أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حسن خضر - مصر - -‏أحوال المرأة في الإسلام-‏ لمنصور فهمي.. الكتاب الممنوع بين كتابات تحرير المرأة















المزيد.....

-‏أحوال المرأة في الإسلام-‏ لمنصور فهمي.. الكتاب الممنوع بين كتابات تحرير المرأة


حسن خضر - مصر

الحوار المتمدن-العدد: 2936 - 2010 / 3 / 6 - 03:52
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تيارا الإصلاح الرئيسيان:

كان لانتشار التعليم أثر قوي في الارتقاء بالحياة الاجتماعية وتطورها، في مصر أواخر القرن التاسع عشر أوائل القرن العشرين‏,. حيث لعب التعليم دورا مهما علي وجه الخصوص في تغيير نظرة المصريين الي المرأة ـ الزوجة، كشريك في الحياة,‏ وقل تعدد الأزواج بين النخب المتعلمة والمثقفة آنذاك‏,‏ بالرغم من أنه ظل عادة طبيعيه بين الأثرياء والباشوات‏.‏ وبفعل هذا التغير النوعي البطيء‏,‏ اتجه كثير من المصريين نحو تعليم فتياتهم‏. ولا يمكن إغفال دور الخديو إسماعيل (1830- 1895) في دفع وتحفيز ودعم بذور النهضة المصرية في كثير من المجالات‏,‏ مدفوعا برغبه الاستقلال عن تركيا والوالي العثماني‏,‏ تلك الرغبة التي ورطته في علاقة مع أوروبا كانت الباب الأول المفتوح أمام التدخل الأجنبي في مصر‏.‏
وقد أسهمت المرأة المصرية بنصيب وافر في نهضة بلادها الاجتماعية والسياسية والأدبية.‏ ونذكر- مثالا لا حصرا- السيدتين زينب فواز‏‏ وعائشة عصمت تيمور‏, اللتين كانتا في طليعة النهضة بين بنات جنسهما‏.‏ كما أننا لا نستطيع فصل لعب المرأة لبعض أدوارها الحقيقية في مشاركة الرجل‏,‏ عن الأدوار التي لعبها الرجال من رموز النهضة ورواد التنوير أنذاك‏,‏ كي تستطيع المرأة المصرية- عموما- الحصول على بعض حقوقها المدنية والشرعية.‏
وهنا نذكر تيارين رئيسيين‏,‏ تبلورا فكريا في محاولة الإجابة عن أسئلة التحديث والتطور‏,‏ انطلاقا من الإقرار بالواقع المتخلف الذي كانت تعيشه مصر آنذاك‏:
التيار الأول‏:‏ ليبرالي. انطلق في مشروعه التنويري النهضوي متأثرا بالأطياف الموجَبَة للخطاب الحضاري المصاحب للاستعمار، وبعلاقات مفاهيمية وعلمية‏,‏ ومشاهدات حية، مع الثقافات الأوروبية‏‏ وحياة الأوروبيين‏. ومن أهم رموز هذا التيار رفاعة الطهطاوي (1801- 1873)‏ وأحمد فارس الشدياق‏ (1804- 1888)‏ وقاسم أمين‏ (1863- 1908),‏ وغيرهم ممن نادوا بضرورة تعليم المرأة‏,‏ وتحرير إرادتها، وتقريب الفروق بينها وبين الرجال‏,‏ من دون أن تحمل رؤاهم قطيعة مع التراث العربي الإسلامي ووضعية المرأة فيه‏.‏
التيار الثاني‏:‏ تيار تجدد معه الخطاب الديني‏,‏ وتداخل في خطابه السياسي بالاجتماعي‏ والقديم بالجديد‏,‏ في محاولة من مفكريه للإجابة عن سؤال التحديث من داخل بنية الفكر الديني نفسه‏. وكان على رأس هذا التيار جمال الدين الأفغاني ‏(1839-1897) ومحمد عبده ‏(1845- 1905)‏ الذي أسس على ما بدأه الأفغاني‏,‏ دون قطيعة مع التراث أيضا‏.
ولقد التقى هذان التياران- على الرغم من الخلافات المنهجية بينهما حول رؤى الإصلاح- التقيا على عدم القطيعة مع التراث الإسلامي، وعلى ضرورة النهضة والتحديث الاجتماعي والديني‏,‏ في مواجهة التحولات الحضارية الفارقة التي مثّل الغرب فيها نموذجا للإلهام والتحدي معا‏,‏ ولهدف آخر يكمن في تجديد الخطاب الديني بغية ضمان استمراريته وهيمنته‏.‏

