أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - برهان غليون - الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة















المزيد.....



الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 182 - 2002 / 7 / 7 - 09:08
المحور: القضية الفلسطينية
    


   

 


رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر - السوربون

لم تشهد اسرائيل في أية حقبة سابقة من وجودها ما تشهده اليوم من خسائر مادية وبشرية على حد سواء، ولم تمر إسرائيل بمرحلة كانت فيها أقل أمناً من هذه المرحلة التي أراد لها رئيس السلطة الإسرائيلية أن تكون مرحلة الأمن المطلق، ولم يكن استقرار اسرائيل أكثر زعزعة مما أصبح عليه بعد أو بسبب عملية السور الواقي· ولن تكون إسرائيل أكثر خوفا من المستقبل وقلقا على المصير في أية مرحلة مما ستكون عليه في مرحلة بناء الجدار الواقي الذي تكرس الحكومة الاسرائيلية جميع جهودها لبنائه في سبيل عزل الفلسطينيين وإقامة نظام للتمييز العنصري السافر في منطقة الشرق الأوسط· ولم تكن ولن تكون أكثر عرضة للتهديدات الاقتصادية مما هي عليه اليوم بسبب الحرب المتواصلة التي يحلم أرييل شارون بإنهائها عن طريق وضع الفلسطينيين جميعا في زجاجة ورميهم في البحر·
والمشكلة أن أحدا لا يريد أن يعترف، لا هو ولا الدول الكبرى المعنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بأن كل ما يصيب إسرائيل الآن بعد سنوات من الاستقرار النسبي في ظل مفاوضات السلام المخفقة، هو ثمرة لهذه السياسة ذاتها وأنه لا مخرج من مخاطر التدهور نحو الجحيم الذي سيجر اسرائيل معه سوى الاعتراف بعدم شرعية الاحتلال من حيث هو كذلك وفتح مفاوضات جدية بهدف إنهائه· والعمل منذ الآن على حماية الفلسطينيين والسماح لهم بالعيش كبشر حقيقيين لا كطرائد للمستوطنين أو للمهووسين الدينيين اليهود·
يسعى الاسرائيليون إلى التغطية على مسؤوليتهم الرئيسية هذه فيما وصلت إليه الأوضاع في فلسطين والمنطقة عموما من التردي والعنف والانهيار الأخلاقي والسياسي والأمني بالهرب من مواجهة الواقع والتعلق بأسطورة محاربة الارهاب· ومن يقرأ ما تكتبه الصحف الاسرائيلية وما يصدر عن المسؤولين الاسرائيليين يعتقد أنهم بدأوا يعتقدون عن جد أن الاحتلال ليس هو المشكلة، بل ليس مشكلة على الاطلاق ولا يمكن أن يفسر أي عمل من أعمال الفلسطينيين· أما المشكلة من وجهة نظرهم فهي الإرهاب الفلسطيني والعربي الملتصق بالجذور والنابع من التفكير الديني وانعدام الانسانية والأخلاق· فهم يدافعون عن الحضارة والمدنية في مواجهة منظمات إرهابية ترفض الحوار السياسي ولا تريد إلا الاضرار بالآخرين وايقاع الأذى بهم· وهكذا فقد جعلوا من كذبة محادثات كامب ديفيد التي قدمت على حد زعمهم عرضا سخيا رفضه الفلسطينيون بسبب سوء نواياهم برهانهم الساطع على أن القضية ليست قضية احتلال ولكن بسبب روح الإجرام العربي الذي لا يحركه شيء آخر سوى إرادة القتال والقضاء على الاسرائيليين، خاصة الأطفال والنساء والشيوخ منهم· ويكاد الرأي العام الدولي، وربما رئيس الولايات المتحدة نفسها يقتنع بهذه الكذبة وينسى أن الذي أوقف المحادثات ليس الفلسطينيين وإنما رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك بعد أن أدرك أن عرضه يمكن أن يسبب له خسارة الانتخابات أمام خصمه الذي يزايد عليه· وقد خسرها بالفعل·
