على اهم عنصر في الدراما، وهو الصراع، وهناك ممارسات اختلط فيها الرقص والغناء والايقاعات المتنوعة يعبر فيها عن طريق الجسد، هذه الحركات الراقصة والايقاعات المصاحبة لها تتطلب من الفرد او المجموعة التي تؤديها ان تبالغ في الحركات واطلاق الصيحات العالية والصرخات في سبيل ان تؤدي الغاية المرجوه منها وهو الهيمنة والسيطرة على الطبيعة.
ولم تنحصر هذه الطقوس في مجمع معين، بل مارستها مجتمعات الحضارات القديمة مثل حضارة وادي النيل ووادي الرافدين، اذ انها كانت تقوم بطقوس معينة مثل احتفالات رأس السنة في بابل وطقوس نزول عشتار الى العالم السفلي، وغيرها من الطقوس والممارسات التي تحمل في جوهرها فكرة الدراما.
تطورت هذه الطقوس واخذت شكلاً معيناً وتجسدت بالدراما، لقد تبلورت السمات النوعية الاساسية للدراما الخصائص الجوهرية لاصنافها بالدرجة الاولى الكوميديا والتراجيديا منها، تبلورت واكتسبت تجسيدها الكلاسيكي في ادب الاغريق القدامى في نهاية القرن السادس وخلال القرن الخامس قبل الميلاد وذلك من خلال الاعمال الابداعية لكتاب المسرح الاثنيين العظام اسخيلوس ، وسوفوكليس، ويوربيدس ، ودارستوفانيس
ونجد ثيسبس 534ق.م، الذي اليه ترجع المبادرة في ايجاد الممثل الاول الذي اخذ بتبادل الحوار مع رئيس الجوقة، وعرف على انه الرجل الذي كان يقف على عربة ويحمل عصاه، ومن مكانه هذا كان يخاطب، افراد الجوقة ورئيسها
هذا التجاذب في الحوار بين الممثل وافراد الجوقة وامام عدد من المتفرجين يتطلب من الممثل ان يؤدي بصوت مرتفع وحركات مبالغ فيها بغية ايصال ما يراد ايصاله الى المتلقي، ولكن اسخيلوس 525-456ق.م، استحق الريادة الحقة فاضاف الممثل الثاني واعتماده على نص درامي وتوظيفه للاقنعة والملابس
ووظيفة القناع هي ابراز الشخصية بشكلٍ واضح ومبالغ فيه وكذلك ايصال المعلومة للمتلقي حول ما اذا كانت الشخصية المجسدة كوميدية او تراجيدية، ووظيفة القناع الاخرى هنا هي ايصال الصوت عن طريق التجويف الفمي الموجود في نفس القناع، وبهذه الصورة يخاطب الممثل المجموعة الكبيرة من الجمهور المتلقي مما يدفعه الى المبالغة في الالقاء وفي الحركة.
ينطبق هذا الحال فيما يخص الية التمثيل وعمل الممثل على اعمال سوفوكليس 497-496ق.م في الوقت نفسه الذي ظهر فيه كتاب كتبوا المسرحيات التراجيدية ظهر كتاب كتبوا المسرحيات الكوميدية وتركوا بصماتهم على مر العصور المسرحية ومن هؤلاء الكتاب ارسطو فانيس 455-375ق.م وجاء ميناندر 342-291ق.م. الذي حاول ان يعمل على تهذيب الكوميديا وكان اخر قمة في الكوميديا. والممثلون لهذا النوع من المسرحيات يبالغون في تكبير حجومهم وكانوا يعملون على حشو منطقة البطن من الامام وكذلك منطقة الاردان من الخلف في سبيل اثارة الضحك من قبل المتفرجين.
