أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة















المزيد.....



كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 20:27
المحور: الادب والفن
    




المحتوى

1 - يموت الديكتاتور ويبقى الشاعر
2 - نشيد حب الى كمال سبتي

3 - أغنية السيدة فيروز { سكن الليل } موشح لشاعر عراقي من رجال السلك
العسكري في أيام الملك غازي .

4 - الملك فيصل الأول يقوم بمصالحة وطنية بين الرصافي

والزهاوي

5 - عن الصعلكة وتجارب المثقف
6 - عن الشعر والصعلكة مرة أخرى
7 - عن شاكيرا وأشياء أخرى
8 - شعر يمجد الحرب يتحول شعراً عن الحب والحرية والجمال
9 - من الزيتوني والمسدس الى ادعاء المعارضة
10 - وثيقة أدبية من سنوات الرعب
11 - كشف حقيقة الدكتور المزعوم ساهر الهاشمي
12 - الجثث مجهولة الهوية ببغداد والإرث العراقي في القتل
13 - حول فتوى الفقيه لسعودي بن جبرين التي تحرم نصرة حزب الله
14 - عودة الديناصور المتكررة في أعقاب كل انقلاب يحدث في العراق :
الأمين العم للاتحاد والكتّاب يهدد أدباء الخارج ويهرف بما لا يعرف



1 - يموت الديكتاتور ويبقى الشاعر
{ رحلة مع آنّا في بحر البلطيق }

دعتني آنّا بمناسبة عيد الحبّ هذه السنة الى حفلة موسيقية ساهرة تقام في مدينة مالمو ب { كومفوكس سودرفَرن } . كان عنوان الحفلة { ماما ميّا } الأغنية الشهيرة لفرقة { آبا } السويدية التي سطع نجمها في السبعينيات من القرن الماضي ، وأخبرتني انني يتوجب عليّ كما يتوجب عليها وعلى الآخرين . ارتداء أزياء من فترة السبعينيات لأن الغاية من الاحتفال هي العودة الى موسيقى ومناخ تلك الفترة ، واقترحت على الرغم من اننا نستمع الى أغاني { آبا } بين الحين والآخر ، أن نعيد مشاهدة فيلم { ماما ميّا } الذي أخرجته فيلدا لويد و لعب أدواره ميريل ستريب وأماندا سيفريد وبريس بوسنان وكولين فيرث وستيلان سكارسجارد . شاهدنا الفيلم مرتين في جلستين متفاوتين وواجهتنا مشكلة العثور على أزياء ترتديها هي من فترة السبعينيات . بالنسبة لي لا معاناة عندي في هذه المسألة باعتباري { صعلوك وغجري } أمتلك الكثير من الأزياء الغريبة والشبيهة بأزياء المسرحيات . كان صديقي الكاتب مؤيد عبد الستار قد أهداني مرة قميصاً ثميناً من النوع الذي يرتديه المرء حين يذهب الى البحر وهو ملون وفضفاض ويشبه شرشف نافذة أو مائدة ، بالأضافة الى هذا القميص الذي قررت أن أرتديه . لدي بنطال جينز قديم { جارلس } بعرض 30 سنتمتراً وحذاء عسكري طويل { بسطال } ، أما الاكسسوارات . القلادة والأساور والخواتم الخ فاستعرتها من آنّا . شعر رأسي لم أقصه منذ 9 سنوات . اذن أنا هيبي حقيقي . اقتربت ليلة الحفلة وآنّا لم تستطع العثور على الأزياء المطلوبة . أقنعتها أن تسأل صديقاتها ربما تمتلك أحداهن ما ترجوه لكنها لم تسأل . عثرت في أحد محلات الأزياء المستعلمة على بعض ما هو مطلوب بسعر مرتفع وبدا مظهرها في هذه الأزياء مضحكاً . قبل الحفلة بساعات توجب عليّ أن أخدعها وأتغيب عنها من أجل أن أشرب الخمر حتى أستطيع الرقص من دون خجل { لست أدري لماذا لا تريدني أن أثمل } . قالت انهم سيقدمون لكل ضيف كأس فودكا ، أما الأطعمة فهي بالمجان . جاءت المعجزة من صديقي الشاعر هاشم القريشي الذي اتصل بي عبر الهاتف وأخبرني انه يود دعوتي الى بيته واحتساء نوع من العرق السوري { 50 فوليم } . أخبرت آنّا كاذباً أن هاشم القريشي يطلب مساعدتي له في نقل بعض الأغراض من مكان ما الى بيته . اشترطت عليّ أن أذهب وأعود اليها قبل الحفلة بساعة . جاء هاشم بسيارته وأخذني الى بيته . أخبرته انني يتوجب عليّ أن أعود الى آنّا في الساعة الثامنة مساء وووالخ . منذ زمان لم أحتس العرق السوري وهذا العرق الذي يباع هنا { أوزو 37 فوليم } مللته جداً . عدت اليها في الوقت المحدد منتشياً وأنا أغالب سكري بعد أن شربت أكثر من نصف قارورة ، محاولاً أن أخفي عنها ما فعلته لئلا تفسد نشوتي . { أبوعلي يبلغكِ تحياته الحارة . نقلنا الأغراض الى بيته ودعاني الى كأسين من العرق } . { تحياته الحارة له . لا بأس . في الثلاجة بيرة بولونية ثقيلة 5 % 7 فوليم هات واحدة لك وواحدة لي } . يا إلهي . بيرة ثقيلة . سأفتضح بشرفي . أثناء التدخين في الشرفة وحدي كنت أصب محتوى العلبة في أصص الأزهار وكنت كلما أنهي علبة تحضر لي واحدة أخرى حتى صببت 4 علب من تلك البيرة الثقيلة . بعد أن انتشت هي وتعتعتها البيرة قالت لي { يبدو انك انتشيت } { نعم انتشيت جداً . بيرة لذيذة } . في مدينة { مالمو } حيث أقيم ، تتنوع وتتعدد أجناس البشر . أناس من 165 دولة يعيشون في هذه المدينة . في الحفلة ضاعت مني آنّا أمام هذا التعدد والتنوع في الوجوه والأجساد والأزياء . وجدتني أرقص مع فتيات من كل بلدان العالم بأزياء مسرحية خرافية على أنغام أغنيات فرقة آبا . آنّا غادرت الحفلة مبكراً غاضبة وحزينة بعد أن اتهمتني بعدم الاهتمام بها . حاولت جاهداً الاعتذار منها والرقص معها لكن محاولاتي باءت بالفشل أمام عنادها واصرارها على المغادرة . في صباح اليوم التالي وأنا أدخن في شرفة منزلها . نهضت من النوم ومن دون القاء التحية طلبت مني المغادرة فوراً . طبعاً أعرف منذ سنوات لحظات غضبها ومزاجها حين تكون مستفزة . غادرت المنزل بصمت بعد أن قبلتها من خدها وجبينها واتجهتُ الى بيتي وأنا ميت من الضحك على ملابسي الشبيهة بملابس مهرج . بعد تلك الواقعة السوداء التي فعلتها في الرقص مع النساء الجميلات في الحفلة وعدم الاهتمام بآنّا ، شعرت بضميري يوخزني وبالخجل من تصرفي السخيف بسبب سكري الشديد والاندفاع صوب نساء مبهرجات لا أعرفهن . استمر غضب آنّا مدة ثلاثة أسابيع وبعدها اتصلت بي { يبدو انها تناست فعلتي القبيحة } تدعوني الى رحلة بالباخرة في بحر البلطيق يومي السبت والأحد 7 و 8 / 3 / 2009 بمناسبة يوم المرأة . قالت أن الرحلة ستكون على هذا الشكل { الانطلاق من مدينة إيستاد الساعة التاسعة مساء باتجاه بولونيا . الذهاب 9 ساعات والعودة 7 ساعات . حفلة راقصة والطعام بوفيه مفتوحة . سوق حرّة . أسعار الشراب في البار بأسعار بولونيا . كابينة نوم يشاركنا فيها أحد ما } . ماذا يتوجب عليّ الآن أمام هذه الدعوة اللطيفة والكريمة للابحار في بحر البلطيق مع امرأة اوروبية شقراء أحبّها وتحبني منذ 8 سنوات ؟ نعرف نحن الشعراء الذين ابتلينا بدكتاتورية صدام حسين ، السطر الأخير الذي تنتهي فيه قصيدة المرحوم عبد الوهاب البياتي { رؤيا في بحر البلطيق } المكتوبة في كوبنهاكن في 20 / 4 / 1976 والذي يقول فيه { يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر } وأمام هذا السطر الذي كنا ننتظر تحقيقه سنوات طويلة تحت حكم الديكتاتورية المقيتة لنظام الطاغية ، ضاعت الكثير من حيوات البشر والأحلام والمشاريع والآمال التي لا نهاية لها . دعوة آنّا لي الى رحلة في بحر البلطيق أثارت في نفسي الكثير من المواجع والمآسي التي حاولت ردمها دائماً وأثارت فيّ شجون عليلة وكبيرة . أروي هنا هذه الحادثة التي طالما حدثت أصدقائي عنها في مناسبات مختلفة . في ليلة 13 / 5 / 1986 أثناء هجوم للجيش الايراني في الحرب العراقية الايرانية على وحدتي العسكرية التي كنت أخدم فيها مجنداً اجبارياً فوق جبل كردمند الذي التهم الآلاف من الشباب العراقيين منذ تاريخ احتلاله للمرة الأولى من قبل الجيش الايراني عام 1983 وحتى نهاية الحرب عام 1988 . تمنيت وطلبت من الله أن يخلصني من الموت الذي بدا قريباً جداً من حياتي البائسة والفقيرة في تلك الليلة المشؤومة وأنا أخفي نفسي مع جنود آخرين مذعورين مثلي في سن صخري عند الحافة اليسرى الحادة لذلك الجبل . كان القصف الصاروخي الكثيف ومدافع ال 106 ملم والانفلاقات الجوية لقذائف المدفعية النمساوية الثقيلة التي تطلقها القوات الايرانية باتجاهنا . أشبه بيوم القيامة كما تصوره الحكايات والأدبيات الشعبية الدينية . في تلك اللحظات المحفورة في ذاكرتي الى الآن . تمنيت اذا سقطت فوق رأسي قذيفة مدفع أن تبتر جميع أطرافي بشرط أن أبقى حياً . في الأيام التالية التي أعقبت الهجوم وهدأ فيها القصف الكثيف . تمنيت أيضاً ، بل حلمتُ في تلك اللحظات أن يبقيني الله سالماً معافى وأن يمّن علي برحمته الكبيرة وأن ينجّيني من الحرب وأن يسهل لي طريق العيش في اوروبا مدة 3 سنوات ومن ثم يخطف روحي بعدها . الآن أنا أقيم في السويد منذ 11 عاماً معافى وجميع أعضاء جسدي سالمة والذي سبّب تلك الحرب اللعينة ودمرّ المجتمع العراقي وحيوات وأحلام الناس مقبور تحت التراب منذ أكثر من عامين بعد أن تم شنقه جزاء لما ارتكبه من فظائع وقسوة وحشية ضد الشعب العراقي . قبل انطلاق الرحلة بليلة كان السطر الأخير لقصيدة البياتي يرّن في أعماق نفسي بقوة . نعم مات الدكتاتور يا عبد الوهاب كما قلت وستبقى أنت وجميع شعراء العراق الذين لم يطبلوا للديكتاتورية أحياء . وكم تمنيت أنا لو انك لم تمت قبله حتى تشهد مظهره وهو قذر وأشعث الشَعر في حفرته الشهيرة تلك التي رآها كل البشر في العالم . أخبرت آنّا بما يجول في نفسي حول ما قاله البياتي في قصيدته ، وشعرت هي بنبرات الشجن في صوتي . واستني واقترحت أن أطرد هذه الأفكار عن ذهني عبر جلسة شراب نقيمها في مطبخ منزلي . ذهبت الى السوق وعادت تجرّ عربة التسوق . نبيذ اسباني أحمر . 10 علب بيرة سويدية . 2 بيتزا 2 أقراص سي دي لفرانك سيناترا وخوليو ايغليسياس . كانت ليلة رائعة اختلطت فيها دموعي على من ماتوا وعلى من ظلوا أحياء من أصدقائي . في مساء اليوم التالي جهزنا حقائبنا وقصدنا { ايستاد } بسيارة آنّا التي أبحرت معنا في الباخرة . قالت لي انها تود أن تشتري بعض الأشياء من الأسواق الواقعة على الحدود البولونية الالمانية وهنا تكون سيارتها نافعة نظراً للساعات القليلة التي سنقضيها هناك . كانت الباخرة مليئة بالنساء أكثر من الرجال وكالعادة ، التعدد الكبير والواضح للأجناس من كل الألوان والأشكال والمناسبة هي يوم المرأة العالمي . وضعنا حقائبنا في كابينة النوم واتجهت أنا مسحوراً برؤيا البياتي الى النظر في مياه البلطيق التي كان ظلام الليل يغطيها تماماً . هل حقاً مات الديكتاتور وظل الشاعر يحدق في أمواج وسماء بحر البلطيق ؟ اشتريت وردة حمراء في الباخرة وأهديتهاالى آنّا ورقصت معها عدة رقصات وحين شعرت بالتعب رغبت أن تذهب الى النوم . كانت أسعار الشراب الرخيصة جداً مفاجأة لي لا تصدق . حاولت أن أسيطر على رغبتي في الشراب والرقص من دون أن أغضب آنّا ، ولكن كيف ؟ من يضمن لي انها لا تعود مرة أخرى الى حلبة الرقص وتشاهدني أرقص ثملاً مع امرأة ما . مشكلة محيّرة بشرفي . ينبغي لي أن أبقى مستيقظاً في الذكرى الجحيمية للسطر الأخير من قصيدة البياتي حتى تكون الرحلة ذات معنى عميق في نفسي . عدتُ الى كابينة النوم وحاولتُ جاهداً أن أغفو لحظات قليلة لكنني لم أستطع بسبب الفضول في التحديق بمياه البلطيق . بقيت طوال الليل أدخن في الأماكن الخارجية المخصصة للتدخين وأسرّح النظر في المياه التي بدت لي بعمر فن الشعر على أرض هذا العالم . أثناء تناول طعام الفطور دار حديث بيني وبين أحد الأشخاص ممن هم في مثل سحنتي عن الليلة الفائتة وعن رخص الأسعار . كانت معه فتاة شقراء . سألني من أيّ بلد أنا . قلت له من العراق . المفاجأة الكبيرة هي انه قادم الى السويد من ايران . هل كان مثلي مجنداً في الحرب العراقية الايرانية ؟ ربما ، لست أدري ؟ بعد الفطور أخبرت آنّا برغبتي في التدخين والتحديق الطويل في مياه البلطيق . قالت : { ولكن حاول أن تطرد أفكار الحرب من ذهنك } . يا إلهي . كيف لي أن أطرد تلك الأفكار المعششة في كل مسامات جسدي وأعماق نفسي ؟ حين رست الباخرة الضخمة في بولونيا ، قادت آنّا سيارتها وعبرنا بباخرة أخرى الى منطقة تعرفها هي ومن ثم وجدتُ نفسي بصحبتها أعبر الحدود الالمانية باتجاه الأسواق المنتشرة هناك من دون شرطة أو رجال أمن أو نقاط جوازات . بشر من كل دول اوروبا يدخلون ويخرجون ويعملون ويتاجرون من دون أن يوقفهم شرطي أو توقفهم أوتعترضهم سيطرة جوازات أو كمارك . حين كنت في الأردن عام 1996 حاولت أن أزور سوريا { قلب العروبة النابض } . طلب مني أصدقائي الذين كلفتهم بتسهيل معاملة دخولي أن أرسل لهم نسخة من جواز سفري العراقي وأسم أمي حتى تتم اجراءات الدخول . أرسلت لهم ما أرادوا وانتظرت فترة طويلة . جاءت الموافقة بشرط أن لا أعود الى الأردن مرة أخرى . ليش ؟ لا أحد يعرف حتى الشيطان . ربما لأنني كنت أعمل في فصيل عراقي معارض لسلطة صدام يتخذ من الأردن مقراً له . هل يستطيع المواطن المصري أو العراقي الآن أن يذهب الى العمل في الكويت أو السعودية أو الامارات من دون الحصول على فيزا أو كفيل يستلبه عرقه وماله وجهده وحريته ؟ لماذا لا يتم الغاء الجامعة العربية المزعومة وطرد كل الموظفين فيها ؟ معلوم أن الضرائب في السويد كبيرة جداً ، ويلجأ الكثير من الناس في هذه البلد الى التسوق وشراء ما يريدون من دول اوروبية كثيرة من دون أن تفرض عليهم الضرائب أو القيود . أنا أشتري بالسويد منذ سنوات كيلو التبغ بما يعادل ال 120 دولاراً لكنه في بولونيا والمانيا ب 12 يورو أي ما يعادل ال 120 كرون سويدي . 12 دولاراً . يا بلاش ، أما أسعار الأطعمة والملابس والشراب فلا تسأل عنها . اشترينا أنا وآنّا ملابس وزجاجات فودكا وبيرة وأطعمة وتبغ وهدايا الى بعض الأصدقاء . بعد أن انتهينا من التسوق عدنا الى تناول الغداء في الباخرة ولأول مرة في حياتي آكل الأطعمة البحرية الغريبة . انطلقت رحلة العودة الى السويد في الساعة الثاثة ظهراً وما زال جحيم السطر الأخير من قصيدة البياتي يشعل اللهب في نفسي . سيتسنى لي النظر الطويل في مياه البلطيق طالما أن الوقت هو هذا النهار الصافي .


مقطعات من قصيدة البياتي { رؤيا في بحر البلطيق }

2

كنا ندفن موتانا تحت الأنقاض
نبكي من ظلوا أحياء
تحت الأشجار المحروقة والأسوار .

3

عائشة شمس الفقراء
رحلت بقطار الليل الثلجي الى شيراز
وأنا نصفي في المنفى والنصف الآخر في الدار
محترقاً ، مجنوناً ، أتبع شارات النار .

9

في بحر البلطيق
أقتل نفسي منتحراً وأموت غريق .

10

يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر .

2 - حسب الشيخ جعفر في عمّان ...

شذرات من حياة مشتركة



1

عندما كنت أذهب الى نادي اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق في سنوات الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي. يأتي النادل أحياناً بعد الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليلاً ويقول لي : { استاذ حسب يريدك }. حسب يدخل النادي أول الرواد كل يوم. أذهب إلى مائدته التي تضمه هو وسليم السامرائي وسلمان السعدي وبعص الأصدقاء. يسقيني كأس عرق ويطلب مني أن نغادر نادي الاتحاد الى البيت. يسكن حسب في القطاع السابع في مدينة { الثورة } وأسكن أنا في القطاع التاسع . مرات كثيرة أوصله الى بيته وأعود في نفس التاكسي الى نادي الاتحاد لاكمال السهرة مع الأصدقاء الذين تركتهم يتحدثون في الشعر ومصائبه وأمور مختلفة أخرى . عندما كنت في عمّان عام 1996 طلب مني المرحوم عبد الوهاب البياتي تغيير مكان سكني واقترح أن أنتقل الى بيت الشاعر علي الشلاه الذي غادره وهاجر الى جنيف . علي يسكن قرب بيت البياتي . أخبرني أبو علي أن حسب الشيخ جعفر سيأتي الى عمّان في الأيام أو الأسابيع القادمة ويريد تأمين مكان اقامته . كنت أعمل في { حركة الوفاق الوطني } ولا أعاني من مشاكل السكن والايجار . جاء حسب في يوم ما وأخذته من الفندق الذي نزل فيه مباشرة الى بيتي . ظل عندي طوال فترة عملي في { الوفاق } . ذات يوم وصل عمّان من بغداد الشاعر والكاتب حميد قاسم بعد أن حصل على عمل في صحيفة تصدر في دولة الامارات ، فضيفناه أنا وحسب والبياتي في حانة { الياسمين } وبات في تلك الليلة في بيتنا . في اليوم التالي تم طردي من { الوفاق } اثر وشاية لأنني ضيّفت أحد الأدباء القادمين من بغداد . عندما حان موعد دفع ايجار البيت ، كنت لا أملك ولا حسب درهماً واحداً، وكان البياتي في القاهرة بدعوة من معرض الكتاب السنوي . كان الحل هو أن نترك البيت بما فيه من متاع وحاجات شخصية ، ملابس ، كتب الخ، ريثما نتدبر مبلغ الايجار . في النهاية لم نستطع تدبير مبلغ الايجار ، وذهبت أشيائي الشخصية وكتبي وأمتعتي الى صاحب البيت . انتقلنا أنا وحسب الى { بيت الصفيح } الذي تعاقب على السكن فيه الكثير من الفنانين والأدباء . بيت الصفيح هو كوخ من الجينكو يقع في بستان بجبل { اللويبدة } بعمّان، لا يصلح حتى لسكن الحيوانات . البستان هذا ينتظر صاحبه أن يتمكن من جمع تبرعات لتحويله الى مسجد ، وكان يسكن { بيت الصفيح } الفنان التشكيلي والنحات أياد صادق . رحب بنا الرجل وكان كريماً وشهماً . من آفات السكن في بيت الجينكو هذا الحرارة اللاهبة في الصيف والبرودة القاسية في الشتاء . لكن أقسى ما تعرضنا له طوال شهور هي تلك الهجمات الدامية من دويدات تسمى { بق الفراش } تنتشر في الاثاث الخشبي ، الأسرّة ، الكراسي ، الطاولات . بق الفراش يتسلل في الليل صوب النائم ويبدأ بمص دمه . لا يعيش إلاّ على الدماء . كانت ملابس نومنا وخصوصاً دشداشة حسب ملطخة ببقع الدم وجلودنا محفرة . مرة زارنا سعدي يوسف وضيفناه في جلسة شراب وراح يتألم على مظهر حسب وقام بتصويره وتصوير أشياء كثيرة في { بيت الصفيح } . لم نتحمل أكثر .

قررنا البحث عن بيت آخر . جاء الفرج من الشاعر هادي الحسيني والفنان حسن السعيدي . انهما يسكنان في غرفة بجبل { الحسين } تعاقب على السكن فيها الكثير من الفنانين والشعراء . وهب هادي سريره الى حسب وراح ينام على الأرض . عشنا في هذه الغرفة الجديدة البائسة التي ضمتنا نحن الاربعة مدة طويلة قبل أن ينضم الينا الشاعر محمد تركي النصار . لا حسب وجد له عملاً في عمّان ولا أنا بعد أن تركت عملي السابق في ورشة للف وتصليح الماتورات الكهربائية والتحقت في حركة الوفاق محرراً في صحيفة بغداد، وممثلاً لاسكتشات تمثيلية قصيرة عن رموز نظام صدام حسين في اذاعة المستقبل التي تديرها الحركة . البطالة والشعور بالغثيان والسأم ، هذه الأشياء كانت هي التي تغلف حياتنا في العاصمة الاردنية . كنا في كل يوم نلتقي عبد الوهاب البياتي في غاليري الفينيق مساء، ونغادره الى حانة { الياسمين } حين تحين الساعة الثامنة . يدفع أبو علي الشراب وأجرة التاكسي كل ليلة . مرات كثيرة بعد أن انتظمت مواعيدنا مع سعدي يوسف ، كنا نذهب اليه ، حسب وأنا وهادي الحسيني ود خالد السلطاني ويضيفنا بكرم كبير . البياتي لا يحبذ الشراب في النهار ويستاء اذا غبنا عنه في الليل . مرة دعاه سعدي الى جلسة شراب في النهار في حديقته { الجوراسية } وحضر . كانت جلسة عظيمة لا أنساها . قرأ فيها قصائد جديد كما قرأ سعدي قصائد جديدة من مجموعته التي صدرت تحت عنوان { يوميات أسير القلعة } وقرأ حسب قصائد عديدة أيضاً . في حديقة سعدي الجوراسية أيام الصيف كانت النقاشات حول الشعر والفن والثقافة تدور في كل جلسة يدعونا فيها الى بيته { حسب وأنا وهادي الحسيني وأحياناً د خالد السلطاني } . حين صدرت مجمموعته { حانة القرد المفكر } أخبره حسب أن مجموعاته الأخيرة كلها عبارة عن قصيدة واحدة . سعدي صمت ولم يعلق على هذا الرأي .
لكي نجد وظيفة لحسب الشيخ جعفر حاول البياتي عدة مرات الاتصال بالشاعر اللبناني محمد فرحات الذي يشرف على تحرير الصفحات الثقافية في صحيفة الحياة من أجل أن يكتب فيها حسب . وافق الرجل ونشر له مادة ما واحدة من دون أن يبعث المكافأة . بعدها ادعى انه ليس بامكانه نشر المزيد من الأشياء التي يبعثها حسب لأنه لابد أن يوقع معه عقداً ، وادعى انه لا يستطيع وووالخ .


2



حسب المولود في مدينة { العمارة } عند ناحية هور { السلام } عام 1942 . كان مكلفاً بنقل البريد الحزبي الى الحزب الشيوعي في سن ال 16 سنة وكان ينقله في ياقة قميصه من العمارة الى بغداد ويسلمه الى صالح دكله في مقهى بساحة { السباع } { هل كان أخوه الأكبر د صاحب أبو جناح شيوعياً قبله ؟ } . كانت الكتب الممنوعة والأدبيات الثورية التي يقرأها ، يخفيها بين طيّات نخلة في دار العائلة { مجموعته الأولى عنوانها نخلة الله } . عام 1960 يرشحه الحزب الشيوعي العراقي في بعثة دراسية الى موسكو { معهد غوركي للآداب } وهو بعمر الـ 18 سنة حيث سينال شهادة الماجستير في الأدب الروسي . عند انهاء دراسته وعودته الى بغداد بعد سنوات خمس ، سيحاول تغيير هيئته بسبب ملاحقات النظام العارفي له وللشيوعيين { لحية طويلة . سروال جينز . نظارة سوداء } كما يقول د خالد السلطاني في مقال له منشور بموقع { الحوار المتمدن } . بعد سنوات من الاستقرار ببغداد والبطالة سيجد لنفسه وظيفة { مترجم } في السفارة الروسية ببغداد . يذكر فاضل العزاوي في كتابه { الروح الحيّة } أن حسب العائد للتو من موسكو طرق باب شقته في مطلع العام 1966 . سكن معه وغادر الشقة بعد اسبوع بحجة انها تخلو من ورق التواليت . حسب سيستأجر شقة مع حميد سعيد الذي كان يواصل دراسته في الجامعة المستنصرية . في أعقاب انقلاب عام 1968 الذي قاده حزب البعث وفي ما أسموه { 30 تموز } الذي تم فيه الانقلاب على رئيس الوزراء عبد الرزاق النايف وعلى ابراهيم الداوود . عاد حسب في أواخر الليل في ذلك اليوم من حانة الى الشقة ، لكنه فوجىء بمجموعة من المدنيين المسلحين الذين كانوا يملأون الشقة وطلبوا منه الصمت والنوم . هذه المجموعة كان يقودها صباح ميرزا الذي أصبح فيما بعد المرافق الشخصي لصدام . بعد سنوات سيعرف حسب من خلال حميد سعيد أن هؤلاء وغيرهم كانت لديهم أوامر حزبية في الانتشار بعدة مناطق من بغداد لغرض انجاح الانقلاب الذي تم فيه ابعاد رئيس الوزراء خارج العراق .


3


كتبت خالدة سعيد مرة مقالة في صحيفة لبنانية عن حسب الشيخ جعفر وذكرت فيها انه يكاد يعرف أغلب الأعمال الموسيقية الكلاسيكية حال سماعها . عندما كنا أنا وهو نجلس الى الشراب ، يبقى صامتاً كما هو معروف عنه الى أن يدب دبيب الخمرة ، بعدها يبدأ الحديث في شؤون وشجون شتى . في كل جلسة شراب يطلب مني أن أسمعه أغنية ياس خضر الأولى التي سجلها عام 1969 في اذاعة القوات المسلحة { الهدل } وبعدها أغنية أم كلثوم { هو صحيح الهوى غلاّب } . قلت له مرة : { مالذي يجعلك تعجب في هاتين الأغنيتين ؟ } { ذكرى حب عاثر } قال لي . في عمّان التي أيقظت ذكريات سنوات موسكو عنده أيام دراسته ، ستستمر لقاءاته وجلساته مع { صديق العهد الدراسي } المعماري الدكتور خالد السلطاني ومع سعدي يوسف . وبين ذكرى ذلك الرفيق الميت الذي قال عنه في قصيدة { بمقبرة خلف برلين يرقد ابن جودة } وبين الوحشة والسأم في عمّان حيث لا أفق ولا نسمة مستقبل ، سيتوهم كثيراً أثناء جلسات الشراب معنا في الغرفة وهو يحدق في ملابسه المعلقة على الحائط ، اننا رفاق حزبيين من عهد الشباب، وأن هذا الجالس على يمينه هو الرفيق فلان ويسأل بعدها عن الذي ذهب الى الحمام : أين الرفيق فلان ؟ معلوم انه عندما كان في موسكو كان يحمل حنيناً كبيراً الى مدينته العمارة والى بلده العراق ، وعندما يكون في العراق يشتاق بشدّة الى موسكو . كانت كل مكافأة يحصل عليها عبر نشره لقصائده أو ترجماته وأغلب المكافآت قليلة جداً ، يبعثها الى أطفاله . مرة قلت له أمازحه حين استلم مكافأة عن قصيدة نشرها في مجلة { عمّان } : { استاذ حسب ، هذه المكافأة يجب أن تتصرف فيها وحدك } { لا بل سأبعثها إلى أطفالي } قال لي ، فصرختُ في وجهه : { نؤاس طبيبة ويارا مهندسة ومحمد عسكري . بشرفك هل هؤلاء أطفال ؟ } مات من الضحك وهو يوبخني . كانت المرحومة سعاد دباح الاعلامية التي تشرف وتدير غاليري الفينيق في عمّان قد طلبت مني أن اجري معه حواراً للصحيفة التي يصدرها الغاليري . أخبرتها أن حسب لا يحبذ الحوارات التي تجرى معه وطلبت منها أن تفاتحه وتلح عليه في الموضوع . ظل حسب يماطل ويعتذر شهوراً الى أن سافر البياتي في يوم ما الى دمشق وبقينا وحدنا في البيت . اقترح عندها أن نكمل الحوار المؤجل . أكملناه ودفعته الى السيدة دباح حيث نشرته وهي سعيدة .


4

كان الكاتب غازي العبادي صديق حسب وابن مدينته وزميل دراسته في موسكو قد وصل الى عمّان قبل وصول حسب بأسابيع من أجل الحصول على عقد عمل من السفارة الليبية لكنه لم يتمكن من الحصول على هذا العقد الذي كان يعول عليه كثيراً . ذات يوم طلب مني حسب أن يسكن غازي معنا لأنه متعب ومريض ويسكن مع مجموعة من العراقيين الذين لا يهتمون في الأدب وغرفتهم تخلو من مدفأة . طبعاً أنا لا أستطيع رفض هذا الطلب لكن المشكلة أن المسؤولين في حركة الوفاق يمنعونني كما سواي من استضافة غازي وأمثاله بحجة أن هؤلاء كانوا يعملون في صحف نظام صدام حسين . مرة حاولوا أن يبتزوا حسب من أجل الانضمام اليهم والعمل معهم . طلبوا أن ينشروا مجموعته { الفراشة والعكاز } في لندن { دار الكتاب العربي } وهي واجهة لهم . أعطاها لهم لكنها لم تنشر . طبعاً عرفوا انه لا يريد أن يبتزه أحد ما . يسكن في البناية التي نسكنها أنا وحسب شاب عراقي خيّاط أعرفه اسمه حيدر وتوت . طلبت منه أن يضيّف غازي في غرفته التي تخلو من مدفأة أيضاً فوافق الرجل مشكوراً . في بعض الليالي يتسلل غازي خلسة الى غرفتنا التي تنتصب في وسطها مدفأة للقاء حسب والحديث معه . ذات يوم جاء هادي الحسيني الى غازي العبادي فوجده مصاباً بجلطة دماغية وفاقداً الوعي . نقله الى أحد المستشفيات ومنعونا من زيارته . ظل في المستشفى عدة أيام ثم نقلوه الى العراق ليموت حسرة وكمداً .


5

في الشهور الأولى لوصول حسب الى عمَان ، تلقى دعوة من جهة ثقافية في دولة الامارات العربية عبر الشاعر أحمد راشد ثاني وكان قلقاً بسبب ضيق الوقت والاجراءات التافهة التي تتعلق بدخول العراقيين . ذهبنا الى غاليري الفينيق وتولى الشاعر علي الشلاه مهمة مخاطبة تلك الجهة الثقافية عبر الفاكس . أجابوه أن تذكرة الطائرة والفيزا وبطاقة الدعوة ستكون جاهزة خلال أيام قليلة . حسب لم يصدق وشعر بالخوف واعتبر أن التعامل عبر الفاكس ربما يكون ممنوعاً . أخبره علي أن الفاكس غير ممنوع في الأردن وانهم بصدد شراء جهاز كومبيوتر ووالخ . في أبو ظبي بعد تقديمه قراءات شعرية ستتم دعوته الى جلسة خاصة يقيمها المطرب أبو بكر سالم. في اليوم التالي لهذه الحفلة ذهبوا الى البحر وأحضروا له ملابس السباحة وفاتهم أنه عندما يكون معي بالبيت لا يخلع بيجامته أو بنطاله إلاّ اذا اختفيت في المطبخ أو الحمام . وهذه الحالة نعرفها نحن الذين عشنا معه . لم يسبح حسب في البحر معهم قط . في رسائله لي يذكرني دائماً انني كنت أسميه { استاذ حسب } كلما ناداني . أتذكر صيحاته لي : { نصيف } { نعم استاذ } هكذا كنت أجيبه في كل مرة .

6

في تلك الغرفة البائسة التي ضمتنا نحن الشعراء الخمسة وزارنا فيها الشعراء فوزي كريم وخزعل الماجدي وطاهر رياض ويوسف أبو لوز وغيرهم . كانت جلسات الشراب الليلية هي ما يخفف عنا قسوة الواقع اليومي المؤلم . أغلب طعام العشاء عندنا نحن العاطلين عن العمل كانت هي رقاب الدجاج الرخيصة . سعر الكيلو 7 دراهم . وفي ليالي البرد والثلج ابتكرت أنا ما أسميناه { المزة – العشاء } . بسبب البرد رحت أطبخ لهم كل ليلة حساء العدس بالشعرية ونتناوله أثناء الشراب حاراً حتى اننا بعد الجلسة نكون قد شبعنا ولا نشعر بالجوع . قليلة هي المرات التي أكلنا فيها اللحم أو الدجاج . أعرف الشاعر خيري منصور منذ أن كان بالعراق وحين عاش في عمّان واستلم القسم الثقافي في صحيفة الدستور ، دفعت له مرة قصيدة لينشرها من أجل المكافأة حتى أستطيع تسديد الايجار . نشرها ودفع لي مبلغ 15 ديناراً وهذه أول وآخر محاولة لي في النشر بعمّان . أغلب الذين يشرفون على تحرير الصفحات الثقافة يمتنعون عن نشر أيّ نتاج عراقي . حتى حسب لم يفلح معهم باستثناء نشره مرات قليلة في مجلة { عمّان } التي تصدرها أمانة العاصمة . بعد رحيلنا عن الأردن وبقاء حسب وحده في تلك الغرفة اللعينة ، سيقوم أمين عمّان الذي اكتشف انه زميله في الدراسة بموسكو ، يرافقه عبد الله حمدان رئيس تحرير هذه المجلة، بزيارته ومساعدته .



7

رسالتان من حسب الشيخ جعفر الى نصيف الناصري


أخي العزيز نصيف ..
تحية ومحبة ..
وصلتني رسالتك وأنا أشكرك .. سافر هادي الى النروج وانتقل البياتي الى دمشق ليقطن هناك .. سعدي دائم السفر . لم يبق من الأصدقاء إلاّ الدكتور خالد السلطاني وهو يحييك ويسأل عن أخبارك . أنا أكتب باستمرار طرداً للوحشة . نشرتُ في مجلة عمّان قصيدة عنّا وعن { الغرفة } قرب القلعة ونشرتُ قصيدة أخرى في الدستور عنّا أيضاً وعن بيت الصفيح ولحية النحات الغليظ كما تدعوه أنت أيها اللعين . أتذكر صيحتي مخاطباً إياك : نصيف . وجوابك : نعم استاذ . ما أطيبك يا نصيف ، وما أطيب حديثك الفصيح مع انك خريج محو الأمية . الآن . الليل يهبط على عمّان الطيبة ، الدافئة كقلب طيب وأنا أكتب تحت ضوء مصباح المنضدة . بعد قليل سأقيم حفلي الصغير الساهر مع نفسي والتلفاز . قرأت قصائدك في { الزمان } وقد أعجبتني . مزيداً من الشعر أيها الصعلوك الرائع . أحياناً أستريحُ الى زجاجة جعة في بار هلتون منفرداً ، فقد ارتحل أبو لوز . السماء غائمة . والأصدقاء يرحلون الواحد بعد الآخر كما قال اراكَون . من أين لي بكأس جعة في هذه الأمسية وأنا أكتب اليك ؟ أنا أكسل من أن أركب الى الدوّار الثامن فأعود ببغيتي . لا ضير ، فلم تبرح القنينة مترعة بموّالها وسأفتضها بعد أن أنتهي من رسالتك ، أما المزّة فهي الكلمنتينا كما نصحتني بها مرّة . كنّا في وداع هادي . لم أشأ الحضور إلاّ أن الدكتور خالد أصرّ ، فلبثنا معه ساعة . ترك هادي كآبة في النفس مثلما تركتها أنت ، غير أني سعيد برحيلكما الى أوربا الحسناء . ما الذي يصنعه الشاعر متسكعاً تحت أشجار الأرصفة دونما حديقة ؟ حبذا الرحيل في مركب أبيض الى أيما ساحل يضيء حاناته . حبذا الجلوس مع الصبايا في البارات . قُتل لوركا وارتحل الغجر تحت الزوابع الممطرة . الوقت يتحرك كمياه ساقية راكدة ، غير أن القدح سيرّن وتقدح المجرّات باشاراتها الضوئية . هل تتجمع الثقوب الكونية السوداء على حياة قادمة ؟ تحياتي الى أمل الجميلة . عسى أن تلتقيها يا عاشقاً في معطف مستهلك . ليكن شعارك : أمل أو الموت . بدلاً من : الحرية أو الموت .
أخوك
أبو نؤاس
16 / 12 / 1998


الأردن – عمّان
16 / 10
ألم تتصل بأمل ؟ هل هجرت شفيعها ؟
أخي وصديقي الطيّب نصيف بن ثجيل ..
أصافحك بحرارة وأسأل الله أن يشملك بظل من رعايته ولطفه . واضح انك لم تزل رهين المحابس الثلاثة : الفقر والسكر والصعلكة . متى تراجع نفسك ؟ متى تقرأ ؟ متى تكتب ؟ لستُ واعظاً ولا أحبّ من يعظ وينصح ، انما هي كلمات طالما قلناها لك . تشكو الافلاس الأبدي وكأنك في بيت الصفيح .. لماذا توزع جسمك في جسوم كثيرة ؟ تأخذ راتبك الى أقرب مخزن أو مطعم وتنفقه على رفاق ليلة سرعان ما يتفرقون عنك ، تاركين إياك لجيبك الفارغ وفوضاك ووحشتك . حبذا لو صرفت نصف الراتب على صديقة لك . حبذا لو تذكرت أهلك بشيء منه . لا جدوى من الحديث مع مجنون أو مخبول مثلك . لقد انقضى زمن الطيبة والكرم . يأكلون زادك وينفضّون عنك دون أن يتذكرك أحد منهم بكلمة خير . لا فائدة من الكلام معك . أنا الآن وحيد وحدة مطلقة . لا أرى أحداً . لا افكر بلقاء أحد . لا أتذكر أحداً . الأفق مظلم بهيم . لا مستقبل لي . لا عمل ، إلاّ ما أبعث به الى الجرائد . الى جرائد قد توصد أبوابها في وجهي بين ساعة وأخرى . وبعدئذ ما العمل ؟ والى أين ؟ لا أفكر بالانتحار . ولا بالعودة الى هناك .. ألم تكن تحلم بأوربا ؟ فلماذا الخيبة ولماذا القنوط ؟ حاول أن تصاحب فتاة سويدية تتعلم منها اللغة وتعيش أوقاتاً ممتعة . الشتاء رائع في الشمال الأوربي . البرد القارس والليل الذي { يطبق } على المدينة منذ الساعة الرابعة مساء . ربما الساعة الثالثة . وأيّ ضير ؟ يمكنك الجلوس مع امرأة الى مائدة حانة ، أو في غرفتك . يمكنك الانصراف الى قراءة { الحرب والسلام } أو { البحث عن الزمن المفقود } . أنا أهذي . عشتُ قبلك شتاء روسيا . شتاء لينا الروسية الرائعة . كنّا نتجول في قلب الزوابع الثلجية . في حدائق الصيف والضواحي . أعرف أن الزمن قد تغيّر وقد أمست الحياة متكدرة . غالية الأسعار في كل مكان ، غير انك بلمسة يد امرأة . قراءة كتاب . بقنينة نبيذ مع صديقة حلوة . بلقاء معها تحت الثلوج المتهاطلة . تجد شيئاً من الراحة . تجد قطرة من الحياة . ابحث عن هذه القطرة يا نصيف بن ثجيل . الشرب مع امرأة واحدة خير من الشرب مع الف رجل . ألم تهززك ابتسامة شقراء في المترو ؟ كان بار هلتون عزاء وملاذاً لي إلاّ انه أغلق ولا أدري متى يفتح بابه لأبناء السبيل . بار الشرق لا يلائم مزاجاً مثل مزاجي . ذهب أبو لوز الى الامارات منذ شهور ، فلا جليس لي غير الذكرى الباهتة . أنا أشرب يومياً كما تعرف وأكتب وأنشر وأقبض بعض المال لأهلي ولي . أنا الآن أعيش وحيداً في شقة . في بيت ام نضال . أكتب اليك والساعة تدنو من السادسة صباحاً . منذ شهرين وأنا أصحو مع صياح أول ديك . في الرابعة أو الثالثة صباحاً . انتهى الورق . انتهى الكلام .
والسلام
أخوك
أبو نؤاس





3 - نشيد حب الى كمال سبتي { بعض ذكريات }


كان موت كمال سبتي صدمة قاسية تلقيتها وتلقاها أغلب الذين أحبوه وأولئك الذين اختلفوا معه أحياناً أو أبداً . ومازال صديقي الشاعر والكاتب فاروق يوسف يعيش الآن أجواء هذه الصدمة العنيفة ولا يستطيع النهوض من حالة الحزن الكبير التي سببها له فقدان كمال ، ويقول لي : { لا عزاء . الفاجعة أعظم } . لم يكن موت كمال هادئاً أو عابراً في زماننا الكافر هذا ، بل كان اعصاراً مدمراً . هو الذي كان يملأ حياتنا العراقية الفقيرة بنبله وصخبه وضجيجه المدوي . في شعره وفي تنظيراته وفي تعكر مزاجه وصراخه وزعله الذي نخشاه دائماً . هل تصالح كمال مع العالم في يوم ما ؟ هل استطاع الامساك بغصن خفيف من فجر حياته العاصفة ولو لمرة واحدة ؟ تخيم عليّ الآن سحب من الكآبة وتحيطني أسيجة اللعثمة في محاولتي الحديث عن كمال سبتي . لم أحاول في الماضي أن أتحدث عن موت صديق في مناسبة رحيله أو كتابة مرثية عنه . كنت وما زلت أجد صعوبة في رثاء وتأبين الذين أحبهم ، وفي لحظات موت من أحببتهم لم أستطع البكاء أبداً . لا على أبي ولا على أصدقائي وما أكثر من مات منهم وحيداً وغريباً في هذه المتاهة وذهب الى الأبدية من دون وداع أو وصية أو وعد بحلم أو لقاء . هل أغفر الآن لصديقي الشاعر والفنان ناصر مؤنس الذي اقترح عليّ عام 1980 أن أشتري { وردة البحر } وأقرأها ؟ طلبت من كمال أن يكتب لي أهداء بعد أن تعرفت عليه في ظهيرة يوم ما من ذلك العام في مقهى البرلمان . كتب لي الاهداء والتصقت به { التصاق النار بالفحم الذي تأكله } منذ ذلك الحين . تكررت لقاءاتنا اليومية في المقاهى والبارات وفي القسم الداخلي القديم قبل أن ينتقل الى فندق الصيّاد بالميدان . سألني ذات يوم في بداية تعرفي له : { هل تكتب الشعر ؟ } أجبته بخجل : { أحاول ، لكنني أعاني من مشكلة تعلم الأوزان والاغلاط في الاملاء والنحو } قال لي : { لا يهم ، سأعلمك } لكنه لم يستطع أن يعلمني وزناً واحداً ، حتى في محاولاته الأخيرة معي حين زارني في السويد ومكث في بيتي 17 يوماً قبل سنوات . كنت قد بدأت حياتي الأدبية بكتابة الشعر السوريالي الفكاهي كما ذكر كمال في مناسبة معينة ، وظل الخيط الذي يجمعني به دائماً هو الهموم الشعرية كلها بآفاقها المعرفية والحداثية . لم تقترب رؤيتنا الشعرية أبداً حول جوهر ووظيفة الشعر ، ولم تتشابه قراءاتنا ولا موضوعاتنا ولا نظرتنا للعالم والمجتمع والزمن والتاريخ . كنت أهتم في التصوف والترجمات الرديئة عن السوريالية في البداية ، وكانت له آفاقه الأكثر سعة . كان كمال قد درس في معهد الفنون الجميلة السينما وحصل على شهادة الدبلوم بامتياز ، ومن ثم واصل دراسته للسينما في أكاديمية الفنون الجميلة قبل أن يتم فصله منها بسبب الشعر . ولعل الكثير منا لا يعلم أن كمال فصل من الاكاديمية لرسوبه في درس تافه هو { الانتاج } بسبب التغيب الدائم عن هذا الدرس ، وذهبت محاولاته كلها سدى من أجل اكمال دراسته للسينما أمام عناد واصرار استاذ درس { الانتاج } الذي كان لا يكن له الود بسبب الغيرة التي سيطرت عليه لشهرة هذا الطالب الشاعر وشعريته الحقيقية . نعم . كان الهم الشعري الكبير بعد الصدى الطيب الذي نالته مجموعته الشعرية الأولى { وردة البحر } هو المسؤول عن تغير مساره الدراسي . حين فصل من أكاديمية الفنون الجميلة وتم سوقه الى الخدمة العسكرية الاجبارية . راح يركز على قراءات عميقة في التراث والفلسفة والفنون والشعر والتاريخ وعلم النفس ومعارف شتى من أجل اغناء مشروعه الشعري الذي سيكرس له حياته بكاملها . جاء صدور مجموعته الثانية { ظل شيء ما } عام 1983 ليكرس صوته بقوة في خارطة الشعر العراقي المعاصر ، وكان قد وبخني حين أهداني نسختي منها وأعترضت على قصيدة فيها مكتوبة عن بيروت ، وكنت وما زلت لا أعير أية أهمية لشعر المناسبات . اعتذرت منه واحترمت وجهة نظره . بعد صدور مجموعته الثالثة { حكيم بلا مدن } عام 1986 راح كمال ينغمس بقوة في التنظير للحساسية الشعرية الجديدة ومحاولة ترسيخها في وسطنا الشعري العراقي على الرغم من المحاولات الكثيرة في اخفاء صوته والتعتيم عليه . من قبل الكثير من العاملين في المؤسسات الثقافية الرسمية للسلطة شعراء ونقاداً ومسؤولين . ما زلت أذكر آخر كلمة له في عموده الاسبوعي { كلمات في المهب } في صحيفة القادسية عام 1988 حين كتب لقرائه أن هذه آخر كلمة له في هذا العمود بسبب رفض نائب رئيس التحرير لطروحاته الشعرية . كانت الانعطافة الكبيرة في تجربة كمال الشعرية بعد تنظيراته التي وصلت حد اعلان القطيعة مع الشعر بمفهومه آنذاك ، هي تلك الصرخة التي جعلت أحد الشعراء الصحفين اللبنانين كان قد أجرى حواراً مطولاً مع مجموعة من شعراء السبعينات في العراق ومن ضمنهم فاروق يوسف وهاشم شفيق وكمال سبتي ووضع كلمة كمال { مانشيت } للحوار وأظنه كان قد نشر في مجلة الدستور عام 1988 { ليذهب الشعر الى الجحيم . أهلاً في الكتابة } ولكي يتوج كمال هذه الصرخة . جاء صدور مجموعته الرابعة { متحف لبقايا العائلة } عام 1988 ولتحدث القطيعة الكبرى بعد ذلك مع الإرث الذي ساد سنوات طويلة في الشعرية العراقية . وكان زاهر الجيزاني الذي نظّر كثيراً حول { تفجير اللغة } و { عودة الغنائية } مع السبعينيين . يواصل كتابة مجموعته المهمة الثالثة { الأب في مسائه الشخصي } بحمّى شديدة ، وكان فاروق يوسف ورعد عبد القادر قد راحا يواصلان انجاز مشروعهما الابداعي بصمت أيضاً وبقوة بعيداً عن الضجيج الذي كان يعلو مرة ويخفت مرة أخرى . كان كمال في هذه الفترة التي أجبر فيها على الصمت وحجب عموده الاسبوعي في صحيفة القادسية كما البركان الذي يغلي بسبب المناخ الرمادي الذي يحطم جميع الجوانب الثقافية في العراق بفعل الحرب التي أجهزت على كل شيء ، ومنها الثقافة والشعر الذي راحت تصدح به الأبواق عديمة الموهبة والخبرة الشعرية ، ليل نهار في تمجيد الحرب ومناخاتها . في مناخ ملبد في السموم والغيوم المريضة . تسنت الفرصة المنتظرة في صيف عام 1989 لكمال في الهروب من الجحيم الذي كان يغرق فيه العراق ، وذلك على أثر اختياره هو ومالك المطلبي وعبد الأمير معلة ، لتمثيل العراق في مهرجان الشعر العربي التاسع عشر في ليبيا ، من قبل اتحاد الأدباء في العراق . عندما كان كمال يستعد للسفر ويهيء نفسه . كنت أنا ببغداد أمضي اجازتي الدورية من وحدتي العسكرية . طلب منا نحن أصدقاءه الشعراء الشباب الذين نكتب قصيدة النثر ونعاني صعوبات في النشر أن نعطيه قصائدنا لينشرها في صحف عربية تصدر خارج العراق عندما يصل ليبيا . أعطيته عدة قصائد شأني شأن بقية الأصدقاء . لم نكن نعلم متى تحين لحظة سفره بسبب الاجراءات الرسمية المعقدة لكونه مازال يمضي خدمته العسكرية وممنوع من السفر . انتهت اجازتي وودعته متمنياً له رحلة سعيدة في غيابي . بعد شهر عدت الى بغداد في اجازة والتقيت في مقهى حسن عجمي الأصدقاء وسألتهم : { هل سافر كمال ؟ } أخبرني صلاح حسن ومحمد النصّار بهمس أن كمال قد هرب من العراق الى يوغسلافيا . بعد أن انتهت الاجراءات المطلوبة ومحاولة الحصول على الجواز والتأشيرة وتم تحديد موعد السفر وضرورة التواجد صباح يوم الاثنين في مطار بغداد الدولي وانتظار مالك وعبد الأمير في صالة الانتظار هناك ، كان كمال قد حزم أمره نهائياً في الرحيل الى المجهول وقذف نفسه في البركان . طار وحده يوم السبت حسب الأصول الى يوغسلافيا تاركاً كل شيء يخص حياته في غرفته بفندق الصيّاد . يا إلهي . ما معنى هرب من العراق ؟ كان ذلك يعني في تلك الفترة اننا لن نقدر أن نتواصل أو نعرف أي شيء عن من يهرب من العراق ، لأنه بصراحة يكون قد ارتكب جريمة الخيانة في مفهوم السلطة . كانت مقهى حسن عجمي ونادي اتحاد الأدباء بسبب غياب كمال أشبه بمصيبة . في اليوم الأخير من اجازتي وكان يتوجب عليّ أن أغادر الى وحدتي في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل . ذهبت مساء الى نادي اتحاد الأدباء مهموماً والتقيت صلاح حسن ومحمد النصار . تحدثنا بهمس عن كمال وعن رحيله والفراغ الذي تركه ، وهنا أصابتني نوبة بكاء شديدة جعلت محمد وصلاح يحملاني الى التاكسي ويأخذاني الى شقتهما التي ازداد فيها نحيبي وعويلي حين رحت أعيد قراءة نسخة صلاح من { متحف لبقايا العائلة } . لم أستطع النوم . غادرت الشقة مبكراً وذهبت أهيم في شوارع بغداد . بعت قمصلتي العسكرية ب 7 دنانير في سوق { الهرج } وهربت من الخدمة العسكرية . في العاصمة اليوغسلافية أخذت السلطات كمال الى مكتب المفوضية السامية للاجئين التابع للأمم المتحدة ، حيث تم قبوله لاجئاً في السويد ، لكنه رفض الذهاب الى السويد وفضّل اسبانيا بلد الشمس ولوركا ورفائيل البيرتي ، مع انها ليست دولة لجوء . في مدريد درس في الكلية المستقلة للفلسفة والآداب ، وأصدر مجموعته الخامسة { آخر المدن المقدسة } على الرغم من الصعوبات الحياتية الكبيرة التي كان يواجهها والتي كان أبرزها عدم الحصول على الجواز والمال والاقامة والسكن . عندما كنت في عمّان عام 1996 أرسل لي نسخة من { آخر المدن المقدسة } ممهورة باهداء جميل ، واتصل بي عبر الهاتف حيث أخبرني ليطمئنني ، أنه في وضع جيد الآن ويستعد للانتقال الى بلد اوروبي ويتمنى أن أكون قربه في يوم ما . قبل سنوات قليلة زارني هنا في السويد وأمضى معي ومع أصدقاء آخرين 17 يوماً ، مرت مثل حلم . أقيميت له جلسة شعرية في مرسم الفنان جعفر طاعون وقدمته فيها . قام بعد ذلك بنشر الكلمة التي تحدثت فيها عنه في موقعه الالكتروني قبل أن يغلقه وفي صحيفة { بغداد } وأمكنة أخرى . وشاءت الصدفة أن نلتقي الشاعر المبدع سركون بولص أثناء زيارته مدينة مالمو السويدية في بيت صديقنا الشاعر العماني زاهر الغافري وزوجته الفنانة العراقية أثمار عباس حيث أقاما لنا حفلة في بيتهما لم يجعلها كمال تمر من دون منغصات . بعد شهور تلقيت دعوة من الصديق الشاعر صلاح حسن للمشاركة في مهرجان شعري يقام هناك . جئت هولندا وأخبرت كمال انني سأزوره برفقة الصديق ناصر مؤنس . في الليلة التي سبقت زيارتنا حدثت عاصفة قوية سببت الكثير من الأضرار واضطر الكثير من المسافرين الى النوم في محطات القطارات وتعطلت حركة وسائل النقل ، لكن اصرارنا على زيارة كمال لم يمنعنا من الذهاب اليه محملين بالأشواق والهدايا . كانت المسافة اليه بالقطار ساعتين ونصف لكن مخلفات العاصفة جعلتها خمس ساعات . استقبلنا كمال في محطة قطار { ماسترخت } مدينته بالقبل والصراخ من الفرح . كان ناصر قد حمل 5 لترات من النبيذ الفاخر هدية الى كمال وحملت أنا جميع أغاني أم كلثوم حتى أغاني أفلامها لأنني أعرف مدى عشق كمال لأغاني كوكب الشرق . عندما هرب كمال الى يوغسلافيا عام 1989 أعزل إلاّ من روحه الكبيرة ومجموعاته الشعرية ، وراح يتلمس ضوء فجر في هذا البلد الغريب . كان كمال يدمر حياته في كل خطوة يخطوها من أجل الشعر . صحيح أن هناك الكثير من الناس الذين اصطدم بهم كمال . لا يتحملون مزاجه البركاني الثائر ولا طبيعته المدمرة والشبيهة بالاعصار . من الصعب أن تعايشه مالم تتركه على سجيته يفعل ما يشاء وتتحمل ما يصدر عنه من شطحات . حاولت أن أحافظ على صداقتي معه طوال 26 سنة وكنت لا أتدخل في خصوصياته ولا في ثورات غضبه على أقرب المقربين اليه . وكنت أنجح مرة وأخسر مرات . كان أشدّ ما يثيره غضبه خلال محادثاتنا الطويلة عبر الهاتف أو الماسنجر عندما كان في اسبانيا أو في هولندا ، هو ذلك التهميش المقصود بقوة من قبل الكثير من الصحفيين المتشاعرين من اللبنانيين وبعض العرب الذين يسيطرون على الصحف والمجلات العربية ويشعرون بغيرة ودونية من المبدعين العراقيين . اليوم قرأت نعي خجول في صحيفة القدس العربي مشكورة عن موته ومقال له عن الماغوط كان قد أرسله للنشر لكنهم لم ينشروه إلاّ اليوم . ولو يموت الآن شاعر سعودي أو مصري أو لبناني أو مغربي من الدرجة العاشرة لقامت قيامة صحيفة الحياة ولكان عبدة وازن قد جند الكثير من الندابين ليرفدوا صفحته الثقافية بمراثيهم . ينطبق هذا على صحف النهار و السفير وسواهما . لا يحتاج كمال سبتي الى مراثي هؤلاء لأنهم ليسوا أنداداً له ولن
يكونوا أبداً .



4 - أغنية السيدة فيروز { سكن الليل } موشح لشاعر عراقي من رجال السلك
العسكري في أيام الملك غازي .


يعتقد الكثير من الناس أن أغنية السيدة فيروز { سكن الليل } هي لشاعر لبناني من شعراء المهجر ، والبعض ممن استـُطلعتْ آراؤهم يعتقد انها لجبران خليل جبران . الأغنية هي موشح للشاعر العراقي نعمان ثابت عبد اللطيف 1905- 1937 وهو من رجال السلك العسكري أيام الملك غازي . مولده ببغداد . درس في الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1927 . قتل في حادث سقوط طائرته الحربية أثناء مهمة استطلاعية فوق محافظة السماوة وترك ديوان شعره { شقائق النعمان } ومجموعة من الكتب عند أسرته التي قامت بعد مقتله باصدارها وهي : { الجندية في الدولة العباسية } و { وجواسيس الجبهة أو ذكريات ضابط استخبارات الماني } و { اليزيديون } و { آثار العراق } . يضم ديوان { شقائق النعمان } إحدى وخمسين قصيدة ً رومانسية تتقدم كثيراً على شعر الرومانسية العربي في الأربعينيات والخمسينيات من خلال اللغة والموضوعات والاستعارات والتشبيهات . كتبت أغلب قصائده حسب الصيغ المعروفة لعمود الشعر العربي باستثناء ثمانية موشحاتٍ أتخذت مسائلَ الطبيعة والزمن والحب موضوعات لها ومن ضمنها موشح { سكن الليل } . تتيح هذه المناسبة لنا فرصة الحديث عن الشعر والآيديولوجيا في العراق التي دمرت وشوهت الفكر والفن والابداع منذ انقلاب عام 1958 وحتى الآن . ماذا لو كان الشاعر نعمان ثابت عبد اللطيف مصرياً أو سورياً أو لبنانياً أو تونسياً ؟ هل ظل نتاجه مطموراً وبعيداً عن القراء ؟ هناك في الأردن جائزة أدبية وتعتبر الأولى هي جائزة { عرار } شاعر الأردن . عرار هذا زامل الشاعر العراقي حافظ جميل أثناء سنوات الدراسة في لبنان الذي قال عنه مرة :


يقولون: ما شأني ولبنان كلما تغنيت فيه جن في الشعر شيطاني

فقلت : هبوني فخر بغداد محتداً فمن غير لبنان رعاني ورباني

ومن غير لبنان شكوت فرق لي ومن غير لبنان بكيت فواساني

ومن غير لبنان اذا ما وهبته حياتي . أحال الارز قبراً فواراني


وكان يقلده في شعره وبلغ الاعجاب بمحبيه أن ينسبوا له قصيدة شاعرنا العراقي المعروفة { يا تين يا رمان يا خوخ يا عنب } . تكررت طبعات ديوان عرار بقصائده القليلة عدة مرات وأنشأت جائزة باسمه ، أما استاذه وزميله الذي يتفوق عليه كثيراً في الابداع حافظ جميل فلم تجمع مجموعاته الشعرية الكثيرة وتصدر في ديوان يليق بابداعه وشعريته العراقية العالية ، والسبب أن شاعرنا لم يكن بعثياً ولا شيوعياً ولم يحسب على أية آيديولوجية في العراق . عاش حياته للشعر والفن بعيداً عن عواصف السياسة وتحولاتها ، وينطبق هذا الشيء مثلما وضّحت في مناسبة سابقة على الكثير من الشعراء العراقيين . عبد القادر رشيد الناصري الشاعر الكردي الذي استوطن الناصرية وترك تراثاً ضخماً ، وحسين مردان وعبد الأمير الحصيري ورشدي العامل وسواهم من الشعراء الآخرين . ألقت الآيديولوجيات بظلالها الكريهة بالعراق في أعقاب انقلاب 1958 على الأدب والفن والثقافة ، وحطمت كل الانجازات السابقة التي خلفتها أجيال من العقول العراقية بحجة أن تلك الانجازات تحسب على النظام الملكي الذي أطيح به في انقلاب دموي بشع ، وفي المقابل تمت الاشادة بالدور الذي لعبه شعراء انشغلوا في ترسيخ مفهوم القتل والثأر والدم الذي مازال المجتمع العراقي يعاني منه الى الآن . أما شعراء من أمثال نعمان ثابت عبد اللطيف وسواه ممن تركوا إرثاً يعنى بالجمال والابداع الانساني الخالص والبعيد عن القتل والدم ، فقد تم تجاهل إرثهم نهائياً بسبب المفاهيم العشائرية والطائفية التي رسختها الآيديولوجيات العمياء في العراق . أقدم هنا موشح { سكن الليل } كاملاً وأوجه التحية والتقدير الى السيدة فيروز والأخوين رحباني على التفاتتهم الجميلة لهذا الشاعر العراقي الذي غيبه رماد مذابحنا طوال 50 عاماً من أجل اللاشيء :


سكن الليل وفي ثوب السكون تختبىء الأحلام

واعتلى الطير أريكات الغصون يبعث الأنغام

فثوى السهد بأجفان الحزين وطوى أضلاعه الداء الدفين

واستهلت عبرات العاشقين

وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الأيام

وتلقى من أحاديث الشجون ما يشيب الهام

يا ابنة الحقل هلمي لنزور كرمة العشاق

فتغطينا بأغصان الزهور وجني الأوراق

ادهقي الأقداح خمراً سلسلاً وانعشي قلب المشوق المبتلى

واشربي فالخمر تشفي العللا

علنا نطفئ بذياك العصير حرقة الأشواق

وعسى يحنو على قلبي الكسير قلبك الخفاق

واسمعي البلبل ما بين الحقول يسكب الألحان

رجّعت الحانه رحب السهول فانتشى القلبان

فاجلسي قربي على عشب البطاح وانصتي واستمعي أشجى الصداح

فصداح الطير مطلوق الجناح

في فضاء نفحت فيه التلول نسمة الريحان

ينعش الروح كما كأس الشمول تنعش الضمآن

لا تخافي يا فتاتي فالنجوم تكتم الأخبار

مثقلات بتباريح الهموم في هوى الأقمار

هائمات دون جدوى في السماء خافقات كقلوب في الفضاء

أو فؤادي عندما طال التنائي

وضباب الليل في تلك الكروم يحجب الأسرار

وعلى النبع بصمت ووجوم تثمل الأزهار

لا تخافي فعروس الجن في كهفها المسحور

يتسلى بكؤوس القرقف قلبها المأسور

هي تخشى فتكات المقلتين وبريقاً ساطعاً في الوجنتين

ابصريها هي من نبلة عين

وقعت سكرى وكادت تختفي عن عيون الحور

واذا الفجر انجلى وا أسفي تختفي في النور

ومليك الجن إن مرّ يروح والهوى يثنيه

واذا الورقاء في الليل تنوح نوحها يشجيه

عانقيني وامسحي دمع جفوني فمليك الجن في قيد الشجون

صامتاً منذهلاً دامي العيون

هو مثلي عاشق كيف يبوح بالذي يضنيه

وكلانا مستهام والجروح مثخنات فيه .





