أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)14















المزيد.....


قفل قلبي(رواية)14


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2926 - 2010 / 2 / 24 - 22:19
المحور: الادب والفن
    


الورقة التاسعة عشر

أنت ألقيت عود ثقّاب في غابة جافة،عليك أن تبادر لوقف الحريق،أو تقف مكتوف اليدين،تضرب كفاً بكف،نادماً ربما،لم أرغب أن أشرح حياتي،رغم وضوحي،لكنك القشة التي قصمت كاهلي وتركت أغواري تفيض،قيح زمن ما زال يتدحرج نحو الهاوية،كلما أتوغل عميقاً في التفاصيل،أجد تفاصيل أخرى صادمة،تتهيأ للترجل من رف الماضي،ها أنذا أندفع بحماسة نادرة،ورغبة مجنونة،لختم أو لحسم هذا الموضوع الذي تناثر..!!
***
دخلنا البساتين الواسعة،تجولنا في الحقول المديدة،حقول دواجن،أحواض أسماك،فتيات بريئات يعملن بهمة ونشاط،نساء يجاهدن لرسم البشاشة على وجوههن،رجال يرفعون أكفهم بتحية أبدية لا تنتهي،وصلنا البيت الكبير،بيت الراحة كما سمّاه لي،كان منتصف حقل أخضر..قال:
ـ هذا البيت بناه أبي قبل أن يموت بحادث سير..
ـ رحمه الله..
ـ هنا ستسكن حتى نجد لك عروساً تريحك..
ـ أنه المكان المناسب لي،هنا سأستعيد راحتي..
تركني وغادر بسيارته،درت في الغرف،وجدت مجموعة من الكتب والمجلات،شعرت برغبة ناهضة للعودة لحياتي السابقة،رغبة كتابة الشعر،جلست في الصالة،تمددت على أريكة مريحة،شعرت بشيء يتحرك في،شيء يفرض النعاس،كانت الساعة الحادية عشر وعشرون دقيقة نهاراً،غشاني نوم لذيذ، نوم جاء من رغبة في التخلص ولو لساعات من براثن الحياة الكاذبة،من الناس الذين من حولي،مرة أخرى طرقات،طرقات خفيفة،طرقات تشتد،جفلت،وجدت الباب يرسل إشارات عوا(طـ..صـ..)ف قادمة،نهضت النوم يثقل جفني،وجدت الخراب يقف على أهبة واستعداد للإجهاز على ما تبقى مني..قلت:
ـ من أتى بك..
ـ لو غرت تحت الأرض لن أدعك..
ـ ليس لدي ما أعطيه لك..
ـ ومن قال أنني جئت من أجل ذلك..
ـ وماذا وراءك في هذا الأصيل..
ـ خبر سيسعدك..
ـ انتهت سعاداتي..
ـ أنتبه لما أقول..
ـ قولي وأعطيني ظهرك..
ـ سأعطيك ظهري فقط دعني أدخل..
ـ لا أعني ما عنيتِ..
ـ بل عنيت..
دفعتني ودخلت،ألقت نظرة ما حولها..قالت:
ـ فقط تنقصك عروس..
ـ قولي ما عندك وأذهبي..
جلست على الأريكة..قالت:
ـ يا ولد جئتك بخبر سعيد..
ـ لا جديد لديك،كل ما تقوليه مجرد ثرثرة فارغة..
ـ إذاً خذ ظهري..
استدارت وألقت ثيابها،بدت في تلك اللحظة ليست هي،ليست تلك البقرة البشرية النتنة،جسد أبيض،رغم ترهله،بدا مثل قطعة(شكولاتة)في صحن مرمري في لحظة جوع مدمر،لم أعد أمتلك زمام لساني كي أقول شيئاً،كانتا عيناي تخرجان من فلك السأم،من الواقع الذي فرضته على نفسي،دائماً حين تهب العواطف،أجد كياني خارجاً من جلدي،داخلاً إلى بحر هذيان هائج،وجدت نفسي مندمجة،متوسلة،بعدما كانت هي تتوسل،آه..أيها الأخ الذي تسببت في زيادة مرضي،هيّجت جروحي،وألقيتني في بحر العذاب،توسلت توسل الجوعان بالبخيل،توسل الآثم بشبّاك ولي صالح، دفعتني وألقتني على ظهري..قلت:
ـ لم تفعلين هذا..
ـ لن أسمح لك أن تفعل ما لم تتعرى..
تعريت..زادت من عذابي:
ـ هيّا أرقص أمامي..!!
رقصت وراحت تضحك،يا للهول،أنا أرقص من أجل نزوة عواطف،(هي)كانت ترقص من أجل نزوتها،(الغجرية)رقصت من أجل نزوتها،لقد جاء دوري،علي أن أرقص من أجل نزوتي،تلك هي الضريبة المؤجلة لعصر شوفيني فاسد،يائساً متوسلاً رحت أرقص بمجون،بطبيعة الحال أنا لا أجيد الرقص،رحت أتقافز مثل دجاجة نصف مذبوحة،وكلما أدنو من جبل اللحم الأبيض، تدفعني،تهالكت وجلست ألهث على الأريكة..قالت:
ـ لم تعد تمتلك قوتك الهائلة يا ولد..
ـ أمتلكها..أمتلكها..
ـ هيّا واصل الرقص،لتكن راحة مثالية..
قامت هي وراحت ترقص،رقصت كفتاة مدربة على فنون الرقص،الجبل اللحمي راح يموع ويرتجف،تستدير من حولي،يا لها من راقصة فوق العادة،تدنو مني،تتأوه،تبتعد،أريد اللحاق بها،وكلما تجدني أندفع تؤشر وتخرس رغبتي،فجأة أقعت،تمددت على بطنها،رفعت نفسها،وصارت باركة كأنثى حيوان راغبة..صاحت:
ـ هيّاااااااااااااااااااااااا..!!
***
على فراش داخل الغرفة،كنّا متمددين،هي قربي،وأنا مرتجف الأوصال،كان الليل قد أدركنا،نلنا نوماً عميقاً..قلت:
ـ لم أنت تختلفين هذه المرة..
ـ أنا دائماً أمتلك هذه الحرارة..
ـ لم أعهد فيك هذه الرغبة الحامية..
ـ أنت كنت مشغولاً بـ(هي)..
ـ اليوم أثبتِ لي أنكِ أشهى أنثى عاشرتها..
ـ واليوم أريدك أن تدفن كل رجولتك في أغواري..
ومضينا نحتفل،مثلما كنت أحتفل ليالي الرنين،عملنا عشاءنا وتناولنا ما لذ وطاب من فواكه،وعدنا إلى الفراش،ولم نعد نعرف كيف أنقضى الليل،نبح كلب ونهق حمار وصاح ديك،عندها قامت ولبست أثوابها،تمسكت بها،توسلت:
ـ لم لم تبقين يا(......)..
ـ علي أن أذهب قبل أن يكتشفوا أمرنا..
ـ أرجوك..أبقي هنا..لا أحد يسعدني سواك..
ـ كلا يا ولد..علي الهروب قبل أن تشرق الشمس،تقدمت من الباب،وقفت واستدارت وعادت تقف أمامي..قالت:
ـ نسيت أن أقول لك..الخبر السعيد..أمك يا ولد حامل..!!
لم أعد أعرف كيف خرجت،لكن صوت نباح كلاب أيقظني،كلاب تتقاتل بشراسة في بقايا الظلمة،صراخ وعويل ونباح،وعند الساعة التاسعة أفقت من نومي على طرقات عنيفة على الباب،كنت في غاية التعب،وجدت رجلاً عجوزاً وامرأة،عرفتهما،من فلاّحي البستان..قالت العجوز والخوف يعصف بعينيها:
ـ يا سيد..الكلاب قتلت أمك..!!
***
جاءت(الأم)برفقة العم،كانت(الأم)تنحت في عينيها بشك واضح،لم أستطع النظر إلى تلك الأعماق غير الخجولة،رغم أنني خضتها لمرات بسياحات عارية..قال العم:
ـ هل كانت عندك..
ـ لا أعرف..
ـ قالوا لي دخلت عندك في الأصيل..
ـ جاءت تريد إقناعي بالزواج..(الأم)أرسلتها هذا ما باحت لي به..
ـ حسناً كيف سمحت لها بالخروج فجراً..
ـ لا علم لي بخروجها..
ـ حسناً لننس الأمر،علينا أن نفكر بجدية حولك..
ـ حولي..

أجابت(الأم):
ـ يجب أن تتزوج،ستسكن في هذا المنزل..
ـ ليس قبل أن أستعيد صفاء ذهني،أنا متعب..متعب جداً..
قال العم:
ـ سنمهلك أسبوعاً واحداً،عليك أن تعلمنا بقرارك الحاسم..
ـ سأعلمكما بقراري النهائي..!!
***
بعد يومين جاءت(الأم)وحدها،ترجلت من السيارة،كنت قرب النافذة العلوية للطابق الثاني،أنظر إلى الحقول المترامية،أنظر إلى الناس البسطاء وهم يعملون بهمة ورغبة،لم اهبط،دنت وألقت نظرة، وجدتني أقف من غير أن أتحرك،تقدمت ودخلت وجاءت إلي..قلت لها:
ـ لم تنتهي المهلة بعد..
ـ عليك أن تتخذ قرارك..
ـ أنا في لحظة تعاسة،ليس بوسعي أن أشرك أنثى تعاستي..
ـ وافق وسوف ترى الحياة الزوجية هبة لتدمير جبال التعاسة..
ـ أيّة حياة زوجية،حياتك أنت،أم حياة(هي)،أم حياة البقرة صاحبتك،أم حياة تلك الصبية..
ـ أنت تقسو على نفسك،بوسعك أن تعيش بطهارة،هذا يتوقف على إرادتك..
ـ ومن قال أنني أمتلك إرادتي الآن..
ـ دعنا من هذا الجدال العقيم،هيّا جئت من أجلك..
ـ لا رغبة أمتلك..
ـ ستأتي الرغبة،فقط أرخي سمعك لي..
سحبتني من يدي،أجلستني على السرير،أفرغت حقيبة نسيجية،أخرجت دجاجة مشوية،وفواكه ..قالت:
ـ ذهب في مهمة تجارية..
ـ دائماً يذهب في مهمات يقول عنها تجارية..
ـ لا تقسو عليه أنه يودك..
ـ يود من يدنس حرمة بيته..
ـ لا تقل مثل هذا الكلام،هذا هو واقع مفروض علينا..
ـ أنت صنعت هذا الواقع المريض..!!
ـ أنا..
ـ جلبت(هي)ومن يومها دب الفساد في العالم..
ـ هيّا..كل..
ـ لست بجائع..
ـ بدأ الهزال يدب فيك..
ـ لدي رغبة بالموت..
ـ لا تقل هذا الكلام..أنت ستعيش لو وافقت على الزواج من تلك الفتاة الجميلة..
بدأت تطعمني،لقمة وراء لقمة،كان يجب أن أأكل،كنت جائعاً،أنتظر فتاة صغيرة تجلب لي الطعام في أوقاته،فتاة بريئة،مستديرة الوجه،تشبه شعرها شعر(هي)،رشيقة،خجولة،ترشقني ببسمات لا تنتهي، وكلما تنسحب،تمشي إلى نهاية طريق البيت،هناك تقف وتستدير وتلقي نظرة قبل أن تواصل مشيتها،وقفت في النافذة كي أراها وهي تخطو نحوي،لكن(الأم)باغتتني وهي تجلب الطعام لي..قلت لها:
ـ هل حقاً ما سمعت..
ـ ماذا سمعت..
أرسلت كفي وداعبت البطن الذي بدا غير عادياً،دفعت يدي وقالت:
ـ من أعلمك بالأمر..
ـ هي ومن غيرها..
ـ هل كانت عندك ليلة كاملة..
ـ وهل من الممكن أن نتناسى موضوعاً يخص امرأة ماتت..
ـ فقط أردت أن أعرف..
ـ لو لم تمت،لتزوجتها..!!
أطلقت ضحكة،في تلك اللحظة سمعت طرقات على الباب،عرفت من تكن،هرعت هابطاً،كانت البنت مستديرة الوجه واقفة وبيدها طعام الغداء،وقفت أنحت عيني فيها،كانت بكل خجل تقف وتسمح لي أن أنهل من وجهها،تمنيت أن أحتضنها،لا أعرف كيف تجرأت وطرحت رغبتي:
ـ هل تسمحين أن(أبوسك)..!!
قالت ببراءة:
ـ نعم..!!
شعلة أخرى أضاءت جانباً جديداً من حياتي،نسيت نفسي ورحت أدفن شفتيها في شفتي،سحبت نفسي لحظة استدركت أن(الأم)لابد أنها تقف وراءي،مضت البنت وهي سعيدة،ربما حققت رغبتها الأنثوية بأنها وجدت بعلها المناسب،دخلت بعدما وقفت وألقت نظرة إلي،دخلت ووجدت(الأم) تنحت عينيها الجارحتين في..قالت:
ـ أرجو أن لا تحطمها..
ـ ما..ذا..
ـ رأيتك من النافذة..!!
***
صرت من تلك اللحظة أدخن بشراهة،أسهر كثيراً،أكتب ما أسميه شعراً،وكل يوم عند الصباح وعند الظهيرة والمساء أنال قبلات سريعة من البنت الجميلة..قلت لها:
ـ تعالي عندي..
ـ أخاف من أمي..
ـ لا أحد يرانا..
ـ ستعرف أمي..
ـ كيف تعرف وهي في الحقل..
ـ رأتني في الليل أجلس وأنظر إلى نفسي في المرآة،باغتتني وقالت لي أنك تفكرين بشيء غريب..
ـ وماذا قلت لها..
ـ قلت السيد يحبني..
ـ ماذا..
ـ قلت ذلك لأنني صادقة معها..
ـ وماذا قالت..
ـ قالت لا تدخلي معه في البيت،إذا دعاك..!!
وجدتها فتاة لا تكذب،تلك هي الأمنية في حياة لا أحد يفهما،وجدتها رغم صغرها حلماًُ يمكن أن يتحقق،أنا المطارد والملاحق من قبل(الأم)والعم،يريدان أن يكسرا رقبتي بزواج من فتاة ميسورة بنت رجل ثري وصاحب نفوذ حزبي صديق العم،تلك الفتاة التي حكوا لي عنها،جامعية صاحبة شهادة،لا ترغب العمل في دوائر الدولة،بل تريد أن تدير حسابات أبيها،لم أرها طبعاً،واعداني أن أرافقهما في زيارة عائلية،كي يتم التقارب بيننا،وافقت طبعاً على مرافقتهما،ولكن لم أوافق على ربط مصيري المفكك مع فتاة مهما كانت درجة جمالها،ليس ذلك هروباً كما تظن،بل أشعر أنني ضائع ولا أريد أن أشرك فتاة ـ لامعة طالما تحمل شهادة جامعية ـ مصيري،انتهت المهلة المقررة،نسيا أن يعرفا قراري،وتغافلت أنا ذلك،وجدت نفسي في توهان جديد،في رحلات ليلية بين الحقول،لا أعرف لم،فقط أشعر بشيطان الموهبة القديمة يقودني،يأخذني إلى كل مكان غامض،أجلس على حافة الجداول المائية،أحاول أن ألملم نفسي قبل أن أعود،ضائعاً كنت،لا شعور أمتلك،وظلّ شبح البطن المتكور يلاحقني،يا ترى ما الذي يحصل لو جاء يشبهني،ماذا سيقول العم صاحب الفضل الفردوسي ،خلّصني من مخالب حرب قذرة لاكت شباب البلاد،وصرت بمثابة أبن بار له،رغم أن (الأم)أقنعتني،بكلام مقنع إلى حدٍ ما،بقيت أسير صدمة لابد أنها قادمة،قالت لي(الأم):
ـ هو يعرف بذلك..
ـ وماذا قال..
ـ لم يقل شيئاً..
ـ لا أصدق كلامك..
ـ ثق فرح بالخبر..
ـ وماذا قلت له..
ـ قلت له هو منك..
ـ كيف..
ـ بدأ يحشر كائنه الهامد في..
ـ وماذا بعد..
ـ يبقى لساعة كاملة قبل أن ينام..!!
ـ النساء بلاء الدنيا،أخرجتن أبانا من الفردوس،ورحتن تسوقون أبنائه إلى الجحيم..!!
نعم أيها الصديق،هذا ما دار بيننا في تلك الليلة،يوم جاءت وأطعمتني الدجاج المشوي،أسكرتني بكلامها،ورحت أحاول أن أقضي على الغضب الذي راح يحتدم في صلبي،لكنها أبت،خافت على ما في بطنها من كائن لابد أنه سيأتي ويرسم الوجه الحقيقي لمن حشره في تلك الفجوة،مرات كثيرة كنت أنام حول الجداول،أو على العشب الطري،وفي الصباح أستيقظ كمجنون،أجرجر أذيال التعاسة التي تلبستني،صارت البنت الصغيرة تمتنع من تقبيلها،وراحت تكبر يوماً بعد يوم في عيني،وجدتها بنت تستحق التقدير،كونها ترفض تلويث كيانها رغم أنني قبلتها لمرات،ربما أمها من علمتها أن تدافع عن حرمة أنوثتها،خلاف(الأم)التي كانت تعلّم تلك الفتاة التي أوهموني أنها ابنة عمي،كانت تعلمها فن الإغواء وكيف تصطاد فارساً،أقصد(أنا).!!
***













الورقة العشرون

تدرك أنني تعلمت عادة ـ يوم كنت جندياً لا ينفع للحرب ـ عادة تناول حبوب الهلوسات التي أمدني بها ذلك الجندي صاحب الصيدلية المتنقلة،صرت أطلب منه المزيد وهو يمدني بها،وراحت تمنحني نشوة تخيلية سامقة،تأخذني النشوة إلى عوالم يصعب على الخيال العادي التجول فيها،فاقداً أحاسيسي أهذي بكلام غير عادي وكان صاحبي يباغتني بأشياء هي من خصوصياتي الدفينة..قال لي ذات صباح:
ـ وجدتك في حالة جنونية..
ـ أنا عليل يا صاحبي..
ـ لكنك كنت في غاية السعادة..
ـ سعاداتي زائفة،محاولات غير مجدية لترويض نفسي على هذه الحياة القاتلة..
ـ يا صاحبي لا تتهرب من القضية،أنها في غاية الحساسية،أرجو أن لا يكشف أمرك غيري..
ـ وما هي القضيّة يا صاحبي..
ـ كلما تتناول(حبّة)تتعرى وتحتضن كل ما تجده أمامك..
ـ حقاً ما تقول أم أنك تمزح يا صاح..
ـ بل حقيقة يا صاح..
ـ ولم تدعني أن أفعل ذلك،لم لا تمنعني..
ـ تفعل ذلك بعد منتصف الليل،عن طريق المصادفة اكتشفت ذلك،وجدتك فارداً يديك كأنك تود أن تطير،تعب الهواء بشراهة إلى صدرك،سرعان ما تبدأ بالرقص العاري..أحاول أن أنقذك،تدفعني وتواصل احتضان الأشياء،أنت تمارس طقساً غريباً يا صاحبي..!!
وجدت في كلامه شيء من الحقيقة،الآن أفكر ماذا لو بقيت جندياً هناك،لشاع أمري وصرت أمثولة لأفواه الجنود النزقين،وربما ساقوني إلى(الشمّاعية)،كمخبول نادر لم يأتِ مخابيل العالم بمثل ما يأتيه من قبل ولا من بعد،هناك تعلمت كيف أستدرج السعادة بواسطة(حبّة)صغيرة،صحيح أنني نسيت الحب ولم أعد أحتاج إليه،لكن تلك المهدئات التي وصفتها لي بدأت تحدث سلبياتها في،راح الجسد يطلب عقّاره المسكن،ورحت أتناول المزيد كي أطفئ غضب الأغوار السحيقة،جسد يحترق،رأس ينفلق،نار تتأجج وتدفع الجسد نحو البحار والمحيطات،نحو الأمطار العنيفة،نحو المتاهات الشبقية، أمشي،لا يهمني الوقت،أحياناً في منتصف الليل،أتجول في البساتين،في الحقول،أحياناً أتعرى وأهبط إلى مياه الجداول،أجلس كي أخمد الحرائق الكونية المنبعثة من أغواري..!!
***
ذات ليلة شعرت بملمس ناعم،شيء مثل الحرير يلامس جسدي،خلت أنني في لجة كابوس عاطفي، بدأت الملامسة تصعد إلى وجنتي،إلى فمي،حرارة غير عادية تستفز أغواري،زفير صارخ يندلق إلى أعماقي،فقدت صلتي بالأشياء المتواجدة من حولي،فقدت صلتي بالعالم،في الفجر وجدت نفسي عارياً ،أتمدد قرب جدول ماء غريني،و(كان/كانت)..هناك(كلبة/كلب)لم أعد أميز جنس الحيوان،(كانت/كان)..(مقعياً/مقعية)..قربي،(ينظر/تنظر)..إلي نظرة خاصة جداً..!!
***
بدأت أفقد التفاصيل،أشياء كثيرة ومفيدة،لم أعد أهيمن على ذكرياتي العجيبة،بدأ شيء يلح،فكرة غامضة تتدحرج وتلغي العالم من حولي،أحاول أن أنسف أهدافها،أن أفككها كي أتمكن من استعادة بعض هدوئي،لكنه يباغت ويدحرجني إلى الليل،أبحث عن مطر،أبحث عن فجوة تسع ركام الزلازل والبراكين المندفعة بهمجية لا ترحم من أغواري،أمشي وأقف أمام المنازل الطينية للفلاّحين،أتلصص قرب الكوّات المستديرة لغرفهم،أسمع همسات وأنين،أسمع كركرات عاطفية،يرتسم أمامي مشاهد غاية في الانسجام والتناغم الجسدي،خائباً أنسحب،أمشي إلى كل مكان فيه ماء يطفئ نيران جسدي،وجدت نفسي فوق العادة،لم احتمل نفسي،وجدت في العبوة ثلاث حبّات مهدئ،تناولتها في محاولة إنتحارية،راح الجسد يغدو سفينة عائمة،وجدت نفسي أجلس قرب شجرة،أسندت جسدي على الجذع الرطب،بين متناوم ومتيقظ،وجدت(هي)واقفة جاءت ترأف بحالي،ناديتها،دنت وجلست قربي،وجدتها ظامئة،عيناها تتوسلان،أغوارها تقذف شرر الحب والشوق،صرنا معاً،مثلما كنّا نصير عاريين تماماً،ترقص وأرقص معها،وأخذتنا أمواج الطوفانات العسلية..!!
***
بوسع المرء أن يتجنب السقوط في فخ سقط فيه مرة،تلك هي حكمة نافعة لكل كائن واعي،لكن حين يتكرر السقوط،يعني لكم هو تعيس هذا الكائن،لكم هو ناقص عقل،بليد،لقد سقطت هذه المرة بالضربة القاضية،سقوط أحدث كل هذا المصير الذي بين يديك،قبيل الفجر بقليل قفزت من فراشي لحرارة لاهبة،حرارة لم أمسك خيط مصدره،راح يمزق أحشائي،ليس جوعاً طبعاً،دعني أحكي لك بكل ما لدي من تفاصيل حول هذه القضية المتطرفة،هنا(مربط الفرس)كما يذهب مثل شعبي،يتعلق بربط الأمور الحكّائية،هنا نقطة التحول الكامل لحياتي السريعة،ذهبت إلى دورة المياه،ثمة حرقة قاتلة،في مكان كوني،مكان الغرائز البشرية التي ستتواصل،بدأت أصرخ،بدأت أضرب الجدران بعنف،بيدي،برأسي،بدأت أركل بقدمي كل ما يعترضني،لا أحد يسمعني،أضع كائني في ماء مثلج،أجلس في الماء،روحي تهمد ووجهي يتلون،جاءت طرقات الباب،في وقت متأزم،وجدت البنت الحلوة واقفة،وجدتني أعتصر نفسي،وضعت فطوري على الأرض وراحت تركض،بقيت أتلوى قبل أن تأتي أم البنت راكضة،يتبعها زوجها الرجل العجوز،لم يعرفا ما بي،خرج العجوز وبقت المرأة قربي،بعد ساعة تقريباً وجدت(الأم)واقفة على رأسي..قالت:
ـ ماذا بك..
ـ أحشائي تتمزق..
لم تهدر الوقت،هرعت وأتت بمركبة حوضية لفلاّح يعمل في الحقل،أخذوني إلى المشفى،زرقوني بإبرتين،وزرعوا في يدي المغذي،استعدت وعيي،وجدت نفسي مربوطاً إلى السرير،ليس بوسعي التحرك،ناديت وصرخت،جاءت فتاة غاية في الجمال،متشحة ببياض كامل..صاحت في:
ـ أزعجتنا أيها الشقي..
ـ لم أنا مربوط..
ـ أنت تعرف لم ربطناك أيها الحمار..
ـ أنا حمار..
ـ نعم من كثر نهيقك فلقت رؤوسنا..
ـ أخرجوووووووووووووووني..
ـ ليس قبل أن يأتي الطبيب..
وكنت أنت الطبيب القادم لتقرير مصيري أيها الصديق الأخير..!!
***
الآن طبعاً سأبوح لك ذلك الجواب الدفين لذلك السؤال الذي قرأته في عينيك،سؤال محير،ربما خشيت أن تبوح به،أو من باب الاستحياء ليس إلاّ،وربما سؤال لم يتشكل بعد بسبب حالة استثنائية واجهتك في عملك المهني،وجدت في عينيك استفساراً منطقياً لما حصل لي..
في عينيك قرأت السؤال:
ـ هل فعلت شذوذاً..!!
ـ نعم واقعت حماراً..!!..(ها أنذا أجيبك بكل صراحة)..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفل قلبي(رواية)13
- قفل قلبي(رواية)12
- قفل قلبي(رواية)11
- قفل قلبي(رواية)10
- قفل قلبي(رواية)9
- قفل قلبي(رواية)8
- قفل قلبي(رواية)6
- قفل قلبي(رواية)7
- قفل قلبي(رواية)5
- قفل قلبي(رواية)4
- قفل قلبي (رواية)3
- (قفل قلبي)رواية 2
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4
- الحزن الوسيم..(رواية)3


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)14