وبصورة عامة سواءً أكان التمثيل خاصاً لمسرحيات تراجيدية او المسرحيات من النوع الكوميدي فأن ظاهرة المبالغة لم تتأتَ بشكل قسري بل جاءت لضرورة من الضرورات التي يتطلبها التمثيل انذاك، وهي كذلك عرف فن الاعراف المتفق عليها، اذ ان الممثلين بنعالهم العالية والكوثوريوس، واقنعتهم المرتفعة الاوانكوس قد اهتدوا الى ضرورة الصوت الجهوري والالقاء المقحم والحركة الاسلوبية للتلائم مع المسارح الضخمة المكشوفة التي كانوا يعملون فيها
وقد غالى بعض الممثلين في اظهار الانفعالاتهم على اساس انهم يعيشون لحظات الصدق التي تتطلبه الشخصية التي يجسدونها، مما جعلهم يخرجون عن المالوف وعن كل ما هو منطقي في التمثيل فبينما كان ايسوب اليوناني المولد يمثل في روما اخذته حماسة العاطفة في دور اتريوس الى درجة انه قتل احد الخدم عفواً. كما استطاع بولاس العظيم وهو يمثل دور الكترا ان يتوصل الى اقناع نفسه واقناع الجمهور باحزان بطلة الماساة بان حمل بقايا جثمان ابنه في الانية التي كان من المفروض ان تحتوي روماد اورستيوس , (بنى المسرح نظاماً ثقافياً خاصاً في الحياة البشرية ضمن العلوم والمعارف والثقافة والتي تخارج معها فأفرزت نظم الأدب والفن, لذلك نجد أجزاء وعناصر كثيرة في المسرح تنتمي إلى نظم ثقافية وفنية متعددة)
وقد تشابه التمثيل في بعض جوانبه فن التمثيل الإغريقي من حيث استخدام الممثلون الأقنعة ، كذلك كان التمثيل التراجيدي بطيئاً وغنائياً وخطابياً ، بينما كان التمثيل الكوميدي أسرع وأكثر حواراً ، بالإضافة إلى أن الأزياء كانت منوعة من حيث الشكل فلكل شكل تمثيلي أزياءه الخاصة ، أما الموسيقى فكانت تستخدم قليلاً وإلى حد ما ، لذلك كان جميع الممثلين من الرجال فقط !..وقد تغير التمثيل في القرون الوسطى من حيث ارتباط هذا التمثيل بالمسيحية ..، وهكذا أرتبط المسرح بالكنيسة ..، ونتج عن ذلك احتياج الكنيسة ورجال الدين إلى المسرح والتمثيل أن ظهرت أربع أنواع رئيسية من التمثيليات في العصور الوسطى وهي تمثيليات الأسرار والتي تعتبر امتداد للطقوس الدينية لكنها ذات صفة مسرحية ، وتمثيليات المعجزات والتي تعبر عن أفعال وكرامات ومعجزات القديسين ، والمسرحيات الأخلاقية التي تمثل الخير والشر وصراع نما في داخل نفس الإنسان ، والنوع الرابع من التمثيليات هي تمثيليات الاستراحة وهي مقاطع تمثيلية خفيفة تقدم بين أجزاء التمثيلية الواحدة الكبيرة .وقد تميز تمثيل تلك الصنوف الأربعة من التمثيليات بامتزاج الممثلين مع الجمهور ، كذلك وجود عدد غير قليل من المنصات وعلى كل منصة يمثل عليها حدث مسرحي أو تعبر تلك المنصة عن مكان وزمان واحد ، كذلك في تلك الفترة أصبح الممثلين من الرجال والنساء والأطفال ، كذلك كان التمثيل يتميز بالغناء والتراتيل وظهر الاعتناء بأزياء الممثل وأدواته في التمثيل .وفي عصر النهضة حيث ظهرت نهضة شاملة في الفنون ومنها فن التمثيل والمسرح ، فقد أهتم الأمراء والنبلاء بالمسرح كثيراً ، وكذلك تطورت تقنيات المسرح مثل العمارة المسرحية والمناظر المسرحية والاضاءه والمؤثرات الموسيقية ، كما ظهر نوع مهم من التمثيل سمي كوميديا ديلارتي أو الملهاة المرتجلة ، وهي التي تعتمد على الممثل بالدرجة الأولى الذي يستند في تمثيله إلى فكرة بسيطة أو حدث بسيط ويقوم الممثلون بارتجال الحوادث حول ذلك الحدث ، أضافة إلى تميزها بالحركات البهلوانية والإيماءات المضحكة ، أما بالنسبة لشخصياتها فهي شخصيات نمطية .
