أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - المخرج ريتشارد فاجنر















المزيد.....



المخرج ريتشارد فاجنر


سرمد السرمدي

الحوار المتمدن-العدد: 2949 - 2010 / 3 / 19 - 01:15
المحور: الادب والفن
    


أولا
الموسيقي الفيلسوف


الأتجاه المعاصر الى المسرح الشامل هي العودة الى العمل الفني الكامل , عودة الى اصول المسرح عند الأغريق .. هذه هي رسالة فاغنر المسرح – موسيقية ..الفنية.

ابتعد في أعماله عن الأوبرا الإيطالية وأسلوبها التاريخي (كانت تعالج المواضيع التاريخية)، فتجنب التأنق الصوتي الذي اشتهرت به هذه الأخيرة مفضلا أن يعطى الدور الأول للأداء الأوركسترالي. كان من أنصار المسرح الأسطوري (اقتبس أعماله من الأساطير الجرمانية القديمة)، استطاع أن يجمع بين النص والموسيقى، وأن يوافق بين الأصوات والآلات الموسيقية، كما أن طريقته في إعادة تكرار الفكرة الرئيسية عبر المشاهد المختلفة مكنته من أن يحافظ على تماسك الموضوع.
في دراسته عن أفكار رتشارد فاغنر، يقول ناقد معاصر في الدراما، لا يمكن تفسير الفعل إلا حين تبرره المشاعر تبريرًا كاملا،ومن هنا، فمهمة الشاعر الدرامي،ليست في ابتكار أفعال بل جعل الفعل مفهومًا من خلال الضرورة العاطفية كي نستغني بالمرة من مساعدة العقل في تبريره ومن ثم، على الشاعر أن يجعل اختيار الفعل مجاله الرئيس. وهذا الاختيار، في الشخصية. ومحيطها ينبغي أن يمكنه من التبرير التام عن طريق المشاعر والأحاسيس، لأن في هذا التبرير وحده طريقه إلى تحقيق هدفه , إن أفضل ما قدم فاغنر من خدمة للدراما، في نظرياته : ويضيف في موقع آخر كما في ممارساته، هو إصراره الذي برهن عليه بأن المسرحية على المسرح هي الأساس بالضرورة، مما يستدعي تكييف الأهداف المؤمل تحقيقها بوسائل التنفيذ الفعلية التي هي في حوزة الفن.(1)
يعتبر رائد النزعة الرومانسية في الموسيقي الألمانية.بساطة النشأة وصعوبة الظروف لم تمنعاه من أن يكون واحدا من أعلام موسيقى الأوبرا وفيلسوفا ثائرا اضطر إلى الفرار من بلاده إلى لندن وباريس ليؤلف هناك قطعه الخالدة. اسمه في العالم ارتبط تحديدا بمهرجان بايرويت الصيفي.

في الـ 22 من مايو/أيار 1813 شهدت مدينة لايبزغ الواقعة في ألمانيا الشرقية سابقا ميلاد أحد عمالقة فن الموسيقى الكلاسيكية: انه ريتشارد فاغنر، ذلك الموسيقي الذي نشأ في أسرة فقيرة وكبيرة حيث كان هو الطفل التاسع لأسرته. توفي أبوه وهو لم يتعد بعد الستة شهور من عمره مما دفع الأم نظرا لضيق الحال إلى الزواج ثانية من الشاعر والممثل لودفيش غاية سنة 1814 وفي السنة نفسها هاجرت العائلة إلى مدينة دريسدن.
لايبزغ مدينة الولادة والإلهام الموسيقي , تمثال لريشارد فاغنر في متحف ميونخ للفنون عاد فاغنر في سنة 1828 إلى مسقط رأسه لايبزغ وبدأ الدراسة في مدارسها، وفي السادسة عشر من عمره وصلت الى مسامعه مقطوعة موسيقية كانت هي الدافع الذي جعله يتعلق بالموسيقى ويقرر بالتالي أن يصبح موسيقيا. لم يستغرق الأمر كثيرا من الوقت حتى خرج فاغنر علينا بمقطوعة موسيقية غير مكتملة حملت اسم "الزفاف". وفي مطلع سنة 1831 بدأ دراسة الموسيقى في جامعة لايبزغ تحت إشراف تيودور فاينليك حيث أهداه ألبومه الأول. وفي سنة 1833 تأثر بالكاتب هاينريش لاوب وبالحركة الأدبية الثورية التي مهدت لثورة مارس 1848 حيث أصبح في هذه الفترة مسؤولا عن مهرجان الموسيقى الصيفي لمدينة باد لاوخشتات. وفي سنة 1836 تزوج الممثلة مينة بلانة وبعد ذلك بعام أصبح مديرا لمسرح كونيكسبيرغ، غير أن المشروع سرعان ما فشل وغرق فاغنر في الديون ليغادر البلد سرا نحو روسيا ومن هناك إلى لندن وباريس.
فاغنر صانع فرحة بايرويت , من مهرجان بايرويت الصيفيكان فاغنر وراء تأسيس مهرجان بايرويت الصيفي الذي يشهد هذا الصيف دورته 94، و لا يزال يحمل اسمه إلى اليوم، كما أن رائعته الخالدة "فليغندن هولينده" لا تزال تعزف في هذا المهرجان الذي يحيي ذكراه و يحج اليه سنويا حوالي 60 ألف زائر، غالبيتهم من الأجانب، وذلك اعترافا بعبقريته في موسيقى الأوبرا وكذا لكونه ساهم في إشعاع المدينة عن طريق هذا المهرجان على الصعيد العالمي.


