أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن الفجح - المئذنة مجرد بئر مقلوبة














المزيد.....

المئذنة مجرد بئر مقلوبة


حسن الفجح

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 07:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مرة أخرى يتكرر المشهد، و تتكرر معه التنديدات و الأصوات الصاخبة دون أن تزيل عن الصورة رداءتها. ذلك للأسف ما ترجمه حادث سقوط مئذنة مسجد باب بردعين بالمدينة العتيقة بمكناس. هوت المئذنة على الصفوف الأمامية للمصلين أثناء صلاة الجمعة مخلفة عشرات القتلى و الجرحى. و كالعادة تعالت الأصوات بين مندد و ساخط و متحسر، و توزعت الاتهامات يمينا و شمالا، لكن يبدو كالمعتاد أنها تعاني البؤس، انها مجرد أصوات صاخبة تتقاذفها الرياح بشكل عشوائي في كل اتجاه تماما كثغاء النعاج. ثم ظهرت فجأة في السماء بين الغيوم علامة استفهام تهبط ببطء شديد على قلوب الأهالي كقطعة جليد مدوية في آذانهم، من المسؤول؟
حادث المئذنة كان رسالة بالشيفرة الى جميع الجهات المسؤولة، لكن حل الشيفرة ليس بالأمر الصعب فبقليل من التمعن يمكن قراءة الرسالة و استيعابها بشكل سليم، و التمكن من تفكيك رموزها و الوقوف على كافة دلالاتها. فمسؤولية الحادث موزعة بين وزارة الأوقاف وبين الجلس البلدي، و بما أن ما وقع قد وقع فيلزم فتح تحقيق صارم و متابعات قضائية في حق كلا الطرفين و عدم التساهل معهم. لكن للأسف ثمة دوما من يفسد مثل هذا المشهد، فصدور تعليمات سامية كفيل بطي الملف الى الأبد و ذلك باحباط عملية التحقيق و اعفاء معنييه لكسب مزيد من الشهرة على حساب الحادث، لكن ذلك يبقى دوما كمن يعمل على تغطية الشمس بالغربال.
لكن الأمر لا يزال مدعاة للضحك فالرسالة المشفرة تريد أن تقول أن الناس فقط هم المسؤولون عما حل بهم، و قد صادف وقوع الحادث صلاة الجمعة، و هوالموعد الذي اجتمع فيه الناس يوما و لأول مرة في التاريخ تحت سقف و احد على اختلاف مشاربهم لتدارس أحوالهم و مناقشة قضايا حياتهم اليومية. فالناس و حدهم من يتحملون مسؤولية الحادث نتيجة تفريطهم في يوم الجمعة و تنازلهم عن مؤتمره.
ان يوم الجمعة ليس يوما خاصا و لا عيدا للمسلمين لأنهم يجتمعون للصلاة فيه، بل انه كذلك لأنه مؤتمر لتداول الشأن العام و لتشريع قرارات تعود بالنفع على كل شخص يحضره، و لو حدث الأمر بمكناس لما وقعت الكارثة، لو تداول الناس موضوع المئذنة الأئلة بالسقوط لما خسروا أقاربهم و أحباءهم في لمح البصر، لكنهم تخلوا عن مسؤولياتهم و فسحوا المجال لفقيه نصف أمي ليمتهن الوعظ و يكسب قوته باسم الدين، و يتكلم نيابة عنهم و يقرعهم على ذنوبهم و يعظهم بالتزام جانب الطاعة، و يحدثهم عن الجنة و النار و كأني به وكيل سياحي أو تاجر عقار، ريثما تسقط جدران المسجد على رؤوسهم.
ان يوم الجمعة ليس عطلة للصلاة و ليس طقسا للوعظ، بل موعدا لتداول الشأن السياسي و التعبير عن مآسي الناس انه برلمان للنقاش و الجدال بالحسنى، انه موعد مقدس للحوار الهادف، ومادامت هذه الحقيقة غائبة عن أذهان الناس فان وعيهم أيضا سيغيب عقب سقوط مآذن أخرى على رؤوسهم، و ما داموا مستمرين في صمتهم المريب في حضرة واعظ جاهل بأمور الدنيا و الدين فان نتيجة ذلك واضحة، و هي المزيد من الضحايا.
ان حادث مكناس أراد أن يعلن أن الدين الذي لا يستطيع أن يحمي مواطينيه من الظلم و الفقر و الحاجة ليس دينا بل شبح دين يتهاوى على رؤوس الناس، لأن المسؤولية في أيدي الناس. و مادام صوتهم مطمورا تحت خطب الوعظ فان المزيد من المآذن في طريقها نحو الانهيار على رؤوس المصلين. فالانسان وحده مسؤول عما يحل به، هذه حقيقة يعلنها له القرآن كل يوم " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" لكنه يفضل تصديق عالم خرافي بطله فقيه بعقله المحنط و المبعوث من زبالة الفكر. و بما أن الانسان مسؤول عن النتيجة فانه أيضا و بنفس القدر مسؤول عن السبب.
ذات مرة سئل جحا عن مئذنة عالية، فقال متأملا " هذه بئر مقلوبة" و البئر كما هو معروف مصدر الماء أصل الحياة. و جحا يعلن هنا أن الاسلام القلوب رأسا على عقب لا يستطيع ان يروي ظمأ الناس الى السلام و العدل. لكن جحا لا يفصح عن ذلك مباشرة بل يختار الصيغة التي تتيحها له وسائل القياس المنطقي، الذي يستطيع أن يقلب أي شيء دون أن يفلح في تغيير واقع الناس و لو بمقدار عقلة أصبع.



#حسن_الفجح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام شفويا
- مجرد أسئلة
- هل خانوك؟


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن الفجح - المئذنة مجرد بئر مقلوبة