ما يثير الانتباه في هذا العصر الذي هو امتداد للعصر الاغريقي، هو ظهور التمثيل الايحائي الصامت والتمثيل الايحائي الهازل، في هذا النمط من التمثيل يستعرض فيه الممثلون انفسهم امام مجموعة من الجمهور وهم يرتدون ملابس كبيرة قياساً لاحجام اجسامهم الطبيعية مع وضع الاقنعة المبالغ في حجمها ويقسمون اعمالهم بشكل مرتجل( ).وعادة ما يقوم الممثل في مثل هكذا اعمال الى المبالغة والافتعال في سبيل استقطاب المشاهد ولاسيما اذا علمنا ان الجمهور في هذه المرحلة لايعبأ بالمعايير التي تحدد سلوكه عند مشاهدة المسرحية، وقد استحدث الرومان كذلك حدثاً نسقياً مرسوماً هو نظام فرق الهتافة والمصفقين الماجوريين التي دل على انه مجلبه للقلق والازعاج في اكثر من حقبة تالية … ومن ثمة كانت فرق الهتافة الماجوريين تنظم على اساس ان يكون عملها هو اشعال نار الحماسة بين الجمهور هذا ما يدفع الممثل وهو يعيش حالة الفوضى هذه الى المبالغة في تجسيده للشخصية المناطة به في سبيل استقطاب المشاهد الذي يعيش حالة الفوضى والذي يعمل على انه يبعد الممثل عن التلقائية ولاشك ان فناً تدعي اليه امثال تلك الفرق من الهتافة الماجورين هو بالتاكيد فن منحط او فن كاذب مصطنع بصورة عامة فان العروض المسرحية في العصر الروماني مالت نحو المبالغة في الحركة والصوت تلك العروض التي اتسمت بالحركات الاستعراضية والعروض الخاصة والمسرح الارتجالي وربما كانت المسارح الرومانية اكبر من ان تناسب أي نوع من انواع الاستعراضات القائمة على الحيلة، ومن ثمة كانت الاحداث المثيرة للعواطف والكفاح الشخصي القائم على القسوة والفخامة المذهلة… مما يتناسب وتلك الحقبة التي امتلأت باعمال العنف….هذه العروض معظمها كانت تشاهد بالمجان، والمشاهدون الذين يشاهدون هذه العروض لا يشغلهم عنها شاغل لشدة ولعهم بها.
ولا يعني مما تقدم بأي حال من الاحوال انه لم يكن في روما، أي لون من الوان العروض التي تحتوي على عناصر درامية، فقد حفظ تاريخ روما القديم، الذي يمتد من بداية عصر بناء روما حوالي عام 753 ق.م حتى عام 240 ق.م، بعض المحاولات التي تحمل البذور الاولى للدراما الشعبية، وتمثلت هذه المحاولات في الاشعار الفيسكينية التي هي مجموعة من الاغاني الريفية البهيجة المرحة التي تنشد في بعض المناسبات السارة كأعياد الحصاد وحفلات الزواج ومواكب النصر، والساتورا التي يمكن اعتبارها تطوراً للاشعار الفيسكينية والتي اندمج فيها الرقص والموسيقى مع الانشاد، والقصص الاتيلانية نسبة الى مدينة اتيلان جنوبي روما، ولكن هذه الالوان ما كانت تقف امام عظمة التراجيديا وسحر الكوميديا اليونانية، لهذا كان الرومان على استعداد لان يتقبلوا الفن الدرامي اليوناني ويقبلوا عليه، منذ ان بدء يعرضه عليهم ليفيوس اندرونيكوس حوالي 240 ق.م.وفيما يخص التراجيديا اليونانية فانها تبدو جافة متصدعة البناء لما تحتويه من تأثيرات درامية وخطابية عالية.
