الله بين الزمان والتصور العقلي

رأفت عبد الحميد فهمي

الحوار المتمدن-العدد: 2927 - 2010 / 2 / 25 - 11:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

ثلاث مقالات رائعةوعميقة تلك التي قدمها الدكتور عبد الهادي مصباح والتي تولت جريدة الأهرام نشرها تباعا في صفحة المقالات والتي عالج فيها سيادته قصة خلق الله للسماوات والأرض وذلك من المنظورين الاسلامي والفيزيائي وقد دعم مقالاته الثلاث بآخر ماوصلت إليه اكتشافات العلوم الفلكية ونظريات الفيزياء الحديثة ونود هنا أن نعلق على ما ساقه من طرح في مقالته الأخيرة (الزمن عند خالق الزمن) حيث قال:أن مفاهيم مثل خلق السماوات والأرض وكل ماورد بخصوص خلق الكون والإنسان في النصوص الدينية أنما هو تصوير للأمر كما نرصده نحن البشر كمخلوقين نخضع لمفاهيم الزمن الذي يمر كسيال ممتد أما الوجود الإلهي الأزلي الأبدي هو في زماننا الحالي خارج المكان وخارج إطار الزمان ولأن الإنسان يخضع لتتابع الزمان بينما الله عزوجل لايخضع له فلا يحيط بالله مكان ولايحده زمان وهووجود أخر لايخضع فيه الخالق للقوانين التي خلقها .كما جاء في جريدة الأهرام بتاريخ 24/1/2010.وما نريد اثباته في مقالتنا تلك هو عكس ماذهب إليه الدكتور مصباح حيث نري أن الله سبحانه وتعالى ومن خلال ظاهر أيات القرأن الكريم لانقول يخضع بل يراعي كافة الشروط الفيزيائية للقوانين التي خلقها.لقد وضعنا د.مصباح أمام اشكالية وجودين مختلفين ليس لهما نفس الشروط الفيزيائية ولاقوانين السببية أي بين وجود الله اللامتناهي بقدرته المطلقة وبين الإنسان ككائن محدود متناه هذة الإشكالية تحيلنا الي مأزق معرفي وفلسفى من المستحيل فهمه إلا باللجوء إلي تتبع أيات القرأن الكريم حيث تكشف لنا عن التجليات والتدخلات الإلهية في عالم الشهادة العالم الذي أراد له السميع العليم أن يكون مؤطرا بالزمان والمكان .وقد تصور د/مصباح أن مراعاة الزمان والمكان في الفعل الإلهي تهوين من شأن القدرة المطلقة لله وذلك اعمالا لمبدأ التنزيه العقلي لذات الله وصفاته وبالطبع نؤكد أن الله سبحانه وتعالي منزه عن سمات الحدوث ولايشبه شيئا من خلقه مصداقا لقوله تعالي:ليس كمثله شئ (الشورى-11) وذلك للإبتعاد عن مظنة التشبيه التي لجأ إليها بعض الغلاة من المجسمة الذين أخذوا بظاهر الأيات.وبادئ ذي بدء نؤكد أن الوحي هو الطريقة التي يكشف الله من خلالها عن ذاته وصفاته وأفعاله وقدراته وأحكامه وتشريعاته حيث أن الدلالة المركزية لمفهوم الوحي هي الإعلام. هذا الوحي هو ما نطق به رسولنا الكريم قرأنا عربيا في حقبة تاريخية محددة وخاضعة للزمان والمكان ولدينا من البراهين التي تدعم ماذهبنا إليه من طرح نسوق بعضا منها لأنها من الوفرة التي لايتسع لها المقام في مقالتنا تلك.فمن أهم صفات الله سبحانه وتعالى الحي القيوم الحضور والمعية مصداقا لقوله :"وهو معكم أينما كنتم" (الحديد-4) هذة المعية الدائمة تفرض شكلا من الرعاية والرقابة والحضور الفعلي في العالم .وإذا أراد الله عز وجل أن يهلك قرية ظالمة قال في محكم كتابه العزيز: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون (الأعراف-4)و"أويأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون"(الأعراف-98) هنا يراعي الله عزوجل زمن التدخل لانزال العقاب حيث نلمح كيف جاء الإختيار بين بدائل زمنية مختلفة كما في صريح الأيات كما نلحظ في قوله تعالى:أن عدة الشهور عندالله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض(التوبة-36)هذا المعيار الزمني هو الفترة الزمنية التي يستغرقها دوران القمر حول الأرض والدليل قوله تعالى:لتعلموا عدد السنين والحساب (يونس-5) كما نجد أن هناك معياريا زمنيا أخر متمثلا في قوله تعالى:"وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (الحج-47) تلك القياسات الزمنية قد اتخذها الله عز وجل اطارا لأحكامه وتشريعاته مثل أحكام المرأة المعتدة "فإن ارتبتم فعدتهن ثلاث أشهر (الطلاق-4)وبالنسبة لأهل الأعذار قال عز من قائل:"ومن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (النساء-92) .وتستطيع عزيز القارئ أن تدقق في الأماكن والمواقيت التي حددها واختارها الله سبحانه وتعالى في قصة موسى عليه السلام حيث نجد البقعة المباركة وجانب الطور الأيمن والوادي المقدس وشاطئ الوادي الأيمن وجانب الغربي هي دلالات مكانية محددة مثلها مثل المواعدة وميقاتنا كما جاءت في صريح الأيات وفي أكثر من سورة من سور القرأن الكريم وهي( البقرة-51) و(طه -12و80 )و(القصص-30و44 )لقد حدد الله سبحانه وتعالى المواعدة بدقة زمنية مقدارها أربعين ليلة أو ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر حتى جاء موسى الميقات ملتزما بالمواعدة طلب رؤية الله عز وجل كما في سورة (ألأعراف-143)"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا"قال المفسرون أن رؤية الله جائزة عقلا إذ لولم تكن جائزة لكان سؤال موسى مستحيلا ومحال أن يجهل نبي اصطفاه الله وأتاه الكتاب والفرقان مايجوز ومالايجوز بل لم يسأل الا جائزا غير مستحيل (تفسير القرطبي ص2491 ج4).إذن في تجربة تجلي الله سبحانه وتعالى للجبل خيرشاهد لما نقدمه من طرح أن الله يراعي القوانين التي خلقها كيما تظهر ارادته فاعلة في الزمان والمكان.هذة الأمثلة التي استشهدنا بها هي غيض من فيض لاثبات العلاقة الجدلية بين الخالق الذي يستوي على عرشه في السماء وبين الوقائع والأحداث فوق كوكبنا الأرض.واستطرادا للبراهين التي تدعم ماسقناه من طرح تخبرنا كتب التراث العديدة أن القرأن الكريم لم ينزل جملة مرة واحدة بل استغرق نزوله ثلاث وعشرين عاما نزل خلالها منجما أي متفرقا بواسطة جبريل عليه السلام حيث تستجيب دواعي الوحي لمتطلبات الواقع الإسلامي الجديد وتتمشى مع خصوصية الأسباب كما في غزوات بدر وأحد والأحزاب وفتح مكة وحنين عدا التجاوب مع استفسارات الصحابة عن شؤن دينهم ودنياهم من خلال ثنائية (يسألونك –قل هو) عندما سألوا ماذا ينفقون وماذا أحل لهم وعن المحيض وعن الأهلة وعن الأنفال والروح والساعة وذي القرنين هذة الثنائية لا تراعي التسلسل الزماني فحسب بل تراعي أيضا خصوصية المكان فيما عرف في تراثنا الإسلامي بالمكي والمدني.ولنا في مشكلتي الرؤية والكلام في قوله عز وجل:"وجوه ناضرة الى ربها ناظرة"(القيامة-22و23)و"كلم الله موسى تكليما"(النساء-164)ودلالات سدرة المنتهى والبيت المعموروالقلم والميزان واللوح المحفوظ وليلة القدروالكرسي ومقاعد السمع والجنة والنار هي دلالات ليست كما قرر د/عبد الهادي مصباح في مقالته أنها تصوير للأمر كما نرصده نحن البشر كمخلوقين نخضع لمفاهيم الزمان وإنما هي حسب ماذهبنا إليه من طرح هو أن تلك الدلالات قطعية الثبوت هي تصوير للأمر كما شاء لها العلي القدير في اللوح المحفوظ مصداقا لقوله تعالى:"علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي ولا ينسى"(طه-52) و:"بل هو قرأن مجيد في لوح محفوظ"(البروج-21 و22).وأخيرا نؤكد أن الله سبحانه وتعالى لايراعي الزمان والمكان كأطارين لأفعاله وأحكامه فحسب بل يراعي أيضا الأعتبارات العقلية والأخلاقية لنا نحن معشر البشر المنوطون برسالة السماء حيث يراعي الله عز وجل دواعي الحكمة والعدل كثواب المطيع وعقاب الكافر فمن المحال أن يخاطبنا الله بما هو ضد العقل أويأتي بما يخالف ما أخبربه عبر الأيات المحكمات فهذا ما قصدناه من أن الله سبحانه وتعالى يراعي الاعتبارات العقلية لنا مثلما جاءت أوامره ونواهيه وأحكامه وأفعاله لتعمل في وجود الزمان والمكان لذا وجب التنويه وشكرا..........
رأفت عبد الحميد
باحث بالمركز القومي للسينما

#رأفت_عبد_الحميد_فهمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات