أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عامر عبد زيد - رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد















المزيد.....



رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2943 - 2010 / 3 / 13 - 09:12
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد
ملف تم تحريره من قبل مدونة عالم الأفكار الفلسفية وهو من سلسلة من الملفات من اجل تعميق آليات الحوار المحاور والمفكرون والكتاب
1. لوعي المغلوط لمفهوم الهوية- ثامرعباس
2. احياء الهوية الوطنية - سليم مطر/ جنيف
3. الخطاب السياسي واطياف التمركز- د- عامر عبد زيد
4. ابتكار هوية وطنية ،الدولة العراقية.. بين تشظي وتخيّل وصراع الهويات-حسين درويش العادلي
5. مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي-باقر جاسم محمد
6. ور النخب العراقية فـي تفعيل الهويــة الوطنيــة المشتركــة -امل هندي الخزعلي



لوعي المغلوط لمفهوم الهوية


ثامرعباس
قد يرتبك وعي الإنسان العراقي الحبيس بين جدران تصوراته الذاتية وشباك يقينياته الشخصية ، كما قد يتعثر نظام اشتغال أوالياته الادراكية ويضطرب بندول انطباعاته الذهنية ، لجهة استشفاف العلاقة العضوية الكائنة بين أضلاع

مثلث مفهوم الهوية: (الشخصية الاجتماعية ، والهوية الوطنية ، والمواطنية الحضارية) ، على خلفية انغماسه بحمى المهاترات السياسية المتطيفة ، وانغماره بسيول الخطابات الإيديولوجية المتعصبة . وهو الأمر الذي أفضى - وسيفضي - إلى مفاقمة أوار صدام الذهنيات المجيشة وصراع العلاقات المستقطبة ، التي عادة ما تتخندق خلف هذا الموقف المبتسر أو ذاك ، وتتمترس وراء هذا التصور الأحادي أو ذاك ، بسائق تنافس المصالح السياسية / السلطوية وتزاحم الارادات الحزبية / الاستحواذية ، بعد أن تكون قنوات التواصل بينها قد بلغت طور الانكفاء الذاتي والقطيعة البينية من جهة ، ومسارات الحوار خلالها قد ولجت أنفاق التنازع في المعاني والتضارب في الدلالات من جهة أخرى . ولما كان الإنسان العراقي المسكون بهاجس الأمن المفقود والمأخوذ بوازع الحاجة المستديمة ، قد أسلم زمام أمره وأسلس قياد إرادته إلى من يعتبرهم علية القوم وسراة المجتمع ، فهو لم يعد يهمه أمر البحث عن معالجات واقعية أو مفترضة تتيح له التعاطي مع ظاهرة الاستعصاء في تشوفه لتخوم معمار هويته الوطنية / العراقية التي لم تبرح ملامحها الضبابية تداعب أطياف مخيلته المفعمة بالأماني الموؤدة والآمال المغيبة . مفوضا"أمر استخلاص ماهيتها وتشخيص تمظهراتها إلى شريحة (الانتللجنسيا) التي - ويا للأسف الشديد - لم تقدّر أهمية هذا التفويض الطوعي واللامشروط من لدن الجمهور العراقي المنتهك حتى في تفاصيل مخياله الرمزي ، لا لكي تبدي قدرتها الفكرية وتستعرض جدارتها المعرفية للقيام بمثل هذه المهمة الحيوية / المصيرية فحسب ، بل وكذلك تشي بالإيحاء لمن تعنيه المسألة بحسن الاختيار الذي بدر عنه وسلامة التصرف الذي أقدم عليه ، مما استتبع حصول هذا التباعد في الشقة بين عالم الجمهور وعالم نخبته ، فضلا"عن تعميق الهوة التي تفضل بينهما أصلا"على خلفية تقاطع الاهتمامات وتخالف المنظورات . ومن هذا المنطلق ، غالبا"ما نلفى ، حين يتعلق الأمر بتحديد مفهوم الهوية وتوصيف عناصرها ، حصول انشطار في توجهات الكتاب واستقطاب بين منطلقاتهم ، للحدّ الذي يتحولون معه إلى ملل متنابذة ونحل متعارضة ، لا تستوحي عوامل التشابه في مرجعياتها لبحث هذه المسألة الإشكالية ، والخلوص ، من ثم ، إلى بلورة نماذج مفاهيمية معقولة على صعيد المجرد / النظري ، ومقبولة على مستوى الملموس / المعاش ، بقدر ما تستنهض عناصر الاختلاف وتستفز مقومات المغايرة ، بحيث لا تتمخض عنها سوى نتيجة واحدة ثابتة وهي الفشل في صياغة رؤية موحدة حتى ولو استعصمت بتنوع مشاربها الفكرية ، والإخفاق في التوصل إلى مقاربات معيارية حتى ولو استلهمت رموزها الإيديولوجية . ولذلك نجد إن فريقا"أول يقرن جوهر الهوية بالعامل الديني / الطائفي ، دون أن يعطي كبير أهمية لبقية العوامل الأخرى ؛ الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تشترك جميعها في بلورة ملامحها وتجسيد كينونتها في تضاعيف الوعي الاجتماعي . والملاحظ إن تصورا"كهذا قمين باختزال ثراء تلك الترابطات والاشتراطات الجدلية إلى بعد واحد ، لا يدخل في تكوين خواص تلك الهوية إلاّ بصورة غير مباشرة ، وعبر مسارب ما يدعى (بالشخصية الاجتماعية) - هناك من يحبذ تسميتها بالشخصية المعيارية أو الأساسية - حيث تعتبر هذه الأخيرة بمثابة مرحلة سابقة وضرورية لانبثاق مفهوم الهوية . هذا في حين يلزم فريق ثان المفهوم ذاته بأن يشيح عن خواص العامل القومي / العنصري ، ويدلل على أرجحيته في مضمار المفاضلة بين بقية الخواص الأخرى التي يستلزم توافرها ، دون أن يصار إلى إدراك حقيقة إن التورط بانتهاج مثل هذا المنحى / المنزلق الخطر ، سوف لا يؤول فقط إلى تقويض أي مسعى و / أو مبادرة تستهدف بناء الهوية الوطنية على أسس قوية وقواعد راسخة ، تستلهم طبيعة الواقع الاجتماعي وتستوحي مواريث رموزه وفكرياته فحسب ، بل وكذلك تسهم باستفحال شدّة الاستقطابات الجهوية ، وزيادة حدّة الحساسيات الاثنية ، وارتفاع معدل الصراعات الاجتماعية . والواقع إن محنة تصادم الذهنيات ، وبالتالي تبعثر الانتماءات وتذرر الولاءات حول مفهوم الهوية ، سوف تبقى قائمة ، لا بل مرشحة لأن تستولد الكثير من المشاكل وتطرح المزيد من الإشكالات ، إن على مستوى الحاضر وما يتناسل في رحمه ، أو على صعيد المستقبل وما يجيش في أفقه ، ما لم يعاد ترتيب الأولويات المفهومية وتستأنف جدولة الضروريات الإجرائية ، التي من خلالها يتاح لمكونات المجتمع العراقي بلوغ هذا الحلم العصيّ على التحقيق . ولذلك فان أي حديث عن الهوية العراقية ، لاعتبارها (حقيقية جوهرية ثابتة) - كما يشيع البعض - سيبقى محض ادعاء / افتراض لا سند له في الواقع ولا برهان عليه في التجربة ، طالما يجري التهرب من المواجهة القاسية - ولكنها مصيرية - مع واقعة إن مفهوم (الهوية الوطنية) هو بالأساس حصيلة / نتاج تشبّع الجماعات العراقية المتشظية بإحساس الاندغام (بالشخصية الاجتماعية) ، التي لم تفتأ هي الأخرى محض مفهوم مجرد يبحث له عن واقع يقترن به وممارسة يتمخض عنها . وهو ما يستلزم الشروع المسبق بلملمة شعث عناصرها ورتق شقوق نسيجها . أما بغير هذا المسعى وخلاف ذاك السبيل فانه لا جدوى من النقاش حول أهمية الهوية لوحدة المجتمع العراقي وضمان مصيره التاريخي ، كما لا طائل من التغني بفضائل المواطنية التي لا تعدو أن تكون مفردة رائجة من أدبيات المجاملة الدبلوماسية ، لتغطية ممارسات انتهاك قيمها وتمرير صفقات الاتجار باسمها . ولعل هناك ممن غشيه طوفان المفاهيم والمصطلحات ذات الوقع المميز في نفوس وعقول من أضناهم الشوق إلى إثبات جودهم الاجتماعي وتأكيد حضورهم السياسي ، بحيث تخالطت في ظنهم المقاصد وتلابست في تصورهم الغايات ، وهو ما قد يسوقهم إلى اعتبار إن كلا مفهومي (الهوية الوطنية) و (الشخصية الاجتماعية) ينتميان إلى حقل دلالي واحد ، وهما ، بالإضافة لذلك يفضيان إلى معنى سيميائي مشترك ، وان الفارق الذي نزعم وجوده بينهما لا أساس له في الواقع . وهنا يضطرنا موقف كهذا إلى إيضاح إن مبدأ الهوية يقوم على أساس الوعي بالآخر ، ولولا حصول مثل هذا الوعي - ليس على مستوى الفرد فقط وإنما على مستوى الجماعة كشرط أساسي - لانتفت الحاجة / الضرورة لوجود الهوية أصلا". ولهذا فقد أشار أستاذ الاثنولوجيا في جامعة السوربون (دنيس كوش) إلى أنه (( ليست هناك هوية في ذاتها ولا حتى لذاتها وحسب . الهوية هي ، دوما"، علاقة بالآخر . بتعبير آخر ، الهوية والآخروية متصلتان ، الواحدة بالأخرى ، وتجمعهما علاقة جدلية . إن التماهي يتوازى مع التمايز )) . وإذا ما استوعبنا حقيقة إن مبدأ (الوعي بالآخر) القائم على معايير التفارق القومي والتغاير الاجتماعي والخالف الحضاري والتناشز الثقافي ، لا يتم تلقائيا"وبصورة اعتباطية خلافا"لدوافع (القصدية) بالمعنى الهوسرلي - نسبة إلى الفيلسوف أدموند هوسرل ، أحد أبرز مؤسسي الفلسفة الظواهرية- لمجرد إن عضو معين في مجموعة اجتماعية ما يختلف حضاريا"ويتمايز ثقافيا"عن نظير له في مجموعة اجتماعية أخرى . وإنما يفترض ، على نحو مسبق ، تحصيل مبدأ (الوعي بالذات) أو الشعور (بالأنا الجمعي) ، من منطلق انه يتعذر على المرء بلوغ مرحلة الوعي بالآخر قبل أن يجتاز عتبة الوعي بالذات . بمعنى إن معرفة الذات هي شرط مسبق / أولي لمعرفة الآخر ، وهو ما لا يتاح لنا تحقيقه إلاّ عن طريق بناء (الشخصية الاجتماعية) التي تشترط ، بالإضافة لذلك ، استكمال معايير التوافق القومي والانسجام الاجتماعي والتجانس النفسي بين مكونات الجماعة الوطنية . بعبارة موجزة نقول ؛ انه إذا كان مفهوم (الهوية الوطنية) يشترط مسبقا"، لكي يستوفي معناه المفهومي ويستكمل مبناه الدلالي ، حصول تراكم ناجز في مقومات (الشخصية الاجتماعية) ، على وفق مستلزمات الضرورة التعاقبية . فان هذه الأخيرة ، بالمقابل ، لا تشترط مثل هذه الضرورة لكي يكتمل نصابها وتتبلور بنيتها ، إلاّ وفقا"للسياق التزامني الذي يجمع بينها وبين المفهوم الأول ، من حيث كونها متضمنة فيه وصادرة عنه . إذ إن المجتمع الذي يتمتع أعضاؤه بحيازة مناقب (الهوية الوطنية) لابد أن يكون قد تخطى مرحلة بناء (شخصيته الاجتماعية) ، إن لم يكن ولج حقبة إنشاء (المواطنية الحضارية) . في حين إن المجتمع الذي لم يبلغ أعضاؤه بعد مرحلة الإحساس (بالهوية الوطنية) ، لا مناص له من الوقوع على مفترق احتمالين ؛ إما أن يكون في طور إعداد وانضاج مكونات (الشخصية الاجتماعية) ، وهو ما يرجح إمكانيات ظفره ، إن عاجلا"أو آجلا"، بفضيلة (الهوية الوطنية) بأقل التكاليف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية . وإما انه لا يزال - كما هو حال المجتمع العراقي - يتخبط ضمن إطار فوضى نعراته القبلية واستقطاباته الجهوية من جانب ، وصراع ولاءاته الطائفية وانتماءاته العنصرية من جانب آخر . من هنا نعتقد إن الدعاوى الرامية إلى حضّ العراقيين وحثهم للتمسك بعروة (الهوية الوطنية) ، والانصراف كليا"عن القيام بأية محاولة تستهدف التحقق من وجود مقومات فعلية (للشخصية العراقية) ، تحت وطأة الاحتكام إلى المسلمات العرفية والقطعيات الاعتقادية ، هي دعاوى تستهدف إطالة أمد التحديق في سماء اليوتوبيا ، بدلا"من الدعوة للحفر في طبقات السوسيولوجيا ، والهروب إلى الأمام بغير دليل مأمون أو وجهة معلومة ، بدلا"من مواجهة الواقع بمعاول النقد ومشارط التحليل ، والاكتفاء بتضميد الجروح النازفة ، بدلا"من بتر الأعضاء الفاسدة . فالأولى أن نشرع بإزالة ركام الموروث التاريخي المؤسطر وازاحة ترسبات الطمى الحضاري المؤمثل ، العالق في الذهنيات المتعصبة والمتوطن في النفسيات المتطرفة ، والذي لم يبرح يعيق تكوين (الشخصية العراقية) على نحو سليم وخال من العقد الطائفية والمخاوف العنصرية والهواجس الجهوية والحساسيات القبلية ، ويتيح ، من ثم ، لعناصر (الهوية الوطنية) التعافي من الأمراض السوسيولوجية التي لم تبرح تنخر في أسسها ، والتحرر من الأغلال الانثروبولوجية التي لم تفتأ تغلّ إرادتها . بقي لنا أن نضيف ملاحظة أخيرة بخصوص الضلع الثالث للهوية (المواطنية الحضارية) ، التي يجمع الغالبية العظمى على أنها من بنات أفكار التجربة الليبرالية / الديمقراطية ، وهو رأي صحيح ولا غبار على صدقيته . بيد إن القول في هذه المسألة على صعيد التنظير الفكري المجرد شيء ، ومكابدات الخوض في ملابساتها على مستوى الواقع الفعلي الملموس شيء ثان تماما". فكما سبق ولاحظنا فان هذا المعطى الحضاري يعد تتويجا"لصيرورات (الشخصية الاجتماعية) و(الهوية الوطنية) وسيرورات تفاعلهما في المجتمع ، على اعتبار إن إحساس الفرد بمواطنيته هو بمثابة إعلان حصوله على سمة المرور من طور الطبيعة الفجة وما تفرزه من نزعات عدوانية واعتقادات خرافية ، إلى طور الثقافة وما ينتج عنها من أنسنة للطباع وعقلنة للنوازع وشرعنة للدوافع . بعد أن تهيأت له كل عوامل هذا التحول النوعي الهائل ، وتيسرت امامه جميع سبل تلك الفضاءات المناقبية الواسعة ، عبر انخراطه بشعائر التطهر من آثام عصبياته البدائية ، والتحرر من قيود مرجعياته التحتية (= شخصيته الاجتماعية) من جهة ، والانغماس بمظاهر التشارك السياسي والتكامل الاجتماعي والتكافل الاقتصادي والتواصل الثقافي (= هويته الوطنية) من جهة أخرى . ولهذا فانه لمن السذاجة الاعتقاد بان الديمقراطية سوف تعطي أوكلها في مجتمع لا زال أغلب أعضائه يفتقرون لطعم الاحساس (بالشخصية الاجتماعية) ، وما انفكت معظم مكوناته تعاني انعدام الشعور (بالهوية الوطنية) ، وما برح الجميع يعاملون كرعايا يجهلون قيمة التمتع ( بالمواطنية الحضارية) . وما الديمقراطية ، في المحصلة النهائية ، إلاّ هذه السبيكة الإنسانية المتمخضة عن جدل العلاقة القائم بين أضلاع كينونة مفهوم الهوية ذاته .
بواسطة : جريدة الصباح العراقية
احياء الهوية الوطنية.. الخلاص الوحيد امام العراقيين..
سليم مطر/ جنيف
[email protected]
ان الاعوام الاخيرة، والكوارث المتلاحقة التي لا زال يعاني منها وطننا، جعلت الغالبية الساحقة من العراقيين يدركون بصورة واقعية وعملية معنى ( الانتماء الى الهوية العراقية). ان هذا المبدأ، لم يعد نوعا من البطر الاستثقافي الذي تتغنى به اقلية من الحالمين الذين لا يعترفون بالواقع. بل صار الامر على العكس تماما: ان الرافضين لمبدأ الهوية الوطنية، هم اهل البطر والخيال الذين يريدون بناء امبراطوريات قومية واسلامية واممية كبرى، بالوقت الذي فيه هم عاجزون عن توحيد وطننا وانقاذ شعبنا من الفرقة والاحتراب!
صار واضحا للناس، ان الدعوة للهوية الوطنية العراقية، هي بكل بساطة دعوة الى الواقعية واحترام امكانياتنا نحن ابناء هذا الوطن الذي اسمه عراق، لكي نتدبر حالنا ونشترك بادراة بلادنا بصورة عادلة وعقلانية، من دون أي تعصب واستحواذ طائفي وقومي وحزبي. أي بكل بساطة ان نطبق ذلك المثل العراقي المعروف: (مد رجليك على قد غطاك..)، ان نمد ارجلنا ونصوغ شعارتنا على قد بيتنا العراقي، ونترك تلك المشاريع الطوباوية عن( الوحدة العربية من المحيط الهادر الى الخليج الثائر) وعن( كردستان الكبرى من الخليج الى البحر) وعن(الخلافة الاسلامية من الهند الى البلقان والاسبان).. وهكذا دواليك..
ان المشكلة الكبرى التي تعاني منها الوطنية العراقية، هو ذلك المرض العضال الذي اسمه(التعصب القومي والطائفي)، المنتشر في الطرفين الاساسين المتحكمين في الوضع العراقي: الدولة والاحزاب!!
الاحزاب ودورها في دولة المحاصصة
ان الدولة العراقية الحديثة، منذ تأسيسها عام 1921،ظلت تعاني من سوء التقسيم الطائفي والقومي(سيطرة عروبية سنية)، وإن بصورة غير معلنة، رغم ان الوقائع والارقام تؤكد هذا المرض الذي كان السبب الاول في كل الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي سادت تاريخنا الحديث. وزاد الطين بلة، عندما لجأت الدولة العراقية بعد الاحتلال الامريكي، الى نظام (المحاصصة القومية الطائفية) بحجة التخلص من الظلم الطائفي والقومي السابق!
من الخطأ اعتبار نظام المحاصصة الطائفية والقومية، هو قرار امريكي فرضه(بريمر)، بل هو وليد طبيعي وشرعي لتلك الثقافة القومية والطائفية السائدة لدى جميع الاحزاب العراقية ومنذ سنوات طويلة. جميع الاحزاب، الصغيرة والكبيرة، هي اما قومية(عروبية وكردوية وتركمانوية وآشورية.. الخ)، او دينية طائفية، شيعية سنية.. وهي جميعها لها طمومحات ومشاريع امبراطورية قومية ودينية تمتد خارج حدود العراق وتشمل دول شرق اوسطية او عربية اوسلامية عديدة. اما الحزب الشيوعي الذي كان مهيمنا على الحياة الثقافية العراقية طيلة اجيال، فأن الوطنية العراقية بالنسبة له، ظلت ضبابية وثانوية مقارنة بأهمية الانتماء الطبقي والارتباط الاممي بباقي الاحزاب والدول الشيوعية.
هكذا اذن، ان المبالغة بالدعوات الامبراطورية الخارجية بأسم القومية والدين والاممية، ادت الى عكسها تماما: حالة الانكماش والانعزال الداخلي على الذات الطائفية والقومية والحزبية. ومن ابشع مظاهر هذا الانكماش هو نظام المحاصصة الطائفية والقومية. حتى الحزب الشيوعي، وافق على الدخول في البرلمان حسب نظام المحاصصة!
لهذا، ان خلاص بلادنا من (داء المحاصصة) الذي استشرى مثل السرطان في كل اجزاء الجسم العراقي، يتطلب العلاج الجذري للطرفين الفاعلين في هذه المعادلة: الدولة والاحزاب:
اولا، نعم للمحاصصة المناطقية.. وكلا للمحاصصة القومية الطائفية
ان المدافعين عن نظام المحاصصة الحالي، يطرحون حجة تبدو مقنعة وقوية:
ـ اذا لم نراعي نظام المحاصصة هذا، هنالك خطورة ان غالبية طائفية او قومية معينة هي التي تسيطر على مقاليد الامور، كما كان يحصل دائما في تاريخ العراق الحديث!
نعم هذ حجة تبدو معقولة.. لكن هنالك حل واقعي وعقلاني معمول به تقريبا في جميع الدول الديمقراطية، حتى في الانظمة الفدرالية. فمثلا، رغم انه في امريكا، ثمة تنوع طائفي(كاثوليك وبروتستان)، وديني(مسيح ومسلمين ويهود وغيرهم) وقومي(انكلوساكسون وايرلند وايطاليين ولاتينيين، وغيرهم) وعرقي( بيض وسود وهنود حمر)..الخ.. لكن لم يفكر احدا ابدا، ان يتم العمل بالمحاصصة حسب هذه التقسيمات الاجتماعية العديدة، بل تم الاعتماد على التقسيمات الادارية. أي حسب الانتماء للولايات وتوابعها. فقد يمثل نيويورك شخص اسود بروتستان، او كاثوليكي لا تيني، وقد يمثل واشنطن شخص يهودي او مسلم.. الخ. نفس الحال في المانيا المنقسمة بين كاثوليك وبروتستان، ثم اضيف اليهم اخيرا المسلمين. كذلك فرنسا، اللتي تحتوي على قوميات عديد، بروتون والزاس وباسك وكورس واكسوتان، بالاضافة الى المسلمين.
إذن يحق لنا نحن ابناء العراق ان نقول:
نعم للمحاصصة، ولكن على اساس الانتماء للتقسيمات الادارية المعمول بها في الوطن. يعني ان يتم اختيار الوزراء والبرلمانيين وكوادر الدولة، حسب الانتماء للمحافظات العراقية. مثلا، قد يخرج من محافظة اربيل اشخاص منهم الكردي والتركماني والسرياني من ابناء المحافظة ليمثلوها في الحكومة وفي البرلمان. ونفس الحال، قد يخرج من محافظة البصرة اشخاص منهم الفيلي والسني والصابئي.. وهكذا دواليك جميع محافظات العراق..
وهذا سوف يؤدي، اننا عندما نتحدث عن الكادر الفلاني، لا نقول انه سني او شيعي او كردي او تركماني ، او سرياني، بل نقول انه من المحافظة الفلانية.
ثانيا، تبني الاحزاب العراقية لمفهوم الهوية الوطنية
قد يبدو للوهلة الاولى هذا المقترح صعبا او ربما مستحيلا. فكيف يمكنك ان تفرض على احزاب مختلفة الآيدلوجيات والاتجاهات، ان تتبنى فكرة واحدة؟!
لكننا نجيب، ان الامر على العكس تماما. ان الغريب والعجيب واللامنطقي هو السائد حاليا بين احزابنا. فنظرة بسيطة لغالبية بلدان المعمورة، تجد أن مبدأ (الاقرار بالهوية الوطنية) هو مبدأ طبيعي وعادي وتلقائي وسائد بصورة لا تقبل الجدل، مهما اختلفت آيدلوجيات الاحزاب. فكيف يمكن لحزب سياسي ان يحصل على شرعية العمل العلني والمشاركة في البرلمان وهو في آيدلوجيته وثقافته الحزبية لا يقر دستور بلاده، ولا يعترف بحدودها، ويعتبر دولته وحدود وطنه حالة وقتية ومناقضة لطموحه ببناء دولة دينية او قومية على انقاض بلاده الحالية؟؟!!!
كيف لحزب ان يحصل على الشرعية، بل ان يقود السلطة في بلد، وهو بنفس الوقت لا يحمل حتى اسم بلاده، ولا يعترف بعلمها، بل يطالب بالانفصال عنها وتقسيمها؟؟؟!!!
نعم ان الغريب والعجيب واللامنطقي هو السائد حاليا بين احزابنا ودولتنا. وان مطلب الاقرار بالهوية الوطنية هو مطلب اولي وطبيعي وشرعي تقره كل الشرائع الدولية والضمير الوطني والانساني.
ان الفترة الحالية تشهد تنامي حالة اقتناع غالبية العراقيين، بأن الحل الوحيد امام شعبنا هو بالتمسك بـ(الهوية العراقية) كخلاص وحيد بوجه الدمار الوحشي الذي اثارته (ثقافة الفرقة والتعصب) وتقديس الهويات المتناحرة، القومية والطائفية. ان المثقفين العراقيين خصوصا ومعهم كل الخيرين من ابناء الامة العراقية مطالبين بأن يمارسوا الضغط بكل الوسائل الثقافية، كتابات وحوارات ورسائل، على جميع الاحزاب الفاعلة، الحكومية والمعارضة، لكي تتبنى مفهوم(الهوية العراقية)، مع حفاظها على خصوصيتها الدينية والقومية:
ـ لتتحول الاحزاب الدينية الشيعية والسنية، الى احزاب(اسلامية عراقية) بعقيدة اسلامية وطنية وانسانية خالية من الصبغة الطائفية المقيتة. احزاب تحمل اسم العراق وتنتمي الى الاسلام العراقي، اسلام جعفر الصادق وابي حنيفة والمعتزلة واخوان الصفا والكندي والجاحظ وعبد القادر الكيلاني وجميع عضماء الاسلام العراقي، وان تفتختر بتاريخ العراق بكل مراحله، دون أي لبس وغموض. احزاب تمثل كل القوميات المسلمة العراقية، عرب واكراد وتركمان وفيلية وشبك وكاكائية، وترفض بصورة علنية التبعية الفكرية والسياسية لأي دول اسلامية.
ـ لتتحول الاحزاب القومية العروبية والكردية والتركمانية والآشورية وغيرها، الى احزاب وطنية عراقية وتتخلص من تلك المشاريع الامبراطورية الساذجة والغير عملية، عن الوطن العربي الاكبر، وكردستان الكبرى، وتركيا الوطن الام، وآشورستان، وغيرها من الطروحات القومية التوسعية المنافية للهوية العراقية والرافضة لحدود العراق الحالية..
ـ لتستثمر الاحزاب الوطنية واليسارية العراقية، مثل حركة الوفاق والحزب الشيوعي، ومنظمات اليسار العراقي، هذه الفرصة التاريخية اللتي مل فيها العراقيون من كل الدعوات التقسيمية القومية والطائفية، من اجل الاعلان الصريح والصادق عن تبني مفهوم(الهوية العراقية) وتتصدر المرحلة التاريخية القادمة التي ستشهد (احياء الامة العراقية) بثقافة وطنية انسانية تعددية وسلمية.
ان مآسات السنوات الاخيرة اقنعت غالبية العراقيين ان مفهوم (الهوية الوطنية) و(الامة العراقية) هو الحل المعقول والعملي القادر على لم شمل جميع الفئات العراقية مهما اختلفت قوميا ودينيا ومذهبيا، مع التأكيد على ان هذه (الهوية الوطنية) ليست تعسفية وقسرية والغائية للهويات الفرعية. يعني يمكن للعراقي ان يعتز اولا بعراقيته وانتمائه المشترك الى جميع فئات الوطن المختلفة، بنفس الوقت يمكنه ايضا ان يعتز بهويته الفرعية الدينية والمذهبية والقومية والمناطقية وحتى العشائرية، بصورة انسانية ووطنية تقوم على المحبة والتضامن مع باقي فئات الوطن