في حين أن التمثيل في القرن الثامن عشر أصبح فيه الممثل هو العنصر الرئيسي في العمل المسرحي ، وظهر مبدأ تصنيف الممثلين إلى مراتب ، فهناك ممثلين للأدوار الرئيسية وممثلين للأدوار الثانوية وممثلين لأدوار المجموعات ، كذلك أعتمد الممثلين في هذه الفترة على خبرتهم الخاصة ، وكانت معظم مشاهد المسرحية في مقدمة المسرح حيث يقف البطل في المركز ومن حوله يتجمع الآخرون من الممثلين ، وكذلك يوجه الممثل خطابة وإلقائه إلى المشاهد مباشرة ولا يوجهه إلى الممثلين ، مع استخدام الأثاث والديكور على الخشبة في تلك الفترة ، ومن بين الأعراف التي سادت في فن التمثيل خلال هذا القرن هو أن الممثل لا يعطي ظهره إلى الجمهور أثناء التمثيل ، كما يلجأ الممثل إلى الصراخ والتأوه للتأثير على الجمهور .لكن التمثيل في القرن التاسع عشر أصبح مختلفاً ، فقد أصبح الممثلون يستخدمون كل أجزاء المسرح بدلاً من مقدمة المسرح فقط ، وأصبح الممثل يعطي ظهره للجمهور بحسب الموقف المسرحي ، كذلك ظهر في التمثيل مبدأ الإيهام بالواقع ..، أضافة إلى ذلك اشتهر الممثل بالوقفات الصامته الطويلة أثناء التعبير عن الموقف العاطفي والانفعالي ..، كما تم خلال هذا القرن بالأهتمام بالدقة التأريخية أثناء أختيار المناظر والديكوارت ذات الأبعاد الثلاثة الديكورات المجسمة وليس المناظر المرسومة في مؤخرة المسرح ، فضلاً عن ذلك تم تقديم واعتماد قوانين التعبير المسرحي حيث ربطت بين العواطف والأفكار بأجزاء جسم الممثل المختلفة .أما التمثيل في القرن العشرين فقد شهد متغيرات واكتشافات في مجال الفن المسرحي ، مثل المسرح الرمزي والمسرح العبثي والمسرح الوجودي والمسرح الملحمي والمسرح الإيهامي ، وكل مدرسة مسرحية لها طريقة تمثيل خاصة بها ..، ولكن أهم طريقة للتمثيل ظهرت في هذا القرن طريقة المخرج الروسي ستانلافسكي الذي يعطي للمل فرصة حقيقية لتفحص الشخصية والاندماج بالدور اندماجاً كاملاً ..، واعتبار الممثل هو الركن الأساسي في العرض المسرحي ، أما الذي وقف مقابل هذا التمثيل المخرج الألماني بريخت الذي كان الأساس في مسرحه هو الفكرة والقيمة وليس الممثل بل الممثل هو مجرد وسيلة لإيصال تلك الفكرة .في حين أن التمثيل في القرن العشرين أقترب من السلوك من الحياة الاعتيادية وابتعد عن المبالغة والتصنع ..، وكذلك تعددت أساليب التمثيل وأشكاله واتجاهاته ، وعموماً تميز التمثيل في هذا العصر بثلاث اتجاهات مهمة أولهما الاتجاه التمثيلي الذي حاول أن يشبه العمل المسرحي بالصور الحياتية ويقترب من الإيهام بالواقع ، والثاني الاتجاه التقدمي وفيه يكون التمثيل معبراً عن الصفة المسرحية له وبعيد عن الحياة ، أما الثالث فهو الاتجاه التمثيلي التقدمي الذي يجمع مابين الاتجاه الأول والثاني .
في العصور الوسطى هيمنت الكنيسة على جميع مفاصل الحياة على اساس نشر الوعي الديني وتعميق جذوره في المجتمع انذاك، وكجزء من الياتها لايصال مفهوم الدين الى عموم المجتمع عمدت الى تبني التمثيل داخل الكنيسة اذ لم يلبث المسرح كسائر الفنون في العصر الوسيط ان انبعث بعد قرون على يد رجال الدين انفسهم… فلاعجب اذ رأينا مراسم القداس الدينية في الديانة المسيحية تصبح في العصر الوسيط المصدر الذي بعث على مدار السنين ذلك الفن التمثيلي القديم الذي حاربته الكنيسة بضعة قرون( ) وتطبيقاً للمهام الملقاة على عاتقها عمدت الكنيسة الى ابراز حسنات الاعمال الصالحة وما سيلقاه فيما بعد في الاخرة الانسان الذي يقوم بها، وكذلك ابراز الاعمال الصالحة وما هو العقاب الذي سيلقاه صاحب هذا العمل الصالح، فعمدت الى ابراز الملائكة الصالحين والشياطين والابالسة والمردة، وازاء هذه الحالة فانه بالضرورة يعمد الممثل الذي يؤدي اية شخصية من هذه الشخصيات الى المبالغة في سبيل التأثير على المتلقي وايصال المفاهيم الدينية الموجهه اليه، ويؤكد عبد الرحمن صدقي في كتابه المسرح في العصور الوسطى الديني والهزلي ان ادم وحواء بعد طردهما من الجنة يرتميان على الارض ويقومان بضرب الصدر والفخذين في حركة بائسة ومبالغ فيها تأسياً على فقدانهما الفردوس. وفي العصور الوسطى برزت فعاليات والاعيب للحواة وعرض المساخر، والتقليد المضحك للممثلين الذين كانوا يعملون ضمن الفرق الجوالة، وهذه الفعاليات تدخل ضمن عروض الفرق الجوالة في تلك المرحلة وكانت تدخل ضمن المسرحيات الهزلية والمسرح الهزلي.
واذا كانت هذه المهازل ما يدعوا لاثارة الضحك عن طريق محاكاة بعض اصحاب العاهات والسخرية بهم والتندر عليهم، فان بعضها هادف يعرض المهازل الحياة الزوجية من تالب الزوجة والحماة على الزوج المسكين او المهازل الحياة الاجتماعية بما فيها من تفانين المكر والخداع الشائعة في معاملات الناس.
وسواءً اكانت هذه العروض المسرحية هادفة ام غير هادفة فأن الممثل يقوم باستعراض الحركات البهلوانية لغرض التسلية فقط فان الممثل يقوم باداء دوره بشكل مبالغ فيه، وذلك لضرورات تفرض نفسها كان تكون مرسومة مسبقاً، وكما جاءت في التوجيه الخاص لشخصية الشيطان الذي ثبته مؤلف مسرحية آدم وهي مسرحية مجهولة المؤلف وكما اكد عليها عبد الرحمن صدقي في كتابه المسرح في العصور الوسطى الديني والهزلي في ضمن التوجيهات او التعليمات الموجهة للشيطان ولاسيما عندما يتوجه نحو حواء وهي شخصية موجودة في مسرحية آدم المارة الذكر، فان عليه ان يخاطبها مصطنعاً طلاقة الوجه واللسان ومنطلقاً معها في الكلام، وهذا ما يدعو شخصية الشيطان الى المبالغة في الاداء في سبيل التأثير على شخصية حواء واغوائها هي وادم مما سبب في خروجهما من الفردوس.وهناك ضرورات تفرض نفسها على الممثل تتعلق بطبيعة الجمهور الذي يشاهد هذه العروض الموجهة اليه مباشرةً على اساس تعميق الجانب الايماني لديه.
وان كان عصر النهضة قد بدأ في ايطاليا الا ان المسرح نشط خارجها، ولم يكن المسرح هو الذي برز الى الوجود، بل برزت جميع المجالات الابداعية وكذلك الافكار الجديدة في السياسة والدين والفن بسبب ان اوربا كلها كانت عند نهاية القرن الخامس عشر تجتاز مرحلة تاريخية بتأثير تلك الثورة التي اطلق عليها اسم النهضة، وكانت هذه النهضة في جوهرها تطوراً يتطلع الى الامام، وفيها ظهرت افكار جيدة في السياسة والدين والفن حلت محل الافكار التي ظلت وافية بحاجات الناس امداً طويلاً( ).
وبرزت اسماء كبيرة لممثلين تركوا بصماتهم على مر العصور المسرحية مثل بيرباج 1567-1619 الذي استطاع ان يجسد بابداع عالٍ وشخصية مثل هاملت، لير، عطيل، وكذلك دافيد جاريك 1717-1779 الذي عد من اعظم ممثلي انجلترا في القرن الثامن عشر. و اندموندكين 1787-1833 الذي جاء بعد جاريك بحوالي نصف قرن.وازاء المبالغة التي كانت ظاهرة بارزة ظهرت دعوات لتجاوزها وقد جاء على لسان هاملت في مسرحية لـ شكسبير على تجاوز هذه الحالة وصولاً او اعتماداً على الحياتية في التمثيل كونها اكثر اقناعاً من اولئك الذين ينشرون الهواء بايديهم ويمزقون العواطف ارباً ويفقون هيرودس في المبالغة.
وجاء في كتاب الدكتور عقيل مهدي نظرات في فن التمثيل ليؤكد على هذا الجانب وكما جاء في خطبة هاملت في المسرحية المسماة باسمه لشكسبير يوصي فرقة الممثلين ويرجوهم ان لا يبالغوا لان كل مبالغة كما جاءت على لسان هاملت في القول والحركة انما هي نابية عن غابة التمثيل.
وفي فرنسا، في مطلع القرن الثامن عشر برزت الممثلة ادريان ليكوفريد 1692-1730 قال عنها فولتير فيما يخص ظاهرة الافتعال بانها ابتدعت فن مخاطبة القلوب واظهار المشاعر والصدق حيث كان لا يظهر من قبل سوى الافتعال والخطابة

المصادر
1- الكفايات التدريسية لمدرسي مادة التمثيل في كليات الفنون الجميلة والتربية الفنية ,اطروحة تقدم بها عباس محمد ابراهيم,الى مجلس كلية الفنون الجميلة , جامعة بغداد ,وهي جزء من متطلبات درجة دكتوراه فلسفة في التربية الفنية , طرائق تدريس التمثيل , بأشراف استاذ فن – سامي عبد الحميد ,بغداد 1997 .
2- سعد ، صالح : الانا – الاخر ازدواجية الفن التمثيلي ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 274 ، الكويت ، 2001
3- هيلتون ، جوليان – اتجاهات جديدة في المسرح – ترجمة د. امين الرباط ، سامح فكري – مركز اللغات والترجمة – اكاديمية الفنون – مصر – القاهرة – 1995
4- تشيني، شلدون، تاريخ المسرح في ثلاثة الاف سنة، ج1، تر، دربني خشبة، القاهرة، المطبعة النموذجية، وزارة الثقافة والارشاد، القومي
5- صدقي، عبد الرحمن، المسرح في العصور الوسطى والديني والهزلي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتاليف والنشر، 1969
6- نكيول، الارويس، المسرحية العالمية، ج1، تر، عثمان نويه، القاهرة، مطبعة الرسالة
7- تحولات أداء الممثل في المسرح الملحمي وتطبيقاتها في المسرح العراقي,أطروحة دكتوراه (فلسفة ) تقدم بها فائز طه سالم العبيدي,إلى مجلس كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد,وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه,في الفنون المسرحية / تخصص تمثيل,بإشراف الدكتور وليد شامل حسين,1427 هـ ,بغداد ,2006 م
8- التوظيف الدرامي للرؤية التشكيلية في المنظر المسرحي العراقي ,رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في التقنيات المسرحية تتقدم بها اسيل ليث احمد العزاوي اشراف د.ضياء انور حبش التكريتي 2003م بغداد 1424هـ
9- توظيف جسد الممثل في العرض المسـرحي العراقي دراسة أنثروبولوجية أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه فلسفة في الفنون المسرحية/ التمثيل من قبل ريكاردوس يوسف إبراهيم إشراف د. جلال جميل محمد بغداد1424ه‍ 2003م
10- التمثيل بين العفوية والمبالغة في عروض المسرح المدرسي في العراق ,(دراسة تحليلية),رسالة ماجستير تقدم بها,زهير حميد علوان البياتي,الى مجلس كلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد , وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير, في الاخراج المسرحي,باشراف الاستاذ المتمرس,اسعد عبد الرزاق,1426هـ , بغــداد , 2005م
11- أداء الممثل المعاصر للعروض الكلاسيكية’,في المسرح العراقي ,رسالة تقدم بها سعد محمد راضي ,إلى مجلس كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد كجزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير,فنون مسرحية – تمثيل,اشراف الدكتور حسين علي كاظم التكمه جي , 1427 هـ, 2006م
12- أداء الممثل في الأساليب الأخراجية الحديثة , رسالة مقدمة إلى مجلس كلية التربية الفنية/ جامعة بابل وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في الفنون المسرحية/ من محمد فضيل شناوة إشراف أ.م.د.عقيل جعفر مسلم, أ.م.د.حميد علي حسون بابل 1423ه‍ 2002م
13- د. إبراهيم حمادة ، معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية (القاهرة : دار الشعب ، 1971

الكاتب
سرمد السرمدي
العراق



#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمرد في دراما الفن المسرحي
- غروتوفسكي المخرج المسرحي البولندي
- -هيبياس الأكبر- أهم المحاورات الأفلاطونية
- مسرحية لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ
- الجمال في بنية التقنيات المسرحية
- المخرج ريتشارد فاجنر
- مفهوم القبح في الجمال.
- المسرح في الصين
- المسرح في العصور الوسطى
- من أجل ثورة عراقية زرقاء ام سوداء ؟
- الفنان كالسياسي كلاهما في سجن بول بريمر
- في المسرح العراقي لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !
- اغتيال طاهرعبد العظيم الفنان التشكيلي المصري
- مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية
- مقتل المشاركين في مسرحية عراقية !
- التمر العراقي والقوة الجنسية عند الكتاب العرب
- جفت دموع العراقيات في بلد دجلة والفرات
- الفن العراقي عاري عاري عاري
- علكة صهيونية تغزوا الأسواق العراقية
- ليس في لوحة الغدر لون للرجال – لحظة عارية 3


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - الأداء التمثيلي المسرحي عبر العصور