أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا















المزيد.....

كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2953 - 2010 / 3 / 23 - 16:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من كل قلبها، تريد نخب السلطة في بلداننا الازدهار والتفتح والديمقراطية لمحكوميها الأعزاء، لكنها تريد أشياء أخرى: أن تبقى في الحكم لا تتزحزح منه، وأن تضرب أي خصوم أو منافسين محتملين لها، وأن تكون المرجع الحصري لأية تفاعلات عامة محتملة بين رعاياها، وأن تُعرِّف الوطنية الصحيحة لمحكوميها، فتُخوِّن من تشاء حين تشاء، وأن تحوز نفاذا امتيازيا إلى الموارد الوطنية، وأن يعمل أربابها بالتجارة (مباشرة أو من وراء واجهة)، وأن يكونوا من أصحاب المليارات، وأن لا تكون النخبة ككل موضع مساءلة أو محاسبة، بينما يسعها أن تحاسب أي معارضين أو مسائلين محتملين لها، وأن لا توجد وسائل إعلام مستقلة، وأن يكون القضاء فاسدا وتابعا، والبرلمان أفسد وأتبع، وأن يرفع الحكام فوق المرتبة البشرية. نظمنا ليست مخلصة في طلب الديمقراطية والازدهار لما في عهدتها من بلدان فقط، وإنما يمتد إخلاصها إلى جمالات أخرى كثيرة.
وكانت أميركا في عهد بوش أرادت الديمقراطية في "الشرق الأوسط"، لكنها أرادت معها بضعة أشياء أخرى: أن تكون مرجعا أعلى لتفاعلات دولها، أي أن تدين لها السيادة الحقيقية في المنطقة، وأن تبقى إسرائيل أقوى دولها والمكفولة التفوق على مجموع هذه الدول، التي عليها أن تتصالح مع إسرائيل وتقيم علاقات سياسية واقتصادية وأمنية طيبة معها، وأن تنتشر قواعدها العسكرية في الإقليم، وأن لا تفكر دول الإقليم الغنية بالبترول في فرض عقوبات بترولية على أميركا، وأن لا ينجح الناس الخطأ، الإسلاميون أو أي وطنيين مستقلين، في أية انتخابات ديمقراطية حرة تجري في أي من دول الشرق الأوسط، الصغير أو الكبير أو الأكبر. أميركا جادة في تصدير الديمقراطية إلى الشرق الأوسط، قدر ما هي جادة في كمالات أخرى كثيرة.
وهي تريد اليوم، في عهد أوباما، تحقيق سلام عربي إسرائيلي، لكنها تريد أشياء أخرى معه: أن لا تقوم دولة فلسطينية تامة الاستقلال والسيادة، وأن لا تضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان أو تجميده، وأن لا تطالبها بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وأن تتحكم بعلاقات وتحالفات الدول العربية المعنية، وأن تشترك الدول العربية معها في محاصرة إيران، وربما في ضربها. أميركا أوباما راغبة في السلام في الشرق الأوسط، وفيما هو أكثر من السلام.
وتريد إسرائيل سلاما مع العرب، غير أنها تريد بضعة أشياء أخرى معه. أن لا ترجع الأراضي المحتلة للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وأن لا تقوم دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتمتعة بالاستقلال والسيادة، وأن لا تعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة أو تتنازل عن شيء منها، وألا يعود اللاجئون إلى مواطنهم، وأن تقيم الدول العربية جميعا معها علاقات طيبة سياسية واقتصادية، وأن تبقى أقوى من الدول العربية مجتمعة، وأن تنتهك حين يطيب لها أية اتفاقات سلام معقودة مع الدول العربية، فتتجسس عليها جميعا وتغتال من ترتئي اغتيالهم. إسرائيل حريصة فعلا على السلام والازدهار في المنطقة، وتعمُّ بركات حرصها أشياء أخرى كثيرة أيضا.
ويريد عموم الإسلاميين السياسيين الوحدة والمنعة وكل الخير لبلدانهم، وفوقهما بضعة أشياء أخرى: أن يكونوا هم الحاكمين، وأن يراقبوا الحريات الاجتماعية المتاحة للسكان في بلدانهم، وأن يجعلوا من "الشريعة" قانونا عاما أعلى لجميع السكان، وأن لا يتمتع السكان بحرية الاعتقاد الديني، وأن ترتدي النساء الحجاب أو النقاب، وأن لا يختلط الجنسان في المدارس والجامعات، وأن تغلق دور السينما، وأن لا تغني نساء في التلفزيون، وأن لا تقدم خمور في المطاعم والفنادق، وأن يكون الشعر عموديا، وأن يقاوم "الغزو الثقافي" والقيم الدخيلة على ثقافة "الأمة". ليسوا ضد الديمقراطية بحال. هم معها ومع "ثوابت الأمة".
