أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - مذكرات طفل محاصر ( البرتقال )














المزيد.....

مذكرات طفل محاصر ( البرتقال )


بثينة رفيع

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


لا أستطع أن أرى غزة بدون برتقالها .. أو أتخيل أن تخلوا أسواقها منه .. لا لأني أحبه فقط ، بل لالتصاقه بذاكرتي التصاقاً غرسته أمي بمخيلتي الصغيرة وهي تروي لنا قصص غسان كنفاني عن فلسطين وبرتقالها وأشجارها العاشقة لهذا التراب ، ولأن أمي توصيني دوماً ألا أصدق كل ما أسمعه لم أكتفِ بما روته لي فقمت باستعارة روايته أرض البرتقال الحزين من مكتبة المدرسة وحفظتها بكل تفاصيلها ، كنت أشعر بالتمييز دوماً بحبي للبرتقال ، أقضي أوقاتاً طويلة تحت الشمس الحارقة أستمع لأصوات الباعة تنادي عليه بكل أسمائه .. أما بيارات البرتقال القريبة من بيتنا فقد كانت ملاذي بعد انتهاء الدوام المدرسي ، حتى بعد تجريفها في الاجتياح الأخير ظلت رائحتها عالقة بروحي .. بكيتها بكاءً مراً وكأنها اقتلعت من داخلي ، لم أكن أكتفي بحبة واحدة وكثيراً ما كانت أمي تجد صعوبة بتوزيعه علينا عندما نمر بأيام عصيبة فتخبئ لي حصتها منه وتضعها خلسة بخزانة ملابسي دون علم إخوتي وهي تحتضنني بدفء لطالما أشعرني بالأمان في الليالي الطويلة المظلمة .. بيتنا مثل دخل والدي أبسط مما تتخيلون ولولا اعتمادنا على ما تقدمه لنا وكالة الغوث من مواد غذائية كل أكثر من شهر لقتلنا الجوع فالجوع أبو الكفار ، هذا ما كان يردده أبي دوماً ، أذكر أني سألته يوماً هل للجوع أطفال ؟؟ فابتسم بأسى وهو يضمني لصدره قائلاً : وله أحفاد أيضاً يا بني ، لا تعجبوا أنا أيضاً برغم حداثة عمري أعرف من أبي صاحب تلك المقولة ، أبي مثقف وقارئ جيد لكن ذلك لم يحمه من عثرات الزمن وغدره إذ فقد دخله بين ليلة وضحاها مثل كثير من العمال والموظفين ، فالحصار أصابنا جميعاً بأمراض يصعب شفاؤها ، وأصبحت عائلتي لا تملك شيئاً سوى كيس طحين تكور بزاوية بيتنا مثل الفاجعة وصرنا نتدبر ما نأكله يوم بيوم بصعوبة لا تتخيلونها .. إلى أن جاء اليوم الذي كرهت معه البرتقال واللون البرتقالي ، أوقعني المرض ونال مني والحمى أكلت عظمي .. رغم فقرنا وعوزنا لم تهملني أمي أحضرت لي الطبيب واشترت الدواء من مصروف البيت فالحصار ضيع عليها كأترابها من النساء فرصة ادخار ولو مبلغ بسيط لمثل هذا الظرف الطارىء ، وبوقت قصير نفذت نقود أمي .. ولأنها لم تعتد الاستدانة من أحد باعت آخر ما تبقى في يدها من حلي .. خاتم زواجها .. تمنيت يومها لو أني مت أو ذبت أو ابتلعني الهواء وتلاشيت ، لا أستطع أن أصف لكم مقدار خجلي من نفسي ومن أمي أكثر وهي تضع حبة برتقال في يدي كنت ألح على طلبها أثناء مرضي ، انهمرت دموعي لا أدري كيف بكيت بحرقة لم تعهدهما عيناي نظرت لوجهها دون أن أحرك شفتي ، ألجمتني الصدمة عن الحركة ليس فقط لأن أمي باعت آخر ما تملك من حلي لتشتري لي البرتقال ، بل لأنها زرعت بوجداني أن المرأة الفلسطينية كانت تبيع حليها ليقتني بثمنها زوجها أو ابنها بندقية هي بمثابة هويته الأخيرة يفخر بها ويصادقها وتكفل له الالتحاق بالمقاومة ، وهاهي أمي تخلت عنه لإطعامنا فقط ، فأي زمن بشع صادر وعينا وأحلامنا .. من يومها لم أعد أقترب من البرتقال ، لكن رائحته لم تغادرني لا زالت تعانقني باستحياء تارة وبشموخ في أوقات كثيرة .. لكنه شموخ ظل أصغر من بقع دم على غلاف رواية غسان كنفاني كانت تسيل من يد غُرست في سلك شائك وهي تحاول التقاط برتقالة من أرض البرتقال الحزين .



#بثينة_رفيع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين السلام والحرب‏
- من مذكرات طفل محاصر ( لن أنساك يا صديقي )
- ذاكرة بحر
- ورقةٌ من غزّة
- عائدةٌ من حيثُ لم أذهبْ
- لماذا يا أبي
- ظلالُ رحيلٍ
- لوحةٌ فلسطينيةٌ ليستْ للذكرى
- مرافئُ جرح
- المسافة بين معبر رفح والحوار الوطني
- في زمن الردة
- تراب يواسيك
- حديد عتيق لأطفال فلسطين
- عام من الحصار
- عندما تنام دمشق
- اليسار الفلسطيني بين التبعية والتهميش
- فلسطين .. مساحة من دماء
- حزيران ذاكرة جرح لا يموت
- الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بثينة رفيع - مذكرات طفل محاصر ( البرتقال )