ثانيا
أعمال فاغنر الخالدة

من بايرويت، مدينة الموسيقى كانت سنتا 1840 و1841 فترة تألق فاغنر بلا شك وذلك على الرغم من الظروف المادية الصعبة التي مر بها في هاتين السنتين. ففيها أكمل عددا من المعزوفات الخالدة مثل " فليغندن هولينده" و"رينزي"، كما ألف العديد من القطع التي لا زالت محط إعجاب العديد من محبي موسيقى الأوبرا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "فيين" التي عزفت في البهو الملكي وفي المسرح الوطني لمدينة ميونخ سنة 1888 وقطعة الحب الممنوع أو "نوفيز فون باليرمو" التي عزفت على خشبة مسرح مدينة ماغدبورغ. هذا بالإضافة إلى عدد من القطع التي عزفت تحت إشرافه سواء في بايرويت أو النمسا أو سويسرا. لم يكن فاغنر موسيقيا فذا فحسب، بل مؤلفا للعديد من كتب النقد والتنظير الموسيقي والفلسفة والسياسة.وجد ا لمؤلف ا لموسيقي فاجنر الوسيلة الملائمة لتكوينه الفكري والنفسي والتي تمكن من خلالها أن يبدع أعماله العظيمة في مجالات الشعر والأدب والدراما والموسيقى. فقد كان يضع الهيكل العام للعمل ا لموسيقي من خلال إمكانياته في الصنعة الفنية , ثم يصب في هذا الهيكل مشاعره وانفعالاته وعصارة معاناته وخبراته في الحياة ليمزج الشكل وا لمضمون , وليستدعي الإلهام الذي يغمر كيانه حتى ينطلق و يتحقق في أعماله الشاهقة , انه بذلك يطلق العنان لضميره الفني ليفجر شحنات الخبرة التي كونها في الفن والحياة ويملأ بها الهيكل البنائي الذي خططه أولا بالعقل والعمل والصنعة , ولقد ساعده على ذلك أنانيته ورغبته في تحقيق إعجاز ذاته وقدراته التي طا لما تحدث عنها كرمز للإنسان الفريد ا لمتفوق ا لمتميز عن سائر البشر. و بالعمل وحده كان يحقق إعجازه لأنه بدون العمل ا لمثابر لا تبرز ا لموهبة ولا تتفجر شحنات الإلهام وا لمشاعر. (2)
إن الاستمتاع لمنظر طبيعي تصاحبه أصوات من الطبيعة كحفيف الشجر وأصوات الطيور وخرير ا لماء.. الخ.. وهذا يقودنا إلى الحقيقة التي تبحث عنها الفلسفة والفنون أبدا لم لتضعها أمام أعيننا وآذاننا لم والتي بحث عنها فاجنر في الدراما ا لموسيقية التي تتكامل فيها فنون الصوت والصورة.. الشعر وا لموسيقى والحركة.. والعمارة.. بل والرائحة أيضا !! فإذا اجتمع أكثر من نوع واحد من الفنون لم كان تأثيره أقرى وأكثر تكاملا وأقرب إلى الحقيقة.. إذا لم يوجد غير ا لموسيقى (الصوت) لم فإن الحواس تكملها بتخيل العنصر البصري (اللون)..(3)
إن ا لمسرح بالنسبة لدعاة الشعر وا لموسيقى يجب أن يقتصر على نوع من هارمونية الحركة والإشارة , واللون والصوت , وأن يكتفي بالإ يحاء وبالرمز , وألا يتخطى ذلك إلى تجسيد الأشياء بالأشخاص. وإذا كان أميل زولا قد أسس الطبيعية وقاد حركتها , فان ريتشارد فاجنر يقف وراء الحركة ا لمثالية الجديدة التي يطلق عليها بعض ا لمنظرين الحركة التكثيفية. لقد هاجم فاجنر في الخمسينات من القرن التاسع عشر ا لمسرح الصدىء ¡ الذي يعجز عن التعبير عن أعمق وأنبل ما في ضمير الإنسان , ودعا إلى العودة إلى ا لمسرح الإغريقي الذي يرى فيه تعبيرا عميقا عن مجموع الجماهير المحتشدة في الدار ا لمسرحية الإغريقية , ويبرر فاجنر لدعوته بان الصفات اللصيقة باﻟﻤﺠتمع الحديث , ومن أهمها البعد عن الدين والاهتمام ا لمتزايد بالصناعة , وإنكار الفن , جردت الجمهور والفنان على حد سواء من الفكرة النبيلة التي يقدم عليها ا لمسرح. إن الفن في اعتقاده عدو من أعداء الشكل الحديث لحياة اﻟﻤﺠتمع , وهو لهذا يدين التركيبة الاجتماعية بشكل كامل , ويدعو إلى شكل ثوري من الفن يسميه فن ا لمستقبل . وفن ا لمستقبل عند فاجنر هو صورة تركيبية للفن تنصهرفيها كل العناصر ا لمسرحية , ولقد طرح لهذا التصور شكلا مثاليا هو الدراما ا لموسيقية , أو دراما الكلمة والنغم , فتلك في تصوره هي الصورة السحرية الوحيدة للمسرح , حيث تتوحد كل الفنون في قالب مكثف يؤدي في الصورة التطبيقية إلى تضييق الفجوة ب ` الفن والجماهير ولعلنا نتلمس حقيقة هدفه في هذه الكلمات:

إن موضوعا ممكن إدراكه لمجرد الذكاء الإنساني ممكن أيضا أن تعبر عنه لغة الكلمات , ولكن كلما أوغل هذا ا لموضوع في الاتجاه العاطفي,كما كان التعبير عنه , وأدراك محتواه ا لمطلق , يتم بشكل أفضل في لغة الأصوات.


ومن هنا يمكن إدراك القيمة الحقيقية للصورة الفنية ا لمركبة:

كلمة-نغم-شاعر ,Word-Tone Poet فهي حتما ستعبر عن نفسها , لأنها
الشكل وا لمضمون , وهي الإنسانية النقية , مجردة من كل الاقتناعات ا لموروثة ( (١ إن ا لمسرح الذي يطمح إليه فاجنر ومعاصروه من دعاة الرمزية والتشكيلية , والشعر الخالص , هو تعبير عن ا لمطلق , عن العا لمي , عن الإغريقية الداخلي لا الإغريقية العضوي , وهو يتعارض تعارضا مطلقا مع ا لمسرح الطبيعي الذي كان كل طموحه قاصرا على عرض شرائح
مختارة من الحقيقة الاجتماعية. ولا شك أن ا لمسرح بهذا ا لمعنى التركيبي ,
ا لمثالي الشاعري , يلقي على اﻟﻤﺨرج مزيدا من الالتزامات , فلقد اصبح عليه أن يسعى إلى اكتشاف ا لمعادل التعبيري لهذه ا لمعاني التي يقوم عليها ا لمسرح الجديد , ولقد اعتنق عديد من اﻟﻤﺨرج ` في أوروبا وروسيا هذه الفلسفة الجديدة , ولأنها فلسفة تطرح كثيرا من ا لمعاني الأثيرية , كا لمطلق والشعر الخالص , عالم الأشياء , وعالم الأشكال , وقيم النبل والأصالة , والجمال والحرية.. (4)

