محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 2936 - 2010 / 3 / 6 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لست من أهل الاختصاص في المسائل الفقهيّة و لكن موضوعات خطبة الجمعة دينيّة و دنويّة لذا فقد رأيت من واجبي الكتابة في الجانب الدنيوي منها مشاركة في الارتقاء بالمستوي العلميّ للخطبة.
أبدأ بتقديم معلومات حول خطبة الجمعة أستقيتها دون بحث طويل و دون تفضيل من موقع في الأنترنات عنوانه " خطبة الجمعة و دورها في تربية الأمّة" للدكتور عبد الغنيّ أحمد جبر مزهر الذي يقول فيها الآتي :
"تتميّز خطبة الجمعة بالإستمرارية و التكرار في كل أسبوع, ففي العام الواحد يستمع المصلي لاثنين و خمسين خطبة, و هذا يمثّل مساقا دراسيا كاملا, فإذا أحسن إعداده كانت آثاره جليلة و ثمراته عظيمة (...) تتميّز بتنوّع الحاضرين إليها, باختلاف مستوياتهم و طبقاتهم العلميّة و الإاجتماعيّة (...) من مقوّمات الخطيب علمه و ثقافته (...) المناسبة (الحدث) لها أثر كبير في تحديد المنطلق الرئيس لموضوع الخطبة (...) لا بد للخطيب أن يقصد هدفا محدّدا بالذات من خطبته, و هذا يجعله لا يصعد المنبر بصورة تلقائيّة رتيبة ليقول ما يخطر على باله و خطبة الجمعة, هدفها النهائيّ الموعظة و تربية الأمّة (...) و من الأمور التي تساعد الخطيب على إعداد الخطبة و اختيار الموضوعات المؤثّرة : الأحداث اليومية و الأخبار التي يسمعها و ما يقرؤه في الصحف و المجلاّت و ما قرأ من الكتب و المؤلّفات و مسائل الناس و مشكلاتهم التي يسالونه عنها و يطلبون رأيه فيها (...) و من المفيد أن يتمّ اختيار الموضوع في بعض الأحيان بناء على استشارة عدد من المصلّين الذين يحضرون خطبه غالبا".
لنترك جانبا الإمام الكلاسيكي المختصّ في الدين و هو موظّف قار و لن أتدخّل في دوره لأني غير مختصّ في الدين و أقترح, في كل جمعة وبعد تنسيق و إعداد مسبق, استدعاء متدخّل من بين المواظبين على الصلاة – يكون تحت إشراف الإمام و محل ثقته – و من الأفضل أن يكون مختصّا في العلم و متطوّعا غير قار لأن "من مقوّمات الخطيب علمه و ثقافته" و العلم و الثقافة مجموعة إختصاصات لا يمكن أن يلمّ بها و يتقنها شخص واحد لا سيّما في عصرنا هذا و لا يعقل أن يصمت المصلّي المختصّ و هو يسمع الخطيب غير المختصّ يشرح و يحلّل و يعظ و يرشد في "مسائل الناس و مشكلاتهم (الدنيويّة) التي يسألونه عنها و يطلبون رأيه فيها".
على سبيل الذكر لا الحصر, أسوق أمثلة تجسّم الموضوعات الدنيويّة التي يرجى أن يتدخّل فيها الضيف:
1. ما أحوجنا كلنا لتوصيات خطيب مختصّ في كتابة عقود البيع و الشّراء و نحن معرّضون يوميا للاحتيال.
2. في افتتاح السنة الدراسية, نأتي بخطيب مختصّ في علوم التربية يشرح للناس كيفيّة تهيئة ابنائهم لعام دراسي ناجح.
3. بمناسبة الأزمة الماليّة العالميّة نستدعي خطيبا خبيرا في الشؤون الماليّة يشرح للناس الأسباب و النتائج.
4. اثر انتشار مرض معيّن في العالم أو في البلاد, نرحّب بخطيب طبيب في الجامع يطمئن الناس و ينصحهم بما يجب فعله في مثل هذه الظروف.
5. في موسم الحج, ندعو خطيبا مختصّا في الطبّ الوقائيّ يشرح للمرشّحين للحج فوائد التلقيح و اتّقاء الحر.
6. قبل رمضان, نستقدم خطيبا مختصّا في التغذية يحذّر المرضى كبار السن و المعذورين شرعيا من مخاطر الصوم على صحتهم و على صحة من يقوم عليهم.
7. قبل فصل الصيف و كثرة حركة السيارات, يفيدنا بعلمه و تجربته خطيب خبير في حوادث الطرقات.
8. قبل موسم الأفراح, ينبئنا خطيب خبير في التلوّث الصوتيّ عن مضارّ ضجيج الاحتفالات.
9. في اختتام السنة الدراسية, نستضيف خطيبا عالم نفس يفسر للأولياء أسباب النجاح و الفشل الدّراسي و كيفيّة التعامل مع أبنائنا في كلى الوضعيّتين.
لقارئ أن يرد و يقول : "هذه موضوعات محاضرات علميّة مختصّة تلقى في دور الثقافة و الجامعات".
ما الضّرر لو يصبح "جامعنا" دار دين و منارة علم في نفس الوقت.
بالله عليك تصوّر و احلم معي, و لو للحظة, بالفائدة التي ستحصل لمواطن مسلم مواظب على خطبة الجمعة (و من المصلين من لا يرتاد دور الثقافة لانشغاله بعمله و منهم من لم يسعفه النظام التربوي و ظروفه الخاصّة في الوصول للجامعة) عندما يتلقّى اثنين و خمسين تدخّلا علميّا و لو لعشر دقائق في مجالات مختلفة خلال سنة على يد مختصّين "و هذا يمثل مساقا دراسيا كاملا" تتخرّج منه أجيال و تستفيد.
و لقارئ آخر أن يحتجّ و يتمسّك بتراث السلف الصالح فلا يريد تغييرا.
في العصور الماضية كانت العلوم قليلة و اجتماعها في إمام واحد ممكن و ترسيخ العقيدة كان يشغل بالهم أكثر من المسائل الدنيويّة و العلميّة.
أنا لا أدّعي أن هذه التدخّلات سوف تعوّض محاضرات الجامعة أو دروس المعهد و هذا غير ممكن عمليّا "لتنوّع المستمعين اليها, باختلاف مستوياتهم و طبقاتهم العلميّة و الاجتماعيّة" و لقصر زمن الخطبة.
لو طبّقت هذه المبادرة فسوف ترسي ثقافة شعبيّة سمعيّة نفسيّة و تربويّة و صحيّة و حقوقيّة - مبسّطة لكن صحيحة لأنها صادرة عن مختصّين – نحن في اشدّ الحاجة اليها خاصّة في مجتمع ابتعد كثيرا عن القراءة و الثقافة.
تفتح هذه المبادرة المجال للعمل الخيريّ و تؤسّس لنمط جديد من التطوّع العلميّ يعطي فرصة لأصحاب المعرفة - و جلهم فقراء في بلادنا - حتى يتصدّقوا بما يملكون و العلم هو الكنز الوحيد الذي يزيد كلما أنفقت منه.
خلاصة القول : عزيزي القارئ, أنا لست داعية دينيّا و لا سياسيّا, بل أنا مواطن بسيط مثلك أعرض عليك وجهة نظري المتواضعة جدّا و المختلفة جدّا عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها باضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن رفضتها فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