أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - أحمد مولود الطيار - أنا الذي أكل الفأر















المزيد.....

أنا الذي أكل الفأر


أحمد مولود الطيار

الحوار المتمدن-العدد: 897 - 2004 / 7 / 17 - 08:04
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بعض حكايا معتقل تدمر الرهيب
"رد المظالم إلى أهلها "

(الى المعتقل السوري في يومه 21حزيران)
أحمد مولود الطيار - سورية


ذيل الفأر المتفسخ المتدلي من الشفتين (فرج بيرقدار – عن الرجل الذي أطعموه فأرا و أشياء أخرى / ملحق النهار) منظر عجزت السريالية بكل إبداعاتها الفنية عن الآتيان بلوحة كهذه
وحده النظام السوري تفوق على تلك المدرسة الفنية و استطاع حفر اسمه بأحرف من دم السجناء في سجلات أضحت خاصة به , وبأنظمة أخرى على شاكلته , تملأ بلدنا من المحيط الى الخليج
تتوالى اللوحات السريالية المتقنة الصنع (كل الاعتذار من تلك المدرسة الفنية ) , في " مصانع " تلك الأنظمة , وأخرها كان النظام الأمريكي , الذي يبدو أنه الأستاذ و المرجعية في ذلك .
أقرأ في إحدى الصحف على ما جاء من فضائع في سجن أبو غريب في العراق : الكلاب تلتهم الأعضاء الذكرية لأربعة عشرة معتقلا عراقيا لانتزاع معلومات مهمة منهم , و خصائهم لأن المخصيين أصبحوا كثرا .
تلمست ما بين فخذيّ و أنا أشيح بناظري عن ذلك الخبر المرعب الذي يجعل قلبك يفر من بين ظلوعك .
منظمات حقوق الإنسان, تسجل الانتهاكات يوميا و تقول في تقاريرها: إن الوضع الذي آلت إليه حقوق الإنسان في العالم تسجل تراجعا خطيرا لم نشهده منذ خمسين عاما خلت. ويعتبرالنظام الأمريكي حاليا من أكثر الأنظمة انتهاكا لتلك الحقوق , وتستشهد بالعراق و أفغانستان و غوانتانامو .
ماذا يريد النظام الأمريكي ؟!! الأنظمة العربية تضحك في عبّها وجدّ مسرورة , لتخبطات المارد الأمريكي وتراهن على ازدياد تخبطه , أكثر فأكثر حتى يتوه و يفقد كامل مشيته في وحولنا المعدّة سلفا .
كانت رحلة الإنسان في الأنظمة الديكتاتورية , عكس النظرية الداروينية , التي تقول بالتطور التدريجي لذلك المخلوق من قرد إلى ... إنسان. أبت تلك الأنظمة إلا أن تحفر اسمها في سجل المكتشفات و الإنجازات العلمية, و تبرهن على خطأ نظرية داروين , حيث تقول , و الواقع يثبت صحة ما تذهب إليه : إن الإنسان يتحول تدريجيا القهقرى , من إنسان كامل , مصانة كرامته و حقوقه و إنسانيته , إلى قرد لا يتقن إلا لعبة البهلوانات و المزاودات و التمسح و التقرب إلى جلاديه , ليكون مهرجا بامتياز .
صمدت هذه النظرية فترة طويلة . حتى جاء النظام الأمريكي, لا ليدحضها و إنما ليضخ الدم فيها من جديد , ويطورها (القهقرى ) يقول : إن دورة الإنسان تبدأ من إنسان كامل , إلى قرد متسلق , ثم إلى الحضيض , حشرة تدبّ على الأرض .
منظر ذيل الفأر المتدلي من الشفتين يرسل إلى أمعائي إشارات متحدية كلما هممت بإلقاء شئ في داخلها , أقبض بكلتا يدي متكورا على نفسي مانعا ذلك الكهف العميق من الرمي خارجا بافرازاته .
حسن , أمضى سني شبابه الأولى في " مدرسة تدمر الشهيرة " , ست سنوات أمضاها بين ردهات و باحات و زنازين ذاك المعتقل الرهيب , لا تزال إلى الآن تلقي بأشباحها على حاضره المرّ و مستقبله الشاحب , رغم انقضاء سنين طويلة على خروجه من المعتقل .
تهمته هي الانتماء إلى تنظيم سري محظور و مناهضة أهداف الثورة و الإساءة إلى النظام الاشتراكي. (بالمناسبة هذه التهمة غدت " كليشيه جاهزة " لكل المعتقلين السوريين بكافة أطيافهم . استبدلت حاليا و استعيض عنها مباشرة بعد ربيع دمشق المؤود بكليشيه أخرى تقول : محاولة تغيير الدستور بالقوة , وإثارة النعرات الطائفية , و الإساءة إلى الوحدة الوطنية!!!) .
أكد لي أكثر من مرة أن لا علاقة له بذاك التنظيم لا من قريب ولا من بعيد , كل ما في الأمر أن له أقارب محسوبين على ذلك التنظيم , ولكن " .... تزر وازرة وزر أخرى " لدى النظام السوري .
أسرّ لي بعد قراءته لما كتبه فرج : أنا من أكل الفأر.
وقف شعر رأسي. أنت أكلت الفأر ؟!! و أنت من يعنيه فرج ؟؟!! لماذا ,وكيف وو ...؟؟؟؟
قال لا أدري , الفئران الميتة كثيرة , الكثير من المعتقلين , أجبروا على أكل الفئران الميتة المرمية في مجارير و مستنقات السجن الرهيب و أخذ يشرح بألم متجذر فيه , كيف أرغموه أولاد ال .... و الكلاشينكوف المصوب على رأسه بعد أن أركعوه أرضا, تلك العملية التي استغرقت دهرا .
ثمل بالألم , أخذ يسهب في الوصف , قرر تحدي السجن والسجان, إثارته , اغاظته ,هدفه الذي يسيطر على كل ماعداه , جبروت إرادة الإنسان الذي صمم وقبل التحدي. أقبل على الفأر يلتهمه بكل ما أوتي من قهر وحقد على نظام استباح أدمية الإنسان.
أكل فأر ميت عقوبة خفيفة مقارنة مع عقوبات أشد إيلاما تنتهك حرمتك و خصوصيتك و تطعن في صميم كرامتك.قال لي .
قلت : وهل يوجد أبشع من أكل جثة فأر متفسخ ؟!
هز رأسه دون أن يجيب , لكن عيناه تكلمت بأشياء و أشياء .
لم يفلحوا في تحويله إلى قرد , كان يعتمر و يتجلل بنقاء و صفاء قلّ نظيره . تشعر بالصغر و الضألة في حضرة أولئك الأنموذج من البشر .
أرهقته سنوات المعتقل, حفرت في جبينه أخاديد كثيرة, حاولوا ثلمه و تعكيره, لكنهم يعمون إن هم حدقوا في صفاء عينيه, لكنهم سيتوبون, إن هم حدقوا في ذلك الفضاء الواسع و أطالوا التحديق.
في جلسة صفاء معه بوجود ثلة من الأصدقاء تتعاطى هموم و شجون الوطن , أخذنا نلكزه ليروي لنا قصة " تدمر الرهيبة " , كان من بين الحاضرين معتقلين أخر أمضوا سنوات تفتحهم في سجون صيدنايا و عدرا وفروع التحقيق المنتشرة في كل متر من هذا الوطن . جرت العادة و أصبحت فيما بعد عرفا لدى المعتقلين ,أنهم لا يتحدثون عن معاناتهم بوجود معتقل من “ خريجي مدرسة تدمر الشهيرة “, فالاحترام هنا واجب , وكما في الجيش , لا تتكلم الرتبة الصغيرة في حضرة الكبيرة .
كانت الأحاديث تقفز من موضوع إلى أخر ومن نكتة إلى أخرى وسط سحب الدخان و قرقعات الاركيلة و....
قد تكون ساعات الشراب , هي لحظات الصحو الوحيدة في مجتمعاتنا العربية , لأن العقد تنزاح و يتحرر اللسان و تغدو زلاته هي الحقيقة . يتراجع التابو و يسقط الرقيب القابع في كل مسام فينا و يغدو الفضاء رحبا واسعا لا تحده عين و لا يحيط به محيط . يتمادى الأفق حتى يكسر حدوده و يعود بطبيعتنا التي شوهتها الحضارة المستوردة إلى نقاوته الأولى, في البدء كان الماء و في البدء كانت حواء و كان ادم .
أهكذا كان هدف النظام السوري ؟ إعادة من في تدمر إلى بدء الخليقة, عراة, حفاة لا تستر عوراتهم حتى ورقة التوت.
يأتي الصوت عاليا قبيحا :
الكل عراة
الكل يتمدد فوق زميله .
تستلقي الأجساد بعضها فوق البعض في تشكيل لحمي يندى له جبين الإنسانية (هرم من اللحم العاري المستباح)
أخذ يتحدث مطلقا من بين سحب الدخان زفرات عميقة :
_ .....
- أنت أنت يا ابن القحبة
- نعم نعم سيدي
- هات الصابونة
- حاضر حاضر سيدي
- اثقبها
- كيف كيف سيدي ؟
- أحضر " قصاصة الأظافر "
- ............
- اثقبها
رحت أثقبها بيد مرتجفة وقلب يحاول الخروج من بين أضلاعه, قلب يتمنى انتهاء رحلته الآن و التوقف عن مسيرة الذل و الهوان . عيون رفاقي وزملائي تتراكض نحوي خائفة مذعورة , قلوبهم طبول أسمعها , أجسادهم العارية من كل شئ تحاول ألا تحتك ببعضها , كانوا يخمنون أن طقسا جنسيا بدائيا قذرا حقيرا سيشاهدون .
كمن يحفر بئرا في صحراء :
- ثقبتها سيدي
- دع ,دعه ... يلج في الثقب . وأشار الى ...
- .......
- هيا يا ابن الكلب
- .........
- هيا يا ابن الزانية , هل تريد ....هنا في السجن ل ....
_ هيا يا شطور .. أدخله
- ........
- أخرجه
- ..........
- أدخله . بدأت تنبسط يا ابن ......
- أدخله, أخرجه, أدخله, أخرجه, أدخله, أخرجه......................
-............................
ماذا يا ابن الساقطة ؟ هل انبسطت ؟ هل ارتحت ؟ .. أمك , .... أختك ...........
كنا ننظر إليه مذهولين غير مصدقين, عيونه المطفأة مغمضة تفيض بأنهار العالم, رأسه يهتز يمنة و يسرة غير مصدق, حركات يديه يشرعها عالية إلى الله متضرعة, لو هز بها الكون لتساقط عند قدميه, كان يرتجف كأن حمّى أصابته.
أحد زملائه ممن ساروا على طريق الجلجلة , انفجر باكيا : بربك توقف , أتوسل إليك كفى , ينعن ..... , ينعن ...... , ياالله , يا رب يا.... أضحت الكلمات حشرجات غير مفهومة , الدموع أصبحت مدادا كتبت وستكتب كيف تحول الإنسان إلى حشرة تدب على الأرض . كانت الدموع و كان الوجوم و الذهول و كان الألم يعتصر الجميع.
لدقائق لم ننطق بعدها , كنا أشبه ما نكون بطقس سادي مازوشي , الكل يعذب ويتعذب . ومن العيون المغمضة و الوجه الذي يعتصر بين دفاته ألم العالم كله , أخذ يغني بصوت اختلطت فيه الأنة و الحشرجة و كبرياء جريح :
يما مويل الهوا
يما مويليا
ضرب الخناجر
ولا حكم العفن بيّا
و أخذنا نردد ورائه :
يما مويل الهوا
يما مويليا
ضرب الخناجر
ولا حكم النذل بيّا
تندحر الظلمة ويبدأ الفجر بارسال خيوطه الأولى معلنا بدء صباح جديد . كانت الأجساد منهكة فراح الكل في نوم عميق.
تدمر ولّى , ذهب , لكن جراحه , آلامه , عذاباته باقية لم تندمل .
فرج وحسن , راشد , نبيل , خليل , محمد , خلف و آخرون و آخرون تتقاسمهم المنافي و التشرد والطرقات و لقمة خبز هي بالحسرة . متى ترد المظالم إلى أهلها ؟؟
متى تندمل الجراح ؟؟
متى يعود الألق إلى الأرواح المنطفئة ؟؟
متى ومتى ومتى ؟؟!!!



#أحمد_مولود_الطيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقائع لم ترو في - يوم المعتقل السوري- شاهد عيان
- رياض الترك: بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيات ...
- خلافات التجمع المعارض في سورية: ظاهرة صحية أم ماذا؟


المزيد.....




- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...
- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - أحمد مولود الطيار - أنا الذي أكل الفأر