ثالثا
حياته

ولد فيلهلم ريتشارد فاجنر المدينة ليبزج بأ لمانيا في ٢٢ مايو سنة لم١٨١٣ وتوفى بعد ذلك بسبعين عاما.. المدينة البندقية بإيطاليا في ١٣فبراير سنة ١٨٨٣ .. بعد حياة شديدة الخصوبة غمرت البشرية بتراث موسيقي أدبي فلسفي متكامل.. وبتجربة فريدة معجزة في مجال تجسيد وحدة الفنون .. ففي شخصيته النادرة تتبلور عناصر التعبير ا لموسيقي ا لمسرحي التي أدت إليها الحركة الرومنتيكية بأ لمانيا.. كما احتوت عبقريته التطور ا لموسيقي الذي خلفه بيتهوفن لم فضلا عن الأساطير والفلسفة الجرمانية التي تطابقت مع فكره وأحاسيسه لم وعكست على موسيقاه عناصر القوة والعاطفة الحادة ا لمتطرفة.
دارت رسالته ا لموسيقية حول ارتباط الفنون وتكاملها.. في وحدة حقيقية متجسدة.. وحدة فكر وحركة وتعبير.. الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار والاتصال بالناس.. إلا أن تأثيرها لا يكمل إلا الموسيقية الصوت البشري.. وبالنظرة لم وبالإشارة.. لم حتى تكون لها إمكانية نقل ا لمضمون الفكري والحسي.. وحتى تؤدي غرضها بتكامل وفاعلية وثراء .. ثار الجدل حول نسب فاجنر إلى والده الشرعي كارل فريدريش لم وكان فاجنر نفسه مقتنعا بأنه ابن لودفيج جيير الذي رباه ورعاه وأحبه.. أما والده الشرعي.. فقد مات بالتيفويد بعد ولادته بشهور قليلة.. ورحلت به أمه إلى درسدن لتعيش بجوار جيير الذي تزوجته في فبراير سنة ١٨١٥ .. عبقريات موسيقية ولقد ألقى الفيلسوف نيتشه الضوء على هذا الجانب من تاريخ فاجنرا لديه من وثائق.. فقد كان نيتشه صديقا مقربا لفاجنر.. بل وتلميذا يقدس فكره وفلسفته وموسيقاه.. ثم انقلب عدوا وناقدا لاذعا له بعد أن فاجنر دعوة إلى الموسيقى
نشبت بينهما الخلافات.. ولقد أتاحت هذه العلاقة الفرصة لنيتشه للاطلاع على الخطابات ا لمتبادلة ب أم فاجنر وجيير والوقوف على الكثير من أسرار العائلة.
كان جيير ممثلا ومغنيا.. وكان يصحب فاجنر الصغير معه في جولاته ا لمسرحية.. وبذلك وجد فاجنر نفسه يحيا في ا لمسرح.. يعيش أحداثه ويستمع ويشاهد ويرقب عن كثب.. حتى أصبح ا لمسرح حلم حياته.. وعندما
مات جيير.. كان فاجنر لا يزال في الثامنة من عمره.. فأصبح مصدر إزعاج ومضايقات لأقاربه.. ولم ينجح أي منهم في التحكم أو السيطرة على الصغير.. وقبل أن يبلغ العشرين لم كان يتردد على صالات ا لمقامرة.. حيث
كانت الحياة الخطرة تستهويه.. لقد قامر مرة بمعاش أمه كاملا.. ولحسن الحظ انه كسب الرهان.. التحق وهو في طفولته با لمعهد ا لموسيقي بليبزج حيث تلقى تعليمه ا لموسيقي على اكمل وجه.. وكان ا لمؤلف الأ لماني العظيم ج. س. باخ قد أرسى تقاليد الدراسة بهذا ا لمهد قبل ذلك بثمان l عاما.. وعندما بلغ فاجنر السابعة عشرة من عمره.. كان قد بدأ في كتابة ا لموسيقى.. وبعد ذلك بعام لمl كتب سيمفونيته الوحيدة التي لم يكتب لها الخلود.. ولد فاجنر إبان غزو نابليون لمقاطعة سكسونيا في ظروف مقاومة الشعب الأ لماني للغزو.. وانتقلت به أمه من مدينة إلى أخرى.. فعاش طفولته با لمعارك الوطنية والترحال والهروب.. واختار لنفسه أن يحيا طوال حياته في خطر-الخطر الذي أحبه وبحث عنه-فعاش طوال حياته في ترحال وهروب ومطاردات.. وب l ا لمعارك الوطنية التي اشترك إيجابيا في تحريك ثوارها.. وشحنهم بفكره الجرماني القومي ا لمتعصب.
كان يستدين بكثرة و يهدد أصدقاءه... لا بد لي من ا لمال.. وإلا.. سأجن ..وكان أصدقاءه يقدمون إليه ما في وسعهم.. ورغم دراسته ا لموسيقية ا لمتواضعة نسبيا فإنه ‹كن من تعليم نفسه بعمق وثراء.. فقد درس البيانو والنظريات.. ودرس مؤلفات أسلافه ورأى في بتهوفن مثلا أعلى.. وخاصة في سيمفونيته التاسعة.. التي وجدها منطلقا نحو فن جديد.. فن مزج فيه الكلمة بالصوت البشري ا لمنفرد والجماعي بالآلات ا لموسيقية.. وكان وهو في العشرين من عمره يثق في قدراته على إبداع فن يذهل العالم.. عبقريات موسيقية وقد عينه وهو في هذا السن قائدا للكورال في دار الأوبرا المدينة فيرتزبورج.
وفي هذه ا لمرحلة من حياته كتب أوبرا الجنيات ١٨٣٤) D,e Freen ) وبعدها بعام واحد كتب أوبرا الحب المحرم L,ebes Verbot .. التي وقع بعدها في حب مينا بلاتر وتزوجها في ٢٤ نوفمبر سنة ١٨٣٣ .
وفي السنوات الأولى من زواجه كتب أربعة أعمال أوبرالية أخرى هي رينزي ١٨٤٢) R,enz, ١٨٤٢ ) و الهولاندي الطائر Der Fl,egende Hollلمnder و تانهويزر ١٨٤٥) Tلمnnhلمuser ) و لوهنجرين ١٨٥٠) Lohengr,n ).. ورغم أن هذه الأوبرات الأربعة كانت كافية لجذب أنظار العالم إليه لم فإن الجماهير لم تكن قد اعتادت بعد اللغة ا لموسيقية الجديدة التي كانت حادة غريبة وعنيفة.. ولم يفقد ثقته بنفسه.. وهدأ من روع زوجته التعسة.. إن عذابك وتعاستك سيؤديان إلى الشهرة واﻟﻤﺠد .. وتفسر شخصية فاجنر على ضوء هذه الكلمات.. فقد كان لا يعبأ بعذاب الآخرين.. حتى زوجته في سبيل شهرته ومجده.. وكان يطلب ا لمساعدات ا لمالية بوجه سافر.. مؤمنا بأن من حقه على الآخرين أن ينال ما يريد من أموالهم.. مقابل ما منحه للعالم من ألحان عظيمة.
سافر إلى باريس والتقى بأئمة الحركة ا لموسيقية في ذلك الوقت وعلى رأسهم فرانز ليست الذي قدم إليه العديد من ا لمساعدات الفنية.. وهناك كان يضطر في أحيان كثيرة إلى كتابة ا لموسيقى الرخيصة لحانات باريس..والى القيام بنسخ النوتات ا لموسيقية حتى بكسب قوته الضروري.. واضطر أخيرا إلى العودة لأ لمانيا بعد أن ضاقت به سبل العيش وأغلقت أمامه أبواب اﻟﻤﺠد هناك..أحب ماتيلدا فيزندونك وعلل خيانته بأنها تتفوق على زوجته في قدراتها الفكرية.. غير عابئ ‡شاعر مينا التي تفانت في خدمته وعانت في سبيل الحياة معه مرارة العيش وذل الإهانة.. وفي عام ١٨٤٨ .. وبعد أن كان قد انتهى من كتابه أوبرا لوهنجرين ألقى بنفسه في أتون الثورة.. وتنقل ب l أوكار الثوار كاتبا وناقدا.. ومشتركا في الدعوة لقلب نظام الحكم.. حتى صدر الأمر بالقبض عليه.. فأقام فترة متخفيا عند صديقه فرانز ليست ‡دينة فا dر لم We,mلمr بأ لمانيا.. ثم اضطر للهرب إلى سويسرا.. دعوة إلى ا لموسيقى لقد تم وصف فاجنر-وفقا لبيانات السلطات عندما طلب بوليس ساكسونيا القبض عليه عام ١٨٤٩ بأنه متوسط القامة لم بني الشعر.. يلبس نظارة.. له جبهة عريضة لم حواجبه بنية اللون وعيناه تخلط ب l الزرقة والرمادية.. انفه وفمه متناسقان وذقنه مستديرة.. وهو في عجلة دائما..خاصة عندما يتحدث أو يتحرك.. الخ .
عاش فاجنر اثنتي عشرة سنة في ا لمنفى متنقلا بالبلاد والقلوب لم باحثا عن طموحه وملذاتي ورغباته.. دون مراعاة للآخرين.. حتى لهؤلاء الذين dنحونه أموالهم.. وضيافتهم أو صداقتهم.. وكان يقول: أنا اختلف عن باقي الرجال.. والحياة يجب أن تمنحني ما أريد .كانت موسيقى فاجنر شيئا جديدا في الوجود.. بتهوفن قال الكلمة الأخيرة في موسيقى الآلات.. والخطوة التي يجب أن تليها.. هي ا لموسيقى التي تتكامل وتتوج بالشعر .

الدراما ا لموسيقية هي الهدف الذي عاش فاجنر ليحققه بفنه ا لمتكامل كشاعر فيلسوف وموسيقي في نفس الوقت.. الكلمات وحدها لا تتمكن من التعبير في أرقى أنواع الشعر.. فالكلمات هي الجذور وا لموسيقى هي الزهور.. والزهور أجمل وأهم من الجذور .. وهب فاجنر حياته للموسيقى ا لمسرحية.. في إطار ما سماه الدراما ا لموسيقية بدلا من تسمية الأوبرا التي شذ عن قواعدها وتقاليدها التي كانت سائدة حتى أيامه.. وقد تمكن في أعماله الأخيرة من أن يخضع ا لموسيقي لأدق تفاصيل أفكاره ا لمسرحية ا لمنبثقة من النص وا لمضمون الدرامي لم تاركا بذلك أسلوب الأغنية الاوبرالية ا لمسبوقة بالإلقاء ا لمنغم Rec,tلمt,ve .. التي كانت تشكل عنصرا هاما في نجاح الأوبرا التقليدية لم وجعل من الأغنية جزءا لا يتجزأ عن النص الشعري والحركة ا لمسرحية وموسيقى الآلات والأصوات لم ولا يتجزأ عن سائر عناصر الدراما الأخرى من كورال وباليه ومناظر وديكور وإضاءة.وجعل من الصوت البشري آلة موسيقية تتكامل مع آلات الأوركسترا.. و بمعنى أدق.. فقد جعل الأوركسترا والغناء يتحدان كجهاز موسيقي تعبيري واحد.. لا يصاحب أي منهما الآخر بالضرورة ولكن يتحد كل منهما مع عبقريات موسيقية الآخر.. فالرئيسي عند فاجنر هو الدراما ا لموسيقية عامة.. وجميع الأجهزة الفنية ا لمشتركة في الأداء تمثل أغنى وأعظم مجموعة موسيقية (آلية وصوتية).. ذلك بعد أن كانت الآلات ا لموسيقية تعمل في الأوبرا في خدمة الصوت البشري و لمصاحبته.. وهو بذلك قد أسس مدرسة جديدة في التوزيع الاوركسترالي الغنائي تبرز فيها إمكانيات التوازن والتناسق والتكامل بالآلات ا لموسيقية والأصوات البشرية.. تلك الأصوات التي اعتبرها فاجنر آلات موسيقية أخرى لها إمكانيات جديدة في التعبير.. وهذا ما جعل ا لمغن l يخشون على أصواتهم من غناء أدوار فاجنر.. بينما يتخصص القليلون منهم في أداء أعماله العظيمة وبأجور خاصة كبيرة.. وهنا تجدر الإشارة بان أسلوب فاجنر في الكتابة للأصوات البشرية هو أسلوب آلي وليس أسلوب غنائي.. فهو منحدر عن مدرسة باخ في معالجته للأصوات.. بينما نجد أغلب مؤلفي الأوبرا الإيطالي وخاصة فردي يكتبون للأصوات بأسلوب غنائي منحدر عن مدرسة بالسترينا في الغناء.. استعمل فاجنر اللحن الدال Le,tmot,v بشكل رئيسي في أعماله ورغم أنه لم يكن مُبتَكِره.. فإنه جعل منه الوسيلة ا لموسيقية الأولى للربط بسائر أجزاء دراماته ا لموسيقية الطويلة.. فقد رمز لكل شخصية بلحن دال أو عدد من الألحان الدالة.. وكانت هذه الألحان تتكرر وتتداخل في حوار وصراع درامي عظيم لم فاللحن الدال يدل على الشخصية و يفسر انفعالاتها لم لان فاجنر يطور ألحانه الدالة لتعبر عن حاله من تدل عليه.. وكان تطويره لألحانه الدالة وسيلة يستخدمها كمؤشر نفسي لتطور شخصية البطل الذي يدل عليه اللحن.. فهو يضع اللحن في التوزيع الآلي أو الغنائي وفي كليهما معا لم ليتلاءم مع الحدث الدرامي.. واللحن الدال عبارة عن لحن صغير جدا.. له شخصية إيقاعية لم مما يجعله قابلا للنماء وا لمعالجة ا لموسيقية العلمية.
