أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر















المزيد.....

التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 01:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من المعروف تاريخيا ً أن المصريين القدماء كانوا قوما ً من الأحرار فيما قبل عصر الأسرات الفرعونية، كانوا سلالات مولدةً من الأحباش والنوبيين والليبيين ، ومن ساميين وأرمن جاءوا جميعا ً إلى وادي النيل في هجرات متتالية ، لينصهروا معا ً بثقافة المساواة والتسامح العقيدي ، والعمل المشترك : ترويضا ً للنهر وتشييدا ً لمتطلبات الزراعة على ضفافه مشكلين بذلك ما صار يسمى بالشعب المصري ، الذي ما لبث حتى أسلم القياد لحكام مقاطعات ودويلات متنازعة متحاربة في مصر العليا والدلتا ، فكانت الدولة الموحدة بحكومتها المركزية وحاكمها القوي " الفرعون" هي الحل الوحيد لبسط السلام بين الناس ، والثمن : تنازلهم للحاكم عن حرياتهم "المطلقة" مقابل الظفر "النسبي" بالأمن والاستقرار .
من هنا رسخت لدي عامة المصريين بدء ً من العصر الفرعوني عناصرُ ثقافية سلبية كالخضوع للحكام والرضي بالمقادير، واللامبالاة بالشئون العامة ، والغطرشة على التوظيف السياسي والاجتماعي للدين ، جنبا ً إلى جنب الحلم الدائم بالمخلّص : الحاكم المستبد العادل، والذي سوف تدعوه المسيحية فيما بعد بـ"مخلصنا يسوع" ويسميه الإسلام الشيعي "المهدي المنتظر" ويلقبه الإسلام السني بوليّ الأمر ، محذرا ً من عصيانه ولو ظلم .
وأول ظهور لفكرة " المخلّص" نراها في شكوى الفلاح الفصيح الذي لا يجد غير رأس النظام "الظالم" يرفع إليه مظلمته ! كما تشيع تلك الفكرة إبان فترة الفوضى (الأسر من السابعة حتى الحادية عشرة المنتهية عام 2000 ق.م) في تنبؤات " نفر روهو" و"إيبور" بحتمية عودة السلام كمحاولات " أدبية" هدفها تهدئة العامة الثائرين، مادتها الفعالة مخدر ناعم واسمها التجاري "المخلّص" الذي سيأتي ليملأ البلاد عدلاً ! وظاهريا ً تبدو تلك التنبؤات وكأنها تقف في صف الشعب البائس ، أما باطنها فيعبر عنه الحكيم "إيبور" بقوله متحسرا ً "إن مخازن الملك قد أصبحت ملكاً مشاعاً لكل فرد، ولا ضرائب تجبي للقصر، رغم أنه ينبغي قانوناً أن يكون له شعير و قمح ودجاج و...و... وكل المحاصيل الجميلة " ومن نافلة القول إن عرق وكدح الجياع الذين انتفضوا هما مصدر كل تلك المحاصيل الجميلة ! فهل يصح أن يسمى إيبور هذا "حكيما ً" ؟ نعم يصح إنما من وجهة نظر المؤرخين الرسميين، الذين يدعوهم هيجل بأصحاب الوعي الشقي Unhappy-consciousness فكيف إذن تصدر عن صاحب وعي شقي نبوءةٌ صادقة عن " حتمية" مجئ المخلّص؟!
المخلّص ضربة مزدوجة
كان اختراع هذه النبوءة بمثابة ضربةٍ مزدوجةٍ علي هامات المصريين تتردد منذ الفراعنة وحتى الآن . ففكرة الحتمية في حد ذاتها تؤدي إلي القبول بالجبرية المطلقة، التي ما أن تستقر في العقل ويتم تقبلها بحسبانها أمراً طبيعياً ؛ حتى تفرّغ الكائن من كل طاقة فيه تسعي للتغيير . لا يجرى هذا على عوام الناس حسبُ، بل وعلي المتعلمين أيضا ً ومنهم دعاة التغيير والتحرير أنفسهم.. والماركسيون المصريون مثال جليّ ، فلقد ارتضوا حل حزبهم محتجين بأن الظرف الموضوعي ( وهو من تجليات الجبر) لا يسمح إلا بالانخراط في تنظيم البورجوازية الصغيرة "الثورية" : الاتحاد الاشتراكي العربي تحت قيادة المخلّص ناصر !
وأما الجانب الثاني من هذه الضربة المزدوجة، فيتعلق بتخصيص الفعل السياسي للقائد المستبد " العادل" دون سواه. وتمتلئ كتب التاريخ المصري من إيبور إلي محمد حسنين هيكل مروراً ببدر العيني المملوكي بالترويج لهذه الثيمة الفرعونية، حتى أن السؤال عن الخلاص من وضع البؤس الكامل لا يصاغ بكلمات من طراز " فما الحل ؟" بل يطلق بصيغة " فمن البديل؟" استبعاداً لإمكانية تغيير بنية الاستبداد، حيث أقصي ما ُيتصور هو تغيير أحد عناصر البنية(=المستبد) مع استمرار باقي العناصر قائمة ، وبينها الخانعون أنفسهم بمعتقداتهم وأعرافهم وسلوكياتهم الداعمة لهذه البنية بحيث ُيختزل مطلب التغيير العام في مجرد استبدال حاكم بحاكم، وأنت وحظك .
ذلك تراث سلبي بالتأكيد ُنقل إلينا من الموروث الفرعوني، الذي لم تكن بأوراقه قط مشروعاتٌ إنسانية كبري، كانت خليقة ً بترقية الحياة لو قدمتها فئاته المثقفة (=الكهنة) من قبيل حل مشكلة الضرورة والمصادفة ، النظام والحرية ، تحديد الغاية من العيش علي الأرض عبر التصورات الأعم لآفاق الحضارة الإنسانية، والتصورات الأخص لعلاقة الأخلاق بالسياسة، والجنوسة بالربوبية ، و الجمال بالاقتصاد .. الخ
المثقف المصري في غرفة المفعولية
وهنا يبرز سؤال عن أسباب تقاعس هذه الفئات المثقفة (الكهنة) عن تعليم الشعب المصري طرائق التفكير والتنظير، في الوقت الذي أتاحت فيه شتى المعارف ( السرية ) للأجانب الزائرين أمثال هرقليطس وفيثاغورس و أفلاطون. وبينما عمد سقراط وخصومه السوفسطائيون إلي " تشعيب" الفلسفة أى إتاحتها للشعب، اكتفى الكهنة المصريون بتلقين العامة الإجابات سابقة التجهيز (المكرسة لواقع طغيان الدولة) في صورة عقائد وطقوس دينية لا تقبل النقاش، تنقل العيش الحقيقي من هذا العالم الملموس، إلي عالم ما بعد الموت حيث ينال الأبرارُ النعيمَ جزاء " صبرهم" ويعاقب فيه الأشرارُ (= المتمردون) لخروجهم عن الجادة التي رسمتها لهم الدولة.
لعل التمايز بين مثقفي الإغريق ونظائرهم الكهنة المصريين عائد لكون المدينةُ الإغريقيةُ Police حشدا ً مجتمعيا ً لممارسة الإنتاج الحرفي والتجارة وإدارة الشئون العامة، حين كانت المدن المصرية محض أماكن لسكني الطبقة الحاكمة ودعاماتها من كهنة وقضاة وإداريين وأطباء ومهندسين ، يقيمون في دوائر ٍمركزُها البيت الكبير "برعو" وعلي المحيط يقيم صغار الموظفين و الأتباع والخدم وأصحاب الحرف المطلوبة لصالح هذه الطبقة .
إن موضع المدينة وليس موقعها اقتراباً من -أو ابتعاداً عن- الريف هو الذي يحدد وظيفتها، وكذلك يحدد مداخل ومخارج قيمها علي الخارطة الحضارية وبهذا المعيار نقول إن المدن الفرعونية لم تكن سوي قصور ملحقة بالريف ، ومن ثم غاب عنها العمل السياسي وضمرت فيها الاحتياجات الفلسفية، فاكتفت بالعيش السطحي مورثةً حتى مثقفيها هذه السلبية َ السياسيةَ وذاك الجفافَ الفلسفيّ ، اللذين أجلسا المثقف المصري على مقعد المفعول به لا يطلقانه إلى فضاء الفاعلية المؤثرة في الحياة .
