أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - احمد معين - هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ بصدد عملية نقل الساطة في العراق















المزيد.....


هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ بصدد عملية نقل الساطة في العراق


احمد معين

الحوار المتمدن-العدد: 892 - 2004 / 7 / 12 - 06:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


بعد جولات عدة من المداولات الشاقة بين الأخضر الإبراهيمي ,ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق ومجموعات منتقاة بدقة من القوى والفاعليات السياسية العراقية وبتدخل أمريكي مباشر لم يستطع تأكيدات بول بريمر ودان سينور من التغطية عليها توصلت الأطراف المؤثرة في اللعبة السياسية الراهنة في العراق من الإتفاق على تسمية رئيس العراق ورئيس الحكومة المؤقتة والطاقم الوزاري .
وقد تضاربت الآراء والمواقف حول مجمل العملية والدوافع والآليات التي تحكمت بمهمة المندوب الدولي التي إنتهت بتسمية غازي عجيل الياور رئيسامؤقتا وأياد علاوي رئيسا للحكومة الإنتقالية .
إلا إن المراقبين و سائر الفعاليات السياسية العراقية المحرومة من ثمرات تشكيلة السلطة الجديدة أو المتنعمة بها وقفت عند حقيقة جلية وساطعة لم يغامر أحد بنفيها . وقد تمثلت تلك الحقيقة بالدور الأساسي الذي لعبته الإدارة الأمريكية وسلطة الإئتلاف المؤقت بشخص السفير بول بريمر في أدق تفاصيل سيناريو نقل السلطة . فقد سارع روبرت بلاكويل مبعوثا من الرئيس بوش بالسفر إلى العراق بهدف اللقاء باعضاء مجلس الحكم والضغط عليهم لجهة التصويت لأياد علاوي لتبوء منصب رئاسة الحكومة وكذلك لفض الخلافات بين سلطة الإئتلاف والمجلس عدا تذكير المجلس بالعواقب الوخيمة للخروج من بيت الطاعة الأمريكي سواء كهيئة أو افراد أو قوى سياسية .
وهنا من الضروري التأكيد بأنه وبالرغم من المساعي الحثيثة لسلطة الإئتلاف وإيفاد المبعوثين من واشنطن الواحد تلو الآخر خلال الشهور المنصرمة كإطفائيين للحيلولة دون تحول شرر الخلافات والتلاسنات الكلامية المتصاعدة آنذاك في أروقة مجلس الحكم إلى لهيب في ظل الأزمات المتتالية لأمريكا في العراق إلا إن عملية نقل السلطة لم تخلو من فضائح تسربت منها شذر قليلة للأعلام وبينت مرة أخرى أستمرار تلك الأزمات والمخاطر المحدقة بمصير الخطة بأسرها .

بوش على خطى غريمه صدام !