عمل المرأة ودورها الاجتماعي‏:

ونود هنا الحديث عن التيار الليبرالي ونظرته الى قضية تحرير المرأة‏,‏ لأن كتابنا ‏«‏أحوال المرأة في الإسلام» للدكتور منصور فهمي أدخل الى هذا السياق منه الى غيره‏، وهو موضوع أطروحته لنيل درجة دكتوراه الفلسفة من جامعة السوربون.
لقد ربط الطهطاوي بين تحلي المرأة بالفضيلة وبين خروجها الى العمل‏,‏ فيقول‏:‏ "فكل ما تطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن‏,‏ وهذا ما من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة,‏ فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل‏,‏ فالعمل يصون المرأة عما لا يليق‏,‏ ويقربها من الفضيلهة..‏ وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال‏,‏ فهي مذمة عظيمة في حق النساء". وقد أثنى على المرأة الأوروبية‏,‏ وعلى الروابط الاجتماعية هناك‏,‏ متحدثا عن تمسكها بـ "العِرض" الذي يسمونه في الشرق "الشرف"، ويقسمون به في الملمات. ونفى ادعاءات ساذجة شاعت عن أن التمدن الغربي ومشاركة المرأة الرجل في الحياة والعمل تدفعها الى الرذيلة.‏
وفي هذا الإطار يمكن اعتبار كتابه "المرشد الأمين لتربية البنات والبنين" الصادر في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر‏,‏ هو أول كتاب يحمل بناء فكريا شبه متكامل، يقوم به مفكر عربي، لقضية تحرير المرأة في العصر الحديث‏ الذي بدأ مع محمد علي‏ (1769- 1849).‏
أما قاسم أمين، فقد كان يؤمن بحتميه تكرار القوانين التي حكمت التطور والرقي الأوروبي‏,‏ هنا في مصر‏,‏ انطلاقا من إيمانه بـ "وحدة" هذه القوانين‏.‏ إن قاسم أمين الذي كان قد قرأ نيتشه‏,‏ وداروين‏,‏ وماركس‏,‏ استخدم منهجا إصلاحيا اجتماعيا‏,‏ ولم يكن طموحا فيما طالب به من حقوق ومكانة للمرأة قياسا الى منصور فهمي في كتابه الممنوع، وقياسا الي ما حققته المرأة الآن‏,‏ وإن كان تخلفها عن ميادين أخرى سياسية ومدنية قرين تخلف بنية المجتمعات العربية عموما‏,‏ لا بسبب قصور خلقي‏,‏ أو ذهني‏,‏ أو بدني في المرأة‏.‏
لقد خص قاسم أمين المرأة بخطابه في كتابيه ‏(‏تحرير المرأة، ‏1899)‏ و‏(‏المرأة الجديدة،‏1900),‏ بوصفها الوسيط التربوي الذي يمكن للمجتمعات عبر تعليمه وتوعيته أن تعوّل عليه في لعب دور في التنشئة الجديدة، وفي التحول المنشود نحو التحديث والنهضة.‏ لذلك، فقد أولى أمين الأسرة ‏(‏ البيت- العائلة‏)‏ اهتماما كبيرا في خطابه الخاص بتحرير المرأة‏,‏ حيث عقد صلاح الأمة على صلاح النساء، وتحقيقهن مشاركة الرجال‏.‏
وهنا يتميز قاسم أمين، بتخصيص جل اهتمامه لقضية المرأة في إطار الإصلاح التربوي الاجتماعي‏,‏ دون غيره من مفكري الإصلاح‏.‏ وهي الخصوصية الفكرية التي جعلت بين تحرير المرأة وذكر اسمه‏,‏ أو استدعائه ارتباطا شرطيا‏,‏ فقضية تحرير المرأة وردت لدي مفكرين آخرين ضمن قضايا نهضوية عديدة‏.‏

منصور فهمي‏: القطيعة مع التراث

ولد منصور فهمي (1886- 1959) في إحدى قرى المنصورة,‏ لأسرة ميسورة الحال، وعلى قدر ما من الجاه‏.‏ حفظ بعض سور القرآن الكريم في كتّاب‏ القرية,‏ لينتقل الى مدينة المنصورة ليكمل تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة ليحصل على شهادة البكالوريا من إحدى المدارس الفرنسية عام 1906 ثم يلتحق بمدرسة الحقوق. وبعد عامين من الدراسة بها تم تأهيله مع عدد من زملائه للتدريس بالجامعة التي أنشئت عام 1908 ثم سافر إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة من السوربون. كانت أطروحته للحصول على درجة الدكتوراة لها صدى واسع وهي "أحوال المرأة في الإسلام" عام 1913 تحت إشراف أستاذ فرنسي من أصل يهودي هو ليفي برول.
على إثر هذا الجدل الذي أحدثته جذرية أطروحته، مُنع منصور فهمي من التدريس بالجامعة المصرية آنذاك بعد عمله بها لمدة عام. ولم يعد إلى التدريس في الجامعة، إلا بعد ثورة 1919 وذلك في العام 1920. وقد تدرج في عمله الجامعي إلى أن كان عميدا لكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم أختير مديرا لدار الكتب المصرية، ثم مديرا لجامعة الإسكندرية، إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1946. وكان فهمي عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ إنشائه، وانتُخب كاتب سره، وظل بهذا المنصب حتى يوم وفاته.
وإن كان قاسم أمين قد نال "قدرا من اللوم اللفظي"‏,‏ على حد تعبير المفكر المصري نصر حامد أبو زيد‏,‏ فإن منصور فهمي "لاقى حرمانا من حق التوظيف نتيجه الهجوم الذي شنه عليه التقليديون"‏,‏ حيث عاد منصور فهمي ليدرس بالجامعة المصرية‏,‏ ليجد نفسه محروما من هذا الحق الطبيعي‏,‏ حيث اتهم من قبل البعض بمعاداة الدين الإسلامي‏، حتى أن بعض الصحفيين الذين لم يطّلعوا على كتابه الذي لم يكن قد نُشر بغير الفرنسية,‏ قاموا بتحريض الناس عليه‏,‏ اعتمادا على تقرير قُدّم الي الجامعة يشكك في "نوايا" منصور فهمي تجاه الشريعة الإسلامية، اعتمادا شكليا على اسم الرئيس العلمي لأطروحته، المفكر اليهودي وأستاذ الفلسفة ليفي برول الذي أشرف على أطروحته آنذاك‏.‏ فانزوى فهمي بعيدا عن الأنظار محتملا جميع الضغوط النفسية والمالية والاجتماعية الرهيبة لمده تقارب السبع سنوات‏,‏ حتى عاد الى التدريس في الجامعة,‏ لكن بعد أن كانت جذوة ذهنه العلمي المتقدة,‏ قد خبت‏. ولم ينتج‏,‏ أو يشارك في الشأن العام‏,‏ ولم ينشر بالإضافة إلى أطروحته التي صدرت بالفرنسيّة في باريس، إلا كتابا واحدًا هو "أبحاث وخطرات، دار المعارف، القاهرة 1930".. وهو فصول أدبية وفلسفية نشرها في الصحف ثم جمعها في هذا الكتاب. واضطر إلى انتقاد أطروحته بعد ذلك في عدد من المقالات.

منهجه في البحث‏:

والحق يقال إن مساهمة منصور فهمي "أحوال المرأة في الإسلام" إنما تعيد الى الذهن الميراث الفكري الاعتزالي الذي تحتل فيه المرأة وضعية خاصة,‏ مقارنة بوضعيتها لدى أصحاب التيار السلفي التقليدي‏. لم يكن منصور فهمي إصلاحيا بالمعنى السابق‏,‏ حيث يقدم في كتابه استقراء تاريخيا لأحوال المرأة قبل الإسلام وبعده‏,‏ ناقضا الأسس التاريخية والاجتماعية والدينية التي انبنت عليها وضعية المرأة العربية عبر مراحل تاريخية عديدة.‏
لقد مايز فهمي في تناوله وضعية المرأة في الإسلام، بين الديني والدنيوي وبين الروحي والزمني‏,‏ وفق منهج سوسيولوجي‏,‏ يتبنى بشكل كلي منهجية علم الاجتماع التي تؤدي بالبحث الى استنباط نتائج حقيقية.‏ وقد تأثر فهمي كثيرا هنا بأداء دور كايم‏. وقد توصل فهمي عبر هذا المنهج الى نتائج جريئة وصادمة للحساسية الدينية,‏ والعادات والتقاليد الشرقية الراسخة‏,. فهو مثلا لم ينظر الى الماضي نظره التقديس الملازمة لكل بحث ينطلق من فكرة أن ذلك الماضي هو "ماضيه" الذي ينتمي إليه‏,‏ ومن ثم يجب إضفاء نزعة القداسة عليه عند بحثه وتداوله علميا‏.
وهنا رأى فهمي أن هذه النزعة قد أضفتها الطبقات العربية المهيمنة طوال تاريخها‏,‏ لخدمة مصالحها التي يستمر استقرارها وتناميها ورسوخها باستمرار حراستها للماضي والظهور بمظهر المدافع عنه‏. مشيرا الى أن التقليديين كانوا دائما "لا يخافون عدم التدين"‏,‏ فهو بادٍ بشكل يومي وعبر تجليات عديدة,‏ فردية ومؤسسية، "إنما يخيفهم إعلان عدم احترام المناخ العام المحيط بالتدين". وهي الحقيقة الجارحة التي جعلته يبدو في نظر هؤلاء وقحا‏,‏ وارتكب جرما وهرطقة.
لقد أخضع منصور فهمي كل الظواهر الاجتماعية والثيوقراطية التي تخص وضع المرأة آنذاك‏ الي التحليل التاريخي‏.‏ فربط بين الواقع الاجتماعي للعرب قبل الإسلام والنظام الأبوي ‏(‏القبيلة- العائلة)‏ وبين أوضاع المرأة.‏ وقد طبق المنهج نفسه‏,‏ وفق رؤية اجتماعية زمنية,‏ على النصوص القرآنية المتعلقة بالمرأة وحقوقها وواجباتها‏,‏ أي أدوارها الاجتماعية.
ويتطرق الى قضايا عديدة، مثل تعدد الزوجات، مستعرضا علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرأة، والتي كانت مضرب المثل للزوجات الأخريات عند حدوث خلافات بينهن وبين أزواجهن‏,‏ مشيرا الى ما تحلّى به الرسول الكريم من لطف ورقّة وعطف في معاملتهن‏. حيث يدخل فهمي عبر كتب السيرة والحديث والوثائق التاريخية الى عمق حياة النبي‏,‏ في بيته‏,‏ ووسط زوجاته. ويدرس عزلة المرأة في علاقتها بالمفاهيم الثيوقراطية التي ترى المرأة ضمنًا "موطن الشرور والخطيئهة".
ولا غرو أن تكون "حواء" في هذا السياق، رمزا أوليّا مبكرا للخطيئة,‏ لايزال يدور في الأذهان المتخلفة بصور شتى ضمنية وصريحة‏,‏ وفي مواقف اجتماعية معاصرة عديدة.‏ ويُرجع فهمي عزلة المرأة آنذاك أيضا إلى البناء الاجتماعي الذكوري البطريركي الذي رسخه الإسلام بمنطق "القوامة‏",‏ كما يناقش قضية الحجاب والسفور‏,‏ مشيرا الي الجذور الاجتماعية الأولى- غير العربية- للحجاب‏,‏ ومؤكدا على أن الإسلام سمح للمرأة بظهور وجهها ويديها‏,‏ بينما لا يسمح لها بذلك الآن في بعض الدول العربية,‏ وهو ما يدفع المرء الى التعجب والسؤال‏.‏
