أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -5















المزيد.....


فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -5


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 10:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


"الديالكتيك هو قوانين فيزيائية"، هكذا يقول السيد فؤاد النمري. و"الديالكتيك ليس قانونًا"، هذا ما حاولنا إثباته تجريبيًّا من خلال دراستنا. فما القانون إذًا؟

تكتشف القوانين العلمية المادية، من خلال جهد علمي، يستهدف إجراء التجارب على الأشياء.
إذًا فالقانون يعني مجموعة من الملاحظات حول الوقائع المادية الطبيعية أو التاريخية، تعبر عن ضرورة وجود هذه الظاهرة أو تلك من الظواهر الطبيعية والاجتماعية، والعلاقات القائمة بينها، وحدوث التناقضات داخلها عند توفر شروط معينة. فبدون فهم مجموعة متصلة من القوانين الطبيعية، سيكون من المستحيل مثلاً إطلاق المركبات الفضائية، والتحكم فيها على بُعْد مسافات هائلة خارج الأرض، كما أنه بدون فهم مجموعة من القوانين الاجتماعية من غير الممكن إعادة تنظيم الإنتاج الاجتماعي وضبط قوانينه، وثم السيطرة على اختلال التوازن الاقتصادي والأزمات الاقتصادية، كما يبين لنا التاريخ؛ فاكتشاف الظواهر تجريبيًّا، أو اكتساب المعرفة اختباريًّا يعني في نفس الوقت فهم قوانين حركتها ونموها، وتناقضاتها وتغيُّرها، ثم فهم كيفية ضبطها أو توجيهها لصالحنا.
فهل ممكن أن يساعد الديالكتيك في كشف أي قانون من القوانين الطبيعية أو القوانين الاقتصادية؟ كلا إطلاقًا، فكما قلنا سابقًا في التَّناقض بين المادية والدِّياليكتيكية: "فيعتمد الديالكتيك أساساً على العقل الفلسفي في تحرِّي الأشياء، والمعرفة المكتسبة هنا، هي معرفة مجردة، منفصلة عن واقعها التَّجريبي، لذلك سيكون من المستحيل، الدخول إلى عالم الأشياء الواقعية، من خلال الدِّياليكتيك، فالقوانين في الطَّبيعة كالتَّاريخ، تتحرك مادياً، لا دياليكتيكياً، ويجب كشفها تجريبياً، لا فلسفياً، فالعلوم التَّجريبية، الطَّبيعية كالتَّاريخية والاقتصادية، تعتمد أساساً على دراسة الواقع. وهذا يعني، وعلى العكس من نظرية المعرفة (الدِّياليكتيك)، فإنَّ المعرفة عن القوانين المادية غير موجودة، إلاَّ بعد دراسة هذا الواقع وإجراء التَّجارب عليه – انظر الحوار المتمدن.

وهكذا، فإذا قلنا: إن الديالكتيك معرفة فطرية، فنعني بذلك أن هذه المعرفة ليست مكتسبة أو ناتجة من العمل التجريبي، وبالأحرى فالديالكتيك ليس علمًا، وإذا كان الديالكتيك معرفةً علمية فطرية، كما يقول الماديون الجدليون، فما هو إذاً ضرورة السؤال الآتي: كيف حدث أن الناس حشروا في رؤوسهم كل هذه الأوهام؟ كارل ماركس.
إن الناس حشروا كل هذه الأوهام في رؤوسهم بسبب عدم معارفهم العلمية عن العالم.
وإذا كان العلم معرفة فطرية، فلِمَ كان الاختلاف بين تجارب فرنسيس بيكون ومنطق أرسطو الجدلي؟ بين تأملات أفلاطون وأبحاث نيوتن العلمية؟ بين العيون المجردة لسقراط ومنظار غاليليو في النظر إلى الطبيعة؟ بين الأجهزة الطبية والخرافات عن أسباب الأمراض؟ بين مكتشف الكومبيوتر ومستخدمه؟