ابتكار هوية وطنية ،الدولة العراقية.. بين تشظي وتخيّل وصراع الهويات
حسين درويش العادلي
مع قيام أي مشروع وطني (مشروع دولة) لا بد من ابتكار هوية وطنية، والنجاح بابتكارها هو عنوان آخر لنجاح فكرة الدولة، وغيابها وتشظيها ناتج حتمي لفشل فكرة الدولة ككيان قانوني مؤسساتي خدمي. على أن نجاح مشروع الدولة مرهون بسلامة

معاييرها وأنظمتها وسياساتها، ومرهون بانتاجه (لأمة الدولة)، ولا ولادة لأمة الدولة اذا ما فشلت الدولة في الإعتراف المتساو بمواطنيها وحمايتها وخدمتها لهم. فعندما تؤسس الدولة على وفق الإنتماءات والولاءات الضيقة، وعندما تسحق مواطنيها بفعل الظلم واللامساوة، وعندما تبتلع وتكون رهينة الاحتكار العرقي أو الطائفي أو الحزبي أو الشخصي.. تغيب المواطنة ويشيع التمييز ويستفحل الإقصاء بفعل الظلم والاستبعاد،.. وهنا تحيا الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، بسبب فشل فكرة الإنتماء والولاء والتضامن الوطني بين أعضاء الجماعة السياسية المكونة للدولة، وعندها سيرتد المواطن الى الوراء بحثاً عن حاضن آخر يستوعبه ليوفر له الاعتراف والحماية،.. فتفشل مقومات الوحدة السياسية اللازمة لكيان الدولة، ويصبح التعايش صورياً هشاً، وأحياناً قسرياً قائماً على الإكراه المستند إلى القوة. ومنذ تأسيس العراق الحديث على وفق مركّب (الدولة/الأمة) فشل في انتاج هويته الخاصة، فعاش تشظي وتخيّل وصراع هويات ايديولوجية وعرقية وطائفية.. وما زال.


وصف الواقع
المأزق الحالي هو مأزق هوية، يتمظهر صراعاً على (الدولة المتخيلة) والمراد انتاجها بعد سقوط نموذجها الفاشل عام 2003م. فالصراع الحالي هو (صراع هوية)، وكافة مصاديق الصراع المتفجر قيمياً وسياسياً وأمنياً.. إنما هو تعبير عن حرب هويات لكسب معركة هوية الدولة، وعلى أساس نتائج هذه الحرب سيتحدد نمط الدولة القادمة.
تأريخياً، فإنَّ من أهم الإشكاليات التي نحرت الدولة العراقية هي اشكالية الهوية السياسية للدولة، وهي إشكالية بنيوية. فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921م شكلت الهوية أزمة على مستوى الخطاب والممارسة والانتماء لدى أغلب النخب والجمهور العراقي، وما ذاك إلاّ انعكاساً للفشل الذاتي في التعاطي مع استحقاق قيام الدولة الوطنية كواقع جديد بعد الحرب الكونية الأولى، ذلك الفشل البُنيوي أضر بهوية الدولة وبنظامها السياسي وبدورها الإقليمي.. فقاد إلى كارثة انهيار الدولة.
الفشل بإنتاج هوية على أساس الخصوصية العراقية هو فشل عراقي بالأساس أفرزته المدارس والنخب المتصدية لفعل الدولة، فالسؤال القلق: لماذا نجح مشروع الدولة لدى الغير وفشل مشروع الدولة في العراق؟ وهل أنَّ الإحتلال أسقط الدولة أم أنه أتى إلى دولة ساقطة ذاتاً بفعل سقوط مشروعها المستند إلى هويتها في العمق؟ ومَنْ هو المسؤول الأول عن سقوطها المدوي الذي أحالها إلى فريسة للفتن والكوارث والأطماع؟ أليست هي المدارس والنخب على تنوع فعلها ونتاجها وبرامجها المتعاطية مع استحقاق قيام الدولة منذ عام 1921م؟ لقد فشلنا في انتاج الأمة الوطنية التي تمثل مادة الدولة، وفشلنا في انتاج الأمة الإنسانية التي تمثل مادة المجتمع،.. الفشل الأول سياسي، والثاني مجتمعي،.. والمأزق الحالي هو التعبير الجلي عن فشلنا في انتاج دولة المجتمع ومجتمع الدولة.


المدارس العراقية ومأزق الهوية
منذ قيام الدولة العراقية وصراع الهوية يتمظهر هنا وهناك في فعل الدولة وحراكها، ومديات الإشارة إلى الذات العراقية الحديثة تراوحت بين ثلاثة مديات تتنازع تعريف الذات والتأسيس على هذا التعريف، وهي: الدولة القومية والدولة الماركسية والدولة الدينية،.. في ظل غياب كامل لبديل الدولة الوطنية. وقد تلبّست المديات الثلاثة بمناهج بُنيوية حملت الدولة بالقوة على وفق رؤاها وبرامجها وسياساتها كسلطة ومعارضة وثقافة ودونما أدنى مرونة، والأعقد هنا تداخل هذه المديات في تكوين وتشكيل الهوية لدى النخب المجتمعية والسياسية والجمهور معاً، من هنا نلحظ أنَّ مأزق هوية الدولة العراقية تتشاطره مفاهيم ووظائف وأدوار من قبيل: الوطن العربي والأمة العربية والدولة القومية، والوطن الإسلامي والأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، الوطن البرولتاري والأممية والدولة الإشتراكية..الخ. في خلط وتنازع مفاهيمي وبرامجي أفقد معه هوية الدولة في الإنتماء والتشكّل والدور والوظيفة،.. ومعلوم أنَّ أي فشل في تأكيد الهوية ووضوح طبيعتها يضر لا محالة ببنيتها وفعلها الداخلي والخارجي، وكما يفقدها وضوح الإنتماء يفقدها أيضاً رسوخ التأسيس والبقاء، وفي هذه الحالة ستنشطر الذات الوطنية وتفقد بوصلة الإتجاه وتشذ عن فلكها الخاص.
إنَّ المدارس العراقية القومية والماركسية والإسلامية التقليدية لم تلحظ مأزق الهوية الوطنية في أبعاد ارتسامها الواقعي عندما مارست عملية شّد الدولة لهوياتها العقدية والسياسية والثقافية الخاصة على حساب إنتاج الهوية العراقية الوطنية الجامعة، والسبب الأساس أنها أسست خطاب هوية الدولة الحديثة بمعزل عن قيام وثبوت الدولة الوطنية ومتلازمات صناعة هويتها الجديدة.. فهوية الدولة تساوي: تماهي (الأمة/ السلطة/ الثروة) على وفق مركّب (الخصوصية/ العدالة/المصلحة) وعلى قاعدة (المواطنة/الديمقراطية/التعايش)، وهو ما لم تلحظه وتنتجه المدارس العراقية المعنية بفعل الدولة.

الدولة والهوية
الدولة ظاهرة اجتماعية/تاريخية لا يمكن أن تنتج إلاّ على أساس الهوية السياسية، وهنا فإنَّ الهوية هي جوهر التفاعلات التي يُنتجها تماهي مكونات الدولة في بوتقة (قانونية/مؤسسية/مدنية) صاهرة لكافة تكويناتها الداخلية. إنَّ الدولة ناظم وإطار كلي ناتج من تمازج أربعة عناصر هي: الأُمة المكوّنة للجماعة السياسية، والقيم والقوانين المكوّنة للنظام، والإقليم المكوّن للوطن، والمؤسسات الإدارية المكوّنة للسلطات،.. وروح وجوهر هذا الرابط والناظم الكلي المسمى بالدولة هي الهوية التي تمثل حاصل التمازج والتناغم والإتحاد لعناصر الدولة الأربع، وكلما تمازجت وتناغمت واتحدت هذه العناصر بعضها ببعض في الوعي والثقافة والتشريع والتطبيق.. كلما قويت الدولة وتجذّرت، من هنا فبقاء الدولة مرتبط بفاعلية الهوية وقدرتها على البقاء والتجدد والتطوّر.


الدولة ومأزق الهوية
لم تنجح المدارس العراقية في خلق روح وطنية مدنية صاهرة لعوامل الأصالة والحداثة والمواطنة والديمقراطية والتعايش.. على أساس من الخصوصية والمصلحة الوطنية العراقية في عمق محاولات إنتاج الهوية المجتمعية والسياسية للدولة الحديثة، فأتى بناء الهوية مشوّهاً ومنشطراً لا يقوى على الصمود فضلاً عن البقاء، وهو ما قاد إلى فشل مشروع الدولة. ولذلك أسباب أهمها، المنشأ الإيديولوجي والنخبوي: فكافة المحاولات البنيوية للهوية قامت على أساس قومي وماركسي وديني منقطع عن استحقاق الدولة الوطنية، ومعظم النخب العراقية كانت نخباً متخندقة ايديولوجياً على النقيض من المباديء الوطنية في عمق ثقافتها وقرارها، والأدهى أنها على صعيد الممارسة شكّلت نخبوية جهوية لم تخرج في الأعم الأغلب عن أطر الهويات الفرعية الضيّقة من قبيل العِرق والطائفة والقبيلة والعائلة، ولم تنجح في تأسيس هوية مدنية وطنية تجمع بين أصالة التكوين الذاتي لمكونات المجتمع وبين الإنصهار في الجماعة السياسية الكلية المشكّلة للدولة. إنَّ فعل المدارس والنخب العراقية الحالمة أو المستَلَبة أو الجهوية أو الكيدية أنتج إضافة إلى الصراع المدرسي الممزق للهوية الوطنية الجامعة.. أنتج ثقافة التعويم لمشروع الدولة الوطنية لحساب مشاريع هويات عائمة ومتخيلة (الأمة العربية والأمة الإسلامية والأممية العالمية)، ولم تجعل من إنتاج الهوية مهمة وطنية لازمة. وأيضاً وفي فعلها الجهوي الضيق المتأثر بالإنتماء الخاص العرقي والطائفي والسياسي أدّت إلى ترسيخ الهويات المجذرة للإنتماءات والولاءات الضيقة، الأمر الذي أفرز الإنقسام والتصدع والتصارع الوطني بين مدارس وتيارات الوطن الواحد. لقد فقدت أغلب المدارس والنخب وعي والتزام وسياسة الإعتراف بحقيقة قيام الدولة الوطنية، ولم تجعل من المواطنة والمواطن والوطن والمواطنية ووالوطنية أساساً وهدفاً يبرر وجود الدولة أصلاً.
وأيضاً من مآزق إنتاج الهوية السياسية: الدمج المقصود بين الدولة والسلطة في الكيان والدور والوظيفة، مما أفقد الهوية الوطنية جوهرها وانتماءها ووحدة فعلها وغاياتها، فعندما تبتلع السلطة الدولة وتكون السلطة عنواناً للهويات العِرقية والطائفية والسلطوية.. ينتفي جوهر الهوية الوطنية وفعلها التأريخي فتغيب الدولة بالتبع.. وبمجرد سقوط السلطة تسقط الدولة.. فتتغير ملامح الهوية السياسية للدولة.. وهكذا دواليك!! من هنا لم تثبت في العراق دولة متجذرة بهويتها الخاصة، فغدت الدولة والهوية عرضة لتغير أنماط السلطة،.. وعليه لم تنشأ دولة بالمعنى الكامل للكلمة بل نشأت سلطات اختزلت وصادرت دور الدولة.
ومن مآزق الهوية أيضاً: اتحاد الذاكرة العراقية بين العراق التأريخي والعراق الحديث اتحاداً ماهوياً متخيلاً في طبيعة الهوية الطائفية والعِرقية والثقافية في اللاوعي العراقي، وذلك عن طريق استدعاء الماضي بثقله وفروضه وأنساقه ومحاولة تخيله وفرضه على الواقع المعاصر دون القيام بعمليات إعادة القراءة والتمثيل لهذا التأريخ في تنوعاته وتقنينه وفق فروض الواقع الحديث للعراق ومرتسمات هويته الوطنية الجديدة. وكمصداق على ذلك تأتي الصراعات الطائفية (بين ما هو شيعي وسُنّي) والعِرقية (بين ما هو عربي وكُردي وتركماني) كإنموذج لإستدعاء فعل الذاكرة التأريخية في التعاطي مع واقع الهوية الحديثة.
من هنا نرى، أنَّ الصراع على ادعاء امتلاك الوطن تأريخياً أو احتكار تمثيله لشريحة عِرقية أو طائفية معينة يأتي كإنموذج لإنتاج الهوية الوطنية على أساس انسياق الذاكرة والفعل العراقي بالتأريخ. وكان من المُفترض أن يوضع بالإعتبار التكوين الحديث للعراق المتنوع والفسيفسائي في إنتاج هوية الدولة الجديدة، وهنا فالمواطنة كمبدأ وقيمة واستحقاق كان يجب أن تكون في مقدمة الإستحقاقات المنتجة للهوية العراقية، بينما نرى أنها تعرضت لإسقاطات عِِرقية وطائفية سياسية ودينية وثقافية صادرت بالتبع استحقاق الهوية الوطنية كجوهر جامع ومظلة مُوحِدة للكل العراقي.
ومن مآزق إنتاج الهوية: إفتقادها للحواضن السلمية والطبيعية والمعتدلة لإنتاجها، فأغلب المناهج والبرامج المنتجة للدولة فارقت الديمقراطية والعدالة والسِلم والتعايش لتتكأ على مناهج الإستبداد والتمييز والعنف والعسكرة والحروب في إنتاج الدولة لنفسها وفي أدوارها الخارجية!! وهي حواضن لم ولن تنتج هوية طبيعية ومتوازنة ومتماسكة تستطيع حفظ كيان الدولة من خلالها. يُضاف لذلك اعتماد سياسات كارثية في عمق البناء الثقافي والسياسي والحضاري للدولة الحديثة ومحاولة حمل الدولة ومكوناتها على أساس منها، من هنا تم إقحام الدولة في مناهج وخصومات خاطئة أتى على حساب استقرارها وتطوّرها،.. لقد أُريد للدولة العراقية أن تتنكر للدّين والمُثُل لتفارق الفضيلة والإستقامة، وأُريد لها الإمعان في السحق لحقوق الإنسان والجماعات فتصادر المواطنة والحريات، وأُريد لها شرعنة التمايز لتقضي على المعايير الوطنية الشاملة والعادلة والمتكافئة لأبناء الوطن الواحد، وأُريد لها أن تُطحن في رحى الحروب لتطلّق التنمية والتطور والإزدهار. لقد أتلفت هذه المناهج الدولة من الداخل بفعل عوامل الفساد والظلم والجهل والإجترار والسَلبية.


مآل هوية الدولة
بسقوط نظام صدام المستبد، سقطت الدولة العراقية التقليدية التي عاشت أزمة هوية ودور ووظيفة، ومآل الدولة القادمة وشكلها يتوقف على نمط الهوية المنتجة، وما الصراعات الحالية سوى صراعات صيرورة لهوية دولة تحاول كل مدرسة وقومية وطائفة إنتاجها على وفق منطقها وخصوصيتها ومصالحها. وما لم تع المدارس العراقية أخطاء الماضي وتتخلى عن مناهج التعويم والإستلاب والتبعية والتخندق المدرسي العرقي والطائفي والمناطقي، وما لم تشرع بوضع أسس لابتكار هوية وطنية جديدة تتخطى مصداتها التاريخية.. فلن يشهد العرق وحدة واستقراراً على مستوى المجتمع والدولة، وسيعيد إنتاج كوارثه التأريخية في التشرذم والطغيان والاستلاب.
الدولة نتاج مجتمع وطني، ولا يمكن إنتاج المجتمع الوطني إلاّ على وفق حزمة من قيم المساواة والتكافؤ والعدالة والحرية وعلى وفق مبادىء المواطنة والديمقراطية والتعايش،.. فهذه القيم والمبادىء هي الأسس القادرة على إيجاد إطار تعايشي بين الأعراق والأديان والطوائف المختلفة، وهي القادرة على إنتاج مجتمع وطني متوحد فعّال، وبإقرارها واحترامها وتفعيلها سياسياً وقانونياً وثقافياً تنتج الروح الكلية للمجتمع على تنوع مكوناته، وعلى أرضية هذه الروح الكلية الناتجة عن الجميع والمحققة لمصالحهم تنتج الهوية الوطنية بالتبع، وهو ما يشكّل الأساس الطبيعي لقيام الدولة، باعتبار أنّ الدولة هي الجماعة السياسية الوطنية.


بواسطة : جريدة الصباح العراقية
الخطاب السياسي واطياف التمركز
د- عامر عبد زيد
تشكل البنية الثقافية نسقاً مهما من أنساق الخطاب السياسي فالثقافة هي منظومة أو مجموعة من الأنساق والظواهر الاجتماعية التي تشكل ثوابت في حياة الإنسان،وعلى هذا الأساس ثمة مستويات من مستويات التفكير هما: الثقافي والوعي الذي يعنى بالفعالية الاجتماعية المتعلقة بالحاضر وتحدياته
والغاية كشف تلك المستويات الثقافية. ثمة مهيمنات واطياف تشكل ضاغطاً وارغامات على الوعي ) التي يكون الوعي مرغما على اتخاذ القرارات هذا السلوك أو هذا القول؛ فهذه الارغامات تمثل ضاغطاً في تشكل الوعي الثقافي وبنية استجابة ، وبالتالي تشكل الردود إيجابا أو سالباً وهذا أمر مرتبط بالكثير من الضواغط في علاقة الذات بالتراث او بالاخر واللغة الصراعية وما يصاحبها من اطياف التي تحول الى سسلسلة الحضورا المنمطة (ولما كان ظهور الطيف عابرا ومفاجئا ، فانها لا تحدد الزمن ، ليس هذا الزمن :يدخل الشبح ، يخرج الشبح ، يعود ثانية )( ).
من اجل استعادت الثقة بالذات سوف نتناول هذه الظاهرة من خلال تحليل هذه المفاهيم نحاول تناول اثنان:
هوامه الهوية:" الهوية" تحولت إلى مقولة إيديولوجية دوغمائية وذريعة برغمائية من اجل المحافظة على مصالح المهيمنين على الأمور والذين يجدون في الهوية تعبيرا عن مصالحهم ،وامتيازا تهم وهذا الأمر يخلق قصورا معرفيا له إثارة السلبية على النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية هذا إذا ما أدركنا أن الثقافة ببعدها الدينامي هي عملية تطور المهارات الذهنية والمعنوية سواء ما يتعلق بالفنون والآداب أو ما يتعلق بالمهارات التقنية فهي لابد وان تقوم على الثقة بالذات والانفتاح الحواري ألتعددي صوب الأخر تثاقفا حواريا دون إن يعني بالضرورة تقليدا أو نسخا إنما تبدأ الأمم بالهزيمة عندما تشرع بالتقليد ومحاولات الاستنساخ فالثقافة وتدخل الاستلاب الفكري.
بعد كل هذا الثقافة بنظر" امالينوفسكي" هي جهاز فعال يمكن الإنسان من الانتقال إلى وضع أفضل يواكب المشاكل التي تواجهه في بيئته . وبالتالي الثقافة هي القدرة على التكييف والتطور في مواجهة الإنسان مع الطبيعة ويعرفها "تايلور" هي ذلك الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والاخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والمهارات الاخرى التي يكتسبها الانسان من حيث هو عضو في المجتمع أي ان الثقافة هنا هي تجارب اجتماعية تحول الى منظومات سلوكية قيمية وعادات ومعارف ومهارات وهي بالتالي تجارب قابلة للزيادة والتجاوز نحو الافضل لانها تبقى تاريخية ومرتبطة بالبيئة التي ظهرت داخلها استجابة لتلك التحديات وبالتالي هي تأويلا وتحويلا لعلاقة ألانسان بالله وبالمحيط الطبيعي والاجتماعي.
فالثقافة حسب هذا الفهم هي وعي حضاري وافق التقاء الافاق وانصهارها بين الماضي والحاضر صوب المستقبل وهذا لايتحقق الا بتلك الرؤيه التعددية الحوارية التي تتجاوز وهم الهوية وتنفتح باتجاه الاخر سواء كان التراث او الاخر الحداثوي او مابعد الحداثة .
وهذا التحول الذي اصاب الفكر في منطق الثبات حيث الطبائع الثابتة والمرايا العاكسة الى منطق التحول الذي يجري فيه تهشيم المرايا لاعادة تشكيل الموضوعات وهذا هو شان منطق التفكيك الذي يريد القول الغايات الخطاب هوان نميز ما يقوله أو ما يحاول إقوله. وفي هذا يقول علي حرب : فهويتنا لاتسبقنا وانما هي محصلة الاحداث التي تنسج منها حياتنا وهو حال الفكر الذي يتغير بتغيير العالم اذ لايمكن التعاطي مع افكار قديمة تأولت لزمان غير زماننا لهذا نحن بحاجة الى تاويلات جديدة عبر تجاوز الممارسات التي خلفتها الخطابات الاجتماعية والسياسية السابقة والتي اثرت على الوعي السياسي الراهن فهناك أي لابد من حالة تناسب بين الثقافة والفكر السياسي بوصفه جزء من كل ثقافي ، له سلوكياته ورهانه فالافكار ليست مجرد صور ومرايا بقدر ماهي استراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه تحويلا وتاويلا وتفكيكا . فالتفكير كما يرى شرابي : يحمل رؤية قادرة على تمكين الذات من اختراق ذاتها لتعمل على تفكيكها وتحليلها . فالهويه في ابسط تعريف هي ادراك فردي وجمعي وبالتالي فالهوية تستهدف اقامة علاقة حوارية بين الذات الفردية والذوات الاجتماعية والثقافية والكونية ، وعلى هذا الاساس تكون الهويه على اساين اماان تكون وعي فردي نقدي يخضعها الى المراجعه المستمره فتوصف انها "حوارية" او تكون خارج النقد الفردي والمراجعة ومتعالية فهيه "صراعية"وبالتالي يشعر الفرد ازائها بالاستلاب بحق الاخرين لانها تحتكر انتاج الحقيقة وتفسيرهاوتوصيف الوعي هنا بالزائف له دلالتة الخاصة،كما يقول عباس المرشد:(فهو يعني سكون الاخر في الذات وتغيب ادراك الذات لنفسها،مما يخلق علائق متنوعة،لكنها ليست مدركة،حيث تمحى الذات وتغيب ادراك الذات لايحضر بصورته الواقعية وإنما عبر تمثلات وسرديات تعلي من شأنه الى درجة عالية جدا)
وهذا بدوره يولد اماالوهم الثاني فهو (اقصاء الفردية) والذي يتجسد في ذوبان شخصية الفرد داخل الجماعة :القبيلة التي تركز على علاقة الدم ، فان هذا الاعتماد يولد فردا يقوم على العصبية فاقدا للاستقلالية معتمدا في سلوكه على المرجعية خوفا من الخطا وطلبا للامان وهذا السلوك نجده يتناسل داخل الطائفة او الحزب او الجماعة الثقافية اذ يتولد سلوكا يعتمد على الإخفاء والكبت للمشاعر الفردية وهذا السلوك قاد بالضرورة الى أخلاقيات الإذعان للسلطة التي بات النظام السياسي ورئيسه هو الرهان الأكبر الذي يكبت المشاعر والاحتياجات والطموحات مما خلق سلوكا سياسيا مرتهن للفرد يعظمه بشكل مغرر ومعه يقدس المرجعيات الجمعية العرفية ورموزها وانتهاج سلوك الالتماس والتظلم والترجي قاد هذا الى تعاظم سلطة المؤسسة على حساب الحقوق الفردية والحريات الشخصية حتى أصبحت الهوامة الأكبر في سلوكه (أي الفرد) الذي يقصي ذاته ويرتهن الى أخلاقيات الإذعان والتقليد والتمثل مما قاد تلك المؤسسات وعلى رأسها المؤسسات السياسية الهيمنة والإقصاء للحريات الفردية واستبدت بقدرات الأمور الاجتماعية والسياسية والثقافية عبر سياسة الردع البوليسية والتخوين والتكفير لكل فرد جامح بنظرها يطالب بالتغيير والتجديد والحريات .
ومن هنا نحن بحاجة الى تفعيل دور الادراك والعمل دون تغيبه في احداث التحويل والمغايرة وابدأ النقد وكما يقول هيدجر (البداية ليست خلفنا انما هي امامنا ) أي لايكفي السير في نفس الطريق ونتصور بداية ما ، لكن المسالة تكمن في ان نعرف كيف تكون البداية
عندما لايتمكن نظام ما حل مشكلات يصادفها ، فليس عليه الا ان يموت ، او ، وهذا يحصل ، ان يخلق ميتا ، نظام ، أي نظام اكثر غنى ،اكثر قوة عبر طريقة تحويلية ، لهذا السياسة اليوم مشغولة بالتكتيكات والاستراتيجيات من اجل اقتناص السلطة وممارساتها اكثر السياسيون مشغولون بالمسالة القانونية اكثر مما هم مشغولين بالمسالة الشرعية بمعنى ان الخطاب السياسي ليس مشغولا بالمشروعيات المتعالية بل البعد العقلاني اليومي الذي يستجيب لهذا المتغير .

مفهوم الهوية الوطنية: محاولة في التعريف الوظيفي
باقر جاسم محمد





يثير التباس مفهوم الهوية الوطنية و عدم وضوح حدوده في بقاع أخرى كثيرة من بلاد العالم، و منها العراق، أسئلة أكثر من الإجابات نظرا ً لكونه من أكثر المفاهيم إثارة للخلاف بين المتحاورين و الكتاب و الفرقاء السياسيين. و يستعر أوار الخلاف حولـه أكثر فأكثر في أزمنة الأزمة التي تضع كثيرا ً من المسلمات التي سادت لفترة ما موضع الشك. و لعل الحال في العراق يمثل تجسيدا ً ملموسا ً لهذه الحقيقة. إذ على الرغم مِـنْ أن مَـنْ يتحاورون حول ماهية مفهوم الهوية الوطنية و حدوده يتفقون جميعا ً على أهميته الجوهرية في إرساء الوحدة الوطنية على أسس راسخة، إلا أنهم نادرا ً ما يتفقون حول ماهية هذه و أبعادها الثقافية و الفكرية و السياسية. و الواقع أنه يمكن استعمال المفهوم على أنه شعار سياسي ذو بعد استراتيجي لهذا الطرف السياسي أو ذاك، أو أن يُـصاغ على وفق الرؤيا الأيديولوجية لهذه الجهة أو تلك. بيد أن مثل هذه الممارسات ستنتج تصورات كثيرة في عددها و متباينة في أُسسها النظرية و في أهدافها. وهو ما يغيب البعدين الموضوعي و المعرفي للمفهوم و يقلل من قيمته الفكرية و من فاعليته الإجرائية على أرض الواقع فيجعل منه دافعا ً نحو الفرقة و التناحر داخل المجتمع بدلا ً من أن يكون حافزا ً للتوحيد و التعاضد. و لعل من نافلة القول أن تحديد طبيعة المفاهيم الاجتماعية و السياسية العامة، و مفهوم الهوية الوطنية من أهمها، هو بحث في ماهيات مؤسسة على وجود متحقق و عيني. إن الفرد يوجد في مجتمع ما أولا ً ثم يكتسب هويته أو ماهيته لاحقا ً. بمعنى أن الهوية ليست معطى مقدسا ً و ثابتا ً و نهائيا ً، و إنما هي معطى تاريخي في حالة صيرورة و حركة دائمين. و لذلك فهو عرضة للمراجعة و النقد و التقويم لجعله أكثر فاعلية في أداء وظائفه الأساسية في توحيد المجتمع و تحديد من ينتسبون إليه و تمييزهم عمن سواهم. فنحن نتفق تماما ً مع من يقول أن "... ليس لهوية قيمة في ذاتها أو فيما تخلقه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها مما يقدمه الإطار الذي تخلقه من فرص حقيقية للتقدم و توسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب و الجماعات التي تنطوي تحت شعارها"( برهان غليون, حوارات من عصر الحروب الأهلية: 312-313، و التوكيد لكاتب السطور). و هذا يعني ضرورة البحث في ماهية مقومات الهوية و صولا ً إلى تحديد ما يفرضه الواقع الراهن في العراق من وظائف على الهوية الوطنية أن تؤديها لكي تجعل أبناء العراق يستعيدون لحمتهم الوطنية التي توشك أن تفكك عراها؛ ويستعيدون مبادرتهم التاريخية و فرص تقدمهم في المستقبل.
و لسوف يشكل ذلك حافزا ً لكاتب هذه السطور، بوصفه عراقيا ً مستقلا ً، لكي يقدم رؤياه الفكرية بخصوص مفهوم الهوية الوطنية إسهاما ً منه في إغناء الحوار حولـه. و هو يقرُّ بأنه لن يكون بمنجاة من تأثيرات فكرية بعينها؛ و لكنه سيسعى، قدر المستطاع، للحد من تأثيرها على ما سيقول. و لكي يجعل أطروحته أكثر موضوعية، و بالتالي أكثر موثوقية، فإن الكاتب سيخضع قراءته هذه لإجراءين منهجيين: أولهما تحديد المنظور المعتمد في هذه الأطروحة، و ثانيهما الالتزام بمنهجية صارمة تلتزم الحياد في عرض الآراء المختلفة و تحليلها و مناقشتها و بناء الاستنتاجات المترتبة عليها.
و لعل من المناسب بداية أن نقرر مبادئ عامة نحتكم إليها في مسعانا لتحديد مقومات الهوية الوطنية. و هي المبادئ التي يمكن حصرها بالآتي:
1. أن تكون الهوية منسجمة مع معطيات الفكر السياسي و القانوني الحديث الذي يستند إلى قاعدة المواطنة بوصفها معيارا ً جوهريا ً و مبدأ قانونيا ً في تأمين المساواة في الحقوق و الواجبات لجميع أبناء الشعب ممن يحملون هذه الهوية.
2. أن تكون الهوية معبرة عن الواقع الراهن للشعب العراقي بوصفه كلا ً غير قابل للتجزئة. بمعنى أنها لن تكون انعكاسا ً لتصور فئة ما دون غيرها. و هذا يجعلها هوية ً وطنية ً بحق و ليست تعبيرا ً عن موقف سياسي ضيق.
3. أن تكون الهوية عامل توحيد و تقوية و تفعيل للحراك السياسي الاجتماعي و الاقتصادي في البلاد على الأسس الواردة في المبدأين أعلاه، و أساسا ً راسخا ً لتعزيز الكيان السياسي الموحد للدولة و استكمال بناء مؤسساتها المعبرة عن وحدتها من جهة و استعادة سيادة البلاد و مواصلة دورها الإقليمي و الدولي من جهة أخرى.

في مشكلة مقومات الهوية
لعل مسألة تحديد مقومات الهوية من أكثر القضايا صعوبة و حساسية لأنها تنطوي بالضرورة على إغراءات أيديولوجية قد تطيح بالبعد المنهجي و الموضوعي للبحث في تحديد هذه المقومات. فقد طرحت الأيديولوجية الماركسية مفهوما ً أُمميا ً للهوية تجسد في شعار" يا عمال العالم اتحدوا" الذي يدعوا إلى وحدة عمال بلاد العالم كافة على أساس طبقي. و لكنه في الوقت نفسه ينطوي ضمنا ً على وحدة من نوع آخر هي وحدة الرأسماليين على أساس طبقي أيضا ً. و بذلك ظهرت أولى ملامح الهوية الطبقية التي تتجاوز الحدود و المقومات القومية و الدينية. لكن المفهوم الطبقي هذا كان فضفاضا ً و طوباويا ً إلى درجة أنه لم يصمد طويلا ً حين اختار العمال في ألمانيا و بريطانيا و فرنسا الوقوف وراء حكوماتهم الرأسمالية أثناء الحروب الأوروبية المحلية و العالمية متجاهلين هويتهم الطبقية ومنحازين لهويتهم القومية. و منذئذ بقيت مسألة الهوية و عناصرها التكوينية مطروحة للجدل و السجال الفكري والأيديولوجي. فما هي الهوية؟ و ما هي العناصر أو المقومات التي يجب أن تدخل ضمن مكوناتها؟ و هل ينحصر تعريفها على الدين و القومية فحسب ؟ و ما هي خيارات الهوية المتاحة الآن أمام العراقيين؟ و ليس القصد من التوكيد على الآنية في السؤال قبل الأخير الزعم بآنية الهوية المرجوة؛ و إنما هو فقط للإشارة إلى الوضع المتفاقم لأزمة الهوية في العراق في هذه المرحلة بالذات. وهو وضع يتطلب، و بإلحاح، إجابة تتوافر لها عناصر تاريخية ملموسة و مقومات حقيقية على أرض الواقع فضلا ً عن تطلعات مستقبلية مشروعة من جهة و ممكنة من جهة أخرى. و سوف فنبدأ بالإجابة على السؤال الأخير لأن الإجابات على بقية الأسئلة ستحدد و تجد إجاباته أثناء التوسع في الإجابة عليه.
إذا استبعدنا الخيار الطبقي لأنه فضفاضا ً و طوباويا ً، و لأنه لم ينجح تاريخيا ً في البلاد المتقدمة التي توجد فيها طبقة عاملة ناضجة، و تأملنا في خيارات الهوية المتاحة أمام العراقيين لرأينا أنها تتلخص في ثلاثة خيارات متمايزة جوهريا ً هي:
1. الهوية الدينية: و تستند هذه الهوية إلى الدين الإسلامي. و هي ذات بعد تاريخي يستحضر بالضرورة تاريخ الدولة الإسلامية التي قامت بالإسلام و على الإسلام. تلك الدولة التي كانت لها إنجازات حضارية عظيمة. و كانت لها، في الوقت نفسه، أخطاء جسيمة على المستوى السياسي. و ليس الغرض من هذا الكلام نقد الدين الإسلامي الذي نرجو أن يحظى باحترام يبعده عن الاستعمال في الصراعات السياسية و الاجتماعية. إنما هو نقد لتجربة الحكم و الحاكمين باسمه. و هؤلاء الحاكمون من البشر. و يمثل حلم استعادة الدولة الإسلامية مجددا ً الركن الأساس في مثل هذه الهوية و البعد المستقبلي لها أيضا ً. لكن هذه الهوية الحلم تبتعد كثيرا ً عن أرض الواقع و ما يحفل به من حقائق و قضايا ساخنة ليرسم حدود هوية فضفاضة و طوباوية تتجاوز حقائق التاريخ في الماضي و متغيرات الواقع الاجتماعي في الوقت الراهن؛ و ذلك لكونها تتجاهل ذلك التنوع الهائل عرقيا ً و لغويا ً و ثقافيا ً بين الشعوب الإسلامية في عصرنا. و تتجاهل تمدد تلك الشعوب و انتشارها على جغرافية شاسعة تشكل في نهاية المطاف حاجزا ً يحول تماما ً دون حلم الدولة الإسلامية الواحدة. فلهذه الشعوب سياقات تطور اجتماعي و اقتصادي و سياسي شديدة الاختلاف، فضلا ً عن كون الهوية الإسلامية المفترضة تتجاهل أيضا ً الاختلافات الفقهية. فالدين ليس نصوصا ً فحسب، و إنما هو نصوص و تفسيرات مختلفة لها. بمعنى أن مثل هذه الهوية ستدخلنا في مشكلة تاريخية مزمنة و تجعلنا جزءا ً من كل غير موحد من حيث طبيعة المشكلات الاجتماعية التي تعانيها أو الثقافة التي تتبناها أو الأهداف التي تتوخى تحقيقها.( أنظر يوسف سلامة: ص 6-7) و هذا سوف ينعكس سلبيا ً على الوضع في العراق. وهو البلد الذي يعيش في وضع مترد ٍ و مأزوم أصلا ً. و يمكن أن نضيف أيضا ً بأن مثل هذه الهوية ستكون بالضرورة ذات طابع شمولي لأمرين: أولهما كون الإسلام، كباقي الأديان، دين شمولي، وثانيهما أن هدفا ً بهذه الجسامة، و هو هدف يمكن أن يوصف بالاستحالة أيضا ً، لا يمكن السعي لتحقيقه دونما فلسفة في الحكم ذات طابع شمولي. لذلك فإن الهوية الإسلامية تتجاهل وجود مواطنين يعتنقون أديان أخرى في العراق( و في باقي أجزاء البلاد الإسلامية). و هؤلاء يأملون بهوية لا تـُعطى لهم كمنحة دالة على تسامح الأكثرية المسلمة بقدر ما هي حق طبيعي لهم غير منازع. وهذا الأمر يمثل أهم نقاط الضعف في فلسفة الهوية الإسلامية. و هو لا ينطبق على العراق فحسب، بل ينطبق أيضا ً على مصر و السنغال ولبنان و تركيا و إيران و كثير من البلاد الإسلامية الأخرى في آسيا و أفريقيا و أوروبا.
2. الهوية القومية: للوهلة الأولى، تبدو الهوية القومية أكثر قربا ً من الواقع بالمقارنة مع الهوية الدينية. فهي ترتكز على العروبة متخذة منها منطلقا ً في تحديد الهوية القومية للشعوب التي تعيش في البلدان التي يصطلح عليها بالوطن العربي. و بذلك يصح القول أن هذه الهوية ترتبط بواقع مجزأ فعليا ً من جهة، و بتطورات سياسية و اجتماعية قد تحصل، أو قد لا تحصل، في هذه المنطقة في المستقبل من جهة أخرى. بمعنى أنها هوية معرفة بواقع سياسي مجزأ لا يغري هو كون البلدان العربية مقسمة إلى أقطار. و هي معلقة على شروط مستقبلية غير متحققة على أرض الواقع مثل تحول هذه الكيانات القطرية إلى التعاون الحقيقي البناء و نضج الشروط الذاتية و الموضوعية المناسبة لتحول هذا التعاون المأمول إلى شكل من أشكال التوحيد للبلاد العربية. و هذا مما يجعلها غير مناسبة إجرائيا ً في حل مشكلة أزمة الهوية التي يعيشها الشعب العراقي حاليا ً و حتى زمن مستقبلي غير منظور. كما إن هذه الهوية لا أساس تاريخي لها إذ لم يسبق أن تكونت دولة في هذه البلاد الموصوفة بالعربية على أسس قومية عربية محضة. فالإسلام هو الذي وحَّدَ العرب الذين كانوا قبله قبائل متناحرة و وحَّدَ كثيرا ً من الأمم الأخرى في دولة واحدة. و قد يقول قائل: أليس هذا إقرار منك بقدرة الهوية الدينية، و هي التي سبق لك أن رفضتها، على توحيد المختلفين و المتفرقين سواء أكانوا عربا ً أم من أُمم أخرى؟ فأقول أن التوحيد الإسلامي قد جرى على مراحل استغرقت أكثر من القرن. و حدث ذلك في مرحلة تاريخية مواتية داخليا ً من حيث زخم الانطلاق الأول لحضارة ناهضة تواجه حضارات آيلة للتفكك الوشيك. أعني أن التوحيد حدث في ظرف تاريخي فريد من جميع النواحي. وهو وضع لم و لن يتكرر على النحو نفسه مطلقا ً. إذ نعرف من تاريخنا العربي الإسلامي نفسه أن التوحيد في دولة واحدة، وهو الذي أستمر حتى قيام الدولة العباسية و نشوء مركزين للحكم و في بلاد الأندلس، سرعان ما انحسر ليحل مكانه التفتيت التدريجي الذي استغرق حوالي ثلاثة عشر قرنا ً. و في أثناء ذلك، دارت حروب بينية داخلية دموية في دول أو دويلات الإسلام. و هذا يجعلنا ندرك أن تعريف الهوية على أساس الإسلام ضرب من البناء على أسس مشتقة من خيال و رغبات و توق إلى تاريخ ٍ انتهى و لم يعد لـه وجود. و استنادا ً إلى ذلك نقول أن لا حظ لهذه الهوية من النجاح مرة أخرى. و أما بالنسبة الهوية القومية العروبية، فالحقيقة هي أنها تستند، تاريخيا ً، إلى نموذج الدولة- الأمة التي ظهرت في أوروبا؛ ثم تجسدت بأجلى صورها في التوحيد الإيطالي و الألماني في القرن التاسع عشر. و ما أعقب ذلك من تفكك الإمبراطوريتين العثمانية ( الإسلامية) و النمسا و المجر إلى مكوناتهما الأساسية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. و الهوية القومية تشترك مع الهوية الدينية الإسلامية في كونها تحاول إعادة تجربة حدثت في ظرف تاريخي متفرد و لا يمكن تكراره؛ و لكنها تختلف عن الهوية الإسلامية في كونها تحاول تكرار تجربة لم تحدث في الشرق العربي الإسلامي، و إنما حدثت في بعض بلدان أوروبا. و هي تجربة أدت إلى حروب طاحنة بين تلك البلدان. و لعل من المناسب أن نذكر بأن أوروبا تسعى حاليا ً لتجاوز تجربة الدولة القومية بعد أن استنفدت أغراضها. فهل يراد لنا أن نجرب نموذجا ً مستهلكا ً للهوية؟ و يستند الفكر القومي العربي أيضا ً في كثير من أطروحته النظرية, و إن كان منظروه ينكرون ذلك، على كتابات الفيلسوف الألماني فيخته ( 1762-1814 م) و خصوصا ً ما جاء في خطاباته إلى الأمة الألمانية. و يمكن أن يبنى نقد هذه الهوية أيضا ً على تجاهلها لحقائق الدولة القطرية على الأرض التي صارت الآن، كما يقول محمد عابد الجابري، وهو أحد القائلين بالهوية القومية،’ حقيقة نفسية فضلا ً عن كونها واقعا ً اقتصاديا ً و اجتماعيا ً و سياسيا ً و دوليا ً. ‘( الجابري: 14). كما أن من شأن التوكيد على مثل هذه الهوية القومية "العربية" أن يحفـِّز الأكراد إلى العمل على مشروعهم القومي الخاص بهم. و يحفـِّز التركمان إلى المطالبة بالعودة إلى حضن دولة مجاورة. كما أنه سيحرك دول الجوار على رسم مشروعات تقسيم للبلاد بدعاوى حماية المتماثلين قوميا ً معها مما يقوض أسس بناء الدولة و وحدتها. كما أنه، من الناحية المنطقية و القانونية، ليس من حق المطالبين بجعل العروبة أساسا ً للهوية أن يقصروا ذلك على قومية بعينها دون القوميات الأخرى في البلاد. بمعنى أن التوكيد على العروبة شرطا ً أساسيا ً لتحديد ملامح الهوية سيؤدي لا محالة، و بصرف النظر عن نوايا القائلين بذلك، إلى تقسيم العراق عاجلا ً أم آجلا ً.
3. الهوية الوطنية العراقية: تركز أغلب الدراسات و البحوث التي أطلعنا عليها على البعدين الديني و / أو القومي عند تناولها لمسألة الهوية و أزمتها. و تغفل كليا ً عن البحث في إمكان تعريف الهوية استنادا ً إلى مقومات وطنية أو قطرية و ذلك اعتقادا ً منهم أن الإقرار بالخصائص الوطنية للهوية يتعارض أو يتنافى أو يلغي الخصائص الدينية أو القومية أو كلاهما معا ً. و لكن ذلك اعتقاد لا يقوم على أسس حقيقية، و إنما هو مستمد من مخاوف من أن تكون الهوية الوطنية بديلا ً أبديا ً عن الهوية القومية" العربية "، أو أن يقعد ذلك الشعوب العربية عن السعي نحو الوحدة. و الحقيقة الناصعة هي أننا أصبحنا، و بعد تجربة سياسية مريرة لأكثر من نصف قرن من الزمان، بعيدين عن حلم الوحدة بفضل أفعال و سياسات الأحزاب و الحكومات التي نادت بالوحدة. تلك الأحزاب و الحكومات التي رفضت أي بحث في إمكانية تعريف الهوية استنادا ً إلى الواقع الراهن معتبرة إياه نوعا ً من الهرطقة كما حصل مع رفض الهوية الفرعونية في مصر و الهوية الفينيقية في سوريا و لبنان. و نعتقد أنه، و بعد تجربة طويلة من الهزائم و الاخفاقات، فإن من حقنا أن نشك في جدوى ذلك الإقصاء المبرم للبحث في تعريف الهوية الوطنية فنسأل: هل كان تحقيق الهوية القومية في كل من فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و أيرلندا .. إلخ، حائلا ً دون تحقيق هوية أوسع هي الهوية الأوربية؟ و إذا كان الجواب بالسلب، فإن من حقنا أن نقرر بأن تحقيق الهوية الوطنية المرتبطة بكيان سياسي و اجتماعي واقعي شرط لا بد منه لتحقيق أية هوية أخرى أوسع منها. كما أن الخيار بين الهوية الشاملة ممثلة بالدين أو القومية و الهوية الوطنية غير متاح الآن على نحو يجعل اختيار إحداهما نفيا ً و نقضا ً للأخرى. و الصحيح أن نقول أن الخيار الوحيد الممكن هو خيار الهوية الوطنية لأنه يعبر عن حاجة ملحة و لا يتعارض بالضرورة مع الخيارات الأخرى، بل يمكن أن يتكامل معها مستقبلا ً. و في الحالة العراقية، تتميز هذه الهوية بكونها تستند إلى وجود تاريخي موغل في القدم هو تاريخ بلاد ما بين النهرين. كما أن العراقيين كانوا مميزين في زمن الدولتين العباسية و الأموية. إذ يشير كثير من المؤلفين العرب و المسلمين في كتب الأدب و الرحلات و التاريخ العربية إلى العراقيين، و كذلك يفعلون بالنسبة لمصريين و الشاميين، بوصفهم جماعة مميزة تقطن بلاد ما بين النهرين دون أن يتهم أحد القائلين بذلك على أنهم يسعون إلى نسف أسس الدولة الإسلامية القائمة آنذاك. و تستند الهوية العراقية أيضا ً إلى التاريخ الحديث الذي بدأ مع تكوين الدولة العراقية في العام 1921م. و هو التاريخ الذي أستمر إلى الآن بالرغم من تفكك الدولة في العام 2003م و انهيارها الشامل نتيجة الغزو الأمريكي. و يجب أن تستوعب الهوية الوطنية العراقية، بحكم التعريف، كل ما يميزها عن الهويتين الدينية و القومية دون أن تتناقض معهما بالضرورة أو أن تلغي إمكانية التكامل مع ما يتحقق منهما فعليا ً. كما يجب أن تكون الهوية الوطنية العراقية هي الوحيدة التي يتجمع العراقيون تحتها. أما الصفات الأخرى العرقية و الدينية و المذهبية فهي ليست مما يرقى إلى مستوى الهوية مطلقا ً. أي أنها ليست هويات بديلة أو رديفة، و لكنها بالتأكيد من مقومات الهوية الوطنية العراقية. إنها خصوصيات تحظى بالاحترام و ليس لها أن تكون على تناقض مع الهوية الوطنية العراقية مطلقا ً. فإذا اتفقنا على أن أهم وظائف الهوية أن تحدد و تفرز و تميز على أسس واقعية و ملموسة و ليس في فراغ نظري مشتق من الرغبات و الأمنيات، و إذا اتفقنا مع برهان غليون في أنه ’ لا تطرح مشكلة الهوية الحقيقية إلا داخل نظام موحد‘ ( برهان غليون، نفسه: 309)، و اختزلنا معنى النظام الموحد إلى ما هو محلي و عراقي تحديدا ً، و ذلك لأسباب جوهرية يفرضها واقع العراق السكاني المعقد أصلا ً و ما يشهده الآن من اضطرابات و صراع يكاد يطيح بوحدة البلاد، فسيكون من المنطقي أن تتضمن الهوية الوطنية العراقية كذلك كل ما يميز العراقيين عن جيرانهم، سواء أكانوا من العرب أم من المسلمين. و أن تتضمن أيضا ً كل ما يشكل أساسا ً راسخا ً لوحدتهم من مقومات إيجابية يمكن أجمالها بالآتي : المقوم الأول هو مقوم النظام السياسي الموحد ضمن دولة واحدة و على أرض واحدة. و إذا كان القول بوجود النظام الموحد و الدولة الواحدة يثير مسألة حساسة هي طبيعة نظام الحكم في الأرض الواحدة،. تلك الأرض التي تستمد وحدتها من وحدة الإرادة السياسية لمكونات الشعب العراقي كافة؛ ذلك أن وحدة الشعب على أسس موضوعية من أهمها الهوية الوطنية هي الضامن الوحيد لوحدة الأرض و الدولة. على أن ذلك يدعونا إلى القول بأن المفاضلة بين أن يكون النظام السياسي في العراق الجديد مركزيا ً أو اتحاديا ً، على أهميتها، لا ينبغي أن تحول دون الأخذ بنظر الاعتبار ذلك التنوع الكبير في مكونات الشعب العراقية، و كذلك ذكريات الماضي القريب و ما خلفته من مخاوف و شكوك. فهذه أمور تجعل اختيار النظام الاتحادي أمرا ً مرغوبا ً فيه شرط أن لا يكون ذلك تمهيدا ً لتقسيم وشيك للعراق. و يمكن أن نضيف إلى ذلك أن النظام الاتحادي يؤمن مرونة أداء إدارية و سياسية عالية إذا ما أحسن التخطيط لـه و سياسته و استثماره. و المقوم الثاني هو الإقرار بالتنوع العرقي للشعب العراقي ( عرب، كرد، تركمان، و أية أقليات صغرى أخرى). و المقوم الثالث هو الإقرار بالتنوع الديني و المذهبي( مسلمون، مسيحيون، إيزيديين، صابئة). و هنا سيكون التسامح القومي و الديني سمة جوهرية من سمات الهوية العراقية حين لا يكون هناك مجال لأية نزعة استعلائية من أية جهة كانت إزاء المجموعات الأخرى. و المقوم الرابع هو الإقرار بالتنوع الثقافي و اللغوي بما يخلق قاعدة أساسية من الشعور و الممارسة لحرية تحقيق السمات الثقافية الخاصة بكل جماعة من المكونات دون تناقض مع سمات الآخرين الثقافية الخاصة. أما المقوم الخامس الذي يعد نتيجة لكل المقومات السابقة فهو الإقرار بالتنوع الفكري و السياسي الذي يسمح لكل الأفكار و الآراء أن تزدهر بحرية و دونما وصاية أو منة من أحد. و الشرط الوحيد لهذا المقوم الأخير هو أن لا ينطوي التنوع السياسي على أي تحريض، صراحة أو ضمنا ً، للاحتراب الداخلي أو ينسف أحد أسس الهوية الوطنية العراقية. وذلك استنادا ً إلى أن من أهم وظائف الهوية أن تحمي الكيان السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي من أية محاولة لتدميرها. و حتى لا يتناقض هذا المقوم مع حرية الرأي إذ قد يغلق الباب أمام أي اجتهاد أو تغيير مما قد يراه بعض المفكرين ضروريا ً، و نظرا ً لأن الحرية تعني المسؤولية، فإن بالإمكان أن يكون شرط التعبير عن أية آراء مناقضة لما ورد أعلاه هو أن يكون بصيغة دعوة سلمية و من خلال المؤسسات الدستورية. و أن يوكل البت في أية تهمة من هذا القبيل إلى القضاء النزيه و المستقل.
و أخيرا ً يمكن أن نقرر، و نحن ندعو الآخرين من كل الجهات إلى مناقشة ما طرحناه هنا بروح الحوار الإيجابي البناء، أن خيار الهوية الوطنية العراقية هو الأكثر تعبيرا ً عن تاريخ العراق البعيد و القريب، و هو الأكثر التزاما ً بحقائق الواقع الاجتماعي و السياسي الراهنة في العراق، كما أن من المأمول أن يكون هذا الخيار هو الأكثر ضمانا ً لمستقبل عراق موحد مزدهر يسوده السلم الأهلي، و يعيش فيه مواطنون عراقيون أحرار و أسوياء و متساوون في الحقوق و الواجبات. وهو عراق يفخر أبناؤه بالانتساب إليه و يفخر هو بهم. كما إنه خيار هوية ذات مضمون سياسي وطني سيغلق باب الدكتاتوريات إلى الأبد. و يحظى فيه من تعرضوا للظلم بالإنصاف و العدل، دون أن تسمح مثل هذه الهوية بخلق مظالم جديدة لأية جهة كانت.
و في تقديري أن العراق المعافى و ذا الهوية الحقيقية و البناءة التي أوضحنا مقوماتها في أعلاه سيكون عنصرا ً إيجابيا ً في أية جهود تبذلها دول الجوار أو المنطقة للتعاون الإقليمي السلمي و البناء و غير الموجه لعزل هذه الدولة أو تلك. كل ذلك سيكون ممكنا ً عندما تنضج الظروف الموضوعية المناسبة و تتمكن هذه الدول كافة من الخروج من دائرة الكيد و التناحر السياسي الضيقة إلى فضاء التعاون و العمل السياسي الخلاق. و بذلك أيضا ً لن تكون أرض العراق منطلقا ً للعدوان على أي من دول الجوار.

و لكي يتحقق هذا الحلم النبيل، حلم الهوية الوطنية العراقية، فإن ذلك يتطلب حوارا ً معمقا ً و متواصلا ً بين المثقفين و الباحثين و الساسة و أعضاء مجلس النواب ( و عسى أن يكرسوا جلسات خاصة لهذا الموضوع الحيوي) من أجل صوغ مفهوم للهوية الوطنية العراقية التي تحفظ للعراق وحدته و تفتح أمام أبنائه كافة سبيل العمل الحقيقي المثمر. و هو المفهوم الذي سيجد كل مكون من مكونات الشعب العراقي نفسه فيه دون إلغاء و تهميش للآخرين. كما أن من شأن مثل هذا المفهوم أن يتحول، من خلال الممارسة، إلى نسق فكري شامل و معبر عن أهم ما يتميز به العراقيون. و لعل من المناسب أيضا ً أن ندعو إلى مشاركة فعالة لوسائل الإعلام و لمؤسسات المجتمع المدني و المؤسسات الأكاديمية و البحثية. كما ندعو إلى أن يكون هذا الموضوع على رأس أولويات مؤتمر المصالحة الوطنية الذي سيعقد في بغداد في شهر حزيران القادم. ذلك أنه حين يتوصل المتحاورون إلى اتفاق على أسس هذه الهوية ، سيكون ذلك مقدمة أساسية تسهل عليهم أن يتوصلوا إلى صوغ أسس المصالحة الوطنية. كما إن على الأحزاب و المواطنين و المثـقفين و الساسة و كل من لـه اهتمام بالشأن العام أن يتبنوا هذه الهوية عن قناعة و رغبة، و أن يعملوا على تجسيد إيمانهم بهوية العراق الوطنية في السر و العلن، و من خلال الخطاب و الممارسة معا ً، و ليس عبر الشعارات فقط.

المصادر
الجابري، محمد عابد " مسألة الهوية: العروبة و الإسلام و الغرب"، مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. 1996.
سلامة، يوسف "الإسلام و التفكير الطوباوي"، دار كنعان للدراسات و النشر. دمشق.
غليون، برهان " حوارات من عصر الحروب الأهلية "، المؤسسة العربية للدراسات و النشر. بيروت. 1995.


بواسطة : الحوار المتمدن - العدد: 1544 - 2006 / 5 / 8
ور النخب العراقية فـي تفعيل الهويــة الوطنيــة المشتركــة


امل هندي الخزعلي*
الحاجة لبناء هوية وطنية موحدة ليست من امور الترف والبحث عن امجاد وهمية، بل هي ضرورة انسانية ملحة. فأية مجموعة من البشر لا يمكن ان تمضي حياتها تعيش في رقعة واحدة وتشترك في تفاصيل الحياة اليومية من دون حد ادنى من الشعور بالانتماء لمثال او فكرة مشتركة،

والشعور بالانتماء الى ماضٍ مشترك يساعد على الاشتراك في الحاضر والاستمرار بالاشتراك في المستقبل.
وفي العراق وضع الانقلاب التاريخي الكبير الذي رافق زوال النظام السابق مهمة تحديد ماهية الهوية الوطنية العراقية وعدها احدى اهم القضايا الفكرية والسياسية بالنسبة لبناء الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي وثقافتها اللاحقة ، كما انها احدى اهم قضايا الفلسفة السياسية بالنسبة لمستقبل العراق واتجاه تطوره اللاحق ومنها يمكن توقع المسار اللاحق لبنية الدولة ومؤسساتها، وعليها يمكن وضع مبادئ التربية والتعليم، باختصار انها تمس جميع المكونات الاساسية لبنية الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة، وهذا امر طبيعي لان الهوية هي الانا، ومعرفة النفس، ويبدو انها مقدمة لمعرفة الحقيقة والعمل بموجبها.
هذه الورقة تنطلق من فرضية مفادها ان نجاح اي مشروع كبير هو نتاج تراكم الرؤية الواقعية عن طبيعة وحجم الاشكاليات التي تواجهها الامة والدولة، ويفترض العيش المشترك في العراق تفعيل الهوية الوطنية العراقية بوصفها مرجعية العيش المشترك ما يستلزم صياغة رؤية عقلانية ووحدة التجانس القومي والوطني في العراق من اجل تكامل الجميع في بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني.
ويتطلب اثبات تلك الفرضية الاجابة عن اسئلة مهمة: هل يمكن للهويات الفرعية ان تقيم وطناً مشتركاً ؟ وهل ان اقامة هذا الوطن سيتطلب بالضرورة التنكر لتلك الهويات او رفضها ؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية خلق الرؤية المشتركة لتفعيل الهوية العراقية المشتركة؟
لابد من التاكيد اولاً على ان الهوية الاجتماعية وهي وعي الفرد بانتمائه الى جماعة تاريخية توفر له اطاراً وظيفياً لاشباع حاجته الى الامن النفسي، واطاراً مرجعياً لصياغة منظومة قيمية ثقافية تنظم ادراكاته للعالم وتفاعله معه وتقسيماته له، واطاراً نزوعياً للسعي نحو انجاز اهداف جمعية مشتركة دون ان يتعارض ذلك مع اهدافه الفردية الخاصة، فالهوية الاجتماعية هي نتاج للتجارب المشتركة ونمط الحياة المشتركة بين افراد تلك الجماعة التاريخية .
بهذا المعنى تكون هوية امة ماهوية نسبية تاريخية متطورة لاثابته او جامدة ، فهي ليست جوهراً متأصلاً بل خلاصة تاريخ خاص من التجارب الثقافية والحضارية لامة من الامم ، وذلك فهي قابلة للتعديل والتكييف والتفاعل ، وحتى لو وصفت الهوية بانها كينونة ، فانها كينونة غير مكتملة، وانما هي حركة دائمة من التكون، هذا ما تثبته الحقائق الاجتماعية والوقائع التاريخية (فالانسان يبدع هويته كما يبدع عمله وفكره).
ان بناء هوية وطنية مستقرة وواضحة تتفق عليها جميع فئات الشعب، قضية شاملة وعامة تخص جميع الاوطان، ومعاينة سريعة لخارطة العالم تبين لنا ان الاوطان المستقرة القوية هي الاوطان التي تمكنت من انجاز مهمة بناء الهوية، كما يمكن ملاحظة ان تماسك الهوية الاجتماعية لاعضاء اية جماعة تاريخية متعددة الاعراق والاديان والطوائف ، غالباً ما يرافقه تنامي اهتمامهم بالمصلحة العامة وتطويرهم لمعان متقدمة وبناء لوجودهم، وازدياد شعورهم بالرضا عن حياتهم وبالفاعلية الذاتية ، وبالقدرة على التأثير في مساراتهم الاجتماعية مع انخفاض سلوكيات العنف ومشاعر التعصب والشك والافكار النمطية السلبية نحو بعضهم والعكس صحيح. اي ان ضعف الهوية الوطنية لاي شعب يؤدي الى ضعف الشخصية الاجتماعية والفردية وكثرة التوترات السياسية وسيادة العنف وديمومة الدكتاتورية .
وبالانتقال من العام الى الخاص، فان اي باحث في التاريخ الحديث للعراق سيكتشف بصورة جلية بان العامل الاول في ديمومة التوتر والعنف في الوضع السياسي والاجتماعي يعود اولاً الى هشاشة الهوية الوطنية العراقية، صحيح ان من طبيعة العراقيين مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والطائفية واللغوية، فانهم يتعايشون بصورة تكاد تنعدم فيها العنصرية بشكلها الاجتماعي، كما تميز تاريخ بلاد الرافدين بانعدام الحروب العنصرية والاهلية بين الناس وسهولة ذوبان الشعوب الجديدة في الشخصية الرافدينية المشتركة، برغم هذه الخصال الايجابية في طبيعة الشعب العراقي الا ان النخب السياسية العراقية لم تحاول تطوير هذه الخصال الى المستوى السياسي والتربوي الواعي بصورة كاملة لتفاصيل هذا التنوع في المجتمع العراقي، وبدل ذلك لجأت الدولة والنخب والاحزاب الى ابسط الحلول واكثرها سطحية وهو اسلوب السكوت وتجنب اية تفاصيل لماهية الاديان والمذاهب والجماعات اللغوية التي يتكون منها المجتمع العراقي وانغرز هذا التجاهل والتجهيل المستمر منذ اجيال وحتى الان ، عميقاً في العقلية العراقية بحيث غدا التطرق لهذه الامور من المحرمات التي يتم تداولها بين ابناء الجماعة اللغوية او المذهب او الدين وبالتالي صارت كل جماعة تشعر في داخلها باجنبيتها عن الهوية العراقية المشتركة .
نتيجة لهذا الوضع تعمقت ازدواجية الهوية في الفرد والجماعات العراقية، فمن ناحية نجد العراقيين يشتركون ويبالغون في معظم عاداتهم وتفاصيل حياتهم الاجتماعية والثقافية اليومية ، وكان هناك اتفاق عام على وجود اثار عراقية وفولكور عراقي وفن عراقي وتراث سياسي عراقي وميثولوجيا عراقية وروح عراقية ولهجات عراقية وازياء عراقية ومزاج عراقي وشخصية عراقية، ومن ناحية اخرى نراهم يتناقضون في مشاعرهم الجماعية السياسية وانتمائهم التاريخي الوطني المشترك.
وهكذا ادى شعار الاحزاب والنخب والدولة باننا عراقيون وكفى الاعتقاد بان السكوت والتكتم عن التطرق لتنوعات المجتمع اللغوية والدينية والطائفية سيؤدي تلقائياً الى التوحد لكن الذي حصل هو العكس تماماً اذ تفاقم هذا التجاهل والتنافر الى حد التعبير السافر عنه من خلال الانقسامات السياسية تبعاً للانتماء اللغوي والديني والطائفي .
ان المسؤولية الكبيرة والتقصير يقعان على عاتق جميع النخب الثقافية والسياسية العراقية (ليبرالية وقومية واممية ودينية) فالتقصير الكبير الذي مارسته هذه النخب انها لم تنتبه الى ضرورة انجاز اولى المهام الملقاة على عاتق اية نخبة وطنية في اية امة تبتغي التحرر وبناء الوطنية ونعني ((احياء الهوية الوطنية)) من خلال التنظير الفكري والسياسي واعادة كتابة التاريخ بصورة ترد الاعتبار لجميع الفئات القومية والدينية والمذهبية.
المشكلة تكمن اذن في غياب الايديولوجية الشاملة والعميقة علماً بان الايديولوجية ليست هي التي تخلق الهوية الوطنية بل هي التي تكشف عن وجودها الموضوعي الموروث، اي ان الايديولوجية الوطنية تخلق (( الوعي بالهوية)).
اذن ما يحتاجه العراق اليوم هو تفعيل واعادة اكتشاف هوية وطنية عامة تكون بمثابة المرجعية لجميع اطيافه وتياراته وبالتالي تتيح للجميع فرص الارتقاء بوعيهم التقليدي الى مستوى وادراك ولائهم الوطني الموحد ، بدل ان يندفع كل فرد عراقي الى تلمس سبيل خلاصه بنفسه والبحث عن حقيقة وجوده بمفرده .
ان تفعيل الهوية الوطنية العراقية بوصفها مرجعية العيش المشترك يستدعي صياغة الاوزان الضرورية لتلك الهوية والهويات الجزئية او بناء رؤية واقعية وعقلانية عن وحدة وتجانس الكلي والفرعي مع تحديد لماهية الدولة الشرعية والدولة البديلة بوصفها المقدمة الضرورية والضمانة الفعلية لطبيعة ومجرى التطور اللاحق، ولابد للنخب العامة والسياسية بشكل خاص، ان تعكس المسؤولية التاريخية والاخلاقية المكونة لفكرة المرجعية الوطنية العراقية بوصفها هوية المستقبل ايضاً ، فنجاح اي مشروع كبير هو اولاً وقبل كل شيء نتاج لتراكم الرؤية الواقعية عن طبيعة وحجم الاشكاليات التي تواجهها الامة والدولة، وتجربة الخمس سنوات تبرهن على ان المشاريع الاجنبية تبقى غريبة مهما كانت نواياها وغاياتها كما ان القوى الجزئية من اقليات قومية او طائفية او هامشية اجتماعية وسياسية لاتصنع غير التجزئة والعيش بمعاييرها ويبقى ازدهارها سريع الزوال لانه يتعارض مع الهوية العراقية بوصفها هوية تاريخية ثقافية وليست قومية او عرقية او طائفية او مذهبية.
* كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد فرع الفكر السياسي
بواسطة :جريدة الصباح


عالم الافكار الفلسفية (1)

"ملاحظة : الملف ليس بالضرورة يعبر عن سياسة المدون "



#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية المثقف والسلطة في الخطاب السياسي عند فلاسفة الإسلام
- مقاربه في المنهج
- إمام الصمت والاستقطاب الطائفي ماذا يحدث في اليمن ؟
- قراءة في مشروع بول ريكور التاويلي
- اطياف الديمقراطية في تمثلات الذات العربية
- اللغة واليات انتاج المعنى
- مقاربه في المجتمع المدني
- الحجة للقيام بإعمالهم العدوانية .مختارات من اعمال المفكر الع ...
- التعويضات بحق العراق ونظام الخلافة الدولية / مختارات من اعما ...
- رهانات التحديث والديمقراطية و الواقع العربي
- المرأة وثقافة اللاعنف.
- مقاربات في الخطاب السياسي المسيحي الوسيط
- من أجل هوية أكثر انفتاحاً
- قراءه في كتاب -من جدلية الاخر الى الذات-.للمفكر حسن مجيد الع ...
- من التسامح إلى الاعتراف
- نقد أطياف التمركز في القراءات الغربية
- بابل عاصمة الثقافة العراقية مقاربات وشهادات
- إشكاليات الحداثة والتراث
- قراءة في كتاب الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات ب ...
- مختارات


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عامر عبد زيد - رهان الهوية واليات التعايش في العراق الجديد