ويؤكد منصور فهمي في مقدمة كتابه على أنه "وُلِد مسلما ونشأ في وسط مسلم"‏,‏ وأنه قد اكتسب "المناهج الضرورية للبحث الدقيق"، بمعاونة الأستاذ القدير ليفي برول"‏.‏ كما يقول أيضا إن بحثه يتوخى الحقيقة ولا شيء آخر. ويقر بأن الذهنية النقدية التي وجهت آليات البحث نحو نتائجه العلمية الأخيرة,‏ قد "سبّبت نوعا من العتاب من أهلنا‏..‏ هولاء المسلمون الذين يحفظون احتراما دينيا للتقاليد‏,‏ ونحن أردنا أن نكون صادقين في عملنا، رغم إحساسنا بالتمزق من فكرة جرح أو أذى الضمير المقصود لهولاء العزيزين علينا"‏.‏
يستنتج فهمي من مصادره التاريخية الوقائع الضرورية للإمساك بخيط العلاقات فيما بينها‏,‏ مشيرا الى عدد من الصلات التي تربط بين عزل النساء ونظام العبودية,‏ للتمييز بين حرائر النساء وبين الجواري منهن‏. ويرصد التأثير الاجتماعي لسلوك العرب قبل الإسلام في تكوين المؤسسات الإسلامية، وفي طبيعة تصورها للمرأة؛ معتمدا على العديد من المعطيات السوسيولوجية والثيوقراطية‏,‏ حيث يعود الى التاريخ العربي قبل الإسلام، للبحث في تلك المعطيات للتنوير عن وضع المرأة في عصر النبوة,‏ وما تلاه من عصور إسلامية‏.‏
وهو هنا يعتبر ذلك التاريخ القديم رواقا تمهيديا، أو مدخلا الى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ وخلفائه الراشدين‏.. وحول ثورية الإسلام الذي غير وجه الجزيرة العربية بمجيء محمد,‏ حيث يرى فهمي أن هذه الثورة التي انتقلت بالمجتمع العربي‏,‏ سارت في اتجاهين‏:‏
الأول‏:‏ هو الرغبة في تدمير الماضي كله.
الثاني‏:‏ الرغبة في الحفاظ على الشواهد.
وهو- في رأيه- ما مثّل نزعة ثنائية لازمت العديد من الأعمال الإسلامية,‏ وأثرت في صياغة العديد من أفكاره المؤسِّسة‏,‏ في ظل مجتمع عربي تلعب العائلة والقبيلة فيه دورا رئيسيا‏,‏ وبه كثير من العادات والتقاليد المتغيرة والمشوهة والمغمورة.‏ ولا يندهش فهمي من التناقض البادي في السلوك العربي آنذاك‏,‏ وبخاصة تجاه المرأة، مشيرا الى "السلطة الأبوية" التي كانت سمة عامة في التاريخ الإنساني القديم الذي تشاركت مجتمعاته في سمة ثانية أيضا‏,‏ ألا وهي إزاحة النساء لصالح الورثة الذكور‏.‏ حتى جاء الإسلام وأعطاها جزءًا منه‏. فقد سمحت الحياة العربية بوجودٍ ما للمرأة‏,‏ على الرغم من وضعها المتدني‏.‏ فالتاريخ الإسلامي يشهد من خلال العديد من الوقائع على تفوق المرأة ونشاطها‏,‏ فقد شاركت في الغزوات‏,‏ وعملت بالتجارة.‏ كما كان لها حرية اعتناق الدين الذي يناسبها، دون أن تتبع إرادة زوجها سلبيا‏.
وهنا يقول ارنست رينان (1823 - 1892‏):‏ "إن المرأة العربية في زمن محمد لا تشبه مطلقا هذا الكائن الغبي الذي يسكن قصور الحريم في عهد العثمانيين". ويوكد منصور فهمي على رغبة الرسول الشديدة في حماية المرأة وصيانتها‏,‏ لكن المؤسسات الدينية والقوانين الثيوقراطية، وما نتج عنها، ساعدت في انحطاط المرأة‏,‏ حين حولت سلطة الأب‏,‏ أو رب العائلة‏,‏ الى سلطة مقدسة هي سلطه الله‏.‏ وقد تحول المجتمع العربي الي نظام ملكي يعطي فيه الحاكم نفسه مهمة نشر العدالة حسب تلك القوانين الثابتة،‏ حيث تنجرد عليه- هو- قدسية تلك القوانين شيئا فشيئا‏,. هذا الوضع الاجتماعي ومن ثم الديني؛ جعل البيت هو عمل المرأة الوحيد، وأن عليها أن تنزوي فيه‏.‏
لقد أراد الإسلام أن يحمي النساء من تعسف الرجال وظلمهم‏,‏ لكنه ضيّق عليهن‏,‏ ليفعل ذلك‏؛‏ فألغى أدوارهن الاجتماعيهة,‏ وقنن العلاقة التبادلية بينهن وبين المجتمع‏,‏ بحيث أصبح تواصل المرأة الاجتماعي صعبا‏,‏ أو محرّما‏.‏ وهو ما صنع حالة من العزلة ساهمت في انحطاط المرأة.‏
ويربط فهمي بين "العزلة والحجاب والطبقة الاجتماعية" للمرأة,‏ مشيرا الى أن العزلة والحجاب لم يكونا مفروضيْن على الجواري مثلا‏. وكان في العزلة والحجاب تمييز للحرائر كشرفٍ لبنات الطبقات الراقية.‏ وقد تطورت هذه الفكرة من ميراث عزل المرأة بعيدا عن الحرب القبَلية‏,‏ حتى لا تؤخذ سبيّة,‏ أو تُخطف كغنيمة ثمينة‏.‏ وقد كانت الأذهان العربية آنذاك مهيأة لقبول فكرة عزل المرأة لأسباب اجتماعية واقتصادية عديدة.
كما يربط فهمي أيضا بين نهوض المرأة بأدوار اجتماعية وعملية- في نطاق محدود- وبين نهوض وحركية المجتمع العربي الإسلامي ككل‏؛ فيشير الى الذبول الذي اعترى شخصية المرأة المسلمة النشيطة والى تلاشِي وزنها الاجتماعي بعد انتصار الفتوحات الإسلامية,‏ واستقرار المؤسسات الثيوقراطية.‏ ويفرق فهمي بين "المحمدية" كاصطلاح يعني به "عقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ في نقائها الأول‏",‏ وبين "الديانة" الإسلامية، كموسسات من أصول شتى,‏ ومنابع مختلفة‏,‏ اتخذت بمرور الزمن هيبة القوانين المقدسة.‏
ويمكن النظر الي هذا الكتاب في سياق ما شهدته بدايات القرن العشرين من صعود لتيارات فكرية وثقافية عديدة,‏ ساهمت في الإجابة عن سوال التنوير والنهضة‏,‏ ومثلت على اختلافها وتعدد زوايا نظرها الى الماضي‏,‏ جدلا خلاقا كان من شأنه- لو نما وترسخ- أن يؤدي الى عدد من التمايزات الاجتماعية، الضرورية‏‏ لتأسيس مستقبل حديث وتنويري بالفعل‏,‏ وفي شتى المجالات‏.‏
--------------
(*) شاعر من مصر.



#حسن_خضر_-_مصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليل والكلاب
- لعبة الكراسي


المزيد.....




- “انقذوا بيان”.. مخاوف على حياة الصحافية الغزية بيان أبو سلطا ...
- برلماني بريطاني.. الاحتلال يعتدي حتى على النساء الفلسطينيات ...
- السعودية ترأس لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة بدورتها الجدي ...
- تطورات في قضية داني ألفيش -المتهم بالاغتصاب-
- رومي القحطاني.. أول سعودية تشارك بمسابقة ملكة جمال الكون 202 ...
- شون كومز.. مغني الراب الأمريكي الشهير واتهامات -الاغتصاب وال ...
- بصورة مع علم السعودية.. رومي القحطاني تعلن تمثيل المملكة بأو ...
- الشهادة السابعة من حملة #مش_طبيعة_المهنة
- لأول مرة.. سعودية تشارك بمسابقة ملكة جمال الكون
- العنف الرقمي يهدد اللبنانيات.. ابتزاز واحتيال وانتهاك خصوصية ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حسن خضر - مصر - -‏أحوال المرأة في الإسلام-‏ لمنصور فهمي.. الكتاب الممنوع بين كتابات تحرير المرأة