أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - لم يكن مجنونا ..ولكن















المزيد.....

لم يكن مجنونا ..ولكن


محمد نوري قادر

الحوار المتمدن-العدد: 2948 - 2010 / 3 / 18 - 18:40
المحور: الادب والفن
    



لم يكن يرغب في الصراخ يوما ولم يكن مشاكسا أو يميل الى العنف مع اقرأنه فقد كان هادئا يحبه الجميع , جميلا مظهره جذابا , حريصا متفانيا في واجباته التي تلقى عليه ,لكنه صرخ الان ,قد يوجد سببا ما يدفعه للصراخ ,فقد ظل يصرخ ويصرخ بأعلى صوته ويسب ويلعن ويشتم الطاغية حتى ظن من رآه ومن التف حوله انه مجنون قرب مسجد الدولة المقابل لمبنى محافظة ذي قار في تجمع قد أقيم هناك وانهالوا عليه ضربا مبرحا بأيديهم وأرجلهم وبكل ما يملكون من قوة حتى وقع على الأرض مغمى عليه ,حيث تعالت أصوات عديدة
انه مجنون
لا..لا ليس مجنون
لقد مات
لا لم يمت
هذا الكلب لم يمت
الى بأس المصير
اتركوه
كيف
لايمكن
يجب إن يأخذ جزاءه
لم يفعل شيئا
هل أنت معه
ماذا فعل
الم تسمعه
في حين بقي آخرون ينظرون إليه بصمت وحزن واسى لما أصابه يتهامسون فيما بينهم لا يستطيعوا إن يفعلوا شيئا ,وان فعلوا فأنهم يعرضون أنفسهم لخطر مميت ومسائلة لا تنتهي إلا بقضاء وقت لا يعلم مداه في إحدى الغرف المظلمة والزنزانات السرية ,وكان بعض من فقدوا الحياء وأصبحوا ذئاب مفترسة هتفوا بتلك الشعارات الزائفة وضربوه وهو مغمى عليه وهم يتوعدونه وأمثاله إن ينالوا عقابهم العادل لما جناه واقترفه من جريمة كبرى في عقولهم المريضة والموبوءة بالعفن في حق الوطن والطاغية وحملوه في سيارة ذهبت به مسرعة والغبار يلتف حولها إلى جهة لا يعلم بها احد, وهي غالبا ما تكون احد الأماكن السرية حيث يتم الاعتقال ولم يعرف عنه شيئا إلا بعد ثلاثة أشهر بعد سعي وجهد كبير ووساطات متعددة ورشاوى دفعت لمن يتعاطون السمسرة مع القائمين في تلك البؤر القذرة وأفعالهم القبيحة وممن يظنون أنهم قد فعلوا الخير وأحسنوا, الذين يصطادون ضحاياهم في المياه العكرة هم أيضا جزء من لعبة قذرة يتقاسمون فيها أجرهم عن كل ضحية تصطاد وهم وكلاء لتلك الأجهزة القمعية يعملون بأجر بخس قد عاهدوا سيدهم بالدم إن يحفظوا قدره وان يخدموه , فأخبروا أخوه انه سيتم نقله الى مصح عقلي في العاصمة بغداد حيث لايوجد مصح أخر غيره بعد إن ثبت في محضر التحقيق انه مجنون.
لكنه لم يكن مجنونا أو يدعي الجنون فلم يرضى يوما لأحد إن يقول عنه ما ليس له حتى وان كان مازحا , فقد كان معتزا بنفسه معتدلا لم يعرف عنه انه قد أساء التصرف أو أساء الفهم .لكن ذلك ما قد حصل حين صرخ في إحدى التجمعات التي كانت تقام والتي تعددت أسماؤها وعناوينها لغرض التعبئة وإظهار الولاء للسلطة والتي غالبا ما كانت تقام في تلك الساحة والتي تطل عليها شرفة من مبنى المحافظة شيدت لهذا الغرض يقف عليها من له شأن في إدارتها , أو احد ما يلقي كلمة في كل تجمع يحصل من تلك التجمعات التي يتوافد عليها جمع غفير من الطلبة والمعلمين وموظفي الدولة الذين خرجوا من دوائرهم بأوامر من مرؤوسيهم والذين هم بدورهم تلقوا أوامر من جهات أعلى, وعدد كبير من العشائر وعامة الناس رغم عدم رضا الكثير منهم واستهزائهم لكنهم حضروا رغما عنهم بالتهديد والإكراه حيث تكمن قوة السلطة ودمويتها .
كان (المجنون )ذلك هو ما أطلق عليه شابا في مقتبل العمر لم يتجاوز الثلاثين من عمره تخرج في وقت قريب من معهد اعداد المعلمين في المدينة بالرغم من عدم رغبته بذلك فقد كان طموحا جدا لكنه رضخ للأمر نزولا لرغبة والديه على اختصار المسافة والوقت كي يساعده في توفير لقمة العيش له ولعائلته التي يسعى جاهدا من اجل توفير بعض الأشياء الضرورية وما تحتاجه نتيجة العبء والمتطلبات الأخرى لحياة أصبحت جدا قاسية ومؤلمة حيث هرب الكثير من الإباء والأبناء الى دول أخرى وأماكن أخرى لم يفكر أحدا يوما في الوصول إليها طلبا للحرية وحياة أمنة . وقد تعرض الكثير هنا من أمثاله ,بل الجميع بلا استثناء إلى عقوبات صارمة وقاسية, وما يدعو للدهشة أنها حصلت إمام أنظار المجتمع الدولي ومن يدعون حقوق الإنسان في العالم اجمع وبمباركة منه على إذلال الإنسان وقهره وسلبه إرادته الحرة في الحياة مع انه لم يقترف جرما أو ما يدعوا الى ذلك قط ,فقط لأنه يعيش في ظل نظام مستبد ظالم مرعب قد خرج عن إرادتهم ولم يعد مرغوبا به,في حين كان هو ومن يوالون السلطة والمقربين منه يعيشون حياة رائعة مرفهين ينعمون بخيرات لاينعم بها أحدا غيرهم ولهم من الامتيازات والحقوق ما يعجز عنه الوصف في كل الميادين وما لم يخطر على بال احد.
تفاءل ذويه في بادئ الامر لان ما فعلوه قد أثمر في نقله من تلك الزنزانات الرهيبة لكن الحقيقة ليست كما هي ولم تكن كما عرفوا,عندما علموا, حين ذهب إليه أخوه لزيارته في ذلك المصح الموبوء بالجريمة حيث وجده خائفا يملئه الرعب وكدمات على وجهه في قاعة كبيرة يشاركه فيها بعض من احتجزوهم لما يعانون منه من إمراض نفسية تستوجب بقائهم وتأهيلهم لبعض الوقت وان خروجهم قد يسبب بعض الأذى لآخرين ,لم يخبره بما أصابه من أذى أو ما تعرض له من تعذيب شديد وسوء معاملة فهي لم تعد خافية على احد كما انه لم يكن بحاجة الى إن يعرفها فما شاهده من آثار على وجهه رغم طول المدة هي دليل على ما أصابه من سوء على أيدي أولئك السفاحين والمجرمين الذين يجدون لذة في تعذيب الآخرين والذين تلقوا تدريبات في أماكن عديدة من العالم لانتزاع اعترافات بالإكراه ممن ارتكب جرما أو لم يرتكب , لكن ما يقلقه جدا هو وجود كدمات حديثة وأثار ضرب في أجزاء من يديه وعلى وجهه ,وحين سأله عن مصدرها وكيف تعرض لها اخبره انه سقط على الأرض ,لكنها لم تكن نتيجة من يسقط على الأرض ,وأنه خائف جدا .
في ذلك المصح كانت تتم عمليات غاية في الخطورة والسرية حيث كانت تتم عملية استبدال احد النزلاء بمبالغ طائلة تدفع باتفاق مع بعض المسئولين والمشرفين تصل أحيانا الى عشرات الملايين مع احد ذوي المحكوم عليهم بالإعدام في إحدى السجون حتى يتسنى لهم هروبه الى خارج البلد بطرق عديدة وباسم أخر ,بأحد النزلاء الموجودين في المصح حيث يتم إعدام النزيل على انه الشخص المحكوم بالإعدام وبعد ذلك يتم إخبار ذوي النزيل أو من يهمه أمره بأنه قد أقدم على الانتحار .ذلك هو ما حصل (للمجنون ) عندما ذهب إليه أخوه مرة أخرى لزيارته فأخبروه إن أقدم على الانتحار وان عليه استلامه ,
كيف انتحر ؟ سأل احد المشرفين المتواجدين في القاعة
لااعلم
كيف لا تعلم
لم أكن موجودا
هل حقا ما تقول
نعم ..لااعرف , لكنه كان مشاكسا وعنيفا
لم يكن كذلك ...أين هو
في بناية الطب العدلي
وقد وجده قد تعرض الى عدة أطلاقات نارية بعد إن تفحص جسده ,كانت احدها في مقدمة الرأس . فوجئ جميع ذويه بما حصل, بعد نقل جثمانه ,وهم يعلمون إنها لم تكن الحقيقة ,حين سمعوا الخبر فهم على قناعة انه لم يقدم على الانتحار حيث بقي سر وفاته حديثا من أحاديث الجرائم التي حصلت .



#محمد_نوري_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي
- وجها لوجه أمام المرآة
- سؤال مشروع جدا
- من ينظر بثقب ٍللعثرات
- علوان الدسم..أمي تنتخب لك
- هو دائما أسير
- فريد ماضي...لن أقول وداعاً
- هي لم تكن وليمة ..ولكن
- انها حدثت حقا
- ثرثرة مجنون على شاطىء الفرات
- دعوة للشحاذين
- خطوات ضائعة
- اعتراف رجل بساق واحدة
- الخطيئة ترصدها النظرات
- ذي قار..ي
- انظروا..
- في قفص الاتهام
- (متهم) .. قصيدة
- أنا أقول نعم
- قصيدة .....إنتظار


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - لم يكن مجنونا ..ولكن