كان فاجنر شاعرا وفيلسوفا.. كتب نصوص اغلب أوبراته.. كما صمم الكثير من مناظرها إلى جانب كتابة موسيقاها.. فكان هو نفسه وحدة درامية موسيقية تاريخية فريدة.. لكنه تفوق على نفسه كمؤلف موسيقي.. وقد حقق فاجنر بهذه الوحدة الفنية آمال أسلافه ابتداء من جلوك Jluck أبو الأوبرا الأ لمانية لم الذي سبقه بقرن كامل من الزمان.. وكانت أحلامه دعوة إلى ا لموسيقى أيضا تتركز في فكرة توحيد عناصر الأوبرا وربط أفكارها ا لموسيقية با لمسرحية..إن عبقرية فاجنر ا لموسيقية كانت اوركسترالية.. أما الصوت البشري فقد كان آلة جديدة حية في الأوركسترا.. وقد اتضح ذلك بوضوح في تريستيان وايزولده ١٨٦٥) Tr,st,لمn und ,solde ) و الشعراء ا لمغن ١٨٦٨ D,e Me,ster s,nger) ) و بارسيفال ١٨٨٢) . كان فاجنر لا يستطيع الحياة إلا وسط مظاهر البذخ والترف لم فكان يستعمل عطرا خاصا يأتيه من باريس.. ويلبس الحرير والساتان.. و يغلف الجدران والأثاث بالساتان الأبيض والأصفر والوردي والرمادي. ولم يكن يطيق إن يرى الخطوط الرأسية أو الأفقية حتى في الجدران.. ولذلك فقد حول جدران بيته إلى منحنيات واستدارات.. إن لغز شخصية فاجنر يصعب تفسيره.. لأنه ظهر طوال حياته ثملا لدور رسمه هو لنفسه.. ولم يلق عليه سوى القليل من الضوء.. وفي ٢٢ مايو سنة لم١٨٧٢ وكان عيد ميلاده التاسع والخمس.. وضع حجر الأساس لمسرح بايرويت في احتفال مهيب.. عزفت فيه سيمفونية بيتهوفن التاسعة.. وألقى فاجنر خطبة تاريخية تحدث فيها عن الوحدة الأ لمانية لم وعن الدور الذي يأمل أن يلعبه مسرح بايرويت لإحياء القومية الأ لمانية.. وقد كان هذا ا لمسرح هو حلم حياته.. وا لمعبد الذي تتحد فيه فنون الشعر وا لموسيقى ويكون اكثر ملاءمة لتقدم درامياته ا لموسيقية لم فهو مهيأ بوسائل تمكن وحدة الدراما الفاجنرية من الحصول على أعلى مستوى من التحقيق.. وافتتح ا لمسرح في ١٠ أغسطس سنة ١٨٧٦ برباعية الخا م التي تضم ذهب الراين ١٨٦٩) Rhe,n gold ) و الفالكيري D,e Wلمlkure ( ١٨٧٠ ) و سيجفريد ١٨٧٦) S,eg Fr,ed ) و غروب الآلهة Gotterdلمmmerung ( ١٨٧٦ ). وكانت الأوركسترا-التي تختفي تحت خشبة ا لمسرح-تضم ١٥٥ عازفا لم انتقاؤهم من ب l أعظم العازف l الأ لمان.. وهكذا أصبحت بايرويت-ولا تزال-ا لمركز الذي يتبلور فيه فكر وكفاح فاجنر.. والكعبة التي يحج إليها عشاق فنه الفريد.ومن إضافاته العديدة.. ابتكاره لنوع من الآلات ا لموسيقية يحمل اسمه فاجنرتوبا لمWلمgner Tubلم وهي آلات نحاسية تجمع ب l صفات كل من عبقريات موسيقية الكورنو الفرنسي والترمبون.. واستعملها في درامياته ا لموسيقية.. ومن بعده استعملت بكثرة وخاصة في أوبرات ريتشارد شتراوس.. التقى بكوز dا Cos,mلم ابنة فرانز ليست وأحبها.. بالرغم أنها كانت زوجة لصديقه هانز فون بيلوف Hلمns von Bulow .. تزوجها في ٢٥ أغسطس سنة ١٨٧٠ بعد أن كانا قد فرا سويا بسنوات.وفي أواخر أيامه تحول إلى نباتي.. ودعا إلى أن يكون كل البشر نباتي ..وقد عاش أيامه الأخيرة منعزلا عن اﻟﻤﺠتمع لم ومات بالسكتة القلبية في مدينة البندقية.. في اليوم الثالث عشر من (فبراير) عام ١٨٨٣ .. بعد أن عاش حياة شديدة الخصوبة أعطى لها بعمق.. كما انتزع منها كل ما تمكن من الحصول عليه.. الكلمة ليست سوى وسيلة لنقل الأفكار.. والاتصال بالناس.. إلا أن تأثيرها لا يكمل إلا لموسيقية الصوت البشري.. وبالنظرة.. والإشارة..حتى تودي غرضها بتكامل وفاعلية وثراء ..(5)


الهوامش

1- د.عبدالله أبو هيف – المسرح العربي المعاصر- دمشق- اتحاد الكتاب- 2002 – ص 298 -300
2- دعوة الى الموسيقى- د.يوسف السيسي -الكويت-عالم المعرفة-1981 –ص 24
3- المصدر السابق- ص 32
4- - المخرج في المسرح المعاصر- سعد اردش- الكويت-عالم المعرفة-1979 – ص 60-61
5- دعوة الى الموسيقى- المصدر السابق-ص 80-87


--------------
http://www.youtube.com/alsarmady

الكاتب
سرمد السرمدي
العراق



#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم القبح في الجمال.
- المسرح في الصين
- المسرح في العصور الوسطى
- من أجل ثورة عراقية زرقاء ام سوداء ؟
- الفنان كالسياسي كلاهما في سجن بول بريمر
- في المسرح العراقي لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !
- اغتيال طاهرعبد العظيم الفنان التشكيلي المصري
- مقاعد دراسية اسرائيلية في الجامعات العراقية
- مقتل المشاركين في مسرحية عراقية !
- التمر العراقي والقوة الجنسية عند الكتاب العرب
- جفت دموع العراقيات في بلد دجلة والفرات
- الفن العراقي عاري عاري عاري
- علكة صهيونية تغزوا الأسواق العراقية
- ليس في لوحة الغدر لون للرجال – لحظة عارية 3
- القاهرة تكتب وبيروت تطبع والعراق يغرق - لحظة عارية 2
- رسالة عراقية ل عمر موسى
- لحظة عارية 1
- فنية الفعل في القرن الواحد والعشرين
- العصر الجليدي الخامس
- نحو السهل الممتنع


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرمد السرمدي - المخرج ريتشارد فاجنر