سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2902 - 2010 / 1 / 29 - 15:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يحفل التراث الدينى بالكثير من الفرضيات والغيبيات التى لا تجد طريقها إلى أرض الواقع ..فهى لا تستند على أى دليل سوى إدعاء أصحابها .
ونتيجة أنها نصوص بشرية فى الأساس جاءت من رحم الظرف الزمانى والمكانى التى تشكلت فيه , فقد جاءت بالضرورة معبرة عن إنسان زمانها بثقافته وفكره وقدرته المعرفية .
قد تصل الأمور إلى إلقاء إدعاءات كبيرة وتمريرها بدون أى سند يعضدها سوى أن مدعيها ذكروها هكذا تحت وطأة لحظتهم التاريخية , وتجد الغرابة واضحة عندما يستقبل التابعين هذا الإدعاء كمسلمة دون ان يضعوها تحت منظار العقل الناقد ..ولكن ستتبدد دهشتك عندما تعلم أن العقل الناقد قد تم تخديره أو قتله على عتبات الإيمان .
من الأمور المثيرة للدهشة إدعاء الإسلام أن التوارة والأنجيل قد إعتراهم التحريف والتبديل بينما بقى القرأن محفوظاً من كل عبث .
لست هنا فى معرض الدفاع عن نصوص بشرية من الممكن أن يعتريها التحريف والتبديل بحكم خضوعها إلى عوامل إجتماعية وسياسية وطبقية ساهمت فى تعديل النص وفقاً لإحتياجها .
ولكن يلفت إنتباهى أن رمى التوارة والأنجيل بالتحريف والتبديل هو إتهام خطير فلا يوجد ما يثبت هذا الأمر سوى إدعاء قائله .!!
بل أن المصيبة الكبرى بإدعاء التحريف والتبديل هى بالضرورة طعن فى الذات الإلهية وتشويه صورتها والحط من قدرها .!!
عندما يذكر بأن الله أنزل كتابه التوارة ثم قام أحبار اليهود فى وقت لاحق بالعبث والتحريف , فهنا نكون أمام إشكالية كبيرة وهى أن الله لا يعى ولا يمتلك من أمره شيئاً !!..بل أن الصفات الإلهية كالقدرة والمعرفة والحفظ إما كانت معطلة أو لم تكن موجودة .!
فقد فوجئ الله بعملية التحريف ولم يكن لديه إدراك قبلها بحكم معرفته المسبقة المفترضة بهذه الخطوة التى أقدم عليها هؤلاء اليهود الملاعين ..وتكتمل المأساة بعدم قدرته على الحفاظ على كتابه بعدها لتنهار صفتى القدرة والحفظ أمام عينيه وأمام هؤلاء النفر من اليهود .!!
وبدلاً من أن يحفظ الله نسخته الأصلية ويصونها ..فكر وتدبر وقال سأنزل كتاب جديد فى الاسواق ,, فقرر أن ينزل الإنجيل .
ينزل الإنجيل فى السوق ولكن كهنة النصارى فى وقت لاحق يعبثون فى الأناجيل ويحرفون فيه .!!
ويقع الله فى نفس الإشكالية ..أن تتعطل تماماً قدراته الإلهية فى المعرفة المسبقة بإدراك هذا الحدث قبل وقوعه ..كما يصيبه العجز عن صيانة نصوصه وحفظها من أيدى العابثين لتنهار صفتى القدرة والحفظ لثانى مرة على التوالى .!!
المصيبة الكبرى فى تحريف الإنجيل أن الله لم يأخذ باله أو يدير حاله على قول أخوتنا الشوام فى هذه المرة أيضاً !..أويمكن القول بأن الله للأسف لا يستفيد من تاريخه ويقع فى الخطأ تلو الأخر .!
يقرر الله أن ينزل القرأن ولكن يتعهد بحفظه ولا تعرف التعهد يكون لمن ؟..ولا تعرف أيضاً هل كلامه السابق فى التوارة والإنجيل هو كلامه وإرادته أم كلام البطة السوداء .!!
المهم التالتة تابتة كما يقولون !!
ينزل القرأن على نبى الإسلام ..ولكنه لم يدونه بخط يده ..بل تم تحفيظ أصحابه وأنصاره أيات الله ..ليكون كلام القرأن مرهوناً بمجموعة من العرب البدو ذوى ثقافات وقدرات محددة وليسوا هم بأنبياء .!
