أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - الجريدة














المزيد.....

الجريدة


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2948 - 2010 / 3 / 18 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


كان يجلس خلف مكتبه الكبير فاتحا الجريدة، متفحصاً كلماتها الضيقة، غائباً خلف خطوطها الطويلة..
في البدء، لم أر إلا أصابع يديه تقبض على طرفيها، لكن عندما اقتربتُ بانت رأسه كتلة من اللحم المسلوق ..
كان حليق الذقن، زيتيّ الشعر..
قلت:
ـ صباح الخير...
لكنه لم يرد ولم يتحرك، فصبّحتُ ثانيةً بصوت أقوى، قام عن كرسيه الدّوّارة، وصفعني على وجهي بقوة من يده المهترئة، وقال:
ـ سمعتك... اخرس يا حشرة ..
دخل رجل قصير منتفخ الحواف كفنجان..
ناولته بطاقتي، فسحبني من قميصي، وأدخلني في صندوق حجري ..
أعطاني عصابة، نسيت أن أضعها على عينيّ، فصفعني بقوة..
وضعتها, ووقفت أرتجف، وأنتظر الصفعات...
سمعت أصواتاً.. كانت خليطاً من الصراخ والأنين والبكاء والغناء...
كانت تقلع معاً، وتنطفئ معاً.. لكن ما أثار دهشتي أنّي سمعت صوتي بينها رغم أني كنت صامتاً...!!
سمعت صراخي وأنيني وبكائي رغم أني...
غيّرت وقفتي، واتكأت على الجدار،جاءتني صفعة قوية,فنطح رأسي به..
عدتُ بسرعة لأقف كما كنتُ..!!
ثم رفعت يدي لأتحسس النّطحة، فتلقيتُ صفعة أخرى ألهبتْ فؤادي.. صرخت, عند ذلك انهالت عليّ الصفعات
من كل جهة حتى خبوت في مكاني كومة من اللحم المهروس...
لكزني بقدمه في بطني، فنهضتُ، ووقفتُ كالخشبة كعمود في الجدار...
ـ "تعال.." قال صوت بعيد، وقد كان لطيفاً...
ـ "تعال.." لكني لم أتحرك..
ـ "تعال.." لم أتحرك.. تلقيت صفعة ..عرفتُ أني المقصود.. تقدّمت خائفاً..لم أسمع نفساً ولا حركة.. لكن الصفعات كانت تأتيني من كل صوب..
ـ "تعال.." تقدمت, واصطدمت بجدار, فتوقفت.. صُفعتُ مرتين...
نزعت العصابة عن عينيّ.. صُفعتُ.. ناولته العصابة.. يدٌ أخذتها, واختفت دون أن أرى صاحبها..
كان "الجريدة" على قعدته.. قال:
ـ "تعال.." بلطف...
ـ إلى أين سآتي, ومن أين..!؟ تلقيت صفعة.. التفتُ فلم أجد أحداً..!! من يضربني إذن..؟!!
سقط قلم فوق ورقة على طاولة مكتب الجريدة.. ورقة تشبه الورقة التي استدعوني بها إلى هذا المكان..رفعتُ القلم، ووقّعتُ تحت اسمي فقال:
ـ "روح..." لم أصدق...
تلقيت صفعةً.. دُرتُ، ومضيتُ، وقبل أن أقطع العتبة، قال:
ـ "تعال.." بهدوء ولطافة..
وقفتُ، فتلقيتُ صفعة.. عدتُ، واكتشفتُ أني أخذت القلم معي، وضعته فوق الورقة...
قال "الجريدة":
ـ "روح..." قالها بعنف كالصفعة.. لم أتحرك، فتلقيتُ صفعة..
مضيت بحواسي المتلبّدة العقل، أنتظر "تعال.." قطعتُ العتبة، ثم وقفتُ أنتظر "تعال.." سرت خطوتين، وانتظرتُ...
التفتُ، كان "الجريدة" يقرأ.. قطعت شوطاً آخر، والتفتُ, ولم أسمع "تعال"..
غاب المكتب عن عينيّ.. غابت الغرفة، ثم دارت ساقاي كعجلة.. ركضت بأقصى طاقتي...
ضحك الحارس، أسند خاصرتيه بيديه من شدة الضحك...
التفتُ لأعرف كم قطعتُ، سقطت..
سيارة سوداء مخيفة كانت تتبعني.. توقفت بجانب رأسي.. انفتح الباب آلياً.. خلف المقود كان "الجريدة", قال:
ـ "تعال.."قالها بصمت, لكني سمعته..
وقفت مخدّراً.. صعدتُ، وجلستُ إلى جواره، وأنا أحاول أن أبلع قلبي الذي حاول أن يخرج من فمي...
قوة عظيمة قيدتني، وكتمت أنفاسي..
السيارة المخيفة تقطع الطرق بسرعة هائلة، لا تلجمها المنعطفات ولا الإشارات ولا الناس..
أمام "الكاراج" رفع رأسه، فجمدت المخيفة...
انفتح الباب، وقال :
ـ "روح.." قوة رفعتني، ووضعتني بهدوء على إسفلت الشارع.. ارتخيت, وكالهلام تجمعت فوقه...
انغلق الباب، ثم اختفت المخيفة.. اختفت بلمح البصر..
بقيت هناك وحيداً، أراقب، وأنتظر "تعال.." أنتظر "روح.." بلا فائدة...
دخلتُ "الكاراج" مشتت الفكر.. أنواره باهتة, ووميض أضواء السيارات يعلو، يشعل الزوايا، ثم يخفت ويغادر...
اقتربتُ من سيارة موقدة المصابيح.. صعدتُ، وجلستُ في مقعد فارغ .. سمحتُ لمحركها أن يبعث في شراييني بعض الدفء, وفي جسدي المنقبض موجات راحة.. استرخيت في مقعدي أعيد فصول المسرحية.. كابوسها المرعب... صحوت مرتعباً...
وشوشة جريدة تقتل تواتر الحركة الهادئ ذاك.. التفتُ خائفاً مشحوناً..
كانت جريدة في المقعد الأخير مفتوحة على مصراعيها، تخبئ كل شيء خلفها، عدا أصابع غليظة مسلوقة تمسك حافتيها بقسوة ...
وقفت مرتعداً أرتجفُ، وأنتظر "تعال.." هادئة لطيفة وسط عبث المحرك ورشاشات الأضواء..!!!




#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التغيّر الوردي -من الخيال السياسي-
- ذات العلامة
- نور العين
- أبو علي كاسر
- بقعة حارة
- قصاصة
- غش هديّة
- وجع
- محنية الظّهر
- ملاحقة
- أقفال الحرب ومفاتيح السّاسة
- قصص ميس لقصيرة
- طفولة
- مسرحية
- سوائل
- أمنيات
- بذرة البشرية
- مساء العدّ
- براعم أم خليل
- مشرّد


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - الجريدة