وإذا دلّ هذا الأمر على شيء فإنما يدل على أننا نحن العرب والفلسطينيين معنا قد تقاعسنا في خوض الحرب الإعلامية الضرورية للاحتفاظ بالدعم العالمي لقضيتنا وفقدنا بالتالي المبادرة في هذا الميدان· وهكذا سمحنا للاسرائيليين أن يضعوا أنفسهم في موقع الدفاع عن النفس ويلبسوا خصومهم الفلسطينيين، أي أبناءنا نحن، تهمة المعتدين، أي أن يقوموا بقلب الحقائق بطنا على ظهر· فالمعتدي الذي يحتل أراضي الغير ويصادرها ويطرد سكانها منها ويقيم عليها علنا وبمساعدات دولية مستوطنات أو مستعمرات يهودية يؤكد حرصه على بقائها وتوسيعها، أقول يتحول هذا المعتدي إلى ضحية للارهاب الفلسطيني ويتحول المعتدى عليه إلى الجلاد العدواني والغازي والارهابي·
ويستغل شارون العمليات الفدائية التي يقع ضحيتها عشرات المدنيين الاسرائيليين لتأكيد هذه النظرية· ولم يتردد الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية في التعبير عن نوايا هذه الحكومة عندما قال إن مجتمعا ينتج انتحاريين لا يمكن أن يكون شريكا في السلام· وهذا يعني أن الحل هو الحرب الدائمة حتى القضاء النهائي ليس على الإرهابيين وإنما أكثر من ذلك على المجتمع الذي ينتج الإرهابيين·
والحال أن الآية قد انقلبت الآن فأصبحنا نحن العرب نعتقد أن الاسرائيليين لا يفهمون لغة أخرى سوى القوة· وهذا هو الذي يشكل الدافع الأكبر للقيام بالعمليات الفدائية· وهكذا يمكن القول منذ الآن إن العنف الذي أراد له الاسرائيليون أن يكون الطريق الوحيد للوصول إلى إخضاع الفلسطينيين بدأ ينقلب عليهم ليصبح طريق انحدار المجتمع الاسرائيلي كله إلى جحيم أمني وٍسياسي وأخلاقي وأقتصادي لا قاع له·
لاشك أن استهداف المدنيين في عمليات تفجيرية متكررة عمل مستنكر في كل القيم والشرائع والقوانين والأخلاق الدولية، وينبغي أن يكون كذلك· وفي الصف العربي عبرت قطاعات كبيرة من الرأي العام الرسمي والشعبي عن شجبها لقتل المدنيين ودعت إلى ايقاف العمليات التي تستهدفهم وفي مقدمتهم السلطة الوطنية الفلسطينية ذاتها ورئيسها ياسر عرفات الذي أعلن أن الاسرائيليين يستفيدون من هذه العمليات للاساءة إلى سمعة القضية الفلسطينية ومنع الرأي العام الدولي من التحرك لمواجهة العدوان الاسرائيلي المتكرر على القرى والمدن الفلسطينية والتغطية على الاحتلال· وعندما يعلن الفلسطينيون القياديون ذلك، على مستوى الدولة والمجتمع الفلسطينيين معا، فإنهم يعنون ما يقولونه· ولا أعتقد أن هدف هذه البيانات هو دفع التهمة التي اعتاد الاسرائيليون إلصاقها بالفلسطينيين والعرب من باب الابتزاز السياسي فحسب·
لكن هذه الإدانة لا ينبغي أن تخفي الحقائق العملية والمسؤوليات الفعلية عن الوصول بالأوضاع الإقليمية إلى شفا الحرب المعممة، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الاندفاع نحو العمليات الانتحارية في فلسطين قد جاء بعد إغلاق اسرائيل جميع طرق العمل السياسي والدبلوماسي والسلمي عموما وتبنيها سياسة الإخضاع العسكري الوحشي للفلسطينيين لعلهم يقبلون من دون نقاش إملاءاتها ومخططاتها·
إن انكفاء المقاومين أو جزء منهم على العمليات الانتحارية لا يشكل استمرارا لخط دائم وثابت بقدر ما يعبر عن ردة فعل على سياسة القوة، ويسعى إلى أن يظهر للقيادة الاسرائيلية التي تعتمد صراحة منطق القوة والتي انتخبت لهذا السبب بالذات، أن الشعب الفلسطيني قادر أيضا على التضحية إذا استدعى الأمر ذلك وأنه مستعد لها· لكن في هذه الحالة فإن الموت، كما صرح بذلك زعيم حزب الله حسن نصر الله، لن يكون في جانب واحد فحسب ولا يمكن أن يبقى في الطرف الفلسطيني وحده· فالفلسطينيون يستخدمون القوة والعنف لردع إرادة الحرب والقوة والسيطرة التي يعلنها شارون وحكومته ويمارسها ليل نهار، أي في سبيل إجبار الاسرائيليين على العودة إلى الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي كرستها الشرعية الدولية عبر الأمم المتحدة وبالتالي إلى القبول بمبدأ حل النزاع عن طريق المفاوضات السياسية· بينما في المقابل تستخدم القيادة الاسرائيلية العنف سياسة رسمية لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والدفاع عن الاحتلال·
فهل هناك أمل في أن تقنع هذه العمليات الرأي العام الاسرائيلي بأنه لا يوجد هناك سور أكثر وقاية له من إنهاء الاحتلال والخروج من المناطق الفلسطينية والاعتراف بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة التي لا تكف الدوائر الدولية منذ الانتفاضة الثانية عن تكرار وعدها بها؟
ليس من المؤكد أن شعبا يعيش هو نفسه في عقلية الغيتو والحصار التاريخي بل الأبدي ويؤمن أن كل شعوب الأرض لا تفكر بشيء سوى إلحاق الأذي به مهما فعل من خير أو مهما كان حسن السلوك يستطيع أن يتوصل بنفسه لمثل هذا الاستنتاج· بل على الأغلب أن الاستيطان بالحرب هو الذي يتماشى بشكل أكبر مع نفسيته التي تغذيها ذاكرة الريبة والشك بكل ما هو آخر وغريب· والمسؤولية الرئيسية تقع على الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تستطيع وحدها أن تأخذ بيد الاسرائيليين وترشدهم إلى الطريق الصحيح، أي طريق الاعتراف المتبادل بالآلام والآمال والتضحيات مع الآخرين·
ولا نستطيع في هذه المناسبة أن ننفي أنه ما كان من الممكن للوضع الشرق أوسطي أن يصل إلى ما وصل إليه لولا التردد الأميركي الطويل في الاعلان عن موقف حاسم من الأحداث الجارية في فلسطين، مما أعطى الانطباع للاسرائيليين أن لديهم رخصة رسمية دائمة من أكـــــبر دولة في العالم للتصـــــرف كما يشـــــاؤون في الشرق الأوسط· والغريب أن الأميركيين الذين لم يكفوا عن القول إنه لن يكون هناك حل ولا وقف للإرهاب من دون إعطاء أمل للفلسطينيين، لم يفعلوا شيئا منذ إعلان السلطة الفلسطينية عن وقف العمليات الفدائية في هذا الطريق وتركوا الاسرائيليين يستكملون مخططاتهم الاستيطانية والعسكرية·
لكن لا ينبغي أن نشك أيضا في أن جزءا من المسؤولية في هذا التردد يقع علينا نحن العرب الذين لم نأخذ أمر شارون ولا أمر اسرائيل بجدية بالرغم من أننا نعيش حالة الحرب مع هذه الدولة منذ أكثر من نصف قرن· فقد استهنا كثيرا بالتهديدات وتنامي القوة العسكرية والسياسية والدبلوماســـــية والاعلامية الاســــــرائيلية واعتقدنا أن تصريحا منا نحن العرب كفيل بأن يدفـــع الولايات المتحدة إلى إرجاع حليفها الصغير إلى حظــــيرة الســياسة الرشــــيدة والعقلانية· والآن هناك من يعتــــقد في الولايات المتحدة أن من الممكن لقوة هذا الحليف الذي لم يعد صغيرا تماما أن تكون ذات فائدة كبيرة لتحقيق السيطرة الأميركية نفسها في المنطقة العربية·

 

الاتحاد 26/6/2002م

 

 

 



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرير الإنسان هو الأصل
- أصل العنف في مجتمعاتنا ... والسياسات الدولية غير العادلة ذرا ...


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - برهان غليون - الإرهاب الإسرائيلي وسياسة الحرب الشاملة