أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في تفقد الواقع وأشياء أخرى















المزيد.....

في تفقد الواقع وأشياء أخرى


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 19:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


برزت في العقد الأخير مقاربات للشأن العربي العام تمنح قيمة تفسيرية كبيرة للثقافة، مقلصة عموما إلى الدين. وكنت تناولت هذه الظاهرة التي كان من روّادها مثقفون سوريون مكرّسون في مادتين نشرتا في "ملحق النهار"، "نظرية الحتمية الثقافية في الثقافة السورية، مقالة صد العناد" (24/5/2009)، و"الثقافوية العربية المعاصرة: خصائص منهجية ومحددات أساسية" (13/12/12/2009). والمقالة الأخيرة حظيت بتعليق من الأستاذ عبد الهادي عيد بعنوان: "النقد الثقافوي للثقافوية" (النهار، 6/1/2009). يأخذ عليّ فيها أشياء متنوعة، من أبرزها غموض مفهوم الواقع الذي قابلته مع مفهوم التغيير بالمعنى التاريخاني للكلمة، وقد بدا لي مشحونا ببعد خلاصي كثيف، ومع مفهوم الهوية، أو رد الواقع إلى الهوية (عربية، إسلامية..). من هذا الباب كنت في مقالتي المنقودة، "الثقافوية العربية المعاصرة.." تحفظت على النسبة العربية لأوجه الواقع التي يتناولها أكثرنا. فما يقارب بين العرب هو الثقافة أو أوجه متعددة لها، لكن الدولة والسياسة والدين والعشيرة والطائفة والاقتصاد الريعي والليبرالي.. تبقى كلها خارج المقاربة العربية التي تمسي أكثر وأكثر بلا موضوع.
أردت في المقالة القول إن تفسير شؤوننا (وإطار إحالتي الواقعي سوري دوما) بالثقافة العربية أو بالدين الإسلامي تفوت أشياء كثيرة. وفي "نظرية الحتمية الثقافية.." كنت قلت إن الثقافوية هي سياسة وموقف سياسي متعيّن جدا ضمن شروط متعيّنة. لكني بالفعل لم أتناول بالتحليل بنية الواقع الذي "يفرز" تحليلات ثقافوية وفيرة، وكان جديرا بي أن أتساءل عن الشروط التاريخية والاجتماعية والمعرفية الكامنة وراء صعود الثقافوية. في السياق السوري على الأقل، حيث يبدو لي أنه لا يصعب تبين تلك الشروط.
لكن الأيام آتية وقد أفعل. وأصارح الأستاذ عيد أني كتبت مقالة الثقافوية على هامش مادة أطول قليلا تتفقّد مفهوم الواقع في ثقافتنا المعاصرة، وتنتقد تاريخانية العروي بخاصة. عسى أعود إليها قريبا.
عدا ذلك يبدو لي أن الواقع الذي أنكرت رده إلى الهوية، وانتقدت النظر إليه من زاوية التغيير (بالحرف الكبير أو بالمعنى التاريخاني) يعرف بلغة العلوم الاجتماعية، السوسيولوجيا والاقتصاد والسياسة والجغرافية السياسية، وبالطبع التاريخ. أنا كاتب هاو، لكني حبّرت مواد متنوعة في هذا المجالات جميعا، موضوعها الواقع السوري أساسا. وإن لم تحل دون الاستمرار في هذا العمل حوائل لا تطاق فإني مداوم عليه. هذا فوق الانخراط العملي فيما يستطاع من مشكلاته. قد لا يكون الأستاذ عيد مطلعا على مجمل عملي، لكني لا أستطيع اقتراح تعريف للواقع غير هذا المجمل. والانشغال بالواقع هو ما حدا بي إلى تجنب التعميم والكتابة عن سورية تحديدا، على عسر معلوم لذلك. ليس لذلك صلة بانفعال سلبي حيال العروبة. أنا أقرب إلى العكس. لكنه جهد لتمثيل سورية والانضباط بواقعها وكسر تطابقها المزعوم مع سردية فقيرة تطابقها مع حاكميها.