5 - الملك فيصل الأول يقوم بمصالحة وطنية بين الرصافي

والزهاوي


شهدت الحياة الأدبية ببغداد في سنوات العشرينات من القرن الماضي مشاحنات ومعارك أدبية كبيرة في الصحافة الصادرة آنذاك بين الشاعرين العراقيين معروف عبد الغني الرصافي وجميل صدقي الزهاوي . كانت أسباب هذه المعارك كثيرة ، منها ماهو موضوعي يخص الشعر وزعامته والثقافة بشكل عام ، ومنها ما هو شخصي يتعلق في مزاج الرصافي ومواقفه الحادة أحياناً من الملك فيصل الأول ورجال السياسة في العراق ، عكس الزهاوي الذي كان يحظى بقبول من البلاط الملكي والحكومات العراقية . كان للرصافي أنصاره من الكتّاب والشعراء مثلما كان للزهاوي أنصاره أيضاً ، وقد أمتلأت الصحف البغدادية في بعض الأحيان بأخبار المعارك والمقالات والردود التي تناولت الخصومة الشديدة بين الشاعرين الكبيرين ، وكان نصيب الزهاوي من النقد والتجريح أكثر حين دخل الأديب المصري العقاد في هذه الخصومة عندما نشر في { البلاغ } المصرية عام 1927 رأياً يشكك فيه بشاعرية الزهاوي ويقول فيه عنه { انه صاحب ملكة علمية من طراز رفيع ، وانه يصيب في تفكيره ما طرق من المسائل التي يجتزئ فيها بالاستقراء والتحليل ، ولا تفتقر الى البديهة والشعور ، فمن ينشده فلينشده عالماً ينظم ، أو يجنح الى الفلسفة ، فهو قمين باصغاء اليه واقبال عليه في هذا المجال ، وإن خير مكان له هو بين رجال العلوم والقضايا المنطقية ، فهو لا يبلغ بين الفلاسفة والشعر مثل ذلك المكان } . عندما وصلت { البلاغ } بغداد وقرأها الزهاوي وهو الشاعر الفيلسوف استشاط غيظاً وهو يقرأ ما كتبه في حقه العقاد الذي منح فرصة كبيرة لأنصار الرصافي للهجوم عليه . عندما صدر ديوان العقاد في مصر ، كانت لحظة الثأر قد حانت عند الزهاوي الذي راح يهاجم ويسخر ويشكك بشاعرية العقاد عبر سلسلة طويلة من المقالات من دون توقيع نشرها في مجلة { لسان العرب } لصاحبها الأب انستاس ماري الكرملي واعتقد القراء والعقاد أن كاتب المقالات هو صاحب المجلة الأب انستاس الكرملي . كان الملك فيصل الأول يحرص دائماً على وحدة العراق والتقريب بين قومياته ومذاهبه ولا يحب الخصومات بين الناس والطوائف ، وحين اشتدت المعارك بين الرصافي والزهاوي وأنصارهما وخرجت عن نطاقها الأدبي والثقافي ، ارتأى الملك أن يقوم بمصالحة وطنية تجمع الشاعرين المتخاصمين عبر وليمة عشاء في قصره ، وهكذا تمت دعوتهما الى القصر الملكي حيث كانت وليمة العشاء الديك الرومي المحشي بالرز واللوز والكشمش . بعد وليمة الملك التي أصلحت بينهما وكانت مصالحة وطنية بحق انتهت الخصومة الى الأبد . ما يهمنا الآن بعد هذا الزمن الطويل هو الحب وصداقة الشعر . لم أجد في ديوان الرصافي ما يسيء الى الزهاوي ، بل وجدت قصيدتين واحدة في مديحه قالها في حفلة تكريم له والأخرى في رثائه حين مات عام 1936. أقدم هنا الى القارئ الكريم قصيدة المديح وقصيدة الرثاء :



في حفلة الزهاوي


أرى بغداد من بعد اغبرارِ زهت بقدوم شاعرها الزهاوي

زهت بكبيرها أدباً وعلماً زهت بطبيب علتها المداوي

وكادت مصر تسبقها فخاراً به لو ظل وهو هناك ثاوِ

ولكن عاد محتبقاً اليها فخار الأرض والشرف السماوي

فأهلاً بالحكيم وألف أهل بمن لا زال مرشد كل غاو

وما الآداب في بغداد لولا يراع جميلها إلاّ دعاو

اذا ما قال في بغداد شعراً رواه له بأقصى الأرض راو

تفرَّد في بديع الشعر معنى فجّل عن المعادل والمساوي


*******


أعيذك يا جميل الشعر مِن أن يسوءك نقد أرباب المساوي

يداوون السقيم من المعاني بفهم كان أجدر بالتداوي

ألا لا تعجبنّ وهم ذئاب اذا هم أفزعوك بصوت عاو

لقد نقدوا قريضك نقد أعمى يدل على الضغائن في المطاوي

فأحمِ لهم حديد الشعر حتى تُذيق نفوسهم حرَّ المكاوي

فهم قوم يرون الحلم عجزاً اذا ما ناوؤك ولم تناو

ولا تضربهم إن شئت إلاّ بضغث من نبات الشعر ذاو

فهم مثل الذباب يطير ذعراً بهزّ مِذبّة وهُويّ هاو

وليسوا محوجيك الى معين وهم ما بين مهزول وضاو

فنفخ منك يجعلهم هباء ويسقطهم الى سفلى المهاوي

وما احتاج القوي الى معين اذا كان لضعيف هو المقاوي .



في تأبين الزهاوي



أيها الفيلسوف قد عشت مُضنى مثل ميبٍ ، وصرت بالموت حيّا

ما حياة العظيم إلاَ خلود بعد موتٍ يكون للجسم طيّا

سوف يبقى على الورى لك ذكر ناطق بالبقاء لم يخش عِيّا

أنت فرد في الفضل حيّاً وميتاً حزت في الحالتين قدراً عليّا

سوف أبكي عليك شجواً وإني بك قد كنت في الحياة شجيّا .


6 - عن الصعلكة وتجارب المثقف

تطالعنا بين آونة وأخرى كتابات صحفية سريعة شأنها شأن الثقافة العراقية في الداخل ، لصحفيين هواة وبعض الكتَاب تتحدث عن الصعلكة والصعاليك من دون تمييز بين من اختاروا الصعلكة اختياراً واعياً كموقف من العالم والمجتمع والسلطة والعائلة ، وبين بعض الناس اللطفاء ممن ابتلوا بالادمان المفرط في احتساء الكحول . ويعتقد أغلب أصحاب هذه الكتابات انهم في عملهم هذا يحققون فتحاً أو يكشفون عن طرافة عبر التحدث عن بؤس وفقر ونبل الصعلوك ، لكن الحقيقة المرّة هي انهم يقدمون اساءة بالغة لمفهوم وشرف الصعلكة الذي نعرفه ، وللتمييز بين الصعلوك وبين الكحولي أود القول أن الأول ينتج ابداعه دائماً ويكرس له حياة كاملة ويتصف بطباع وشخصية لطيفة ومرحة ، تمتزج أحياناً بفذلكات سوريالية محببة يفتقدها أولئك الذين يحيطون به والذين يهربون من دفء بيوتهم وصرخات زوجاتهم وأولادهم ومحيطعم الاجتماعي المعادي للحرية التي يحملها الصعلوك . بغض النظر عن حبه للكحول وعدم وجود وظيفة رسمية ثابتة له في مؤوسسة ما تمنحه الراتب الوظيفي ومعيشته شبه الدائمة على عطايا الأصدقاء و الجوقة التي تحيط به أينما حلّ وارتحل ، أمّا الكحولي فهو ذلك الانسان الذي أصيب بمرض الادمان ولا يستطيع التخلص منه إلاّ بخضوعه لأشراف وعناية طبية في مراكز معالجة الادمان ، ومعلوم أن الانسان الكحولي ينسلخ بمرور الأيام عن محيطه العائلي والاجتماعي ويعيش على الهامش من خلال نمط حياته الذي يؤدي به الى أناس هم على شاكلته تماماً . حسب المعلومات الطبية لدى أهل الاختصاص ، أن السكّير . المدمن . الكحولي . العرقجي . يصاب بجين يسبب الادمان ونسبة الذين يصابون بهذا الجين تتراوح بين 12% و15 % ، والكحولي هو الوحيد الذي يستطيع أن يحتسي الكحول بمفرده ، أما الانسان غير الكحولي فلا يستطيع الشراب وحده سواء كان في البيت أو في غابة أو في أي مكان آخر . يعيش الصعلوك في البيت أو في الفندق اذا كان قادماً الى بغداد من محافظة أخرى ويقضي جلّ أوقاته مع الناس العاديين والأصدقاء في المقهى أو المكتبة ويذهب الى السينما والمسرح ، ويرتاد الحانة في أوقات معينة لأن جسمه غير مشبّع بالكحول وجهازه العصبي هادئ تماماً ، وأفضل الأوقات عنده تكون المساءات والليل . النقود ليست مهمة بالنسبة للصعلوك اذا أراد الكتب أو الشراب أو الطعام أو الملابس أو بقية الأشياء الأخرى طالما انه ينتج ابداعه ويحيا حياته حسب الأنماط التي اختارها هو . تأتي النقود بسهولة من المحيطين به . لا يستجدي الصعلوك أحداً وحين يكون عنده المال يوزعه ولا يحتفظ به أبداً مهما كان حجمه وشكله ولونه . لا مال للصعلوك إلاّ عطور وورود الصداقة والصحبة الكريمة ، أمّا الكحولي العاطل عن الفعل والمريض والعصبي والشتّام ، فيكون وجوده في مكان ما نكبة وحالة بائسة ، اذ يتوجب على المرء عدا منحه النقود بشكل يومي ومستمر ، أن ينصت لشتائمه وثرثرته غير المجدية وشكواه المستمرة وبكائه واساءاته البالغة للمكان والحضور .
في الثمانينات كان الوسط الثقافي الموبوء ببغداد قد أطلق تسمية مربع الصعلكة علينا أنا وجان دمو وحسن النواب وكزار حنتوش لا لشيء سوى اننا كانت تجمعنا ظروف معينة غير طبيعية في تفكيرنا وطيبتنا ونمط حيواتنا ورؤيتنا للعالم والمجتمع والأشياء . جان دمو من كركوك ويعيش في بغداد بفنادق رخيصة أو مع أصدقاء ولايأبه بأية وظيفة أو عمل ، يكتب الشعر ويترجم عن الانكليزية في فترات متباعدة جداً ، القي القبض عليه في أوائل الثمانينات من قبل عناصر الجيش الشعبي وتم سوقه الى أحد القواطع . كنا قد افتقدناه كثيراً لكنه عاد بعد شهور بعافية عالية وقال : { لقد أشبعوني الدجاج واللحم وكانت عندي قريولة وفراش وأنام بالمجان . خوات القحبة القاذورات دمروني بالتدريب بس ما تعلمت شلون أرمي بالبندقية القحبة } , كزار حنتوش خريج معهد الهندسة العالي ، يأتي الى بغداد مرة أو مرتين في كل شهر من أجل استلام مكافآت قصائده ولقاء الأصدقاء والتصعلك في الحانات وشراء الكتب . تم سوقه الى الخدمة العسكرية الالزامية جندي احتياط لمدة سنتين في أحدى جبهات الحرب . هرب في الشهر السادس وسيق الى محكمة عسكرية قضت بسجنه فترة معينة ، حين تم تسريحه بعد أن أمضى سنتين في جبهة الحرب وذهب الى تجنيد الديوانية لاكمال معاملة تسريحه ، قال له ضابط التجنيد : { يا بعير ابن بعير لبّسك احتياط ووداك للجبهة ؟ ليش أنت حمار ما تدري أنت مشمول بأمر الريس ؟ . الخريج من معهد الهندسة العالي والمهندس ما تروح مواليده للحرب ولا مشمول بالخدمة } أمّا حسن النواب سائق الدبّابة في أحدى جبهات القتال والذي كان دائم الهروبات من الخدمة العسكرية ويقضي أكثر أيامه ببغداد بعيداً عن بيت أهله في كربلاء خوفاً من القاء القبض عليه من قبل المفارز الأمنية والجيش الشعبي ، فقد كان مثلي يتسكع بنماذج اجازة مزورة ويتجنب المرور بالمناطق والساحات المزدحمة وكان يذهب الى الحانة والى نادي اتحاد الأدباء سيراً على الاقدام حتى لا توقفه سيطرة استخبارات أو انضباط عسكري أو جيش شعبي . في تلك الفترة التي أتحدث عنها لم يكن بيننا من هو كحولي . كنّا نشرب في الليل فقط وأحياناً نذهب الى حانة ونشرب البيرة هروباً من الطقس الحار في الصيف بعد أن نمضي ساعات طويلة في جو مقهى حسن عجمي الخانق بفعل الثرثرة المعتادة ودخان النرجيلات وصياح الرواد وهم خليط لا متجانس من العاطلين والمحامين والمتقاعدين والبقالين والرسامين والتجار والشعراء والكتّاب والطلبة والجنود . في بعض بلدان العالم ومنها السويد ، لا يجوز دخول الكحولي الى الحانات ولا يجوز بيع الشراب الثقيل الى الكحوليين . تباع لهم البيرة الخفيفة 28 / 2 فوليم أو 3 / 5 فوليم ويمنع عليهم شراء الفودكا والويسكي والبراندي والعرق 40 فوليم والبيرة 5 فوليم والبيرة الثقيلة 7 و8 فوليم والنبيذ 12 و14 فوليم . عندما وصلت الى هنا قبل 8 سنوات كان يحلو لي أن أشتري البيرة الثقيلة أو الفودكا قبل أن أجبر على الذهاب اليومي لدراسة اللغة السويدية ، وأذهب لأشرب على المصاطب في الشوارع وفي الحدائق العامة . كنت مزهواً بفعلي هذا . كنت أود أن أذهب وأجلس مع الكحوليين السويديين حتى أتعلم منهم اللغة . كان الجيران حين يشاهدوني أشرب على مصطبة ما ، يمتعضون جداً ولا يلقون عليّ التحية وكنت حين أحييهم يتجاهلون تحيتي ولم أكن أعرف السبب ، لكن حين بدأت أفهم قليلاً في اللغة اكتشفت من خلال المدرسة وبعض الناس ويا للهول أن الشخص الكحولي شبه منبوذ من المجتمع بسبب صراخه وعدم استحمامه وازعاجه للجيران وعدم دفعه ايجار البيت وشحذه المهين للنقود من الناس بشكل دائم مع انه يستلم النقود من دائرة الضمان الاجتماعي أكثر مما يستلمها الشخص الطبيعي . بعض الكحوليين ممن يطردون من بيوتهم بسبب عدم دفع الايجار يذهبون الى فنادق البلدية المزودة بغرف فاخرة ومطاعم بالمجّان . تركت هذه المهمة السخيفة وبعد أكثر من سنة اكتشف جيراني أنني لست كحولياً . لا يجوز هنا ضرب الشخص السكران مهما أبدى من عدوانية وازعاج لأي شخص ، وحين تعثر الشرطة على سكران ما في الطريق ، تأخذه للمبيت في المخفر وفي الصباح يذهب الى بيته بعد أن يستعيد صحوه . في بعض بلدان اوربا تقوم الشرطة بأخذ غرامة معينة من الشخص السكران ، أمّا في السويد فلا يأخذون غرامة لكن تبقى نقطة سوداء لكون هذا الشخص السكران نام في يوم ما عند البوليس بسب الافراط في السكر ، ولقد نمت مرة عند البوليس عندما افرطت في السكر حد الثمالة أثناء حفلة عراقية . طبعاً هذا هو عكس ما يحدث في بلداننا العربية ، اذ نشاهد الناس السكارى في الشوارع يعربدون ويغنون ويصرخون ويتحرشون بالنساء حسب أمزجتهم ولا اعتراض من أحد على تصرفاتهم المسيئة ، وفي حال قام أحد هؤلاء بالعربدة على شخص ما أو استفزازه بكلام لا يعول عليه يقوم هذا الشخص بضرب السكران والثأر منه بقوة .
كانت هناك تقاليد غير حميدة بالعراق في نقابة الفنانين ونادي الاعلام واتحاد الأدباء وبقية النقابات المهنية ، حيث تقوم كل مؤوسسة من هذه المؤوسسات بفتح حانة للاعضاء وتقدم لهم المشروبات ، وبمرور السنوات يسقط المئات من الناس صرعى داء الادمان القاتل ، وكم فقدنا من المبدعين بسبب الادمان في حانات هذه المؤوسسات التي تقدم السموم والميول الى الانتحار البطيء ، والمصيبة الكبرى أن هذه الحانات التي يجب أن تكون غاياتها وأهدافها اجتماعية وترفيهية صرفة لكل الأعضاء ، كانت ذات مناخ كحولي سيء وثقافة ذكورية تبعد المرأة عن هذا المناخ الملطخ بالنميمة والصخب والعدوانية التي يمارسها البعض ممن لم يتشكل وعيه الحضاري بصورة حقيقية وظل يحمل ثقافة وتقاليد القرية التي جاء منها .

7 - عن الشعر والصعلكة مرة اخرى

كنت قد أوضحت في مناسبات سابقة أن اختيار الصعلكة كاسلوب ونمط حياة وثقافة في عراق الثمانينيات من القرن الماضي ، كان اختياراً واعياً وحرّاً عندنا نحن { جان دمو . كزار حنتوش . حسن النواب . نصيف الناصري } . كانت أشكالنا وأرديتنا وعزوفنا عن الزواج ومصادرنا الثقافية وموضوعات قصائدنا وطرق حيواتنا ، لا تشبه الآخرين . كان اختلافنا عن الجميع واضحاً في كل شيء . كلنا هربنا من الخدمة العسكرية الالزامية { باستثناء جان الذي ألقي القبض عليه من قبل مفرزة للجيش الشعبي في السنوات الأولى من الثمانينيات وأخذوه الى أحد القواطع } ، وكلنا فقراء ، وكلنا لم نعمل في دوائر النظام الاعلامية والثقافية ، وكلنا جئنا بغداد من محافظات أخرى . كان سلوكنا الاجتماعي الريفي والبدوي واضحاً جداً في تعاملنا مع الآخرين . جان دمو القادم من كركوك وقصائده السوريالية وثقافته الغربية ، وكزار حنتوش القادم من الديوانية وقصائده الشبيهة بالشعر الشعبي والتي لا تنتمي الى تقاليد ومناخات وطرائق الشعر العراقي ، وحسن النواب القادم من كربلاء بإرثه الهندي وقصائده عن مملكة لكنو الاسطورية ونهر الهندية والمهراجات والممثلات الجميلات ، وأنا المتخرج في مركز لمحو الأمية وتعليم الكبار والمولود في الناصرية بقصائدي التي كشف القناع عنها الناقد حاتم الصكر في مقال نشرته صحيفة الجمهورية عام 1989 حول مجموعاتي الاربع التي صدرت بخط يدي ووزعتها في مقهى { حسن عجمي } وأسماها { جهشات الغجري الملعون } . لم نكن وحدنا نحب الكحول . كان أغلب الذين نعرفهم ونعيش معهم كحوليين ومرضى من الدرجة الأولى ويشربون أحياناً في اليوم 3 مرات ، بحثاً عن لحظات سرور وهمية وهروباً من المحيط العائلي الذي وجدوا أنفسهم فيه بحكم العادات الاجتماعية التي أجبرتهم على الزواج في سن مبكرة . كان جميع من عاشوا معنا وتعلقوا بنا عندهم زوجات وأطفال وبيوت ووظائف محترمة ، حاولوا أن يصبحوا صعاليك مثلنا . لكن هيهات ، لم يكن اختيارهم للصعلكة واعياً . كحوليين كانوا ولطفاء جداً أتعبتهم حياة العائلة ومسؤولية تربية الأولاد . الغاية من العودة الآن الى موضوع الصعلكة في الشعر العراقي ، هو انني قرأت قبل أيام في صحيفة { الأهالي } التي تصدر ببغداد موضوعاً كتبه الدكتور جواد سماري بعنوان { صعاليك بغداد والموت على الأرصفة } أثبتّه هنا لاطلاع القارئ عليه . يخلط فيه بين الصعلكة التي كانت عندنا كمفهوم وطريقة حياة ، وبين النزعة الكحولية المرضية عند البعض . وكما ذكرت في مناسبة سابقة أن مرض الكحول ، جين يصاب فيه من 13 الى 15 في المئة من البشر ، وهؤلاء يجب معالجتهم من الادمان في مستشفيات الأمراض النفسية تحت اشراف أطباء متخصصين ويخضعون لمراقبة دقيقة من أجل مساعدتهم في العودة الى الحياة الطبيعية . مستشفى بن النفيس عندنا في ساحة الأندلس مثلاً . هل يمكن لنا أن نعتبر الشخص المتزوج ولديه الكثير من الأولاد والذي يهرب من بيت الزوجية ويدمن الكحول ويتشرد في الشوارع والأمكنة المظلمة صعلوكا ؟ كلا بالطبع . يقول أمير الصعاليك عروة بن الورد : { أقسم جسمي في جسوم كثيرة } . الصعلوك لا يهرب من بيت الزوجية ويترك أولاده وزوجته ولا يستجدي المال من أجل الشراب . لأنه ليس لديه بيت أصلاً . كان كزار حنتوش حين يأتي الى بغداد طوال سنوات عديدة من أجل استلام مكافآت قصائده ، ينفقها كلها على الأصدقاء في البارات ويعود الى الديوانية خالي الوفاض ، ومثله كان يفعل حسن النواب . حين كلفني جان دمو عام 1993 أن أرسل قصائده الجديدة الى مجلة الأقلام التي شطب رئيس التحرير حاتم الصكر من أحداهن كلمة { الرئيس } ودفع المكافأة مقدماً . أنفقها كلها في جلسة سكر صاخبة ، ومعلوم أن لا كزار ولا حسن ولا جان كانوا يحتفظون في المال ، ولا أنا حين استلم راتبي من وزارة النفط وأنفقه في جلسة شراب واحدة تعج بالكثير من الصعاليك والكحوليين ، طالما انه يأتي من أولئك الأصدقاء اللطفاء الذين ابتلوا بشرور الكحول . لم يحدث أن نام أحدنا على رصيف طوال سنوات الثمانينيات . كانت لجان دمو غرفته المستأجرة في شارع الرشيد وتقابل مقهى حسن عجمي وحين تركها راح يسكن في فنادق متواضعة يشاركه فيها أحياناً جان وكزار . في بداية سنوات الحصار كان اذا صادف وجاء حسن وكزار من مدنهم يحلو لهم النوم بعد أن يفرطوا في السكر على الأراجيح في حديقة نادي اتحاد الأدباء ، ويشاركهم ذلك جان دمو اذا لم يكن ممنوعاً من دخول مبنى الاتحاد . كانت فذلكاتنا تتفق والمناخ العام في تلك السنوات التي أتحدث عنها . تنشر صحيفة الجمهورية للهيب عبد الخالق وعدنان الصائغ ولا تنشر قصيدة النثر . استنسخت مرة بيدي قصيدة لسامي مهدي كانت منشورة مع قصائد أخرى له في مجلة { آفاق عربية } وعرضتها عليه في مقهى حسن عجمي . امتعض وقال : { يجب أن تعيد صياغتها . الموضوع مفكك } . أخبرته انها له ومنشورة في { آفاق عربية } اسقط في يده وضحك مشفقاً عليّ وعلى جرأتي في التجروء على هذا الفعل . ليست هذه صعلكة . انها فذلكة . لا أود هنا أن أناقش ما كتبه الدكتور جواد سماري واترك ذلك الى القارىء . لم تكن لدينا أية مشكلة مع سلطة نظام صدام حسين في تلك السنوات ، ولم ندعي معارضته ، ولم تكن لنا بطولات وهمية ضده . اكتفينا في العيش على هامش المجتمع ضمن مفهوم الصعلكة الذي اخترناه ولم نمجد حروب النظام وديكتاتوريته ، وأعتقد أن سلوكنا هذا في الابتعاد عن النظام كان أبلغ ادانة له . في مهرجان المربد الذي عقد عام 1993 تمت دعوة كزار حنتوش ، وكان من المفروض أن يقرأ شعره في قاعة الرباط . كان كزار يرتدي قمصلة عسكرية مهلهلة ومتسخة . قبل أن ينادى عليه للقراءة أعاره صديقنا الشاعر الفلسطيني أحمد يعقوب قمصلته الجلد السوداء النظيفة . صعد كزار منصة القراءة وكانت قصيدته التي يود قراءتها قد نسيها في قمصلته العسكرية التي أودعها عند أحمد . وبما انه كان مخموراً فقد راح يفتش في جيوب قمصلته السوداء عن قصيدته الضائعة . أمام دهشة وضحك الجمهور قام كزار بعد أن يأس في العثور على قصيدته بارتجال بضع أبيات أهداها الى عبد الأمير معلة رئيس أتحاد الأدباء العراقيين دفعاً للاحراج الذي شعر فيه ولكي يضمن المبيت في المستقبل على ارجوحة في حديقة نادي اتحاد الأدباء . هل تعتبر هذه الحادثة صعلكة ؟ . كلا بالطبع . كنا نمارس تقاليد الشراب في الليل دائماً ، وأحياناً في النهار بخمارات شعبية في الباب الشرقي أو منطقة الميدان . ومثلما كنا نقرأ الكثير عبر أوقات نخصصها للقراءة كل حسب طريقته ، فقد كنا نكتب الكثير باستثناء جان دمو العاطل عن فعل الكتابة دائماً . لم نكن مجانين أو وجوديين ، وكنا نعيش حريتنا في كل خطوة نخطوها بكل امتلاء . هل شعرنا في الاستلاب في يوم ما ؟ نعم ، مرات كثيرة ، لكنه ليس الاستلاب العائلي . كنا نسخر دائماً من صنّاع الأدب المتنطعين وأولئك المتطفلين على الشعر والثقافة . يخشى عليّ الدكتور جواد سماري من الموت في الغربة على الأرصفة وأود شكره هناك باحترام فائق ، وهو لا يعلم انني بالكاد أخرج من بيتي بعد العودة من المدرسة ، بسبب دافع القراءة المستمرة والكتابة في كل يوم . أقلعت منذ سنوات عن الشراب لأنني لست كحولياً ، ولا أستطيع الشراب الآن إلاّ في فترات متباعدة وحسب موعد مع أصدقاء وعلى شرط أن يكون اليوم التالي يوم عطلة . في العاصمة النرويجية أوسلو التي عدت منها صباح يوم 24 / 7 تفاجأ أصدقائي الذين ضيفوني هناك ، من انني وصديقتي قد اكتفينا ببضع علب بيرة وقارورة نبيذ أحمر فقط وكانت مائدة الشراب عامرة بمشروبات أخرى كثيرة ، وفي اليوم التالي عرض عليّ الصديق الفنان مازن منصور بكرم بالغ أن نذهب الى حانة ونحتسي البيرة ، فأخبرته انني في حاجة الى القهوة . كان مفهوم الصعلكة صعباً في سنوات الثمانينيات ويحتاج الى جرأة حقيقية للالتزام فيه ، ولم تكن طريقه مفتوحة لكل من يريد دخوله وهجر الحياة العائلية حسب رغبة آنية أو مزاج معين . الفرق شاسع بين الجلوس في المقاهي النهار كله وعدم الرغبة في العمل والادمان على الكحول ، وبين طرق حياة الصعلوك الحرّة دائماً والمليئة في القراءة والكتابة المتواصلة .
أضع هنا مقال الدكتور جواد سماري لاطلاع القارىء عليه وأوجه له تحية خالصة .

صعاليك بغداد والموت على الأرصفة
د. جواد سماري / بغداد

منذ وقت قريب ودعنا الشاعر عقيل علي ، ثم بعد بضعة أشهر رحل الشاعر والصحفي عبد اللطيف الراشد ، وها هو الفنان المقموع هادي السيد يلحق بهم { توفي في آذار 2006 } وقد يكون مرشحاً بعدهم للرحيل الأبدي كاظم غيلان أو صباح العزاوي اللذين بقيا من سلالة الأدباء اللذين يطوون روتينية المثقفين بصخبهم اللامع . وهؤلاء المتبقين يمثلون صرخة المثقفين المكبوتة بوجه السلطات ، كما أنهم سوف يعانون من الغربة والاختراق , ، اذ أنهم سوف لا يجدون من يشاطرهم الجنون أو وجوديتهم الخاصة بهم بعد أن أصبح حالهم ،منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، بعد أن انفرط عقدهم فمات من مات وهاجر من هاجر في الفيافي البعيدة مثل عرّابهم جان دمو الذي مات في الغربة { استراليا } ومن الأحياء منهم في الغربة الشاعر نصيف الناصري والشاعر حسن النواب والشاعر والاعلامي جمال حافظ . فهؤلاء جيل ما بعد الحصيري وحسين مردان أبرز الشعراء الصعاليك من جيل الستينيات ومن الملفت للانتباه أن كل هؤلاء يجدون ألفة مع الأرصفة والعيش فيها ، اذ يجدون فيها ما لا يجدونه في أماكن أخرى ولهم فيها مواقف وحالات وحكايات لا يمكن محوها من الذاكرة بسهولة لمن عايشهم أو صادفهم ، وهم في أحسن الأحوال يلجأون الى فنادق من الدرجة العاشرة اذا ما حصلوا على بعض المال ، وإلاّ فالرصيف مثواهم الأخير ، كما حصل لعقيل علي والراشد وأخيراً هادي السيد ، وهم في غالب الأحيان يمارسون الصمت لفترات طويلة بعدد لحظات ابداع وتألق ، اذ قد يجدون فيه تعبيراً أبلغ عما يجيش في عقولهم وصدورهم من كبت وحرمان وخيبة الأمل ، بل هم يمثلون بسلوكهم حزمة ضوء في الحرية المستلبة نتيجة التذمر من السلطات السياسية والاجتماعية ، وحكايتهم مع الأرصفة تستحق الدراسة من قبل النقاد لتسليط الأضواء على هذا الضرب من الابداع الذي لا يمكن تجاهله وأغلب الظن أن مواقف هؤلاء تدل دلالة واضحة على إبداعهم وما المواقف التي يتخذونها إلاّ ضرب من الوعي الفكري والثقافي ، فها هو هادي السيد الفنان المفصول من كلية العلوم سنة أخيرة يختار حياة الرصيف ويغادر مجال الفن ليعبر بجسده عن لوحة فنية لم تتسع لها ورقة الرسم وفرشاتها وكأنه يذكرنا بالشاعر الشهير رامبو الذي صمت بعد أوج عطائه في مرحلة الشباب واختار الموت الوجودي . وقد أدركت من هؤلاء الأدباء أشياء من المتابعة الشخصية أو اللقاءات الطائرة ، منها على ما أذكر تحدث الشاعر بلند الحيدري في محاضرة له تحدث عن الفن الحديث أواخر السبعينيات من القرن المنصرم بأن الشاعر حسين مردان أقنعه في أحد الأيام أن ينام الليل في الشارع وبلند الحيدري على ما نعلم كان لا يعاني ضنك الحياة بل يعيش حالة أقرب ما تكون الى الترف ، وكذا الحال مع الشاعر عبد الأمير الحصيري فتسكعه أشهر من أن يذكر . وأذكر عن نصيف الناصري أني كنت جالساً مع زميل لي يتعاطى الأدب في مقهى حسن عجمي ، ثم دخل نصيف الى المقهى ، وبعد أن وقعت عيناه على جيب صديقي فرأى حزمة من النقود ، فاذا به يقول له ، أنت لن تصبح شاعر وأنت تحمل معك هذه الكمية من النقود { شلون تصير شاعر } ومما يذكر عن نصيف الناصري أنه في أحد المرات كما ذكر لنا ، عرض في أحد الأيام قصيدة قديمة لشاعر سلطة البعث سامي مهدي ، قائلاً له ما رأيك بهذه القصيدة وهو لا يتذكرها ، فما كان من سامي مهدي إلاّ أن قال له أنها ليست من الشعر ، ففاجأه نصيف بأن هذه القصيدة لك ، مذكراً بها فبهت سامي مهدي وضحك { على نفسه } وكثيرة هي مواقف الشاعر نصيف الناصري مع عبد الرزاق عبد الواحد وراضي مهدي السعيد ، وكذلك هناك الكثير المختزن الذي يحمله الأدباء الذين رافقوا هؤلاء الأدباء الحقيقيين وعايشوهم ، وربما لنا دعوة أخرى مع هؤلاء أدباء الأرصفة الذين انتشلهم الموت واحداً بعد الآخر بعد أن ضاقت وضجت بهم الشوارع والأمكنة .
8 - عن شاكيرا وأشياء أخرى
1
كانت المغنية الكولومبية ذات الأصل اللبناني من جهة الأب شاكيرا وليم مبارك قد أصدرت البومين قبل أن تحقق شهرتها العالمية بعد اصدارها الالبوم الثالث باللغة الانكليزية { لاندري سرفيس } الذي باعت منه 8 ملايين نسخة وقد عرفها العالم من خلال أغنيتها الشهيرة التي ظهرت في هذا الالبوم { ون إيفر ون إيفر} وكانت ترقص فيها حسب الطريقة العربية في هز وتحريك { وسطها } ، وبعد أن انتشرت هذه الأغنية عبر القنوات التلفزيونية المتخصصة في الموسيقى عبر الرقص الغريب والجديد . عانت الفتيات في أمريكا واوروبا واستراليا ونيوزلندا وبعض البلدان في قارة آسيا من تعلم واداء هذا الطراز من الرقص ، وحتى الآن مازالت الفتيات هنا في السويد لا يستطعن اداء هذا الرقص بصورة جيدة على الرغم من وجود مدارس مصرية وتركية عديدة لتعلم الرقص الشرقي ، ويعود ذلك الى أن هز { الوسط } لأغراض غنائية غير موجود في الثقافة الاوروبية وهو امتياز عربي باستحقاق .
2
معلوم أن المؤخرة ليست عضواً جنسياً ، وبما أن وظيفتها الأساسية معروفة للجميع ، ولا أريد أن أتحدث عن الوظائف الأخرى وعدم تشابهها بين الرجل والمرأة ، فليس غريباً أن تجد الفتاة الجميلة الشقراء جداً هنا لا تعير أهمية اذا ظهرت مؤخرتها أو لباسها الداخلي لسبب ما ومن دون قصد في الشارع أو المدرسة أو المقهى ، وبالنسبة للرجل فهذا لا يعني له شيئاً ويعتبر ظهورها وانكشافها مسألة عادية كظهور وانكشاف اليد والساق والعنق ، وأحياناً نشاهد في الشارع الرجل أو المرأة يضع أحدهما يده على مؤخرة الآخر وهما يتمشيان من دون أن يعني ذلك اشارة من أحدهما الى رغبة ما . لو تركنا الأفلام الجنسية وصناعتها لأغراض تجارية من أجل الربح المادي وسألنا السؤال التالي : ماذا تعني المؤخرة للرجل العربي ؟ وهنا يتوجب علينا معرفة أن أغلب الرجال العرب مصابون بداء الشذوذ الجنسي وثلاثة أرباع تفكيرهم يتجه الى الخلف وأشكاله من تكوير وتدوير وتثليث وما شابه ، وتضفي خيالاتهم عليه ألواناً من الأوهام والرغبات المحمومة المريضة . تروي الكاتبة وطبيبة الأمراض النسائية نوال السعداوي في أحد كتبها أنها عالجت في عيادتها أحدى الفتيات الصغيرات المصابات بمرض نفسي ، وكانت متزوجة بالاكراه من شيخ عجوز في أحدى القرى المصرية . كان هذا الشيخ العجوز الشيطان يدخلها في كل ليلة من الخلف وقد سبب لها الكثير من الجروح والآلام جعلتها تعاني من مشاكل حادة وتصاب بمرض هستيري . طبعاً يقوم هذا الشيخ الشيطان بتأدية الصلوات في أوقاتها ويحافظ على عبادته بشكل لائق ويخشى إلهه ويقرأ القرآن ولا يجد حرجاً في تسبب المشاكل لزوجته الصغيرة عبر أفعاله الشاذة طالما انه تزوجها بعقد نكاح وأمام شهود وأعلن زواجه منها حسب الشريعة الاسلامية من خلال وليمة عرسه الميمون . كم شيخ شيطان على هذه الشاكلة في مجتمعاتنا العربية الآن ؟ وكم مفكر وشاعر وكاتب وسياسي وفنان وفقيه وعالم اجتماع وطبيب نفسي ومعلم واستاذ جامعي على هذه الشاكلة في مجتمعاتنا العربية أيضاً ؟ وبما انني أخاطب الآن قراء عرباً مصاب أغلبهم بكل شذوذ يخطر على البال من الكذب الى الوشاية الى السرقة الى الرذيلة الى التجسس الى التنطع للسلطان الى ضرب الزوجة الى ارتكاب الحماقات الخ . أقدم الآن هذا السؤال كما هو منشور بصيغته الأصلية ، الذي يستفسر فيه أحدهم عن نكاح المرأة من الخلف في أحد مواقع الانترنت ويطلب فيه المشورة وكأنه يحتاج الى مشورة .
{ الى اخوتي العزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
تمت مناقشة مع احد الخوه العرب في موضوع النكاح من الخلف مع زوجتك وحلل النكاح من الخلف كما انه قال لاتوجد اية من ايات الله تحرم النكاح من الخلف مع زجتك.....؟ وارجو الافاده عن الموضوع واذا كانت هناك ايه يرجي ذكر الايه . وجزاكم الله خيراً ...}
هذا الأخ الذي أفتى له أحدهم بوجوب نكاح الزوجة من الخلف ، يطلب آية من القرآن تكون له جواز مرور شرعي لنكاح زوجته من الخلف من دون أن يعرف هل هي شاذة مثله ؟ وهل توافق على شذوذه وتلبية رغبته الفردية أم لا ؟. ولنعرف ماذا أجابه أحدهم على سؤاله :
{ يا عزيزى الظاهرى : ما هذا السخف الذى تتحدث عنه ونحن على مشارف القرن الحادى والعشرين ونستخدم انترنت وأقمار صناعية ؟ إنك تذكرنى بسائل عن حكم الشرع فيمن توضأ ثم حمل قربة مملوءة بالفساء على ظهره ...فهل هذا ينقض الوضوء ؟ لقد قرأت هذه المسألة فى أحد كتب التراث والله معذرة لحدتى فالموضوع مقزز للغاية .....ومن يقول بأن ذلك مباح فليتجه للواط مباشرة دون لف أو دوران .... فهذه مسألة ضد الطبيعة السوية للإنسان بصرف النظر عن الأسانيد الفقهية إن كانت هناك أسانيد أساساً
وشكراً
أخوك : نبيل }
3
الأسانيد الفقهية المزعومة التي يرفضها المجيب هنا معروفة للجميع ، وهي أسانيد بعيدة عن جوهر ورسالة الاسلام . منها ذلك الموضوع غير الحقيقي الذي وضعه فقهاء السوء من أجل تحقيق رغباتهم الشاذة ورغبات أسيادهم أصحاب السلطة والجاه ، الذي يقولون فيه أن أحد خلفاء بني أمية الأوائل راح يولج في امرأته من الخلف في ليلة زواجه منها ، فاستغربت واعترضت قائلة : { اصعد اصعد يا أمير المؤمنين } . هنا أود أن أسأل هذا السؤال طالما اننا لسنا في عصر الثقافة الشفاهية والقال والقيل . كيف علم الرواة بهذه الواقعة التي هي سرية وشخصية بين أمير المؤمنين وزوجته في غرفة الزوجية ؟ ثم هل من المعقول أن تخبر زوجة الخليفة صديقة لها بهذه الحادثة الشخصية والسرية ، أو أن يقوم الخليفة نفسه باخبار أحدهم عن رفض زوجته لنكاحها من الخلف ؟
يتقدم قانون الأحوال الشخصية في العراق على نظيره في مصر من خلال عدم اجبار الزوجة في العراق بالقوة اذا تركت زوجها لسبب ما ، الى ما يسمونه بيت الطاعة ، ويترك لها خيار العودة الى بيت الزوج متى ما تحسنت الظروف وشاءت هي ، وتسمى هذه الحالة { النشوز } أما في مصر فيتم احضار الزوجة الناشز بالقوة واجبارها على العودة لزوجها الذي يتحكم فيها وكأنه قد اشترى بقرة ليسومها سوء العذاب برجولته وشهامته العربية الأصيلة . هناك الكثير من المشاكل التي تحيّر القضاة في المحاكم العربية المختصة بالأحوال الشخصية في حالات الطلاق التي تحدث في كل يوم . في كل قضية تلح الزوجة على الطلاق والزوج يرفض ، وبما أن الزوجة لا تستطيع في أغلب الأحيان أن تقدم الأسباب الحقيقية التي يعرفها القاضي جيداً بحكم خبرته وآلاف المشاكل المماثلة التي مرت عليه خلال سنوات عمله ، فالمسألة قد تتعطل وتطول الى ما لانهاية . طبعاً هناك أسباب عديدة لثقافة الشذوذ التي يخلقها العقل الذكوري في مجتمعاتنا . تبدأ من الحالات المرضية و الكبت والحرمان والخوف من الجنس الذي يغلفه المجتمع الذكوري بمقدس ديني وعشائري . صعوداً الى استفحال العادة السرية التي يدمنها البعض ونشوء الخيالات وأوهامها واغتصاب الأطفال وسفاح القربى ونكاح الحيوانات الأليفة ، الى الشعر التافه والمنحط والأغاني الرخيصة والرقصات التي نعّلم المرأة كيفية تأديتها ونصيغها حسب رغباتنا الذكورية . ألا يشعر المرء بالقرف من المطربات الحقيرات المفعوصات في قنواتنا التلفازية العربية وهن يظهرن بملابس شبيهة بملابس المهرجين ويهززن مؤخراتهن بطرق تخلو من أي ذوق ويخفين أثدائهن ؟ من المفروض أن يكشفن عن أثدائهن وأفخاذهن وهن يرقصن ، لا أن يخفين الأثداء والأفخاذ ويظهرن فقط المؤخرات الكبيرة الشبيهة بالبراميل . ربما سائل يسأل هنا : ما ذنب المطربات اللواتي تنقصهن الثقافة والخبرة الموسيقية والموهبة هنا ؟ أليس هؤلاء المطربات نتاج ثقافة فرضها العقل الذكوري في مجتمعاتنا وأصبحت أشبه بالقانون الذي تسير على هديه أغلب النساء في السوق والبيت والمدرسة والتلفاز ومكان الوظيفة ؟
4
لا يستطيع أحد هنا في السويد مثلاً التي تخلو من أي عاهرة تمارس الدعارة وتقدم الجنس بأجرة أن يغتصب الأطفال ، ذلك لأن المناهج الدراسية تعلم الأطفال الحياة الجنسية منذ السنوات الأواى للدراسة ، وبعد السنة الثالثة يكون الطفل قد عرف كل شيء عن الجنس وكيفية الولادة وعملية التزاوج بين الذكر والانثى ، ومن غير المعقول أن يتحرش الذكر البالغ بطفل سواء كان فتى أو فتاة ، لأنهما سيخبران عنه بكل تلقائية ويتم تقديمه الى المحكمة التي ستحكم بسجنه وتوجيه العقوبة القاسية عليه من جراء فعله المشين ، وبالنسبة لسفاح القربى المنتشر في عالمنا العربي فحدث ولاحرج . تشترك معنا في هذه الحالة اسرائيل وقد نشر قبل أيام موضوعاً في موقع ايلاف ، تناول هذه الحالة في المجتمع الاسرائيلي ، ولن أنسى ما حييت ذلك الرجل الأردني الذي حكمت عليه محكمة الجنايات الكبرى في عمّان عام 1998 بالسجن لمدة 30 سنة لقيامه باغتصاب ابنته البالغة من العمر 16 سنة ، 15 مرة وقد تناولت جريمته الكثير من الصحف الأردنية . كان هذا الأب مطلقاً وكانت ابنته تزوره مرة واحدة في الاسبوع من أجل تنظيف بيته والاهتمام به ، لكنه تمكن من اغتصابها 15 مرة وفي النهاية أبلغت عنه فتم تقديمه الى المحكمة التي حكمت عليه بسنتين سجن عن كل مرة اغتصب فيها ابنته القاصر .
5
تزوجت أمي أبي وكان عمرها 16 سنة وأنجبتني عندما كانت في عمر 17 سنة . عندما جئتُ الى السويد قبل 8 أعوام أثارت انتباهي ظاهرة الشباب الذين يتقدمون الى الكبار ويتوسلون أن يبيعوهم السكاير . يتقدم اليك فتى أو فتاة ناضجة جداً ، لو تكون ولدت في دولة عربية لكان عندها الآن زوج وطفل وتطلب منك أن تبيعها سيكارة مقابل كرونين . طبعاً أنا كنت أمنح هؤلاء الشباب السكاير من دون مقابل واستغرب لماذا لا يذهبون الى الحوانيت ويشترون ما يودون من سكاير . في الباص يدفعون نصف الأجرة ولست أدري لماذا ؟ فسرتها في البداية بيني وبين نفسي أنا القادم للتو الى السويد في أن هؤلاء الشباب طلبة ولديهم تخفيضات من شركات النقل . بعد شهور أخبرني صديقي الشاعر العمُاني زاهر الغافري أن هؤلاء الشباب في القانون السويدي أطفال ولا يجوز بيعهم السكاير في الحوانيت ولا البيرة ولا يسمح لهم بدخول المراقص ، وتكون أجرة ركوبهم في الباصات والقطارات والطائرات والبواخر نصف الأجرة على اعتبار أنهم أطفالاً لأنهم دون سن الثامنة عشر. يا للمسكينة أمي . لم تعش طفولتها أبداً . يحافظ المجتمع السويدي من الناحية العقلية على المراهقين ، ويعتبرون أن الفتاة بعمر ال 17 سنة غير ناضجة عقلياً ومازلت طفلة ، ولا يعيرون أهمية كبيرة لنضوجها الجنسي طالما انها لم تبلغ سن ال 18 . تبدأ العلاقات الجنسية بين الفتى والفتاة بعمر ال 16 ولأنهم غير ناضجين فيمرون بتجارب حب عديدة ويبدلون علاقاتهم دائماً ، بعد أن يشبعون من الجنس . لا عادة سرية عند هؤلاء الذين يشبون بطريقة تخلو من الكبت والحرمان وتغليف الجنس بالمقدسات والأوهام .
6
سافرت قبل أعوام الى بلد مجاور للسويد للقاء أصدقاء شعراء . أخبرني أحدهم أنه تعرف على امرأة من خلال الانترنت وذهب لزيارتها والتعرف اليها ، وقال : { التقينا في مقهى لمدة ساعتين وتحدثنا عن العراق وعن الثقافة وأشياء أخرى . عدت بعدها الى بيتي ومازلت متواصلاً معها عبر الماسنجر } . في الليل بعد أن سكرنا في جلسة شراب صاخبة ، دخل علينا أحد الأصدقاء واستفسر من صديقي الشاعر العاشق عن صديقته الالكترونية وعن أخبار اللقاء . قال له : { جميلة جداً . دخلتها من الخلف 3 مرات } وهنا صرخ السائل من دون أن يريد معرفة أين حصل ذلك وكيف ومتى : { عظيم . عظيم . وبعد . أحكي احكي } . طبعاً كان صديقي الشاعر هذا يمارس العادة السرية بالكلام . لم أسأله في تلك الحظة عن ما ذكره لأنني أعرف طريقة تفكيره وتعامله مع المرأة . صديق شاعر آخر أرسلت له امرأة معجبة بشعره رسالة عبر الانترنت تطلب فيها التعرف اليه واقترحت أن يلتقيان في كازينو . جن جنونه من الفرح ومزق ثيابه وفقد عقله . هاتفني وقال : { سنلتقي غداً في كازينو وسأنام معها في بيتي } . قلتُ له : { ربما تكون مرتبطة بشخص آخر أو تكون متزوجة وتحب زوجها } . قال : { لا . يمعود . هي تريد تتعرف عليّ ويمكن تحبني } . طبعاً صديقي هذا كان يمارس العادة السرية هنا . ذهب الى لقاء تلك المرأة وهربت منه قبل أن تحتسي فنجان قهوتها الى الأبد .
7
كانت تقاليد البغاء في العراق قبل انقلاب عام 1958 وهي تقاليد عريقة تعود الى العصور العباسية . تقوم حسب الصيغة التالية : من يريد ممارسة البغاء مع النساء يذهب الى محلة { الصابونجية } المقابلة لوزارة الدفاع في الرصافة ، وهي منطقة محاطة بسور ويوجد فيها مركز للشرطة ومستشفى ، ويبدو أن هناك أنظمة معينة كانت لممارسة البغاء في هذه المنطقة ، وكان أب رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي نوري السعيد ، مديراً لبلدية بغداد في العشرينات ، ولكي يتخلص هو والناس المحيطين بهذه المنطقة من سكان { الصابونجية } . قام بتشييد سور كبير حولها ، أما من كان يرغب بممارسة اللواط مع الغلمان { وما أكثر الذين يرغبون } ، فيتوجب عليه الذهاب الى محلة { الذهب } في الكرخ ، وكان أهل بغداد يطلقون التسمية الايرانية على الذي يمارس اللواط مع الغلمان { قرم باره } أما الغلام فيطلقون عليه { صرم باره } ويبدو أن صرم باره مشتقة من الكلمة العربية السرم وهي المؤخرة .
8
في الشهور الأولى لدراستي اللغة السويدية طلب مني الذهاب الى العمل في مكتبة من أجل تعلم النطق الصحيح واكتساب الخبرة اللغوية من السويديين . ذهبت الى المكتبة وكأنني أصم أبكم حيث أنني كنت ينطبق عليّ المثل العراقي { أطرش بالزفة } . كانت مسؤولة المكتبة مولودة في فنلندا وتربت مع عائلتها في السويد ، حاولت في اليوم الأول أن تساعدني من خلال التحدث معي ، لكنني كنت أفهم ما تقول ولا أستطيع اجابتها بحكم أنني أمتلك كلمات قليلة . سألتني من أجل مواصلة الحوار { لماذا برأيك ترتدي النساء هنا من بعض الدول الافريقية العباءات والمعاطف الطويلة في الصيف والشتاء ؟ } أخبرتها أنني لا أعرف وقلت لها : { لقد حيرتني هذه المسألة } وسألتها : { لماذا ؟ } قالت : { أنهن يرتدين العباءات والمعاطف الثقيلة في الشتاء والخفيفة في الصيف لأن مؤخراتهن كبيرة جداً والرجال في بلدانهن ينظرون الى مؤخراتهن } . يا إلهي .
9
هل من الممكن أن تظهر في العالم العربي أنظمة حكم سياسية ديمقراطية من دون أن تكون هذه الأنظمة تنظر الى الخلف نظرتها الى كنز مليء بالذهب والياقوت ؟ هل من الممكن أن تظهر فلسفة عربية جديدة من دون أن ينظر فيلسوفنا المزعوم الى الخلف نظرته الى شيء عظيم ؟ هل من الممكن أن يظهر عندنا شعر عظيم من دون أن ينظر الشاعر الى الخلف نظرته الى طريدة ثمينة ؟ هل من الممكن أن يظهر عقد اجتماعي في عالمنا العربي يراعي الجوانب الانسانية العميقة بين الرجل والمرأة من دون أن ينظر الرجل الى الخلف نظرته الى سلعة غالية خاصة به ؟
بشرفي أشكُ في ذلك .
ستبقى أنظمة الحكم عندما الى ما لانهاية خلفية وستبقى علاقاتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خلفية دائماً . المجد للخراب وطز في الخلفيين والخلفيات .

8 - شعر يمجّد الحرب يتحول شعراً عن الحرية والحبِّ والجمال



كان رعد بندر وهو شاعر عمودي عادي جندياًَ في دائرة التوجيه السياسي حين قام نظام أبو المعارك باحتلال الكويت وبعد هزيمة النظام وتحرير الكويت عام 1991 سكت وتوارى أغلب الذين كانوا ينعقون ببطولات صدام المزعومة لخوفهم من أن نظام سيدهم سيسقط وأن الشعب العراقي سيعاقبهم مثلما عاقب الشاعر الشعبي فلاح عسكر عندما تم القاء القبض عليه أيام الانتفاضة في محافظة بابل واعدامه بسبب مدائحه لصدام طوال سنوات الحرب . وهنا استغل رعد بندرغياب هؤلاء الأدعياء عن اعلام النظام وراح يكتب وينشر القصائد { العصماء } التي تمجد بطولة الجنرال المهزوم صدام حسين بصحيفة القادسية أولاً ومن ثم بصحيفة الجمهورية فباقي الصحف والقنوات الاعلامية الأخرى، وبعد أشهر تلقى رسالة خطية من صدام حسين يثني فيها على اخلاصه ويوضح بعض الأشياء التي وردت في إحدى قصائده و يقول :{ الابن البار رعد . شكراً للرجال الذين ظلوا أوفياء على العهد والمبادىء العظيمة . بالنسبة لقصيدتك الأخيرة فأقترح أن يكون البيت الفلاني بالصيغة كذا وكذا لأن المرحومة الوالدة كانت تصلي وكانت لا تحب الدنيا الفانية ولا تحب أن تظهر في الاعلام } ورسالة صدام هذه كانت تتكون من نصف صفحة كان رعد بندر يفتخر بها ويعلقها في مكتبه بوزارة الثقافة والاعلام عندما منحه صدام منصب مدير عام ، كما كان يعلقها في صالة شقته التي أهداها اليه سيده مع سيارة فاخرة نوع تويوتا سوبر وعطية مالية سخية، ويتذكر الكثير منا أن رعد بندر في هذه الفترة كان الوحيد الذي يصول ويجول في ساحة المديح لصدام حتى تم تعيينه عام 1992مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام حامد يوسف حمادي الذي كان يشغل من قبل السكرتير الخاص لصدام لشؤون الأمن والمخابرات والاستخبارات . ولكي تكون له حظوة أكثر نشر عام 1992 في صحيفة الجمهورية قصيدة يمدح فيها { الأسد وشبله } زينتها صورة ملونة للطاغية وابنه عدي فأعطاه الإبن 10000 دينارهدية لمدحته هذه . كذلك قام وبالاشتراك مع عدنان الصائغ رئيس منتدى الأدباء الشباب بتنظيم مهرجان تهريجي في أواخرشهر نيسان عام 1992 عن ميلاد صدام المزعوم وحشدوا له كل وسائل إعلام الطاغية بعد أن أسموه مهرجان { الميلاد العظيم } وباعتباره مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام قام أيضأ باعداد مهرجان تهريجي آخر عام 1993 أطلقتْ عليه في حينه تسمية { درع الابداع } وحضره شخصياً عدي كجزء من اعداده ليتولى الأشراف الكامل على الثقافة في العراق ، وكانت مهمة هذا المهرجان الذي عقد في قصر المؤتمرات هي منح بعض الأدباء العراقيين دروعاً وأوسمة تكريما لعطائهم الابداعي، وهكذا كرموا مجموعة من الأدباء لكن المفاجأة كانت عندما نودي على الكاتب محمد خضيرلاعطائه درعاً وعدي قائماً على المنصة لتسليمه الدرع فتبين لهم أنه لم يحضر مهرجانهم هذا . بعد هذا المهرجان تم تنصيب عدي رئيساً للتجمع الثقافي في العراق الذي ضم نقابة الصحفيين واتحاد الأدباء ونقابة الفنانين وجمعية المصورين وجمعية الشعراء الشعبيين والخ ، وقام بعدها بعمليات تزوير واسعة هو وجلاوزته في انتخابات اتحاد الأدباء ليفوز رعد بندر بمنصب الرئيس . من جانبه قام عدي بنصيحة من بعض جلاوزة ثقافة السلطة بانشاء سلسلة { كسر الحصار الثقافي } وكان أول اصداراتها مجموعة { غيمة الصمغ } لعدنان الصائغ الذي تم إيفاده في العام نفسه الى الأردن لحضور مهرجان{ جرش } لكن عدنان الذي صدرت مجموعته عام 1993 على نفقة عدي وذهب موفداً من قبل وزارة الثقافة والاعلام العراقية إلى عمان يكتب في الصفحة الأخيرة من مجموعته تأبط منفى -التي طبعها له صاحب { دار المنفى } الكاتب ابراهيم أحمد عام 2001 - باللغة السويدية وليس العربية ما يلي :

Född i Irak 1955 : Lämnade Irak 1993 efter att ha blivit dömd till döden

Priset i New York 1996 och Poetry International ;Hellman Hammett Fick

Aword i Rotterdam 1997

Hans dikter handlar om frihet : skönhet : kärlek

وترجمة هذه الكلمات هي انه ولد عام 1955 بالعراق . ترك العراق بعد أن حكم عليه بالاعدام عام 1993 . فاز بجائزة { هلمان } عام 1996 . لم يذكر أن هذه الجائزة تمنح لضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري . فاز بجائزة مهرجان نوتردام العالمي للشعر عام 1997. قصائده تتحدث عن الحرية والجمال والحب . ولعل البعض يسأل الآن هذا السؤال: لماذا يكتب عدنان الصائغ باللغة السويدية ، أنه حكم عليه بالاعدام عام 1993 بعد أن قام بتنظيم مهرجان { الميلاد العظيم } وكوفىء من قبل عدي بطبع مجموعة له ؟ والجواب هو الآتي ، أثناء الاستعدادات لحرب أم المهالك هجرأغلب سكان بغداد بيوتهم وذهبوا الى المحافظات الأخرى خشية من تعرض المدينة للقصف بالأسلحة النووية بعدما كان نظام صدام يهدد بسلاح الكيمياوي المزدوج وعدنان شأنه شأن غالبية سكان بغداد ترك بيته وأخذ عائلته وذهب الى مدينته القديمة الكوفة وظل هناك كل أيام الحرب لكن عندما قامت الانتفاضة بعد نهاية الحرب وثار الناس ضد نظام صدام حسين ورأى عدنان ما حصل لأزلام النظام فقد انتابته حالة شديدة من الخوف بسبب رئاسته لمنتدى الأدباء الشباب التابع لدائرة المنظمات الشعبية بديوان رئاسة الجمهورية وعمله في صحف وزارة الدفاع ، ويستطيع تأكيد هذه المعلومة أو نفيها صديقنا الشاعر الشيخ عبد الله الخاقاني الذي ساهم مساهمة فعالة في الانتفاضة التي قامت في النجف عام 1991 . مرة صادفني عدنان الصائغ في ساحة الميدان وكنتُ ذاهباً الى مقهى حسن عجمي بعد أن انتهت الانتفاضة بأيام وكان هو مسرعاً فألقيت عليه التحية وبدا كأنه لم يرني أو لم يسمعني وبدا لي وضعه غير طبيعي . في المساء ذهبت الى بيته وكان يعيش أزمة نفسية حادة فحدثني عن الأوضاع في الكوفة والانتفاضة التي قامت هناك ويأسه من الشعر والحياة ، وبعد أشهر صار يتململ من رئاسة المنتدى حتى أنه عينَ جواد الحطاب أميناً للسر العام للمنتدى ويتذكر الكثير منا دوام جواد اليومي نيابة عنه . وفي عام 1993 بعد أن بلغت حالته النفسية شدتها ، سلم رئاسة المنتدى عبر انتخابات شكلية الى خالد مطلق وبعد نهاية { الانتخابات الديمقراطية } جداً بساعات وكان الاحتفال على أشده في نادي اتحاد الأدباء تم ابلاغ الرئيس الجديد للمنتدى بحدوث حريق في مكتب الرئيس . في اليوم التالي رفع تقرير الى وزارة الثقافة والاعلام يشرح الأسباب التي أدت الى حصول الحريق وكان السبب الرئيسي هو { تماس كهربائي } كما يقول التقرير الذي رفعه خالد مطلق. أثناء ذهاب عدنان الى الأردن عام 1993 قرر عدم العودة الى العراق وبعد أن لحقت به عائلته حاول عام 1995 الحصول على اللجوء السياسي الى بلد آخر عن طريق مكتب المفوضية السامية للاجئين بعمان لكنهم رفضوا الطلب الذي تقدم به وكان كل طالب لجوء يسأل هذا السؤال : { هل تستطيع العودة الى بلدك الأصلي ؟} فإن أجاب بلا فيجب أن يوضح الأسباب المقنعة . أخبرهم عدنان أنه لا يستطيع العودة الى العراق لأن عدي صدام أمر باعدامه وسحب كتبه من المكتبات ، وطبعاً كان جميع الذين يحققون في مكتب المفوضية السامية للاجئين بعمان من أهل الخبرة والاختصاص ولا تعبر عليهم هذه الترهات بسبب المعلومات التي يجمعونها عن طالب اللجوء . رفض طلب عدنان رفضاً باتاً وحاول مرة أخرى أن يجرب وسيلة أخرى يقنعهم فيها بقبول طلبه وكتب عدة رسائل بفاكس مكتب سعد البزاز الذي كان يعمل فيه يقول فيها :{ أعلن اتحاد الأدباء قيد التأسيس في المنفى أن سلطات القمع الصدامية قامت باصدار حكم الاعدام على الشاعر عدنان الصائغ ومصادرة كتبه من المكتبات وذلك لمناهضته السياسات الفاشية لحكم صدام حسين } وذهب الى مكتب المفوضية ليستأنف الطلب من جديد لكنهم رفضوا طلبه هذه المرة أيضاً . أذن ما العمل ؟ عليه أن يجرب وسيلة جديدة أخرى لعلها تقنع هؤلاء بقبوله لاجئاً سياسياً فنشر في صحيفة {البلاد } الأردنية موضوعاً يقول فيه :{ أن المخابرات العراقية تحاول اغتياله وخطف أولاده وتشدد الخناق على الأدباء العراقيين في عمان } وهنا قدمت السفارة العراقية شكوى تطلب فيها من المخابرات الأردنية القيام بالتحقيق في هذا الموضوع . أثبتت التحقيقات أن هذا الشيء عار عن الصحة تماماً. وبعد أن يئس من قبوله لاجئاً في مكتب المفوضية بعمان قرر مغادرة الأردن الى سوريا أولآً ومن ثم الى لبنان حيث أفلح في اقناع المشرفين هناك على جائزة { هلمان } الخاصة بضحايا الاضطهاد من أنه كان مضطهداً من قبل صدام حسين { عدنان الصائغ أشرف على تنظيم مهرجان ميلاده العظيم } ومن قبل عدي الذي طبع له مجموعته { غيمة الصمغ } على نفقته الخاصة. ولعل سائلاً يسأل هنا ، كيف استطاع هذا المضطهد أن يقنع هؤلاء بجدية اضطهاده ؟ إليكم هذه المعلومة لعلها تفيدنا في المستقبل من أجل الحفاظ على الروح الأصيلة للثقافة العراقية. عندما وصلتُ الى السويد عام 1998 وجدت الشاعر جليل حيدر ومجموعة من الأدباء العراقيين يستشيطون غضباً بسبب أن عدنان الصائغ قال في حوار معه نشرته صحيفة سويدية أنه كان يشغل منصب رئيس اتحاد الأدباء في العراق وهو محكوم عليه بالاعدام . و كان جليل حيدر يقول لم يكن هذا رئيساً لاتحاد الأدباء في يوم من الأيام فلماذا يصرح بأشياء غير صحيحة ؟ كان الصائغ اعتبر قدومي الى السويد بمثابة الكارثة التي حلت به وعندما حدثته عن استياء جليل من قوله أنه كان رئيس اتحاد الأدباء في العراق . قال :{ لقد أخطأت المترجمة فبدلاً من أن تترجم أنني كنت رئيساً لمنتدى الأدباء الشباب . ترجمت أنني كنت رئيساً لاتحاد الأدباء } فكدت أنفجر من الضحك. عند وصولي الى السويد في البدء كانوا قد أخذوني الى مدينة { هوربي } ومنها ذهبت الى مدينة { مالمو } حيث يسكن عدنان الصائغ وطلبت منه أن التقي صديقي الكاتب المبدع جنان جاسم حلاوي الذي لم ألتقه منذ 18 عاماً وصديقي الآخر الشاعر العماني زاهر الغافري . رفض في البداية وراح يقدم الأعذار بحجة أنني جديد والذهاب الى الجمعيات الثقافية العراقية غير مفيد وأخيراً بعد أن ألححت بشدة وافق فاتصلنا بجنان وزاهر واتفقنا على أن نلتقي في الجمعية الثفافية العراقية. التقيت جنان وزاهر ومن ثم ذهبنا الى الجمعية الكردية لنحتسي البيرة ، وكان عدنان يتململ طوال الجلسة حتى فاجأنا بقوله :{ يجب أن نذهب أنا ونصيف . لدينا شغل } فاقترحت أن أحتسي علبة بيرة أخرى . وافق على مضض وبعد أن التقيت صديقيَّ لبرهة قليلة جداً غادرنا الى منزله وتكاد روحي تطفر من شدة الحزن والانقباض ، ذلك لأنني كنت في أشد الشوق الى لقاء جنان وزاهر. في اليوم التالي هاتفني زاهر الغافري وطلب مني أن أحضر الى بيته وحدي . ذهبت الى بيت زاهر وبعد أيام سهل لي هو والسيدة زوجته الفنانة أثمار عباس مهمة الانتقال الى مدينة { مالمو }. في هذه الفترة التي أتحدث عنها كان صديقنا الكاتب جنان جاسم حلاوي يرأس الجمعية الثقافية العراقية التي دعت في وقت سابق عدنان الصائغ لقراءات من شعره . جاء عدنان لقراءة شعره وحضر أمسيته 7 أشخاص فقط وأكثرهم من الهيئة الادارية وظل بعد الأمسية معتاداً على الحضور حاله حال أي شخص آخر لكن بعد سنة قرر جنان الانتقال الى مدينة { يوتوبوري } التي تبعد كثيراً عن مدينة { مالمو } وهنا انتقلت رئاسة الجمعية الى شخص آخر لا علاقة له بالأدب والثقافة فبدأ الصائغ يمارس طرقه التسلقية التي تعلمها في العراق وراح يتقرب ويتودد ويتمسكن لهذا الشخص المتنفذ وذاك الحزبي ووالخ . وبما أن الجمعية قد تراجعت أنشطتها الثقافية بعد رحيل جنان فقد استطاع الصائغ أخيراً أن يؤسس له موطىء قدم فيها وراح طوال أكثر من 5 سنوات يكتب في كل عدد من مجلة { تموز } التي تصدرها الجمعية وينشر قصائد لأصدقائه من العرب والعراقيين ويقيم الأمسيات الشعرية حتى أنهم عندما استضافوا سعدي يوسف قدموه ليقرأ شيئاً من شعره قبله وراحت الجمعيات العراقية الأخرى بعد ذلك توجه له الدعوات بمناسبة ومن دون مناسبة ، ويجب أن نتذكر هنا أن الصائغ كان قد نشر مرة موضوعاً في موقع { كيكا } حول دفعه المال من أجل طبع كتابين له بمصر لكن دار النشر لم تطبع هذين الكتابين وتشكى من أن الجمعيات العراقية هنا تنتظر صدور كتبه لتقيم له احتفالات التوقيع. أريد الآن أن أسأل هذا السؤال : لو كانت الجمعية الثقافية العراقية وهي الواجهة الرئيسية لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي بمدينة { مالمو }. يديرها أشخاص لهم علاقة بالأدب والثقافة فهل استطاع الصائغ اختراقها والكتابة بمجلتها في كل عدد طوال 5 سنوات ؟ لقد منعوني مرةً منعاً باتاً من دخول الجمعية وحضور الأمسية عندما استضافوا أصدقائي الذين يقيمون في الدنمارك : الشاعر سليمان جوني والكاتب باسم الأنصار والفنان اوروك علي وظل عدنان الصائغ يتصدر الصفوف الأولى في تلك الأمسية ، حتى أن صديقي سليمان أبدى دهشته بالقول:{ هاي شنو ؟ عبالك إحنا بالعراق . حتى بالعراق ميسوون هيجي } . وكانت مناسبة منعي هي أنهم طلبوا مني مرة أن أنشر شيئاً من شعري في مجلتهم فأعطيتهم 7 قصائد ، وحين صدر العدد وجدت أنهم قد نشروا لي بضعة سطور فقط . حاولوا مرةً أخرى فرفضت لكنهم حقدوا عليَّ وراحوا يحاولون الاساءة إليّ دائماً.


هامش

كان بودي أن أنشر هنا قصائد من شعر عدنان الصائغ { الذي كتبَ باللغة السودية -يعرف منها بضع كلمات - يقول : أن شعره يتحدث عن الحرية والحب والجمال. } من أجل كشف الادعاءات التي كانت خافية على الكثيرين زمن نظام صدام حسين وثقافته التي كانت ترُوج وتبرر مثل هذه الادعاءات ، لكن حقوق الطبع والاقتباس تمنعني من أن أثبت القصائد التي أريد الاستشهاد بها ، وأحيل القارىء الى مجموعاته التي صدرت عن سلسلة { ديوان المعركة } في العراق كذلك مجموعته { غيمة الصمغ } التي صدرت على نفقة عدي صدام حسين ومجموعته { تحت سماء غريبة } التي طبعها سعد البزاز بعمٌان ومجموعته { تأبط منفى } التي صدرت عن دار المنفى .

9 - من الزيتوني والمسدس الى ادعاء المعارضة

{ وقد تم اثارة الموضوع أمام محافظ البصرة فقال أن هذا تصرف شخصي من قبل من أطلق التهديدات }
عبد الرزاق الربيعي
مقال نشر في موقع { كتابات } 21 / 4 / 2006
{ وفي الجلسة المسائية من اليوم ذاته كادت الجرأة ان تودي بحياة الشاعر المقيم في لندن عدنان الصائغ حين قرأ قصيدة اعتبرت تهجماً على الوضع ، بعمقه السياسي والثقافي . ففاجأه أحدهم هامساً في أذنه: { يا عدنان الصائغ أنت غير مرحب بك في المربد ، عليك مغادرة القاعة ، وإلاّ فالموت ينتظرك } . وأضاف: { ستتجرع قصائدك التي قرأتها اليوم فقد تعرضت بالسوء للدين } . لم ينم الصائغ ليلتها في فندق العيون . غادر الى جهة مجهولة في البصرة ثم انتقل الى لندن عبر الكويت } .
صحيفة { الحياة } 19 / 4 / 2006
يضع عدنان الصائغ رابط هذا الخبر الذي نشرته صحيفة الحياة قبل يومين أسفل قصائده التي نشرت في موقع ايلاف ، لكنه يقدم لقصائده بالقول : { تلقى الشاعر العراقي عدنان الصائغ تهديداً بالقتل وقطع لسانه في الجلسة الشعرية الرابعة ، مساء 16/4 بعد القائه مجموعة من النصوص ، في مهرجان المربد الشعري ، كان قد عنونها بـ { نصوص مشاكسة قليلاً } أثارت غضب المليشيات الظلامية المسلحة . وعلى إثرها غادر الشاعر البصرة متجهاً إلى الكويت ومنها إلى مقر اقامته في لندن.. }
لا يخفى على أحد أن من قام { بتهديد الصائغ } حسب الخبر المنشور في { الحياة } هو { أحدهم } وهو بالتأكيد اذا صدقنا رواية الصائغ ، من الشعراء الذين مازالت ذاكرتهم طرية جداً } حين همس في أذنه ، وليس { الميليشيات الظلامية } التي أساءها التعرض المزعوم للدين ، ولسنا ندري كيف وصلت هذه الهمسة الى ناقل الخبر في صحيفة الحياة ، طالما هي همسة بين الصائغ وبين أحدهم في مهرجان دعي له 268 شاعراً ، لكن الصائغ الذي ادعى سابقاً في الأردن من أجل الحصول على اللجوء السياسي عبر المفوضية السامية للاجئين ، بعد أن صدرت مجموعته { غيمة الصمغ } { على نفقة الاستاذ الفاضل عدي صدام حسين } ومجموعاته الأخرى ضمن سلسلة { ديوان المعركة } ورئاسته لمنتدى الأدباء الشباب التابع لمكتب المنظمات الشعبية في ديوان رئاسة الجمهورية واشرافه على الأقسام الثقافية في صحف دائرة التوجيه السياسي بوزارة الدفاع من عام 1984 الى نهاية الحرب العراقية الايرانية . أن السلطات العراقية قد صادرت كتبه من المكتبات بعد أن أمر عدي بأعدامه . لا يستغرب هذه الفذلكة المفضوحة . ألم يدعي بعد حصوله على اللجوء السياسي واصداره لمجموعته { نشيد اوروك } أن الكثير من المنظمات الاسلامية المتطرفة في العالم العربي قد هددته بالاعدام وطاردته بسببها وتم منعها في جميع البلدان العربية ، ونشره الأخبار الدائمة من انه قد كتبها في { عمّان وبيروت ودمشق وصنعاء والخرطوم } مع اننا نعلم أنها قد كتبت في العراق وقام عام 1989 المخرج غانم حميد بمسرحتها تحت عنوان { هذيانات جمجة زرقاء } والمشاركة فيها في مهرجان منتدى المسرح ببغداد تحت اشراف وزارة الثقافة العراقية ، وكانت الجهة الممولة للعمل هو منتدى الأدباء الشباب الذي كان يرأسه الصائغ ؟ . نعم . عدنان الصائغ غير مرحب به في مهرجان المربد ، وهذا الشيء يتفق عليه الكثير من الأدباء في العراق بسبب تنظيمه هو ورعد بندر عام 1992 لمهرجان عيد ميلاد صدام واجباره الكثير من الشعراء عبر دعوتهم الى هذا المهرجان التافه على كتابة قصائد تتغنى ببطولة وحكمة واقتدار القائد الفذ . وبسبب ماضيه في العمل رئيساً لمنتدى الأدباء وصحف دائرة التوجيه السياسي في وزارة الدفاع ونشره مجموعاته في سلسلة ديوان المعركة التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والاعلام ، وأيضاً { غيمة الصمغ } التي صدرت عام 1993 على نفقة عدي صدام حسين رئيس { التجمع الثقافي } في العراق وحصوله بسبب ادعاءات غير حقيقية ، على جائزة ضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري من منظمة { هيمان } الأمريكية . لم تشفع له كل المبررات التي يحاول البعض أن يقدمها من أجل التغطية على ماضيه . ومن هذه المحاولات الموضوع الذي نشره خضير ميري في صحيفة { الصباح } يوم 19 / 4 / 2006 وحاول فيه أن يلمع صورته بمناسبة انعقاد مهرجان المربد حيث كتب :
{ عدنان الصائغ سلاماً .
هو شاعر عذب اختار بساطة النهر ويوميات الناس ومفردات المكان وجماليات أخرى خالية من صرعات الحداثة وأشكالها المعقدة ، وغنى على جسور الكوفة وارتدى البدلة العسكرية وبسطاله المتسخ القديم وعانق تجربة زملائه في الحرب والحب والمنفى فكان بذلك شاعراً قد جرب كل ما تبقى من احترافه وجنونه . هكذا كان عدنان الصائغ في سالف الزمان . هو العائد الدائم الى عراقه الحبيب ، حيث آثر المشاركة في مهرجان المربد الشعري لهذا العام . وعدنان الصائغ لم تخلو صفحته الشعرية من بعض الملاحظات التي أثارتها حوله أقلام حادة مازالت تمثل آليات المراقبة والمعاقبة التي ترغب أن تثير الغبار بوجه مبدعينا الذين عانوا الأمرين عندما كانوا يكابدون داخلاً ما هو إلا قطعة ساخنة من الجحيم ، وخارجاً ما هو إلا وجهة أخرى للتيه والعناء ومأساة الغربة التي تأكل من عمر الشاعر ومن موهبته وأدواته وجذوره الوطنية } .
هل حقاً كان بسطال الصائغ { متسخاً } في الحرب كما يقول ميري { هل فقد ميري ذاكرته ؟ } لقد أمضى الصائغ خدمته العسكرية بدائرة التوجيه السياسي التي يرتدي أفرادها البدلات الزيتونية والأحذية الخفيفة الملمعة دائماً ؟ يتحدث ميري عن التيه والعناء ومأساة الغربة التي تأكل من عمر الشاعر ويقول عن الصائغ { هو العائد الدائم الى عراقه الحبيب } ولا يتساءل عن أولئك الشعراء الأكثر ابداعاً واغتراباً ومحاربة لنظام الطغيان طوال 30 عاماً في المنفى . أقدم هنا أيضاً محاولة ، لتبرير ماضي الصائغ وسواه نشرها ضياء الخالدي في { صحيفة الصباح } بنفس التاريخ ، حتى نتعرف أكثر كيف ينظر بعض الأدباء في داخل العراق على سلوك وتاريخ هؤلاء الأشخاص ممن هم على شاكلة الصائغ . يكتب ضياء الخالدي :
{ والدليل الأكبر على صدق كلامي هو في تغير مواقف كثير من الأدباء من النظام والتحاقهم بركب ( المعارضة ) تاركين روايات وقصص قادسية صدام التي كتبوها لبائعي الاكياس والساندويتشات ، فهل يمكننا أن نعد مثلاً الشاعر عدنان الصائغ كاتب صدامي الان ؟ بالتأكيد كلا . ان دواوينه الاولى ينطبق عليها الكلام السابق ، لكن عند تغير موقفه اصبح انسانا اخر ، يستطيع ان يتحفك بشعر يلامس آلامك ويتغنى بافراحك وهذا ليس تلون ونزع جلد ، بل وصول رؤيته الخاصة الى منعطف حاسم ، مكنته من الاستدلال على الحقيقة ومن ثم الى موقف مثالي يتوافق مع نزعته الانسانية ، وهذا الكلام نفسه ينطبق على الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد فيما لو افترضنا انه كتب ديوان شعر يلامس الجرح العراقي الحالي ، وينتصر للانسان وتربة الوطن المحّمرة بدماء الأبرياء ، وللديمقراطية والعراق الجديد . ماذا تكون ردود أفعالنا تجاه هذا الأمر ؟ هل هو شعر مزيف لأنه صدر من ذات تمتلك تاريخاً ملوثاً ؟ أو أن نهاجمه لأن كاتبه قد لبس لباساً جديداً كعادته ؟ لكن قوة الشعر سترد علينا بقوة ، وربما تبكينا أو تجعلنا نتفاءل بمستقبلنا ، وربما أيضاً نتفاخر بالديوان باعتباره شعراً عراقياً . كل هذا الكلام يبقى مرهوناً بالافتراض والزمن } . هذه التهديدات المزعومة يعتبرها الصائغ نعمة جديدة ، تضاف الى النعم التي مرت سابقاً واستغلها من أجل المزيد من البحث عن الشهرة الزائفة والتظلم ، وسيقوم بتكليف الكثيرين ممن هم على شاكلته من أجل الكتابة عن خشيته على حياته وربما سيحاول الحصول على جائزة جديدة تمنح لضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري من جديد .
وثائق تفضح زيف ادعاءاته في التهديد بالقتل وقطع اللسان
{ 1 }
تعقيباً على { اشكال } عباس بيضون . .
امهلونا قليلاً
جابر الجابري
تعقيبا على اشكال الزميل عباس بيضون المنشور في الصفحة الثقافية بتاريخ 10 أيار الجاري بعنوان { القوا الشعر من النافذة } ، وردنا من الشاعر ووكيل وزارة الثقافة العراقية جابر الجابري النص التالي :
في العراق ، لن نلقي بالشعر من النافذة ، نحن الذين نفتح أبوابنا لاستقباله ودخوله الى فضاءاتنا الواسعة ، نحن الذين نفتح أقفالنا الصدئة ، واحداً واحداً ، وبالجملة احياناً ، ليعود الشعر عراقياً ، ويعود { فتى بني الدنيا فتانا } . شاهدنا على ذلك ، مربدنا الثالث الأخير الذي احتضنته البصرة ورعاه السياب والبريكان ومحمد خضير وعبد الكريم قاصد وسعدي يوسف حضوراً وغياباً ، لينصتوا الى مئة وخسمين شاعراً وينضموا الى خمسمئة أديب ومثقف وفنان واكاديمي ، احتشدوا لمدة خمسة ايام بلياليها البصرية تحت خيمة واحدة ، هي خيمة المربد ، معلنين انهم سيُبقون الشعر سلاحاً ، وباقة ورد ، وغصن زيتون ، ووثيقة شرف للمبدعين العراقيين واشقائهم العرب الذين وقفوا طيلة اربعة عقود سوداء الى جانب المغدورين والمنفيين داخل اسوار الوطن وخارجه . سيتحول المربد الى عادة سنوية مفتوحة ، تداهم البصرة بأفواج الشعراء ، وأرتال النقاد ، وفصائل الفنانين الذين يحرسون شرف الكلمة ويحمون سياجها ومناعتها وعصيانها المدني ، وهم يتحدون الاحتلالات العسكرية والسياسية والثقافية ، العابرة للقارات ، أو الخارجة من شقوق الجدران الهرمة والزوايا الميتة . أمام هذا الحلم المشروع الذي راودنا طويلاً ، ونحن نتنفس الحرية مع الهواء الفاسد نأسف بعمق { للاشكالات } التي أعقبت المربد ، من أناس نجلّهم ونحبهم ، ونقدس شراكتهم الكاملة مع همنا وقلقنا المزمن ، نأسف لآذانهم وأقلامهم التي أعاروها للمترهلين خارج الحدود ، الذين حشدوا المغرضين والموتورين ليشنوا هجوماً على أجمل ما ولدته الثقافة والابداع العراقي ، في ظل الكارثة التي لم تخطر ببال انسان أو تمر على خيال شيطان ، ونحن وحدنا نستحم بجاكوزيها الدموي يومياً ، ونواجهها بباقات القصائد وبانوراما الشعر وكرنفال النشيد ، فاحتشدنا في حجر أمنا البصرة ، نستعيد طفولتنا لتعيد علينا مناغاتها ، { دللول يوليدي دللول عددك بعيد وساكن الجول } . لماذا إذاً لم يعترف شركاؤنا واحبابنا بهذا الانجاز الكبير ، ويتظاهرون لإسقاط حلمنا ، انتقاماً لما أسموه قصائد مشاكسة وهي ذاتها التي كانت مهادنة الداهنة الى حد الفجيعة في حضرة الجلاد . لماذا لم يبارك لنا فرحنا اشقاؤنا ، وهم يشهدون عرسنا السومري الكاذب المجلل بالدموع والدم والاحتلال ، ونهوض الديناصورات من أحضان الماضي السحيق ، ونحن نناور برقصتنا البصرية حولها لتعود الى مضجعها الابدي . نأسف لأننا لا نملك إلا الاسف مع من نحب ونحترم ، لكن لا تمنعنا الصراحة من البوح بما في صدورنا الموبوءة بالوحشة والغربة من صحراءاتنا العربية ، الثقافية والاعلامية والابداعية ، نقول بصراحة أن أقلام ، بل أظلاف المارقين والفاسقين والناكثين ، تثير عندنا الغثيان والقرف ، عندما تنتفض لرواية عبقرية هابطة ، ينسجها خيال شاعر فار من مواجهة الحقيقة ، وتترك العراق كل العراق يتخبط بدمه ، ويتعثر بأشلاء المبدعين والأكاديميين والعلماء والمفكرين والبسطاء والاطفال على أيدي المتوحشين من المسوخ البشرية التي اطلقتها ماكنة النظام المباد ، من زنزاناتها وسجونها واقبيتها المرعبة ، لتمارس ذات الجريمة في قطع الرؤوس والأيدي وفقأ العيون والحرق والتمثيل بالغنيمة في الهواء الملوث وعلى مرأى ومسمع من الاعداء والاصدقاء والاشقاء ، بل بأمر من بعضهم ، عندما تتنكر هذه الأقلام ، الأظلاف ، لهذه الغابة من الجريمة المرعبة المنظمة ، وتوجه الأضواء الى تفاهة بحجم ادعاء هابط ، نصاب بالقرف . ولو سلمنا أن احدى الضحايا الأحياء لنظام القتل المباد ، سألت شاعراً من شعراء المربد عن سرّ تحوله من الزيتوني والمسدس المحمول على خصره لارغام الشعراء على عبادة الآلهة الصنم ، الى الوطنية الفاقعة الجديدة ، فهل يمثل ذلك تياراً دينياً متخلفاً ومريعاً يجتاح الثقافة العراقية الجديدة ، على الجميع مواجهته لاسقاطه ومنعه من التداول . باختصار وصراحة نقول ، اننا في حقل الالغام الكبير ، المسلخ العراقي ، نتعرض كل ساعة لتهديد لما بقي من حياتنا ، ونحن مرابطون هناك ، ننظر لاشقائنا بعيون الأمل والثقة أن يسحبوا أقلامهم من ظهورنا ، المكشوفة أصلاً ، ويمهلونا قليلاً ، إن لم يعينونا على بناء بيتنا العراقي الذي لا يلقي بالشعر من النافذة .
عن السفير 20 / 5 / 2006
{ 2 }
{ اشكال }
ليست قضيتي
عباس بيضون
عدت من كردستان العراق حيث استمعت الى من حضرتهم في مؤتمر المدى وكان في جملة ما سمعته روايات عن سيادة ارهاب ثقافي وسياسي في جنوب العراق تلك هي القضية ، واذا كنت اتخذت من حادث تناهى لي انه في وقع في المربد فلم تكن تلك قضيتي . لقد سقته مثلاً وكنت اظن ان المسألة ليست هنا . ان هو إلاّ مثل فحسب لكن ردوداً كثيراً افهمتني ان تقديري ليس في محله . ما ظننته مثلا كان قضية بحد ذاتها . ولمن ردوا حجتهم بالطبع . ليس عدنان الصايغ قضيتي ، وللتذكير فقد كنت أول من جابهه بمقال . كان ذلك حين حصد جائزته الاولى وكانت في ما اذكر جائزة للمناضلين في سبيل الديموقراطية . لم أتورع يومها عن التذكير باللون الزيتوني الذي كان الشاعر يرتديه والمنصب الذي شغله في مجلة تصدر عن التوجيه السياسي . ولم اشك لحظة في ان منصباً كهذا لا يسند في حكم صدام إلاّ الى مقرب وحزبي . رد عدنان عليّ ونشرت رده . تراءى لي ان عشر سنوات انقضت على اقامة الرجل في السويد تغسل هذا التاريخ . او تراءى لي انه لم يعد شيئاً مذكوراً . فلم أدقق كثيراً في المثال ذلك ان الأمر الاهم بالنسبة إلي والذي سمعته من الجميع هو تلك السلطة الايديولوجية المهيمنة على الجنوب العراقي . الردود التي وصلتني تنبئني ان هناك مسائل لم تحسم خاصة حين تبقى على نحو ما مستمرة . وعدنان الصايغ الذي انكر اموراً يعرفها الجميع ولا يزال ينكرها ، لم يتب ولم يطلب الصفح ، وأخذ الجائزة الاولى ويسعى لجوائز غيرها . أصدقاء أقدرهم اتصلوا بي شفاهاً . أما الرسالة الأكثر تأثيراً فوصلتني من سلام عبود وهو فوق انه محل ثقة خبير في الموضوع . وكتابه { ثقافة العنف في العراق } شاهد على ذلك . أقتطف من رسالة سلام عبود وأرجو ان يغفر لي انني افعل ذلك برسالة أرادها شخصية .
{ لأني على قناعة تامة من ان الطرف الذي قدم هذا الفصل من المسرحية الثقافية الجديدة يهدف الى حصد جوائز مجانية جديدة .. من يرد ان يقتل احداً في العراق ، أيها الصديق الطيب ، لا يذهب إليه علناً في حضور اكثر من ثلاثمئة انسان ويحدثه جهراً بمشروع القتل.. لقد تجولت الضحية في أزقة البصرة وأسواقها ومقاهيها ونواديها بالحرية ذاتها التي كانت تتجول بها وهي ترتدي الزيتوني بمعية سلالات القتلة } .
ليس عدنان الصايغ قضيتي بالطبع . لم أسمع من سلام عبود الذي أصدقه فحسب وانما سمعت أيضاً من أصدقاء مجايلين للصايغ ويعرفون عياناً أين كان حين كانوا يرسلون جنوداً الى حقول الموت . لا يستطيع الصايغ أن ينكر هذا التاريخ وسيكون انكاره في حضور هذا العدد الكبير من الشهود سخرية من الواقع وتحايلاً فظاً على الحقيقة . لست داعية ثأر من احد بل داعية تسامح لكن التسامح يتطلب من الطرف الآخر اعترافاً وطلباً للصفح . أما الاستمرار في التلاعب فيبدو إيغالاً في الأذى ومكابرة على نحو ما . كان ما كان ، ومن أراد أن يطوي الماضي فقليل من التواضع والخشوع والندم يكفي .
عن { السفير } 29 / 5 / 2006

10 - وثيقة من سنوات الرعب . رد على مستشار وزير الثقافة والاعلام
عام 1991 في صحيفة { بابل }
في الشهر السابع من عام 1991 رغب الشعراء الشباب بالعراق في تحقيق حلم لهم يتمثل باقامة ملتقى شعري على غرار ملتقى شعراء السبعينات الذي تم عقده في عام 1978 من خلال منتدى الأدباء الشباب الذي يرأسه عدنان الصائغ ، طالما أن اتحاد الأدباء والكتّاب ووزارة الثقافة والاعلام لا يعترفان بهؤلاء الشعراء ولا في قصيدة النثر التي يصر هؤلاء الشعراء على كتابتها ومحاولة ترسيخها بقوة . كانت الأحلام الشعرية كبيرة والفكرة محمومة . تمت مفاتحة الكثير من الشعراء والنقاد وبعد أسابيع وأشهر اكتمل المشروع وتم تسليم القصائد بعد أن أجازتها لجنة رقابة في وزارة الثقافة والاعلام الى النقاد والباحثين من أجل تقديم دراسات عنها في الحلقات النقاشية المزمع عقدها في الوقت الذي يحدده القائمون على الملتقى . بعد أن تسلم النقاد قصائد الشعراء وتم تحديد المحاور النقدية للملتقى تفاجأ الجميع باعلان المنتدى في الغاء { ملتقى شعراء الثمانينات } وقيل في وقتها أن من يقف وراء قرار الالغاء هو رعد بندر المستشار في وزارة الثقافة والاعلام ولا أحد يدري لماذا ألغي الملتقى ؟ ورعد بندري الجندي السابق في دائرة التوجيه السياسي والذي حصل على لقب { شاعر أم المعارك } بمرسوم جمهوري عام 1991 على قصائده العمودية التي يمدح فيها صدام وشقة فخمة وعطايا كبيرة وتم تعيينه مستشاراً لوزير الثقافة والاعلام في البداية ولا حقاً مديراً عاماً لدائرة ثقافة الأطفال وبعدها السكرتير الأول لرئيس { التجمع الثقافي في العراق } عدي صدام حسين ومن ثم رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق هو شاعر عمودي عادي جداً . لم يصدر أية مجموعة . أصيب الجميع بالاحباط بعد أن كنّا نعتقد أننا من خلال هذا الملتقى سنستطيع أن نفرض أنفسنا في الواقع الثقافي وتصبح لنا ولقصيدة النثر التي نكتبها منذ عام 1980 شرعية ثقافية بعد أن عانينا من الاقصاء والتهميش طوال 10 سنوات ولم نستطع أن ننشر قصائدنا غير المعنية بحروب نظام صدام أبداً . { أصدرت أنا 4 مجموعات بخط يدي ضمها مجلد حمل عنوان جهشات عام 1986 } . طبعاً من غير الممكن أن يقوم رعد بندر بالغاء هذا الملتقى من تلقاء نفسه ، ويبدو أن وزارة الثقافة والاعلام التي كان يديرها آنذاك سكرتير صدام للشؤون الأمنية منذ عام 1979 حامد يوسف حمادي لها حساباتها وبرامجها التي تقوم على الاقصاء والتعتيم على الصامتين والمشكوك في ولاءهم للنظام والذين لم يمجدوا حروبه ولم يمدحوا رأسه . في مناخ ملوث كهذا كتبت موضوعاً بعنوان { رعد بندر واعدام ملتقى شعراء الثمانينات } ونشرته في صحيفة { بابل } يوم 25 / 12 / 1991 . بينت فيه الجهود التي بذلها أعضاء المكتب التنفيذي في منتدى الأدباء : عدنان الصائغ وجواد الحطاب وفضل خلف جبر وعبد الرزاق الربيعي وأمل الجبوري { استقالوا من المنتدى بعد قرار الالغاء باستثناء عدنان وجواد } وذكرت فيه أن هؤلاء الأصدقاء قد بذلوا الجهود الكبيرة من أجل اقامة ملتقى شعراء الثمانينات وأن هناك بوناً شاسعاً بين الشعراء الشباب وبين رعد بندر على اعتبار انهم يكتبون قصيدة النثر والشعر الحر وهو شاعر عمودي يقف بالضد من قصيدة النثر . في يوم 30 / 12 / 1991 نشر رعد بندر بتكليف من وزير الثقافة والاعلام موضوعاً يهاجمني فيه في صحيفة { بابل } المملوكة لعدي واتهمني فيه أنني { لم أكتب قصائد للحرب ولا عن السيد الرئيس } وانني { رفضت الكتابة بدعوى الوقت وبدعوى عدم الاستعداد } وقال عني ليوحي انني أسكن في محافظة الناصرية وأنني اشتركت في الانتفاضة التي قامت هناك : { ليس من حق أي أديب مهما كان أن يتحدث بهذه الطريقة التي طرحها نصيف ثجيل الناصري ووضع لقبي بين قوسين . مادام منشغلاً بالغنائم بعيداً عن خيام الوطن } وطلب مني أن { لا استخدم لقب الناصري لأنه خاص بعشيرة السيد الرئيس } و ذكر انني قلت عنه انه عاق وتخلى عن وظيفة الشعر الأصلية عبر مديحه الدائم لصدام ، حين ذكرت البون الشاسع بينه وبين الشعراء الشباب وراح يمجد ولي نعمته ويوحي انني ضد مديحه للطاغية . ماذا أفعل ازاء وضع كهذا ؟ يكتب عني مستشار وزير الثقافة والاعلام انني لم أمدح الرئيس ولم أمجد حروبه وانني خائن للوطن ومشترك في الانتفاضة وانني استخدم لقب عشيرة الرئيس . هل يلقي القبض عليّ جهاز الأمن الخاص كما حدث لعزيز السيد جاسم وضرغام هاشم في تلك السنة ؟ قمت بعد أيام رعب كبيرة شرحتها باسهاب في الفصل الأول من كتابي { معرفة أساسية : الحرب . الشعر . الحب . الموت } بكتابة ونشر رد على موضوع رعد بندر في صحيفة { بابل } يوم 5 كانون الثاني 1992 أقدمه هنا ليكون وثيقة ادانة ليس لشخص رعد بندر فحسب وانما لكل مؤوسسات نظام صدام حسين الثقافية التي دمرت كل شيء حقيقي في مسائل الابداع والمعرفة طوال سنوات عهد الديكتاتورية المقيتة . ويصيبني العجب الآن كلما أعدت قراءة هذا الرد وأتساءل : كيف سمحت لنفسي أن أكتب في صحيفة عدي في عام 1991 أن الشعر الذي كان يكتب لصدام وحروبه { مجاز جماهيري } وأشكك في قيمته وفي مؤسسات النظام الاعلامية والثقافية ، وأدعي انني عندي وظيفة وغير محتاج الى أي شيء وأود أن لا أحسب على { جمعية الشحاذين } والمقصود فيها هي تلك العطايا التي يحصل عليها الذين يمدحون ويمجدون نظام الطغيان ؟
جروح عميقة ..
تصحيحات حول رد الشاعر رعد بندر
رسالة الى أبي من الجبهة بعد معركة جبل {كَرده كَو } *
ليلة افتتاح مهرجان المربد 22 / 11 / 1987
شاعر عمودي في بغداد
يتأبط ساعد امرأة فارغة البال .
في شقة تتضوع بعطور ونسيم . يكتب أناشيد للحرب
شاعر عمودي محكوم بالأشغال المنزلية
في جيبه مفاتيح .
أبي العزيز يا من عذّبك فراقي
لا تحفظ الأناشيد – الأناشيد الكلاسيكية
ترقب عودتنا نحنُ الجنود المغاوير
سنعود مثقلين بأغان وجروح عميقة
ونحكي لك عن فزع جنود العدو ودباباتهم ونهارات
الخنادق الغائبة في ربيئة { 17 تموز } .*
سنحدثك عن مدن وقرى وأجساد تطير في الهواء
لا عن رماح وخيول لفظية تغير .
هل تريد هدايا من أربيل ؟
سنجلب لك أقلاماً ودفاتر مجلدة بشظايا قذائف ثقيلة
لتكتب تاريخ ليالينا .
29 / 11 / 1987
أربيل . حوض دار السلام
1
في البداية أود أن أعلن عن خيبة أملي وآمال الأدباء الشباب الذين شاركوني حزني وتعاستي بسبب التشكيك في وطنية الناس المهمشين والافتراءات التي وردت في رد الشاعر رعد بندر المنسق بين وزارة الثقافة والاعلام ومنتدى الأدباء الشباب المنشورة في جريدة { بابل } يوم الاثنين 30 / 12 / 1991 . من المعلوم انني نشرت موضوعاً أدبياً حول { ملتقى شعراء الثمانينات } وبينت فيه مقدار الجهود التي بذلها الأصدقاء أعضاء المكتب التنفيذي في المنتدى ومجموعة طيبة من اساتذتنا النقاد من أجل اقامته ونجاحه ليتسنى لنا خلق تقاليد أدبية تتمشى والحساسية الشعرية الجديدة في الوطن العربي والعالم ، ومن ثم فرز المواهب المشوشة والطارئة واشعال النار الشعرية في وسطنا الأدبي والثقافي ، وعموماً فهو احتفال كبير في الأصوات الشعرية الشابة . تلك الأصوات التي حملت سنوات الحرب على رؤوسها واستطاعت أن تؤسس لها مؤطئ قدم في أرض الشعر الذي يكتب في كل أقطار الوطن العربي ، وهو بمثابة تكريم واعتراف بمواهب ستقود ثقافتنا في المستقبل . اذ ليس من المعقول أن يبقى هؤلاء الشعراء يكتبون ابداعاتهم ويبقون مهمشين وتفرض عليهم التوجيهات وأساليب الوصايا دائماً . أن التهميش الذي مورس ضدنا من قبل الصحف والمجلات ودائرة الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والاعلام واتحاد الأدباء والكتّاب خلال السنوات الماضية . ليس هو الذي رسّخ أسماءنا في العراق والوطن العربي وفي مجلات أدبية تصدر في قبرص والمانيا ولندن وباريس واليونان ، والاحتفاء في الشاعرين الثمانينيين باسم المرعبي وخالد جابر يوسف لم تقم فيه أية جهة رسمية هنا وانما جاء من دار رياض الريس للنشر بلندن حيث فازا في الجائزة الأولى في المسابقة الشعرية التي أقامتها تلك الدار واشترك فيها كثيرون من الوطن العربي ، وكذلك الاحتفاء في الشاعرين الثمانينيين أيضاً طالب عبد العزيز وعلاوي كاظم كشيش . لم تقم فيه أية جهة هنا وانما جاء من مجلة { اللوتس } وهي ليست { الأديب المعاصر } مجلة الأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق ، وانما مجلة اتحاد أدباء آسيا وافريقيا .
2
هل حقاً انها مشكلتي وحدي هذه التي أود أن أطرحها هنا . أم انها مشكلة شعراء الثمانينات كلهم ؟ لقد شهدنا في الستينات والسبعينات ولادة عبقريات شعرية كبيرة خارج خارطة الشعر العراقي ، وشهدنا كذلك المناخ الكئيب وجو الأحتضار الذي فرض خموداته على وسطنا الشعري في هذه الفترة ، وأكبر دليل يمكنني أن أقدمه هنا ، هو خفوت حماسات شعراء السبعينات وانقراض جيلهم تماماً كالديناصورات ، وتراجع عطاء حسب الشيخ جعفر الذي كنّا نعده قبل سنوات شفيعنا الأخير . لم أكن أنا أو وسواي من شعراء الثمانينات المدافعين عن الحداثة والحساسية الشعرية الجديدة على توافق تام أو حتى تقبل أي نتاج يقدمه لنا شعراء الستينات والسبعينات ، وهنا قد يعتقد البعض ممن تعوزه شمس العقل ، أن ظروف الحرب التي قلبت الكثير من الموازين الأدبية وغيّرت في بنية المجتمع ودرجات التذوق . هي السبب المباشر لرفضنا للارث السابق . كلا . أن الحرب قد رسّخت وأعطت زخماً للأشكال الجاهزة وأعادت الحياة الى نماذج ماتت وانقرضت منذ قرون . لقد كنّا نرفض النتاجات السابقة قبل عام 1980 ، وكانت مبررات رفضنا في البداية لا تتعدى سوى وظيفة الشعر والصلة في التراث والانفتاح على ثقافات عالمية غير تلك الثقافات التي هضمها شعراء الستينات والسبعينات ، لكن أساليب الوصايا الفجة والتهميش الذي مورس ضد مشروع قصيدة النثر الذي تبنيناه ودافعنا عنه بشراسة وبسالة . جعلنا نتطرف ونذهب في المغامرة الى أصقاع بعيدة لم تألفها أدوات ومصطلحات البعض . تلك الأدوات والمصطلحات التي ذبلت وماتت بسبب عدم تجديد نفسها ومواكبتها التطورات الحاصلة في الحساسية الشعرية الجديدة . لقد كنّا ومازلنا نواصل البحث المضني عن الخارق والمطلق والجوهر الحقيقي للشعر الذي أضاعه أو فرّط فيه أصحاب المواهب الضعيفة من أجل تثبيت كيانات اجتماعية لهم على حساب الابداع وثورة السياب التي أحرقت مشاعلها ليل الشعر العربي . ومما يلفت النظر في تجارب شعراء الثمانينات هو أن شعرهم كثير التوغل في المسائل الوجودية التي لها صلة في الحياة والموت والطفولة والتحول والصيرورة . عكس الشعر الآخر الذي هو { مجاز جماهيري } . أن الفعل الشعري عند شعراء الثمانينات والذي بسببه يحاربه البعض ويضّيق عليه الخناق . ليس في انه قائم على رموز واشارات وايحاءات وترنيمات متداخلة ، ولا في أشكاله وعناصره التكوينية . بل هو في اكتشاف الكوى النفسية التي ترتسم لمصائرنا ومخيلاتنا عبر الشقوق والفجوات التي نراها في العالم الواقعي المحيط بنا ، ومن خلال هذه الكوى نفذ هؤلاء الشعراء الى { العالم الأبدي الكامل } ومنها تطلعوا الى رحاب فسيحة من الجمال الذي يبحثون عنه . ولئن وصل هؤلاء الشعراء الى هذه النتيجة – الجمال – فأن فعلهم الابداعي ، هو انهم لجأوا الى جوهر الشعر وحده واتخذوه اداة تعبير عن أحلامهم وطموحاتهم المشروعة في التجريب وخرق المألوف . هل يعني ذلك الابهام ؟ ولماذا لا تصل الشعرية الى درك الابهام ما دام الشاعر عاجزاً عن تحقيق المعادلة الصعبة ما بين التوق الانساني والقدرة الانسانية ؟ أي بين الواقع والمثال . أليس الايحاء العنصر الرئيس في الكتابة الشعرية الجديدة ؟ حركة داخلية تخرج من عالم الباطن الى مخيلة القارئ الواقف هناك على عتبات التلقي والتمثل . ومتى كان الوحي انسانياً عادياً ؟ وما هو السر في انسيابه السحري الغامض وآثاره الوهّاجة ؟ لذلك كان الابهام ولا أقول الغموض . نتيجة طبيعية لانعطاف في تجارب شعراء الثمانينات باتجاه الحياة الباطنية بوصفها بؤرة الادراك . تجمع أشعة الواقع المبعثر لتبثها في تعبير ايحائي مثير ، يتجاوز التقرير والوصف والتسمية وتمزيق النسيج التركيبي المألوف بغية تعطيل القوى الفاهمة واثارة القوى الشاغرة .
3
أعود الآن الى رد الشاعر رعد بندر .
يشهد الجميع بمن فيهم رئيس المكتب التنفيذي لمنتدى الأدباء الشباب ونائبه وبقية أعضاء المكتب . كم كنت أبذل الجهود المخلصة في سبيل المنتدى ، وكنت أحياناً عندما يتغيب أحد الأدباء الذين تتم دعوتهم من قبل المنتدى . أبادر مع الأصدقاء الآخرين الى تقديم قراءات للجمهور الذي يتجشم عناء المجيء الى بناية المنتدى . حصل هذا وأنا لست عضواً في المنتدى ، وقبل هذا وأثناء القصف الصاروخي على بغداد كتبت قصيدة طويلة ضد أمريكا وعدوانها الوحشي ونشرت منها مقطعين في جريدة الجمهورية يوم 6 / 2 / 1991 ويوم 28 / 2 / 1991 وهي الآن أحدى القصائد المشتركة في المسابقة التي يقيمها { نادي الكتاب } في دائرة الشؤون الثقافية العامة . كل هذا والشاعر رعد بندر يقول انني : { رفضت الكتابة بدعوى الوقت وبدعوى عدم الاستعداد } مع انني كنت جندياً دخلت الجيش في 5 / 5 / 1979 وتسرحت بتاريخ 5 / 5 / 1991 أي 12 سنة بالتمام والكمال . واشتركت في المعارك التالية وجرحتُ في الرابعة والسابعة :
1- المعركة التطبيقية { حاج عمران / سيده كان } 9 / 9 / 1985
2- معارك الاكتساح العنيف { سيده كان } 23 / 4 / 1986
3- معارك الغضب الهادر { حاج عمران } 13 / 5 / 1986
4- معارك حاج عمران { سيده كان } 1 / 9 / 1986
5- معركة جبل { كَرده مند } الثالثة 3 / 3 / 1987
6- معركة جبل { كّرده كَو } 22 / 11 / 1987
7- معارك جبال { أحمد رومي . كوه جار . كوردي هلكان } 15 / و 17 / 3 / 1988
هنا أود القول أن الشاعر رعد بندر قد أمضى سنوات خدمته العسكرية طوال سنوات الحرب حاسر الرأس في بغداد بوظيفة مصحح في جريدة { القادسية } , نعم هذا هو واقع الحال . انني الآن أصبح عمري 32 سنة وما زلت عازباً ولا أملك من حطام الدنيا شيئاً . أنجزت كتابة 9 مجموعات شعرية ما تزال مخطوطة عندي . بعد كل هذا والشاعر رعد بندر يقول : { ليس من حق أديب مهما كان أن يتكلم بهذه الطريقة التي طرحها نصيف ثجيل { الناصري } ما دام منشغلاً بالغنائم بعيداً عن خيام الوطن } . ماذا تكلمت بصراحة ؟ لقد بينت جهود المنتدى في اقامة ملتقى للشعراء الثمانينيين وهو أمنية جميع الشعراء الشباب وهمهم المشروع . ثم ماهي الغنائم التي يتهمني الشاعر رعد بندر في الانشغال فيها ؟ هنا يطيب لي أن أوضح النقاط الآتية :
1- الغنائم التي ذكرها الشاعر رعد بندر ، هي وشم جروح في الكف والحاجب الأيمن .
2- أن عدد مجلة { أسفار } لم يكن مهيأ قبل العدوان كما ورد في رده . بل جمعت أغلب مواده وخصوصاً الشعرية والقصصية بعد موافقة الوزارة على اصداره .
3- أن انجماد المنتدى كهيئة ادارية لا علاقة له بمجلة { أسفار } لأن المسألة مسألة انتخابات أصولية . لقد فات الشاعر رعد بندر هنا . أن رئيس المنتدى هو نفسه رئيس تحرير { أسفار } ونائبه مدير التحرير ، أما هيئة التحرير فتضم المحررين الستة وهم أعضاء في المكتب التنفيذي وبعد استقالتهم لم يعد هناك ملاك للمجلة باستثناء رئيس التحرير .
4- البون الشاسع الذي بين الشاعر رعد بندر والشعراء الشباب كما ورد في الموضوع الذي نشرته . ليس كما يعتقد ، اذ انني كنت أقصد انه يكتب القصيدة العمودية وهم يكتبون الشعر الحر وقصيدة النثر التي يحاربها وهو المنسق بين الوزارة والمنتدى ، وأنا لم أعرفه أبداً ولم أقل انه عاق كما يدعي ولم أره في حياتي سوى مرتين في بناية المنتدى صيف عام 1991 ، فما هي مشكلتي مع الشاعر رعد بندر ؟ فهو لا عدو ولا صديق بالنسبة لي .
5- بالنسبة لمسألة اللقب ، فأنا معروف بالناصري منذ أن ابتدأت النشر وقد ولدت عام 1960 في قرية من قرى مدينة { الناصرية } . تبقى مسألة الوطن والوطنية ، فأود أن أقول . من غير المعقول أن يشكك شخص مهما كانت وظيفته . أمضى خدمته العسكرية في بغداد طوال سنوات الحرب , كان في { أم المعارك } يحضن أطفاله في شقته الفخمة ذات الاثاث الضخم . أن يزايد على وطنيتي وهذا الشيء أرفضه تماماً .
لقد كنت أحتمي من لهب الفولاذ في ليل ورمل الخنادق وكان الشاعر رعد بندر ينعم في الراحة والطمأنينة في شقته بشارع { حيفا } . أن أي جندي أكثر أهمية عندي من ألف شاعر حاسر الرأس لم يشم رائحة البارود ولم يحمل جثمان شهيد واحد ، والشاعر الذي ينعم بمغانم الايفادات . ليس أكثر حباً مني لشمس وتراب ومياه وليل الوطن .
هامش :
آملُ أن لا أحسب على { جمعية الشحاذين } بسبب اعترافاتي التي اضطررت الى البوح فيها مجبراً . حمداً لله أنا سعيد الآن وصحتي أكثر من جيدة وعندي وظيفة وغير محتاج الى أيّ شيء .
* القصيدة مكتوبة عن جان دمو
* ربيئة عسكرية في قمة جبل كَرده كو في محافظة أربيل كانت مسرحاً لموت دائم بين القوات العراقية والايرانية طوال سنوات الحرب .

11 - كشف حقيقة دكتور مريدي
{ دكتور ساهر الهاشمي }
1
هل تصدر قائمة دكتور مريدي في كتاب عن دار الجمل * ؟
دأب دكتور مريدي العضو الفاعل في الاتحاد الوطني لطلبة العراق البعثي في أواخر السبعينات قبل خروجه من العراق ، منذ سنوات على التلويح والتهديد من انه سيقوم بنشر موسوعة أدباء { قادسية صدام } و { أم المعارك } التي يعكف على اعدادها بعد سقوط نظام الطغيان ، ويبدو انه بعد أن أصدرت دار الجمل كتاب الباحث والكاتب سلام عبود { ثقافة العنف في العراق } الذي لاقى أصداء طيبة لموضوعيته ومنهجه الحيادي في التعامل مع الظواهر المخربة للثقافة والابداع في عهد حزب البعث وحكمه للعراق ، وكتاب الشاعر عباس خضر { الخاكية } الذي فضح فيه عبر جهد طيب الكثير من خفايا تدمير الثقافة العراقية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي . أراد مريدي أن يدلي بدلوه ويحقق له مهمة { وطنية يكفر فيها عن ذنوبه الكبيرة } تتمثل بكشف وتعرية البؤس الذي هيمن على الثقافة العراقية في عهد الطاغية صدام ، لكنه لم يجروء على نشر قائمته باسمه الصريح لعلمه من انه بسبب بعثيته القديمة وثقافة الوشاية والنميمة المعروفة عنه ، وحقده على الكثير من الأدباء العراقيين بسبب افلاسه الابداعي بعد 30 سنة من التورط في كتابة الشعر العادي ، سيتعرض لنقد قاس واشكالات كثيرة وراح ينشر قائمته باسم الدكتور{ ساهر فاضل الهاشمي } . دكتور مريدي هذا يخلط في قائمته الحابل بالنابل كما يقال ، ويعتمد في نشره للاسماء عبر جهده المزعوم الذي كلفه 3 سنوات من البحث والتنقيب ، على شخص يقيم في العراق يقوم بتزويده بالمجلدات الكريهة المسماة { قصص تحت لهيب النار } وأسماء كتاب وشعراء من الصحف التي كانت تصدر في زمن النظام السابق ، حتى لو كان القاص الجندي المرحوم كريم عبود الذي قتل في احدى جبهات الحرب عام 1983 ، فهو يقول عن الشاعر حميد قاسم كاذباً انه عمل في منتدى الأدباء الشباب الذي هيمن عليه عباس الجنابي سكرتير عدي ، ومعلوم للجميع أن منتدى الأدباء تابع الى مكتب المنظمات الشعبية في ديوان رئاسة الجمهورية ، ولم يعمل فيه أو يدخله عباس الجنابي أبداً . لكن دكتور مريدي قدم هذه النميمة الخاطئة بناء على ما أرسله له ذلك الشاعر المقيم في العراق والذي يبدو أن ذاكرته قد خانته هنا أو ربما تعمد الاساءة الى حميد قاسم الشاعر النظيف والعفيف جداً ، ويقول عن الشاعر طارق حربي الذي اشترك في انتفاضة عام 1991 هو وعائلته ، أنه نشر قصة عن الحرب العراقية الايرانية في عام 1986 وغيرها من الأشياء المكتوبة بأساليب الوشاية والتقارير الحزبية وقصر النظر . قبل 7 سنوات أرسل لي مريدي مجموعة شعرية له صدرت في حينها ، فكتبت عنها عرضاً ونشرته في صحيفة { القدس العربي } . شكرني على الرغم من أن العرض لم يعجبه وطلب مني أن نتواصل دائماً . لم أجبه . لكن نشري بين الحين والحين في موقع { ايلاف } واهدائي قصيدة الى الشاعر عبد القادر الجنابي الذي لايكن له الود بسبب خلافات بينهما ، والحوار الذي أجراه معي الشاعر عبد العظيم فنجان ونشره في { ايلاف } ولم أذكره أو أتحدث عن تجربته الشعرية الفقيرة . جعله يتخذ مني موقفاً معادياً . يذكر في قائمته انني قد نشرت قصيدة عن صدام في العدد 13 من مجلة { أسفار } عام 1992 ، ويشتمني أنا الوحيد من بين الأسماء الكثيرة بقائمته بقوله : { فهذا الأفاق نصيف يكتب في .... } مع انني لا أفهم ما معنى الأفاق . هل هو الحسد بسبب الشعر ؟ ويبدو انه تجاهل اعترافي قبل أكثر من سنتين على اجباري كتابة هذه القصيدة التافهة ونشري ظروف كتابتها في عدة مواقع ، ويذكر معي اسم الشاعرة أمل الجبوري ويحجم عن ذكرأسماء 24 شاعراً اشتركوا في كتابة قصائد عن صدام في هذا العدد الذي أصدره عدنان الصائغ عام 1992 بعد قيامه هو ورعد بندر بتنظيم عيلاد ميلاد الطاغية المزعوم في ذلك العام عبر منتدى الأدباء الشباب الذي كان يرأسه الصائغ . اذا كان مريدي هنا أراد الثأر مني لعدم ثنائي على تجربته الشعرية المزعومة واهدائي قصيدة الى عبد القادر الجنابي ، فأن حشره اسم الشاعرة أمل الجبوري حدث للسبب التالي : حين وصلت أمل الى المانيا عام 1997 حاول مريدي التقرب والتعرف لها ، فأرسل مجموعاته الشعرية في البريد ممهورة باهداءاته لها ، ولأنها لا تعرفه ولا تود اقامة علاقات تعارف مع شعراء من أمثاله ، فأنها اكتفت بشكره على ارساله مجموعاته مع وعد انها ستقرأها . قام فيما بعد بكتابة رسالة اليها يطلب فيها أن تعيد له مجموعاته التي أرسلها لها ، فأعادتها له بمظروف كبير كلّفها الكثير من المال . راح بعدها يشّهر بأمل ويتحدث عنها بحقد ويطلق الأكاذيب والاشاعات هنا وهناك ، ولكي يشفي غليله قام بحشر اسمها في قائمته هذه الى جانب اسمي . ما يقوم به مريدي الآن يشبه ما قام به الشاعر خالد المعالي عندما نشر مقاله { رسالة الى كاتب عراقي } في صحيفة الحياة وأعاد نشره موقع كيكا . يعدد فيها موضوعات لذلك الكاتب ويورد أعداداً وتواريخ صحف عراقية نشر فيها موضوعاته ، من دون أن يبوح باسمه . لكن الفرق هنا أن مريدي يذكر أسماء الكتّاب ويخفي اسمه الصريح ، ولتسليط الضوء على ذلك أقدم الفقرات الأخيرة من مقال خالد المعالي المنشور في موقع كيكا :
{ كان عليّ أن أقلّب هذه الكتب التي حملتها معي ، هنا في آخرة الليل ، فيما الكلابُ تنبح ، لأضع هذا المسرد الغريب لمقالاتك وقصائدك ، لم أكن أعرف بأنك كنت مالكاً لهذه المواهب المتعددة التي لا حدّ لها ، وكأنّك كنتَ تغرفُ من بئر عميقة ، هل أقول هي بئر النذالة أم هي رائحة الشمّ التي كانت تقودك لتعرف مسرد عناوينها لكي تغرف اللغة والمحتوى ! كلماتك التي تتجرد أمامي وكأنها بشارات بالموت ، بالتفسّخ، حيث لا شيء يعوّل عليه ، ولا حتى تلك الإشارات الغامضة الى الماضي ، الى البلاد والأعداء ، فكاهات لا تنتهي ، هكذا تصوّرت ، وأنا اقرأ هذه الشعوذات التي تحملها بالتأكيد معك وحيثما حللت . والآن، يا لبراءتي ، أفهم سرعة تقلّبك بين وظائف وأحزاب جديدة ، روح الطفح التي ترشدك ، لكي تنمو على جلدة من هو صاحب أمر ونهي . هل تتذكر آنذاك ، في الأردن ، حيث كنّا نسافر لكي نلتقي بما تبقّى من أهلنا ، كنت أنتَ أيضاً هناك ، وحينما حاولتُ أن ألتقيك ، اختفيت وكأنك لم تكن هناك أبداً . هل تريد أن تعرف مسرداً بانجازاتك :
{ أميركا . السود يلعنونك « الثورة 10/10/ 1990، اصحاح اميركي ( القادسية 10/12/1991 ) ، البعد الفلسفي للمواجهة الدامية ( الجمهورية 14/2/1998 ) ، لن ننحني ( الثورة 20/2/1998 ) ، الشعر وأم المعارك والحصار ( الجمهورية 16/1/1996 ) ، ثورة 17-30 تموز ثورة التنمية الثقافية القومية ( القادسية 20/7/1997 ) ؛ المشهد الشعري في أم المعارك ( الثورة 8/2/1998 ) ، عناصر التفوق العسكري في سلوك القائد صدام حسين وحياته 1-2 ( الجمهورية 23-24/11/1990 ) ، ندري بأنك اسمى إلى القلب الكبير.. القائد صدام حسين ( الجمهورية 30/9/1997 ) ، غبش وجه صدام ( الجمهورية 20/1/1998 ) ؛ احتضار الرسم في اميركا (القادسية 6/12/1990 ) الخ . هذه لقطات سريعة من قائمة أعمالك الطويلة التي يبدو انك نسيتها ولم تذكرها أبداً أمامي ، بل لسان حالك تتوزعه الأحزاب والطوائف . فمرة أنت كذا ومرة أنت كذا. يبدو أنك نسيت كلّ شيء . لم تعترف بأي ذنب ، لم تنطق بكلمة ندم ولم تظهر أسفاً على الأقل أمامي أنا ، أبداً ، ألححت على كونك مواطناً طيباً . تقول انت ربّ أسرة عادل ، مخلص ، مؤمن ، تصوم وتصلي ، تؤدي الزكاة وتزور الجار وترشد الأعمى الى الطريق الصحيح . لكنك نسيت أن الناجين لن ينسوا أي شيء أبداً . { عن الحياة } .
لكي نعرف مدى حقد مريدي على الكثير من الأدباء العراقيين وخلطه الأوراق وعدم موضوعيته في كشف الحقيقة وخلطه بين من كان مسؤولاً حزبياً كبيراً في نظام صدام مثل الشاعر كمال الحديثي عضو { مكتب الثقافة والاعلام في القيادة القومية } ومدير مدرسة الاعداد الحزبي فيها ، أو ما شابه ، وشعراء أمضوا حياتهم تحت ظلال الطغيان في التطبيل والدجل للطاغية ، على شاكلة عبد الرزاق عبد الواحد وعلي الياسري ورعد بندر ولؤي حقي الخ . الذين حصلوا على وظائف كبيرة وشقق وعطايا ولقب شاعر { القادسية } وشاعر { أم المعارك } بمراسيم جمهورية نشرت في صحف النظام ، وبين شاعر أو قاص أجبرته ظروف ومناخ الديكتاتورية على الكتابة ربما مرة واحدة تحت التهديد أو وعد بعطية حقيرة ، فانه يتهم في الجزء السابع من قائمته أصحاب الردود التي صدرت ضده ب { الأقزام الصداميين } ، وهؤلاء الذين ردّوا عليه وطالبوه بكشف الحقيقة والموضوعية ليسوا وزراء ولا جنرالات ولا أعضاء قيادات حزبية مثل هاني وهيب السكرتير الشخصي لصدام حسين والأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق ، وأقدم هنا تنويهه الذي نشره في نهاية الجزء السابع في موقع { الكاتب العراقي } ليطلع عليه القارىء .
{ تنويه :
لاحظت وعبر مواقع الانترنيت ردود افعال البعض ممن وردت اسماؤهم في الاجزاء الخمس السابقة ، بانها كانت عدوانية وتهجمية وفيها تهديد ووعيد وفيها تشهير وتحقير. اني اعلن بصراحة تامة ان التوثيق الذي عملته لا اتنازل عنه ولن تخيفني تخرصات وتهديدات الاقزام الصداميين من المطبلين والمادحين اعداء الشعب والانسان والحرية . وسانشر باقي الاجزاء العشرة كاملة ومن يشعر انها ستطاله عليه ان يحترم سكوتنا وصبرنا واخلاقنا ، لان بحوزتي وثائق هائلة لايمكن ان اتركها دون اكمال مشروعي التاريخي } .
أود في النهاية أن أطلق هذا التساؤل : هل كان دكتور مريدي في مسرده هذا الذي هو امتداد لمفهوم التقارير الحزبية التي كانت ترفع الى الأجهزة الأمنية في عهد حكم البعث . يود قطع الطريق على أولئك الذين سيتسائلون عن نشاطاته السابقة في الاتحاد الوطني لطلبة العراق ، بعد سقوط الجبهة الوطنية واشتداد الحملات الشرسة ضد أبناء الشعب والقوى والأحزاب الوطنية في العراق ؟
2
هذا هو دكتور مريدي الحقيقي
عندما نشرت الموضوع السابق عن دكتور مريدي وقائمته . كنت أتوقع من الشعراء باعتبار انهم يملكون الحدس ، أن يعرفوا حقيقة مريدي من خلال سطور المقال بسرعة ، لكن يبدو أن ذاكرة الكثيرين متعبة الآن . اتصل بي الكثير من الأصدقاء ممن حشرت أسمائهم زوراً في قائمة دكتور مريدي وطلبوا مني أن أعرفهم من يكون هذا الدكتور المزعوم كاتب التقارير الحزبية والمهموم بالنميمة والوشاية . أقدم الآن هذا العرض الذي نشر في كيكا عن العدد ال 15 وال 16 من مجلة عيون التي يصدرها خالد المعالي عن دار الجمل وهو موجود الآن في موقع كيكا ، وبخصوص دكتور مريدي أقتطف هنا ما يخص قائمته كما هو مكتوب في العرض :
{ كما نشرت المجلة تقديماً مختصراً عن ملف كبير سيطرح قريباً في الانترنيت عن " أبواق صدام حسين " من الكتبة العرب والعراقيين، وهو عبارة عن ببلوغرافيا جامعة وشاملة! }
والآن – كل من يريد أن يعرف حقيقة دكتور مريدي فليذهب الى هذا العدد المزدوج من مجلة { عيون } التي يصدرها خالد المعالي عن دار الجمل .
صورة العرض عن العدد في موقع كيكا
عن منشورات الجمل
عدد مزدوج من مجلة "عيون" الثقافية
صدر العدد المزدوج من مجلة عيون (15-16) الثقافية التي تصدر عن منشورات الجمل، وقد تضمن هذا العدد الذي خصص للعراق، مجموعة كبيرة من النصوص والمقالات. فقد كتب فاضل العزاوي عن الرائي في العتمة، في حين تناول سلام عبود موضوعة: من يصنع الديكتاتور؟ وتمحورت موضوعات الشعراء مؤيد الراوي، باسم المرعبي، علي شايع والكاتبين سلام ابراهيم وصادق أحمد على موضوعة العراق اليوم والأمس. كما ضم العدد قصصاً لكل من صموئيل شمعون وكامل جابر، بالاضافة الى ملف ضخم عن الشاعر جان دمو (1943-2003) تضمن اعادة نشر مجموعة كبيرة من قصائده، مقابلات معه ومقالات عنه. كما نشرت المجلة العديد من الرسائل حول القضية العراقية وغيرها لرفعة الجادرجي الى كريم مروة، جمال جمعة وخالد المعالي الى عباس بيضون، وعرضت المجلة بشكل تفصيلي لقضية عظام "مجلة الكرمل الفلسطينية" مع رسائل مصورة، وملخص القضية أن الشاعر العراقي خالد المعالي أرسل عام 1986 مظروفاً مليئاً بالعظام الى مجلة "الكرمل" التي كانت تصدر في قبرص اثر تلبية محمود درويش وسليم بركات لدعوة وجهها مهرجان المربد أيام صدام حسين، تعبيراً عن احتجاجه على تلك الخطوة البائسة والسمجة... كما نشرت المجلة تقديماً مختصراً عن ملف كبير سيطرح قريباً في الانترنيت عن " أبواق صدام حسين " من الكتبة العرب والعراقيين، وهو عبارة عن ببلوغرافيا جامعة وشاملة!
وهنا افتتاحية العدد التي كانت عبارة عن نص عراقي قديم ترجمه كامل جابر :
يكشف النص عن هموم العراقي القديم وتذمّره من الحكومة الظالمة ولكن ويا للعجب رغم الحديث المفصّل لم يذكر الكاتب بان من جملة إساءات استخدام السلطة التي يمكن أن يرتكبها الحاكم هو قتل الناس وكأنّ قتل الناس لم يكن أمراً هيّناً آنذاك. فالحاكم كان يتجرّأ على سرقة ثيرانهم وغنمهم وكان يجبرهم على العمل في خدمته ولكنّه لم يكن يقتلهم { هذا استنتاج فيه كثير من المبالغة ورغم هذا قد يكون صحيحاً } .
أهمية النص تكمن في أنه يكشف بان الناس في العراق القديم { مَسَبَتُومْيا } كانوا يرون بان للحاكم حقوق وواجبات وإن إساءة استعمال السلطة من قبل الحاكم يؤدي الى نتائج وخيمة. الآلهة ترفض الحاكم الظالم. والناس يتغير رأيها وتتمرد. والأجنبي يَغِيرُ على البلاد ويستولي عليها.
نصيحة الى الحاكم
إذا لم يأمرْ الحاكمُ بالعدلِ فستعمُّ الفوضى بين الناس ويشيعُ الخرابُ في البلاد. اذا لم يأبهْ الحاكمُ بالحقَّ أو العدالةَ في البلادِ فأنّ إيا، ملكُ الأقدار، سيغيّر قدره ويصيبه بالنكد وسوء الحظ . اذا لم يجلّ / يقدّر الحاكمُ نُبلاءَ البلادِ فإن حياته ستكون قصيرة. اذا لم يُصْغِ الحاكم لمستشاره فأن بلاده ستنتفض وتتمرد عليه . اذا قرّب الحاكم الأوغاد والأنذال فأن رأي الشعب سيتغيّر. اذا كان الحاكم يحبّ الخداع والحيلة فأنّ الآلهة العظيمة ستكون له بالمرصاد من أجل قضية الحق والعدالة . اذا ظلم الحاكم أحد مواطني سيبار لكنّه عَدَلَ مع الأجنبي فأن الشمس ، قاضي السماء والأرض ، سوف يؤسّس محكمة أجنبية في بلاده وعندها لا الأمراء ولا القضاة سيراعون الحق والعدالة. اذا جيء اليه بمواطني نيبور من أجل أن يحكم لهم بالحق والعدل وأخذ منهم المكافأة المعتادة ولكنّه ظلمهم ولم يحكم لهم بالعدل فأنّ انليل ربّ العالمين سيقيّض له عدوّا أجنبياً يُهْلكُ جيشه وسوف يجوسُ قُوّاده وعُمّاله الشوارعَ كالمشّردين. اذا استولى الحاكم على نقود أهل بابل وضمّها الى ملكيته أو اذا سمع الحاكم قضية أو أمراً يتعلّق بالبابليين ولكنه تجاهل الأمر لتفاهته فأنّ مردوك ، ربّ السماء والأرض ، سوف يُعْلي أعداءه عليه وسيعطي أملاكه الى العدو . اذا فرضَ الحاكمُ غرامةً على أو حبَسَ أحدا من أهل نيبور أو سيبار أو بابل فأن المدينة التي فُرِضَتْ فيها الغرامة سوف يُجْعَلُ عاليها سافلها وسوفَ يقتحمُ عدو أجنبي المكان الذي حُبِسَ فيه الناس . اذا دعا الحاكم جميع من في سيبار و نيبور وبابل وأجبرهم على أداء العمل القسري { أو السُخْرة } وطلب منهم الانصياع لصَيْحة الآمر فأن مردوك حكيم الآلهة ، الأمير المتفكّر ، سيعطي أرض البلاد الى العدو ، وعندها سيجبر العدو عساكرَ الحاكم وجندَه على العمل في خدمة العدو . لقد أقرّ الآلهة العظام آنو وانليل وإيا الذين يقطنون في السماء والأرض في مجلسهم باعفاء الناس من الأعمال الشاقة. اذا أطلق الحاكمُ جياده المطهّمة على علفِ أهل سيبار ونيبور وبابل فأن الجياد التي أكلت العلف ستقاد الى أرسان العدو . واذا سيق الناس في المدن المذكورة الى قوات الملك في وقت التحشيد العام فأن أررا { إله المعركة والخراب } القوي الهائل ، طليعة جيش الحاكم ، سوف يمزق الخط الأمامي وسينضمّ الى جانب العدو. اذا سرقَ الحاكم ثيرانهم وأخفاها أو عاث بحقولهم وزرعهم أو أعطاها الى الأجنبي فأنّ أدّاد { إله المطر والرعد } سيكون له بالمرصاد . واذا استولى على غنمهم فأنّ أداد ساقي الأرض والسماء سَيُبِيدُ ماشيته في مراعيها وسيجعلها طعاماً للشمس . اذا شجب وزير أو عامل في خدمة الملك أهلَ المدن المذكورة وأستخلص الرشاوى منهم فأنّ الوزير أو العامل- وبأمر من إيا ،ملك الأعماق،- سيموت بصورة عنيفة وسيزول المكان الذي كانوا فيه وسيحال الى خراب وسَتَذْرُو الريحُ رِمَمَهم وأما منجزاتهم فليست إلاّ عجاج يثور ثمّ يزول . اذا ألغى الحاكم عقودهم وشوّه أعمدتهم التذكارية أو بلاطاتهم أو أرسلهم في خدمته وأجبرهم على أداء الأعمال له فأنّ نابو ، كاتب أساكيلا ، الذي يُبْصِرُ كل من في السماء والأرض والذي يُديرُ كل شيء ويعيّن المناصب الملكية سوف يفكّك أواصر بلاده وسوف يكتب له بسوء البخت والنكد . اذا أجبر سادنُ معبدٍ أو ضابط أو مدير ملكي يتولّى سدانة معبد في سيبار أو نيبور أو بابل أهل المدن المذكورة على العمل في معابد الآلهة العظيمة فأنّ الآلهة العظيمة سوف تهجر تلك الأماكن المقدسة وهي غضبى وسوف لن تدخل الآلهة المزارات المقدسة أبداً .
منشورات الجمل في المانيا
العنوان
Al-Kamel Verlag
Postfach 210149
Koln 50527
GERMANY
Email
[email protected]
* دكتور مريدي هي التسمية التي أطلقها الشاعر طارق حربي في رده الذي نشره في موقع الكاتب العراقي على قائمة المدعو الدكتور ساهر الهاشمي .
3
ايضاح حول قائمة دكتور مريدي وادعاءات { الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق } وموقع { المغترب العربي }
بعد كشفي لحقيقة دكتور مريدي { ساهر الهاشمي } وقيامه لا حقاً بالاعتذار والتراجع عن الأحكام الجزافية التي أطلقها ضد الكثير من المبدعين العراقيين الشرفاء ، وذلك حين نشر الجزء السابع من قائمته في موقع { فكر } يوم 26 / 4 / 2006 . نشر موقع { المغترب العربي } احدى القوائم واتهم فيها منظمة بدر باعداد ونشر هذه القائمة واتهمها بمحاولة قتل المبدعين العراقيين من دون التأكد بشكل حقيقي من الموضوع ومن دون معرفة حقيقة الذي نشر القائمة . من جانبي قمت بارسال الموضوع الذي كتبته عن حقيقة دكتور مريدي الى النشر في موقع { المغترب العربي } بعد نشره الاتهام الى منظمة بدر من أجل تعرية أكاذيب مريدي وانتظرت من دون جدوى ، ويبدو أن الموقع لا يريد الآن نشر الحقيقة التي كشفتها وتستر خلفها مريدي ، بسبب الورطة التي وقع فيها أصحاب الموقع حين اتهموا منظمة بدر بسبب مواقف لا أعرفها . وصلتني اليوم رسالة من صديقي الأردني محمد فرحان الصحفي في صحيفة { العرب اليوم } يقول فيها :
{ عزيزي نصيف كيف أنت أرجو ان تكون بخير
وصلتني قائمة نشرتها الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق حوت على اكثر من 500
اسم لمثقف وشاعر وصحفي واستاذ جامعي مهددين بالقتل من قبل منظمة بدر وووالخ }
وبصراحة لم أسمع ولم أعرف أيّ شيء عن هذه الجبهة الوطنية من قبل ، ومن أجل كشف الحقيقة وقطع الطريق على أولئك الذين يتصيدون في مياه الأكاذيب والاتهامات القذرة . أود الاعلان هنا أن لا علاقة لمنظمة بدر في نشر هذه القوائم قط .

12 - الجثث مجهولة الهوية ببغداد والإرث العراقي في القتل

{ في سادس عشر من محرمها قلد الشريف الرضي أبو الحسن الموسوي نقابة الطالبيين في سائر الممالك وقرئ تقليده في دار الوزير فخر الملك بمحضر من الأعيان وخلع عليه السواد وهو أول طالبي يخلع عليه السواد . وفيها جيء بأمير بني خفاجة أبو قلنبة – قبحه الله – وجماعة من رؤوس قومه أسارى وكانوا قد اعترضوا للحجّاج في السنة التي قبلها وهم راجعون ، وغوروا المناهل التي يردها الحجّاج ووضعوا فيها الحنظل بحيث انه مات من الحجّاج من العطش نحو من خمسة عشر ألفاً وأخذوا بقيتهم فجعلوهم رعاة لدوابهم في أسوأ حال وأخذوا جميع ماكان معهم . وفي شوال توفيت زوجة بعض رؤساء النصارى فخرجت النوائح والصلبان معها جهاراً فأنكر ذلك بعض الهاشميين فضربه بعض غلمان ذلك الرئيس النصراني بدبوس في رأسه فشجه فثار المسلمون بهم فانهزموا حتى لجأوا الى كنيسة لهم هناك فدخلت العامة اليها فنهبوا ما فيها وما قرب من دور النصارى وتتبعوا النصارى في البلد وقصدوا الناصح وابن أبي اسرائيل فقاتلهم غلمانهم وانتشرت الفتنة ببغداد ورفع المسلمون المصاحف في الأسواق وعطلت الجمع في بعض الأيام واستعانوا بالخليفة فأمر باحضار ابن أبي اسرائيل فامتنع فعزم الخليفة على الخروج من بغداد وقويت الفتنة جداً ونهبت دور كثيرة من النصارى ثم احضر ابن أبي اسرائيل فبذل أموالاً جزيلة فعفا عنه وسكنت الفتنة } .
ابن كثير { البداية والنهاية } حوادث سنة 403 هجرية
{ وفيها وقعت فتنة عظيمة بين السنة والروافض ، فقويت عليهم السنة وقتلوا خلقاً منهم ونهبوا الكرخ ودار الشريف المرتضى ، ونهبت العامة دور اليهود لأنهم نسبوا الى معاونة الروافض ، وتعدى النهب الى دور كثيرة , انتشرت الفتنة جداً ، ثم سكنت بعد ذلك ، وانتشرت المحنة بأمر العياريين في أرجاء البلد وتجاسروا على أمور كثيرة ، ونهبوا دوراً وأماكن سراً وجهراً ، ليلاً ونهاراً } .
نفس المصدر . حوادث سنة 422 هجرية
يذكر وول ديورانت في المجلد الأول من كتابه الضخم { قصة الحضارة } انه في بعض الأزمان والممالك . كان اذا مات بعض الملوك الطغاة . يقوم أفراد الشعب كل بتسليح نفسه خشية القتل في الفوضى وعمليات الثأر التي تعقب وفاة الملك . والآن – بعد زوال نظام الطاغية صدام حسين صنيعة النظام العربي والامبريالية العالمية . مالذي يحدث في الشارع العراقي الآن بعد أكثر من 30 عاماً من القهر والظلم والاعدامات والمقابر الجماعية وحملات الانفالات وعمليات التهجير القسري ؟ يطلق ساسة العراق الجدد الآن شعار { اخوان سنة شيعة . هذا الوطن ما نبيعه } نعم . هذا صحيح . لا يبيع الشعب العراقي المتعدد الأطياف والقوميات والأديان والمذاهب الوطن . وهنا يجب أن نعرف أن هذا الشعار رفعه أيضاً صدام حسين في أعقاب هزيمته في حرب تحرير الكويت بصيغة أخرى وذلك حين كشفت له انتفاضة الشيعة في الجنوب والكورد في الشمال في العام 1991 حجم الغضب الشعبي وقوة الثورة ضد مؤسساته وحزبه من جراء ظلمه وقسوته وتهميشه وتشكيكه في وطنية الشعب الذي ثار عليه . كان اعلام صدام قد أطلق هذا الشعار هكذا : { العراق وطن الجميع والحفاظ عليه مسؤولية الجميع } . لا تحدث الحرب الأهلية في العراق أبداً ، وما يدور الآن من قتل على الهوية وعمليات تهجير متبادل بين السنة والشيعة . ليس جديداً في تاريخنا العراقي المليء بالدم والرماد ، بداية من العصر الأموي فالعباسي فالمملوكي فالعثماني فالملكي الهاشمي الى عبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن والبكر وصدام . في كل دورة من دورات تاريخنا تنهض شهوة القتل دائماً في مناسباتنا الدينية الاسلامية على وجه الخصوص ، لتحرق أصحاب الأديان السماوية الأخرى التي تعيش على أرض العراق منذ ما قبل الاسلام . هذا القتل الذي يتم الآن على الهوية وعمليات تفخيخ السيارات في المدارس والمساجد والمقاهي والمطاعم وأمكنة العمال . ليست له علاقة بالاسلام ولا الجهاد ولا تحرير الوطن من قوات التحالف التي حررت الشيعة والأكراد والتركمان والكثير من أهل السنة من أعتى نظام ديكتاتوري في تاريخ العراق . انه قتل طائفي تمتد جذوره الى تاريخ بعيد . ولكي تقترب الصورة أكثر فيتوجب علينا هنا أن نتذكر ما أعقب انقلاب 8 شباط عام 1963 ومادار في الشوارع العراقية من عمليات الذبح والسحل التي قامت بها عصابات حزب الذين قاموا بالانقلاب من البعثيين والقوميين الشوفينيين . ما أن بدا الانقلاب في اليوم الأول حتى انقسم الشارع البغدادي حسب المناطق الى بعثي – شيوعي . وتكشفت لنا { الأعظمية } التي تحتضن ضريح زبدة الفقهاء الإمام أبي حنيفة النعمان منطقة بعثية بامتياز تقف بالضد من { الكاظمية } الشيوعية حاضنة ضريح الإمامين الجوادين . الآن بدلت دورة القتل الطائفي صورتها وتحولت {الأعظمية } الى سنية و{ الكاظمية } الى شيعية . كان العراق الوطن الاكذوبة الذي يتشدق به العرب العنصريين والذي أنشأته الادارة الاستعمارية البريطانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى . عبارة عن 3 إيالات عثمانية يحيطها الخراب من كل الجهات ، وكانت محافظة { الديوانية } الآن تابعة الى محافظة { الحسكة } السورية آنذاك وكانت محافظة { الموصل } مهددة بالاقتطاع من قبل تركيا . استدعت بريطانيا أحد أنجال الشريف الحسين الهاشمي من الحجاز وتوجته ملكاً على العراق ، وكلفت الشخصية السنية ورجل الدين السيد عبد الرحمن النقيب ليترأس الوزارة العراقية الأولى . بعدها أصبح العراق يتكون من بضع محافظات ووزارات يشرف عليها رجال الادارة البريطانية ، وغرفة تجارة يرأسها ويقود وزارة الاقتصاد أيضاً السيد ساسون حسقيل الشخصية اليهودية المتنورة والمنفتحة على التطورات العالمية التي أعقبت الحرب ، وفوج عسكري { فوج موسى الكاظم } نواة الجيش العراقي وجندرمة ومحطة قطار توصل الجنوب بالشمال . يذكر السيد أمين المميز وهو أحد الشخصيات التي ترأست أمانة العاصمة العراقية في كتابه { بغداد كما عرفتها } أن الحكومة العراقية في فترة ما ، ويبدو أنه يتحدث عنها أثناء سنوات التكوين . كانت تمتلك 7 سيارات فقط وكانت جورجينا باشا { أخت المطربة سليمة مراد وزوجة المطرب ناظم الغزالي } العاهرة والقوادة الارستقراطية بعد ذلك . تمتلك سيارة ماركة بونتياك سوداء اللون تتسع ل 7 أشخاص وكان سائقها صاحب أطول عفطة ببغداد . ما أود قوله هنا هو أن العراق الوطن الوهمي { تأسس في العام 1921 } قد تم تكوينه على أسس خاطئة ومفبركة جداً من قبل وزارة المستعمرات البريطانية . ما الذي يجمعني أنا المولود في { الناصرية } الجنوبية العربية بعروبتي وإرثي ولغتي العربية بالكوردي المختلف واقليمه المختلف وثقافته المختلفة ولغته المختلفة سوى التاريخ المشترك والجوار والحب والاحترام ؟ أود من الأعماق وبسرور بالغ أن تكون للكوردي دولته مثلما أنا لي دولتي . ويجب على أولئك الذين يخافون من تقسيم العراق أن يذهبوا ويصنعوا وحدتهم العربية المنشودة مع سوريا أو الكويت أو الأردن أو السعودية طالما أن كل هذه الدول هي دول عربية ووهمية صنعها الاستعمار البريطاني والفرنسي . نعم . يجب أن نعلن الحقيقة بضمير حيّ ونقول : مرحى لدولة الكورد وإرادة الكورد ومستقبل ونضال الكورد . يجب أن يكف العرب عن المناداة في النضال من أجل تحرير فلسطين . طالما أنهم يستعمرون كوردستان ويقتلون الكورد ويستعمرون دولة البوليساريو الامازيغ في المغرب وجنوب السودان ويقتلون شعب دارفور من خلال ميليشيات الجنجويد التي تشرف عليها وتسلحها الحكومة السودانية . ولكي لا أشط في الاسترسال الأليم حول الظلم الذي نلحقه وألحقناه في الشعب الكوردي . أعود الى الحالة الراهنة وتداعياتها السياسية والطائفية . من المعلوم أن نظام الحزب الواحد والشخص الواحد حين سقط بعد دخول القوات الأمريكية بغداد . قد ترك فراغاً في شتى نواحي الحياة العراقية ، وحين حاولت القوى والأحزاب والحركات المعارضة القادمة من الخارج بسبب طبيعة النهج الدموي في الاغتيالات والاعدامات وتكميم الأفواه والسجون ومحكمة الثورة سيئة الصيت التي كان يقوم بها نظام الطغيان . ملئ هذا الفراغ وبداية عهد جديد في نظام الحكم والدستور وترسيخ الديمقراطية ومبادئ العدالة الانسانية . كانت قد واجهت صعوبات كبيرة مع الإرث الديكتاتوري الذي خلفه ذلك النظام . ماالذي حدث بالضبط في عمليات الثأر والقتل والقتل المضاد ؟ تنفس الكورد والشيعة الصعداء بعد تاريخ من الظلم والقهر الاجتماعي والسياسي والثقافي والمذهبي ، مثلما تنفس أخوتهم السنة الصعداء أيضاً ، لكن التاريخ الطويل من الخدمة في مؤسسات النظام الحزبية والأمنية والوشاية وكتابة التقارير الحزبية والعمالة لدوائر الأمن والمخابرات والاستخبارات عند بعض فئات الشعب . جعلت عمليات الثأر وذكرى السنوات السود وفقدان الأهل والأحبة الذين غيبوا في المقابر الجماعية من الصعب السيطرة ، عليها على الرغم من فتاوى المرجعيات الدينية ونداءات رجال السياسة حول ضرورة العفو والتسامح . من جانب آخر كان لحل الجيش والشرطة العراقية من قبل الحاكم المدني الأمريكي السابق بريمر وقانون { اجتثاث البعث } الشبيه بقوانين نظام صدام في الاقصاء والتهميش والشبهات الذي تبنته قوى سياسية معينة من منطلقات ثأرية ، الدور الكبير في شعور الكثير من الناس بالظلم والقسوة والنبذ في عهد جديد أريد له أن يكون ديمقراطياً وعادلاً لكل الشعب العراقي بعيداً عن ظلام الماضي ومآسيه السود . لماذا لا يتم انشاء قانون قضائي تتم فيه محاسبة من تثبت تهمته في الاجرام من البعثيين والحاق الأذى بالناس واصدار الحكم المناسب ضده ؟ ألم يتصالح الكورد مع أولئك الذين كانوا { جحوشاً } ومخبرين للنظام السابق ؟ تحيرني دائماً القناة الفضائية العراقية التابعة الى شبكة الاعلام العراقي التي أنشأها بريمر وأرادها أن تكون على غرار قناة ال ب ب سي ، ومن المفروض أن تكون قناة لكل الشعب العراقي وتمول من قبل مؤسساته الديمقراطية ، لكنها أصبحت طائفية مقيتة بامتياز عبر ادارتها من قبل الضابط السابق حبيب الصدر وهو رجل لا شكوك في وطنيته العراقية لكنه لا علاقة ولا خبرة له في مجال الاعلام ولا في التلفزيون . لقد حول الصدر هذه القناة الى بوق للحكومة المشكوك في نزاهتها ووطنيتها . لم أسمع ولم أشاهد حتى الآن من العوائل التي هجرها الارهاب سوى العوائل الشيعية ، وكأن العوائل السنية لم تطالها عمليات القتل والتهجير الطائفي ، علاوة على انها تحولت الى { حسينية } دائمة للطم والنواح بمناسبة ومن دون مناسبة ، ولا أستطيع نسيان إجابة السيد مسعود البرزاني عن سؤال له في أحد برامجها حول رأيه فيها فقال : { انها قناة طائفية } وشبيه في هذا تعيين الشيعي محمد عبد الجبار رئيساً لتحرير صحيفة { الصباح } التابعة لنفس الشبكة والتي أصبحت صحيفة ناطقة باسم حكومة الجعفري الذي طرده من منصبه وأعاده اليه ثانية حسب مزاجه ومن دون ضوابط مهنية . تلعب الآن المساجد والحسينيات السنية والشيعية دوراً بارزاً في تأجيج الاحتقان الطائفي ، وتغذي القوى السياسية المتصارعة هذا الاحتقان وتستغله في فرض شروطها وطموحاتها الطائفية بقوة . ضاربة المصالح الوطنية للشعب العراقي في الحضيض . يصرح السيد مقتدى الصدر علانية حول ضرورة القضاء على الوهابيين والبعثيين وتخليص العراق منهم ، ومن جهة أخرى تصرح القوى السياسية السنية وتتهم الشيعة بالتبعية والعمالة لايران ، وغير خاف علينا اتهامات عضو البرلمان العراقي السيد مشعان ركاض ضامن الجبوري للشيعة وتسميته لهم ب { الصفويين } وهو يدري أن شيعة العراق أقدم من الصفويين بمئات السنين . يجب الآن بناء عراق ديمقراطي فدرالي متحرر ومستقل بعيداً عن المصالح الفردية والطائفية والأنانية ، كما يجب إعادة كل رجال الدين سنة وشيعة الى المساجد ليرضوا الله ويرضوا رسوله بعيداً عن التدخل في مراحيض السياسة العفنة واذكاء نار الحقد والطائفية بين أبناء الشعب العراقي عبر طروحاتهم التي تجاوزها الدهر منذ أمد بعيد . في الانتخابات الأخيرة ألح عليّ الكثير من العراقين في ضرورة الذهاب الى صناديق الاقتراع بعد أن امتنعت عن الذهاب الى الانتخابات في المرة الأولى . كان كل واحد من هؤلاء العراقيين يطلب مني أن أصوّت للقائمة التي يريدها هو . ذهبنا الى العاصمة الدنماركية وكنا خليط من الاسلاميين والديمقراطيين والشيوعيين نساء ورجالاً ، وحين ترجلنا من السيارات وجدنا أحد العراقيين كان { قصخون } في ايران يرتدي الصاية والعباءة واليشماغ والعقال وهو يصرخ : { ها ها دير بالك تصير علماني . دير بالك تصير علماني } فرثيت له ووضعت بطاقة الانتخاب في الصندوق فارغة وقرأت السلام على السنوات القريبة القادمة في العراق . في نشرات الأخبار اليوم . عثرت الشرطة العراقية هذا الصباح على 50 جثة مجهولة الهوية في مناطق متفرقة من بغداد ، وصحيفة الصباح كتب محررها السياسي هذا المقال الذي أضعه هنا لنعرف حجم الحيرة حول الاعداد المتزايدة للجثث المجهولة في بغداد في كل يوم :
{ الى الحكومة : متى يتوقف هذا المظهر المخيف ؟
بغداد ـ القسم السياسي
جثث في المزابل والطرقات.. ومتهم مجهول

تزايدت في الفترة الاخيرة عمليات القتل الجماعي من خلال انتشار الجثث المجهولة الهوية في أماكن متفرقة من البلاد دون الاشارة بالاتهام لجهة معينة يرافقها في نفس الوقت انتشار لقوات مسلحة حكومية مرتدية أقنعة سوداء فأصبح من العسير على المواطن تمييزها عن الجماعات المسلحة فتباينت آراء الساسة والاعلاميين والمواطنين بشأن هذا الموضوع ففي الوقت الذي اتهم فيه السياسيون الأجهزة الأمنية بالضعف وعدم الارتكاز على بناء سليم في تكوينها يرى الاعلامي أن السبب الرئيسي في ما يحدث هو قرار الحاكم المدني في حل الجيش العراقي السابق فيما أكدت آراء المواطنين بأن وراء ما يحدث هو آياد خارجية ومنظمات ارهابية غايتها جعل المواطن يلتجئ الى القوات الاجنبية وصنع شعور داخله بان خروج تلك القوات بمثابة الكارثة..

{ الخطأ في بناء الاجهزة الأمنية }

السيد مفيد الجزائري عضو مجلس النواب عن القائمة العراقية أوضح أن ما يحدث في العراق من انفلات أمني سواء في ظاهرة الجثث المجهولة الهوية أو في ظاهرة الملثمين الذين يملأون الشوارع سببها الرئيسي بناء الأجهزة الأمنية على طرق غير سليمة أدت في النهاية الى تفاقم هذه الظاهرة التي أصبح فيها المواطن لا يميز بين الملثم المكلف بحمايته والملثم الارهابي.. ويتساءل الجزائري هل هناك قرار يبيح للقوات الحكومية ارتداء هذه الأقنعة أم انه تصرف شخصي يخفي من ورائه أعمالا كتلك التي نشاهدها ونسمع عنها بين الحين والآخر من ظاهرة الجثث المجهولة الهوية وعمليات التهجير القسري والخطف وغيرها.. وهذا ما يدعونا الى التصديق بتصريحات بعض المسؤولين عن الأجهزة الأمنية بأن اجهزتهم مخترقة.. لذلك نعود ونكرر القول كما يقول الجزائري بأن بناء المؤسسات الأمنية في مرحلة ما بعد التغيير كان بناء ليس بمستوى المسؤولية الملقاة عليه ويتحمل الجزء الأكبر مما يحدث ، وقال : ولا يمكن أن نغادر هذه الظاهرة إلاّ في ظل سلطة أمنية وطنية بناؤها مشروط بقراءة ملف كل منتسبي هذه الأجهزة الأمنية بعين الدقة والفحص المركز..

القضاء عليها مسؤولية الحكومة ومجلس النواب

من جهته أكد الدكتور عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق انه لا يستطيع أي طرف تشخيص أو تحديد الجهة المسؤولة التي تقف وراء عمليات الاغتيالات ورمي الجثث المجهولة الهوية بعد تعذيبها في الطرق والمناطق الآمنة بسبب عدم وجود دلائل دامغة ضد هذه الجهات. وقال الدليمي أن أغلب الاشارات التي تصل الى الجبهة تثبت ضلوع عصابات اجرامية ارهابية ترتدي زي الداخلية والحرس الوطني وتجوب الأحياء السكنية بسيارات تحمل أرقاماً حكومية أو بدون أرقام في هذه العمليات فضلاً عن ضلوع ميلشيات مسلحة في عمليات قتل المواطنين الأبرياء . وأضاف الدليمي أن على الحكومة ومجلس النواب وقوات الاحتلال وضع حد لهذه العمليات التي استشرت بعد 22 / 2/ 2006.
وبين أن هنالك وللأسف عدداً كبيراً من قوات الحرس والشرطة ترتدي اللثام وهذا الأمر خطير اذ يدلل على احتمالية ضلوع هذه القوات بعمليات اغتيالات مدبرة وهذا الأمر { اللثام } بعيد كل البعد عن القيم والأعراف ونظام الدولة الذي يجب اتباعه في هذه المؤسسات الأمنية الواجب أن تعمل على كسب ثقة المواطن لا أن ترتدي ما يخيف المواطن حالها حال العصابات الاجرامية التي تقوم بمثل هكذا أمور .
وأكد الدليمي أن الحكومة الجديدة يجب أن تقوم بحل جميع الميلشيات وأن يكون السلاح حكراً للحكومة ، فضلاً عن تنظيف هذه الوزارات من الدخلاء والعصابات والشخصيات المشبوهة وتصبح وزارات وطنية لا طائفية ، مضيفاً بانه في حال تثبت ضلوع أو تورط أي حزب أو تنظيم في هذه العمليات عند ذلك يجب أن تصنف هذه الأحزاب من الأحزاب الارهابية بغض النظر عن انتمائه .

{ غياب الانسجام بين المواطن والسلطة }

وأكد د. صلاح عبدالرزاق المسؤول في الوقف الشيعي أن هذه الظاهرة متزامنة مع حمى التنافس على تشكيل الحكومة الحالية.. وهناك جماعات قسم منها مرتبط بفلول بقايا النظام والقسم الآخر مرتبط بآياد اجنبية.. وعملها اشاعة الفوضى والنزاع لدى المواطن ومن ثم جعل المواطن وحتى الأحزاب التي تعارض الوجود الاجنبي تشعر بالخطر لكي يلجأ للقوات الاجنبية ، لذلك نجد الكثير من التصريحات السياسية لشخوص وطنية مفادها أن خروج القوات الاجنبية يعد كارثة ، وقال عبدالرزاق أن عمليات القتل المجهول تجربة مأساوية ليست بالحديثة بل عاشتها بعض دول اميركا اللاتينية.. وأضاف المسؤول في الوقف الشيعي أن عملية اللثام التي شاعت في الاوساط الأمنية هي ما تسمى بالاختفاء العسكري والسبب في حصول هذا الأمر عدم وجود انسجام بين الوضع الاجتماعي والوضع الأمني أي السلطة.. لذلك نجد غياب هذه الحالة في اقليم كردستان وذلك لوجود انسجام وثقة متبادلة بين المواطن والدولة..

{ نحن في حالة طوارىء قصوى }

وأشار الدكتور بدرخان السندي رئيس تحرير جريدة التآخي الى أن موضوع انتشار الجثث المجهولة الهوية مسؤولية تقع برمتها على عاتق غياب المسؤولية الأمنية الجادة في البلد هذا جانب ومن جان آخر وجود الميليشيات المسلحة كان عاملاً مساعداً باختلاط الأوراق في الساحة الأمنية ولا ينكر أحد أن هناك تقصيراً مركزياً في وزارتي الدفاع والداخلية وهذا ما جعل الوضع الأمني في العراق يشير الى أن الأمور في البلد غير اعتيادية وهي شبيهة بحالة الطوارئ القصوى التي تفرضها حالات الفيضانات والهزات الأرضية وغيرها من الظواهر الطبيعية الكارثية.. أما عن موضوع اللثام فقال السندي هو نتيجة فرضتها الحالة الأمنية فالشرطي أو الجندي لا يخشى من المواطن الذي يمتلك مفهوم المواطنة بل خشيته تأتي من بعض ضعاف النفوس الذين جندتهم وللأسف بعض الاطراف العربية ، وقال السندي أن الخطأ الاول فيما يحصل سببه حل الجيش العراقي فعلى جميع الأطراف السياسية أو الدينية الاستجابة لدعوات المطالبة باعلان الجميع براءته من العمليات الارهابية التي تحدث.. وما مفاوضات السيد رئيس الجمهورية مع الجماعات السبع ألاّ جزء من حل سيكشف لنا الكثير من الخفايا وهذه المفاوضات ستعطي دلالاتها الايجابية قريباً جداً..

{ منظمات ارهابية وراء ما يحدث }

فيما بين المواطن حسن فالح من أهالي مدينة الشعلة أن الأمور التي تحدث الآن قد خطط لها مسبقاً وليست وليدة اللحظة ، وعملية حل الجيش العراقي من قبل الحاكم المدني برايمر دليل ملموس ونتيجة حتمية لما يحدث الآن ، وقال المواطن أن الاتهام المتبادل بين العراقيين من ورائه منظمات ارهابية مدربة بتقنية عالية لاختيار أهدافها ، والجثث المجهولة الهوية لم تميز بين طائفة او قومية معينة بل كانت عشوائية لاثارة الفتنة والحرب الاهلية.. وأضاف المواطن أن هناك خروقات أمنية وقد اعترف بها المسؤولون انفسهم وهذا ما أوجد حالة اللثام التي أصبحت حالة شبه رسمية لرجال الأجهزة الأمنية ومن خلالها مارس بعض ضعاف النفوس الكثير من التجاوزات التي جعلت من حرية المواطن شبه معدومة.. وأشار المواطن الى أن الحل يكمن في بناء أجهزة أمنية وطنية قادرة وفعالة وليست لها علاقة بجهات حزبية أو طائفية ويكون ولاؤها للعراق قبل كل شيء وذلك من خلال دراسة ملفاتهم بصورة دقيقة ..

{ ما بني على خطأ سيقع بسهولة وبسرعة }

أما المواطن على ابراهيم المشهداني من أهالي الطارمية فقال : أن ما يحدث ويزداد بشكل يثير الفزع يدل على أن هناك أيادي خفية غايتها اثارة الفتنة بين أبناء الشعب واعطاء تصور لدى المواطن بأن الحكومة غير قادرة على حمايته ، وأضاف المشهداني أن رجال أمن الدولة سواء من منتسبي وزارتي الدفاع أو الداخلية وبالذات الذين يرتدون الأقنعة أصبحوا في نظر المواطن لا يختلفون عن الميليشيات وهذا ما يدفع المواطن للشعور بأن خروج القوات الاجنبية سيعرض البلاد الى حرب اهلية.. فمسألة ازدياد حالات القتل الجماعي وانتشار الجثث المجهولة الهوية دليل ملموس على أن الأجهزة الأمنية بنيت على خطأ وما يبنى على خطأ سيقع بسهولة وبسرعة وهذا ما حدث ويحدث الآن.. } يشخص السيد مفيد الجزائري الحالة المرعبة هنا بصورة صحيحة وهي أن الأجهزة الأمنية التي وجدت لها الحكومة مصطلح يخفف صدمة المسؤولية { مخترقة }. حسناً . من هي الجهات التي اخترقت أجهزة الحكومة الأمنية وراحت تمارس القتل والتعذيب اليومي ملثمة وترمي جثث العراقيين في الشوارع ؟ هل جاءت من الخارج وانخرطت في الشرطة والحرس الوطني ومغاوير الداخلية وقوات الجيش ؟ الدكتور عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق يبدو في حيرة من الأمر هنا ، فهو لا يدري من هي تلك الجهات التي تقف خلف هذه الاغتيالات ورمي الجثث مجهولة الهوية في الشوارع ، ويطالب الحكومة ومجلس النواب وقوات الاحتلال بوضع حدّ لهذه العمليات التي استشرت بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء يوم 22 / 2 / 2006 . وسيظل الشعب العراقي بانتظار معجزة تكشف له عن حقيقة الجهات التي تقتل الناس وترمي جثثهم في المزابل والشوارع طالما أن حكومتنا تعجز حتى الآن عن معالجة هذه الظاهرة ووضع الحلول الجذرية لها والتي يقول عنها الدكتور الدليمي أنها ظاهرة غريبة على مجتمعنا وهو يعلم علم اليقين أنها راسخة الجذور في المجتمع العراقي ولها إرث من القتل والقتل المضاد . تشترك فيه النزعة المذهبية والعشائرية في كل دهور التاريخ العراقي .

13 - حول فتوى الفقيه السعودي بن جبرين التي تحرم نصرة حزب الله

في مدينة مالمو السويدية حيث أعيش منذ 9 سنوات بعد أن ضاقت بي سبل الأرض وعجزت عندما كنت في الأردن شأني شأن أي مواطن عراقي ، عن الحصول على فيزا تمكنني من الذهاب الى سوريا أو لبنان أو مصر أو جيبوتي أو الامارات أو السعودية أو قطر . تعيش أجناس من البشر من مختلف القوميات والأديان والمذاهب ، وحسب آخر احصائية أعدتها دائرة الأحصاء هنا ، فقد بلغ عدد البلدان التي جاء منها هؤلاء 165 دولة . هذه الأجناس من البشر التي تعيش هنا في حرية تامة وهي تمارس عباداتها وطقوسها وفلكلورها وأعيادها الدينية والوطنية والقومية . تنطبق عليها نفس القوانين السويدية التي تساوي بين كل الناس الذين يعيشون في دولة السويد . لا تفرقة بين جنس وجنس ، ولا أفضلية لأحد على أحد ، ولا فرق بين لون ولون وعرق وعرق ودين ودين ومذهب ومذهب . السويد العلمانية التي تفصل الدين عن سياسات الدولة . تساعد من يريد من هذه الأجناس وفق القوانين المعمول فيها منذ دهر طويل ، أن يشيّد المساجد والكنائس والمعابد الصابئية واليهودية والبوذية والهندوسية والكونفوشيوسية ، بالمال الذي تقدمه الدولة مجاناً لهذه الغايات ، مع كافة التسهيلات الأخرى التي قد يحتاجها باني المسجد أو المعبد أو أي مبنى ديني آخر . ومن غير المسموح فيه الأساءة الى أي شخص يمارس طقوس عبادته الدينية أو استفزازه أو التجديف على معتقده . يطال القانون وعقوبته جميع من يستفز مشاعر واعتقادات الناس هنا حتى لو كان من يقوم بالاستفزاز الملك أو رئيس الوزراء . مناسبة هذا الموضوع الذي أكتبه الآن هو ذلك البيان المنشور اليوم على الصفحة الأولى في موقع { اسلام اونلاين } تحت عنوان { ابن جبرين : الأولوية لمواجهة العدوان } وفيه يوضح هذا الفقيه الخارج من العصور الوسطى انه لم يقصد بفتواه التي أعلنها ونشرها قبل أيام حزب الله في حربه مع اسرائيل وحده ، قائلاً :
{ أن هذه الفتوى لم تقصد حزب الله بعينه وانما تحرّم نصرة الروافض بشكل عام } .
هل يعلم هذا الفقيه الجهبذ المليء بالأحقاد الطائفية والعنصرية التي لا يقبلها الله ولا رسوله ، أن هذا الكلام على ملايين المسلمين { الشيعة } الذين يدينون بدين الاسلام ويؤمنون بالله الواحد الأحد ونبوة خاتم المرسلين محمد ويؤدون الصلاة والصوم والزكاة والحج ويؤمنون بقيام الساعة والرسل والملائكة . لا يقبله عقل ولا دين ؟ ثم كيف ومن يقول أن هذه الملايين التي تدين بالاسلام وشريعته السمحاء تعتبر { أهل السنة كفاراً ، ويكفرون الصحابة ، ويطعنون في القرآن ، ويشركون بدعاء أئمتهم ؟ } . قبل أن أطلع القارىء على بيان ابن جبرين المنشور اليوم في { اسلام اونلاين } أود أن أشجب وأدين هذه البيانات التي تسيء الى الاسلام ورسالته وشريعته السمحاء .

ابن جبرين : الأولوية لمواجهة العدوان
مسعود صبري/ الرياض – فواز محمد - اسلام أون لاين.نت

{ في أول رد له على الجدل الواسع الذي أثارته فتواه التي اعتبرت أنها تحرم نصرة حزب الله، أوضح الفقيه السعودي الشيخ عبد الله بن جبرين أن هذه الفتوى لم تقصد حزب الله بعينه وإنما تحرم نصرة الروافض بشكل عام ، ورأى أن الأولوية في هذا الوقت ينبغي أن تعطى للاهتمام بمواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان وفلسطين .
وفي بيان نشره موقع لطلابه على شبكة الانترنت قال الشيخ بن جبرين: أن { الفتوى لا تتعلق بما يسمى حزب الله فقط، ولكنها تتعلق بالروافض الذين يَعْتبرون أهلَ السنة كفارًا، ويكفرون الصحابة – رضوان الله عليهم -، ويطعنون في القرآن بادعائهم أنه محرف ومنقوص ، وأنه حذف منه ما يتعلق بآل البيت ، كما انهم يشركون بدعاء أئمتهم } .
وفي اشارة لموقفه من حزب الله نفى الشيخ ابن جبرين في البيان الذي نشر مؤخرا أن { يوصف الروافض بحزب الله ، دون تحديد موقف واضح من حزب الله } . واعتبر أن { حزب الله هم من ينصرون الله وينصرون الاسلام في لبنان أو غيرها من البلاد الاسلامية.. فاننا نحبهم ونشجعهم وندعو لهم بالثبات } . وفي توضيح لتبروء ساحة الشيخ بن جبرين من اعادة نشر الفتوى قال ابنه عبد الرحمن: { أن هذه الفتوى قديمة وقام طلابه بتحديثها دون علمه } مشددًا على ضرورة أن { يتثبت الناس من الوقت والحال التي خرجت فيه الفتوى } .
وكانت الفتوى الأولى قد نشرت بتاريخ 7-3-1423هـ (2002م)، وأعيد نشرها على موقع الشيخ منذ نحو أسبوعين ، وهو ما جعل بعض المواقع تعتبره توضيحًا لموقف الشيخ من حزب الله في هذا الوقت .
الأولوية لمواجهة العدوان
وحول الأولويات التي تقتضيها الأوضاع الحالية ، رأى الشيخ بن جبرين أنه { ينبغي أن نهتم الآن بالعدوان الاسرائيلي على فلسطين ولبنان ، وأن نقف ضد هذه الفتنة الشيطانية التي تريد أن تنال من الاسلام } . واعتبر أن { الموضوع الآن موضوع فتنة وحرب بين اليهود الذين حاربوا المسلمين في فلسطين وحاربوا أهل لبنان.. إنها فتنة شيطانية والذين قاموا بها وهم اليهود يريدون بذلك القضاء على الاسلام والمسلمين حتى يستولوا على بلادهم وثرواتهم وهذا ما يتمنونه } . واختتم البيان بالدعاء لنصرة { الاسلام والمسلمين في كل مكان وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرد كيد اليهود والنصارى والرافضة وسائر المخالفين الذين يهاجمون المسلمين في لبنان وفي العراق وفي بلاد الأفغان وفي سائر البلاد الاسلامية } .
موقع اسلام اونلاين الصفحة الأولى

14 - عودة الديناصور المتكررة في أعقاب كل انقلاب يحدث في العراق
الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق
يهدد أدباء الخارج ويهرف بما لا يعرف

1
نشرت صحيفة { الصباح } التي تصدر ببغداد هذا اليوم في صفحتها الأخيرة 12 / 8 / 2006 خاطرة خطيرة جداً للأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق الفريد سمعان تنضح حقداً وأشياء غير صحيحة ، ويهدد فيها الأدباء العراقيين الذين يعيشون في الخارج بقوله في نهايتها : { وآخرون لا يشعرون أساساً بمأساة الوطن وهم يتجولون في حانات اوروبا وحدائق البلدان العربية . أقول لهؤلاء وهؤلاء أن الوطن سوف لن يتسامح مع الذين خذلوه أو ألقوا الستار على حروفه ، وأن الحساب الأخلاقي والاجتماعي والفكري أيضاً سيظل يلاحق حتى كلماتهم القاتمة } . يطلب هذا الديناصور من أدباء الخارج الذين يقول عنهم أنهم عانوا من { بطش وارهاب الديكتاتورية وعاشوا في شقق تطل على البارات وحدائق الأنس } ، أن يفعلوا شيئاً من أجل العراق ، وكأن أدباء الخارج أصحاب مشاريع وأحزاب سياسية قادرة على اخراج العراق من محنته الراهنة ، ولكي لا أفسد على القارىء نكبة قراءة المصيبة التي نشرها الفريد سمعان اليوم . اترك مهمة قراءتها له . أود أن أقول للأمين العام لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق . أن كل الأدباء العراقيين في الخارج يعيشون على مساعدات { الضمان الاجتماعي } التي بالكاد تكفي لضرورات المعيشة اليومية ، ونستثني هنا فئة قليلة جداً جداً من الذين اختاروا المنفى هروباً من سلطة صدام حسين وحاربوه دائماً منذ أكثر من ربع قرن وتحسنت أحوالهم المعاشية بفعل الدراسة أو التقاعد وهو بالكاد يكفيهم . والكثير منهم لا يستطيعون العودة الى العراق ورؤية أهليهم ودفن موتاهم لأنهم لا يملكون أثمان تذاكر السفر ، والكثير منهم مرضى وفقراء أنهكتهم سنوات النفي والحنين . لست أدري كيف يدمغ الفريد سمعان أدباء الخارج بادمان الكحول والتجوال في الحانات ؟ ألا يعلم أن أغلب أدباء الخارج لا يستطيعون تأمين ثمن تذاكر السفر ولا نشر نتاجاتهم الكثيرة بسبب عدم توفر المال الكافي لديهم ؟ ثم أنه يقول عن الشاعر المريض والراقد في المستشفى والمتعب مظفر النواب المقيم في دمشق من دون يسميه : { ومن المؤسف أن ينفى شاعر طيلة ثلاثين سنة ويعد شعبه بالانتصار إلاّ انه لا يتخطى الحدود وهو على مقربة من عراقه الحبيب لكي يساهم مع المسيرة } . اترك قراءة خاطرة الفريد سمعان الى القارىء وأود أن أوضح بعض الأشياء عن سيرة هذا الديناصور من أجل معرفة الحقيقة التي دفعته لنشر سمومه اليوم ضد أدباء الخارج .
2
في حوار أجراه معه الكاتب كاظم حسوني ونشره في عدد سابق من صحيفة { الصباح } يسأله السؤال التالي :
* توليتم منصب سكرتير اداري لاتحاد الأدباء في العراق لثلاث دورات . الأولى عام 1958 مع الجواهري حينما كان رئيساً لاتحاد الأدباء آنذاك ، والثانية عام 1973 ، وفي الدورة الحالية عقب سقوط النظام . ماذا يمثل لك هذا العمل وما الذي حققتموه في هذا الشأن ؟
- هناك تعديل بسيط ، فأنا لم أكن سكرتيراً للاتحاد عام 1958 بل عضواً في الاتحاد ومديراً لادارته . وفي عام 1969 عندما أعيد تشكيله كنت سكرتيراً ادارياً . وفي الدورة الحالية أيضاً }
هذا الديناصور المزمن في مناصبه بالاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق منذ انقلاب العام 1058 وحتى الآن والذي يقول في خاطرته هذه عن أدباء الخارج : { أدعوهم بصراحة الى المشاركة الحقيقية في تضميد جراحات شعبهم الذي منحهم الحياة وسّهل لهم طريق الهرب } لم يعلن معارضته لأيّ سلطة ديكتاتورية بالعراق في يوم ما ولم يغادر الى المنفى هروباً ومعارضة للسلطة الديكتاتورية ، بل آثر السلامة دائماً في الأزمان العصيبة التي مرّت على العراق وكان يعود الى منصبه الأثير في اتحاد الأدباء والكتّاب في أعقاب كل انقلاب يطيح بالسلطة السياسية القائمة ويظل ينعم بمغانم الايفادات الى الخارج والمهرجانات التي يكلفه فيها الاتحاد . كتب السياب مقدمة لمجموعته الشعرية الأولى { في طريق الحياة } عام 1952 وأصدر بعدها 11 مجموعة ، ومجموعة قصصية واحدة ولم يصبح شاعراً حقيقياً في يوم ما أبداً ، وهو في تاريخ الشعر العراقي المعاصر ينطبق عليه القول المعروف : { اذا حضر لا يعد واذا غاب لا يفتقد } لكنه في الأزمان التي يتنفس فيها الحزب الشيوعي العراقي الصعداء بعد كل انقلاب عسكري جديد في العراق . تكون له فسحة يحاول فيها أن ينفث بعض منظوماته التي يتغنى فيها بتاريخ وأمجاد حزبه هذا ، على غرار ما فعله في الذكرى ال 72 لتأسيس الحزب ببغداد حين غنوا له بعد { النشيد الأممي } أنشودته { مروج الوطن } ومن ثم بدأ جلسة قراءت الشعر بقصيدته { بطاقة حب } ويقول في بدايتها ضمن نظم متكلف جداً أبرد من طيز القرد في الليل :
1
تماديتُ في حبكم يا رفاقي
يحرضني الأمس أن التقي
حداء قوافلكم في صباحي
صحائف نورٍ
تطل عليها رؤى الكائنات
ويحملني صوتكم
في المساءْ
ظفائر فجرٍ
تردد اسطورة الراحلين
على صهوة العز والكبرياءْ
ويطرد عن كاهل المتعبين
وفود التباريح
ينزع عنها ثياب الشجونْ
ويحمي البيادر من نزوات الرياح
ليرسم لوحة مجد مضيء
تفوح نسائمه في الخمائل
ومستقبلاً يستعيد قوافي
الرجاءْ
قلائد تزهو
ويزهو بها موكب الفقراء }
صحيفة { الطريق } عدد الذكرى الذكرى 72 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي .
3
قبل شهور رحل عن عالمنا الفاني في أحد مستشفيات دمشق الشاعر والروائي والمسرحي العراقي يوسف الصائغ الذي أعلن في العام 1983 قطع علاقته مع الحزب الشيوعي العراقي عبر مقاله الشهير { قصة حب فاشلة } والذي نشرته صحيفة حزب البعث الحاكم في العراق { الثورة } وارتضى لنفسه أن يكون في خدمة مؤوسسات نظام صدام حسين الثقافية والاعلامية ضمن قناعات سياسية معينة تخصه هو وحده . بعد موت يوسف رفض الفريد سمعان الذي انبعثت شيوعيته التي تخلى عنها من قبل فجأة بعد تغيير الديكتاتورية وأصبح { الأمين العام } لاتحاد الأدباء في العراق . نشر نعي أو تعليق لافته في مبنى الاتحاد تعلن موت الصائغ من قبل اتحاد الأدباء لكونه عضواً فيه منذ دهر . الأسباب الطائفية والسياسية هنا واضحة . الصائغ أعلن تخليه عن حزبه من قبل ، وسمعان عاد الى صفوف حزبه بعد الزلزال الكبير ، بعد أن آثر السلامة وظل ببغداد يعمل في المحاماة طوال عهد صدام حسين . لكن المصيبة الكبيرة حول موت الصائغ لم تكن تسير على ما يرام في النهاية . يجيب الفريد سمعان في حواره مع كاظم حسوني عن سؤال حول منجز يوسف الصائغ فيقول :
{ انه سؤال باهت الملامح علماً اني لا يثيرني شعر يوسف الصائغ لسبب بسيط جداً هو اعتقادي بانه لم يكن صادقاً فيما كان يكتب بل استغل قدرته { الانشائية } لتطعيم قصائده ببعض الهوامش وقد أعجب بها الذين كانوا يرقصون على شتى الأوتار وهناك { تركة } ثقيلة من قصائد الشعراء التي لم تجد لها مكاناً سوى صناديق القمامة } .
4
قبل قراءة الخاطرة التي أعيد نشرها هنا ، أود أن أذكر القارىء أن بطاقة التعريف بسمعان الموجودة في موقع اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق تتضمن من ضمن انجازاته الجنجلوتية في الشعر والابداع الفقرة التالية : { غنى له بعض المطربين والمطربات من بينهم أحمد الخليل ويوسف عمر وفؤاد سالم وأديبة } .
خوش مركَة وخوش ديج .
أصوات من الداخل .. أصوات من الخارج
الفريد سمعان
تأخذني النشوة وأنا أقراء قصيدة أو كلمة أو موضوعاً يخطه قلم هرب بسبب الضغوط الدكتاتورية وبعد زوال هذا النظام . أخذ يرسل بعض الايماءات الى قراء وأدباء الداخل . وأخذ يحضر الاجتماعات التي تقام تكريماً له أو لانجازه الابداعي أو يحضر { متفضلاً } لبعض المهرجانات ويزهو بما حصل عليه من تكريم وتحيات واحتضان ثم يعود ثانية الى المنفى . أليس كذلك أيها الاصدقاء الأحبة يامن تحملتم { بطش } وترويع الدكتاتورية وأنتم خارج الحدود وكانت رسائلكم بشتى أشكالها وصورها تنم عن باقات من الحنين تعج بها وتضج حدائق المدن المتحضرة المعاصرة وشرفات الشقق التي تطل على هذا الميدان او فوق أحد البارات أو قرب المواقع التي تهتم بالانس والطرب والنساء . أن ما يجري الآن ، هو أن الاخوان { فرسان الخارج } يمنون علينا أحيانا بكتابات مستوحاة ، من تأثرهم بما يسمعون أو يقرأون أو يشاهدون في الصحف العراقية أو الأجنبية وعلى الشاشات الصغيرة . بعيداً عن المعايشة الحقيقية للأحداث وهنا لابد من الاعتذار { لهم } فأنا لا أطالبهم بأن يضعوا أنفسهم قرب { المفخخات } ولا أن يمروا بأقدامهم على الألغام ولا على معاشرة أصحاب الأحزمة الناسفة بل أدعوهم وبصراحة الى المشاركة الحقيقية في تضميد جراحات شعبهم الذي منحهم فرصة الحياة أولاً ومن ثم سهل لهم طريق { الهرب } وأخيراً الاحتفاء بهم عندما تمر خطاهم على تراب الوطن
انهم يستطيعون أن يعملوا الكثير ولكنهم وكأنهم { طواويس } آخر الزمان لا يطلون علينا بأستثناء البعض منهم وبالأسماء المحفوظة لدينا إلاّ اذا كانت لديهم مصلحة في التلويح بمنديل عتيق ، ويتحدثون { بأسى } عما نعانيه ونحن بدورنا نشكرهم على ذلك ونقول لهم أن هنالك أموراً مهمة جداً على الصعيد الحضاري يمكن أن يسهموا فيها بشكل جيد بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الداخلية التي يعاني منها أدباء الداخل وأن الانترنت يفتح أبوابه لتثبيت الحقائق وردع الدعوات والتصورات المتخلفة التي تريد أن تعود بنا الى الوراء سنوات طويلة في الوقت الذي تندفع فيه قوافل الحضارة والتقدم والديمقراطية الى مديات بعيدة وتحلق بأقصى ما تستطيع أجنحتها . ولعل ما أشرت اليه هو الاسلوب الصحيح لمعاونة شعبنا بعيداً عن الرقابة والتهديدات والرغبات المتخلفة والحذلقات اللغوية واضفاء ثياب الشرعية والتمسك بالتقاليد والقيم الاجتماعية ومختلف التبريرات . وان بامكان مثقفي الخارج { المستقرين } على مضاجع الأمن والحياة الناعمة البعيدة عن المخاطر أن يساهموا بأطلاق دعواتهم الجادة ذات الوجه التقدمي والمستوى الحضاري المنشود وليعلموا أن هنالك من يسعى ويعمل ويحاول أن يطوق الفكر الانساني بقيود صدئة وأن يبعد الوجه الحضاري عن آفاق وطننا.. وانها لمهمة لا يمكن السكوت عن آثارها الرديئة والتنصل من المسؤولية مهما كانت الحجج والمبررات. شيء آخر لابد من الاشارة اليه وهو الاحساس بعدم المسؤولية تجاه ما يعانيه أدباء ومثقفو الداخل وذلك بتجاهل الفعاليات والمواقف الجريئة الشريفة الحازمة تجاه ما يجري على أرض الوطن وهم ينتظرون منا ، نحن الحزانى حملة تكاليف الأسى والجراح ، أن نقدم لهم من جراحنا . جرار العسل ، وعصير الكرز . ولن أختزل الهموم ، أو افتعل الملامة حين أقول أن أقلام الخارج لا تكلف نفسها حتى بتوجيه التحية لمنجزات أدباء الداخل ولا تضع في حسبانها تقديم أي دعم لهم وهم يعانون لا من ظروف ارهابية وحسب بل من أمور حياتية اخرى . أن ما دفعني الى كتابة هذه السطور وهي تتضمن هما قديماً قدسياً في الأعماق وهو عدم احساس مثقفي الخارج بما يجري على أرض الوطن ومن المؤسف أن ينفى شاعر طيلة ثلاثين سنة ويعد أبناء شعبه بالانتصار إلاّ انه لا يتخطى الحدود وهو على مقربة من عراقه الحبيب لكي يساهم مع المسيرة ، وآخرون لا يشعرون أساساً بمأساة الوطن وهم يتجولون في حانات اوروبا وحدائق البلدان العربية . أقول لهؤلاء وهؤلاء . أن الوطن لن يتسامح مع الذين خذلوه أو ألقوا الستار على حروفه . وأن الحساب الاخلاقي والاجتماعي والفكري أيضاً سيظل يلاحق حتى ظلالهم القاتمة .
صحيفة الصباح 12 / 8 / 2006



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب { معرفة أساسية . الحرب . الشعر . الحب . الموت }
- أشياء ما بعد الموت
- مرثيتان
- ما ينشده الشيوخ المحقى
- كتاب صوت سنبلة قمح لم تولد
- مرضعات الموتى
- العتمة اللامتناهية للفناء
- يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر
- سهر الشجرة وعطورها المنذرة
- أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء
- للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
- عندما ارتعد عدي صدام من قصيدة دادائية
- حوار السيد والعبد
- قصيدتان
- صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية
- كتاب الحكمة الغجرية
- 3 قصائد
- 4 قصائد
- عبد الرحمن الماجدي في مجموعتيه الشعريتين { أختام هجرية } و { ...
- 10 قصائد


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة