أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جبار الكواز - الخروج عن النسق المُعلن في الرثاء















المزيد.....

الخروج عن النسق المُعلن في الرثاء


جبار الكواز

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 21:24
المحور: الادب والفن
    



تزخر قصيدة الشاعر حامد كعيد الجبوري (ضيف فقره) بدلالات متنوعة تنبثق من خلال متونها النصية مشكلة ما أسميه واسطة العقد الذي يربط حبات المتون لتقول كشوفاتها الروحية التي ربطت بين الذاتي والموضوعي وبين المحسوس والملموس وبين الحاضر والغائب ، ويشكل عنوان النص واحداً من تلك المتون الذي يكشف دلالته ضمناً بوصفه ثريا المتن ، فضيوف الفقراء عادةً ما ينالون مالا يحلمون به انعكاسا لدرء حالات العوز والفاقة المستوطنة قسراً في بيوتهم ، والقصيدة مهداة الى شاعر راحل عُرف بمواقفه الأصيلة وبشاعريته المميزة وهي تحاول أسكتناه طلالَ ذلك الراحل بجمل متضمخة برثاء مميز يختلف عن نسق الرثاء المعروف في الشعر الشعبي المنطلق من الخيال الشعبي إن أردنا الدقة في كلامنا .
(من بطن السواتر والحجابات / وليل الجاب بردانه الرصاص / من وحشة الغربه ودمع الأشجار / من كبور موضع والخسارات / من فرضه وشعيره وسدة التصويب / أنولد شاعر) ، ولا شك أن مطلع القصيدة هذا نجح في رسم صورة الراحل التي تشكلت بعناصر الحياة الوطنية الضاجة برسيسها بعد منتصف القرن المنصرم ، وهي أشارة الى أن المرثى قد ولد وسط الأزمة العراقية التي أرتفع قرنها اعتبارا من 14 تموز 1958 ، حين أختلف الفرقاء ونسجت المؤامرات وسطع نجم الخيانة ، لكن المفاجأة تكون في نقض هذه الصورة حين نرى أن هذا المخلوق الحقيقي ما حمل رشاشاً يوماً ما بل كان يحلم بدور مضيء للمثقف في صنع حياة فضلى بعيداً عن سياسة الحكام والأيديولوجيات المتصارعة ، هاتان الصورتان اللتان أستهلتا نص (ضيف فقره) مثلتا العتبة الثانية في تشكيل صورة الشاعر الذي عاش الهم بكل تفاصيله مما قاده الى موت مبكر شأنه شأن الكثير من أبناء العراق ، وأذا كان التكرار سمة من سمات الشعر الشفاهي فأننا نجد في القصيدة لازمة صوتية شكلت مرتكز الانتقال من فكرة الى فكرة أخرى فصار النص محطات يكمل أحدها الأخرى ويمهد لما سيأتي بعده والجسر الرابط بين هذه المحطات / المثابات كلمة (ياغريب) التي تكررت ثماني مرات بما يعطيها مكانة استثنائية بوصف الكلمة تحمل أشارة شائعة عن أسم الشاعر الراحل وعن غربته الروحية التي عاشها قبل نيسان 2003 وبعده ، وهنا ومن خلال هذه المفردة يتشكل إيقاع محنة المبدع في عراق مازال اللبس
فيه حاصل مابين المثقف والسياسي ، ولعل في اختياره لعنوان أحدى قصائد الراحل (وين جنتي) استكمال للجج محنة الغربة العراقية داخلا وخارجا ، ودلالة على عمق الخسارات المرّة التي يعيشها مبدعو العراق بارتباط قصيدة الراحل بضياع (شادي) فيروز وبين الموت بوصفه انقطاعا مادياً آنياً والموت بوصفه وعداً بلقاء سرمدي من خلال أغنية (داخل حسن) الذي أستثمرها (الجبوري) بنجاح ، أن هذا الاستثمار المنتوج والأستعادي وطد قيمة الدلالة الزمانية التي أطرت جوَ النص وظروف استحضار مكانه المرئي عبر مشاهدة حياته الحزينة وصولاً الى وفاته المبكرة ،
ولاشك أن (محمد الغريب) صار مثابة لتحميل النص صوَر الفقر العراقي الباسل من خلال دلالات جديدة أعتمد (الجبوري) فيها على التاريخ فكان في النص الصحابيان الجليلان (عمار بن ياسر) و (أبو ذر الغفاري) بوصفهما رمزاً صادقاً من فقراء العرب عرفا بصدقهما وشجاعتهما وقولهما الحق دون خشية لوّام أو طماح أو نهّاز وارتباطا بإشارة تشي بنفسها السّراني رغم علنيتها التاريخية في مقولة الأمام علي (ع) (الفقر في الوطن غربة والمال في الغربة وطن) فهذا الاقتباس الذي أدركه فقراء العراق يظل آصرةُ الالتقاء ألحميمي بين الفقراء وهو في النص سندان الدلالات الكامنة فيها أصلاً لأن الشاعر أقترب بوضوح من مناخ الفقر العراقي المزمن والمستعصي ومسك ب (الغريب) أعلاناً لفضح ذلك المناخ أمام العالم وعبره ولهذا فبيوت الفقراء العراقيين (ما يمر العيد بيها / بيوت كل ألفقره عاشور ومحن) فهذا الربط بين العيد وعاشور والمحن واحد من طقوس الفقراء العراقيين الذين لا يملكون ألا (من يمره الليل ضيف / يفرش أتراب القوافي ويلتحف ثوب السماء / أيضيفه بسماط ألقصيده / وكل شطر ينزف دماء) وتتلاحق صور الفقر منطلقة من (يا غريب) في عراق غني متعدد الثروات (يا غريب ...ألفقره طيبه / أتحني جم شباج أخرس / وتنحر أبابه النذور / تعكد أحلام أبحضرته / ياس وشموع وبخور) ورغم الفقر فثمة أمل ماكث في نفوس الفقراء يصبّرهم على أنتظار غد مشرق سعيد عبر رؤيا مثيولوجية أحياناً ودينية في أحايين أخرى أو عبر الفعل الثوري الذي يشاد بسواعدهم الصلدة . والشاعر هنا وأن عدد ونوّع ولوّن حالات الفقر إلا أنه في موقف إدانة هذه الحالة التي صارت للبلد سمة (أيصبن النهرين دمعه / ألفقره ببلادي هويه / الفقر لبلادي هويه) ولو حاولنا ربط العلاقة بين الجملتين الأخيرتين لوجدنا إدانة فاضحة للفقر في العراق ، فلكثرتهم صاروا هوية للبلاد ولدوام الفقر وقسوته وشموله صاروا للبلاد هوية ومابين الفقراء والبلاد وشائج من معاناة تنتظر بما يؤكد قولته الأخيرة (الفقر لبلادي هويه) ارتباطا ب (غربة أبلادي انتماء) فالفقراء هم ضحايا مسيرة الألم وهم من يتصدى للظالمين الذين يشربون من دمائهم ويبنون من عظامهم عروشهم الزائفة (ياغريب / تاج كل سلطان أعمى ويلبس أعيون الضحيه / والضحايه أعظام عرشه ويبجي بدموع الخطيه) ، أنه مسلسل دام من الألم الذي بدأته مغامرات رعناء وحروب بالنيابة وليال طعمها طعم الموت المجاني في الأزقة والسواتر والحجابات .
قصيدة (ضيف فقره) أنموذج مميّز لقصيدة الرثاء في الشعر الشعبي العراقي لأنها ربطت الذاتي بالموضوعي والخاص بالعام والمحسوس بالملموس والحاضر بالغائب ومسكت نسقاً شعرياً جديداً خرجت فيه من أنساق الشعر الشعبي الشفاهية المتداولة التي تعتمد على القوالب الجاهزة وتتكىء على سطوة المنبر وهشاشة التصفيق لجمهورٍ لا يرى الآ حركات هستيرية وصرخات بلهاء لبعض الشعراء ، وهي أيضاً دخول جاد في بناء قصيدة قرائية متعددة الدلالات تمكن القارئ من تأويل دلالاتها لكشف صورة مشهدها العام ، لقد صار الشاعر الراحل (محمد الغريب) عبر حياته ومماته صورة ناطقة لفقراء العراق في حلهم اليومي وترحالهم الأبدي ، كيف لا وهو من سلالة فقراء العراق الغني المتعدد الثروات ، وهذا ما نجح في قوله الشاعر (حامد كعيد الجبوري) .



#جبار_الكواز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جبار الكواز - الخروج عن النسق المُعلن في الرثاء