أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - عن استقلال السياسة وواقعيتها















المزيد.....

عن استقلال السياسة وواقعيتها


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 2934 - 2010 / 3 / 4 - 11:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السياسة وسيلة لا غاية، هي أداة للتفكير في صياغة الحلول المجدية لسائر المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية، وهي وسيلة المجتمع لوضع الخطط والبرامج لتحقيق الطموحات الشعبية في حياة حرة وكريمة ومستقرة وآمنة لكل أفراده. ومن أجل ذلك مطلوب أنسنتها، حتى تتحول الخطط والبرامج إلى واقع حقيقي معاش يلمسه الناس، عندما تتوفر لكل فرد في المجتمع فرصة للتعليم الجيد والعمل المنتج والسكن المناسب والأمن الصحي والغذاء الكافي، وبالطبع الكرامة الوطنية إزاء تدخلات أية جهات أجنبية.
وبداية لابد من التفريق بين الواقعية كمنهج سياسي عملي، قائم على حسابات دقيقة وإدراك وفهم عميقين للمعطيات الميدانية، يرمي إلى تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب، وإلى استغلال الموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة في حل المشكلات الموجودة، وبين الوقوعية التي تعني الاطمئنان للأمر الواقع، وافتقاد الفاعلية، والاكتفاء بدفع بعض الضرر. وفي هذا السياق، ينبغي التفكير بواقعية في السياسة، المحلية والإقليمية والدولية معا، فلا يمكن تجاهل أنّ الشحن المعنوي الذي يحشد الجماهير خارج إمكانيات الواقع طالما انتهى إلى كوارث، في الحالة العربية وغيرها.
إنّ الواقعية السياسية مدرسة ذات شأن في العلاقات الدولية، عليها قامت أمم وتكونت إمبراطوريات، لا تقوم على حساب ركائز القوة المادية الملموسة، العسكرية والاقتصادية والتقنية فقط، بل تمتد إلى ما تسمى " القوة الناعمة "، التي تتمثل في الحنكة الديبلوماسية لنسج علاقات وتحالفات وشراكات إقليمية ودولية تخدم السلم والأمن والتنمية، بعيداً عن استخدام الوسائل العسكرية .
إنّ إسرائيل، التي تدرك مأزقها الوجودي وانكشافها كدولة إرهابية، تجتهد، غير مكتفية بقدراتها العسكرية، لأن تنمّي في ذاتها خصائص الدولة الأكثر " طبيعية " في العالم الحديث: نظامها السياسي والاجتماعي ومؤسساتها العلمية والتعليمية والقضائية، وجيشها واقتصادها، مطابقة للمعايير العالمية التي تعرِّف ما هو " طبيعي " وما هو، بالعكس، شاذ أو متخلف كحال مؤسساتنا ونظمنا.
وما ينبغي الاعتراف به هنا هو أنها على الأغلب، كما رأى الكاتب ماجد كيالي محقاً، مدينة بهذا التميّز وبالقدرة على الاستقرار والتطور، إلى طريقة إدارتها لأوضاعها ولمجتمعها، وخصوصاً لنظامها السياسي الديموقراطي (بالنسبة لمواطنيها اليهود)، الذي يضفي عليها قوة مضافة، يجعلها قادرة على تحويل عناصر ضعفها إلى قوة، على عكس الواقع العربي الذي يعيد إنتاج علاقات الضعف والتهميش والتآكل.
قد تبدو هذه المقاربة جاحدة وفظة، لكنها تريد القول بأولوية معركة التقدم والارتقاء الحضاري على ما عداها. فلو كانت مدارسنا وجامعاتنا من مستوى لائق، وبرلماناتنا تنهض بأدوارها التمثيلية والتشريعية والرقابية، وسلطاتنا القضائية تضمن العدالة للسكان بدل بيعها لمن يستطيع الشراء، ومواطنونا يستطيعون انتقاد حكامهم على نحو ما غدا شائعاً في دول " طبيعية "، ولو كانت سجوننا خالية من سجناء الرأي والضمير. لو كان كل ذلك لما لاحقتنا الهزائم والانتكاسات منذ نكبة العام 1948 إلى مرحلة التشرذم التي نشهدها منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003.
