أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - جلسة تحضير أرواح / في قرية (بريفزا) ..؟















المزيد.....

جلسة تحضير أرواح / في قرية (بريفزا) ..؟


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 2922 - 2010 / 2 / 19 - 22:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جلسة تحضير أرواح
في قرية ( بريفزا ) ...؟

سيمون خوري

" بريفزا " قرية صغيرة هادئة وجميلة تقع جنوب اليونان على البحر الأيوني . في هذه القرية التي تعتبر مقصداً لعشاق الأساطير اليونانية القديمة ، هناك نهر صغير حقيقي لكنه خرافي في جماله الطبيعي ، وأساطيره الرمزية التي تتناول السؤال الأبدي " ماذا بعد الموت أو ما هو الموت "..؟ يدعى نهر ( أروخودا ) ويعتقد اليونانيون القدماء ، أن " خاروس " أحد الإلهة القديمة ، أو ميخالي أو ميخائيل ، وهي إشتقاقات لفظية من ذات المنشأ ، ومن ذات النسل الفكري ( عزرائيل ) هو المكلف بتسلم الأرواح وحفظها ، يعبر" خاروس " بأرواح الموتى في هذا النهرالى أن يصل الى معبد ( نكرو مانديو ) وهي تعني مقر أو مجمع الأرواح .
في هذا النهر جرى تغطيس " أخالياس " من قبل والدته ، التي أمسكت به من كعب قدمه وإكتسب الخلود لكن مقتله كان في الجزء الذي لم يتعرض للماء وهو ما عرف لاحقاً ( كعب أخيل ) حيث أطلق عليه " أكتورس " سهمه وأصابه في كعب قدمه وأصاب منه مقتلاً .
في هذا النهر أيضاً وحسب رواية الشاعر العظيم " هوميروس " سأل " اوذيسيس " الأرواح فيما إذا كانت ستكتب له الحياة بالعودة الى وطنه . بعد رحلته الأسطورية .
وفي هذا النهر أيضاً عاقبت الألهه إمرأة شابة إرتكبت معصية فحولتها الى عصفورة جميلة زرقاء ، وسمحت لها بالعودة خلال فصل الربيع لكي تضع بيضها وتربي صغارها على أغصان هذا النهر الخرافي . ما أجمل هكذا عقوبات إلهية .
على ضفاف النهر وخلال فصل الربيع تتزين الأشجار بكافة ألوان العصافير الجميلة . سواء المستوطنة أم المهاجرة .
ويحرص العديد من السواح على الشرب من ماء النهر ، وحمل بعض ماءه الى بلدانهم كجزء من ماء مقدس إسطوري بصفته ماء الحياة ..؟ ويستخرج من بعض انواع أسماكة بيض السمك الذي يجفف ثم يشوى على الفحم ويحتوى على قيمة غذائية عالية . والجميل في الموضوع هنا ان هذا السمك هو طعام الفقراء اليومي .
القصص الإسطورية حول هذا النهر تتعلق بفكرة " خلود الروح " وإمكانية إستحضارها في معرض البحث عن حقيقة الوجود . وهي فكرة تحمل رؤية إبداعية قصصية جميلة يختلف تأويلها عن مفهومنا المعاصر. لكنها تكشف الى أي مدى شغلت فكرة الخلود ، وتأمل الواقع سواء المعاش أم الخفي ، والغوص في تفاصيل الماورائيات للعالم القديم . حتى أنهم إعتقدوا أن من يشرب من ماء النهر يكتب له خلود روحه ، لكن في حالة ( أخالياس ) وبصفته بطلاً إكتسب صفة الخلود الجسدي بإستثناء كعب قدمه . هكذا هي المعتقدات القديمة - الدينية . تعاملت مع ( أبطالها ) وحولتهم الى ألهه أو أنصاف ألهه ، أو ( أنبياء ) يملكون قوة معرفة ( الحقيقة ) من خلال إتصالهم بقوى أو قوة غائبة . وكل شعب يطلق عليهم الأوصاف التي تتناسب مع تطور دلالاته الرمزية الدينية – الثقافية . حتى لو كانت ( اللات والعزى ) أو إلإله المعجون بالتمر .
المهم ، المعبد لا زال قائماً الى الأن كموقع أثري ، وتمكن من الإحتفاظ بمعظم معالمه . وهو يتكون من غرف مظلمه نسبياً ، وممرات حجرية ، وقاعة للإغتسال والتطهر قبل عملية تحضير الأرواح ومناجاتها ، ومكان خاص لتناول طعاما تقشفياً متكرراً يساعد على الإغماء وجعلكة الذاكرة مثل ( الفول والفصوليا الحب الى جانب النبيذ المعتق ) . وبعد إنتهاء عملية التحضير الذاتي المرير لطالب الروح ، يجتاز ممراً طويلاً وفي نهايته عليه إلقاء بضعة أحجار خلفه على ( الروح الشريرة ) كنوع من الرجم وهو حجر الحياة وتنظيف الذات من الأخطاء الدنيوية . بعد ذلك يعبر غرفة ( نكرو مانديو ) مقر أو مجمع الأرواح . وهناك يتقدم بطلبه في سؤال من يريد
الملاحظة هنا أن الأسئلة عادة تدور حول حقيقة ما بعد الموت ، ولا أحد يتقدم بطلب زواج أو تحسين وضع وظيفي ، أو إجراء ( عمل أو تعويذه ) ضد الآخر. لأن قدماء اليونانيون كانوا على قناعة أن الماضي لا يملك إمكانية تغيير الحاضر. وعلى رأي فيكتور هوغو ، أن الرب لم يخلق سوى الماء .. بينما الإنسان صنع الخمر..؟
أي أن الإنسان لا يبحث عن خلاصة الدنيوي الفردي من خلال تعاطيه مع ما يعتقد انها قوى غيبية ، بل معرفة مصيره الأخروي . وإشباع رغبته في التوصل الى سر معرفة الوجود والهدف من الحياة . وبمعنى آخر أن المرء يعيش حالة شبه الموت في المعبد باحثاً عن الحياة المختبئة في ثنايا الموت .
الفيلسوف ( سقراتس ) قال " الموت لا يعني لي شئ هو مجرد ليلة بدون حلم " كان حاسماً وهو الذي كان يبحث عن الحقيقة من خلال طرح السؤال . فإذا غاب السؤال تعطل العقل ، وإذا تعطل العقل ، إنتفت حاجة المرء للحياة . وهنا يصبح الموت مطلباً يدفع البعض حياتهم ثمناً لليل طويل بلا أحلام . تختلف تسميات الموت من مكان الى آخر . بيد أن الموت هو الموت . وهي الحقيقة الوحيدة التي يتفق الجميع على برهان وجودها . سواء أكان الموت مذكراً أم مؤنثاً .
وعلى الرغم أنه من الصعوبة بمكان معرفة سر الوجود وإلا لتكشفت كافة ( الحقائق ) بيد أن العديد من رواد الحضارات القديمة حاول معرفة سر الحياة .
في ملحمة ( جلجامش ) العظيمة بإبداعاتها الفلسفية ، شكلت رحلة جلجامش نموذجاً راقياً لرحلة الوعي الإنساني في بحر الظلمات لإجتياز الحقيقة ومعرفة سر الوجود . إجتاز الذات بوصفها وعياً نحو اللاوعي بوصفها خافية . وتحول الى رمز سماوي وبشري معاً في محاولة إنفتاح العقل على ما هو محرم التفكير فيه حول أصل الأشياء والإنسان ، وما بعد الموت . وكانت نقطة الإنطلاقة الأولى المبكرة للعقل البشري ، في إطلاق الفكر الإنساني على أوسع مداياته الكونية . فلا سلطان على العقل سوى العقل نفسه إنها صناعة العقل . في العقيدة المصرية بنيت الأهرامات كمقابر لملوكها إنتظاراً لرحلة الشمس . في جنوب شرق أسيا إعتمدت فكرة إنتقال الروح الى جزيرة فردوسية . الديانات اللاحقة تخلصت من هذه العقدة الفلسفية ، وأسست لمفهوم الحياة بعد الموت في حياة أبدية .. دون تفسير هل هي حياة روحية أم جسدية . المهم أنها قفزت عن البحث في الموضوع عبر رده الى مرجعية صانع الكون هو الذي يعرف سر الكون . وبالتالي جرى طي الملف كما تطوى كل ملفات الفساد في بلادنا ؟
الكاتب " البير كامو " يقول لا أريد أن أؤمن أن الموت يفتح باباً على حياة أخرى ، الموت بالنسبة لي باب مغلق " . حتى " فرويد " في كتابه " قلق في الحضارة " يشير الى أن الإنسان يصاب بالقلق والأسى والحزن إذا أدرك أن لا حياة اخرى بعد الموت ؟ وقد تفقد الحياة قيمتها . ترى هل يصح في هذه الحالة القول ، أن حصولك اليوم على البيضة ربما أحسن من إنتظار دجاجة ما بعد الموت ..؟ .. أم ...؟ وأنت أدرى ماذا يختبئ خلف هذه ( أم ) . فكل شئ يمحوه الماء ... إلا معارضة السلطان ، أو إذا كان ظلك أطول من قامته . كما كان حذاء ( فهد ) وهو على عمود المشنقة في بغداد أكبر وأطول من قامة جلاده .
الخوف من الموت هو صانع كافة الأساطير الجميلة المتعلقة بالألهه ، والحياة الأخرى . وفي أحيان كثيرة الهرب من الحياة الواقعية كثيراً ما يعوض بمعادلة أخروية مرضية نفسياً . بيد أنه في كلا الحالات لايمكن أن يكون المستقبل حتى الآخروي على صورة ما تم تصويره في الماضي . في حفلة تحضير الأرواح ، تبقى كافة الأسئلة دون إجابة . لكن لنفترض ( جدلاً ) أن أحدنا تمكن من إستحضار روح ديكتانور ما أعتقد في حياته الأرضية أنه ظل ( الإله ) على الارض ، وطرح عليه سؤالاً واحداً " ما رأيك بما حصل معك ..؟ " أو لنضيف سؤالاً صغيراً آخر " ما رأيك بمن خلفك في الحكم ..؟ وبما أننا لن نتمكن من رؤية الروح ، لذا يمكن لنا تخيل ردة فعل روح القائد ربما بكاءاً ونواحاً مصحوباً برذاذاً كسيل ناري بإعتبار أن روح القائد ملهم الأمة في سقر ، وما أدراك ما سقر ..؟
الرحلةالى ( نكرو مانديو ) في قرية " بريفزا " تشابه رحلة ( جلجامش ) ورحلة ( رع ) . لجهة القيمة المعرفية – الفلسفية الإنسانية . لكنها أبدأً لا تتشابه مع سلوك العرافين المعاصرين مشعوذي الدجل والخرافات الذين بحاجة الى تحقيق قفزة حرة في أدمغتهم . أما قارئة الفنجان للسلطان فيا { ولدي ...}
المشكلة هنا ، أن البعض يملك أجنحة يستطيع أن يحلق بها كنسر في عالم المعرفة والفكر الحر ، والبعض له جناحا دجاجة ، لا يستطيع الطيران حتى لمسافة قصيرة . وخاصة عندما يتحول الدجاج الى قطيع من الغنم . فيما الذئاب تصرخ سواء أكان القمر بدراً أم رغيفاً من الخبز . وفي منطقتنا إذا أردت أن تعرف كيف تنتحر الأوطان لست مضطراً لمصادقة " دراكولا " ، بل بجلسة تحضير روح القائد الملهم ، وقراءة خطاباته وبياناته الصحفية ، وعدد المرات التي إختلى فيها مع نفسه ، وهو المكان الوحيد الذي يذهب اليه سيراً على الأقدام وبلا حراسة .



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة من المستقبل الى / عصر نهاية الديانات ..؟
- في حفلة زيزي حتى القطط والكلاب/ تعلمت معنى المساواة..؟
- دعوة الى صديقي الكلب المحترم / لحضور حفلة عيد ميلاد..؟
- خمرُُ في الجنة .. وشاي في الدنيا للمؤمنين..؟
- قبطي يولم في رمضان / ومسلم يحتفل بعيد الميلاد ..؟
- ثقافة الغريزة الجنسية في الجنة ..؟
- مطلوب أنسنة الأديان..وليس ثقافة الكوارث
- هل الجلد والرجم والقتل هي قوانين ( إلهية )
- هولوكست التاريخ / ج4 سفر التكوين والخلق في الأسطورة المصرية ...
- هولوكست التاريخ ..أنبياء أم قادة سياسيون ..؟
- هولوكست التاريخ / إعادة قراءة لإسطورة الخلق والتكوين ومصادر ...
- هل أدم هو الأسم الحقيقي للإنسان الأول ..؟
- طرقت الباب ... ( حتى ) كل متني ..؟
- الحوار المتمدن و تجديد الخطاب العقلي
- الله .. المزوج .. وجبريل الشاهد ..؟
- إختراع صيني جديد ... خروف برأسين ..؟
- لا حضارة بدون نساء.. ولا ديمقراطية بلا تعددية/ ولا ثقافة بلا ...
- عندما يحمل( النبي ) سيفاً .. يحمل أتباعه سيوفاً
- ينتحر العقل عندما يتوقف النقد
- تحرير العقل من سطوة النص المقدس


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيمون خوري - جلسة تحضير أرواح / في قرية (بريفزا) ..؟