أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل السعدون - مهمات بناء الهوية الوطنية - المقال الأول والثاني















المزيد.....

مهمات بناء الهوية الوطنية - المقال الأول والثاني


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 886 - 2004 / 7 / 6 - 05:13
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


مهمات بناء الهوية الوطنية
المقال الأول
الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ، إن الإنسان العراقي عامة ( والكاتب منهم ) نفتقد إلى المقومات الأخلاقية والسلوكية التي تؤهل لمواطنة حقة ، كخطوة أولية للارتقاء إلى المواطنة الإنسانية ….!
لقد تأكد عبر العشرات الثماني من السنين التي أزفتْ ( منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة ) ، أن المواطن لم يولد !
هذه حقيقة …ولدت دولة …ولد وطن حديث بحدود حديثة وزعامة وطنية ودستور وبرلمان وشرطة وجيش وقضاء …ولم يولد المواطن …ولم ينشغل أحد جدياً بمحاولة إنجابه …!
الموجود الذي امتلكنا أيام الدولة المستعمرة للأتراك ، هو ذاته الذي أستمر بيننا….أبن القبيلة أبن الطائفة عضو الحزب أبن الطبقة أبن البلدة أو القرية أو الأسرة أو أبن القومية أو ….الخ .
هويات وهويات عديدة ، ما أكثر ما اضطربت مع بعضها في وعاء الوطن حتى تصدع من اضطرابها وأنتُهك مرّات ومرّات وأندلق كل ما فيه ، وأعيد ملأه على عجل بذات العناصر المضطربة …!
حسناً …كل تلك الهويات الثانوية القديمة قدم الدهر ، تمثل إرادات فئوية وعواطف فئوية وتصورات وقناعات فئوية ومصالح جزئية تخص تلك الفئات الصغيرة ، وبالتالي فكل تلك الهويات كانت تسعى لأن تنحو بسفينة الوطن جهة شطآنها .
القبلي يرى في الوطن مضارب قبيلته ويسعى لأن يكون الوطن كله مضرب قبيلة إذ تبتلع الجغرافيا والتاريخ والهويات الأخرى من قبل شيخ القبيلة والطبقة القبلية العليا ، أو أن يحصل اعتزال القبيلة للوطن حين تعجز عن استباحته ( نماذج الدول الخليجية خير شاهدٍ على هذا النمط الأول من ابتلاع الهوية الصغرى للكبرى ) .
الطبقي ، يرى في الوطن ساحة حرب الطبقة مع الطبقات الأخرى أملاً بنحرها أو الاستحواذ عليها وابتلاعها ، وبذات الآن فهو يرنو إلى طبقته في الخارج وإن كان الخارج البعيد ، على إنها الأحب إليه والأقرب إلى نفسه من جاره أو أخاه أبن الطبقة الأخرى ( نماذج الدول الاشتراكية سابقاً خير مثال على ذلك*** ) .
القومي يرى أن الوطن لا بد إلا أن يكون ساحة إثبات جدارة وكفائتة ورقي أمته وسيادتها ، ومثل هذا لا يتم إلا بأن يخضع كل القوميات الأخرى لقوميته ، ويبتذل ثروات الوطن ومصالحه وحرماته للقومية التي ينتمي إليها ، أو أن ينكمش في زاوية من الوطن إذا تعذر عليه الانتصار لقوميته والارتقاء بها فوق الآخرين …!
( النموذج السوري والصدامي والمصري أيام عبد الناصر …الخ )
أبن الأسرة الذي يرى أن حدود الوطن ينتهي بحدود زعامته لأسرته وبنوه ، يختزل الوطن عنده إلى مجد الأسرة وارتقائها أو حتى يكفيه خروج الأسرة من تحت خط الفقر مثلاً إلى مستوى الطبقات العليا من المجتمع ، وبالتالي فإنه مستعد لبيع الوطن من أجل رقي شخصه وأسرته ( ولنا في الفلسطينيين الذين يبيعون أهلهم وجيرانهم من زعماء المقاومة بثمن بخس من أجل اللقمة والرقي المادي ، أو العراقيون حين نهبوا متاحف بلدهم وباعوها للغرباء من أجل بضعة دولارات ترقى بهم مادياً ولو بشبرٍ واحد ) …!
_________________________________________________________***
وهنا نود أن نستدرك أن اليسار الماركسي العراقي لعب دوراً خطيراً في نقل الوعي السياسي والثقافي العراقي إلى مديات حضارية متقدمة للغاية من خلال الزج بالإنساني التقدمي مع الوطني التقدمي في بوتقةٍ واحدة ، مضافاً إلى أن الوطنية لدى الشيوعيين جليةٍ بقوة ، وهناك أسباب عديدة لذلك أبرزها أن العراق بلد نامي وبالتالي فحسابات التطور الرأسمالي والصراع الطبقي لم تكن غاية الجلاء عندنا مما جعل الشيوعيون يتفرغون بقوة للهم الوطني وربط الطبقات الكادحة والأكثر تجلياً في الساحة الطبقية العراقية ، ربطها بقوة ببعضها ومن كل أثنيات الشعب العراقي مما نجم عنه وطنية عراقية حقة ، ولولا تأثيرات الشقيق الأكبر لأمكن للحزب الشيوعي العراقي أن يتحول إلى الحزب الوطني الأول في الساحة ولما أمكن للفكر القومي أو الطائفي أو القبلي أن يكون له هذا الحظ الذي ناله عقب سقوط الزعيم قاسم ….!
وللمقال بقية ….


***************
مهمات بناء الهوية الوطنية
المقال الثاني
قراءة في أسباب عدم تشكل الهوية الوطنية
كامل السعدون


نعود إلى الهوية الوطنية ، فنقول أنها لم يتسنى لها أن تتشكل على مرّ تلك الأعوام الثمانون من عمر الدولة الوطنية العراقية الحديثة ، فما أسباب ذلك :
1- عمر الدولة الوطنية لا يتجاوز البضعة عقود ، قياساً إلى عمر الهويات الأخرى الذي يرقى إلى سقفٍ زمني يتجاوز الآلاف من السنين ، كالقومية أو الدين أو الطائفة ، ومثل هذا الوقت بما أشتمله من اضطرابات إقليمية ودولية لم يسمح بتأصيل هوية وطنية بشكلٍ تلقائي .
2- أغلب الهويات التي اصطلحنا على تسميتها ثانوية ، هي في واقع الحال هويات متأصلة في العقل الفردي والجمعي ، وبالتالي فهي تمثل نقاط الارتكاز للتوازن السيكولوجي للفرد كما وعنصر الأمان له ولأسرته من حيث أنها تربطه بمجوعة بشرية أكبر وأقوى وذات عمق تاريخي ، وتلك المجموعة تمنح لمن ينتمي لها الأهمية والدعم المادي والرعاية والإعجاب وتؤمن له مستقبله ، في حين أن الهوية الوطنية الجديدة على عقل الفرد وقلبه لا تعد بالكثير من الاهتمام والأمان والرعاية والإعجاب والدعم بل والمنطقية والمعقولية ( ماذا يربطني بناس لا أعرفهم ولا ألتقي معهم في لغة أو دم أو مصلحة …الخ ) .
الهوية ملتقى الأرادات الفردية على مشتركات معروفة وموثوق بها من قبيل الدم ، الإيمان العقائدي ، الطائفة أو الإيمان الديني ،
المصلحة المادية …الخ ، ومثل هذا لم يتجسد بعد في شخص تلك الهوية الواسعة الفضفاضة المسماة الوطنية ، مضافاً إلى أن هناك قسط من الاختيار في شخص الهويات الأخرى ، بمعنى حين أكون قد ولدت في أسرة معينة أو وجدت أسرتي على هوى أيديولوجي أو قِبلْي أو قومي معين ، فأنا تلقيت هذا الهوى بشكل أوتوماتيكي مع التربية ، ومنذ أيامي الأولى وإذن فأنا بشكل ما أتماها مع تلك الهوية وأرى في انتمائي شيء طبيعي يصل إلى مستوى اليقين المريح الذي لا يقبل الاستنكار أو الشك ، وهنا أبدو وكأني اخترت ولا أرى تناقضاً بين هويتي الفردية كإنسان وتلك الهوية التي وجدت أهلي ينتمون إليها .
الاختيار هنا هو اختيار غير واعي ، ولكنه قوي قوة الإيمان واليقين .
وبالتالي فمن الصعب الإفلات منه ( إلا من رحم ربي ، وأمكن له باكراً أن يعي ويختار خيارات واعية ) …!
الهوية الوطنية ، لم يتم تلقيها باكراً مثل بقية الهويات ، ولم يتم معايشتها بشكلٍ بهيٍ مثل الهوية القبلية أو الطائفية أو القومية ، ولم يتسنى لها من يعنى بتثقيفها وغرسها بعناية وسقايتها بما تسقى به الهويات الأخرى من اهتمام ورعاية واحتضان للفرد .
3- تتدرج الهويات المختلفة حسب مستوى وعي المرء وحجم تحصيله الثقافي ، وفي الشرق عامةٍ والعراق خاصة ، لم يتسنى للناس التخلص باكراً من الأمية والجهل وبالتالي ، فإننا لم نزل في مرحلة من الوعي تقارب مرحلة الطفولة أو المراهقة الأوربية قبل خمس أو ستمائة سنة ، وفي مثل هكذا مرحلة من العسير علينا استيعاب الهوية الوطنية بما تحمله في جوهرها من متناقضات عسيرة على الفهم ( وجود أقوام من قوميات أخرى ، أديان مغايرة ، طوائف متفرقة ، قبائل مختلفة ، مستويات مختلفة من أنماط العيش )…الخ

ولماذا الأولوية للهوية الوطنية :
___________________
هنا يعترضنا أكثر من سؤال ، الأول
لماذا نفترض أن الهوية الوطنية ينبغي أن تأخذ المكان الأول في قلوب الناس وعقولهم وإن كل الهويات الأخرى ينبغي أن تنزل إلى المكان الثاني والثالث والرابع و…الخ ؟
في الحقيقة ، أن هذا هو ما ينبغي أن يكون في هذه المرحلة المتقدمة من تاريخ الوعي الإنساني ومستوى رقي البشرية ، ليس أمامنا في واقع الحال إلا هويتان الوطنية والإنسانية وكلاهما يفضيان لبعضهما ، وكلاهما ينبغي أن يتعايشا بوئامٍ تامْ .
وكل الهويات الأخرى ينبغي أن تنضوي تحت جناحي هاتين الهويتين على الصعيد العالمي ، أما في الداخل الوطني فينبغي للهوية الوطنية أن تضم كل الهويات بحبٍ دون أن تذوب في أيٍ منها أو أن تتبادل الأدوار مع أيٍ منها .
لا خيار للأسرة في أن تعيش لوحدها بانفصال تام عن المحيط ( الأسر الأخرى ) أو أن تتزعم هذا المحيط بعقليتها الأسرية وقوة تمسكها بانتمائها الأسري ، لأن هذا سيؤدي في الحالتين ، أما إلى تعفن هذه الأسرة في بيتها بحكم افتقادها لأوكسجين الآخرين وتبادل الخدمات والمصالح مع الآخرين ، أو إلى انتفاخها عبر ابتلاعها للأسر الأخرى فيفضي بها ذلك إلى تعسر هضم ما ابتلعت من أشواك وأنياب ( إرادات مختلفة ومصالح مختلفة ) ، وبالتالي انفجار هذه الأسرة وتشظيها أو تسطيحها للآخرين فيستحيل الوطن كلّه إلى كم من الرجال والنساء الأذلاء المقهورين المتخلفون في الوعي المهزوزوا العقلية ( تجارب دول القبائل موجودة بقوة في محيطنا والتجربة الصدامية شاهدٌ على بشاعة الأسرة أو القبيلة وما بمكن أن تفعله للآخرين أو تسببه من قهر ) ، وذات الحال مع الطوائف والطبقات والقوميات ( التجربة الناصرية أو الصربية أو الكورية أو الكوبية أمثله صارخة على انتهاكات الهويات الثانوية لكامل النسيج الوطني ) .
قد يصدمنا هنا سؤالٌ ، هو لماذا نفترض العدوانية أو الانعزالية على الهويات ما دون الوطنية ؟
ببساطة ، لأن تلك الهويات ، كما أسلفنا تمثل إرادات جمعية صغيرة مختلفة مع بعضها البعض ولا يمكن أن تتصالح وتنصهر في بوتقة الوطنية إلا في حالة وجود مستوى عالٍ من الوعي الفردي والجمعي للتنوع وطبيعية هذا التنوع ورسوخه كمسلمة لا يمكن الشك بها .
مضافاً إلى وجود فضاء عريض لتأكيد مجمل الهويات الثانوية لكينونتها وبشكل سلميٍ رحبْ يمكن بالتالي من العدل مع الآخرين .
وأخيراً وجود إجماع واتفاق على منظومة قضائية ودستورية تحمي وتصون الهويات الصغرى ضمن الهوية الوطنية .
في حين تكون الهوية الوطنية بوتقة عامة لكل الهويات الصغرى ، إذا ما قيض فهم التنوع ووعي الاختلاف والتوزيع العادل للاهتمام والرعاية الأمومية من قبل الهوية الوطنية لتلك الهويات الصغرى المختلفة .
لو نأخذ على سبيل المثال ، الهوية الدينية ( والإسلامية على وجه الخصوص ) ، تلك الهوية لها حدودها الفقهية والسياسية التي لا تجيز لي التبسط مع الآخر إلا بحدودٍ ضيقةْ ، فهو بالتالي غريبٌ عني ولو كان أبن عمي ، فيما لو إنه إعتنق ديانةٍ أخرى ،إذ يكون حكم الشرع فيه ساعتها القتل ( كمرتد ) أو أن يدفع الجزية أو أن يعود إلى الحظيرة الدينية ، ولو إني بالغت بالتسامح قسراً بقوة قانون مدنيٍ علماني فإني لا يمكن إلا أن أنظر له شزراً وفي هذا وحده مقتل الوطنية والمواطنة المشتركة …!
وهكذا مع الهويات الأخرى ، لكن لو أمكن للإرادات الجمعية الصغيرة أن تؤكد ذاتها وتعقلن حدودها بحيث لا تتجاوز حدود الجغرافيا الوطنية ولا تسعى للاستحواذ على كامل الوطن وكعكة الحكم وامتيازات الدولة لتجيرها لصالح إرادة فرعية وهوية ثانوية من الهويات الوطنية ، فإن السلم الوطني سيتحقق والانتماء الوطني يتصلب ويغدو مسؤولية ومهمة كل الإرادات الفرعية .
ثم إن الهوية الوطنية هي الشكل الحضاري العالمي الأرقى في مرحلتنا الحاضرة ، وهو وحده من ينال الاعتراف والإجماع الدولي على صيانته والتعامل معه بانسيابية تامة وعلى أساس المصالح المشتركة بين الأمم .
أنه الحقيقة الوحيدة العملية القائمة والمدعومة دولياً من قبل الهيئات الدولية والزعامات الدولية على أساس أن هناك حدود جغرافية مقرورة دولياً وإن هناك زعامة سياسية منتخبة أو فارضة وجودها ولو ظلماً ، لكن بالحالين لها أجهزة ومؤسسات تنفيذية وقضائية تضبط سيمفونية الداخل وإختناقات الداخل المرورية بين الإرادات الثانوية للهويات الثانوية التي تشكل نسيج الوطن الاجتماعي .
وبالتالي فتأصيل الوطنية والارتقاء بها إلى مستوى ما دونها من هويات ذات عمق تاريخي وتأثير سيكولوجي ورسوخ عقلي ، هي ضرورة عملية ملحة للغاية ، لأنها تؤمن شكلاً حضارياً راقياً من أشكال التواصل بين البشر ضمن حدود الوطن الواحد .
طيب … هل بإقرارنا بالهوية الوطنية والتأكيد عليها والسعي لترسيخها سيكولوجياً وعلمياً ، نتجاوز على الهوية الإنسانية أو نضطهدها أو نعتدي عليها لصالح الهوية الوطنية ، وبالتالي نقع في مطب الشوفينية الوطنية ؟
هناك احتمال قوي للوقوع في مطب الشوفينية الوطنية حين تغدو المواطنة هي الهوية الأرسخ عبر التثقيف الوطني المركز وزرع التصورات الخاطئة أو المشكوك بها حول مظلومية المواطنين في هذا الوطن من قبل الأمم الأخرى أو العالم مجتمعاً ومن خلال الإغراء بالعدوان لتصحيح خرائط سابقة أو لاستعادة كرامة مهدورة أو غير ذلك ، كما فعل هتلر مثلاً أو إمبراطور اليابان أو موسوليني أو عبد الناصر أو صدام حسين ( علماً بأن الأخيرين لم يكونا ذوو توجه وطني شوفيني بل قومي شوفيني ) …!
لكن عملية الربط الباكر للهوية الوطنية بالهوية الإنسانية ، والتثقيف بكليهما معاً ، سيحرم ولا شك فرصة تكون شوفينية وطنية .
وإذ نقول التثقيف بالإنسانية والهوية الإنسانية فإننا نعني ، القراءة العادلة الجريئة للمفاصل العظمى من التاريخ الإنساني أو ربما نكتفي بالتاريخ الإقليمي ( لأنه الأكثر تعرضاً للشوفينية الوطنية ) ومفاصله الحاسمة وكيف تشكل ومن هو المسؤول عن مظلومياته التي تعرضنا لها أو عرضّنا الآخرين لها ، ثم نربط القراءة التاريخية بالعناصر الواقعية وراء التحولات الإستراتيجية .
مثلاً : نحن العرب المسلمون ، عرضّنا العالم المحيط إلى قهرٍ كبيرٍ وإذلال للأمم الأخرى ، إذا أردنا أن نتصالح مع هذا العالم ، يجب إعادة قراءة التاريخ بعين العقل ومشرط التحليل لكي نتحرر من تأثيره ومن مشاعر المظلومية التي فيه ونحرر كذلك الآخرين من أشقائنا من الأمم الأخرى التي تعيش بيننا من شعورهم بالمظلومية لما فعله أجدادنا معهم ، وبالتالي نستطيع أن نربأ بوطنيتنا لأن تتحول إلى أي نمط من أنماط الشوفينية ( قومية كانت أم دينية أم وطنية حتى ) .
أنظر مثلاً للشوفينية الدينية التي جاء بها الإسلام والتي وجهت نحو اليهود والمسيحيين وبقية الأديان ، هذه الشوفينية سببت اضطراب التعايش الإنساني بين شعوب الشرق ، وحين خرجت الدولة الوطنية من رحم الخلافة الميتة ، خرجت كما العقارب تلسع ما حولها ومن حولها ضمن الحدود الوطنية ، تأسياً بالتاريخ الطويل من رفض الآخر وقهره على أساس الدين ومسلماته المشكوك بها .
إذن فكل أنواع الشوفينيات واردةٍ في الدولة الوطنية ، حتى وإن نبعت تلك الشوفينيات من غير رحم وإرادة الهوية الوطنية بل ربما هوية ثانوية هي من تمكن من الاستحواذ على الدولة والسلطة والثروة وبالتالي جيرّ كل هذا للعدوان وألبس العدوان ثوباً وطنياً وما هو كذلك ( كما فعل صدام حسين مثلاً ) …!
إذن فربط الهوية الوطنية منذ لحظة وضع ألف باءها ، ربطها بالهوية الإنسانية والتثقيف بكليهما معاً بشكل متساوق وعلميٍ يكفل ارتقاء الوعي بهما معاً ونسج التصورات الحية الفاعلة الجميلة عن كليهما معاً بحيث يعي المرء أن الإنسانية ليست ضده وليست على عداءٍ معه ، بل إنها الظهير له إذا ما تمكن من فك طلاسم التواصل معها ( اللغة ) وإذا ما عرف تاريخها أو القليل منه وعرف قوانينها وآليات الحكم فيها ومنجزاتها العلمية والفلسفية و…و…و…الخ .
مثل هذا يمكن أن ينتج مواطناً شغوفاً بوطنه ، مسؤولاً عن رقيه وتقدمه وانسجامه وبذات الوقت محباً للإنسانية ومتفهماً لدورها في رقي بلده ، ومؤمناً بأن له في ثراء الإنسانية وجمالها ونعمها حصةٌ كبيرةٌ له ولوطنه إذا ما حافظ على هذا الوطن عنصراً فاعلاً متوافقاً مع بقية عناصر السمفونية الإنسانية من الدول والشعوب …!
إذن هويتي الوطنية التي أتلقى التثقيف بها في البيت والمدرسة ومن خلال قنوات عديدة عملية أكثر مما هي مباشرة فجة ( بروبوكاندا الحكام ووزارات إعلامهم ) ، هويتي تلك تصل في أقصى درجات توترها إلى ما هو دون الإحتراب مع الخارج ( إلا في حالة أن يعمد الخارج أو بعضه إلى محاربة خياري الوطني وانتهاكه ) ، ولا تنزل في أدنى درجات توترها إلى مستوى التلاشي أو الذوبان في الخارج أو بعضه ، مما يفضي إلى خسراني لمكاني في الأوركسترا الإنسانية وفقداني لهذا الحجم الطيب من الزهو الوطني الدافئ غير العدواني ، وخسراني لمصالحي ومستوى العيش الراقي الذي تحققه لي وحدتي الوطنية وهويتي الوطنية ( النموذج الكويتي في رفض الخيار الصدامي العدواني أبرز مثال على الاعتزاز الوطني ورفض الضّم والإلحاق القسري ) .
بذات الآن فإن التثقيف بالهوية الإنسانية إذا ما ترافق مع التثقيف بالهوية الوطني فإنه يضمن أن أنال مكاناً لائقاً غير متطرف ولا مصطنع في النسيج الإنساني بحيث تجد الأمم الأخرى أني لست غريباً عنهم وبحيث يمكنني أن أنال حظي من الدعم الجدي لخياري الوطني وبذات القدر أجد مكاني اللائق في أي تجمع عالمي حضاري ( الوحدة الأوربية خير مثال على ذلك ، إذ هي تضم أمم تملك تزاوجاً رفيقاً بين هويتين وطنية وأممية وعلى أسس عقلانية لا عاطفية ولا تاريخية أو ثقافية حسب ) …!
زكما إني مسؤول عن بناء هويتي الوطنية ذات البعد الإنساني العلمي الواقعي العقلاني المنضبط والعادل ، فإن الآخر أو التجمعات الإنسانية الأخرى يفترض فيها أن تقترب منّي ( إن أرادت ضمي إلى أنسجتها الجماعية ) بذات القدر الذي أقترب به منها ، فلا أبدو وكأني أندلق عليها بحسن نية فتبتلعني بالكامل ( نموذج الدولة الاستعمارية التركية بشوفينيتها الدينية ذات الجوهر القومي خير مثال على انتهاك الأمم الغريرة المخدوعة بالسطح الديني ، كالعرب مثلاً ) .
إذن الهوية الوطنية هي الشكل الأرقى المفضي إلى السلام الداخلي ( الوطني ) وإلى السلام الأممي عبر التوافق مع الهوية الإنسانية ، وهذا يتم كما أسلفنا من خلال تطمين الهويات الوطنية الصغرى وفسح المجال لها للتشكل الحر والمتعقل والمنضبط في وعاء الوطنية كهوية كبرى .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا علاوي ...لا تدفع لهم ...بل هم من ينبغي أن يدفع ...!
- فهد ...مسيح العراق ...وآخر الرجال الحقيقيين
- التعليم الروحي في مدارس الدولة العراقية الوليدة - 2
- التعليم الروحي في مدارس الدولة العراقية الوليدة - المقالة ال ...
- عن الإيمان والإصلاح ومستقبل هذه الأمة
- الإرهاب والحرمان العاطفي والجنسي
- آراء في المناهج التعليمية في العراق الديموقراطي المنتظر
- حقوق الكرد العراقيين وتدخلات السيستاني الفظة....!
- الحفرة - قصة قصيرة
- وجيهة الحويدر ... بصيصُ نورٍ من داخل الكهف ...!
- الذي لم أأتلف معه
- قراءة في حدثٍ إسلامي مجزرة الطائف وحنينْ وما تبعهما إلى يوم ...
- مجزرة الطائف وحنين وما تبعهما إلى يوم الدين ....! المقالة ال ...
- كيف تقرأ النصّ بشكلٍ سليم ...قراءة في مقال السيد شاكر النابل ...
- أجندتي وأجنداتى الآخرين ...ردّ على الأستاذ حمدي هرملاني ...!
- عيد ميلاد صاحبي ...الخمسيني ...!
- بعض فضائل الإسلام على أهله ...قيم العبيد ...!
- بلا ... لقد فشلت الأغلبية الشيعية في أختبار التصدي لمهمة قيا ...
- قصة قصيرة - المقابر
- الزرقاوي ... السيستاني ... وما بينهما ...!!


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل السعدون - مهمات بناء الهوية الوطنية - المقال الأول والثاني