يستمر هذا الوضع كما هو فى عهد أبو بكر فلم يتم تسجيل شئ .!! ليأتى بعده عمر بن الخطاب ويبقى القرأن أيضاً محفوظاً على ألسنة العرب البدو ليكون الأمر مرهوناً بحسن ذاكرتهم وحسن تعاملهم مع النص , ولكن هم فى النهاية بشر .!!
يأتى عثمان فيتولى عملية جمع القرأن ..ولكن كما ذكرنا بأن بقاء الأيات متداولة على ألسنة عدة جعل هناك عدة قرأنات مما أضطر عثمان لحرق مصاحف عدة والإحتفاظ بنسحة واحدة هى التى تم إعتمادها .!!!
إذن كلام وأيات الله وجدت طريقها للعبث بدليل تعدد المصاحف , وهذا ما يجعل أى منصف يضع علامات إستفهام كبيرة أمام عثمان نفسه فهو ليس بنبى فى النهاية بل إنسان قابل للخطأ والسهو .
ولكن هل إنتهت الأمورعند هذا الحد وأصبح كلام الله محفوظاً ومصاناً من كل عبث أو تحريف أو زيادة أو نقصان .
تتواصل فصول قصة التحريف للمرة الثالثة على التوالى فى هذا العرض المثير من المسلسل عندما نجد أن قرأن الشيعة يحوى على سورتين كاملتين وهما سورة النورين وسورة الولاية , بينما يفتقد قرأن السنة لهاتين السورتين .!!
إذن نحن أمام كتاب إما ناقص هنا أو زائد هناك ..أمام من يؤمنون بالكتاب كاملاً أو ناقصاً ..!!
نحن أمام عبث بكلمات الله للمرة الثالثة على التوالى .!!!
وضاعت القدرات الإلهية فى القدرة والمعرفة والحفظ والصيانة ومعها تعهده الشهير بتولي الحفظ .!!
هناك نقطة أخرى تجعلنى أشد فى شعرى .!!
كل الحضارات القديمة والتى سبقت كل الأديان الإيراهيمية تركت لنا أثار عظيمة تشهد عليها ..كتبوا أفكارهم وتاريخهم وشرائعهم وقصصهم الأسطورية على أورلق من البردى وعلى حوائط جدران معابدهم ...بل أن الحضارة السومرية القديمة كتبت أساطيرها على ألواح من الطين ..أعيد وأقول ألواح من الطين .!!
كتبوا ونقشوا وحفروا معتقداتهم الوثنية وتركوا لنا جبال من الأثار التى تحكى عنهم حتى فى أمورهم التافهة .
الغريب والمثير أن الله العزيز القدير لم يجعلنا نعثر على كتبه الأصلية بعد مسلسل التحريف الشهير ..فلم يجد فلاح بسيط نسخة التوارة الأصلية أو عثر عامل متواضع على نسخة الإنجيل الحقيقية حتى ولو بإلهام من الله .
أن نجد أثار لمعتقدات وثنية على ألواح من الطين أو محفورة على جدران معابد ولا نجد كلام الله الأصلى يعطينا إنطباع بأن الله أهمل إظهار كلامه الحقيقى بالرغم أنه بذلك جعل هناك حجة لليهود والنصارى ..أى أن التقاعس الإلهى سيدخل مليارات البشر المحرقة الأبدية بدون ذنب فعلوه سوى أنهم صدقوا الكتب التى بين أيديهم ...ليضاف بذلك إنهيار صفة العدل بجوار صفات المعرفة والقدرة والحفظ التى إنهارت سابقاً على أيدى المحرفين .
هذا هو الفهم المنطقى لمسلسل التحريف الذى بدأ فصوله بالتوراة لينتهى بمصحف الشيعة والسنة .
ولكن هل الأمور هكذا ..أم أنها نصوص وإبداعات بشرية تغيرت وتبدلت وفقاً لتطور الإنسان ووجدت سبيلها على يد كتبة عبروا عن توازنات عصرهم وإرادة قوى إجتماعية محددة ..وليس هناك ما يدعونا للحديث عن الأصل والمزيف .
ولكن من يهوى إعتبار الكلام التاريخى والمرسل فكراً وإرادة إلهية أن يجاوبنا عن نقاطنا المثارة حول الله ومسلسل التحريف .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