قد يمكن تعريف "الشرق الأوسط" بأنه الإقليم الذي يريد فيه كل الفاعلين الأساسيين كل الأشياء المتناقضة. وبما أن هذا لا يستقيم، فإنهم يجعلون من الأشياء الطيبة تعريفات لهم أو هويات. كل ما تفعله نظمنا الطيبة هو تقدم وطني وديمقراطية وازدهار، وأي شيء يصادف أن يفعله الأميركيون الأخيار هو ديمقراطية وسلام، وتتوحد كل سياسات إسرائيل الفاضلة في سعيها وراء السلام هدفا وحيدا لها، وأيا يكن ما يفعله الإسلاميون الأطهار فهو في خدمة رفعة الأمة ووحدتها وخيرها.
الشيء المشترك بين الجميع هو رفض السياسة بما هي اعتراف بأطراف أخرى ومصالح أخرى، وما يقتضيه ذلك من تفاوض وتسويات وحلول وسط وتنازلات متبادلة. لا تقر نظمنا الحاكمة بأطراف اجتماعية أو سياسية مستقلة تقدم أمامها حسابا أو تقبل منها مساءلة أو تتفاوض معها. هي الوطنية مُقطَّرةً، فلماذا تتفاوض مع من لا يمكن أن يكونوا إلا خونة أو عملاء؟ ولا يتفاوض الأميركيون مع أي خصوم متصورين في "الشرق الأوسط" حول قضايا الإقليم الأساسية. هم معتدلون تعريفا، فلا يمكن لخصومهم إلا أن يكونوا متطرفين. والسياسة الصحيحة حيال المتطرفين هي المواجهة وليس التفاوض. ومعلوم أنه لا شريك فلسطينيا تتفاوض معه إسرائيل لصنع السلام. من يتفاوض مع "إرهابيين"؟ ولا تتحمل إشكالية التيار العام من الإسلاميين الاعتراف الجدي بأطراف سياسية وإيديولوجية أخرى، مستقلة. من يتفاوض مع من لا يمكن أن يكونوا إلا كفرة أو مرتدين؟
لكن جعل الوطنية تعريفا لحكامنا والسلام والديمقراطية والاعتدال تعريفا لأميركا والسلام تعريفا لإسرائيل وخير الأمة ووحدتها تعريفا للإسلاميين لا يرفع التناقض بين عناوين مرغوبة وسياسات مضادة لها. "يضطر" القوم إلى ممارسة العنف لرفعه. تذل نظمنا رعاياها لبناء الوطن، ويقتل الأميركيون من أجل الديمقراطية، وتحارب إسرائيل من أجل السلام، ويمزق الإسلاميون الأمة من أجل وحدتها ورفعة شأنها.
إلا أن هناك ما يحول دون تحقيق النجاح المطلوب رغم ذلك: يصر معاندون كثيرون هنا أن الحرب ليست سلاما، وأن الرعايا المهانين ليسوا "إخوة مواطنين"، وأن الاحتلال ليس ديمقراطية، وأن التمزق ليس وحدة. لكن ما لا يتحقق بالعنف يتحقق بمزيد من العنف، وفق شُرعة بن غوريون، الدستور الحقيقي لـ"الشرق الأوسط".
لا بد أن مقدار العنف غير كاف.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفي هو من يؤمن بوجود الطوائف
- وراء ثلاثة جدران فولاذية أو أربعة
- هل سورية معرضة للزوال ما لم يكن حكمها استبداديا؟ نقاش مع حاز ...
- الظاهرة الإسلامية.. صحوة أم رِدَّة، أم ربما فرصة؟
- الإصلاح الإسلامي وإيديولوجية الإصلاح الديني
- العدل... ولو انهار العالم
- لماذا نتخلف؟ ولم لا يكف تخلفنا وحده عن التقدم؟
- في تفقد الواقع وأشياء أخرى
- فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - كل الطيبات للطيبين، وكل الأشياء الأخرى أيضا