أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - صاحبي يفتقر للعروس - قصة قصيرة















المزيد.....

صاحبي يفتقر للعروس - قصة قصيرة


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 2928 - 2010 / 2 / 26 - 21:49
المحور: الادب والفن
    


مرة أخرى البحر حزين. يظهر انه اصبح كأسطورة النيل العظيم، ينتظر عروساً.. عذراء.. ينساب شعرها المحنى بلهب الشمس ساعة الغروب- كان النيل يموت فتجف الحقول، وتنضب المياه الجوفية، حتى كان في عصرية يوم حارق- الجفاف قد قتل الزرع والضرع، فذهبت اجمل فتاة لترطيب جسدها في ماء النيل المحتضر- كانت عارية، كانت تفتن حيوات الطبيعة في سحرها الأنثوي، لكن الظمأ الذي اسقط البشر في الطرقات كالجراد، وكثرة من الجاموس والماشية التي تتعفن منذ زمن ليس بيسير- كان المتهالكون عطشاً على الشط لا يعيرون ذلك الجمال أدنى اهتمام- في زمن غير هذا الزمن.. لوقفوا متحجرين من صاعق ذلك السحر الذي يخلب البصر، ويوقف الدماء في العروق- أسقطت ساقيها في الماء، تقدمت إلى الداخل متجاوز الوحل الطيني لتتوقف في نقطة تغمر عورتها السفلية- بللت جسدها الملتهب من فرط الحرارة والجفاف- برهة بدأت اللعب والغناء- كانت هناك من الماشية قد نفقت أمام أعين الرعاة وهي تشرب من النهر، وبعض مغتسلين فيه أصيبوا بمرض يقشر الجلد ثم الأعضاء- كان فرعون قد عزلهم في جزيرة نائية وسط البحر- كانوا يهاجرون أليها في مدة تقارب الشهر او اكثر، كلما ظهر على البعض طفح جلدي- حتى أولئك الذين بمجرد ما يهربون خلسة للتبرد بماء النهر، يفجأون بالدرك وهم يقتادوهم للمعزل. ثم يرحلونهم ألي الجزيرة- لم يجرأ الناس اللجوء الى النهر- كانوا يخافون المرض وجزيرة الموت- لعبت طويلاً- كان الدرك لا يجرأون الاقتراب من ماء النهر القاتل,تحديداً عندما يكون في حالته من الجزر هذا، والجفاف يطحن اليابسة – هو مرسوم الفرعون.. بعدم الاقتراب منه في مثل هذا الوقت، والذي سماه بملك الموت- كانوا ينتظرون المغتسل حتى خروجه، يأمرونه تنشيف جسده جيداً، ثم يقتادونه- لم يكن يلامس ابداً، يسير إماما وفق توجيههم حتى الوصول الى المحجر الصحي- الأولي- في باطن تلة صخرية.. خارج البلدة- لم تتحرك من نقطة وقوفها- كان كل شئ يعلن عن الموت؛ الا لهوها الطفو لي- فجأة تعصف بالمكان أصوات هادرة لسيل هادر- السماء صافية؛ الارض تتساقط الاحياء فيه عطشاً.

-انظر
..انظر (أحد الدرك)

تصلبت من الخوف في مكانها، رفعت الرؤوس السكارى على اليابسة أبصارها باتجاه مصدر الصوت- كانت أعاصير مياه قادمة من بعيد النهر- هللوا باكين.. ساجدين.. متضرعين للنهر العظيم- غمر الفتاة وفاض بمياه نقية.. تشفي العليل، تخضر الحقول وتعيد الحياة- واصدر فرعون مرسومه بعد اختلاء طويل للكهنة والعرافين- كانت قد جمعت كل المعلومات عن كل شئ، حتى أحصوا صلوات الأفراد- لم يحدث للنهر أن فاض بهذا الخير العظيم، الكافي لاعوام لاحقة من القحط- بل لو عرفوا أسباب هذا التدفق الذي لم تظهر له مقدمات، سينتهي المرض "وجزيرة المقشرين"- كما تعارف على اسمها العامة- فهو لا يكون له وجود في فترات الخصوبة، انه مرض النهر الميكروبي الذي يقطع أطرافه فيجزره في حالة من التقزم المتلاحق، فيصيب كل حي إذا ما لامس ماءه.. للحظة.

- مرسوم فرعوني: "إننا بشر لا ندرك أخطاءنا، فيغضب منا الرب، فيحل ذاته في جزيئات النهر.. غاضباً، ممرضاً له ومقزماً لأطرافه وجسده. انه يعرف أننا نموت دون النهر، لذا يجعله مميتاً لكل من يلامسه، بل انه يمنع تحوله لماء يسقط من السماء.. فيحل الجدب والموت ظمأ- بدلاً مما كانت تحل فيه رحمته وعطفه.. فيمنحنا الخير.

ومادمنا لا ندرك أخطاءنا المغضبة للرب، اجمع الكهنة والعرافين ان صدفة ارتفاع غضبه علينا، بسبب غياب اوناسيس العذراء مليحة البلاد، كان حسنها وبراءتها شفيعتان للبلاد.
.. قرر الفرعون، إزاحة الحزن والهم الذي يصاب به النيل العظيم- من جراء تفشي أخطاءنا البشرية- ان نقدم له اجمل عروس عذراء أول ما تأتينا أخبار عن بدء تجليه في سكون أشبه للانطفاء.. قبل بدء مظاهر التجزر لاطرافه المطلة على المدينة".
(انتهى الفرعون)
- أتراك يا صديقي
.. تشاطر النهر.. في حاجتك للضحية!
.. أتراها حسناء.. كتلك التي لا تغادر عقلي
.. أم ان قربانك.. اعظم!!.
***
آه.. لو وصل العلماء لمعرفة لغتك.. لكنت علمت سابقاً.. بحالتك، علمت ما يطرد الحزن عنك- كم اذكر ذاك اللهو معاً.. عندما كنت صغيراً- كان الفرح يغمر كل انسكابه قطرات من السابحين فيك- آه.. تلك البهجة على وجوه الصيادين حين يعودون إلى الشاطئ مجرجرين شباكهم الغارقة بأنواع السمك المختلف- كانت سمرتهم وبساطة رداءهم البحري يجذب الحصى البشري المتناثر على الرمل الذهبي المتلألئ تحت أشعة الشمس العارية- كانت غبطة تملأ العالم، كل صياد كالأمير يتوسط التجمع.. باسماً- كل ما جاد به البحر يباع على الشاطئ.. دون الحاجة لنقله ألي المدينة، وحرقة الدم مع المتبضعين.. الكسالى.. وهم يحقرون جهودنا المضنية في سبيل توفير لهم الغذاء- انهم لا يعرفون خطر معاركة الامواج، لا تفكر عقولهم المكواة القاتلة لشمس الظهيرة- انهم من البؤس ان يتصوروا المسألة رمي شبكة فارغة، لترفع مليئة بالأسماك- انهم لا يدركون معنى جهد العذاب لرفع الشباك عشرات المرات، لا يفهمون أننا في كثير من الأحيان.. لنعود بملء شبكة واحدة.. وأحياناً بنصفها.. نجد أنفسنا طيلة اليوم- من فجر اليوم الاول.. حتى فجر اليوم التالي- كانوا كثيراً من الصيادين حتى بعد بيع ما يمتلكونه على الشاطئ، لا يغادرون الى بيوتهم-كما ولديهم من القناعة ان ما تم بيعه.. خير كاف، فلا يعودون للصيد- يظلون يتسكعون على الشريط الساحلي- لا يقوون على قتل الجذوى التي في أنفسهم- كثيراً ما يعبرون تقريباً من تجمعات الأسر.. وهم يلتهمون شواء السمك بنهم- كانت نظراتهم الباسمة لا تغير اتجاهها، الا متى ما رفع الأكالون أبصارهم.

كانت نظرة منهم.. أو كلمة مختزلة بفم محشو بالسمك تشعرهم بالرضى- حياة ممتعة بعد ذلك العذاب من الجهد- لم تكن نظراتهم فارغة- هو ما كان يجيب عليه أرباب الأسر.. وفتيانهم الغيورين- كان الحب منزع الاشياء- حتى ابناءهم بين المراهقة والصبى، كان صغارهم الخارجين مع ابائهم للتعلم، يستغلون راحة الكبار بين بطن الحصى البشري المتناثر في تجمعات على الشاطئ، كانوا يقتربون من السابحين مسقطين أبصارهم المليئة بالغربة.. عليهم، حتى ما ألفوا المكان، او تحدث معهم مبتدئ في السباحة انطلقوا مستعرضين انتسابهم بالتبني.. للبحر- بينما المراهقين يقفون في قواربهم الراسية- ومنهم يمشطون المياه بقواربهم قريباً من العائمين- كانت متعة قصوى ان يطلب منهم رحلة في الزورق- دفع مال لذلك يجرحهم- الحياة جميلة ان ترى الناس يحبون ركوب عدة شغلك- كم يشعر المرء بفخر.. عظيم.. ان يسألك الآخرون تفاصيل المهارة في مهنتك- عيونهم لا تسقط عنك مبهورة، أسئلتهم المتلاحقة- والأكثر فيما يمنحك الراحة والرضى، تلك التنهيدة التي تسمعها او تحس بها عند البعض.. آه لو كان يعيش هذه المتعة- مغامرة الصيد- آه لو كان.. بحاراً‍‍..

- أتذكر.. يا صديقي.

حقيقة أني غبت عنك طويلاً- أطول من العمر الذي عرفتني فيه- هي الحياة.. تجر المرء الى الانغماس في أوهام تجديدها.. للقادمين بعدنا- أوهام صناعة الذات.. في المدينة- العاصمة- خاصة في بلاد كبلادنا- لا يرى المسؤول ابعد من انفه، لذا يوزع الأرزاق على أقاربه و.. من ملك في يمينه من التابعين.. المستخدمين- هذا المحيط هو العاصمة- قال امجد مرة في حلقة للنقاش قبل القبض عليه- ولم أراه بعدها ثانية- أن تسمية مركز البلاد بالعاصمة ليس لكونها مدينة تمتلك- حتى- ابسط المقاييس المتعارف عليها عالمياً لـ.. تعرف بالعاصمة، ولكنها عرفت بذلك لان "الرأس" يقيم فيها، واحكم أعدادها لاقامته وورثائه من بعده- لذا لو طلب إحصاء عدد الحجارة فيها، لوجد أنها موثقة بالأرشيف- ولان العرب منذ التاريخ البائد ينقسمـون إلى حياتين، حياة البلاط.. من لا يستطيع العيش الا كتابع، تارة فارس، أخرى مهرة، وتارة ماسح لأحذية من ينافقهم، وبينها.. خازناً لما لا يُحَبْ- ويكون هؤلاء سادة البلاد- وحياة شعبية خارج البلاط- جهلاً و.. سذاجة.. ومن فهم شيئاً.. يضيع في الترحل خارج الحدود.. او يفتقد أثره الذي ما يزال دافئاً.. بين الناس- لذا يحتشد المنتفعون، يستقدمون ما في أيمانهم و.. ما يمنحهم من حضوه -مهابة- من الأعداد الغفيرة من الأميين ومعاقي القدرات، ليتوزعون المناصب والأعمال، يكونون جنداً احتياطيين لـ.. تربية البسطاء اذا صرخ أحدهم غير طائف بمذلة العيش.. القائم- ولان اللقمة كبيرة هنا- صغيرة في مكان أخر، وغائبة في أماكن أخرى- تهج مئات الألوف الباحثة لبناء نفسها الى موطن تزرع الوزارات ومراكز أداره البلاد- من هنا عرفوها بالعاصمة، أما كونها أم المدن، فهي لا تصل.. حتى.. من بعيد الى ابسط ريف مخطط في أي بلد أخر..

- ليتني اعرف ما بك. حالتك تسوء.. عما قبل.

أتعبتني.. هذه البلاد. أتعبتني الحياة.. ما ان طوقتني الحيرة و..ووجدتني أتمزق ألماً- ضياع لا افهم معنى له، بشر لم اعد أفهمهم- كل شئ ليس فيه مما كان.. حتى شئ منه- أي شئ ليس فيه.. من شيء.. مما هو عليه في بلاد أخرى- كم أتمنى لو كنت حتى خنفسة بين الصخور.. هنا، او كنت انساناً في بلد اخر- لو اعرف ما بك- عندما كنت لا تعرف الحزن، كانت الحياة باسمة.. كل شيء مفرحاً- أنفجرْ.. تكلم- جئتك مدمياً.. يائساً.. أيها البحر العظيم- جئتك شاكياً- لكنك يبدو انك في حيرة بائسة.. اكثر..
مني.

- وداعا.ً
.. أكيد.. سأعرف ما تحتاج أليه.
.. فهذه.. ليس نهاية الحياة.



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا لو ؟ ! . . قصة قصيرة
- في رداء امرأة . . لن يغادر المسيح قصة قصيرة
- أغنية مرتبكة . . لزهرة الاقحوان نثر شعري
- السياسي .. قصة قصيرة
- تسريب
- حلم الورد المتعب قصة قصيرة
- احلام الفراشة قصة قصيرة
- وعد قصة قصيرة
- المعذبة قصة قصيرة
- غرباء – نحن – في بلد الجنرال ( قصة قصيرة )
- المدنية .. وحلم الفلاح قصة قصيرة
- مؤتمر لندن - مكشاف عورة العقل السياسي اليمني ( الجزء الاول )
- صنعاء .. أتا ... والرقص البحري نثر شعري
- الشتاء . . البلاد نثر شعري
- تعب المدار نثر شعري
- زمن . . بلا نوعية قصة قصيرة
- ليس للجنوب ان ينتظر الشمال
- جامعة تعز . . مسار للانهيار
- الراقص قصة قصيرة
- حوارية .. اصدقاء في التجرد قصية نثرية


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - صاحبي يفتقر للعروس - قصة قصيرة