أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جهاد صالح - 45 دقيقة ضوء ...توثيق حكايات العائدين من الموت















المزيد.....

45 دقيقة ضوء ...توثيق حكايات العائدين من الموت


جهاد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 23:47
المحور: الصحافة والاعلام
    


يلوّح بعصاه نحو السماء، يد سوداء هي يد للموت القادم من الشرق وإليه، والضحية شعب دارفور (المسلم). يتابع الإلاه رقصته النرجسية، طقوس من الجنون الأعظم في تحدي الجميع.. يرفع هامته وسط أتباعه، وثوب أبيض لم يستطع أن يخفي رائحة الخطيئة والشيطان القابع من ورائه.
إنه البشير الذي خرج إلى العالم ليكمل الكوميديا الإلهية التي ما خجل من استعراضها عبر صناعة الموت بأداواتها من الجنجاويد (فرسان العرب) وضحاياها دارفوريون أصبحوا في مهب الريح.
يحاول الضمير العالمي انتشال بقاياه من رحلة الصمت بعد أن وقعت المجزرة التي راح ضحيتها حسب التقارير الدولية 300 ألف قتيل، وتشريد أكثر من خمسة ملايين آخرين منذ بدء الصراع رسميا في دارفور من عام 2003.
في يوليو 2008 أصدر المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية (لويس مورينو أوكامبو) مذكرة توقيف بحق البشير في قضية دارفور بتهمة أنه مجرم حرب يستحق تقديمه للمحاكمة.
يواصل البشير وفرسانه رقصتهم الطاووسية متهمين المحكمة بأنها ليست عادلة وحكمها سياسي، وكأن العدالة الحقيقية هي تلك التي تشّع من بين يدي الرئيس السوداني.. العدالة بالموت الجماعي لشعب دارفور التي عصفت دون أن تستثني لا رضيعا، ولا طفلا، ولا امرأة، ولا كهل ،حتى ألمّت بالحجر والشجر وبالبهائم المذعورة؟
من هنا يحلّق الإعلامي الإنسان (محمد اليحيائي) قاطعا المسافات ليسلط الضوء بشجاعة وشفافية
لا متناهية على جرح دارفور النازف في مخيم -كونونغو- للاجئين داخل الصحراء على حدود تشاد، حيث يعيش ثمانية عشر ألف لاجئ في هذه البقعة المؤلمة التي هي وطن لهم، بعد أن فقدوا وطنهم الأم قربانا في مملكة حاكم السودان وطغيان الحرب المجنونة وثقافة الاستبداد لأجل الاستبداد.
عيون بريئة حزينة قلقة ما زالت تحتفظ بكل ألوان ومشاهد الموت الرمادية، أطفال.. نساء ..رجال كهول.. بقايا من بشر تحت قبّة السماء الواسعة، وأرض تلتهب من تحت أقدامهم وكأنها تريد هي أيضا أن تلفظهم، كل هذا ضمن عدسة واحدة قد تكون صغيرة ولكنها مليئة بالسطور والعناوين والملاحم الفظيعة.. عين اعلامية لا تنام عن آهات الشعوب المغلوبة على أمرها، هي عين اليحيائي عبر قناة الحرّة الأمريكية في محاولة انسانية جريئة لتوثيق اللحظة قبل أن تموت وتدفن في رمل الصحراء مع موت الضمير العربي والإسلامي، تحت ثقافات الحذاء والعسكر والعمامات التي تحكم الأرض باسم الله؟
صمت يخيّم من حول المكان والزمن يقهقه ساخرا في حضور الظلم المستبد وهتافات تكبّر (الله أكبر) حين كتم الأنفاس وكبت أحلام الانسان في وضح النهار، وكأن السماء قد أوصتهم بذبح الشعوب ؟
خمس وأربعون دقيقة بلا تنفس وبلا ضجيج قضاها فريق التوثيق داخل جسد الصحراء وفي عمق الألم الدارفوري حين ترتعش الظلال مع اشتعال الذاكرة من جديد لاعادة ملامح اللحظة وصور الحياة الماضية الحاضرة بكل تفاصيلها وحيثياتها ..لحظات من الألم والانكسارات الداخلية ما منعت اليحيائي ورفاقه من طفح الشعور بعمق المأساة وهول المعاناة الانسانية.
تصوير المأساة من خلال عين واحدة قد تفتح عيون الآلاف من حول العالم للوقوف بجدية وحزم للتفكير دقائق بهذه الجريمة الوحشية، وكيفية إعادة الأعتبار الإنساني للضحايا ولكل من صُلبوا في انسانيتهم تحت عبائة السياسة وصهيل الحرب وعفونة الطغاة، الذين يبنون ويشيدون عروشهم على أعواد المشانق، وجماجم البشر، وحرق المدن، واغتصاب النساء، واغتيال براءة الأطفال، وإحلال الظلام مكان النور.
عبثية مدمّرة وتخريب ودمار ..غبار..بيوت طينية تئنّ في صلصال المشاعر، وخيم ممزقة تحاول أن تستر العورة، عورة من أرتكبوا الخطيئة دون رعشة، دون رحمة. وتدمع العدسة، يكاد زجاجها البلوري أن ينفطر، ترتعش اليد في رعشة ظلال الضحايا وسرد قصة الموت .. يفقد اليحيائي صوته الشجي حين تنوح الأم عن نفسها وعن أحبائها وأطفالها الغائبين عن الحياة ،وعويلها يخترق كل صمت الصحراء الأصفر بعد أن بقيت وحيدة في خضم رقصة البشير وأعوانه، وهواية كتم أنفاس الشعوب ووأد الرأي والصوت والحلم بحياة عادلة فيها خبز وماء وملح وسكّر وقليل من الشمس......
لاجئوا دارفور يصرخون.. يخاطبون العالم الإسلامي والعربي والغربي عن حكاياتهم مع الموت والظلم والإبادة، سيول من الحكايات والقصص والكلمات، وجوه تشققت من غبار الصحراء وبكاء الشمس حين شهدت ضحكة الموت وطوفان الدم بفعل البارود وغطرسة الطائرات وتحت حوافر أحصنة فرسان الموت والعروبة والإسلام. والجامعة العربية والأمم المتحدة التي تندد دون أن تجد طريقا للحل . فيما عيون الكاميرا تترقب، تتنفس، تستجمع كل الوجوه والصور والتعابير ضمن خط واحد وفي ذاكرة واحدة، تحاول أن تأخذ الحكايات وتوثقها في جسد واحد وداخل لوحة حياتية تعبيرية متكاملة الألوان والتفاصيل والتسلسل الزمني، وكل العناصر من جزّار وضحية ودم وجنون وموت وعسكر وأقدام عارية تهرول دون جهة، وثياب بيضاء .. سماء صامتة ..عويل .. آلهة كثيرة تنفث عقيدة الإبادة .. فيما عيون العالم تبصر لكنها عمياء، وردّة الفعل قليل من الحبر يراق على صفحة بيضاء وفرمانات بالعقاب والقصاص، ويظل الدم يُراق ويسيل أنهارا في جسد الصحراء. والإلاه الأسود يرقص رقصته المعهودة ، لكنه لم يستطع أن يلوذ بعيدا عن عيون الكلمة وجرأة التقصي بالصوت والصورة والحدث في توثيق الألم الانساني لشعوب الشرق الأوسط وافريقيا وبقاع الأرض ، في ظل حنكة اليحيائي وعشقه لثقافة الانسان واستعمال الإعلام أداة دفاعية عن الانسان ولأجله، سواء عبر برنامجه (عين على الديمقراطية)، أو من خلال مشروعه التوثيقي بدءا من كونونغو ضمن دائرة كبيرة تشمل في أزمانها القادمة كل الأمكنة التي تشهد ظلما ومجازر وآلام حياتية بفعل الإستبداد واقصاء الآخر، بهدف طرح آلام الشعوب والأوطان أمام الرأي العالمي في كل اتجاهات الأرض، ولدى كل المنظمات التي تدافع عن الإنسان والحريات، ليس لأجل الوصول إلى حلول ونهايات فقط ،وإنما لأجل عدم معالجة الخطا بخطأ آخر.. وحتى لايحل الظلام محل الشمس، ولتبقى ضمائر فرسان الكلمة وحقوق الإنسان حيّة مستقلة شفافة ولا تنجرّ وراء ظلم الطغاة ليتحولوا لطابور خامس بيد الاستبداد وطغاة العالم وخاصة في شرقنا الحزين.
خمس وأربعون دقيقة بلا تنفس وبلا هواء وبلا ماء قضاها اليحيائي ورفاقه الأعلاميون بكل ايمان وثقة لأجل نقل صراخات أهل دارفور ألينا عبر قناة الحرّة الأمريكية التي تسعى لأن تكون صوت مدافعا عن الحريات وحقوق الإنسان، وأرساء ثقافة العدل والمساواة وحرية الرأي والتعبير بين جميع شعوب الأرض من خلال الكلمة والصورة.
هكذا كان الحدث وهناك كانت المأساة وما زالت، ومن هنا لم تنتهي الحكايات والآلام وأحلام الحرية وعين تظل ساهرة، عدسة تترقب وتراقب، لتقتفي أثر كل ما هو غير مألوف من الإنسان وفي سبيل الإنسان، ابتداءا من دارفور وإلى كل مدينة وعاصمة وبقعة تشهد قتلا وابادة وسجون ومنافي ، وكلمة تظل تسافر عبر مساحات الأرض وخرائط الإنسان دون حدود ورقابات، وتردد أمام حواجز أسلاك الكونسرتينا، وفي البدء كانت الكلمة وستظل.



#جهاد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاما لوالدي ورفاقه في معتقلات البعث
- حين تٌضيء القناديل قطرة المطر
- آفاق الحرية الامريكية وماهيتها لدى المرأة الشرقية
- ظلال الخطيئة الرشيقة
- القصيدة الأخيرة
- الانسانية والحرية في المعاناة الشعرية
- رعشة نار
- أوباما المحاور في الارض الساخنة
- معارضة بياقات بيضاء
- سوزان عليوان وانكسارات الحزن في طريق واحد
- رهانات وانتصارات من ورق
- دولة القانون
- فدوى الكيلاني...قصائد تعشق عبق النرجس الكردي
- الشاعرة اللبنانية: سامية السّلوم.. تتحرر من صمت الذاكرة إلى ...
- حينما أشعل إبراهيم يوسف قناديل الروح في كتاب الادّكارات
- الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية
- في اليوم العالمي للطفولة: أطفال سوريا .. ضياع واحتراق ومصير ...
- الحرية لرجال يصنعن الأوطان
- جمانة حداد ليليت المتمردة على قوانين الوجود والحياة
- مشاركة المراة في العملية السياسية ودورها في صناعة القرار


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جهاد صالح - 45 دقيقة ضوء ...توثيق حكايات العائدين من الموت