أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تقي الوزان - بين زمنين














المزيد.....

بين زمنين


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 19:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عام 1991 , وأثناء عملية تحرير الكويت من قبل القوات الأمريكية وحلفائهم , كنا في كمب للاجئين في السويد . كنا نحاول ان نوضح للآخرين من غير العراقيين حجم الظلم الذي انزله النظام الصدامي بالكويت , وقبلهم العراقيين والإيرانيين . تصدت لنا مجموعة من اللاجئين العرب , كانوا يقدسون صدام , واخذوا يتعرضون لنا , وتدخلت إدارة الكمب لإيقاف تجاوزهم علينا . وبعد أيام عرضت التلفزيونات فيلم يظهر فيه جندي عراقي أسير يقبل بسطال الجندي الأمريكي , واخذ الأخوة العرب يتجاوزون علينا أكثر , واعتدوا على احدنا بالضرب المبرح , لكوننا جبناء نقبل البسطال الأمريكي ولم ندافع عن الوطن , ويقصدون صدام . لم يدركوا ان اغلبنا من بيشمركَة الحزب الشيوعي , وقضوا أجمل سنوات عمرهم في معارضة النظام الصدامي , وتحملوا مع عوائلهم كل صنوف العذاب والموت كي لا يصل الهوان بالعراقي إلى هذا الحد , واضطرت إدارة الكمب لإبلاغهم بانهم سيسفرون الى البلدان التي قدموا منها ان هم كرروا اعتدائهم علينا .

لم نتبرأ من الجندي العراقي المسكين , وحاولنا إفهام الآخرين مدى انسحاق هذا الجندي من قبل آلة الإرهاب الصدامي , كانت المرارة تسحقنا , والذل يلجم أفواهنا , كنا ندافع باستماتة لكي نوقف نزيف كرامتنا , آلاف السكاكين الصدامية والأمريكية تنغرس في قلوبنا وسط ذلك الظلام الدامس , لا نرى علاماتها , نفرق بينها من شدة الطعنة , وكلما كانت الطعنة أعمق , وأكثر تمزيقا , ندرك إنها طعنة بعثية . لا احد يلومنا , استنزفت كرامتنا , ولم يبقى ما نفاخر به غير الذل والامتهان , ولو جاء كَلكَامش لضحكوا عليه , واخبروه : بأنك لو كنت بعثيا لما سرقت الأفعى منك أعشاب الخلود , ليس المهم ما سعيت لأجله , بل ماهو بين يديك . كيف السبيل لإفهامهم بمحنة كَلكَامش ؟! كيف يفهمون ان سبب بلائنا هو بحيرات النفط تحتنا , وليس لديهم عشر خيراتنا , ولكننا نهرب إليهم ونلوذ برحمتهم من سطوة أبناء جلدتنا , كيف يدركون ان كل أنهارنا ومياهنا لن تتمكن من إزالة الأوحال التي لصقت بكرامتنا , وجعلت منها عورات نخجل من إظهارها . عرضت لقطات الجندي عدة مرات , ثم رفعت ولم تعرض بعدها , لإدراكهم ما تسببه من الم , لحجم الامتهان من كرامة البشر .

صباح يوم الانتخابات في 7 آذار , عرضت فضائية العربية لقطات عنونتها : أول رجل ينتخب في البصرة , لألفات النظر أكثر في التركيز عليها , وقطعا انه لم يكن اول المنتخبين , لان المسئولين يدفعون آلاف الدولارات للقنوات الفضائية كي يحضون بأبهة الناخب الأول الفاشوشية . كان قد قارب السبعين من العمر , يلبس العقال , وسترة عتيقة متربة , والضعف واضح في نظراته , وتكسر صوته . كان يشكو بمرارة وألم من ضعف الحال , ويتوسل المسئولين على ان يمنحوه المساعدة الشهرية الشحيحة كل شهر , وليس كل ثلاثة اشهر . ويسأل : من أين نأكل ؟! وانحنى على الميكرفون وقبله بتوسل . أثارت هذه أللقطات العار الذي شعرنا به ونحن نشاهد الجندي العراقي قبل ما يقارب العشرين عاما .

هل يدرك الساسة العراقيون , وبالذات من استلم , ومن سيستلم السلطة الآن , ان : لا فرق بين البسطال الأمريكي وبين مايكرفونات قنوات العهر والفضيحة العربية , ومثلما عرضت أللقطة الأولى عدة مرات ورفعت , عرضت قناة العربية أللقطة الثانية عدة مرات ورفعتها أيضا , لنفس السبب . فهل يدرك هؤلاء السياسيون : ان نتيجة البؤس العراقي واحدة , ومن لا يرتضي مقارنته بصدام عليه العمل بجد لإزالة أسباب هذا البؤس . هؤلاء ليسوا منافسين لكم , او خصوم سياسيين , حتى تجري محاصرتهم بعيشهم وكرامتهم , انهم الرايات التي تكشف عن سفالة الحكام العراقيين , هذه العلامات لايمكن إزالتها بدهون المكياج والعطور , بل تحتاج الى عمليات جراحية لكي تستأصل وتمحى آثارها الى الابد.



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعيون وفرح اعلان قائمتهم
- من الذي يؤمن بالدستور والعراق الفيدرالي ؟
- الضياع في كسب السلطة
- علي خليفة والاستعارة من التاريخ
- بين الواقع والكلام
- حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير
- استعدادات مبكرة للأنتخابات
- القوى الديمقراطية العراقية والحراك المشتت
- من يضمن استقلال المالكي ؟
- واخيرا سينتهي الفساد
- 9 نيسان وبوصلة اللحظة التاريخية
- أحد بوابات سدة الكوت
- تداعيات ما بعد الانتخابات
- احداث من الزمن المنكوب
- شهادات تأبى النسيان
- المسرحية
- عمودي بحر العلوم وآية الله عجعوجي
- وقائع لاتبغي التوثيق
- الرسالة الاولى
- زوايا من زمن الطاعون


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تقي الوزان - بين زمنين