وهكذا، فإذا قلنا: إن العلم معرفة فطرية نَسَفْنَا كل أساس أطروحات المادية التاريخية، حيث إن الوعي ليس نتاج درجة معينة من تطور أدوات الإنتاجية فحسب، بل التطور الصناعي يصاحبه على الدوام تطور الوعي أيضًا، فتطور التاريخ والوعي البشري لا يُدْرَس ولا يُعَالَج إلا في علاقته بتطور الصناعة والمبادلة التجارية (انظر كارل ماركس، العائلة المقدسة، والأيديولوجية الألمانية): فهل ممكن فهم أي عصر من دون أن نعرف صناعة ذلك العصر؟ كارل ماركس.
وكيف يا ترى يمكننا تفسير انتقال الوعي البشري من الميثولوجيا، إلى المعرفة الدينية، ثم المعرفة الفلسفية والمعرفة العلمية، إذا كان العلم معرفة فطرية؟ فهل تعبر كل مرحلة من مراحل هذه المعارف للبشر عن المراحل المختلفة لتطورهم الصناعي والتجاري أم لا؟ فما العامل الذي يحول العلاقة الخرافية بين الوعي والطبيعة، إلى علاقة علمية بينهما إن لم تكن الصناعة التي تعطينا في كل مرحلة تاريخية محددة، أدوات ووسائط محددة للبحث عن الأشياء بصورة مادية؟ ففي أسلوب البحث العلمي فقط، يمكننا المقارنة بين منظار غاليلو ذات عدستين، وتلسكوب هبل، ثم هل معارفنا عن الشمس والقمر، هي نفس معارف أجدادنا عن هذه الأجسام السماوية؟ فماذا يعني إذًا تفسير الديالكتيك بمعرفة علمية فطرية؟ ألا يُفَسَّر هذا بالافتقار في النظرة المادية إلى التاريخ؟

والآن لنضع المسائل مرة أخرى في قواعد؛ لكي نرى الحركة الواقعية للأشياء، وعلاقاتها ببعضها البعض، وأصل تناقضاتها، التناقضات التي لا يفهمها العقل الديالكتيكي إلا من وجهة نظر الحقيقة المطلقة. فلنضع الآن نهار العمل، وقيمة قوة العمل، ومعدل فائض القيمة، والأجور، والحاجات الضرورية، والأسعار، أو تموجات السوق وأثرها على الحياة اليومية للعاملين الأجراء في قواعد، ونرى: هل نجد فعلاً ديالكتيكيًّا واحدًا في كل هذه الأشياء؟
سيكون من المصادفة البحتة أن ينطبق هذا القانون الديالكتيكي أو ذاك على هذه العلاقة أو تلك، فالديالكتيك بالأحرى ليس قانونًا.

مثال: نهار العمل

كما نعرف ينقسم نهار العمل إلى قسمين: وقت العمل الضروري، ووقت العمل الإضافي. ولنفترض أن التقسيم كالآتي:

أ_________ب_________ج

ولنقل:

نهار العمل = 8 ساعات.
أ ب = 4 ساعات، عمل ضروري يقابل قيمة بضائع ذات الضرورة الأولية (وسائل معيشة المأجور).
ب ج = 4 ساعات، عمل إضافي ينتج فيه فائض القيمة.

ولنفترض أن أ ج سيبقى دون تمديد، أو أن القياس أ ج سيكون ثابتًا.
حسب الديالكتيك، يتكون أ ب و ب ج من وحدة الأضداد، أي من الوحدة السالبة الهيغلية، فلذلك يجب أن ينتهي الصراع ما بين أ ب و ب ج، بالتحول الكيفي من خلال قضاء طرفي التناقض على الآخر.
ولكن هل يمكن لأي طرف من هذه الأطراف أن يلغي الآخر؟ أو أن وجود أحدهما يشترط بالضرورة وجود الآخر؟ فلا وجود للعمل الإضافي دون العمل الضروري.

يقول ماركس: "وحين يلغى هذا النظام، فسوف يزول العمل الزائد، ويمكن أن يتحول نهار العمل بكامله إلى عمل ضروري – رأس المال، ترجمة محمد عيتاني، ص 750".

وهكذا، فالتحول النوعي يحدث حين يلغى هذا النظام. هذا هو تفسير ماركس لعلاقة العمل الضروري والعمل الإضافي ببعضها البعض. فالوقت الضروري والوقت الإضافي للعمل، لا ينفيان بعضهما البعض، مهما تغيرت العلاقة الداخلية بينهما، فالجزء الضروري من نهار العمل، قابل للإنكماش داخل نفس العلاقة نتيجة لازدياد شدة العمل وإنتاجيته.
ولكن إذا كان ينخفض وقت العمل الضروري من 6 ساعات، إلى 5، و4، و3 ساعات، فلا يزال الأمر يتعلق بإنتاج معادل لوسائل العيش، فقيمة قوة العمل ينخفض مع الزمن مهما تغيرت العلاقة بين طرفي نهار العمل.

وهكذا، ففي المنهج الديالكتيكي والمنهج المادي، تتحرك الأشياء وتتغير بصور مختلفة، ففي الديالكتيك يجب أن يقضي أحد طرفي التناقض على الآخر في نهار العمل، بينما في التفسير المادي، لا يتلاشى جانبا التناقض إلا معًا وفي آن واحد.

مثال:

لِنَرَ ماذا يحدث في العلاقات المادية بين جانبي نهار العمل:

العمل الإضافي / العمل الضروري = فائض القيمة (فـ) / رأس المال المتحول (لـ).

وهذا يعني: إذا كان العمل الإضافي على العمل الضروري 4 ساعات / 4 ساعات = 100%، فمعدل فائض القمية (فـَ) = 100%.

وإذا تغيرت العلاقة بين العمل الضروري والعمل الإضافي، أو إذا انخفض فـ 50%، فنحصل على النتيجة الآتية: 2 / 4 = 50%، فـَ = 50%، ولكن دون أي تغير في نهار العمل: 8 ساعات!

وهكذا نرى لا يمكن النظر إلى الأشياء والعلاقات من وجهة نظر الديالكتيك، أي الأفكار الجاهزة: وحدة الأضداد، والكم والكيف! فجزءا نهار العمل متلازمان، ولا يمكن أن يقضي أي طرف من أطرافه على الآخر.
أما إطالة طرفي نهار العمل من ساعات محددة إلى ساعات أخرى، لا تحول العلاقة إلى شكل آخر، فالعلاقة هي نفسها مهما تغيرت ساعات العمل بين طرفي نهار العمل، فالديالكتيك له سلفًا قياسات ثابتة، تشمل كل الأشياء الموجودة في العالم المادي، الطبيعي والاجتماعي، ولكن إذا كانت هذه القياسات تطابق أشياء عينية، مرئية، فلا يمكنها أن تطابق أشياء غير عينية، أي العلاقات المادية، فإذا كانت القياسات الثابتة للديالكتيك تطابق مثلًا نهار العمل (8 ساعات)، فلا يمكنه أن يطابق العلاقة غير المرئية بين الوقت العمل الضروري، ووقت العمل الإضافي على الإطلاق، فوقت العمل الضروري يمكن إنكماشه، داخل نفس العلاقة عشرات المرات، خلال قرنين مثلاً، ولكن دون تغير نهار العمل، فنهار العمل كتلة ثابتة (8 ساعات) من أواخر القرن التاسع عشر، عبر القرن العشرين، وإلى يومنا هذا.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نذكر: إن طرفي نهار العمل، يشكلان وحدات من الكمية، فالحديث عن وقت العمل، هو الحديث عن الكم لا الكيف. وإذا قلنا إن تقليص وقت العمل الضروري ينتهي بانخفاض قيمة قوة العمل، وإطالة وقت العمل الإضافي ينتهي بازدياد فائض القيمة، فلا نحاول سوى الهروب من دائرة نقاشنا.
على أية حال، يجب أن لا ننسى أن الحديث عن كميات محددة في طرفي نهار العمل، هو الحديث عن الكم، فكمية معينة من (الوقت)، وكمية معينة من (العمل)، هما وحدات من الكم لا الكيف. وهكذا:

وقت العمل الضروري = الكم
وقت العمل الإضافي = الكم

مثال آخر:

من الممكن أن يرتفع تعويض العامل طورًا، ويهبط طورًا آخر، وذلك إما أثر تغيرات حصلت في قيمة قوة العمل نفسها، وإما أثر التقلبات في نسبة العرض والطلب.
في الحالة هذه، سيختفي كل أثر الديالكتيك، لأن قياساته المحددة لا يمكن أن تطابق هذه التغيرات الاجتماعية، فالمنهج الديالكتيكي أفكار جاهزة، تنطبق على علاقات بسيطة الاكتشاف، أي العلاقات العينية المرئية، فخط بحثه يجب أن يكون مستقيمًا، فالديالكتيك فكرة منطقية تقيس الخطأ والصواب، ويحدد جوابه بـ "نعم" و"لا"، أو كما يقول كارل ماركس: "فإن هذه القاعدة أي هذه الفكرة تناقض ذاتها Antithesis فتقسم إلى فكرتين متناقضتين - الايجاب والنفي، نعم ولا. والصراع بين هذين العاملين المتضادين المتضمن في التناقض يشكل حركة الديالكتيك. "نعم" تصبح "لا"، و"لا" تصبح "نعم"، "نعم" تصبح "لا" و"نعم"، و"لا" تصبح "نعم" و"لا"، فتتعادل المتناقضات وتتجانس وتشل بعضها - كارل ماركس، بؤس الفلسفة". وحين لا تنطبق قوانين الديالكتيك على الأشياء، فآنذاك يختفي من الوجود.
أما الغريب هو أن السيد فؤاد النمري يقول: "ينتهي الوجود والديالكتيك لا ينتهي. إنه الحقيقة المطلقة وأصل الوجود". وما هذه الحقيقة المطلقة إن لم تكن الله؟

مثال آخر:

لنضع مرة أخرى الأشياء في قواعد فيما يتعلق الأمر بالأُجَرَاء وحاجاتهم الاستهلاكية:

القاعدة الأولى:
لنفترض أن الأجير ينفق أجوره على الحاجات ذات الضرورة الأولية.

القاعدة الثانية:
إذا كان الأمر كذلك، فيؤدي كل ارتفاع عام في مستوى الأجور إلى ازدياد الطلب على الحاجات الضرورية.

القاعدة الثالثة:
إن هذا الازدياد في الطلب يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الحاجات ذات الضرورة الأولية.

القاعدة الرابعة:
إن الرأسمالي الذي ينتج الحاجات الأولية، يعوض عن زيادة الأجور التي يدفعها بارتفاع أسعار البضائع في السوق.

القاعدة الخامسة:
إن رأس المال يحرك عملاً اجتماعيًّا وسطيًّا، فالعمل إذًا ذو صفة اجتماعية وسطية. إن قوة العمل بوصفها قيمة، تمثل كمية العمل الاجتماعي المتحقق فيها. لذلك لا نصل إلى أي علاقات وأي تناقض من خلال الديالكتيك إلا بعد ظهور هذه التناقضات إلى السطح، فآنذاك سيكون من السهل جدًّا أن نقول: ها هي وحدة الأضداد، والتحولات الكيفية نتيجة للتراكمات الكمية.
ولكن ما أصل هذه التناقضات؟ هل هي وحدة الأضداد؟ وهل جرى بالفعل تغير نوعي في الأشياء والعلاقات وقوانينها، أو علينا أن نرجع على الدوام إلى النقطة التي انطلقنا منها؟

لنفترض أن أجور 20% من مجموع 1000 عامل في دائرة إنتاجية محددة، تتكون من 500 دولار عامل، وأجور 80% منهم تتكون من 400 دولار عامل.

فماذا يحدث إذا كان ارتفاع الأجور 25%، وإذا كان مجموع أسعار البضائع الاستهلاكية الضرورية = 550 دولار؟

إذا أردنا اللجوء إلى المنهج الديالكتيكي، فيجب الانتظار إلى أن ينتهي تحليلنا العلمي، لأن الديالكتيك ليس له الأداة المحددة للتحقق عن الأشياء بصورة تجريبية، وفي ختام عملنا التجريبي، يعطي الديالكتيك جوابه الجاهز: انظروا إلى هذه العلاقات، فهي تتكون من وحدة الأضداد، والكم والكيف. وهذا كل شيء.

أما في العمل التجريبي، فنحصل على النتائج الآتية:

20% = 200 عامل
80% = 800 عامل

200 × 500 = 100.000 دولار
800 × 400 = 320.000 دولار

100.000 + 320.000 = 420.000 دولار
420000 / 1000 = 420 دولار الأجرة الوسطية لـ 1000 عامل.

فما التحول النوعي إذًا ؟ إن القوى الشرائية انخفضت بالمقارنة مع الأسعار السوقية، وهي حالات موجودة في الأسواق المحلية والعالمية، وتنخفض في زمن الأزمات أكثر فأكثر كالأزمة المعاصرة مثلاً.
أما إذا أردنا التحقق من الموضوع من وجهة نظر الفرد الأجير، فنحصل على النتيجة الآتية: في المجموعة الأولى، سيزيد أجر الأجير من 500 إلى 625 دولار (25%)، أما الأجير في المجموعة الثانية، سيزيد أجره من 400 إلى 500 دولار (25%) أيضًا، أي 50 دولار أقل من أسعار البضائع ذات الضرورة الأولية. فأين يا ترى التحول النوعي في هذه العلاقة؟ وكيف نفسر هذه النتيجة؟ بوحدة الأضداد، أم بعلاقات مادية تدور حولها مجموعة من القوانين الاقتصادية، تؤثر بعضها على البعض ماديًّا لا ديالكتيكيًّا؟

وهكذا، فمجموعة من القوانين الاقتصادية المتداخلة، لا الديالكتيك الإلهي وقوانينها المحددة، تحكم العلاقة بين الأجور والأرباح، والعرض والطلب، ورأس المال الثابت ورأس المال المتحول، و، و، و ..، فكل هذه الأشياء تؤلف الكم لا الكيف، فلا يمكن بالأحرى التحقق من هذه الأشياء المادية من خلال الديالكتيك، أي الفكر المنفصل عن هذه الوقائع المادية، وإذا نظرنا إلى هذه العلاقات من وجهة نظر الأسعار، فلا نرى أي تحول نوعي، حيث إن أسعار قوة العمل انخفضت مقابل ارتفاع أسعار وسائل العيش، ويمكن أن يحدث العكس في فترة زمنية أخرى من زمن تموجات السوق.

ولكن يجب أن نطرح سؤالا آخر: ماذا يحدث إذا ما ارتفعت أجور كل الأجراء إلى 625 دولارًا؟ هل يحدث أي تحول نوعي؟ هل يختفي أي قانون من قوانين الضابطة للأجور، والأسعار، و، و، و ..؟
الجواب هو: من المستحيل تناسب الأجور ثم ارتفاعها في كل القطاعات الإنتاجية، أو حتى في دائرة إنتاجية واحدة في نفس المستوى. ولكن لأجل الجدل، لنفترض إن الأمر يصبح واقعًا، فماذا يحدث إذًا؟

القاعدة السادسة:
إن زيادة الأجور (25%) دولارًا، قد تنفق على بضائع أخرى غير الحاجات ذات الضرورة الأولية.

القاعدة السابعة:
إن هذه الازدياد في الطلب على البضائع الأخرى، سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه البضائع أيضًا.

القاعدة العامة:
في مجموع القواعد أعلاه، تشكل قاعدة عامة. وهكذا، فإذا أردنا دراسة السوق وتموجاتها في وقت زمن آخر، فيجب وبالضرورة أن نعود إلى نفس النقطة التي بدأنا منها، فالعلاقة والقوانين المادية الملازمة لها هي نفسها وستبقى على حالها دون أي تحول نوعي، وسرعان ما بدأنا بالتحقق عن الأشياء والعلاقات أعلاه، سنعود إلى نفس القاعدة، ونمر عبر نفس القوانين المادية، فما التحول النوعي إذا؟ هل هو تحسين الوضع المعيشي لأقلية من أهل العمل بالمقارنة مع الأكثرية؟ ولكن سيظهر سؤال آخر هنا: هل يخضع هاتان المجموعتان لنفس القوانين المادية أم لا؟ وإذا كان الجواب: "نعم"، فهل ممكن أن تؤدي هذه القوانين إلى تدهور الوضع المعيشي للمجموعة الأولى وتحسين أقلية من المجموعة الثانية أم لا؟ فما التحول النوعي إذًا؟
في المرة القادمة، أي في الدوران القادم لرأس المال، يمكن أن يتحول كل شيء ضد المجموعة الأولى، ولصالح أقلية ضئيلة من المجموعة الثانية؛ فالقوانين المادية هي التي تحكم كل تموجات السوق، ولا تخضع لإرادتنا، بل تحكم علينا كليًّا ما دامت الأشياء تتحرك دون السيطرة الواعية المشتركة على الإنتاج الاجتماعي، فالدارات السنوية لرأس المال تنتهي، ودون أي معرفة مسبقة، بالارتفاع أو الانخفاض في الأجور والأسعار، والأزدياد أو الانخفاض في قيمة رأس المال المستثمر (ثـ + لـ)، والانخفاض في العرض، والازدياد في الطلب، أو بالعكس الارتفاع في العرض، والانخفاض في الطلب، وازدياد جيش العاطلين عن العمل، إلخ.
أما قوانين الديالكتيك الإلهي، أي الحقيقة المطلقة، فلديها مقابل كل هذه القواعد التي أشرنا إليها من خلال دراستنا، قوانين عقلية جاهزة، تشمل كل شيء، وكل علاقة، وكل الأشياء الطبيعية والاجتماعية دون استثناء، وفي كل مكان وزمان، كما يتصور الديالكتيكيون، فكم من السهل يا ترى أن نفسر كل شيء بوحدة الأضداد، والكم والكيف! ولكن أين فعل هذين القانونين عندما ينعدم الكيف داخل العلاقة التي تجري إجراء التجارب عليها، كما أثبتنا من خلال دراستنا؟

الخلاصة:

على عكس هيغل وتلاميذه، علينا أن نضع كل الأشياء المادية في قواعد، لكي نتحقق من علاقاتها المتداخلة وأصل قوانينها وتناقضاتها، فإذا درسنا مثلًا: العرض - الطلب - العرض، فلم ينته عملنا أخيرًا، إلا بالعودة إلى النقطة التي بدأنا منها، فإذا كان العرض يزيد على الطلب في المرحلة الأولى، والطلب يزيد على العرض في المرحلة الثانية، والعرض يزيد على الطلب في المرحلة الثالثة، فلا ندرس سوى نفس القانون، ونفس العلاقة، ونفس التناقض، فإذا قلنا: الكم – الكم - الكم، فلا نصادف أي وحدة كالوحدة السالبة الهيغلية، وقانون الكم والكيف الهيغلي، وبالأحرى لا يحدث أي تغير بالمعنى الديالكتيكي، فالعالم، الطبيعي والاجتماعي، يتحرك، ينمو، ويتغير ماديًا لا ديالكتيكيًا، فالوحدة المادية بين الأشياء لا الوحدة الهيغلية، أو الخير والشر، والحق والباطل، هي التي تؤخذ كأساس لكل بحث علمي، يستهدف اكتشاف القوانين الطبيعية والاقتصادية، فالحقيقة الديالكتيكية المطلقة، ليست سوى الأوهام اللاهوتية عن علاقة الخير والشر.
لذلك، عندما نتحدث عن مصدر المادية الديالكتيكية ومصدر المادية التاريخية، وتناقض منهجهما، فيجب أن نعود إلى التاريخ الذي يفصل بين الطريقة الديالكتيكية والطريقة العلمية. وهكذا، فيجب أن نسأل أنفسنا كما يسأل ماركس نفسه على الشكل التالي:

"علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نرى مبدأً ما ظهر في القرن الحادي عشر أو في القرن الثامن عشر ولم يظهر في عصر آخر، لذلك نحن مجبرون أن نفحص بدقة كيف كان الناس في القرن الحادي عشر، وكيف كانوا في القرن الثامن عشر، وماذا كانت حاجياتهم الضرورية وقواهم الإنتاجية ونوع إنتاجهم والمواد الأولية التي تستعمل للمواد الأولية - ماركس، بؤس الفلسفة".

فإذا سألنا أنفسنا: لماذا ظهرت الفلسفة الهيغلية في فترة تاريخية محددة وفي ألمانيا تحديدًا، ولماذا ظهر الاقتصاد السياسي في انجلترا وليس في ألمانيا، فنصل ببساطة إلى جواب الأسئلة التي نطرحها بصدد طريقة هيغل وطريقة ماركس. ودون الانطلاق من هذا السؤال، سنحول كل شيء إلى أمور غيبية، ديالكتيكية، إلى حقيقة مطلقة، ومن ثم إلى أشياء مقدسة، لأننا نحاول أن نجد جواب أسئلتنا في مخيلتنا لا في الواقع التاريخي، فالفرق بين ماركس وهيغل، هو أن الأول يبحث التاريخ وقوانينه داخل التاريخ ذاته، أما هيغل فيبحث التاريخ خارج التاريخ، أي في الديالكتيك الإلهي. أما لماذا ظهر علم الاقتصاد السياسي في إنجلترا وليس في ألمانيا، فلدينا سلفًا جواب هذا السؤال لدى ماركس: كانت البيئة الضرورية لهذا العلم غير موجودة في ألمانيا -انظر ماركس، رأس المال. وما هذه البيئة؟
هذه هي نقطة انطلاق كل بحث بخصوص التناقض الجذري بين منهج ماركس المادي، ومنهج هيغل الديالكتيكي.

أما لجوء الماديين الديالكتيكيين، على الأخص السياسيين السوفيتيين، وعلى رأسهم لينين، وستالين، إلى الديالكتيك، وتفسير كل شيء بالحقيقة المطلقة الديالكتيكية، وربط أطروحات ماركس الاقتصادية - التاريخية بالديالكتيك، ليس سوى محاولة لتشويه كل ما يمكن تشويهه من وجهات نظر المادية التاريخية، فكل من لينين وستالين يحاولون تفسير التاريخ المادي بالمنطق الديالكتيكي الذي يستند في الأساس على العمليات العقلية، وبالأحرى يحاولون "أن يوهمنا بأن تعايش الاشتراكية والرأسمالية أمر ممكن خلال قانون وحدة الأضداد، والاشتراكية تحدث نتيجة التراكمات الكمية، والشيوعية ليست سوى التحول التدريجي من البرنامج الحد الأدنى إلى البرنامج الحد الأقصى - انظر مادية لينين مادية ميكانيكية، الحوار المتمدن".

وفي الأبحاث القادمة حول تاريخ الديالكتيك، والاشتراكية السوفيتية في الواقع التجريبي، سوف نحاول تبيين المزيد من التناقض بين المنهج الديالكتيكي والمنهج المادي.



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -4
- فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -3
- فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -2
- فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -1
- الحركة الكردية: من نزاع البارزاني والطالباني، إلى نزاع الطال ...
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (6)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (5)
- كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (3)
- كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (2)
- مادية لينين مادية ميكانيكية -5
- مادية لينين مادية ميكانيكية -4
- مادية لينين مادية ميكانيكية -3
- مادية لينين مادية ميكانيكية -2
- مادية لينين مادية ميكانيكية -1
- كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (1)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (4)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (3)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (2)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (1)
- حول ملاحظات قوجمان الدِّياليكتيكية


المزيد.....




- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -5