أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه















المزيد.....

أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 16:58
المحور: المجتمع المدني
    


في فترة ما ، كنت طالبا أتلقى تعليمي في إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، ولا زلت أتذكر جلسة دار فيها حوار بين عدد من الطلبة العرب ، وكنت واحدا منهم ، حيث استهوانا البحث عن سبب ظاهرة وجود أكثر العلماء والاساتذة الجامعيين السوفييت ، وهم بعمر يقترب من سن الشباب ، في حين ، وفي الغالب أيضا ، يكون الاستاذ الجامعي في بلداننا أكثر لياقة لحمله صفة الاستاذية ، حينما يبلغ من العمر حدا يجعله يستخدم النظارات الطبيه ، ويحمل حقيبته الجلدية الانيقه ، بل ويتهادى بمشيته وقارا بين طلبته ... قد يبدو الامر لا يحمل في نظر الكثيرين جدية ترقى به الى آفاق الاهتمام ، وقد تكون هناك تفسيرات متفاوتة لسبب هذه الظاهره ، تجعلها بسيطة في مضامينها الى الحد الذي يجعلها ليست من الاهمية بمكان .. غير اننا ، وحينما كنا نلمح الاستاذ هناك ، رجلا كان أم امرأه ، كيف يرتقي السلم قفزا وهو في طريقه الى قاعة المحاضرات ، وكيف كانت بساطة الدنيا كلها تصطبغ بها ملابسه وملامحه بل وتصرفاته العفوية ، وهو يتحرك ويحاور ويقدم الدرس لطلابه ، كنا نحس بان في الامر سر لابد من معرفة كنهه .. ترى ، مالذي يجعلهم ، شأنهم في ذلك شأن جميع الاوربيين ، يظهرون وكأنهم قد إختصروا مراحل دراستهم ، ليبلغوا نهايات متقدمة فيها ، وهم لا يزالون في أبهى مظاهر الشباب ؟ .. أيمكن أن يكون الامر لا يتعدى خداع في النظر ، فبدت لنا الحقائق ليست كما هي ، بل محض خيال ؟ .
أترانا لم نكن نقدر أعمارهم الحقيقية ، وإبتعد عن مداركنا الضيقة في حينها ، بأن مراحل الدراسة هي متقاربة في كلا العالمين ، عالمنا وعالمهم ، و في هذه الحالة ، لابد من وجود تفسير آخر لما كنا نراه ؟ ..

للمرء في أحيان كثيرة أن يجنح عن اسلوب البحث المتخصص في شأن من شؤون الحياة ، ويركن الى الحياة نفسها ، ليرى ما فيها من مقارنات لا تحتاج الى تعب مضني في عملية الفهم الحقيقي لواقع ما تعيشه المجتمعات ذات الاصول المختلفه .. وبدون التعرض لضغوط التحليل الاكاديمي المتشعب ، يمكن وبكل سهولة أن نقرر أين نحن في حاضرنا من أمم سوانا ، تاركين الماضي بحاله ، لأننا والحمد لله نمتلك ماضيا تضيق فيه مساحات النور، وتشوبه زوايا يعمها الظلام ، حيث لم يسمح لنا بعد أن نهتدي وبشكل محايد لكشف المستور فيها ، بغية الوقوف منها موقف العالم وليس التابع .

لذا ، فانا لا زلت أذهب مرغما للتفكير بهكذا صور، من تلك التي تعكس إمعانا في اكتساب صيغ التثاقل في كل شيء لدينا ، نحن المنتمين الى عالمنا الرازح تحت وطأة الشعور بالكبرياء القاتله ، فكل شيء يحيط بنا يتحرك وكأنه يحمل أثقال الدنيا برمتها .. فنحن نمشي ، ونمضغ الطعام ، ونفكر بتثاقل مريع .. نبني مرافقنا العامه ، وننظف شوارعنا ، ونعمد الى انجاز معاملاتنا الورقية بتثاقل ممل .. نغادر بيوتنا الى مراكز عملنا ، ونؤدي ما علينا من واجبات وظيفية على راحتنا وببرود ما بعده برود .. ومن هنا على ما يبدو ، فان مراحلنا الدراسية تنتهي ، وكأنها قد قطعت اشواطا أطول مما هي عليه في بلادهم ، كونها هي الاخرى تسير مواكبة لما نحن فيه من تروي وهدوء في الحركه ..
.

إنني وباستمرار ، أجد ضالتي فيما أراه ، وأعيشه كواقع معاش لتتوفر لدي مادة اتحاور من خلالها ، مع نفسي على الاقل ، محاولا العثور على تفسيرات منطقية لاسباب تخلفنا عن المجتمعات المتطوره ، وقياس المسافة المحتمله من الزمن بين ما نحن فيه ، وما يمكننا من اللحاق بتلك المجتمعات لو توفرت لنا الاسباب ... وبقاء فكرة التباين الظاهري ان لم يكن الحقيقي بين اعمار اساتذتنا واساتذتهم خامرة في ذهني لحد الان ، هي واحدة من سمات هذا التوجه الاحصائي اليومي من قبلي لاوجه الحياة الفعلية للمجتمع الذي احل فيه .

إننا كنا ولا نزال ضحية إسفاف مدمر في تقمص شخصيات عديده ، لا يقاربها تصرف او سلوك بعينه ، تجعلنا عدائيين مع انفسنا ، نجلد في ذواتنا وباستمرار كونها ذوات ناقصه ، دون ان ندرك بان حالات الجلد لاتفي بالغرض منها ، غير المساعدة في ابقائنا في نفس الدائرة نشتم بعضنا بعضا ، ونقاتل بعضنا بعضا ، ونناصب لمن يشاركنا بناء هذا العالم العداء ، بحجة تآمرهم علينا ، وطمعهم في بلوغ خيراتنا المنهوبة أصلا من قبلنا دون مسوغ .. حتى أضحت ملامح حياتنا باهتة لا لون فيها ولا طعم ولا رائحه ، تغزونا على مدى التاريخ الحديث ، شهواتنا لأن نعيش في كنف نفس المجتمعات التي نبالغ بقذفها بشتى التهم البذيئة ووصمها بعدم الاخلاق .. ولذا بات من المفيد عقد مقارنات لا يشوبها التشنج العدائي المسبق ، بين ما نعيشه ، وما هم عليه من عيش ، ما يتسم به سلوكهم العام والخاص ، وما هو عليه سلوكنا اثناء ممارستنا لنشاطاتنا الانسانية .. مقارنات تحمل في طياتها حسن النوايا أولا ، وترك تلك الشحنة المدمرة من الكره المطبق على النفوس لكل ماهو غربي ، بحجة الدفاع عن رفعة العرق ، وخلق درجات من التميز بين الامم ، حيث راحت تلك الامم تضحك بمليء ما فيها من روح المرح من حالنا الذي بلغناه ، وما نحن فيه من تخلف مريع .

لا اعرف سببا منطقيا يجعل من البعض إظهار الثورة ضد مقارنات كهذه ، مع كون الكثير منها لا يمس بذات مقدسة بعينها ، ولم يتعرض للدين بأي فكرة أساسها المنكر .. إذ ما معنى ان يستنكر هؤلاء أية مبادرة ، ولو من باب التمني ، للتشبه بواقع ما تعيشه المجتمعات الراقية أيا كان دينها من حيث السلوك ، والسبب في كل مرة واحد لم يتبدل ، وهو إستهجان التشبه بالكفار ، في حين لا زلنا جميعا نحيا بما منحوه لنا اولئك الكفار من مدنية رغما عنا ، لا زالت تعيش معنا في كل مخدع ؟!.. أليس من المؤسف حقا أن تبقى ذات الحدود الفاصلة بين دعاة الفكر المتجدد ، والداعي لبناء حياة اكثر استقرارا وتطورا من خلال ارساء مباديء التعاون الحضاري بين الشعوب على اختلاف انظمتها السياسية والاجتماعية ، وبين من يحملون في انفسهم رهاب مزمن ، أساسه الكره المزمن ، لكل ما هو غير عربي وغير مسلم حتى لو كان ذلك الكره يؤدي في نهاياته الى عودتنا الى زمن العصور الوسطى ؟ ! .

كم كنت أتحسر على حالي ، وقد قدر لي العمل في بلادي مع مجموعة من المهندسين الاجانب، لكوني لم استطع ترجمة حبي لمشاركتهم في ممارستهم لرياضة الجري كل صباح الى فعل حقيقي ، لخشيتي من تهم جاهزة لي بعدم الوقار ، ستأتيني حتما من حملة دمي العربي الاصيل .. وكانوا حينما يتجمعون لممارسة تلك الرياضة دون تكلف ، تأكلهم نظرات المارة المشفوعة بهز الرؤوس ، أسفا على حماقات يلجأ اليها اولئك الوافدين من عوالم أفنت من حيثياتها متطلبات الهيبه .. وكم كانت حسرتي اكبر ، عندما تهيأ لي بعد طول عناء ، أن أمارس تلك الرياضة بعيدا عن ملاحقة ابناء جلدتي ، لعدم امكانية ان تأتي زوجتي أو إبنتي لمشاركتي ذلك النشاط الانساني الجميل ، والخروج من ظلمات الجدران الكونكريتية المطبقة على نفوسهن ليل نهار ، وهن يحتمين من عار الخروج عن مباديء الفضيلة ، لو حاولن اختراق تلك الجدران .

ماذا فعلنا ، وما هي جريرتنا حتى نبقى أسرى لهذا الواقع المر ؟؟ .. ولماذا نحن بالذات دون بقية الامم ، لا يبيح لنا ( فضلاؤنا ) أن نحيا بسرور ، فمنعوا عنا أعيادا خارج ما يقروه هم من أعياد .. وحجبوا من أمامنا كل فعل يراد منه التسلية والمرح ؟؟ .. ما معنى أن نبقى نحيا في عالم لا يبيح الضحك ولا تستهويه المتنزهات ولا يرغب بالخروج من قمقم الترهل ؟؟ .. كيف ستكون الحصيلة النهائية لأي منا حينما يموت ، ويطيب للآخرين حساب أيامه التي قضاها في دنياه ، غير أن يحصيها قتلة الفرح واعداء الحريه ؟ .. لماذا نرغم على البقاء في كنف مجتمعات تحارب نفسها بنفسها ، وتقتل كل ذي معنى جميل ، وتصر على تقديس مسالك الشر ؟؟ .. كيف لنا أن نتصف بصفة الاتزان في التفكير والسلوك ، حينما نبقي على مكابح عيشنا ومباديء تعلمنا وحركة سيرنا في الطرقات العامه ؟ .. ما معنى أن نهتف بحياة اوطاننا وننذر الغالي والنفيس تحت ساريات بيارقها المرفوعه ، في حين لا تمنحنا تلك الاوطان وتلك البيارق نتفة من أمان ، أو نفحة من مرح بريء ؟ ..

إنها ثنائيات لا تنتهي ، تلك التي تبرز مغلفة واقعنا المشوب بالقلق والحيرة ، والتي تجعل من المنطقي أحيانا أن يفكر كل منا بالتحرك سريعا بمفرده ، لانقاذ ما يمكن انقاذه خلال ما تبقى من نصيب له على هذه الارض ، وهذا ما يجري الان بالفعل .. وإلا فان سيوف المحاربين الاشداء ، من المستهينين باوجه الحياة الدنيا ، والمنكرين عليها معانيها واسباب وجودها ، سيكونون بالمرصاد لكل محاولة بالتغيير .

حينما يبلغ الادراك لدي هذا المبلغ الداعي الى الحزن ، افهم تماما ، لماذا كنا نشعر بأن أساتذتنا في بلاد الغربة ، وكأنهم قد اختصروا مراحل الدراسة ، ووصلوا الى نهاياتها ، بوقت أسرع مما هم عليه أمثالهم ، في مجتمعاتنا الوقورة حتى العظم .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والتاريخ
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
- حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
- عمار يا مصر ... 2
- عمار يا مصر
- نذور السلطان .. 5
- ما لا يدركه الرجال .
- نذور السلطان ... 4
- نذور السلطان ..3
- نذور السلطان ..2
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
- رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
- إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
- أفكار من أعماق الذات
- حقوق النساء ، وإستحالة الحضور مع الواقع العربي الراهن .
- إبحار في مشاعر أنثويه
- عام جديد .. وأمنيات شخصيه .
- حينما راح جذع النخلة يئن لفراق النبي


المزيد.....




- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه