أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد الشيخ - نحو شراكة أوروبية - عربية في قضايا حوض المتوسط.. والعالم















المزيد.....

نحو شراكة أوروبية - عربية في قضايا حوض المتوسط.. والعالم


ماجد الشيخ

الحوار المتمدن-العدد: 2905 - 2010 / 2 / 2 - 15:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كان صموئيل هانتيغتون يعترف بأن التغيير الثقافي ليس سهلا، وأنه من الصعوبة بمكان أن يتحقق، فإن الثقافات يمكنها أن تتغير ولكن بعد صدمات قوية. وهذا ما يقوله أوكتافيو باث (شاعر مكسيكي) بطريقة أخرى؛ من أن كل ثقافة هي وليدة المزج والتلاقي والصدمات، وعلى عكس ذلك، فإن الحضارات تموت من الانعزال.

ولهذا بالتحديد يرى د. بشارة خضر في كتابه الجديد المترجم (أوروبا من أجل المتوسط)، من مؤتمر برشلونة إلى قمة باريس (1995 – 2008)، أن الأفراد مثلهم مثل المجتمعات يطورون هويات مركبة ومتعددة تحت التأثير المشترك للتبادل والهجرة والعولمة. وهذا مما لا يمكن نكرانه اليوم، لا سيما وأن ترجمة ردود الأفعال الانطوائية التي نلاحظها على ضفتي المتوسط، وبحدود بعيدة، الخوف بمواجهة "تهديدات" الاختلاط المتأتي من سريان الأفكار والمنتجات، وخصوصا انتقال الناس. على أن مفاهيم من نمط "صدام الحضارات" أو ذلك المفهوم الأكثر خبثا المتمثل في "محور الخير والشر"، ألا تستهدف إعادة خلق خطوط صدام، وحدود مفخخة "بينهم وبيننا" أي إعادة إنتاج التقسيم المفتعل للحدود الثقافية، بينما الثقافات بتعريفها ذاته مهجنة ومختلطة. وأن تتبنى أحزاب أقصى اليمين والجماعات الأصولية هلوسات كهذه، فهذا يكاد لا يفاجئنا، وبالنسبة إلى كل طيور الشؤم هذه، لا يتم النظر إلى الهوية ببساطة كشعور بالانتماء، ولكن كراية يتحتم التقاتل في ظلالها.

يكمن جوهر الكتاب الصادر حديثا عن مؤسسة دراسات الوحدة العربية – ترجمة سليمان الرياشي، في مجموع الأفكار المتضمنة في البحث، كما في تحديد رؤية وتصورات الحلول الممكنة في فصله الحادي عشر، وهو الأخير الذي يلخص فيه د. بشارة رؤيته أو تحليله للحوار الثقافي الأورو - متوسطي والأورو - عربي، عبر تضمينه أفكارا من أجل بيان أنسي، حيث يؤكد على أن حوارا ثقافيا، ولو حقيقيا، بين شعوب المتوسط، لا يمكنه أن يعفينا من القراءة النقدية للتاريخ المشترك، القديم والحديث، من أجل فهم البنية التخيلية على الضفتين، ولكن أيضا وبخاصة فهم الوظيفة الاستخدامية لقراءة الماضي التي تصدر عن رغبة في تقديسه، عوضا عن تجاوزه، من أجل تصور مستقبل تضامني في المتوسط.

ولهذا فإن الحوار الثقافي ينبغي أن يمر أولا بعمل المؤرخين، من أجل طي الصفحات القاتمة من التاريخ وابتكار طريقة للعيش معا. ولكن سيكون من غير المجدي إغلاق الماضي قبل فتحه للجميع، لأن معركة المستقبل تخاض على ساحة الماضي. ومن هنا واجب التحليل الصحيح للبنية التاريخية للتمثّلات الجماعية، وللعلاقة بالآخر على ضفتي المتوسط؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، التساؤل بشأن كيفية إدراج مرجعيات الماضي في دينامية تعايش سلمي وليس في دينامية "ثأر" وعنف.

هذا على الرغم من أنه يجب الاعتراف بأن التاريخ العربي، ومنذ قرون عدة مليء بالشواهد المؤلمة، حيث لا تستطيع أوروبا التنكر لمسؤولياتها (حملة نابليون في مصر وفلسطين 1798 – 1799)، بلقنة الوطن العربي (المرحلة الاستعمارية)، استعمار الجزائر، إقامة دولة يهودية في قلب الوطن العربي (1948)، حرب السويس (1956)، هذا ودون حسبان كل تلك الحروب التي أدمت الشعوب العربية خلال العقود الأخيرة.

أما لجهة الاعتراف بمعاناة الآخر، فيعتبر اليوم أساسيا، ليس فقط بسبب فضيلته الشفائية، ولكن بسبب قيمته الترميمية (إصلاح الأضرار الحاصلة) والتحريرية (تحرير التاريخ من شبكة الذاكرة الاستخدامية). إن الاعتراف بالإساءات والتعويض عنها، والتصالح والصفح، هي الطوبى المتوسطية القادرة على إنقاذ الشعوب من ذهنية كونها ضحايا.

ولكن لأننا نشهد في المتوسط وبخاصة منذ ربع قرن، تنامي الأصوليات الدينية، وفي قلب الأديان التوحيدية الثلاثة، فإن هذا التطرف الديني يعكس التلاعب بالدين أكثر مما يشكل عودة إلى الدين، وهو في كل الأحوال، ابن عصر موسوم بعدم اليقين، وبعجز الحواس، وبعولمة غير مُسيطر عليها، وفي ما يتعلق ببلدان الجنوب المتوسطي، هناك الأزمات الاقتصادية، وانغلاق الأنظمة السياسية والمظالم الفاقعة. ومن خلال التأثير في هذه الجوانب، نستطيع استئصال التطرف الديني داخل المجتمعات التي تعاني هذا التطرف، والمساهمة في أمن أفضل في المتوسط، ولكن ليس من خلال إطلاق حروب قاتلة تشكل مهدا لأوجه التطرف الجديدة. لهذا ورغم رؤية د. بشارة خضر إلى أنه يمكن للحوار بين الأديان أن يكون نافعا، إلاّ أنه لا يمكن أن يشكل مساهمة حاسمة، إذا لم يترافق مع تدريس التاريخ المقارن للأديان، والقطع مع الخطابات النرجسية، وتجاوز الدوغمائيات في التعاطي مع الآخر، بحيث لا يكون خصما دينيا، بل شريكا في بناء السلام.

ولهذا ينبغي أن يبرز بوضوح، أنه في الحوار الثقافي بين الاتحاد الأوروبي والمحيط المتوسطي، تشكل الهجرة رهانا رئيسيا، لأنها تخاطب النواة الصلبة للهوية الأوروبية، وتكشف العلاقة الإشكالية بين الإتحاد الأوروبي والآخر الأكثر قربا. على أن انتشار الأحزاب الشعبوية والشوفينية، التي يحقق بعضها نتائج إنتخابية متقدمة، إنما يعكس القلق أمام الاختلاط المتنامي في المجتمعات، وتوطد الحضور "الإسلامي" في قلب المدن الأوروبية. ولكن لا يمكن لأوروبا أن تنغلق على خوفها. وفي واقع الأمر، إن علاقة أوروبا مع ضواحيها المباشرة تحكم علاقاتها بضواحيها البعيدة، والعكس صحيح. وسوف يكون أكثر إيجابية الاجتهاد لإشراك كافة المجموعات المقيمة قانونيا، بالحياة الجماعية، بصرف النظر عن أصولها وعن ممارساتها الدينية. نظرا إلى أن الاندماج ضرورة سياسية واجتماعية وثقافية، وذلك من أجل تجنب تشكل معازل إثنية للفقر والإقصاء والمواطنة المنتقصة. ونظرا لكون الاندماج بصورة خاصة، ضرورة ديمقراطية، إذ أنه يفضي، رغم تنوعات الأصول والتقاليد والمعتقدات، بتمكين الناس من العيش معا على أرض واحدة واحترام المعايير المشتركة.

في المقابل أيضا، يرى المؤلف في كتابه، أن الوطن العربي المندمج على غرار الاتحاد الأوروبي، والمدفوع برؤى مشتركة، والمستند إلى لغة واحدة، والمزود بمؤسسات مشتركة وأدوات توفر سياسات التلاقي بين أقسامه؛ هذا الوطن العربي يمكن أن يصبح، ليس حديقة خلفية بل شريكا موثوقا، ندا وديمقراطيا ومزدهرا. وعكس ذلك، على ما هو الحال الراهن، يعني كيانات سياسية متنافسة تتبنى استراتيجيات منفردة، ودون ضمانة أن يستطيع، في ظل محدودية السياقات، مواجهة التحديات كافة: تفاقم البطالة، اهتراء الوضع، أشكال متعددة من عدم الاستقرار ومزايدات لولبية باتجاه العنف. في ظلها لن تجد أوروبا نفسها بمنجاة، من جراء عدم الاستقرار المزمن في منطقة قريبة منها، إن لجهة تطور الشبكات المافيوية للهجرة السرية، أم لجهة فيض المشكلات الداخلية في الوطن العربي على التجمعات المهاجرة، والاضطرابات الاجتماعية، لا بل الإرهاب العابر للدول.

ولأن أوروبا الموسعة سوف تجد في جوارها بعد عشرين عاما نصف مليار عربي، وأن الوطن العربي سوف يغدو بُعدا وثيق الصلة بعمل الاتحاد الخارجي، يقدم د. بشارة اقتراحا لا يتعارض مع عملية برشلونة، بل يتلاءم معها. منطلقا من أن تجمعين فرعيين، كالتجمع الأورو – خليجي والتجمع الأورو – متوسطي، هما اليوم رهينتان: الأول بسبب إغلاق الخليج من قبل الولايات المتحدة، والثاني بسبب الصراع العربي – الإسرائيلي. ولذا فإن عملا أوروبيا على الصراع العربي – الإسرائيلي لن يكون فاعلا نتيجة الصد الإسرائيلي وعدم تصميم الدول العربية، بينما يصطدم الانفتاح على بلدان الخليج بمعارضة الولايات المتحدة. وحدها سياسة تبلورها أوروبا تجاه العرب، يمكن أن تكون فاعلة، وتلاقي دعما من الرأي العام العربي والأوروبي في الوقت نفسه. ثم إن هذه السياسة ستكون لها ميزة إعادة الثقة إلى التجمعات العربية المهاجرة، وتسهيل اندماجها.

وتحديدا مثل هذه السياسة، يمكنها أن تخرج عملية برشلونة من غموضها "البناء"، ومن مآزقها المفهومية، وربما من عدم العلم بها خارج بعض الدوائر. فالعملية بحد ذاتها ليست سوى أداة؛ فهي ليست رؤية لمستقبل نتشارك فيه، أو لمنطقة مبادلات تمارس فيها الحريات الأربع، ومن ضمنها حرية انتقال الأشخاص. إن العملية تفتقر إلى الانسجام (8 بلدان عربية + إسرائيل + بلدا مرشحا "تركيا" وقد تبعه منذ 2007 ألبانيا وموريتانيا) إن إدارة عملية برشلونة هي إدارة بيروقراطية ولا مساواتية، وهي تولّد إحباطات دائمة لأسباب جيدة أو سيئة.

ويخلص د. بشارة خضر في كتابه المهم هذا، إلى أن ما يقترحه، وما يشير إليه من مقترحات حريصة على إنماء وحدة الشراكة العربية – الأوروبية، إنما هي تقدم مفاتيح للفهم. وكما يقول المثل الصيني: "المعلمون يفتحون الأبواب، لكن عليك الدخول بنفسك". لقد فُتح باب الشراكة، ولكن على الأوروبيين والعرب الدخول، وكلما كان الأمر مبكرا، كان أفضل.



#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يريد الفلسطينيون من نظامهم السياسي؟
- الحداثة نقضا للخرافة
- أبعد من إفشال مهمة ميتشيل!
- .. أبهذا يُصار إلى التطبيع الثقافي؟
- المسار الفلسطيني وتسويته بين الفراغ والإفراغ
- الوطنية الفلسطينية ومخاطر هزيمتها من داخلها
- أي سلام يسعى إليه أوباما؟
- تركيا: وقائع انقلاب دستوري!
- الأوروبيون وشهوة الاستفراد الإسرائيلي
- في الصياغات الجديدة للعقائد العسكرية
- مأزق الشراكات التفاوضية
- جعجعة خطط ولا طحين لدولة في الأفق
- حدود العلاقات الندية اليابانية - الأميركية وآفاقها
- فساد السياسة والكيان في إسرائيل
- التحولات التركية وإمكانيات الاتجاه التواصلي
- المفاوضات.. الموعودة دون وعد والمأمولة دون أمل
- جائزة نوبل ل -سلام عدم الاستطاعة-!
- تقرير غولدستون: بداية انعطاف لا نهاية مطاف
- الفلسطينيون ومنطق الإرجاء والتأجيل الكارثي!
- تضارب المواعيد الفلسطينية


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماجد الشيخ - نحو شراكة أوروبية - عربية في قضايا حوض المتوسط.. والعالم