بينما كان الرئيس الأمريكي يقسم اليمين في خطابه بشأن نقل السلطة والسيادة إلى ( العراقيين ! ) وبشحنة شاعرية بأن ( العراقيين أحرار في إنتخاب من يشاؤون ) وبأن ( الطغيان والظلم ولى في العراق إلى غير رجعة ) و( بأن السيادة الكاملة سترجع إليهم بدء من 30 حزيران في ظل حكومة تمثل الشعب العراقي ) وفي الوقت الذي كان دان سينور الناطق بإسم سلطة الإئتلاف المؤقت في العراق يقسم اليمين في مؤتمره الصحفي في بغداد بجنب الجنرال مارك كيميت بأن ليس للحكومة الأمريكية ( مرشح مفضل ) للرئاسة وبأن الأمر متروك للعراقيين وحدهم ، كانت الوقائع الدامغة تثبت عكس كل ذلك تماما .
وهكذا بات الشعب العراقي أمام النسخة الأمريكية من المشهد الذي ألفه من ألفه إلى يائه خلال الحقبة الصدامية : الكذب ثم الكذب ! أو بيع الأسود بسعر الأبيض ! فالضغوطات الأمريكية وعمليات كسر العظام كان المشهد الطاغي على مجمل مراحل تلك العملية . فقد رفضت الإدارة الأمريكية من خلال سفيرها بريمر مثلا ، أول الأمر ، إجراء التصويت في مجلس الحكم ، حسب الدكتور محمود عثمان وكثيرين من زملائه ، تفاديا لفوز غازي الياور الذي حظي بدعم أكثرية أعضاء المجلس . كما لم يكن تمسك إدارة الإئتلاف بمرشحها المفضل عدنان الباججي حتى لحظات الخوف من إنفراط العقد مخفيا عن احد .كما لم يخفي الياور وهو ربيب الإدارة الأمريكية إمتعاضه من المساعي الأمريكية الهادفة إلى تمييع المسألة والإصرار على عدم إجراء التصويت على المرشحين لمبصب الرئاسة . وهكذا كان اعضاء المجلس يتسابقون من الشكوى على صفحات الجرائد ( وكل لأسباب خاصة به ) من أساليب سلطة الإئتلاف في ممارسة الضغط عليهم وعدم سماع رأيهم فيما كان بوش وممثليه يصرون ليلا ونهارا على إن العملية ليست سوى ( إختيارحر من العراقيين لمن يشاؤون ) علما بأن العراقيين يدركون جيدا بأن الأمريكيين كانوا يبحثون بمجهر دقيق عن اخلص الأتباع من بين سائر المخلصين في مجلس الحكم فكيف بحرية إختيار رئيس الدولة والحكومة من قبل أبناء الشعب العراقي أنفسهم . وعدا عن ذلك كله فقد جاءت الشهادة الأخيرة من أهلها . إذ وبعد شهور من الصراع بين الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية حول خطة نقل السلطة في العراق ، توصل الطرفان إلى صيغة أكثر تهذيبا تمنح من خلالها المندوب الأممي دورا ظاهريا أكبر مقابل مراعاة المطالب الأمريكية إذ نجحت أمريكا وفقا لتلك الصيغة في إستخدام الإبراهيمي وكسب شرعية أكبر لتمرير الخطة تحت مظلة المنظمة الدولية . إلا غن ذلك لم يمنع الإبراهيمي من التصريح بأن بريمر هو ( ديكتاتور العراق ) ليزيح آخر الأقنعة عن مشهد الرياء الأمريكي ويعود بذاكرة الشعب العراقي إلى المشهد القديم : تزييف إرادتهم بإسمهم في كلا العهدين ، الديكتاتوري الصدامي والديمقراطي البريمري ! .

من حكومة التكنوقرط إلى حكومة ال C I A

لست هنا بوارد البحث عن ضرورة وأهلية ومدلول بل ومدى إمكانية إقامة حكومة تكنوقراطية في العراق في ظل التحديات القائمة ، إلا إن إطلاق ذلك البالون لم يكن سوى مشروع لعبة أمريكية ذكية ، تبرع الإبراهيمي بالترويج له في ذروة تصاعد أزمة الوجود الأمريكي في العراق منذ نيسان الماضي وفشل تجربة مجلس الحكم وفي خضم أحداث الفلوجة وبعدها النجف والكوفة وكربلاء والدورة الجديدة من الفلتان الأمني . كان هدف الطرح متعدد الأوجه . فمن السعي لإمتصاص غضب الشارع العراقي على دمى مجلس الحكم وفشل الإئتلاف في أستتاب أسباب الأمن والتغطية على المساعي الأمريكية على الصعيد الدولي لإسباغ الشرعية على إستمرار تواجده العسكري في العراق بعد 30 حزيران من خلال تمرير قرار جديد في مجلس الأمن والسعي لجذب قوى جديدة نحو المظلة الأمريكية وتقزيم دور بعض القوى العتيدة في المجلس وإشاعة الأوهام بصدد قيام حكومة غير نابعة من إئتلاف الأحزاب الموالية لأمريكا وإحتواء التذمر الشعبي من المحاصصة الطائفية التي كانت الفيصل في كل كبيرة وصغيرة وأمام فشل الإئتلاف ومجلس الحكم من بناء بل وحتى الشروع في عملية إعادة بناء هياكل الدولة ومؤسساتها وتبخر وعود إعادة البناء الإقتصادي وعمليات الفساد والرشاوى وتدخل دول الجوار ، .....الخ ، تعددت الأسباب والدوافع الكامنة وراء طرح بالون حكومة التكنوقراط التي طرحها الإبراهيمي نيابة عن ساطة الإئتلاف .
إلا إن ما تمخض عن المداولات المذكورة بقيادة الإبراهيمي ظاهريا وبتوجيه أمريكي فعلي ، أتت بحكومة خارجة من أروقة المخابرات المركزية الأمريكية .
وهكذا تبين إن مصطلح التكنوقراط في الخطة الأمريكية بشأن نقل السلطة في العراق مرادف لمفهوم آخر بعكس ما رسخ في الأدب السياسي المعاصر ! .
إن ما يميز اياد علاوي خريج المدرسة الكلاسيكية البعثية وأحد ناشطي الحرس القومي في 1963 سابقا والحائز على أوسمة تيار عريض من بين صفوف الإدارة الأمريكية الجمهورية ، هو تضلعه وتبحره في مجال الأمن ليس إلا . وهنا بيت القصيد في تنصيب علاوي . فأمريكا متلهفة لتلبية أحد أهم مطالب تيار عريض من القوى السياسية العراقية سواء المتعاونة معها أو التي تقف مسافة دونها ، ألا وهو تسليم الملف الأمني إلى السلطة الجديدة . وليس تنصسب أياد علاوي لمنصب رئيس الوزراء إذعانا أمريكيا لذلك المطلب كرمز سيادي يؤكد عليه ساسة البرجوازية العراقية الذين وطأت أقدامهم ارض ( وطنهم العزيز ) قبل عام ونيف من الشهور على متن الدبابات الأمريكية بل هو قبل كل شيء إذعان لورطة لا مخرج منها لأمريكا في العراق . فأياد علاوي نصف القومي ونصف المخابراتي ، شبه ( العلماني ) وشبه الشيعي ، المتصل ومنذ أكثر من عقد بمئات الخيوط وبإيعاز مباشر من مرؤسيه في C I A والبنتاغون بعناصر نافذة في أجهزة المخابرات والإستخبارات العراقية السابقة ، وبحسه الأمني المرهف ودقته في الشعور بجدوى إستمرار الإحتلال تحت يافطة عقد الإتفاقيات العسكرية والأمنية مع الولايات المتحدة بعد 30 حزيران ، هو من يتوفر فيه أفضل الشروط لتولي هذا المنصب الحساس في المرحلة الخطيرة الراهنة والتي عنوانها الأساسي هو سبل إنهاء الإضطراب وعدم الإستقرار الذي يعاني منه سلطة المحتل والذي يهدد مستقبل السياسة الأمريكية في العراق برمته .
لذا لم يكن تنصيب علاوي لهذا المنصب خيارا عشوائيا بل هو حصان طروادة للإئتلاف في مواجهة الإستحقاقات الراهنة وخاصة الملف الأمني ولجم طموحات أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى المتربصين بالمنصب وخاصة بعد إستغلالهم لورقة مقتدى الصدر خلال الشهور الماضية .
ولا أستبق الأمور أو أغوص في عالم الماورائيات حينما أؤكد بأن الملف الأمني سيبقى الأكثر سخونة وغليانا في المرحلة القادمة أيضا . كما ليس من قبيل الشطط القول بأن أمريكا تسعى للفرار من هذا الملف القذر الذي كلفه ثمنا باهظا .
إن الخطة الأمريكية في هذا المجال هو ترك أمور الأمن ( للعراقيين ذوي السيادة ) لكي يهبوا لإستعمال ذلك الحق السيادي في بناء أجهزة أمن عراقية بمختلف تشكيلاتها حيث يمكنهم ذلك من توجيه كل قواهم لمحاربة التيارات الإرهابية الإسلامية بوصفها الخصم اللدود في مضمار إستتاب الأمن حيث يتضائل يوما بعد آخر دور بقايا النظام السابق في توجيه وقيادة العمليات الإرهابية ويتجه انظارهم نحو السلطة الجديدة حيث يؤكد أركانها ( مثل غازي الياور في أول تصريح له بعد تنصيبه ) بأن المصالحة الوطنية ودمج بقايا مؤسسات النظام السابق يأتي على قائمة أولوياته .
ومن المعلوم بأن معالجة الملف الأمني وفق ذلك السيناريو يصيب عصافير عدة لأمريكا برمية واحدة . إذ تنقذ نفسها من ورطة تذمر الرأي العام الأمريكي على ضحايا عملياتها في العراق وخاصة مع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية وتنتشل كذلك سمعتها التي تمرغت في الوحل بسبب إنتهاكاتها لأبسط حقوق الشعب العراقي في مجرى ( مكافحة الإرهاب ) وترضي الرأي العام الغربي الذي يأخذ بقشور تداعيات الحرب الأمريكية في العراق وليس بجوهرها وأخيرا وليس آخرا فإن تسليم الملف الأمني ( للعراقيين ) هو رمز لإطلاق يد تلك الأجهزة العراقية في ممارسة ما تشاء وهي مصونة من النقد والفضح والإدانة كونهم ( أبناء جلدتهم ) و ( ملمين بثقافة بلادهم ) و ( أهل مكة أدرى بشعابها ) وهي مقدمة لبناء سائر هياكل مؤسسات الدولة وفق تلك العقلية إن حالفهم النجاح .
إذن فمن هو أولى بمنصب رئيس الوزراء وفي ظل تلك الاولويات سوى أياد علاوي وخاصة إذا بقيت الرموز السيادية الجوهرية بيد الأمريكان سواء في ظل قرار مجلس الأمن المرقم 1546 الذي يجيز بقاء القوات الأمريكية في العراق أو في ظل الإتفاقيات الأمنية والعسكرية التي يسيل لعاب علاوي وبريمر للشروع في البحث عنها بأقصى ما يكون من السرعة ؟ .
كما إن ما يميز اياد علاوي هو ( دهائه ) في إعادة لم شمل البعثيين وجعل حركة الوفاق مظلة لإحتوائهم عدا مساعيه على الخط الآخر لإلغاء أو تعديل قانون إجتثاث البعث أو من خلال سعيه المتواصل لإجراء المصالحة الوطنية وإعادة جميع المتضررين من سقوط النظام إلى وظائفهم ( السابقة ) ووضع خطة عاجلة لإعادة بناء الجيش وسائر المؤسسات القمعية الأخرى ونقده ومعارضته الدائمة لحل الجيش العراقي .

أيهما أفضل : سلطة الحكومة المؤقتة أم سلطة الإئتلاف ؟

أصبح الشعب العراقي كمن يستجير بالرمضاء من النار . شعب سلبت إرادته من قبل أمريكا ونكبت باحزاب تدعي زيفا تمثيله وتعمل إدعاء بإسمه .
إن تعيين الطاقم الحكومي الحالي من قبل أمريكا مباشرة لا يهدف سوى الإعداد لإخراج عملية الإنتخابات القادمة وفق الخط المرسوم له .
إن المهمة الأساسية للحكومة الإنتقالية الراهنة هي إعداد العدة لتنظيم البيت الحكومي العراقي وتسويق الطاقم السياسي الحالي لجعلها نسخة تاتي الإنتخابات على مقاسها .
لا يرجع دواعي رفضنا للحكومة الراهنة بسبب كونها دمية امريكية فقط . إنها عدا ذلك سلطة وريثة للإحتلال وتضع في صدر اولوياتها إسباغ الشرعية على النفوذ والهيمنة الأمريكية بكل أجندتها الأمبريالية والإستعمارية وبكل مراميها الخبيثة في العراق والمنطقة . سلطة تسعى وبقناع عراقي لتحقيق ما عجز عن تحقيقه سادتهم في البيت الأبيض وفي سلطة الإئتلاف عن طريق إحتلال مباشر كان السبب الأساسي لجعل العراق مرتعا خصبا لنمو وتصاعد طفيليات الإرهاب الوحشي الذي دمر البلاد .
إن ما يبدو وكأنه ثنائية الإحتلال أو حكم العراقيين بأنفسهم هو صيغة مريبة ، فالسلطة المنبثقة عن إتفاقية 15 تشرين الثاني 2003 وعن ثنايا قانون إدارة الدولة الإنتقالية المؤقتة التي تم إصداره في آذار 2004 وفق سيناريو أمريكي ، تلك السلطة التي تباشر مهامها في 30 حزيران 2004 ، تتبنى نهجا وأجندة لا تختلف إلا في الشكل عما تمارسه وترنو إليه سلطة الإئتلاف . فالمحاصصة الطائفية ( الرئيس السني ورئيس الحكومة الشيعي ) وهلم جرا في توزيع مغانم السلطة بين حفنة من ربيبة المخابرات المركزية الأمريكية ودوائر البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية وزمرة الأحزاب الكردية التي تبين للقاصي والداني خلال المرحلة الماضية بأن هاجسها الوحيد هو نيل ذلك المنصب الوزاري أو تلك أو الأحزاب الشيعية أو السنية الإسلامية التي تبحث عن فتات السلطة لتجربة حظها العاثر في إقامة حكم الشرع المبين ودولة الخلافة القروسطية ، هو نهج منبوذ في الشارع العراقي .
كما إن ثمار ذلك النهج واضح وجلي لكل ذي بصيرة : الإرهاب والإرهاب المضاد وفتح شهية القوى الظلامية كمجاهدي الفلوجة أو قوات المهدي أو فلول النظام السابق وشتى العناصر الظلامية كمجموعات الزرقاوي وأنصار الإسلام وعناصر الإستخبارات الإيرانية التي تتدفق في وضح النهار ، لتدعي كل مجموعة بأن كفة المغانم مائلة لحساب المذهب أو الدين أو العرق أو القبيلة الفلانية وتبرر سائر ممارساتها ونهجها الرجعي بالمحاصصة والمحاصصة المضادة والإختلال فيها .
إن الهدف من إيداع السلطة السياسية في العراق للإئتلاف الديني _ المذهبي _ الطائفي _ العرقي _ القبلي الراهن واضحة وضوح الشمس . لقد عجزت أمريكا عن السيطرة على العفاريت والأفاعي الذي أطلقها من قمقمها وغذاها عن عمد بعد الإحتلال وإسقاط النظام السابق . وكلنا نتذكر نتذكر التصريحات المتتالية لبوش وأركان إدارته في العام الماضي وتأكيداتهم في الأسابيع الأولى التي أعقب سقوط النظام بأن أمريكا باقية حتى العقد القادم في العراق . إلا إن المستنقع الذي خلقه السياسة الإستعمارية لأمريكا سرعان ما أحال شهر العسل ذلك إلى متحف الأحداث إذ تصاعدت الأزمة عسكريا وسياسيا بل وتحوات إلى مأزق كان لا بد من مخرج وقد أتت تحت ستار نقل السلطة إلى العراقيين .

إن أولويات الحكومة الراهنة لا تتجاوز جملة من القضايا الشائكة التي يستحيل تجاوزها حتى بعد 30 حزيران . وأهم تلك الأولويات هي :
اولا : الخروج من دوامة الإرهاب وعدم الإستقرار عن طريق نسليم الملف الأمني للسلطة المؤقتة وإناطة تنفيذها بقوات الجيش والشرطة العراقية بالتعاون مع سلطة التحالف أو القوات المتعددة الجنسيات .
ثانيا : بناء أجهزة الدولة والبدء بإعادة بناء الجيش والمخابرات والأمن والشرطة وغيرها وتمرير سياسة إعادة مسؤولي النظام السابق لتولي مسؤولية هذه الأجهزة ( لأنهم خبراء وتكنوقراط في هذا المجال ! ) وإعادة لملمة صفوف البعثيين وإستكمال النهج الذي يدعو له أياد علاوي وأكثرية القوى المؤتلفة في الحكومة الجديدة وما أطلق عليه المصلحة الوطنية أي الإسم الرمزي لإعادة البعثيين إلى واجهة المؤسسات الجديدة التي يتم إعادة بنائها .
ثالثا : إعداد الظروف السياسية المناسبة لإجراء الإنتخابات لتكون مأمونة العواقب وكذلك تهيئة الظروف الملائمة لعقد الإتفاقيات العسكرية والأمنية مع الولايات المتحدة .
ولا تختلف الأولويات المذكورة وإناطتها بسلطة خرجت من تحت عباءة إدارة التحالف وولدت من رحم مجلس الحكم الذي أثبتت تجربة عام مرير فشله ليس في إحلال الأمن والإستقرار بل وحتى في الحيلولة دون تفاقمها ووصولها عتبة الحرب الأهلية ، عن الأولويات التي عجز الإحتلال المباشر في التصدي لها بنجاح .
ويشهد القاصي والداني بأن الإحتلال الأمريكي وسياستها وأهدافها لمرحلة ما بعد صدام هي الحاضنة الطبيعية للإرهاب وغياب الأمن والإستقرار والإنهيار الكارثي لسائر أركان وبنيان المجتمع العراقي وتذرره .
لقد ولى النظام البائد من غير رجعة لذا فإن المسؤولية المباشرة والوحيدة تقع ومنذ 9 نيسان 2003 عما حصل في العراق على عاتق الإدارة الأمريكية وسلطة الإئتلاف المؤقت وسائر الراكبين وراء أوهامها وسرابها .
إن نزع فتيل الإرهاب وتأمين متطلبات الأمن والإستقرار تتقوم في التصدي لجملة من التحديات المصيرية .
إن حظر الطائفية ومجمل إفرازاتها ورموزها وحظر بناء الأحزاب وفق سياسات وأهداف مذهبية وطائفية وعرقية وحظر سائر انواع وأشكال الفتاوى بوصفها إنتهاكا صارخا لكل أشكال الديمقراطية وحرية الرأي بأبسط معانيه وحظر الدعوة إلى الجهاد قانونا ومنع سائر أشكال الميليشيات الحزبية والتصدي للروح العرقية والشوفينية أينما أتت والتأكيد على ضرورة بناء أجهزة الدولة وفق رؤية عصرية والإنطلاق قانونيا وعمليا من المواطنة بوصفها الأساس الوحيد في تعريف الحقوق والواجبات ، تشكل الأسس والمنطلقات البديهية التي لا تكتمل أسس بناء المجتمع العراقي بدونها والتي داست عليها قوات الإئتلاف بقدميها بل شجعت بعكسها سائر التيارات والفصائل التي خرجت من رحم الطائفية والمنادية جهارا بقيم وممارسات تتناقض مع تلك المنطلقات السليمة لإعادة بناء المجتمع العراقي ، هو الطريق المحيد والقويم والجامع لشمل الشعب العراقي وليس عاملا لضياعهم وتيههم وبعثرة صفوفهم .
إن بناء عراق علماني قائم على سلطة مؤسسات المجتمع المدني ودستور ديمقراطي حر يكرس ذلك ، وإعلان خطة مارشال طموحة للإصلاح الإجتماعي والإقتصادي يرفع الحيف المزمن عن الطبقة العاملة وسائر الكادحين في العراق وحل عادل وتقدمي للقضية الكردية في اطار الفيدرالية الجغرافية وتصفية سائر تركات البعث وضرب ركائز مصالح الطبقة والإقطاع السياسي الجديد والنامي في حضن قوات الإحتلال وإقرار حرية المرأة وسائر الحريات المدنية والسياسية الأخرى ، هي وحدها الكفيلة بنزع فتيل ليس الإرهاب الإسلامي وحده بل وكذلك التصدي لكل المحاولات التي تريد إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء وإعادتنا إلى القرون الوسطى كما هو جار فعلا في الفلوجة وإفشال كل المساعي الخبيثة من قبل إيران وسوريا وتركيا وإسرائيل لأجل إيجاد موطيء قدم لهم في العراق وحل أزماتهم على حساب شعبنا العراقي ومصالحه ومستقبله .
إن جذور الإرهاب وعدم الإستقرار تكمن في الأرضية التي تغذيها وتوفرها سياسات امريكا والقوى التي تعاونت معها . تكمن في عقلية تكفير الآخر والسعي لأسلمة المجتمع العراقي . عقلية تغرس جذورها في الفكر الديني والقومي الشوفيني والطائفي الذي ينطلق في شعاراته السياسية من السعي لتغليب طائفة ومذهب ودين وقومية على غيرها . لذا فإن طرح القضية في إطار ثنائية المحتل أو السلطة العراقية على علاتها وبهذه الصورة المجردة ، طرح مريب ومخادع أساسا .
إننا وسائر المدافعين عن حقوق وتطلعات وأهداف وأماني الشعب العراقي نرى بأن أية سلطة وحكومة عراقيتين تقاس قربها أو بعدها عن الشعب العراقي بمدى رفعها لتلك الأولويات والعمل الجاد من أجل تنفيذها بشكل عملي .
فالتصدي للإرهاب والسعي لتحقيق الأمن والإستقرار وإن كان طموحا غاليا للشعب العراقي ، إلا إنه يبقى مجرد شعار فضفاض دون الأخذ بنظر الإعتبار عللها ومسبباتها والظروف التي أفرزتها . فحاضنة الإرهاب هي ممارسات سلطة الإئتلاف ومجلس الحكم . فمن أتى بالميليشيات المسلحة للأحزاب الموالية لأمريكا ؟ ألم يكن بوسع قوات الإحتلال التصدي لدخول مسلحي الإرهاب الإسلامي الذين كانوا يتدفقون بالالاف من ايران وسوريا ؟ ماذا فعلت سلطة الإئتلاف أمام مشكلة البطالة التي تجاوزت 60 % من الأيدي العاملة العراقية ؟ لماذا سمحوا لعشرات الآلاف من مجرمي أجهزة الإستخبارات والمخابرات والأمن والحزبيين الكبار وفدائيي صدام بالهروب وإطلاق العنان لهم بتنظيم العمليات الجهادية في الرمادي والفلوجة والموصل وبعقوبة وكركوك وغيرها من المدن العراقية ؟ لماذا وقفت قوات الإحتلال لا تحرك ساكنا أمام ممارسات جيش المهدي وسجونهم ومحاكمهم وجرائمهم طوال عام ؟ لماذا سمحت القوات الأمريكية بإستباحة العراق بكامله أثناء غزوهم والسماح للميليشيات الحزبية وعناصر النظام السابق والقوى الإسلامية والإرهابية الأخرى بالإستيلاء على مشاجب الأسلحة الخفيفة منها والثقيلة ؟ لماذا لم يتحرك أحد ساكنا أمام التطاول على أبسط حقوق المرأة من قبل التيارات الظلامية التي فتكت بالآلاف منهن نظرا لعدم مراعاتهن قوانينهم القروسطية ؟
إن كل ذلك والعشرات غيرها هي من الأسباب الجوهرية لنمو الإرهاب وشيوع حالة الفوضى وعدم الإستقرار والأمن في العراق التي وصلت إلى حافة الحرب الأهلية ؟
كما إن إشاعة الأمن والإستقرار يتطلب قبل كل شيء بناء مؤسسات عصرية يؤخذ فيها رأي الشعب ومؤسساته المدنية والجماهيرية .
إن تغييب إرادة ملايين العراقيين وإستيراد حفنة من قادة الأحزاب الفاقدة لكل قاعدة شعبية بين الشعب العراقي وجعلهم آمرا ناهيا على مقدراتهم بدون تلبية الحد الأدنى من مطالب وآمال وأهداف تلك الجماهير العريضة وإيداع الوزارات لقادة تلك الأحزاب وكأنها مغانم وهدايا ، لم ولن يؤتي بثمار أفضل مما شهدناه خلال عام مضت .
إن القيام بإضلاح جذري في شتى ميادين الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والخدمية ، إصلاح يصب اولا وأخيرا في مصلحة الشعب العراقي بشكل مباشر ، هو الحل الوحيد للمأزق الراهن في العملية السياسية في العراق . وبعكسه فإن دوامة العنف والإرهاب وطاحونة الموت ستطول ولن يكون مآلها سوى الحرب الأهلية .



#احمد_معين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص الافتتاحية التي القاه الرفيق -احمد معين- في الكنفرنس الرا ...
- عبدالعزيز الحكيم, لمن ولائه؟
- احتلال العراق: نتائج وافاق
- فتن العراق : من ايقظها ؟
- الحركة المطلبية وسبل الإرتقاء بها
- التنظيم هي القضية الجوهرية لعمال العراق
- مجلس الحكم الإنتقالي: من يحكم من؟
- حذار من بعض المتعاونين مع الشعب العراقي !!
- أزمة النظام السياسي في العراق
- ماذا وراء دعوة المرأة العراقية إلى إرتداء الحجاب ؟
- الأنفال : تراجيديا الحالة الكردية !
- نسوة العراق :-من يفتح باب الطلسم-؟
- عن فهد الذي لم يُحتَفى به!


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - احمد معين - هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ بصدد عملية نقل الساطة في العراق