إنّ من سوء حظ العرب أنّ إسرائيل هي الخصم الذي يقف أمامهم، يمزق وحدتهم، ويخترق خصوصيتهم، ويلتهم مواردهم، ويعبث بكرامتهم، ويهدد سيادة دولهم. كل ذلك يحدث في ظل شعارات جديدة ومفاهيم مختلفة لم يكن لهما وجود من قبل، حتى أصبح من المتعين علينا أن نخرج من دائرة العواطف والأحلام، بل والأوهام، لنرى الواقع في إطاره الزمني الصحيح بدلاً من التعامل مع ما يجري كأن أمامنا الدهر بكامله ينتظرنا، أو كأننا نعيش كل الزمان وكل المكان.
إنّ خطاب " إزالة إسرائيل " هو خطاب رغبوي، أكثر مما هو خطاب واقعي، وهو خطاب يعلّي من شأن الإرادة على حساب موازين القوى، وهو أيضاً خطاب إنكاري، ينكر الواقع، أو يحجبه حتى لا يراه، ولا يريه للآخرين. فكيف يمكن أن نتحدث عن زوال إسرائيل في وضع تبدو فيه هذه الدولة أكثر استقراراً من النواحي المجتمعية والسياسية والأمنية والاقتصادية أكثر من غيرها من الدول العربية، بل والإسلامية أيضاً. وبالمقارنة مع أوضاعنا العربية والإسلامية، فهذه الدولة تبدو أكثر قدرة على التحكم بالتناقضات الداخلية فيها، بين العلمانيين والمتدينين، واليهود الشرقيين والغربيين، والمتطرفين والمعتدلين، واليسار واليمين، وذلك بفضل نظامها الديمقراطي الذي يعتمد الديمقراطية النسبية، وحرية الرأي والاعتراف بالآخر وبالتنوع والتعددية، والمساءلة والمحاسبة، وتداول السلطة.
المعنى من ذلك أنّ هذه الدولة، وبرغم تناقضاتها الداخلية، والعداء لها من محيطها، فإنها تبدو، في واقع الأمر، أكثر استقراراً ونمواً وتطوراً من غيرها. بالمقابل فإنّ الأوضاع العربية تتبين - يوماً بعد يوم - عن مزيد من الاضطراب والتشوه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ونحو مزيد من النكوص في اتجاه العصبيات المذهبية والطائفية والعشائرية والعرقية، في حين تبدو سلطات أغلب الدول العربية في غربة عن مجتمعاتها، بعد أن همّشت هذه المجتمعات، وأقعدتها في زاوية بدون حراك.
على ذلك لا يمكن أن تزول إسرائيل لمجرد أمنيات وعقليات رغبوية، حتى لو توفرت لدينا الصواريخ بعيدة المدى، بل إنّ هكذا خطابات وتعميمات يمكن أن تؤدي إلى إنكار ضرورة معرفتنا بالعوامل التي تضفي عليها مزيداً من القوة والاستقرار والتطور، وبالتالي مزيداً من الاستكانة إلى " انتصاراتنا " الخطابية وبلاغاتنا الكلامية. والمفارقة أنّ هذه الخطابات، التي تتحدث عن زوال إسرائيل، بناء على شعارات ومبالغات، تنكر في مقابل ذلك الواقع البائس الذي تتخبط به دولنا ومجتمعاتنا.
إنّ مشكلة السياسة العربية تقوم، في أساسها، على عدم إعطاء النفس مساحة للتفكير العميق، وعدم وجود تعريفات دقيقة للمفاهيم التي يتداولها الناس حين يتناولون أمور السياسة. فمن أبرز مساوئ الثقافة السياسية في منطقتنا العربية توظيف المعلومات والمعطيات لتخدم أجندات سياسية وفكرية محددة، لذا لا بد من السعي للتأسيس لمعرفة موضوعية، والاشتغال على دراسات وأبحاث خارج الإسقاطات السياسية وتأثيراتها الأيديولوجية.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس واستراتيجيات منعه
- بعض القضايا المؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- استلاب الماضوية ونظرية المؤامرة
- حظر المآذن يمتحن التنوّع الثقافي
- الخلل الرئيسي في المشروع العربي
- في الحاجة العربية إلى إصلاح حقيقي
- بعض مظاهر محنة الأمة
- في ضرورة التغيير
- أخطر الأوهام التي يجب أن نتخلص منها
- أين الخلل العربي ؟
- إشكاليات المنظمات غير الحكومية في العالم العربي
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (3/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (2/3)
- التنمية المستدامة وأمن الإنسان في البلدان العربية (1/3)
- كي يكون حوارنا متمدناً
- واقع وآفاق التعاون الاستراتيجي التركي - السوري
- محددات السياسة الخارجية التركية
- صخر حبش .. وكلمة وفاء
- التنمية في أفريقيا: المعوّقات وآفاق المستقبل
- حول توازن القوى في الشرق الأوسط


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - عن استقلال السياسة وواقعيتها