هذا من باب التعليق على النقطة التي بدت لي الأهم في مقالة ناقدي.
هناك نقاط أخرى، تفصيلية بعض الشيء.
بخصوص تعريف الثقافوية، قدمت لها تعريفا إجرائيا: تفسير المجتمع والسياسية بالثقافة، لكن المقالة ككل تعريف لها. وكذلك المقالة الأخرى، "نظرية الحتمية الثقافية..". الأستاذ مطلع على مواد متنوعة لي، وقد أدرج اطلاعه على بعضها في نقده لمقالتي، لكن من الذاكرة وبصورة غير موفقة في رأيي. نسب إلي مثلا أني ميزت بين ثقافوية عالمة ممثلة بعبد الله العروي وياسين الحافظ وثقافوية أمية يمثلها جورج طرابيشي. لا شيء من ذلك في مقالتي المنقودة، ولا في المقالة التي يبدو أن الأخ عيد تذكرها، وكان عنوانها "العلمانية الأمية: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية والدولة" (المستقبل، 20/12/2009). والواقع أني لم أقل إن العروي والحافظ ثقافويان أصلا. حاولت إرجاع أصول الثقافوية المعاصرة إلى مفهوم التأخر التاريخي الذي يجعل الواقع بلا قوام ذاتي فيقلل من شأن معرفته وسياسته والوجود فيه، وإلى المذهب التاريخاني للعروي؛ وكان الحافظ شريكا في هذه الرؤية. هذا شيء والقول إنهما ثقافويان شيئ آخر. أما وصف طرابيشي بأنه ثقافوي أمي، فلم يصدر عني قط. في المقالة موضع النقاش وصفت طرابيشي بأنه ثقافوي خالص أو يكاد. وفي "العلمانية الأمية..." قلت إنه علماني عالم، لكن في علمانيته (وآخرين معه) خيوط أمية تسهّل، إذ تعرف العلمانية بدلالة الدين حصرا (عمليا الإسلام السني في سورية)، اعتبار كثيرين أنفسهم علمانيين بينما هم يحملون كل عتادهم الديني أو المذهبي معهم. والواقع أني ميزت في المقالة المنقودة نفسها بين ثقافوية عالمة قلما تكون خالصة، وثقافوية أمية خالصة غالبا، فكان أن تأوّل الأستاذ أن المعني هو جورج طرابيشي. هذا غير صحيح. ذكرت أن الثقافوية العامية الخالصة تأسف لتغير السياسة الأميركية وتدرج نفسها في سياق "صراع الحضارات"، وتجد في شبكة الانترنت مراحا واسعا تصول فيه وتجول. في سورية غير ممثل صادح النبرة لهذه الثقافوية الأمية، ليس بينهم الأستاذ طرابيشي.
الأستاذ عيد على حق حين يأخذ علي أن لم أذكر اسم ممثل واحد للثقافوية الإسلامية. بدا لي أن الأمر واضح جدا. ولا أكاد أعرف إسلاميا واحدا لا ينطبق عليه ذلك. كنت تناولت القرضاوي في بعض موادي، وأرجو أن يكون مناسبا التمثيل به على الثقافوية الإسلامية.
لكني لا أرى الأستاذ محقا في مساءلته لي عن ضرب العلمانية الذي نسبت الثقافوية العلمانية إليه، فرنسية أم إنكلوسكسوينة. هذا تزيّد لا لزوم له في مقالي.
ولعل ضربا من التزيّد أيضا يكمن وراء قوله إن كلامي على مشروعي سيطرة موافقين لتنويعتي الثقافوية لا يشير إلى طبيعة المشروعين، قبل أن يجعل إغفالي المفترض هذا غيابا، ثم يجعل الغياب تغييبا لا ينجح في إخفاء حضور يصفه بالكثيف لعناصر المشروعين، قبل أن يمضي ايضا إلى مطالبتي بفضح هذا التغييب وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى غياب لا أثر له.... إذا لم يحصِّل القارئ شيئا من هذه الجملة الطويلة فلأني لم أحصل شيئا مثله. لكن يبدو أن الرجل يفترض شيئا (عدم إشارتي إلى طبيعة المشروعين..)، ثم يبني عليه شيئا آخر (ليس غيابا بل تغييب..)، ثم يلومني على أني لم أعتن بتوضيح طبيعة هذا الشيء الآخر. كان الله في عوننا جميعا.
من النقاط التفصيلية أيضا التي تستدعي تعليقا وصف الكاتب لي أني لا أحب كلمة "حل"، وأني أدعو إلى الكف عن التفتيش عن الحلول. واضح من مقالة الأستاذ عيد أنه مثقف واسع الاطلاع وذو ذائقة. لكن يدق على فهمي أن يسمح مثقف مثله لنفسه بصوغ جملة كهذه التي أوردتها للتو. انتقدت مفهوم "الحل" مرة وأكثر. انتقدت شحنته الخلاصية، المهدوية إن شاء ناقدي، في عبارات من نوع "الإسلام هو الحل" و"الحل الاشتراكي" ومعادلاتهما. "الحل" يعدم الواقع ولا يحل شيئا. لا علاقة لذلك بحب كلمات ومقت غيرها. لا أخوض حروبا ضد كلمات ولا أتعبد لكلمات. وبالقطع لم أدع الأستاذ عيد ومن يدرج نفسه معهم إلى الكف عن البحث عن حلول.
في مكان آخر يشعر ناقدي أن من واجبه تذكير القارئ "بأن الكاتب (أنا) من أكثر منتقدي مصطلح الممانعة بالمعنى السياسي الذي درج في السنوات الماضية". ليس واضحا لي إن كان ما دفعه إلى هذا التذكير كلمة "الممانعة" التي وردت في جملة لي كان اقتبسها لتوه ("الاشتباك مع الواقع والتمرس بثقله وممانعته")، أم هو ما أضفته في الجملة نفسها من وجوب "الانخراط في صراعات اليوم". أيا يكن يبدو لي التذكير أعراضيا جدا.
بلى، أنا من نقاد الممانعة. ولا ريب أن الأستاذ قرأ مقالتين لي أو ثلاثة في نقدها ما دام نفحني بصفة "من أكثر منتقدي الممانعة..". وسبب نقدي بسيط: إنه لا لزوم لي ولأمثالي في سياسات الممانعة وهياكلها وعقيدتها وخطبها وكرنفالاتها ومنابرها وأعلامها وشبكاتها وريوعها..، ولا لزوم للجمهور السوري العام إلا كركيزة غفل لسياسات اقترنت على الدوام بنسيانه كيلا نقول أكثر. وأشك في أن يكون الأستاذ عيد أكثر لزوما لأهل الممانعة. فإذا لم يكن تداعي الألفاظ بل عبارة "الانخراط في صراعات اليوم"، هو ما أورد على بال الأستاذ عيد الممانعة وانتقادي لها، فالأمر يغدو ناطقا أكثر. هناك صراعات كثيرة يمكن للمرء الانخراط فيها في بلده وفي إطار أوسع يتجاوزه، لا تقتضي فقط عدم المرور بالممانعة بل ربما تستوجب نقدها ومقاومة علاقات السلطة التي تصدر عنها. وأقدّر أن مدرك الممانعة ربما يحوز صدقية وتشريفا لو جرى تحري مدى انطباقه على علاقات المحكومين في مجتمعاتنا بحاكميهم الموسرين والراضين عن أنفسهم.
تبقى نقطة أخيرة تتصل بما لاحظه الناقد من وضعي مدرك الإسلام بين قوسين. الأمر متصل بكل بساطة في التباس المدرك وتنوع الظواهر التي قد تندرج ضمنه، وبتحوّط من توظيفه الدوغمائي، أي اعتباره شيئا واضحا بذاته، بديهيا، علما. لا شأن لذلك بتشككي في نسبة الإسلامية المعاصرة إلى "الإسلام" على ما بدا للأستاذ عيد، ولا بتشكك في الإسلام ذاته. أما الإسلامية التي سجل الأستاذ عيد بحق "صمتا مطبقا" من طرفي عن تعريفها، فهي الشكل التاريخي الراهن للإسلام. وعند اللزوم قد يمكن تمييز وجوه ووجوه فيها، أبرزها اليوم سياسي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس
- استئناف نقاش غائب في شأن مفهوم الإيديولوجية وإحالاته


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في تفقد الواقع وأشياء أخرى