تناقضات المخلص العصري
ليس من الإنصاف إذن لوم النخب السياسية على تعلقهم الرومانسي بفكرة المخلص الفرد (مثلما جرى في مسألة البرادعي ) ما فتئت هياكلُ الدولة ، بحكم الواقع الجيبولوتيكي والميراث التاريخي راسخةً تحت هيمنة المؤسسات الرئاسية والعسكرية والدينية . لكن اللوم سيكون من نصيب المثقفين : المفكرين والباحثين العلميين وأساتذة الجامعات ..الخ ، إن هم تقاعسوا عن رصد المتغيرات العالمية والمحلية المتمثلة في تغير أنماط ووتائر الإنتاج، وأثر هذا التغير على مجمل العلاقات الاجتماعية . ذلك أن تثوير أي مجتمع معاصر قد صار اليوم متعلقا ً بالتكنولوجيا لا الأيديولوجيا ، بالاستقبال الواعي " لثورة المعلومات " لا رهنا ً بشعارات تنظيم "ثوري " يطالب بهدم القديم البالي ، دون أن تكون لديه نظرية "علمية " توضح طبيعة البناء الجديد ، وآليات حشد القوى المجتمعية المؤهلة لتشييده . وعلى سبيل المثال فالملتفون حول الدكتور البرادعي ( الطبعة الحديثة لفكرة المخلص ) لم يتساءلوا عن الكيفية التي سيوفق بها الرجل لو صار رئيسا ً بين دواعي الأمن القومي العربي وبين دعوته لفتح حدود مصر رسمياً لمنظمة حماس مما يعد اعترافا ً بها ممثلا ً شرعيا ً للشعب الفلسطيني في غزة بجانب منظمة التحرير في رام الله ، أى الإقرار بدولتين فلسطينيتين وهو ما ستطير به إسرائيل فرحا ً إذ ُيفكك لها ما تبقى من المنظومة العربية المبعثرة أصلا ً، بينما ُيحشر الأمن القومي المصري ذاته بين مطرقة الإمارة الحمساوية الدينية على الحدود وبين سندان منظمة الأخوان الدينية في الداخل ! كذلك لم يسأل الملتفون مخـّلصهم عن التناقض في خطته لبناء الدولة العلمانية وموافقته بسماحة "لبرالية" غريبة على قيام حزب ديني ّ للإخوان المسلمين والذي سيتبعه قطعاً ً قيام حزب مسيحي للأقباط ، مما يمهد لحرب أهلية لا ريب فيها .
هذه الأسئلة وغيرها لم تنجح النخب السياسية في طرحها ، ومحاولة الإجابة عليها ، وذلك لانشغالهم بسؤال التغيير بصيغة " من البديل ؟ " وهي صيغة – كما رأينا – ُتبقى هياكل الدولة والمجتمع على حالها الموروث من العصر الفرعوني ولو بأزياء مختلفة . فيا ليت المثقفين يطرحون سؤال التغيير الحق بصيغة " كيف ؟ "



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة في مصر أم بعث لأسطورة المخلص ؟
- عن الإسكندرية
- المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص ...
- هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟
- مغامرة الكتابة مع نجيب محفوظ
- المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صلي ...
- هل يمكن للشعب أن يتنازل - بحريته - عن حريته ؟
- الشعر سفيرا ً فوق العادة
- لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية
- متى يعتذر الغرب للشعب المصري
- المرأة العربية في المخيال الجمعي
- مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
- رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش
- النقد الذاتي قطار المصريين إلي الديمقراطية
- عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت
- الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
- كل ضد إلى ضده
- مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
- هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟
- الإسكندرية والتهاب العصب الخامس


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر