أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - لا تحتار يا صديقي















المزيد.....

لا تحتار يا صديقي


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2912 - 2010 / 2 / 9 - 13:44
المحور: الادب والفن
    


قال لي :- والله أنا حائر . وأنا ابن هذا البلد وتربيت في جنوبه . غادرته بشهادة الإعدادية ، ولوان الفرصة لم تؤآتني لبقيت هنا ولكنت احد المتسكعين . فهل اشكر الرفاق الذين جاهدوا بمطاردتي حتى غادرت مجبرا .
- والآن بعدما عدت إلينا بشهادة الدكتوراه ما الذي يدفعك للغربة ثانية .
- يبدو أنني لم اعد عراقيا ، أنا احمل الجنسية السويدية . ولي كافة الحقوق المدنية هناك ، ومنها احترام المكانة .
- أنت الآن أستاذ جامعي ولك مكانتك بين الناس وفي مجتمعك .
- قال وقد طأطأ رأسه وبدا يعد أصابع قدميه فاكتشف لأول مرة انه قد فقد إحداها :- ليس لي في العراق سوى إصبع واحد امتزج بتربة الأرض في حين لم يعد في جسدي الكثير من هذه التربة . حتى أفكاري وعقلي قد نضجت هناك . ولي في السويد أصدقاء وأحبة وزوجة وأولاد رفضوا العودة .
- جذورك هنا .
- أنت تتحدث بلغة العاطفة أما أنا فلا أرى لغير الأشجار جذور إنما جذور الإنسان حيث انبت غرسه وحيث بنى كيانه ، كيانه الذي هو عليه في حاضره وليس ماضيه فالماضي محض ذكرى لا يمكننا العيش فيه إنما هو الذي يعيش فينا كطيف من خيال ، كالوهم .
- إذن لم أتيت ؟!
- قلت لك أنا ابن الجنوب .
- والآن ؟
- اكتشفت أنني لم أعد كذلك . وإما أن أبقى لأهدم كل ما بنيته وإما أن أغادر بلا رجعة .
كان يهرب كلما حاولت النظر في عينيه كمن يشعر بالعار فيقول :- ليتني لم آت .
وككل العائدين الذين لم يصطادوا من العراق شيئا ثمينا عاد ليشعر بالندم وبالاكتئاب لأسباب نراها واهنة . لماذا ؟
- لم اعد مؤمنا .
- هل صرت ملحدا ؟
- لا ولكنني صرت ضعيف الإيمان .
- بماذا ؟
- بالكثير من القيم والمفاهيم .
قلت وقد غرزت نظراتي في عينيه بتحد :- ضعيف الإيمان ولم تعد تطيق العيش هنا فكيف بي أنا !!
- أنت ، عذرا ، تجيد النفاق . وكونك ملحدا يجعلني أراك اكبر المنافقين
استفزتني كلماته الجارحة ، لم أعهد به مثل تلك الجرأة والوقاحة .
- أحقا تراني كذلك ؟؟
- نعم وسلوكك هو أكثر ما دعاني لان اترك البلد ثانية وربما بلا رجعة .
أدركت أن صديقي اليوم في مزاج سيء وصعب لم اعهده من قبل وقد بدا مصابا بالاكتئاب المرضي ، مما دعاني لكبح انفعالاتي ورحت أمازحه .
- علموك في السويد الوقاحة لا بأس ، إن لم تجد من تشتمه فانا صديقك اقبل منك ذلك .
صاح بي وقد بدا اشد ضجرا :- إني ارثي صداقتنا ، فقد صرت منافقا أكثر مما يخيل إلي .
- لماذا ؟؟
قال بمرارة :- المصيبة انك صرت ضعيف الإحساس . ألم تكن معي؟!
- أين ؟
- في مجلس العزاء .

حينما أخبرت علوان ‘ الدكتور علوان ، بان والدة صالح احد أصدقائنا القدامى قد توفيت طلب مني مرافقته إلى مجلس العزاء وفي الطريق كان معارفه يحتفون به أيما احتفاء ومنهم من يناديه بالدكتور وكانوا يقبلونه ويحتضنونه بحميمية بالغة حتى رأيت غرورا فرحا في عينيه ونشوة انتصار عارمة وأنا أُعرِّفُه بمن نسي منهم وبمن خلَّفهم أصدقاء رحلوا ، هذا علي ابن سلمان البنا ، وهذا الكهل انظر إليه ، ليس سوى كريم ، تتذكره ؟ أبو البنات والآن هو جد البنات، وهذا ... وهذا الشاب سيد فليح ابن سيد حسن ؟ قال :- نعم أتذكره . وراح يستطلع هيئة الشاب الرثة ويمعن النظر في وجهه المتبلد . ومن ثم أضاف بأسى :- لو كان حسن قد هرب معي لما قتلوه ولعاد اليوم ، ربما ، بشهادة تليق به . وطأطأ رأسه .

أصر العديد ممن التقينا بهم على مرافقتنا إلى مجلس العزاء ليطيلوا من أمد اللقاء بعلوان فتقدمنا أنا وهو الجمع المعزي حتى إذا بلغنا المجلس . امسك به احدهم قائلا :- علوان دع السيد يمر أولا ، هل نسيت الأصول ؟ اضطرب الدكتور علوان وراح يمسد شعره الأشيب و يدعك تجاعيد جبينه ناظرا إلى كل صوب وفي الوجوه القريبة والبعيدة حتى مر بنا شاب يافع يرتدي سترة سوداء فوق دشداشة رمادية وقد تلفع بلفاع اسود صار إلى الرمادي لقدمه ، فصاح آخر - هذا سيد فليح ابن سيد حسن ، وهنا نهض ما تبقى من الجالسين وارتفعت آيات الترحيب والتبجيل والشاب لا ينبس بكلمة غير همهمات تخرج مبعثرة غير مقروءة . وتقدم صالح ابن المرحومة دون أن يتنبه إلى وجود علوان وراح يوسع المكان للسيد . التفت علوان إلي فقلت له :- احذر لا تنس يا ابن الجنوب دع السيد يجلس أولا ويدعوا لقراءة الفاتحة . رأيت إلى علوان وقد تهدلت قسمات وجهه . حتى همهم السيد فقلت له :- ما بك لم لا تجلس وتقرأ الفاتحة . قال :- لم افهم ما قال . فهمست بإذنه :- عجيبة .. نسيت الأصول ؟؟ جلس علوان . ينظر صوب ابن المرحومة دون ان يلتفت اليه الأخير منشغلا بالترحيب بالسيد ومن ثم داعيا لتقديم الماء والشاي إليه أولا . حتى اذا أفرغ كل ما في جعبته من كلمات يجب ان تقال استدار للخروج من الخيمة لاستقبال الآخرين فنهضت خلفه لأخبره ان علوان قد جاء معنا . دقائق خلت حتى جاء ابن المرحومة ليلقي عبارات الترحاب بعلوان وغادر على عجل . ومرت الدقائق التالية ببطء قاتل على الدكتور بانتظار الإذن من السيد لمغادرة المجلس حتى جاء الفرج وحين غادرنا ظل علوان مكتئبا وودعنا بغير حرارة حتى قال احدهم ، الشهادة تغير . فرد آخر لا أوربا باردة.

- هل تقصد ذلك ؟!
- لا اقصد ذلك فحسب. إنما أن تستمع إلى هذا الرجل .
وأشار إلى التلفزيون ، حيث يلقي احد الخطباء المعروفين مواعظه . ثم استدار صوبي موجها كلامه إلي بعدائية فاضحة :- انه يتحدث عن حرمة الزواج من المشركة دون أن تتحرك شعرة من راسك الأشيب .
- عجبا وهل لك رأي مغاير؟!.
- أنت لم تعد منافقا فحسب إنما متبلد الإحساس . الم تسمعه يقول إن امرأة سوداء عبده خير من مشركة جميلة وغنية و..
صمت قليلا وقد التصقت نظراته بشاشة التلفاز وأشار بيده :- ما الذي يقوله هذا المرشد الفاضل هل مازلنا في عصر العبيد ، وكيف يحق له ان ينعت من يختلف عنه بلون البشرة بالعبد ويقول بعدها أن الإسلام حرر الإنسان وأنهى العبودية .
- هذا رأيه الخاص .
كذلك قلت له بهدوء لاحتواء ثورته ، فصاح بسخط بادي :- ليس رأيه الخاص . لو لم يكن مرحبا بمثل هذه الأفكار لما استمعت إليه أنت بكل هدوء . هذا وأمور كثيرة تحدث تنظرون إليها فلا تبصروها .
- أسأت فهمي ولعلي أنا الذي أساء فهمك ، إنما فعلت ذلك لأجلك فأنت كما أعرفك تتبنى الأفكار ألدينيه وانك فيما مضى قد أجبرت على ترك البلاد بسبب ذلك .
- لم أكن متطرفا يوما والا لما كانت بيننا صداقة حميمة . كلانا كان شابا ثوريا ونعشق الحرية والعدل والمساواة ، أنا لم أتغير ولكنك أنت الذي صار متخاذلا ، سلبيا .

كان لابد لي أن اتخلى عن الحديث مطولا . لأنني لم أجد ما أقوله بل أنني لم أتوصل حينها إلى معرفة ما يجب أن يقال وما لا يجب . وحين أعدت حساباتي أدركت سر عذاباته ، بل انه أيقظ فيَّ أشياء نائمة كنت سلبتها الصحو دفعا للألم وكم تمنيت أن لا تستيقظ فقد صارت مبعثا للأسى في نفسي وفي ضميري .
اشهر مرَّت ، لعل علوان قد غادر خلالها البلاد بلا رجعة لولا أن طرق الباب ذات يوم وابتسامة مشرقة ترتسم فوق محياه وقبل أن أبادره بالترحاب قال والابتسامة لم تفارق شفتيه :-
لا احتمل برد السويد أريد قبرا دافئا .



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى أكون أنا أنت؟؟
- بغداد أم عيناك
- علاقة المرأة والرجل وعدم الإقرار بالواقع
- الحوار المتمدن . استبصار للتحضر
- طيب وساذج وما بينهما (5)
- طيب وساذج وما بينهما ( 4 )
- طيب وساذج وما بينهما (3)
- طيب وساذج وما بينهما ( 2)
- طيب وساذج وما بينهما
- طيب وساذج ومابينهما
- عبدالجبار حفيد المبروك
- الهدوء الذي يلي العاصفة
- وهم الموت والحياة ، إنكم خالدون من بعدي .
- شيخوخة بحناء الدم
- فلسفة الحاج سالم
- حسد أم حقد
- حسد أم حقد
- اسقاطات
- هل حقا أهل مكة أدرى بشعابها؟؟
- قصيدة الليل


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - لا تحتار يا صديقي