أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وائل نوارة - المسرحية















المزيد.....

المسرحية


وائل نوارة

الحوار المتمدن-العدد: 2932 - 2010 / 3 / 2 - 17:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عبر عقود طويلة، نعيش مسرحية عبثية مملة، تتكون من آلاف الفصول التي تتكرر كل يوم، دون أدنى أمل في نزول الستار إيذاناً بالنهاية. وهذه المسرحية تأتي تحت مسميات عديدة، مثل "أزهى عصور الديمقراطية" و"التعددية" و"التنمية"، وغيرها من الأسماء الهلامية، التي لا تجد لها في فصول المسرحية انعكاساً ولا صدى. وهي مسرحية من تأليف وتمثيل وإخراج شخص واحد هو الحزب الوطني، الذي يحاور نفسه طوال المسرحية، في مونولوج سخيف، لا يمتع ولا يضحك، ولا يغني ولا يسمن من جوع.

الفصل الأول من المسرحية هو فصل الإنجازات، الذي يتحدث عن تطور ضخم وتنمية يشهد لها الشرق والغرب، في عالم التصريحات والمليارات، المطعمة بما تيسر من إحصائيات، ومعظمها مضلل لا يصدقه الشعب، الذي عليه – رغم المسرحية - أن يعيش في العالم الحقيقي، وهو عالم لا وجود فيه للرخاء الحكومي، حيث الأسعار ترتفع بصورة مستمرة، بينما تعاني الأجور من الأنيميا الحادة، ويعاني الجنيه من البلاجرا المزمنة، بما يدفع الموظف المسكين إلى أن يمتهن أعمالاً أخرى، أو يطلب الإكراميات مقابل تأدية الخدمات وتمرير الاستثناءات، حتى صدرت فتوى شرعية بأن تقديم الرشوة حلال. الموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي إحدى أغاني الإشادة، الذي تؤكد أن الشعب بكامل حريته قد اختار الحزب الوطني دون غيره، لحبه الشديد في الفقر وشظف العيش. خلفية المسرح عبارة عن لوحة ضخمة وردية، دون أي تفاصيل.

الفصل الثاني من المسرحية هو فصل الريادة والتفوق، والعالم الذي يشيد بنا في كل مناسبة وبدون مناسبة، بشهادة صحيفة فرنسية مجهولة تمتدح دوماً أداء الاقتصاد المصري. وتبحث عن تلك الصحيفة الفرنسية حتى تطمئن بنفسك على الأحوال، فتجد أنها صحيفة حائط في المدرسة التجارية الفرنسية بالظاهر. وبينما يشيد العالم بأدائنا المتميز، ولا ينام الليل من فرط حلاوتنا التي هي "زايدة حتة"، باعتبار أن الجريدة (الفرنسية) تصدر الساعة (ستة)، وبينما تحسدنا الصحيفة على الريادة التي لا مثيل لها، يصطدم الشعب بالواقع المرير، والأصفار التي نحصل عليها في كل مجال بجدارة وامتياز، حتى أصبحت تلك الأصفار مثل لعنة شريرة تطاردنا باعتبارنا من سلالة الفراعنة. وطوال هذا الفصل، تسطع أدلة الريادة في خلفية المسرح، التي تزدحم بمقتطفات من الصحف القومية التي تؤكد تفوقنا الملحوظ، بشهادة الخواجات الأجانب. والموسيقى التصويرية لهذا الفصل هي أغنية تتحدث عن فضائل الاستقرار، ومثالب التغيير الذي لا يعلم أحد ماذا يمكن أن يأتي من ورائه، من باب أن "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش".

الفصل الثالث من المسرحية هو فصل "الاستثمار"، تبدأه حكومة الحزب الوطني بالتغزل في المستثمر، وغوايته بالامتيازات والإعفاءات والوعود لجلب أمواله. وما أن يأتي المستثمر المسكين بأمواله، حتى تطالبه الحكومة بقائمة من المستندات والتراخيص والتصاريح والموافقات، فيجتهد المستثمر في الحصول عليها إعلاء للشرعية وسيادة القانون، ويصطدم أثناء ذلك بالأدراج المفتوحة ونصف المفتوحة، والقرارات العشوائية المتلاحقة، وعدم سداد مستحقاته إن كان مورداً للحكومة، ثم ينتهي الفصل بالملاحقة البوليسية عندما يتعثر المستثمر المسكين ويصيبه الإفلاس، فيسجن أو يهرب خارج البلاد، وينتهي الفصل بخلفية ضخمة، تزينها أسماء المستثمرين بعد وضعهم على قوائم ترقب الوصول، والموسيقى التصويرية تنقلب من موسيقى رومانسية حالمة في البداية، إلى موسيقى رعب، ثم تنتهي بأصوات سارينة سيارات الشرطة، وصوت لطم وشق الهدوم، ونواح المستثمر وأسرته لحظة القبض عليه.

وهناك المزيد من الفصول مثل فصل الرعاية الاجتماعية، وهو فصل فعلاً لأنه ينتهي بنهب أموال التأمينات، وفصل انتشار الخدمات الصحية، الذي ينتهي بوفاة المريض بسبب عدم توفر الدواء، وفصل التنمية البشرية وتميز التعليم الحكومي الذي ينتهي بفاصل من التلقين في أحد الدروس الخصوصية، ثم مشهد لشباب يجلس على الرصيف نتيجة للبطالة المتفشية والمحسوبية في التعيين. أما الفساد والبيروقراطية، فلا يوجد لأي منهما فصل خاص، لأنهما يتجولان في أرجاء المسرح جيئة وذهاباً طوال الوقت وأثناء كل الفصول، ثم ينزلان من على خشبة المسرح، ليقوما بتقليب المشاهدين المساكين وشق جيوبهم بالأمواس والمشارط علناً، ويضحك المشاهدون باعتبار أن هذا هو جزء من المسرحية، رغم تأكدهم من استحالة عودة أموالهم إليهم، ويتذكرون فصل توظيف الأموال اللطيف، الذي انتهى بتوزيع "الحلل" البلاستيك على المشاهدين تعويضاً لهم عن مدخراتهم، بينما ازدانت الخلفية بأسماء كبار المسئولين فيما عرف بكشوف البركة.

وأثناء فصول المسرحية، ولأن الموضوع تمثيل في تمثيل، تتظاهر الحكومة بتقديم الخدمات للشعب، من تعليم وصحة وأمن وعدل ومرافق، وتعد الشعب بتوظيف أبنائه، وتمنح موظفيها المرتبات والعلاوات. تتظاهر الحكومة بذلك، وفي المقابل، وبعد تمرس طويل، يتظاهر الشعب بأنه يسمع كلام الحكومة ويحترم قوانينها، ويمصمص شفتيه ويهز رأسه تصديقاً لتصريحاتها، وهو يعلم تمام العلم أن تلك التصريحات (فشنك)، وأن تلك القوانين واللوائح قد عفا عليها الزمن ولم تعد تصلح للتطبيق على أرض الواقع، لتستمر المعاناة الشديدة والنفاق الجماعي.

وعندما يتململ بعض المشاهدين ويعلو صوت الشعب بالشكوى، ويصاب البعض بنوبات التشنج العصبي والصرع، تلقي الحكومة على المشاهدين خطبة عصماء كتبها أحد الفطاحل من المبرراتية، فحواها أن المسرحية رائعة دون شك، وأن المؤلف قدير، والمخرج متمكن وعتيد في الفن، وأن السبب في فشل المسرحية في الواقع إنما يقع على جماهير الشعب من المشاهدين، الذين لا يفهمون الحكمة العظيمة والفلسفة الرفيعة التي تكمن وراء فصول المسرحية، ويتسببون بجهلهم في إفساد الحبكة الدرامية، وبكثرتهم وتوالدهم المستمر في استنفاد كل كراسي المسرح، رغم أن معظم صفوف المقاعد خالية ومحجوزة نظراً لدواعي الأمن، وبينما يتزاحم السواد الأعظم من الشعب وقوفاً في الممرات الخلفية الضيقة، يتنافس المحظوظون من محاسيب الحكومة على الجلوس في الصفوف الأخيرة بعد سداد "المعلوم" للمسئولين عن تخصيص المقاعد، وهؤلاء المسئولون يعملون بالطبع لحساب حكومة الحزب الوطني الرشيدة.

ومشاهدة هذه المسرحية ليست بالأمر الاختياري، بل إنها إجبارية، لأن كل المسارح الموجودة في البلاد تعرض نفس المسرحية، وإن اختلف ترتيب الفصول. ويتساءل الشعب عن موعد انتهاء المسرحية وإسدال الستار، فتطمئنه السلطة بأن هناك مسرحية جديدة قادمة في الطريق، تحت اسم "مرحلة جديدة"، أو "صحوة كبرى"، أو "فكر عصري"، وغيرها من اللافتات والأفيشات. وينتظر الشعب على مضض، ولكنه يُصدم عندما تبدأ أي من تلك المسرحيات "الجديدة"، عندما يكتشف أن الممثل واحد مهما تلون وجهه بالأصباغ والأحبار، والمضمون مكرر ممجوج، وإن اختلفت ألفاظ الحوار.

كيف نتخلص من الحصار المفروض علينا من قبل تلك المسرحية التي لا تنتهي؟ هل يمكن أن نخرج من المسرح لنتنفس هواءً نقياً لا يلوثه فساد أو احتكار أو نفاق؟ وفي نفس الوقت، كيف يتوقع المشاهدون أن تنتهي المسرحية بينما هم يصفقون في نهاية كل فصل؟ ورغم أن الشعب يصفق استعجالاً لانتهاء المسرحية، إلا أن الحزب الوطني يأخذ هذا كعلامة أكيدة تدل على أن الشعب سعيد جداً بالمسرحية ولا يطيق انتهاءها، فتصدح أصوات الجوقة بأغاني التجديد والمبايعة. ألم يحن الوقت حتى يطالب الشعب الحزب الوطني بالنزول من على خشبة المسرح ويمنح فرقته التمثيلية أجازة بدون مرتب – أو بمرتب – بشرط أن يستمتع بالراحة بعد احتكار الأداء لعقود طويلة؟

متى نرى اليوم الذي يتقاعد فيه الحزب الوطني ويترك خشبة المسرح؟

أو على الأقل، متى يكتفي الحزب الوطني بمسرح واحد، ويترك باقي المسارح للفرق الأخرى؟



#وائل_نوارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلتتوقف النساء عن المحيض
- اعتقال المفطرين في رمضان - وإرهاب الدولة الإله
- القوانين الوضعية ... واتفاق الحد الأدنى
- مواجهة الجماعات الفاشية
- فقط مواطنين
- القضاء على التمييز الديني - رؤية ثقافية للمواطنة والانتماء
- إعادة بناء روابط الانتماء
- نسبة 89% من المشاركين: البرلمان لا يمثلنا !
- في احتكار الافتكار
- تصريح بالرشوة ... تصريح بالقتل ... تصريح بالحرق
- أسرار الحريق ... والعوم في الغريق
- إعادة ترتيب المكان
- طلب تعويض من الحكومة البريطانية والدول المشتركة في مؤتمر سان ...
- ضد الدولة الإله 4
- ضد الدولة الإله 5
- حكاية حائط كتاب الوش - قصة لم تنته
- كيف تتعرف على الأخ المتطرف
- أقوى رجل في المحروسة
- الاحتكار المقلوب Reverse Cartel
- عيش مضفر بعِزَّة


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وائل نوارة - المسرحية