أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - أشياء ما بعد الموت















المزيد.....



أشياء ما بعد الموت


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2902 - 2010 / 1 / 29 - 14:01
المحور: الادب والفن
    






أشياء ما بعد الموت ..

مجموعة جديدة



1


هل يمكننا الوصول الى ظهيرة الإله المشتعلة من دون الايمان باسطورته ؟
لماذا تولّد رمال المقدس في كل عصر وأرض العنف والارهاب ؟
أشجارنا لا تثمر في الظلمة ولا في المروج ، وبذور صلواتنا تطبق عليها
أقراص الكورتيزون في المعابد والمستشفيات . ما الذي يدلنا على تذكر
ايزيس النوم في تعفن ساعاتنا وشعاع حقول قرابينا المتصدعة في أرض الريح ؟
ندينُ للعلم الحديث بتخليصنا من الأفكار الجهنمية والحيوانات ذات الأثداء
المزدوجة ، ومن اللبدات المتهرئة للملاك والشيطان .
لا نهوض لنا من تعثراتنا وسقطاتنا الدائمة إلاّ في الارادة العظيمة برمي
الماورائيات في الهاوية ، ولا سلوى لنا الآن إلاّ في الغناء المسعور وتهديم
الجسور واحراقها في البنزين والنغمات المتقطعة لتصوراتنا الحرّة عن الموت .
الشظايا التي تخشخش ما بين أشجار نوم الانسان ، هي ما ينبغي الانصات لها .
في توقفي وأنا أرتقي السلالم المتعرجة للسرّ ، بحثاً عن عظمة فك الانسان في
الظلمة ، كرهت البشرية كلها وفتحت الباب ليعفر وجودها الرماد .
شدوّ حلم يصقله الغيم المغلق في الآفاق ، وتجتثه الحشرات الطائرة لايماناتنا
الفظيعة . شدوّ الانسان العائش رعباً مع تحطماته وقبره المترنح في عذوبة العاصفة .
انسان جذور الملح . انسان القيثارة المحطمة . هل يستطيع الانسان التخلص من
تلوث نومه في الريح المبحرة في ترنحات الهاوية ؟
في كل آنٍ ينفصل عبّاد آلهة العالم عن لطافاتهم ويتقاتلون في ممالح مدن الأرض
ويحطمون انجازات عقولهم . كل حرب ، موجة تتألق وتغرق الضمير في لهبها المحموم ،
وكل إله يتصفح وجوهنا بغضب في عرشه المصفح . لماذا نحضر في شفافية تصوراتنا الإلهية
مزامير توحشنا ونصعد صوب المصبّات العالية للأنهار ، من أجل ابادة الأحلام والطيور
والفصول واخوتنا الغرباء ؟
يتلاشى العقيق الأزرق لشجرة هندباء الحبَ دائماً
في حروبنا العقائدية من أجل عطش آلهتنا الى دماء الانسان .



2

أصغي في صمت
في نشوة لا تتقدم
والنبع الذي أمامي تنحني فوق زمنه الثمار والطيور .
مجد الانسان وحجارة حياته
العالم وصخوره
السعي المحموم من أجل الوصول الى غاية ما
كل شيء يتهدم ويتكلّل بالفناء
والنور ينحتُ أشرعته في الرماد .
في الاعترافات النذورية الليلية ، ينعطف غبار حياتي على الغرق
وتتقلص القناديل على المعاصم المتورمة لتهشمات أغصان أيامي .
لا فردوس ينّجيني من عصمة الجرح
ولا ميراث يقوّض قوانين موتي التي تقرضها الدودة اللزجة .
صرخة جافة تزيح ضماناتي في العيش
وترفع عنّي في سقوط النيزك كل حصانة .
نسيم الموت يهفهف ويضيق على شواطىء كهولتي
وعلى ثيابي المترنحة في أنفاس الاحتضار .
آلامي طيور تمضي عبر ليل العصور
وأحلامي كما القش في ميزان الشمس الزرقاء
هل الحبّ وميض النغمة في قلب الاعصار ؟
هل الموت صيحة رغبة منحوتة في سنبلة التطواف ؟
في تلمساتي لصنوبرة الفجر من أجل الكلمة المنقذة
يضيع مني الغد والمستقبل ويذوب الحاضر في ايناع
اللحظة الناعسة .

3

يزداد طريق البشرية وعورة كلما تقدمت حياتها، ويصبح الغناء لعثمة.
لماذا تخلو نار الايمان دائماً من عسل الغبطة ؟
لا الاسكندر في { تقليده لهرقل وأبطال هوميروس }
ولا نابوليون في خسارته غزو موسكو
ولا الحلاج في مسعاه الخائب للوصول الى جابي الضرائب
استطاعوا أن يصلوا الى الحافة الحادّة للهاوية
كان من الضروري أن يهتموا في الفنون الجميلة
وترك ما ينشده الشيوخ الحمقى.
هل تكفي الرغبة وحدها في تحقيق حلم ما ؟
الله نحلة الموت الضريرة
وأغبى المخلوقات في الطبيعة الانسان
وأجملها وأنبلها الكلب والعقاب.
لماذا تتسلّط فكرة الدين الاقطاعية في كل العصور على الانسان البدائي
الأحمق والجبان، ولا تتسلّط على القوي العظيم والطموح ؟
يتوجب علينا الآن أن نهدّم الاطر الدينية من أجل تخليص الفن والعلم
من الهرطقات الروحية .

4

يسقطُ الانسان في الهاوية منذ الولادة ويتشبث طوال الليل
بجذع شجرة البرق الإلهية . حياته وقيودها المحمولة على
العناصر المشدودة الى الصخور ، تستفرغ نفسها في الدوّامات
المتعددة للاعصار . غصن الزمن الذي يرفرف في حجارة
الفجر المقوّضة، لا يترك سوى علامة فقيرة واحدة :
{ يسقط الانسان كثمرة في منتهى النضج } *
الآلهة الخشبية المرصوصة التي عبدناها في الحانات والمرافىء
وبين دخان الحروب ، لا تحضن قرابيننا ولا توسع الدرب
لزمردات صيفنا الكبيرة . في مجد الحبَ . في عفّته المتغيرة
يبحث الانسان عما يشبهه ، من أجل أن ينفصل عن ذاته ويذوب
في النار الخضراء للالوهة المتموجة في الطبيعة .
كل ظلمة هي جذوة بين خرائب محنتنا
وكل سهاد هو الضجّة العظيمة لموتنا الجمعي .

5

وميض نهر يدلني على السقطة الأخيرة لصلاتي الموشمة ببارود
الأسلحة المحطمة . ظلال نجمة تتعرّج في نومي وتضيء نسياني
للمعسكرات القديمة . الى متى أظل أدفع الضرائب اليك أيها الماضي ؟
حاملاً كروان موتي أصعد الهضبة العالية لجروحي ، من أجل النوم
فوق تورماتها الكبيرة . من أجل الحلم الذي يتسمّر في أفياء سهادي
ومدينته الناعسة على ضفة النافذة المنجذبة صوب الهاوية.
كل غبطة يدمرها سعينا المكين الى الحاجة
وأفكارنا التي يحطمها الملح بين التماثيل الطائرة لخساراتنا في النهار
تسقط عليلة في ميزان شجرة النمر، وتتهشم لحظة الوصول الى السرَ .
لا يذل الموت النهّاب إلاّ بروق البحر وعبير لألاء الحبّ .

6

كل الأشياء التي نحبها ونسهر على جمالها وقداستها
تدنسها لهفتنا في امتلاكها . لا برد الآن في
أشجار حياتي ولا انصات حزين الى رنين ما .
تصمتُ براكين السنوات في ظلال ذكرى من
أحببتهم في الماضي ، وتمد أغصانها المتشابكة
الخيبات المتعددة في حياتي . في جلوسكِ أيتها المحبوبة
المباركة تحت
القناديل الإلهية المشتعلة لملاقاة العاشق وهو يعود
مدمّى من أرض الحلم . تنفتح الأنهار على صحارى
العالم ، وصلواتنا اليكِ تشعل النسيم في الشواطىء
وصخورها المنعقدة . ذهبٌ وعطور تتوهج وترتقي
الغابة الملكية لوجهكِ الحلو الصغير . كنتُ قبل أن
التقيكِ ، أفكر في الموت وفي الزمن الذي يفرّ من
بين يدي . يا حبّي التي تتفجر من جمالها النعمة والموسيقى .
حياتكِ الآن تستريح مطمئنة فوق أوراد لهفتي .
أعينيني على نسيان ماضيّ وظلامه الذي يهدم
السلالم. هل تعرفين سرّ بكائي حين تنامين وأغطيكِ
بخوفي وأسرار حياتي ؟ تنامين وأسهر الليل كله تحت
الأمطار ، أطرد البرد عن صيف جسدكِ اللامع البهي .
هل يفصل الحبّ الانسان عن الفردوس ؟ أنتِ النبع
الذي انتظرناه نحن عشاقك في الصيف ، وأنتِ
نهار الرحمة في حلم السنبلة

* يسقط العالم كثمرة في منتهى النضج اوكتافيو باث


7


في حرث طويل ومتأجج . يوسّع الهاوية العالية لموتي
ويأسر الطمأنينة ونعمتها في الجبهات الشاطئية للزمان .
ينتصب ويتحدى الميثاق المجمّد والعتيق لعسل الذكرى
بيني وبينها . كل شريعة تنبثق من الجفاف والحموضة ،
والعروق الضخمة لمحاصيل غيابها . تصرخ في ليل الحلم
الذي نسجته معي الأسرار في نداوة الموت وفي الميلاد .
يبادلني صوت غيابها في كل آنٍ فراديسه ، من دون انقسام
أو علامة عبر البراثن الحادة لأوقات الحصاد . رماد وجهها
على الشواطىء المحمحمة للعالم . حجارة صفصاف محمولة
على العصّارات المنيرة للفجر . تقاسمني لألأتها العذراء ، تنفسها
لأبواب القيثارة ومفتاح المرايا النائمة وسط التماثيل المنفتحة
على الطبيعة .
في هيكل النحلة
وفي أسلحة النعمة المولهة والمحظورة لنومي ورأفته الخفيفة
أغري آلهتي . أنزع عنها الوميض وأسرار الغفران الحصينة
وأقودها الى بيتي الضائع في أرض طوت الظلمة فيها النسيم
والحديقة . صيفنا المدبوغ بعطور التراجيديات المنحنية على
الحجارة الكريمة لممرات موتنا ، وصخوره المرصوفة على الهاوية
التي بلا غطاء ، يجعلنا نرغب دائماً في الحصانة من الأسقام المنحوتة
في الضمانات التي نصطفيها ونتحالف معها تحت نجوم الممالح
الموغلة في تغضناتها العميقة . سرير العاشق الغريق المرفوع فوق
البوابات العتيقة للمدّ والجزر في أضرحة الفقدان ، حيث الأبدية
تغذي الصواري المنشدة لعذوبة محنتنا . حيث النعمة تسهر بنهديها
المنتهكين على نداوة أعمالنا وصاعقة موتنا البنفسجية . حيث موت
الانسان تحت المصابيح المنخفضة للصيف ، وموت الأوراد العريقة وهي
تتأمل سهرها في اغفاءة العطور والتجاويف الخيزرانية لطيور الخطّاف .
لا ذكرى لنا الآن إلاّ ذكرى المخالب العارية للفجيعة ، تستيقظ قرب حجارة
عتبتها وتغوص في البذور والحواجز المؤمنة بينبوع الخليقة وأصيافه
الشفّافة . جباهنا المحفرّة والتي ترصّعها الطحالب المشعشعة في أعياد
الحصاد الفقيرة . يطرح الموت فيها لآمالنا ، الحشائش المفككة للخديعة .



8


الفراشات أقنعة تخفي الحطامات والتحولات النشوانة للطبيعة من المادة
الى الفكر ، وتدلنا على اللحظة الفريدة لانسان التاريخ وهو يواجه رماد
الأفاق الغامضة في الأصداء الغريبة للكلمة وبرق الولادة .
ما معنى فضة وجودنا المعتمة في العوالم التي تستنشق الانعكاسات
الرخوة للتحلل والفناء ؟ في لحظة تنفس يمجّدها صيف أمواج عملاقة
على الشجرة الشائخة لحيواتنا . نسترد ونطلق مصائرنا المختبئة في السلطة العمياء
للنسيان . في وصول الانسان الوحيد الى ذروة انشطاره وتحلله . يتحسس ضوء
اللحظات المقبلة ، والأكثر تقلباً في الشفرة التي تجاهد عبر الخزّانات المعتمة
للفصول . هو ترويعنا الدائم من الجفاف الأخير لصلاة السمانى في لحظة
التقاء الحبّ بالموت . في عهودنا التي نسيناها في الأجراف الغريقة تحت
المصبات المترمّدة لأنهار السهر . نسينا النور الكلي لعدل لله ، وحجارة فضله
المهدومة ، ونسينا الغبطة القليلة والمتعذرة لظهيرة الملح في الذروات العالية
للنهار . دفء الطبيعة في ثيابها العيدية التي تستنطق البروق ومنحدراتها ،
والرقاد بلا تنفسات حرّة تحت الشجرة الكبيرة للثعبان في أصائل ايماناتنا ، والعطر العذب للثمرة
المحرمة . تغيّرات هائلة في تواتر لحظات موتنا وأحجاره المستنفرة في الركائز
الحجرية للهب شمعة العالم العارية . لا شيء لنا الآن إلاّ هذه السطوعات الإلهية
وغفراناتها التي نترصد في جلالها العظمة الشطأنية لموت الانسان . نترصد
النشوة المرجوة في المشاعل الأليفة للأشجار على الأرض الشحيحة .






9


بروق أشجار أيامنا التي نمضيها في الترقب الجحيمي للعودات المأمولة
لأيائلنا وعقباننا المؤلهة من الشواطىء المسوّدة للصلاة . صمّاء . لا عطر
فيها ، ولا دفء نسغ يدوّي في رماد وجوهنا التي يرصعها الجدري والجذام .
لماذا انطوت وامّحت في الصقيع المتعفن للنسيان . الأيام الطفولية التي كنّا
نباشر فيها الطيران الطويل في البحيرات الغريبة للتضرعات ؟ أيّة تحريمات
أطفأت رغباتنا وندائفها المترنحة في الأبواب الهاذية لصيف الحياة ؟ شجرة زعفران
الموت التي لا انشاد يوازي انشادها . هي وحدها التي ضمنت لنا نذورنا في
الرصائع المتوهجة لنيازك سنواتنا الرحيمة . الحجارة المبعثرة تصدأ في شفاهنا
واللعنة تكبر في كل حينٍ في طرقاتنا التي يسيّجها العطش الطويل لنار الغفران .
لا شموس في بذور أفعالنا وهي تعود من الهجرات المدوّخة لروائح بخور طموحاتنا ،
ولا جدائل قرمزية في صلواتنا التي يملأها النسيم الشائخ للعواء . ظلمة عظيمة
بلا عطر تهدم دائماً التنظيمات التي نقوم فيها في الحرّ اللامرئي للظهيرة القائظة ،
حيث يرقد شدوّ الكلمة الانسانية تحت تجمّدات زمن لا شكل له ، وتندثر مخالب الطائر
في الأوراق المحترقة لحجر الفيروز .



10


في صلواتنا المتشجنة أمام البوّابات اللازوردية لبحار العالم ، وتحت مشاعل قرابيننا
الفيّاضة لليل الذي يستنطق الغيوم وندوبها . تضيع منّا شهادة الثلوج وقنادس الحديقة ،
ويضيع رماد تقدماتنا في الأنهار الأندلسية للتفجعات . قبورنا المتخمة والمنحدرة صوب
السيول المتعرجة لغفرانات آلهتنا وأفيائها ، في كهفها الذي من بنفسج وصلصال . تنوّرها
وتنتشلها من حطاماتها . وردة فرجكِ المهجورة والمنحنية تحت وطأة ثقل النسيان في ليل
الصيف ، وشموع صوتكِ المتواطئة مع القناديل القرمزية للأشجار . تغمر القبور التي
يهجرها الموتى ، ووجوه غاسلات تماثيل الملوك المحمّلة بالتوابل في الفجر .
الغيوم ، مرضعات الموتى تحت الظلال الساهرة للاشارات المعتمة للتاريخ . هي وثباتنا
التي لا ترتوي من النشوة المحلولة للهاوية ، صوب الأيكة المتكلسة للموت .



11


هل تمنحنا اللبدات المهتزة لوميض الأحلام ، امكانية أن نحيا في المنحدرات الجانحة
صوب المستقبل ؟ حيواتنا التي يفحّمها التثاؤب وتهزهزها الريشات المجدولة للقلق
المغربل دندناتنا وصرخاتنا تحت نيران الرغبات المشحوذة في سهاد الصاعقة . تخفي
الجذوع العالية لأشجار قبورنا المعراة لغبار القرون التي جمّدتها حجارة موتنا المرصوصة .
الجحيمات الرحبة لطحالب وكهوف مصائرنا المغمورة . تستقبل أعمالنا وخواتيمها استقبالها لدلائل
وأوزان طيور القطرس في الخلجان . لماذا يطاردنا دائماً ، ضوء الفزع الذي يحرّك أهدابه تحت
العذوبة الدامية لملح قبر الانسان الميت في الظلال العاصرة مصيره ، وفي التفتحات المترنحة
لسنوات سهاده الطويلة والمعلقة فوق صارية فجيعته ؟ يطلق الصمت المنتفخ لمجاذيفنا في
تقهقرنا والاطاحة بقناديلنا وبأحلامنا الطحلبية .
الرعشة السوداء على الوجود وقبورنا المدعومة بثياب أعيادنا المتفرعة .


12


ننسى دائماً في استنفادنا لوسائل الرصد الكثيرة . حراسة العناقيد اللامتناهية لأشجار محنتنا
وننسى أيضاً الشواطىء المهدمة لبيزنطة الضريح ، والجروح التي خيّمت في فراديسها .
في مصاهراتنا للّحظات المحمومة لتفتح سنبلة بعثنا ، وفي الانزياحات المترجرجة لقبورنا
المختومة في الرماد القرمزي للفناء . نفرك ظلمة هزائمنا ونذريها أمام أصنام آلهتنا المرتعشة
في النسيم المحترس للتجديفات والانزلاقات الرخوة لتنهداتنا وتذوقاتنا لثمار صلواتنا الملفوفة
بالخيبات والاستلابات الدائمة في التعهدات الصائتة والتي لا تُنفذ في الساعات الطقوسية لمجيء
البروق المعذبة لذهب زوالنا وتويجاته المتفحمة في الأنهار التي تتلاشى في كل آنٍ .




13


يبعثر ندى الأشجار في المساء ، الأسيجة العالية لأضرحة موتانا
وخطاطيف ممالك الشواطىء تعلق أقنعة حظوظها وأسلحتها في السقوف
المنطفئة لينابيعنا . عهودنا الموزونة مع آلهتنا . دمرّت الرياح
نضارتها في الهبوب المدويّ للروائح العطنة لقرابين تحالفاتنا المتقلبة
ما بين الصيف وما بين القرميد الأسود لموتنا الأكثر انزلاقاً من ضوء
سنبلة . لا وعد ولا ميراث لنا إلاّ الحنوّ الدائم على بذرة تطوافاتنا
التي نحضنها احتضاننا لقرنفلة القانون في التعجبات المشؤومة لحلمنا
المنعطف في الظلمة الوثيرة للزمان وتماثيل فيروزه الضخمة .
يسطعُ ضوء الصخر في شفاهنا ، والذين نحبهم هلكوا ، وبرق الوحشة
يتعرجُ ويتفرع ويوسع لحيواتنا تفاهاتها .
المواثيق التي عقدناها في الماضي مع الأنهار . ينبغي الآن أن نحلّها كلها .
ثمار أعيادنا وقناديل فجرنا عطشى ، وجذورنا تمددت في صلابة الرماد .
هل لنا أن نصعد الذروات المحروسة لأحلامنا بثيابنا التي حفرتها مخالب السنوات ؟
نحرثُ في أرض محنتنا حقول الفحم المستنفدة ، من أجل العطور الميمونة للحظة
التلاشي . من أجل الصمغ الذي يهدم روابطنا مع الينابيع المفتوحة على اللذة
وحصانتها . يتنفسُ سهر الحجارة على الشواطىء المغمورة بنسيم صرخة الانسان
وتسحب العاصفة حظوتها ، وهي حظوة بجعاتنا المرصودات في العطية الكبيرة
للفضل الإلهي ، ومصائر قرابينا المقيّدة الى النعمة العظيمة وغليان اعتدالاتها .
تدل العقيق الأزرق للموت على حمحماتنا في ليل محنتنا . يكبلنا الأزل ويكبلنا
الأبد ، وفي المستنقعات الغريبة التي تضيّق عليها العصور . نترك الشعلة العملاقة
للروح على الحافة المتصدعة ، وتفنى الكينونة في التحالفات التراتبية للحظة العدم
المترصعة باضمحلال الأشياء . لاشيء يبقى لنا إلاّ صمت الظهيرة المتأرجح على
عذوبة سهادنا العتيق في الحديقة الفيحاء ، ونحول اللبلابة المتخفية والمغردة في
أرض خريف العالم .


14


نرفعُ الى حرير أردافكِ المتمايلة والعارية في الصيف القائظ لرغباتنا . التضوعات اللافحة للعطش
وأسلحة التعظيمات ، وفي جلوسنا الطويل للتعزية في ليل الفناء الذي يوسع الاسطبلات ووميض هاويتها ،
بانتظار القناديل المذنبة للعشاق الذين سيعودون من الحرب . حرب الحياة وضرائبها . تجللّنا النعمة الإلهية
لضياء حدائقكِ على الملح الفلفلي لعهودنا مع ابوة البحر ومناقير طيوره اللامعة على الحجارة الضخمة السوداء لموتنا .
تراب شجرة موتكِ التي يحنو على عطشها الزمان ، وفيروز عباد شمسنا الساهر في نسيم الرعشة الأخيرة لأجنحة
المعدن على الشطآن . هما ما يخففان الترنحات الدائمة لقرابينا المحترقة .


15


في صرخة يوثقها القلق الثقيل . أهبط وأقرّب وجهي الى دخان المتاهات في الأحلام ،
وفي التمزقات المسهدة لحيرتي ولعثمتي أمام الأوراق المبعثرة لأشجار الورد . تصقل
الهاوية ، المرآة السوداء لموتي ، ويفرّ من بين يدي المصباح الموصل الى الغفران العظيم
للآلهة . دغل يشق الهياكل العظمية لأرض طفولتي ، ويحجب عنّي الرؤيا في إيكات الماضي
وتصدعاتها العميقة . عبّاد شمس موتي وظلاله الشديدة التي تتموج مثل حمم البركان . يوّسع
لي الدروب ويقرّب اشراقة العلامة النحيلة لفنائي . التناظرات السريعة للطقس ، تحول ضرباتها
صوب أسراري وتقوّي ايماني في الضغائن الحارة ضد الحراشف المنقبضة للموت .



16


يكتب لي جاري الميت من باريس أشياء تجعلني أشعر بضرورة الحصول على كمّادات .
رسائله التي بالكاد أفك الغازها تبدو لي عميقة وتساعدني على تخطي هذه الجماجم التي
أتعثر فيها في كل حين وأنا أذهب الى مكان العمل . آهٍ ، كم هي جميلة رسائل الموتى .
ما ينبغي الاعتقاد فيه الآن هو العلاج الكيميائي للامعقول في مدينة العين الصامتة
جرّب . سيبه . دياربكر . باريس . بغداد . فاطمة . ماري . سرجولة الخ الخ الخ .
وما يشبع نهمنا الآن هي البروتينات الزرقاء للبرونز في فجر الصيف ومصابيحه .
شيف . شيفا . تفقد النحلة بكارتها في فيء موانىء الكاوا وال إم إم . قوس قزح تيار
بحرنا في المضاجعات التي نتوق فيها الى الموت . يشبه كلمة صينية من دون كوخ .
بيرانيك . لا لا لا جاراني يسكن في الأندلس ويمضي الشتاء في دينغ دينغ شي شي .
قاده . قاده جناحو الى معبد بوذي حيث تشرق الشمس في حامت . حامت خشخاشة .
جاري رجل مصري ميت ويرفع سلة خبزه فوق رأسه الذي له أغصان تشبه ريش الديك .
يقول لقطته التي تتسلق الحافة الحادة للعالم من أجل الامساك بطائر من طيور طروادة
{ عسلكِ زمنكِ ، لكنكِ لا تعرفين لذة تذوق الطعام في الفردوس } . جار ميري . جار ميري
بي يمليكا . بي تدعيمة . بر بر بر بر مايانا ويغلط في حساب الأرقام . ويسهر في
الترنحات الطويلة للضحك . تو . ذابت الايروتيكا في المركبة الفضائية . تو . أعانني على
سرقة نقود الأسماك . جار زلي . جار زلي . نام وأوصد أبواب مدينة الساعة في قبره المنطادي .



17


تعبرُ طيور سويدية الخرائب المتصدعة في قفار حياتي ، وتسلبني الاغماضة الخضراء لموتي .
الريش الصافي الذي له رائحة شبيهة برائحة اليرقات ، وحمرّة خزّانات المناقير ،
والأغصان المقطوعة والمصغية الى أزيز الرياح في المستنقعات . تحفزني على نسيان
المرأة التي أحببتها وأصبحت الآن هرمة لادمانها الوقوف في نوافذ الأفكار الدينية .
أيّة التماعة واهنة تبرز صورتها أمامي في هذه الهجرات التي لا تنقطع ؟
كل ذكرى حبّ . طعم أغصان شجرة تشعر بالاشمئزاز من ايماننا الذي يدنّس زمنها .
عسل السأم يضغط على صخرة أغنيتي ، وظلال الحبّ البعيدة تستريح تحت الذرّات
الممتلئة لذكرى الذين أحببناهم في أرض الماضي .
ينبغي أن نقيم قدّاس صلواتنا للنحلة بين أشجار النيزك في الصيف ،
حتى تظهر لنا ودائع انخطافاتنا ونزفها .



18


أسماك نهر شجرة غرامنا ، تجرجر سلاسل عبوديتها في الترددات
المتعاقبة لصدى المجازر القديمة للعناق ، وأعيادنا تنفتح على الهذيانات
الغرامية للصخرة . رقبة الصباح هذا اليوم متورمة ، وفي وهاد ضجرنا
يستطيل القراص ويلتهب مع حجارة الطيور المعرّضة لحنق الشواطىء .
في ضوضاء نفاية القبلة وفي مسالخ المدن . تحدق الدموع في وجوه القتلى .
كواكب الجنس المصبوغة بلون الاقحوان . تتحسّر على أصيافنا المعطرة
بأسلحة لها أثداء مأتمية ومربعة . مشاعل في الأمواج الانسانية ، تضيء
رعشات الصنوبر في مسرح الأعضاء التناسلية ، حيث تتقيح مخازي النهار .
في العيد التاسع لميلاد ابنة شجرة الغرام . في عرسها الذي انتظرناه طويلاً .
اصطفت معنا طوابير شديدة من ثياب الغبار لتحية سحالي
النساء اللاتي أحببناهن ، ونسيناهن نائمات فوق أغصان العالم .
وعودنا ، عظامنا المسلحة والمتأهبة لدخول بويضة الفردوس .
المصباح غنيمة العرس ، والنبع يدفع الضرائب الى الغريق
والى الغرق . يدحرج الماعز الفضائي الفاكهة ويستلم رسالة البلعوم .
الرسالة انصات طويل لحروب قمح ساكنة في بلاد اللحظة .
كنّا نحمل عظام قبيلة من طيور الحياكة ، وكان النسيم ينزل
من قوارب حواجبنا وبطانيات زمننا الملحية . نعود من الحرب
وفي شعير أسرارنا ، ثمرة حياة نصف مقضومة . رئة صليب
الغرام مملوءة بريش صلوات العاشق ، والأمل لا يظهر ولا
يختفي في التصدّعات المعمارية لشموع الالوهة العاشقة في الفراغ .


19


قادماً من ليل أكواخ منزلقة على نجوم البريد ، تخدعني ذئاب الهيرويين
وموتى المصابيح . رزمة مال عديمة الاضاءة تتخفى قرب نهر سياط ،
بانتظار أنظار تخرج من بين النشوات الخفية . الهزّات المختنقة للهفتي
للغنى وأنا أجفف اضطرابي تحت شمس الساعة الجاحظة . هي نفسها
هزّات اللص حول حجارة خذلانه وحول سرداب ملابسه الداخلية .
اللامبالاة العذبة في قنص رحلة ضامرة الى بلد مجهول تغذيه جُمل الأحلام
والأمراض . تحتّم علينا أن نقص شَعر رؤوس الأبواب ، حتى تعلو الأصوات
الرطبة للنايات . النهايات الغامضة لحيوات سناجب البنوك ، والميتات
الصيفية للمعادن في بحيرات العيون الشرسة . هي أفكار اللص الحرّة في سعيه
الدائم للحاق بصفارات ملائكة مكائن النوم . في مدينة فك حبيبتي ، يقلّب رعاة
العذاب الجليد ، والمحرّمات التي ترصّع أشجار ليمون السنة . اللص لقلق الحظ .


20


ذا مساء ، في صيف قاهر يلمع شريان رقبته مثل صهريج مبخرة عبر حقول
رياضيات . نهضت واستطالت امكانيات رغباتنا ، وهدمت القلاع وسقالات منازل
الاعصار . مسدس زمن تخترق صمّاماته الأحشاء الضخمة للحجارة ، ويطبق على
حلم الجسور . في الصواري الحمر لقبائل مراكب الليل . يؤمم زعيم نباتات الفطر
الشيوعي الأعشاب والممالح ولحى ثعالب مستشفى الأمراض التاريخية . أمير شعب
التنهدات المنغولي يوزع التوابيت والبهارات بالمجّان على النساء في نيويورك . يلزمنا
الآن الحصول على ريش طيور القطرس لادامة مكوثنا في ليل الأفاعي . رجال
المدفعية اللقالق يطلقون قذائفهم صوب تلال أكاذيبنا ، ويحرضون الموتى على نصب
المشانق لنا . تقرّب المدافع السفر وتضفي الروعة على أيام الفراق . أبجدية لغة القذيفة
تتكون من 37 حرف خوخ . ارادة ساخطة توصد الممرّ المعتم لمراحيض الآلهة . تترك
أعشاش نداماتنا في مدينة { ب } جاذبيتها على الأدمغة المغامرة لضباط توافقاتنا
ومحرقاتها الباردة في أعقاب كل صاعقة .


21


صف بطاريق طويل يبني أعشاشه في ليل شواطىء جبيني ، والمياه النحيلة تعبر بصمت
من تحت جسر { الشهداء } . كم من الجحيمات تلزمني للتخلص من صرير الذكريات المنحوتة
في سهري وفي جروح حياتي ؟ لا نافذة تضيء لانقاذي من هذه الطيور وصخبها الوحشي ولا
لهب يزيح الصخرة الثقيلة عن طريقي . حياتي مأسورة في تصدعات وخسارات كبيرة ،
وينحرف صوبها الغرق في السرّ ، وفي تحطم القوارب في البرونز البرّاق لانفجار الكلمة . سنوات طويلة
أربّي الألم في كل خريف ، وحصادي الصمت في الشقوق الملساء للكلمة . يرحل الصيف ،
وتنطفىء القناديل ، وصرخات طيور البطريق لا تفارق أنفاسي ، ولا الشواطىء المظلمة لجبيني وأخاديده .


22


يتسلل أريج الخزامى من ينابيع قبركِ الى الطرق الصخرية المتهدمة لحياتي ، وأراكِ في الليل
تطيرين وسط القناديل اللامرئية فراشة جريحة . بعدكِ لا الطبيعة حيّة ولا النار في قمم المدينة .
لا حلم لي الآن ، ولا جسر يوصلني الى حيث ترقدين مع أشباح القرون الوسطى . نامي واحفظي
الجرح . كل سرّ يومض بجرحه . لا فكرة تطبق على الجذع المتصدع لنومي ، ولا امكانية لي للطيران في
ايماءاتكِ التي يدعمها الاحتراس ، وتصونها شفافية اليقظة المستريبة .


23


لفّافة الحشيش الافغاني الثقيلة
موسيقى هايدن
النزهة المسائية المعتادة في { بحيرة الطيور } .
أيهما تختار ؟
في بخار العزلة ندبة كبيرة تخفي المفتاح وأوراق النسيم .
أيّة سعادة نصاهرها في لحظاتنا الرمادية ؟
في الصمت
نعبركِ بلا اعياء يا هاوية القربان ، وندس حشرجات
أيامنا بين الطيّات الجحيمية للقشعريرة وتنملاتها القهّارة .


24


أولئك الذين يترنحون في التوهجات المحتضرة لأشجار كستناء عشقهم
وأولئك الذين يصعب عليهم النوم في التقلبات المترجرجة لدهاليز حاضرهم .
ينبغي أن نلتزم الصمت أمام نحولهم المنزلق على التعفنات الكبيرة للطبيعة .
سنوات يحياها الانسان في ضفائر ذاكرته وخرطومها الشبيه بمعبد هندي
بانتظار أن تمدّ شجرة النسيان عنقها ، أو تغلق القوارب نوافذها أمام حشرات
زنا المحارم . رجال حزانى يضعون قنابل فوق جغرافيات جزر طهرهم ،
ويستبدلون مصابيحهم بقناديل بحر لا نبض فيها . احساساتهم بندمهم في
الفجوات الساخنة لتألماتهم ، تحرضهم على تأنيب أنفسهم ، ويشعلون قرون
ثيران كفايتهم في البراري لمجيء أمطار الصيف . انحرافات عظيمة في
رقبة الشمس التي يحفظها النمو العشوائي للفراديس على شواطىء طواحيننا
المتهدمة . مجاعة أزهار تدعونا لاسقاط فروضنا الجنسية المنقسمة .
الجسد وصفصافة عهره
جسد كائن الظلمة
س : من 1 الى 10
ج : من 10 الى 30
ن : من 30 الى الهاوية
وكما البحر المغربل أسماك أحلامنا وأبوابها التي تخترقها الرياح والعويل
نفتح أجنحة رغباتنا ونندفع صوب السراب العطري للنكبات .
عذوبة عودات تتكلل برؤية انعكاسات شدّونا بين المخالب الحاّة لهذياناتنا
في الأنفاق . في تلعثماتنا أمام التهجئة الخاطئة لمشاعل الثمرة . ننزلق في
السقطة القوّية لحجارة الفجر ، وتعبرنا اشعاعات الغبطة وفصاحتها المعتصمة
بضفاف يأسنا وظلال قبورنا المتوهجة .



25


يقوّض الانسان في صيف المصابيح أغصان ايمانه ،
ويرمي أصوات غفران وقناديل فراشات الآلهة الى الجحيم .
كل الظلال الإلهية المسهّدة الآن هجرت بلاد النهرين ، والردهات مظلمة
في مستشفياتها والمعابد . لهب السكاكين السود – تماسيح جرائم الدين .
يدنس النافورات والمعانقات المهفهفة للنساء .
لماذا يتحرك قبر الصلاة الحانقة ويهزّ ندى الأغصان الطائرة في ليل آلامنا ؟
لماذا تمتلىء نجوم الفرات الطبية بمعاصم النوارس الممتلئة ؟
فجر اللمسات الانسانية المنقوشة في اخوة الشجرة .
يحجبه تنكر ديناصورات تفخيخ الجوامع والسيارات . هل تجمّدت ايماناتهم في
التجويفات المتدرجة لحمّى التدميرات الشيطانية ؟ .
التشنجات الفظة لغرائزهم وشهواتها المهيّجة للعيش في شرك الرطوبة .
أغلقت علينا الأبواب وأسلاك الجريمة . انسان ملمس النفاية الذي يبغض ويشقّق
حرير انسانيته . انسان جراثيم الانتحار وعلاماتها الممتقعة .
انسان البصقات التعذيبية للكراهيات .
لا حمام الآن يطير فوق غيوم آلهته وأفياء صلواته المتصلبة والمتحالفة مع الرماد .
ولا عصافير تزقزق في فرو أنهار لياليه .
لا شرارة عقل . لا رصعة حلم . لا التماعة أغنية تطلقها فضة السنبلة ،
والمياه فرّت بأشجارها الجريحة الى صحراء السهاد . سخام ليل المذابح في الرئات
وعلى الرؤوس المثقلة بالتنهدات . في التنفسات الرخوة للنهار وفي النار الباردة للقبلة .
أصوات نيران التاريخ المرتعشة أسمعها الآن في احتضار
يمامة { الرشيد } وأصغي الى تشنجاتها المتفككة . أصوات أكثر شجاعة من ترانيم
زمننا التي تتجنح وتطير في اللانظام . زمننا وصيرورته . ظلمة أعشاب تقضمها
أسلحة اندحاراتنا المنكسرة ما بين فجوات الوردة والجمجمة . وصخور جداول أحلامنا
التي تدفقت في فحم اشمئزازنا وخوفنا عبر العصور . تنتصب الآن مطمورة تحت ثقل
ملوحة موتنا والذوبان الدائم لتخديراته المتصدعة . الستائر العالية لحيواتنا تهبط مسرعة
ومديحنا لشقائنا في حقول الانهدامات ، لا نستطيع أن نثبته في صفاء الدمعة المحترقة .
حاضر شرس تخترقه الظلمة المدوّخة والمحمومة ، ونحن مثل رنّة سقوط
الثمرة . نترنح في صمت تفجعاتنا ونسهر في برد اثمنا وثلوجه المرتعشة .
التهشمات الطافية لساعاتنا في العناقيد المهتزّة للظلال ، ومخالب طيور اهتزازاتنا
التي تومض مثل ثعلب الهلال في أعالي فضة ضغائننا . هي التمزقات المصطفة
لنذورنا في وميض المتاهات وجزرها الطحلبية التي تتهشم ويخفيها الاعصار
في الليالي المتحجرة لحاضرنا المتكىء على الأريج العفن للهاوية .



26


لا مجد للروح إلاّ في عذوبة الملح وعصّابات عسله الوارفة
ولا تفتح للبذرة إلاّ في انعكاسات وشم موتنا .
النجوم الآن رطبة في أرصفة قبورنا ، ولا ريش يدثر زيت قناديلنا .
الايماءات المظلمة لغّسالات الأمراض لن تتوقف عن تجهماتها المجوّفة
ضد أزيز فروج فتياتنا . لماذا تختنق أصواتنا المرتابة المنغرزة
والمرمية في الغدد المتورمة لأحلامنا السود ؟ أيائل لحظاتنا تتمرغ في
تراب سجن صرخاتنا المتوسلة ، ومعادن تيقظاتنا تسقط في مراكب
أقنعة الذكرى المستفهمة لحروبنا تحت السقوف المدخنة في التهديمات .
صدع كبير في وادي الشمعة التي تعيش زمنها ما بين عفونة الحلم
والنجوم الأسيرة . لون عطر تنخره الدويبات اللامرئية لدوّامات مجابهاتنا
للسهاد . معابر ابتسامة مضطربة ولا تنصت لالتماساتنا الكثيرة .
ليل كتابة تتهدم في عجزها عن الافصاح ، وجفاف نعمة تغطي أورادها
صلاة جثث محترقة في المحركات المضيّق عليها وسط اللآلىء الخافتة .



27


ممضياً نهاية حياتي في صمت يشبه ليل المشنقة
أحاول النوم برغبة شديدة ، لكن الرنّات المتقطعة
لجروح الماضي . تصعد وتهبط في كل حين
وتحرمني الانصات الى أدوات التعذيب التي ألفتها
دائماً . شجرة تين حياتي المفتوحة على الأبواب
الخضر لصيف الأبدية ، وجرحها الذي حصدته
البراكين في ليل شبابي ، ومرايا ثمارها العقربية
لامست بروق موتي وأصابتني بالدوار .
لحظة بلا حراك تؤدي الى البيت الذي يفصلني
عن النبع والنجمة العتيقة .
شعوري الدائم بالفقدان يسهل لي أن أنسى أشياء
كثيرة ، يمنحها البعض أهمية عظمى .
هل تولد من رغبتي المقوّضة سنبلة فجر تنغلق
على المرايا المتمايلة لأسرار الطبيعة ؟
لماذا يعفّر رماد الحبّ وجهي ما بين الذكرى
والرغبة التي تجتثها الظلمة الضارية للخسارة ؟
لا تكتمل لحظة العلامات المرجوة في تقدم وانعطافة
صيف السرّ الأزرق للروح الانساني ، ولا في حلم
الطائر على شجرة الرمّان الساهدة في البستان .



28


هناك لحظات ترخي في نعمتها الجليلة ورود الصيف نغماتها على ظلال موتنا
وهناك لحظات لا مياه ولا نسمة ولا خبز فيها .
لحظات مظلمة ، اخطبوطية ومتعالية .
في الظهيرة السوداء للعوالم الخارجية . يغوص الكلام في
الترنيمة المسطحة للتحركات المرنة لدفء الطفولة ، ويومض
الهلال بأظافره على السلة المترهبة لضفة صلواتنا وأغصانها
الهيفاء . لانارة لحظة قصيرة في كهف العالم . تلزمنا شحنات
كبيرة من الارتواء في الينابيع المتنفسة والتي تحرس الاعصار
والصاعقة . الحاضر سيف يثلم القنديل النحيل لفجر مصائرنا ويسدل
الأنياب على عطور وأضواء الحديقة .
جروح تألقات اليقظة ، والصفاء الخشن لملمسها وملح أنهارها
المعلقة ما بين أهدابنا وما بين كثافات انبعاث فراشات موتنا .
ينبوع نظرة محترسة . جملة بيضاء ترصع الحجر المثقوب للعوسج .
أغنية تنساب من أرض حائرة .



29

سنوات طويلة أمضيناها بصحبة { ايبيس } في أنهار فن التنجيم .
لم نعثر على وجه الانسان المتقوض في ضوء الشمس ، ولم
نعثر على سوسنة الرجاء المتفسخة . في الممرّ المنخفض الذي يوصلنا
الى ليل وأبواب بحر الموت . اختفت أصواتنا وتلوّت الأشجار صائتة في
الطريق . كل ما نراه الآن . صراصير تترنح في طيرانها عبر
اللهب الأسود لجهات الأرض المهتزة دائماً . لماذا لحظة الرغبة
مليئة بالاشارات التي تفصل الثمرة عن شجرتها ؟ الحشائش
الجافة التي يجمعها الانسان في الليل ويركنها قرب قفير عسل
حياته . تطيرها الريح المسوّدة والمثقلة بمعطفها عليل الأجفان .
الى أيّ حدّ نبقى نصيخ السمع الى شجرة الزوال المثقلة بالأعطيات ؟
ينبغي لنا أن نتخلص من الظلال الداكنة والمشرئبة لموتنا ، ونرمي
شفرة الصلاة في الأسرار الطنّانة للطبيعة . يحتاج الانسان الى فجر
جديد يتجادل فيه مع الملائكة حول الأدوية والأقراص التي تخفّف
الصدمة المسبقة لموته . الى متى نبقى نستعد ونرحب في العناصر
الأكثر ترويعاً في موت الانسان ؟ وحدها مصائرنا التي لم تستنطقها
تماثيل الآلهة . معلّقة من دون حصانة في أسفل الشجرة التي تصاهر الجذام .

30

حياة كلّ منّا تستمدُ بذرتها من الكلمة التي تنمو في فوضى الماوراء
ودائماً نخفي صمتنا قبل انطلاق المراكب في قناديل الفجر الصافية
ونؤجل رحلتنا الى الينبوع الضامر للحظة الانبعاث . حياة كلّ منّا ضفة
شديدة الانحدار ، لكن احساسنا تحت العوالم الخبيئة للقلق هو ما يمنحنا
بداية جديدة لطقوسنا المتحفظة في عبور اللحظات . أحلام الانسان تمرّ
كنسمة جافة في الجزر الطحلبية لليله ونهاره ، ويتدفأ موته في التهيجات
المرصعة لحصاد قمح أيامه ، وفي الرنّة المتصلبة لصرخته تحت الجذوع
العتيقة لشجرة العالم . يكتمل البرق وتنتصب في يقظتها أشرعة رغبته في
الوصول الى النيران المفتوحة على الحافة المتلألئة لشواطىء الأمل .

31

عابراً حمم بركان حياتي . أقيسُ الظلال المشنوقة للوردة في الضغائن
الشائنة للحظة موتي ، ومثل تفككات لا مرئية في الأعماق المتكتمة لجروح
الجنس البشري في ينابيع القرون . تتقدم صرختي بين المرايا التي توّسع المتاهة .
هل لي أن أشهد مآثر الصاعقة المجدولة فوق الصواري العظيمة لأحلام
الانسان النائم ما بين الموت وما بين الميلاد ؟ غاباتنا المتحجرة الآن بلا بروق
ولا صلاة ، وفي بخار تطوافاتنا يتناسل الضجر الطويل لقرابيننا المرفوعة .
كل شيء ينغلق علينا في المياه الآسنة لمرايا آمالنا .

32

خلاص الحجارة وتمائمها من الفناء ، خلاصنا نحن وخلاص العشبة المستجيبة
لنداءاتنا تحت القلاع الضخمة للخوف وأناشيده المحرّمة . هل ينبغي لنا
أن نحضر التاريخ في الانفصالات التي نغريها بالقدوم لصعود الديمومة ،
من أجل أن لا تفلت منّا اللحظة الأخيرة المطبقة على الانسان الميت ؟ كيف يتسنى
لنا أن نتسلل بهدوء من الأفق المعتم للعالم ، صوب أفق آخر أكثر رحمة ورحابة ؟
حيوات تنفست هواء الأرض بالمليارات وغابت . خطّافات مصوّتات .
ديناصورات وحيوانات ثعبانية مالت فيها الرياح العظمى للفناء صوب الهاوية .
كل شيء ينتهي الى حجر وصاعقة . حيوات أخرى قادمة تنتظر عند الجدار
الصريح للصلب . هذه المنظومات التي يسير في فوضى شرائعها العالم . اهانة
لوجود الانسان . ينبغي أن نسقط رهاناتنا الصدئة في بئر النجمة الكبيرة ، ونحيا
في فراديس الأحلام والسطوعات الأثيرية للفكر .

33

ندفعُ في كل آنٍ مجاذيفنا صوب التدميرات التراجيدية للشيخوخة ، وتتحطم بين
رمال تنفساتنا قناديل الزمان . هل لنا أن نصالح ما بين موتنا وما بين الصخرة
التي تشعشع في مجدها وغبطتها السرمدية على الشواطىء المتكشفة للطبيعة ؟
طائر الطيطوى بشير الكارثة العظيمة وشاهد اللحظة المنحنية على الهاوية .
يصرخ تحت ثقل الرياح الثلجية اللاتطاق فوق رماد مصائرنا وينذرنا : { لا ثمرة
شهاب تباغت ليلنا في الماضي والحاضر والمستقبل ،
ولا ميراث عيد ينوّر شفاهنا المتورمة في انفتاح الرماد على الأغنية المختنقة ،
ولا صلاة تترك ملحها على الرغيف المتعفف لصيفنا قليل الحمولة ، ولا الأنهار
تصبّ في التسليات المتغضنة للحظتنا الراهنة } . علامة بلا شكل تتلمس بانتظام كل
ماهو حيّ في أصواتنا ، وتغرقنا في العتمة اللامتناهية للفناء .

34

يخاطبُ النفرّي ويتضرع في نار محبته المريضة ، الى فكرة اخترعتها الشعوب
السامية ، من أجل خلاصه المرتجى . هل نحتاج نحنُ الجراد المريض في السل
الى ايمانات وشعائر وأساطير ، أم نحتاج الى الاخوة والحب والجنس والطعام
والموسيقى والأحلام والمعرفة ؟
اخترعنا في حيرتنا وضعفنا ولعثمتنا الفادي ، واخترعنا الهادي .
لا الفادي نوّرت في ليل العالم أضاحيه ، ولا أينعت وردة الرجاء
ولا الهادي رست سفينة نجاته في مرافئنا التي زلزلتها الأعاصير .
حقيقة . حقيقة واحدة يجب أن نتقرّب من مصاهرتنا ونتقبلها بمحبة عظيمة .
ما نحن إلاّ حشرات زاحفة تتماثل مع كل المخلوقات في الطبيعة ،
والأجمل والأكثر قداسة منّا ، هي الرخويات ، والطنّانات في خلاياها المستلقية
على العطر اللازوردي للنذور والأشجار الصاعقية للحياة .

35

أيها الموت يا خليلي
يا خليلي الذي يكّسر مصابيح وغُصينات حياتي
ويقرع للعدم ندى أجراسي
ويسهر بثقله الجبّار على الأريج الزعفراني لرغباتي وآمالي .
منكَ لا شفيت من ألمي العضال
ولا دوّيداتكَ الذئبية التي ستجيء
تحنوّ على فضة جثماني وخزامى أنفاسي .

36

يأملُ الانسان بطول البقاء ، والبقاء الطويل في العفن الدائم للعمر مسخرة .
ما يثير الريبة عندي ، هو هذا السعي المحموم للبشر في
الحرص المريض على التشبث بتفاهات الواقع اليومي للحياة .
الاستمرار في الحلم اللازوردي للعيش ، يفطمنا من الطحلب
العتيق للقوقعة المروّضة للأيام والليالي .
انظر الى أولئك العجائز في الدروب ، وعلى المصاطب المنتشرة
في الحدائق والميادين . انهم لا يعيشون لحظات حيواتهم المطفأة بأمان .
لا قناديل ربيع تنيرُ طرقاتهم ولا أمل لهم في الحصول على عطية أوغنيمة ما .
المرض والعته والجنون ، هو كل ما يجعل أحلامهم الشيطانية مستيقظة
في انتظار الشرارة الباردة للبقاء .
لا أحد منهم يستعدُ للموت بشرف من أجل اللحظة الشفيفة للرحيل بشجاعة
عن خواء وقبح العالم ، ولا أحد منهم يعبرُ في ابتهالاته المسائية ، الصخرة
المتكسرة للهندسة المحُكمة لقبره الجميل .
كل شيء في الحياة ينبضُ باضمحلالنا وضمور رغباتنا التي تتآكلُ في كل حين .
ولا أملُ لنا إلاّ بالاندفاع صوب البركان للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها .


37


كم يلزمني من الوقت للتخلص من الأشياء التي تهدد حياتي ؟
لا يقين عندي ولا أحلام ، ولا آمل في أيام جديدة أكثر لطفاً
من حاضري الذي يسيجه الشظف والمعصية واللعنات .
عبرتُ في شبابي حقول ألغام كثيرة ، وعشتُ حياتي كلها في قلب الفوضى
وامتدت يدي الى ثمار أشجار غاطسة في الأعماق الخطرة لنهر المسيسيبي .
أريدُ الآن أن أزيل عن عينيّ هذه العلامات الأكثر حموضة من عطر الصلاة .
وعلى الرغم من انني الآن أعيش حياتي بصلابة المحارب
لكنني أشعر أن آلاف الصخور قد سقطت فوق رأسي
وتصدعت طرقي ، وحجارة ماضيّ المنتصبة تحت الشموس المتماثلة .
هل لي أن أنجو بكينونتي من هذا اللاأمان المخزي والخدّاع المعلق في
أغصان نومي الضئيل ؟
أود الآن أن أخرج من هذا الكوكب الشائخ وأقذف نفسي في اللاشيء
وأصل الى الأعماق المتغطرسة لظلال اللاوجود .
هل أنا ظل للثمرة المتعفنة لحركة التاريخ ؟

صاعقة . صاعقة أكثر رحمة من الشمس العليلة لحياتي المؤرقة .

38

أريدُ أن أبدل زوجتي العزيزة بفتاة أجملُ منها طقساً
وأكثر ربيعاً ، لكنني أعاني من مشاكل كثيرة في تقلبات
عاطفتي وفي العادات .
في الجميلة الصغيرة والشقراء ، بعد أن جرّبتها مرات عديدة
اكتشفتُ ما كنتُ أبحث عنه منذ سنوات ،
النجوم الخضر لسرتها الإلهية في سماء السرير
وحرير جسدها اللمّاع مثل الخوخ
ولهاثها العنيف وتنفساتها النووية
ونفخها الوحشي للنيران في الأعماق الخطرة للرغبة ،
وفي زوجتي ، تكمنُ أولى مصائبي ، في خوفي من فقدانها و تعوّدي عليها
وعلى مناكداتها المستمرة .
بعد أن غاصت في نسيم النوم ليلة البارحة الى العنق وراحت
تشخرُ مثل الخنزير . انسللتُ من تحت هاوية الغطاء وذهبت ُ
الى المطبخ كاللص . أغلقتُ ليل الباب وشربتُ الكثير
من كواكب البيرة الثقيلة وهجمتُ على الثلاجة وأكلتُ قناديل الرز
ونصف دجاجة مشوية . هي تمنعني دائماً من تناول الطعام
بعد الساعة التاسعة مساء حتى لا يظهر لي كرش كبير .
لكن صخور الطعام التي هوت في جوفي ، والبيرة الثقيلة 7 فوليم جعلاني
أشعر بالتخمة ولم أستطع الاخلاد الى النوم .
كنتُ أفكر في ماضي حياتي ولمع في ذهني نشيج
قصيدة . ما أن بدأت كتابة السطر الأول منها ، حتى جاءت مكفهرة
مثل سماء الافلاس
تطلبُ مني العودة الى صخور النوم
أعرفُ لماذا تريدني أن أنام
لكنني لا أستطيع أن اضطجع الى جانبها وأنا متخم وسكران .
غداً ستسافر مع مجموعة من السياح الى فيتنام لمدة اسبوعين .
أحاولُ بعد أن جاهدتُ وأشبعتها مكرهاً ، أن أدّخر بقايا طاقتي الى الجميلة الصغيرة .
يا إلهي
اللعنة على وشيعة أيام حياتي التي احترقت في ظلام العراق .




39

يزيدني المنفى في كل يوم جمالاً وغرابة .
ويموت العواء خارج نوافذ حياتي
وفي كل حين ، يزيدني التقدم في السن القدرة على
نسيان الأشياء الثمينة المسروقة مني .
في طفولتي وشبابي عانيتُ من قبح شكلي وهزالي
وفي جحيم الحروب كنتُ أشبه الجنود الذين خدمتُ معهم
في الخنادق والثكنات .
في شمس { مالمو } اللازوردية . ثالث مدن السويد حيث أعيش منذ 10
سنوات . تقطنُ أجناس من البشر من 165 دولة . لا صعلوك أشعث فيهم
ولا شاعر بوهيمي يشبهني . الآن بعد أن أطلتُ شعر رأسي
بسبب العقوبات العسكرية الدائمة التي مورست ضدي في سنوات الحرب
والأطعمة والأشربة التي تأتي من كل دول العالم ،
وأنواع العطور و الشامبو ، والمراهم المغذية للجسد والبشرة والاستحمام
اليومي أكثر من مرة في البانيو .
تغيرت صورتي
وتغير شكلي.
قبل أيام كنتُ قد نثرتُ شَعري بعد أن صبغتهُ ودهنتهُ على الطريقة
الأمريكية اللاتينية وارتديت تي شيرت فيه كتابات لا أفهمها .
صعدتُ فضاء الباص أريد الشراب بحانة في وسط المدينة .
رآني شخصان عراقيان يبدو انهما قدما حديثاً الى هنا ولم
يحصلا على الاقامة الدائمة بعد .
استفزهما شكلي وملابسي وشعري النكَرو الطويل والبيرية .
- لَك هسه هذا القواد مو تقوم له بالقندرة هو وبيريته ؟
- لَك إي بشرفي .
ما أن تخطيتهما بمقعدين حتى رأيتُ زوجة صديق جالسة
فألقيتُ عيها التحية وسألتني عن الحال وتحليق طائر السنونو الى الأعشاش القديمة .
العراقيان اللذان استفزهما شكلي وشَعري وحَسَباني من بلاد غريبة
نزلا بسرعة من الباص والأول يقول الى الثاني :
- لك انزل . انزل هذا عراقي وليس من أمريكا اللاتينية .
نزلا من الباص واختفيا بسرعة .
متُّ من الحزن
ومتُّ من الفرح .
كان بودي التعرف اليهما ودعوتهما الى ضحى حانة أو الى البيت .

يزيدني المنفى جمالاً وغرابة في كل يوم
وتزيدني حياتي في العراق أسىً ولوعة .


40


أعيشُ منذ اسبوع وحدي مع أنقاض ماضيّ بالبيت . زجاجات المارتيني التي نفدت
جعلت الحطامات في وجهي أشبه بالهزّات الارتدادية .
أيام وأشجار حياتي غطست في شعائر ليلي قبل أن يكتمل
صعودها . الآن – أنا رجل وحيد ، حزين ومحطم
البحث عن بذرة ما
أو الانصات الى كونشرتو كمان
يشكل لي معضلة كبيرة .
في المتاهة المتعثرة لحاضري الشائخ ، تفلت من بين يدي
أصول طفولتي ونقاوتها المادية .
وحده الجلوس عند نافذة المطبخ
والتأمل أثناء الشراب
هو ما يحميني من العودة الى عذابات ماضيّ .
أين ولّت تلك الأزمان التي عبرتُ فيها جسور الضحى
ونمتُ تحت أحجار الآلهة
ورافقتُ اليعاسيب الى عطور النجوم المضببة ؟
اللاحبيبة ترقد الآن الى جانب بعلها العجوز المريض
وفي يدها مئات الآلاف من الدولارات والشقق المؤثثة الفخمة
في برلين وبغداد وبيروت .
دعها تنعم وترفل في جمال أساطيرها
دع حياتك التعيسة تمضي
ولا تزيّفها في الانعكاسات اللامجدية للحب العاثر .


41

في الأضواء القرمزية لعدل الله في سنبلة الفجر
سمعت في الكرستال المغّيم لصلاتي
التيقظات الطفلية للاأمل
وقادتني شرارة الرحمة الإلهية النقية الى حيث نور حياتي
جثوتُ وجثت معي الأعشاب والأسرار والنجوم تحت
سماء محيط الفضل العظيم .
أعنّي يا إلهي
وامنحني لقاء المصادف الضروري والحتمي
نفد الخبز والخمر
وانسدت بوجهي الآفاق
لا غناء
لا ملح
لا رعشة ولا التفاتة .
أتعثر طوال الليل في الثلج
وما من كأس مترعة تحيي الموتى .



42

تنامُ الى جنبي الغيوم مطوقة بذهب الأيام
وفي مبادلة الأشواق
تصير كل غيمة كلمة – شمس
وفي القبض على الجوهر العصي للّحظات
تصير الغيوم زمردات أسىً تمزقه الكينونة .
هل كنتُ في الحرب ينومني المحراث الدامي للأمل ؟
سنوات طويلة انعقدت أمامي وأنا أحاول الخلاص
من الزينة المتجددة لموتي .
في بلادي التي ما غنّى فيها طائر الوقواق
ولا توّردت خدود البنات
عبرت أنهاراً عريضة الكدمات
وما ارتوت في يوم ما أشجار حياتي .


43

نصغي الى ما يوهمنا في الظلال الأنثوية لشفاعتكِ اللامكترثة
لنضوج ثمرات رغباتنا ، ونطوّع لأجفانكِ الثقيلة النسيم وشهادة
الوردة العليلة . في الانبثاقات المزدوجة للبروق المتمايلة في السماء
المحترسة . لا تسندنا شمس الآلهة ولا تنذر اصطفافاتنا شفافية
صمتكِ . أنتِ التي تقاد فراشة عشقها بحنو صوب البوابات
العظيمة للنور . يا مَن تفيض ينابيع احسانكِ على حقول الليل
والنهار ، وتنوّر الدروب والمعابر .
في انهماكنا بكتابة مديحكِ وما بين الانصات الى النبضات المطبوعة
لجمال سرتكِ ، والتوترات الحادة لرغباتنا .
نعطرّ لمجيئك الغبار الرقرقان
ونطوّع اللحظات والنجوم
والأقاصي المظلمة لمخالب الزمان .

44


تفرُّ من بين يديّ تحت سماء السويد الصافية ، الجمرة والوردة
والفضة المخططة الزرقاء
لماذا يا إلهي يسوّد الليل في هذه الأرض الوديعة ؟
أنهار نفسي مظلمة وملوثة وفي الآفاق الجنائزية للعالم ينشغلُ
الملائكة بتعداد سواد أيامي .
لا زينة الآن للرغبة إلاّ زينة الضجر
ولا عقيق نذور للظلمة إلاّ عقيق الجريمة .
البيرة هذا المساء متصلبة وترتفع جدائلها في أنفاسي المتقطعة .
لماذا ينهض دخان الحروب الآن في أرض نفسي المحفرّة والفقيرة ؟
لماذا يفترس رماد ماضيَ المتعطش لشمس وصلاة الذبيحة
الشمعة العليلة لروحي ويجرجر خيباتي ما بين الصخور والطحالب ؟
يسيلُ دويّ المدفعية في أحلامي سيلان بكائي على من أحببتهم وقتلوا في الحروب
وفي التويجات المغلقة لنسيم حياتي المنحدرة صوب التألمات الطويلة
لنحاس طفولتي المشؤومة .
تسطعُ بحزن أثير شفة السنبلة ونجمتها
الملحاحة والمبتهلة .


45


تجبرنا المدنية الحديثة أن نسحب الغوغائيات الى الأسفل
ولا نسمي الزهرة ، صخرة الرب .
البحر لا يدل الشمس على ضفافه
والشاعر الآيديولوجي الخرف لا يعين احسان اللازورد على وحدته
في زريبته المظلمة .
أشياء كثيرة تعبر في نومنا صوب النجوم
لكن ما يهمنا دائماً وسط هذه الانحرافات الاخلاقية للشعراء
هو احتفاظنا بقناديل اليعاسيب طوال الليل .
هل ينبغي التخلص من قصائدهم
التي أصبحت الآن من مطّاط وتكتبُ وفق العادة ؟


46

لا تتجلى مقدسات الطبيعة في وجهكِ الميتافيزيقي ولا يدخل
الاوكسجين طيّات قبحكِ العجائزية المكممة بالبرازات .
أمكنة كثيرة نسينا فيها فراشات الحبّ
ودفنّا أسلحة الحمام
لكن العفونات التي أدمتها تشوفات الفواكه
في ليل الابر المغروزة في طرقاتنا
وصلت الى المدينة مكللة باساطير الغيوم المصبوغة .
يصعد العشب الأزرق للحبّ في الذاكرة شديدة النقاوة
وتنطفىء الشرارة في الحملات المزدوجة للزمردة المطوقة للذكرى .
كلمات أغنيتكِ الطنّانة عن الاهتزازات العميقة للجنس
بهائم تتجول في مكتبة الديناصورات
وانحسار الماء عن وجهكِ ، حجارة صلدة .
لا أنفاسكِ تدنو من الشجرة
ولا أظفاركِ ترخي قبضتها الشيطانية عن الغاز القليل لحجارة تضرعاتنا .
هل نستطيع أن نقيس هذه التبعثرات الكثيرة للهفاتنا
وسط الابهامات العتيقة لخياناتكِ الدائمة ؟


47


حالماً في رحلة طويلة الى ايثاكا
أنهضُ وانزلق على العشب اللزج لرغباتي التي تغوص في السأم
حياتي مسمّرة هنا في طينها وصخرتها الفارغة .
ندف الثلج الكثيفة تهطل على المدينة منذ الليلة الفائتة
أود الآن أن أشرب الجن لكن الوقت مبكر
واليوم ليس يوم عطلة
ما يزيد النفس انقباضاً في هذه اللحظة الشرّيرة
هو مشاركتي زوجتي في البحث عن لوازم الخياطة .
هل تريد أن تخيّط لي كفني ؟
صوت ماريا كالاس الذي يأتي من المطبخ
ويذكرني بمأساتها
ينبأني أن كفني سيكون جاهزاً الليلة .
ليس لي الآن سوى مواصلة الحلم والسفر بعيداً
في الأقفاص المتعددة للرغبات .
رغم كل ما فعلته وما سأفعله من أجل علوّها وديمومة قناديلها
تبقى لوازم خياطتها الحاجز العالي الذي يفصلني
عن الوصول الى ايثاكا .


48

أنا آدم العتيق
فقدتُ عقيق ايماني وأزحت فكرة إلهي
أحيا الآن في غابات الاسمنت بلا أوهام أو حلم
يعينني على النوم في دغل ضفة ما .
هل كانت فكرة اختراع البشرية للآلهة نبيلة للغاية ؟
لكن أرض الآلهة محفرّة ومسخّمة مثل أرض محنتنا
لا مرح ولا فضيلة عند آلهتنا التي اخترعناها على شاكلتنا .
في الصيف الماضي
رأيت بوذا في الهند بهيكله الضعيف كأنه رجل مصاب بالسل
وفي الصين وتايلند رأيته ضخم الجثة كأنه عامل في مطعم
وفي فيتنام كانت للسيد المسيح عيون صغيرة كعيون الناس
في المصانع والأرياف .
لماذا السيد المسيح أشقر في اوروبا ؟
أنا آدم العتيق
ما أحتاجه الآن بعد أن حررتُ نفسي بفقداني ليقين ثابت .
فكرة تافهة
اشارة غامضة الى وهم يشدّني الى ميزان شيخوختي .
ترنيمة ماكرة أعمّق في ترديدها تفاهة وجودي على هذه
الأرض المليئة بالعظام النخرة .


49

هل لي من أجل نسيان ماضي حياتي المدّمى
أن أنهض من خرائب نومي المهتزة في الفجر
وأتلو نشيد ضعفي ورفعتي أمام الطوفان الجامد للحركة ؟
أيام حياتي مريرة في الليل والنهار
وأحلام يقظتي أشجار محطمة في الجحيم .

50


يوماً ما سأعودُ الى دفء الهيكل العظمي لبغداد
وأتجولُ تحت النبضات المتراصّة لساعاتها المحفرّة .
لا شمس عندي هنا ولا أشرعة
لا باب ولا سياج
ووميض حجارة الرصيف الغريبة يسخر منّي .
عيناي تتهدلان
وحياتي تتجمّدُ مثل نهر في أغنية حزينة .
أود الخلاص من هذا الجحيم والرحيل الى جحيم آخر
لكن الى أين ؟
احساسي بالشيخوخة يحتم عليّ أن أرضى بما أنا فيه
لا شيء عندي في الثلاجة
وكيس التبغ يوشك على الانتهاء
وديوني تتراكم مثل كتل الجليد .
أنا لاجىء أعيش هنا على مساعدة الضمان الاجتماعي
سوق العمل مغلق بوجهي منذ 9 سنوات
افلاسي في { مالمو } مثل ضوء الحباحب
معتاد أنا على الجوع والافلاس منذ بدء الخليقة
اليوم الذي أكتب فيه قصيدة ، تتطاير عبره الأضواء والعطور
وأولد ولادة جديدة .
هل يمكنني أن أعمل في يوم ما زبّالاً في الشوارع
أو حدائق البلدية ؟
مهنتي في جواز سفري العراقي : شاعر .


51

تنفسات الجذور في ليل قبرك الساهر تحت الأشعة البنفسجية للزمان
توقظُ النائم في برد المنفى
نسكن الآن في ضوء اسمك وشفاعتك المرجوّة
ونلعن القتلة الذين ساهموا في موتك المبكر
سلام عليك في هذه السنوات التي يُقتل فيها الشعراء
وسلام على كلمتك الصدّاحة في خراب العراق .
أتذكرك يا كزار حنتوش
يا من تحول جسدك الى كلمة
بملابسك المجعدة وفروة رأسك الشبيهة بغيمة معطرة وكريمة
ها أنا أعدّ أيامي هنا وأحلم في العودة الى قبرك
لأستمد منك القوة والرفعة وأحنو على الظلام في الطبيعة
باب الحياة موصد الآن بعدك يا رفيقي
والغابات العراقية يملأها حفيف جزمات المارينز .
عيناك الصفراوان
قمر العراق وشمسه .


52

وجهان للحياة
وجه طفل معمور باللذة والسرور
ووجه عجوز تتعثر في تخدداته أصوات الألم والأسى والفقدان .
علينا أن نخلق وننتزع الغبطات القليلة ونحياها
بعيداً عن السأم ، بكامل البهاء .
ما يهمنا في الدروب المظلمة ، ليس القناديل
بل اللحظات ونبضاتها الشفيفة في الزمان الذي يدحرج
الصخور الصلدة في ممرات نزهاتنا المتعثرة .
في بحثنا عن علامات من أجل الوصول الى أرض الأحلام
يصادفنا أولئك الحمقى الذين يطمحون الى الخلود المزعوم .
لماذا يتناسى هؤلاء في صراعهم الطويل مع الفناء
انهم نفاية تركتها الصقور في أشجار
الغابة الحارة لصيف الوجود ؟



53

دَنت نهايتي
ونهايتي في كل آنٍ دانية .
تخشى زوجتي هجراني لها والعودة الى العراق
أقولُ لها : { أعشقكِ يا امرأة معطاءة ولا أبدلكِ
بكل ذخائر ونفائس وفراديس العالم } .
ملكتني وتريد بعد موتي أن تحرق جثماني وتذرّيه
في نسيم الأنهار السويدية .
أجمل أفعالها انها تحيا يومها بذاكرة جديدة .
تستمع الى الموسيقى ليل نهار
وتشاركني وضيوفي الشراب
وتقوم برحلات الى بلدان غريبة وبعيدة
مطبخها يشعُ بأضواء البهارات المغربية والهندية والمكسيكية .
تقول لي : { أفضل افصاح لصدّ رياح
الوحشة والضجر في الحياة ، يكمن في مواصلة
الحصاد الطويل بحقول الجنس } .

عطل الذهن عن مخاريق وأشياء ما بعد الموت
نعمة عظيمة .

54


لا جليل في الطبيعة إلاّ الشرّ
ويقتل الانسان الانسان في حروب الله في كل العصور .
هل المال وحده هو المحرض الأكبر في الصراعات بالعالم ؟
لماذا يظل سيزيف يحمل صخرته من الأزل الى الأبد ؟
في بحثي المضني عن نار الله العظيمة في يقظتي وأحلامي
أتعثر بقذارات حروب وجثث السنة والشيعة
والكاثوليك والبروتستانت
والهندوس والسيخ .
في الكتب السماوية
وفي كتب الفيدا
والمساجد
والكنائس
والمعابد
والحدائق
والمشافي
والمباغي
والبنوك
نفس الصراعات . نفس الوحشية والأحقاد عند الانسان
والقتل هو ما يديم النسمة المريضة للحياة .
متى يأتي طوفانك الجديد يا إلهي ويخلص عدلك
الكريم العالم من هذه الأدناس التي تملأ دروبنا بالجثث والبشاعة الراضية ؟
لم يعد لنا الآن سوى أن نعدّ أرقام البرد السوداء بانتظار مسيرة
نارك الرحيمة في مفاتيح لهفتنا .

55

هل لصدى صوتي في الأشجار الذهبية لشواطىء غيابكِ العنيف
عمر مثل عمر الوردة ؟
شعاع شمس سنواتنا التي عشناها معاً
لا يحرّك الآن ندى الذكرى
ولا يدفىء الدموع النحيلة لنحلة الحب .
لماذا يركن الشوق اليكِ الظلمة على باب قبري ؟
تسيل موسيقى ملح شفاعتكِ دائماً في جروح حياتي المتعرية للريح
وحمامة الأمل العليلة تدحرج صخرتها في الظلام
وتختفي الرغبة الأخيرة في الفجر
تحت رمل النسيان
وفي ما وراء الأفق .

56


لا شعلة ايمان عندي ولا يقين
والصلاة الى فكرة مجهولة ، تزيدني يأساً واحتراقاً
أود أن أبكي الآن تحت هذه السماء المحترقة والمتصدعة
والخالية من الآلهة والملائكة وقطرة المطر
لكنني أعجز عن البكاء .
احساساتي جافة ومتبلدة
ونار نفسي مطفأة
وحدها الأشجار وطيور البطريق من يواسيني ويمنحني الاحسان الجليل
والوثائق التي لا تدل الموت على طرقي .
أنا الآن حرّ ، لكن حريتي ناقصة بسبب تفكيري في الثمار الناضجة في الفردوس .
أحيا في معتقل تسيجه حماقات ضعفي الانساني
وتسقط من بين يدي الثمرة .
يحتاج ضميري المضبّب بالرماد الى نار أنفاس جديدة
حتى لا تتجمّد أيام حياتي في قبضة العقائد الفاسدة .
هل بوسعي الآن أن أصلح ما افسدته في حياتي الماضية
وأن أرفع جثتي عن التابوت ؟
ألسنة لهب كثيرة في أعماقي ، يمكنها أن تقّشر روحي وجلدي
وتنوّر الممشى الضيّق لحياتي .
سأسلّم مصيري للهب الشمعة العميقة للوجود
ولا أدع الملائكة تؤرجح صيف حياتي في الظلام .

57

في ضوء الزمردة العليلة الى الذكرى
في الانصات الطويل الى موعظة العطر تحت أشجار التفّاح .
يطير نحل التهجدات في الهزّات الضخمة للّيالي الموحشة واللانهائية .
عشنا لهفة الحبّ في الماضي واكتشفنا النيران المتحفظة لشعائره .
اكتشفنا الاشارات العنيفة والضرورية لحجارة موتنا المنتصبة ما بين اللحظة واللحظة .
أشياء كثيرة يمكن تلمسها
وأشياء كثيرة يمكن تصديقها
لكننا لا يمكن أن نتلمس القناديل الجليلة لقتلاكِ
ولا أن نصدّق شواطىء الخليقة المعلقة في أهدابكِ .
أيّة زفّرة تكتمين
أيتها الوردة الطموح ؟
تنهداتك أسيرة جمالك
وحياتك معقودة في الهاوية التي يلتقي فيها
عناق الذهب والغبار .
شظايا أزمان ومصائر توارت في الشظف
وذبلت فوق أعشاب الماضي .


58

هل لنا في مدن الصقيع حركة أو أنغام ؟
لماذا تتجمد عظامنا في الطبيعة المتضادة للمنفى ؟
تنهداتنا المجنحة التي تُسمعُ طوال الليل تحت الصخور
المتصدّعة للأحلام
تنفسات زهرة لم تولد بعد .

59

بيني وبين زوجتي عادات مختلفة ترّسخها الثقافة والتقاليد
بيننا أشياء غريبة محتدمة ومحمومة.
نعانقُ روائح الفردوس وهي ترّصعنا بحممها البركانية المنسدلة
على الأغطية المسرنمة للسرير .
نتعرى من أرديتنا ونغطسُ في التشنجات المجنونة للّذة .
بعد الجنس تذهب قبلي للاغتسال وتغلق باب الحمّام بالمفتاح .
لماذا تغلق على نفسها الباب بالمفتاح ؟
ألم تكن عارية معي في السرير؟
شهور عديدة أصعد وأدخل كهوف وتلال جسدها معرى
لكنني أحرص في كل مرّة على أن لا ترى طيزي .
{ تنتظر وصولي حتى تشرع في طقس يوميٍّ وقاسٍ *
ثمة غاية وحيدة لوجودها :
أن تمارس فيَّ انتقامها }.
- لماذا تحجزين لي موعداً في نادي التدليك ؟
لا أود الذهاب الى هناك وتعرية جسدي أمام فتاة التدليك .
- اترك فظاظتك القديمة. فن التدليك كرامة عظيمة للجسد .
- لا أود الذهاب الى طبيب الأسنان يوم الثلاثاء القادم
لا أشكو من أيّ ألم.
- الظلال المنّومة لفحص الأسنان لا تعني الشكوى
من الألم . عليك الذهاب الى الطبيب لاستباق كل شيء .
ويلاه. أين ولّت سنوات الصعلكة والانفلاتات المشبعة
باللايقين واللانظام ؟
ما أقسى أن تعيش مع زوجة لا يشبه مزاجها مزاجك
ولا لغتها وثقافتها تشبه لغتك وثقافتك .
كلما طلبت مني مساعدتها في طبخ الطعام
أحضر لها ابريق الشاي بدل المقلاة
أو القِدر بدل ماكينة ثرم اللحم .
تحدثني عن أفلام مارلون براندو وموسيقى موزارت ورقصات الفلامنكو
وعن الشواطىء والرمال اللازوردية في جزيرة مايوركا
فأحدثها بعد أن فهمتُ ربع ما قالت عن الحروب التي أكلت شبابي
وحطّمت قناديل بلادي وجلوسي اليومي الطويل في
مقهى { حسن عجمي } ببغداد وانتظاري لصديق يدفع عنّي ثمن
الشاي ويعطف عليّ بوجبة طعام رخيصة
وعن جان دمو وكزار حنتوش وحسن النواب .
هذا الصباح أرسلت لي رسالة عبر تلفوني الموبايل :
- وصلتُ للتو الى بانكوك. أنا الآن متعبة جداً .
ساعات الطيران ال 14 أرهقتني . أكلت رز بارد
مع أناناس وبعض البقوليات . سأبحث الآن عن فندق وفي الغد أود
أن أذهب الى أمكنة مختلفة لأخذ الصور التذكارية وأبقى ساعة
في نادٍ للتدليك . مازالت يدي اليمنى تؤلمني بشدّة بسبب العملية .
أود السباحة في البحر لكنني لا أستطيع .
سأذهب الى حديقة التماسيح والأفيال لأشاهد العروض الخفيفة .
الطقس لطيف جداً . عناق حار .
هل نستطيع العيش براحة تامة مع أضدادنا ؟
لماذا يتوجّب عليّ أنا المدخن الشره أن أدخن في البرد
بفضاء الشرفة ؟
الى متى أظل أغافلها وأضع كمية السكر التي أريد في كوب الشاي ؟
لماذا يتوجب عليّ أن أخضع لمزاجها وأذهب معها الى الطبيبة
من أجل قص أظافر رجلي حسب الطريقة السويدية ؟
أحب القراءة دائماً في المطبخ لكنها تطلب منّي الجلوس معها
في الصالة ومشاهدة برنامج اوبرا وينفري.
أحب شرائح لحم الخنزير المشوية في العشاء لكنني لا أطيق
البطاطا واللوبيا التي تسلقها مع زيت الزيتون والبصل المقلي .
حين تسافر الى طنجة أو الى مانيلا
أعود الى فردوسي المفقود وأدعو أكثر من صديق لاحتساء
العرق التركي { هي تفضل الويسكي والنبيذ وتشرب القليل
من البيرة في أيام العطلة } ونطبخ رؤوس الخرفان
وندخن في الصالة والمطبخ ونستمع الى أغنيات سعدي الحلي
ومحمد عبد الوهاب بعيداً عن بيلي هوليداي وفرانك سيناترا وإديث بياف وموسيقى
البلوز والجاز في الستينيات والسبعينيات .

* خوستو خورخي بادرون. من قصيدة { مهنة الانتقام }

60

الشواطىء والآفاق والأحلام كبيرة وواسعة في ضوء هذا الكوكب .
ملايين المراكب
تبحر في أسرار الليل والنهار
محمّلة بالقرود والذهب والتوابل والاشارات .
نسيم أبطال لا يشيخون وفضائل عظيمة وأحلام مغامرات
مشاعل وعطور نساء يهز نورها الإلهي جبال العالم .
في منفاي بجنوب السويد وحيداً ومنبوذاً إلاّ من شعلة الذكرى
وماضي حياتي المدمّى الذي يرتعش خيط غزله الواهن في الهواء
يطلب مني حمار من دولة الامارات متخم بالمال والضجر
يحلم أحلام العصافير
ويسيل تاريخه البدوي من كلامه مثل لعاب العناكب
وكوفيته كشرشف مائدة في مطعم
أن أشوف له زوجة سويدية شقراء
أقول له بأدب جمّ : { هذا صعب يا سيدي . صعب صعب صعب
لا نساء للبيع هنا }
لكنه لا يكترث ولا يصدق ويجرح اذني في نهيقه كل ليلة
يحرمني الانصات الى تغريد النجوم
ويسلب هدوء بيتي راحة الهال
ويعكّر صفائي
ويحرضني على الانتحال
لماذا لا يصدق هذا الحمار الوحشي أنني أمضيت سنوات طويلة بالسويد
أمارس العادة السرية قبل أن أتعلم اللغة وأتخلص من البكتيريا
والجراثيم الثقافية العربية ؟
{ ينبغي أن لا نشفق على الانسان الضعيف
حتى لا نحسد السعداء } .

61

تنّور ليلي الكثير من الأمراض العراقية والعاهات
وأعتقد أن أجمل وأشرف الملوك في التاريخ هم الملوك الصعاليك .
أنهضُ من النوم وصداع الخمر يبعثر أفكاري .
أدخل المرحاض وأفكر في أولئك الذين كانوا في الماضي أصدقائي وأصبحت خياناتهم
الآن مثل خراطيم الأفيال . أولئك الذين يضربون زوجاتهم في استراليا
ونيوزلندا وايطاليا ويعيشون على الرغم من ثرائهم بالمجان
تاركين تبجحاتهم وسوريالياتهم تحت أقدام رجال الدين .
بعد الاستحمام وتنظيف الأسنان . أشرب القهوة في المطبخ وأدخن أكثر من 20
سيكارة لفّ . صوت عبد الباسط عبد الصمد { عادة قديمة من سنوات خدمتي
العسكرية الاجبارية في جبهات الحرب } يحرضني على تأمل ماضي حياتي - النفاية .
أحياناً أقرف وألوم نفسي على وضعي علامة صفر على قصيدة
لشاعر – مرحاض في التقييم الموضوع في الأسفل بموقع { الحوار المتمدن } .
أكره القصائد السخيفة التي يكتبها الشعراء الحقراء الذين يبحثون عن الشهرة
في مواقع الانترنت والجوائز البائسة .
أن تنهض من النوم في الرابعة أو الخامسة صباحاً بسبب التدمير اليومي لجهازك
العصبي بفعل الافراط في الشراب . مشكلة فظيعة تشبه رغبة شخص يطلب من
حبيبته أن تكون طائرة نفاثة .
في بغداد حين كان الزمان زمان { قنادر } بحانات { أريدو } و { الزرقاء }
و { نادي اتحاد الأدباء } وفي عمّان أيضاً . كانوا يجلسون على مقاعد الافلاس
بانتظار معجزة ما . كانت عيونهم الثعلبية ترنو إليّ ، وكنت لا أستطيع رفع كأسي
الى شفتي إلاّ بعد أن أقدم لهم الشراب ، وأحياناً أجرة التاكسيات .
هؤلاء { البعض منهم بعثيون أقحاح حصلوا على اللجوء السياسي في
دول اوروبية وامريكا وووالخ } عادوا الآن بعد سقوط نظام صنمهم الى العمل في
الحفريات البعثية . يعمل البعض منهم في قنوات تلفزيون فضائية تحرض على قتل الشعب
العراقي والبعض الآخر يعمل في صحف تمولها الدول والمنظمات النازية العربية
والبعض يعمل في السرّ تحت أغطية مكشوفة . لكن علامات الوشم المحفورة في
حيواتهم الماضية تحت ظلال عطايا وشعارات الحزب التي لا تمحى ، تجعلهم يتخلون
عنّي الآن بعد أن قطفوا الثمار في الداخل والخارج وانتفخت كروشهم .
الرياح التي تهب الآن على حساباتهم المصرفية السرية
تملأ اسطبلات قصائدهم بالنتانة والخيانات الدائمة .

62

تنزع زوجتي في الصيف ملابسها الداخلية
وترافقني أحياناً بتنورتها الواسعة الى شاطىء البحر .
الملابس الواسعة تشعرها براحة تامة
كل طقس جميل يجعلها تخطو صوب حافة الشمس
وصوب قناديل الرغبة .
أثناء جولات التبضع ومحاولات العثور على الخمور المهربة الرخيصة
تقول لي : { البيرة هذا النهار تنعش القلب والروح } .
اقتراحاتها ليست غريبة
وأنا أحب الاقتراحات ، خصوصاً ما يتعلق منها بالشراب .
في الشارع المزدحم بالناس رفعت الريح تنورتها فظهرت مؤخرتها .
مرات كثيرة يصعب عليّ تسلق الاهرامات تحت الشمس المصرية
ويصمت غناء أحلامي في الكينونة المتنفسة لعري الأجساد الدافئة .
الطقس هذا اليوم يشبه أسرار التنجيم في العصور الوسطى
أدخل الحانة وأحاول أن أعرف ضوء مستقبلي عبر خيط الشراب
الذي يمتد من رمال الناصرية الى بحيرات السويد .
هدم رجل أعرفه أثناء رفعي لقدح البيرة متاهة أفكاري
جلس الى جانبي من دون استئذان ،
وهجستُ انه يريد أن يطلعني على سرّ خطير
كانت زوجته المحجبة تقف بعيداً عن الحانة
ومعها 5 أولاد يتشابهون في كل شيء .
- رأيتك قبل أيام ومعك امرأة شقراء ، رفعت الريح تنورتها
- نعم ، انها زوجتي
- اللعنة . ماذا تقول ؟
- مؤخرة تعرضت لعطر الشمس والريح .

ينبغي أن نستمد الغفران من التحليقات الهزلية لنشوة أفكارنا في الصيف
كل رغبة تجعلنا نشعر بالامتنان للفرو الأزرق للفوضى .

63

غاب عن الطبيعة القديس والشيطان
غابت الصلاة وأسرار الخزائن
وغابت الشمس ونُذر الفصول .
غابت وتهدمت جنائن وحانات بغداد وعصف فوق أنقاضهما الصياح .
أيّة حياة بعدهما تستحق أن تعاش الآن ؟
القديس والشيطان ماتا بعيداً عن أشجار الشِعر وصيدلية الصداقات .
هل هناك جدوى في البحث عن ما لا يفصح عن ذاته
بين الحلم والذكرى ؟
ناديت كزار في قبره
لم يسمع النداء
فاضمحلت قناديل العالم وسقط من بين يدي الطريق الموصل
الى صمت جان .
رحل القديس والشيطان وخلّفا وراءهما لحظات سرور
مخضبة وواجبات كثيرة .
القديس
والشيطان
عاشا حياتهما في جحيم من الايمان
ورعشة النار والكلمة
وخلود الآمال
واثارة السنبلة .
كان الشيطان الجميل الأكثر اجتيازاً لعسل المحنة
في زماننا الذي كبّلته جحيمات الطغاة
لكن القديس . أطلس المبادىء الشيوعية وأحلامها العصية .
ارتقي السلالم العظيمة
لليل وحدته ، بنبل مَن لا يدينون لأحد برغيف نجمة .
عشق الشيطان الجميل الخمرة واللعنة في الليالي القائظة أكثر من القصيدة
وانسلّ وانحدر في ضوئها صوب شعلة يقظته الأبدية . وعاش حياته
في كلّ جارحة منها ، طائراً الآفاق كلها من أجل الوصول الى غصن
موته المعلّق على حافة الهاوية .
لا بيت له ولا مدخنة
وصلاته نار الأصيل في اللذة القاحلة .
هل كان القديس والشيطان يحتاجان في تأملاتهما الى النوم
تحت كفن المعجزة ؟
عذاب جمالهما يتألق في أرض صداقتنا التي يضيئها دائماً فجر غيابهما .

64

يحطُ طائر موتكَ الجميل فوق الأشجار المنتصبة دائماً في الصقيع ، وتفسد الذكرى خميرة رغباتكَ حين تضغطها قناديل الصيف . في سعيكَ الحثيث للاحتفاظ بخاتم الشمس ، وفي تأملاتكَ تحت أحجار الماضي حول وطأة الأيام . تتمددُ مرايا شواطئكَ المطوقة بنور الموت ، وتحترسُ من الفساد . انحنت فوق حرير ليلكَ الرياح . انحنت سنوات الفقدان والأشواق . أيامكَ المضّيق عليها ما بين الوحدة الصديقة وأشجار كستناء الصمت . متاهة يصعب علينا اختراقها . هل فشلتَ في العثور على صخرة رحيمة تستريح تحت شمسها في هاوية الزمان ؟ في غاليري { الفينيق } وفي حانة { الياسمين } بعمّان كان الكثير من الفتيات يحاولن أن يرضينكَ جنسياً ، لكنكَ كنت تتحدث عن باسترناك وتحيا لحظات حداد طويلة لموت دزدمونة . كنت تود لو أن ملاكاً يقاسمكَ صمتكَ وخمرتكَ القوية ، وكنت َ تطعم الطيور المهاجرة وردة أحلامكَ وثوبك الشفيف شفافية الاحسان . النبضات المسموعة لتأملاتكَ في الأنفاق المتعددة للامساك بالضروريات . إمحت الآن كلها . هل يدفعني شعورك بالقرف من كل شيء الى التوبة ؟ الحب والحقد . الذهب والعقيق . لا يغيران انطباعاتكَ عن اللغو عديم الرحمة الذي تمنحنا اياه الحياة .

65

متعثراً بخسارات لا تحصى ، أدخل الحمّام وأغني تحت لهب الشموع :
ذهب الذين أحبهم الى الوليمة
وبقيت كعهدي مع الصعاليك .
تناولني زوجتي كأس النبيذ وتدلك ظهري ، فأغسل في صوتها
العطري المتمرد تجعدات الماضي
وأطرد البغضاء من ملح أيامي القديمة .
في أعماق رغبتها المنقذة ، ترتفع أمواج البحار وتتقوض
اللحظات المتناهية المحمومة .
وكما لو كنت أقف على أغصان شجرة تتحرّك باتجاه الهاوية
أخفي عنها فحم عذابي وحمم فوضى حياتي الماضية .
بعد الاستحمام في الماء الساخن ، تدهن جسدي بمراهم اشعاعية
وتأخذني الى طريق اللانهاية . تدلني رغبتها وحنانها على الشروط الصحيحة لانتزاع
الأوراق من أشجار الحب . الأبواب المتضخّمة للأعاصير
في داخلي تفتح لي قناديل الكينونة .

66

تنقصنا نحن شعوب هذا الكوكب اليقظ والمحموم
الشجاعة والكرامة دائماً
وننسى أن أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء .
وحده المؤمن بفكرة تتعاقب في تفككها
ينام تحت الظلال العالية لأشجار ايمانه من دون هواجس أو كوابيس
وبعد موته يذهب الى فراديس وهمه .
تمرّ من أمامي في كل حين حشود ضخمة من البشر
بلا أهداف
بلا غايات
وأفكر، هل ستتحلل في النهاية عناصر الجنس البشري وتذوب
في أشياء الطبيعة ، أم انها ستذهب هباء في التراب اللامادي ؟
الخمرة روح العالم وفضيلته العنيفة التي لا تنسى في التماهي الجميل
للمطلق بينه وبين ضجر الانسان
لكن الافراط في تقديم القرابين لها. يورث الكآبة
وأفضل العيش ، عيش الكآبة
بودلير
عمر الخيّام
جان دمّو
هؤلاء الاخوة الهداة الذين عاشوا الاختناقات العظيمة للوجود
هم الأدلاء الى النجوم التي تتعثر مساراتها في كل القرون .

67

يوصل فجر الحب العاشق الى الموت
ويوصل الموت العاشق الى فجر الحب .
في لحظات تنغلق فيها علينا المتاهة
نشدّ أنفسنا الى شهاب السهر المقرون بأسلحته الحادة
ونضحي في التماثيل التي نعبدها في أرض لهفتنا وحيرتنا .
ماريا كالاس
ماريا كالاس
الملايين من البشر تموت في كل آنٍ
بعضها يحمل معه غابة آلامه
والبعض يحمل الوثبات المتعطّفة لنحسه وغبطته
والبعض الآخر يذهب الى العيش في الشفافية المتعاقبة للزمان .
نحن عشاقكِ البشر – الأشباح
لا نملك الآن بعد غيابكِ إلاّ التضرع أمام عصمة الموت
حتى يظل ينبوع صوتكِ متدفقاً في صحراء المتاهة الانسانية .
في صيفنا المفتوح على الضوضاء التراجيدية لثقل موتكِ
نبكي وتبكي معنا زهور العالم المتمايلة في حدادها ما بين
الثلج وما بين السهاد .
نبكي { الديفا } المسافرة التي لا أرض لها .
أينبغي أن نصطف تحت العروق الوسنانة للظلمة ونبكي مأساتكِ
أم نعبر الشواطىء المقنعة لنلمس عطور وأجنحة صوتكِ الأكثر
عذوبة من النسيم الإلهي ؟
نفتقدكِ الآن مثلما نفتقد الأمطار المحرّمة وهي تثغو فوق صحراء أهدابنا .
أنتِ خبز السرّ
ولذائذ سهراتنا الطفولية تحت أشجار الصمت المختومة
وممرات دمعنا المرّصعة بالاعترافات الطويلة لنسياناتنا
في لألأة الجرح ونحلته المولهة .
ارجوان ضفيرة احسانكِ المغمور في ذهب أعيادنا
هو عصيان الانسان أمام صخرة ضجره التي تتدفأ
تحت المصباح المستنفر لموته الصلصالي .
الديفا الجميلة الهائمة والمحمومة في الأغلال المرتخية
لفجر قبرها . تصعد الينا في الليل وفي فمها بذور الزمان .
تمنحنا الوديعة المشعشعة المحظورة ، وينوّر نشيدها
المرتفعات الرملية لأحزاننا كثيرة المؤونة .
هل تنزع حمولة اللحظة المتراخية في تحذيراتها ، الريش المرفوع
لخفّة حياتكِ واحتضاركِ الطويل تحت الأشجار الدانوبية ؟
كل ذكرياتكِ والرغبة المتنفسة في الثأر تحت الدموع الظليلة
لا يمحوها اللهب القاسي لحجارة الزمان
ولا زهرة الفقدان في هاويتها ناصعة الظلام .
يسترجع الزمن شراكه في غيابكِ في كل حينٍ
وتلزمنا مذاقاته المضيّقة علينا في العطش الأبدي ، بوفرة ينابيعكِ
المزروعة باللذة المنعمة .

68

تاركاً متع أحجار قليلة محترقة في أرض اللامستقبل
أحاولُ تحرير أغنيتي من الكراهية التي تتحدى اخوة الانسان
وأتساءلُ : { هل ينعم الله على بلد ، معلّقة فيه الأحقاد والأسلحة
على أكتاف الأشجار والشعراء ؟ وهل تحنو الشمس الأمينة على
أنهار ، ترمى في فراديسها جثث الناس المغدورين ؟ } .
ينبغي الوقوف الآن تحت الظلال الحارة للملائكة ، والبكاء
في عسل الوردة حتى لا تغيب عن ذكرياتنا ساعات النسيان .
ينبغي أن نسأل أشجار النخيل الممتدة في آفاق الفرات : { ما الذي
يلزمنا على الاصغاء الى اشارات الطوفان ، حتى نتحرّر
من عفونة شلاّلات الدم الملتفة على أعناقنا ؟
ما هذه الشفرة المذهلة المحفورة في راياتنا ، ولا نستطيع
أن نفكّك أسرارها أو المسير تحت نطاقها المتعطّر في الفوضى
والتناقضات المتحركة ؟ } . يقتل الانسان الانسان في أرض اللامستقبل
من أجل قشرة بصل ، ومن أجل مقدسات اخترعها ورفعها في الحظائر
والقبور . لماذا ترفع الكراهية ستائرها دائماً ويغيب الحبّ ودفء
عروق الأرض النحيلة في أرض أسلافنا الذين ما ادّخروا وسيلة
قتل إلاّ وجربوها على بعضهم البعض ؟ في برودة تخزّن عتمتها
في طريقي . أدخل التاريخ المظلم لطبول الاعدامات المستمرة
وأضيع في ليل مقابرنا الجماعية الجديدة والقديمة .
صلابة أرض اللامستقبل تدمغ ماضيّ في ظلمة أبدية ، وما من
فجر تنحرف فيه النوافذ المرتعشة لصبح الحياة صوب النسمة الجليلة .


69


هذا النهار ، السماء أشدّ نداوة من ظلال الأحلام ، واللازورد المنجّم يسيل
فوق الغصون والأحجار والتكهنات المتقلبة للرغبة .
مبادلة الأسرار
لا تجرح اليد الخالية من الأظفار
والفكرة تفكّك طويل لكل ما لا نفتقده في القرابين التي نرفعها لآلهتنا العطشى
في الأفلاك العتيقة .
نائمة في صيف الكمانات ، تتململُ شمس تقدماتنا وتنفتحُ باتجاه المشيات
المتصلّبة للتوردات العميقة لفجرنا الحيران .
في التحركات اللامرئية لتنفسات الوردة . أصغينا طوال الليل للسقطعة
المريعة لمفتاح الزمان وأحصينا موتى بلاد النخل المغلقة .
لأجل هذا النهار الذي يثني البحر عن كشف أصدافه المتناوبة في هواجس
الغرقى . يلزمنا التجوال في الدروب المضبّبة للأبدية .
أختنا الوردة تكشف سرّتها للصيف وتحتجب خلف القناديل المستهدفة للسرّ في الحديقة .
عبر الفسحات المتشابكة والتقاطعات المادية لسراب ثمرة جهد الانسان
كنّا نطوي القيلولة الهاذية للموت ونركنها بين الظلال العظيمة للدودة المخرّبة .
ما لا نفكر فيه ، حاضر بقوة صلابته دائماً ويسلبنا دفء الجذور والقنديل
الضعيف للكينونة . لا ينبغي لنا النوم في الشواطىء الواطئة تحت الأشجار .
طيور ناعسة أكثر وطأة على العالم من برد البراكين . تتجول في الاهتزازات
المشوهة لأحلامنا وتسلبنا النسمة المتعفّنة للحياة .



70


تموت سنوات صيف الثمرة وتعود أكثر صفاء في طيرانها بين الأفنان
المتثائبة لحياة الانسان .
هل تجدي تراتيلنا نفعاً وسط هذه الشهقات العليلة لأشرعة النهار المقيّدة
والطافية فوق مياه الصمت الممتدة باتجاه ذبول الأشياء ونظائرها المتعددة ؟
غرف أنثوية عميقة في الشجرة النقية للزمن ، تحجبنا عن رؤية الصلاة
الخفيفة للفراشة في غابات الرغيف ، لكن النشوة الفاترة لحمّلقاتنا في
الممرات العالية لما وراء الوجود . تصيبنا بالتشنج والانحلال ،
والانحرافات الغامضة لقناديل المطلق التي تسحبنا باتجاه الاشارات المتهدجة
للمادة . لا تعيننا على النهوض من رقادنا المنعطف بين الحشائش المتعفّفة في تلوناتها المزدوجة .
في كل رابية ومنحدر لنا ريشة متثائبة
وفي كل حقل وصخرة
لنا نافذة نرنوا عبرها الى الاعصار الذي يحنو على حيواتنا عديمة الرائحة .
ينبغي أن نضرم النار في الجرح
ونرافق زيز الحصاد الى شعائره الخطرة .
كل رعشة علامة صمت
وكل ولادة تدفق حيّ لفقدانات جديدة .
وحدها الظلمة العاشقة تعانق السنبلة والفضاءات المقفلة .


71


لا قرابة لي مع الغيوم وشفافياتها ولا صداقة
ولا الفة لي مع التعاطفات الندية للغابة وأقمارها الضنينة
أضاعت جذرها حياتي في اليقظة المنتصبة للرماد الثقيل
وانسدّت الذبذبات المتصدعة لأحلامي على الأشجان والحجارة
المتضعضعة . أيامي المضمّدة تعرجات أنهار لموتى طويلة
تنام فيها الرموش المتهدلة والرغبات الذابلة العصية .
في الحضيض الذي ينسدل على أنقاض أغنيتي
لا أملك ضفة
ولا طلاوة ليل
غبار حياتي الأسيرة يلفعني بروائح ذكريات من رحلوا من أحبائي
ويهتز حاضري من صرير الى صرير .
السياجات الباعثة على الغثيان تحجبني عن المشي في أرض الرغبة
وهذا النهر المتدفق في ملامساته لصحراء العالم
أكثر توهجاً منّي في تلاشي حلمي المحكوم عليه بالظلام .


72


في حميمية النعمة الغلاّبة للحب ، يتنفسُ ليل العاشق نار الطبيعة
والتاريخ ، تحت الشفافية الصادحة للغبطة والاشراق
وتصبح كل أشجار العالم بنداواتها المرعبة
صخرة فجر لصعود ترتيلته العميقة للموت .
في هذه الأرض المتجمّدة والمواظبة على شرورها
ينبغي الامساك دائماً بالشعلة المتعجلة للجمال
ينبغي أن لا نترك أيّة اسنادات تعيننا على الوصول
الى الظلال غير المتناهية للديمومة .


73

في الشواطىء المتصدعة لنهر وجهي المليء بالندوب والمحار
حفظتُ النشيد الجليل لأسرار موتي
وأطبقتُ الملح على الأبواب .
رعشات طويلة تصاعدت على الفراغ العظيم لأعشاب
حياتي التي توسدتُ أصواتها في عنفوانات الصيف الماضي .
هل لي الآن أن أرممُ تصدعات ليلي وأصعد
المراكب الغريبة في صلاة الطيور بين الأحراش الغامضة للتيقظات ؟
ينبثقُ الفعل من الانحلال المتناوب لايماضة الزهرة
ما بين الخرائب العالية للذكرى الوامضة للزمن
وتصعد الفكرة في القفزة المتعاطفة
للقاح الشجرة .
صعدنا تحطمات كثيرة وطويلة في ليل الجرح
وأفردنا للطرائد أجمل التلال في الغابة
لا شعائر أقمناها للموتى
ولا نيران أوقدنا لأولئك الذين أعانونا على الوصول
الى البوّابات المنوّرة للآلهة .



74

لا تتعاطف معي هذه الأشجار العارية في حتّمية موتي
ولا هذه الأكاليل المنعّمة.
رغباتي التي توسدت صمتها، أسمعها الآن تئن وأسمع
تنهداتها المصكوكة عبر رياح الخريف الدائمة لحياتي .
في الماضي حلمتُ في النوم على أرائك كبيرة بحديقة فارسية
تسقيني جاريتي الخمر وتغني لي عن اللذة والحبّ
لكن حلمي المطوق الآن يجبرني أن أحيا في ليل اسمنتي
غير مقطون .
يعبر الجميل الغريب والممتنع صوب المتاهة دائماً بلمحة خاطفة
لكن ما يعزّينا في رغباتنا التي تنام في النوافذ المغلقة للعالم
هو الألم وأصيافه بيبوستها الغامضة .
نموت ويوقظنا عري القنديل
وفي الايقاظة المحترسة لرغباتنا تنبثقُ الظلال
المنجّمة لحياتنا المتصدعة .

75

محروساً بذكرى عميقة تلتهم الصدع اللانهائي لنومي
أرنو الى التباطؤات المبهرة لأشواك الكلمة
قناديل وجهي التي انغرست في تقاطعات شوارع الشجرة
الذابلة لرغباتي . تنشر صمتها فوق صيف السنبلة المخلوعة للنهار .
لا أود التحديق الآن في أرض رأسي المتشنّجة
ولا أود الكلام عن عين الصقر في انصاتها للطريدة .
نومة واحدة تكفي لمجيء النمل
حيث العفونات تستقر فوق سواد الميت .
كل ما يبنيه الانسان وما يحافظ عليه ويصونه
يجعله مفتاح الزمن هزأة ويفترسه بقوة عناكبه التي لا تتنفس .

76


يسابقُ الانسان في فتوته وهرمه الظلال العالية والسريعة
للزمن ، من أجل الوصول الى النبيذ الأحمر للهاوية
لكن نغمة الزمن المتقرحة التي تتآكلنا في كل آنٍ
باقية على حالها منذ الأزل .
نحفر دائماً قبورنا وسط هذه الرتابة المتكررة لطبعات الحياة
ونأملُ في صرخة جديدة تنبثقُ من شجرة ما
أو أعطية رحيمة من الآلهة نرفعُ لها صلواتنا المريضة
وننادي : { تتبدلُ أطوار حيواتنا مليارات المرات
ولم تتبدل النغمة العتيقة للزمن في رمال الخليقة } .
التنهدات الخفيضة للانسان
بحاجة الى حنوّك أيها الموت الجميل .


77

لا شعلة ايمان عندي ولا يقين
والصلاة الى فكرة مجهولة ، تزيدني يأساً واحتراقاً
أود أن أبكي الآن تحت هذه السماء المحترقة والمتصدعة
والخالية من الآلهة والملائكة وقطرة المطر
لكننّي أعجز عن البكاء .
احساساتي جافة ومتبلدة
ونار نفسي مطفأة
وحدها الأشجار وطيور البطريق من يواسيني ويمنحني الاحسان الجليل
والوثائق التي لا تدل الموت على طرقي .
أنا الآن حرّ
لكن حرّيتي ناقصة بسبب تفكيري في الثمار الناضجة في الفردوس .
أحيا في معتقل تسيّجه حماقات ضعفي الانساني
وتسقط من بين يدي الثمرة .
يحتاج ضميري المضبّب بالرماد الى نار أنفاس جديدة
حتى لا تتجمّد أيام حياتي في قبضة العقائد الفاسدة .
هل بوسعي الآن أن أصلح ما أفسدته في حياتي الماضية
وأن أرفع جثتي عن التابوت ؟
ألسنة لهب كثيرة في أعماقي ، يمكنها أن تقشّر روحي وجلدي
وتنوّر الممشى الضيّق لحياتي .
سأسلّم مصيري للهب الشمعة العميقة للوجود
ولا أدع الملائكة تؤرجح صيف حياتي في الظلام .


78

لم تكن ذبائح . لا تقدمات حصاد . لا شفاعة ولا مغفرة بانتظارنا
لكننّا بعد أن انخسفت الأرض وتصدعت السماء
رفعنا زهرة صلواتنا الى فكرة ايماننا العظيمة.
هل تستمر التحولات في الطبيعة الى ما لانهاية ؟
هل شرارة العالم دائمة التنفس الى الأبد ؟
هل يعود التحول الى ذاته أم يسير دائماً صوب الرابية المفتوحة للزمان ؟
هل تُضيء جذوة المعرفة في أرض وحدتها
أم ترّكز رايتها في الظلمة العميقة للكائن
وفي المبدأ العضوي للحياة ؟
تغيرات عظيمة في الشواطىء الملتهبة لليل والنهار
والبحر هو الطينة التي انبثقت منها أغنية الانسان .
ليست المعرفة الرغبة في اللّذة والسطوة
ولا السرور القليل الذي يضيء وحشة اللحظات .
نشيد فنارات الريح ودفء الأقمار المنسدلة في ظهيرة الحِداد
والزبرجد الأزلي في مياه العالم ، هو ما يظللُ الماهيّة الرخوة
للانسان العاري الواقف في باب اللاوجود ، بانتظار قناديل حلم العودة
المرّصعة عيونها بعقيق المطلق .

79

في سنبلة نومي المتورمة وفي العثرات المتقلبة للطريق ومكان العمل
وعلى الحافة الحادة للهاوية
يلزمني الكثير من الحرص على ادامة النسمة الضجرة لحياتي .
من الولادة الى النهاية
يد الانسان المقطوعة، وحديقته التي بلا ثمار
وأسراره المتطايرة عبر ممرات صقيع العالم
تلزمهُ أن يحافظ على اللحظة الحرجة التي يدشن فيها موته .
انسان الفوضى والاندثار المستسلم للرماد
والبروق المتضادة .
انسان شقائق النعمان
والدم في نسغ الوردة .
من أجل اخوة الانسان
من أجل محبته
أتخلّى عن كل محصول تثمرهُ نار حياتي
وآملُ الامداد الدائم للمعونة الى كل الجنس البشري .
لا أود رؤية السأم والخوف في وجه الانسان
ولا البرد في الجذور الضعيفة لشرارة حياته .
أضحّي بنفسي من أجل الانسان الوحيد في كهف أحزانه
وأتخلّى بلحظة جوهرية عن قنديلي الأخير لقلبه النبيل .
انسان المحبة
الانسان الجميل
انسان الطبيعة وشفرتها الأبدية في ازاحته والتضحية به .

80

أمطار عظيمة تحيطُ الأقاليم المتصدعة للأرض
من أجل الحرارة الهائلة للطوفان
من أجل العروق المجنحة لذهب أسرارنا
والأقراص العالية لعسل الغفران الإلهي .
يا كلمة الرحمة المرجوّة
كلمة المحار الذي يملأ شظف شواطئنا بالمعاطف والخبز
كلمة الفولاذ في أنهار تسبيحتنا الأخيرة في الصدوع العميقة لليل الايمان .
صرخاتنا الايروسية
لا معيار لايماضات نيرانها في عطش الخليقة
وها اننا كلما نرمي حصاة في البحر
نسمع تأوهات اناث طيور القطرس
ويستجوبنا النمر في الظلمة الغريبة للسجن
وتصعد الأنفاس في وميض المدخنة .
الآن خمدت اللحظة المتوثبة لنضارة شعاع شموسنا
وثبّتت نفسها حجارة الجرح
في الشواطىء الضارية لليل غربتنا .

81

تنظرُ أفعى الارادة الينا من خلال نافذة جحرها وتدعونا
الى أن نتلمس رائحة أسماك موتنا ذات السهام المسننة
لكننا غفونا على المرثاة الرطبة لتقدمنا في السن
مع الشيوخ المنبطحين في أرض اللارغبة
ورأينا الجثث الطافية للغيوم والطيور في سماء الأنهار .
هل تدفىء شجرة صنوبر النسيان التي تمدُّ أذرعها صوب
الممالح العظيمة للهفاتنا ، الصرخات المرتجعة للغرقى
في ساعات الفجر ؟
الآن – أضأنا مصابيح النعمة في لحظة الولادة
وسلّطنا الصقور على التغضنات التي تبطىء حركة موتنا .
لماذا لا تنسحب اللاطمأنينة مع النغمات التي تضمر نفسها
في التجمدات المتراصة لفراغ حيواتنا ؟
هل نبقى نعجز دائماً في مأوى رغباتنا عن ترويض
ارتجافة الخوف عند الطائر الوسنان في شجرة التفاح ؟

82

قبركِ المستريح في سطوع العصمة . عسل البساتين وأفياء العقيق المنحنية على نيران السنوات التي قوّستها العصور . قبركِ مرآة الكينونة . بذور الشمس وجسر الأبدية . قبركِ اللحظة المدوخة التي تنسابُ على ظهيرة الشواطىء ومتاهاتها المتعدّدة بين الصيرورة الناعسة للطبيعة . قرابيننا المترنحة التي يصقلها النوم في صلواتنا المتمددة اليكِ . أشجار كستناء تشحذُ ثمارها لارساء العدالة بين فردوس الفجر وينبوعه الذي يتسلق شجرة سهاد العاشق . قبركِ ، انخيدوانا ، النهر الذي يغزلُ أسراره ويرفع القنديل .
هل تسيل قطرات غيابكِ في الزمان أم تذوبُ في الديمومة ؟
هل يمحو ضوء عشقكِ في انعطافاته المزدوجة، النجوم وغبطة النسيم ؟
انغلقت الهاوية عليّ وتشابهت النساء. تشابهت الأمطار فوق كتفي وترنحت قيثارات السنبلة والحديقة .
صاعقتكِ المنعكسة، انخيدوانا، وسط أزهار الصمت ، هي العصّارات المذهبة التي ترطب جذور حياتنا اسكبي نوركِ الوسنان عليّ . يتآزرُ فيّ الصمت والاهتزازات .


83

انتظرنا شيوخنا الحمقى عند القناديل المعلقة فوق الحافة الأخيرة للأبدية . أولئك الذين كلّما أزهرت أشجارهم وألقت حمولتها على الجسور . كبر رعبهم واقترب المدى الرمادي من سقوف موتهم الأليف . في صراعهم الطويل بين الوجود والمصير . تأرّجحت خرائب آمالهم معلّقة فوق هاوية الطبيعة والماهية المظلمة للتاريخ . لكل حجارة في الأرض تاريخها المترسخ في الديمومة ، ولا يطوي نسيم ارادته الزمان .
الخلود اختراع الشيوخ الحمقى
الذين في لحظات ضعفهم يطلبون من الآلهة أن تعطّل احساساتهم تحت النار اللاهبة للشمس الأمينة ، من أجل مرورهم السريع والعابث في الهاوية الملحية للطبيعة . في الدستور الجليل لزهرة القرنفل وهي تفتح أبوابها في فجر الصيف . سمعنا النوم المنخفض لجرح النحلة المحافظة بقوة على ايمانها ، وفي التعثرات الطويلة لجهودنا في الوصول الى أحلام يقظة تحنوّ على براهين اعتقاداتنا المتصدعة ، صادفتنا الأشواك الأكثر ايلاماً من ايلام ايماناتنا المستسلمة لتردداتها وشكوكها في صلواتنا المتشظية في الريح .

84

لا هدنات ولا ظلال غفران في أبواب نومي المتجابهة الصرخات
أيّة أصياف حرّة أرخي أنفاس ثمراتها لتنزاح عن ظلامي طيور حياتي
الهالكة ؟
في التجوالات الطويلة ذهاباً واياباً في هاوية العالم
رأيت ملوك الماضي المستسلمين للذّات اقتلاع صخور عروشهم الجرانيتية
فتدثرت بأغطية ماضيّ البالية ، وصلّيت للعصف المدويّ في شواطىء الأنهار .
ينسج الانسان العاشق مصيره عبر الابحار الدائم الى أرض ذاته .
تحت نيران شجرة الايمان العالية . ابتنيت لي ريشة وعبدت
في النوال المستحيل لحبي العاثر انخيدوانا الشفيعة .
لا سنبلة رؤومة لي
لا بستان
لا شرارة جمال تعرّي ليل الصاعقة .
في أعماق الانسان تصلصل الغضبات الطبيعية ولا يمكن للغيمة
ترويض غطرساتها أو تعليمها ارادة الثمرة الطليقة .

هنا عكاز السياب
يرفرف فوق نجمته
عندليب الكلمة
داخل الكلمة نَمَت وسطعت شموس أوراد وأسلحة آلاف القرون
ونوّرت مشاعل باتجاه الآفاق العتيقة للحقل والمحراث .
في تبجحاتنا الكثيرة عن الشرف أو الحكمة أو العظمة
نجهد أن تكون أصواتنا حسّاسة وينبغي لها الانصات
لكن نمال مصائرنا تهز في دبيبها العادات المكتوبة فوق قبورنا
المفتوحة لهجرات الجراد .
يتلمس الانسان في نضجه الشبحي
ضوء الشمس
وينبوع الأغنية
وفي خضوعه الذليل لقوانين الآلهة
يحصل في مشيبه على حبل الشنق .

85

في سهر الانسان الطويل بين الثبات والتداخل في الطبيعة الأسيانة والمنغلقة على نفسها .
في تملكاته الثنائية لبذرة الحب وديمومتها . في صيرورته دائمة العذوبة والجريان . تستمر التجددات
الزمانية لسنبلة موته في الأريج العالي للتحطمات .
هل توجد كسرة شمس بمعزل عن الحب ؟
في بحثه عن العلل الأولى لتقلبات قوانين العلم وفعالياتها ، وفي ادراكه العميق لمدلولات سهر الوردة وهي
تضاعف النيران المزدوجة للأبدية . يسهر الانسان في حجارة خبزه مثل نحلة تقاتل بلا عسل . ضياء بروق القرون
المتألق فوق رماد حيرته وخيباته ، يحطم كل الفعاليات الأساسية لطرائقه في الخلاص من الهاوية . التمزقات المظلمة
لعطشه وانزلاقات أيامه العارية ، لا يخلصه منها إلاّ نور وملح الأغنية الغالبة والمغلوبة . آماله المحلولة والمنفرجة في الطوفان ،
هي الضجّة العذبة للنيران في تقدمها صوب التحنيطات المتكررة لفصول حياته الصدئة . هل هناك وسيلة مختارة لادراك
وفهم الحيرة واللعثمات التي تملأ نسيم حياته ؟ يستغرق الانسان في وحشته التي تملأ الأشجار بالأبدية دائماً ،
ويحطّم في اهاناته المتعددة القيثارة التي تنسخ السنبلة .

86

تتبعثر ولا تنجو من ارتياد الظلمة المهتزة على الصخرة العالية للصيف . أغنية الانسان ، وتتهدم في كل حين أرض صوته المنسوجة من العطايا الشحيحة للآلهة .
من الميلاد الى الموت
متاهة بائسة يتعثر فيها الجنس البشري وهو يتقدم باتجاه الشجرة المتعفنة لعظمته . الطوفانات المجلجلة لخيباته وهي تجرح مصائره ما بين الأروقة المستشيطة لعسله الذي بلا طعم ، ودواليب سهاده المشققة في دوراناتها الوئيدة تحت العواصف الجنائزية للعالم . توهجات عظيمة لسيف قانون يتحطم تحت صخرة الشمس . في عبورنا لظلال رموش الآلهة الأكثر ظلمة من غفران الأفاعي . نتعثر في حديقة الصيف الصافية بسجّادها الشبيه بصلاة اللاعدالة . شفاه صمتنا غير المعاقبة تدفعها خلجان أوهامنا صوب النضارة المتلألئة للنعمة الفقيرة للأحلام . وجروحنا المروية بنبيذ الموت وأرومته ، هي الاندفاعات القوية لليل ساعاتنا في التويجات الفردوسية لمحنة الملاك الناجي من الغرق . هل يوسّع انتظارنا للموت ، عناقنا الطويل للأنهار الساهدة في قمح الكينونة ؟
شموس الفيروز على جبين الانسان ، وهو جبين الشجرة ، هي التوهجات التي تشطر صفاء النيزك في الوعد الهدّاف لنعيم احتضاره في الليالي المنمنمة .
الضوء الانثوي للنيران الموشوشة يسطع فوق قرنفلة رأسه ، وفي الضفائر المتهدلة على الأعالي وفي الهاوية .

87

يا أمّ الكل
يا حبيبة الكل
ثديكِ الإلهي يرّوي الكل .
حيواتنا مجروحة في شمس أعيادكِ والزمان
ويقيننا المهدّم والمريض . يخسر كل الرهانات التي لا يمكن تَحمّل تناقضاتها
في العتبة الأخيرة للحظة هلاك الوردة .
في المنظومات العشقية لوظائف تواصلاتنا مع الفضل الإلهي المختبىء ما بين
جمالكِ ورحمتكِ ، وما بين المدارات المتعددة للأفلاك . ينخطّ صوتكِ في الانعكاسات غير الحقيقية بتراب صرخاتنا المتمددة عبر الأمل وعبر النجدات العاثرة للغياب . في الانحباسات الثقيلة للأنهار تحت فجر شفتكِ المسلحة والعارضة لأبدية الزمان ، وانخفاضات النهار المتواطئة مع الشهب المريضة للأرض . يتّسع عشقنا رهين جروحه الأسيانة .
يا غابة الله التي تضيئنا في سهر العناكب والصخور . شمس وجهكِ العشقية اللامتجسدة ما بين الرماد وما بين جذور الجميز . تغيب في ينابيع أشواقنا وتمحو التجعدات العميقة لبروق جوهر سهركِ وحجارته الحلمية .
في المبادلات الأكثر اتساعاً من ديمومة المياه ، تحاصرنا اللحظات اللّيفيّة للموت
فتمحوها نار غفرانكِ وتحنوّ على مصائرنا المتعففة .

88

أتحدثُ عن شهقة الانسان في انقضاء لحظته
أتحدث عن البلبلة
وأضحّي بالأمل وظلاله المصطدمة والمرتجفة فوق الخواء الانساني .
هل من لمسة احسان تعيننا على ما لايطاق في الظهيرة المرتخية
لآلامنا ولا طمأنينتنا الدائمة ؟
لماذا ينبض ضعف الانسان الوحيد تحت أحجار النسيم المحمّلة بالتغضنات ؟
موتنا المتغطي بممالح العافية الموشاة بصموغ الجزر الإلهية العذبة . يترّنح مثل طائر الوقواق في تهجئته للكلمة ، كلما خمدت شرارة السنة .
نجمة أسراركِ لا اللامعة ، تدفعني الى الاتحاد بصوتكِ ، وتضيع المفاتيح .
في حديثنا العام الماضي ، تحت شجرة البرقوق الهرمة تحت أمطار الصيف ، عن الخلاص والغفران . قلتِ لي : { كل تقاويم العشاق الموتى أضاعتها رياح الحروب . لم يبق الآن إلاّ الأضحيات التي رفعناها الى آلهتنا الفقيرة } .
هل ما زالت فضة وجهكِ المعذبة بالجمال ، تضيء حجارة قبور العشاق الذين لا يصلّي لهم البحر ولا العاصفة ، وترسّخ آمالهم العتيدة ؟
{ لا أستطيعُ أن أعَلِّمكِ الصلاة بالألفاظ ولا أقدرُ أن أعَلِّمكِ صلاة البحار والأحراج والجبال ، بَيدَ أنَّكِ ، وأنتِ ابنة الجبال والأحراج والبحار . تستطيعين أن تجدي هذه الصلاة محفورة على صفحات قلبكِ } * .
بلدان كثيرة كانت تتنفس عطور رحمة الانسان في الصيف الفائت .
لماذا ترقد الآلهة تحت ظلال فناء الكائن الهش والعابر هذه المتاهة بسرعة ؟
يحلمُ المقدس في الخروج من قبر ألوهيته العتيق في ليل الانسان ويصالح الثمرة العاشقة ، عبر الحضورات المتلألئة للموت والميلاد في التعريات المتجددة للموسيقى في الأنهار .
{ الليل ينضج رعباً ، كما من قبل
وقد وزعنا أفكارنا في الفلسفة
وخططنا لأن نخضع العالم لقانون
لكن ، ما نحنُ غير أبناء عرس تتقاتل في جحر } *
فراشات قبر الانسان تلقي بمسودات هجراتها في النسمة المتألمة للقرون التي مضت ، وتضع الزهور فوق وجوهنا الرامبوية النعسانة .
وحده في ضباب الأقمار المُحَوِّمة على جناحي الميت .
يتحرّك الصمت ويقص مطر الكلمة .

* من كتاب { النبي } لجبران خليل جبران
* من قصيدة 1919 لييتس

89

الظلال القزحية الشفيفة المكتسحة ضجّاتها رحلاتنا الى الذرّات المدوّمة والملمومة في الرواقات المظلمة لثلج الصيف وفوراناته في أرض النوم . متاهات منزلقة يغطي سديمها عبر البلاطات المحجوبة للزمان . ترهلات احتكاماتنا اللامجدية للعصف العظيم للفناء وللعشق . وحدها التشنجات الثابتة لضغائننا التي تكشفها التغريدات بين الأشجار ونحن نقرن النظير بالمختلف . تظهر وتختفي في انخطافاتنا ونزفاتنا عبر التعاقبات الموصولة تحت صقيع الكواكب والسيرورة المحتدمة للعصور ، ونحن نبحث عن الأفياء العالية لشجرة صلاة الشفيعة ما بين أسرار الحياة والموت . قناديلنا المنقطعة عن الاحسان الإلهي ويقينها اللاعتقادي . تتجاهل في محناتنا وتفككاتنا كل الانطباعات التي خلّفناها في الظهيرة المظلمة للأحلام الانسانية . الندامات التي نتركها في أعالي الحيرة بعد كل اذلالات تصيبنا في محاولاتنا من أجل الاقتحامات العنيدة لقلاع القنديل الإلهي في برق شوفان لطافاتها ، وطموحاتنا المهدمة الدفينة تحت الأسلحة المدوّخة لحروب أسلافنا العشاق وفظاظاتها . لا يمكن اخمادها في ليل الرغبات العظيمة للانسان . هل كانت الضجّات الفريدة لسهادنا المتحرك في غابات القرون ، أشبه بنشيج مضاعف تصعّده الانقطاعات الجحيمية لغفران انخيدوانا ؟ وجهها الذي من صواعق وهواءات لؤلؤية . يدنينا من الترقبات القتّالة للاشراقة الملائكية عبر تشققات الأرض ونبيذها الأسيان في التحليقات اللايقينية لومضات وعود نحلتها . الدوّامات الصادحة لنسيم صمتها وحممه البركانية ، والفراديس الكوبلتية للنجوم في أنهار جدائلها المهفهفة والممتدة كما الغصن النحيل للأبدية . هي المقوّسة للخطوط المستقيمة التي يتوجب علينا قطعها في تقدمنا صوب الهاوية الكبيرة لما قبل الكينونة .
طقطاقات شرارات السنبلة المرقصات
والبروق الصديقة القهّارة
علامات
للتعاقبات المستمرة لرحمتها الدائمة في شواطىء الزمان .

90

في سانحة عظيمة صليتُ فيها للنمر تحت شجرة البرقوق . توسعت التنقلات الحميمة لليلي ونهاري ، وفاضت أنهار الصوم في لحظة البداهة .
السجدات الصنمية الطويلة لشقيقة سرّي . زهرة الخشخاش . أغاضت التعديلات المجحفة في ضفاف الأنهار ، والانخطافات الكبيرة للذة انتظار شفاعة الإله – النمر حطّمت كل المواثيق القديمة بيني وبين العادات ، وأوهمتني مراقباتها المرتسمة على الآفاق اللانهائية للنهار بانفتاح البرق على الأنهار الحذرة للهاوية .
لماذا تجرح براهينن الانسان المضللة دائماً عصمة الوردة ؟
هل ماتزال استساغاتنا للتناظرات العليلة في الينابيع قوية بما يكفي ؟

91

يخلّصنا السم العسلي المذاق للموت من عطونة انسانيتنا
الرثّة ، ويضفي علينا في تحولاتنا وصيروراتنا
الطابع العظيم للقداسة .
الأمس والغد
الحاضر والماضي
الميت والحيّ
لا فرق بينهم . الكل عائش ويعيش في الظلمة المحيّرة
لمتاهة الخليقة .
يقتل الانسان الانسان من أجل حبّة قمح
ومن أجل فردة حذاء .
كل أشياء العالم أجمل وأكثر جلالاً منه ومن ماهيته الفقيرة .
لا تنمّي االنمور في طيرانها الجميل العفونات
وينمّيها الانسان الجيفة .
السلطة والتاريخ والايديولوجيا والمال والمقدس
ونسيان الطغراء الحيوانية
تجعله يتناسى انه من خراء جاء والى خرائه يعود .
القناديل الطفولية لصيف أمّنا الراشدة
والايماضة البنفسجية للقرابين التي نقدّمها الى فئران الحقول
في نهاية أعمالنا ، تجعل الحاضر يفلت منّا دائماً .
هل الأبدية هي التجديدات الدائمة للزمان ؟
علينا الآن أن نحيا في الماوراء وأن نخلق ذرّاتنا دائماً
في المياه كثيرة البروق .
ينبغي أن نكمل المحاولة المتصدّعة لايكاروس
للخلاص من هذه الصحراء العالقة في جباهنا .
لماذا يضيّع انسان اللحظة القوس والهدف
في شواطىء تغريدات طائر أبو الحنّاء ؟
اخترعنا وعبدنا آلهة كثيرة طوال التاريخ
وأشعلنا من أجلها الحروب الوحشية الطويلة
تحتاج البشرية الآن الى اختراع آلهة جديدة
تعبد الانسان وتديم عافيته
وتسهر على راحته .

92

كل أحلام الجنس البشري لها نعومة الصخرة
وكل شواطىء العالم مسمومة ومصبوغة بدم الغياب .
تسير حياتي الآن في الضوء المدوِّخ لاخوة الانسان
لا أضمر عداوة لأحد ولا عندي لأحد ما حنين
لا تحولات عندي
ولا ضغائن ولا أحلام ولا رنين .
كل عصا توكأت عليها انهدمت
وكل أرض نمتُ فوق أشجارها ، تعاقبت عليها بروق الأنين .
لا وطني هو وطني
ولا حبيبتي هي حبيبتي .
يسطعُ قنديل خساراتي في الصمت الجحيمي طوال الوقت
وفي مرايا المتاهات فقدت بوصلة أحلامي وتهدم الطريق .
في التفتح البكر للثمرة
في الصدى المزدوج لصرخة النبيذ وهو يقاتل ظلمات العزلة في اللحظات الميتة للزمان .
أريد أن أحفر في زهرة القرنفل
من أجل التنفسات العميقة لمصير الانسان
ومن أجل ضوء الفيروز المنسدل على سنبلة موته التائهة ما بين اللحظة واللحظة .
رماد { استحالة وجوده على هذه الأرض }
ورميته الخفيفة للسهم باتجاه الهاوية
ونهر خاتمته الذي يتغلغل في اللهفة الحارة للشجرة وهي تنتظر طمأنينة موتي .
أواه، لماذا في كل يوم طروادة جديدة تفتح لي الجروح
وما من فجر أعاني عذوبة صعود آفاقه ؟
كيف لي أن أخرج من نداوة الزوال وهي تتمشى على الجمرة اللامرئية لضميري .
روحي تتململُ تململ الذهب فوق مياه الموت المتعرجة في نومي القليل .

93

العيش من دون قلق دائم في ليل الوجود . سهرة غائمة في المرحاض العتيق للرمال المبتهجة بنهمها ونتانة
كينونتها الغائبة . قلّة الامدادات من طريق شجرة السأم . هو ما يجعل حيواتنا وليمة عظيمة للعدم القادر
على سترّ أسرار ولاداتنا وموتنا المستمرة
منذ بدء الخليقة .
في الحركة واللاحركة
تذبل الشعلة الرصينة لوجودنا في رأس الوردة .
ينبغي ونحن في غمرة انشغالاتنا بتعليل الحركة
أن نتخلّص من سجن السكون وجلاله عبر تنظيف ممرات العالم من الرمال .
الكلمة كينونة
الكثرة صيرورة .
في ارثنا الانساني المليء بالمعطيات الفقيرة. احترم الجنس البشري دائماً روثه ونفايات أعماله
وهي تتكاثر وتذهب غير مصانة الى صيروراتها .
حيوات وأشكال لا محددة عاشت على ثلج هذه الأرض ، أكثر استطراداً من لغو شيخ عجوز يعاني العته.
كان ينبغي عدم ستر الاشمئزاز الذي رسّخته العادات ، واظهار الارتياب من هذه الأشكال الهلامية .
في اللاحركة
وفي توالد هذه الأشكال اللامتضادة
تخلو نار العالم من كل معنى .
الكينونة باب وفضاء
والصيرورة تجميعات وتفكيكات لعناصر الرمال .
في التسليمات الشفيفة التي علقتُها فوق الظلال العادلة للظلمة .
صعدت صوبي هذه الزهرة الأسيانة : { العالم الآن بحاجة الى طوفانات جديدة } .
في الحركة واللاحركة
تتّجمع وتتّفكك العناصر الكلية من أجل السخرية من الأحياء الذين يضطجعون على ضفاف الأنهار عميقة الثمار .
تبديات للحياة
تبديات للموت .
هل تفصل الحركة الأزلية ، الأضداد عن صفاقات موتنا في السمو الإلهي لبرق الكينونة ؟
اليمامات المرشدات الى حجب العدالة وتضحياتها ، شرائعنا لاطفاء
قناديل الفراديس العالية لموتنا.
لماذا يظللّنا التفكير الخدّاع في اللاتحرك الطويل للكينونة ؟ وفي أولئك الذين شيعناهم الى قبورهم
ذات النجوم المعتادة على آمال الطموح المتخاطفة ستائرها
ما بين غصن الموت والميلاد ؟
كل شيء في الطبيعة له اشارات
إلاّ الرمال – الحشرات التي لا تبحث عن براهين لوجودها
ولا عن علوّ في الخمرة الصافية للاتبدل .
هل تستدعي هذه الأشكال الهرمة منذ ولادتها في صحراء العالم.
الأعداد اللامحددة لكثرتها في الحدّ واللاحدّ لترسخ بتوالدها
الحيواني النتانة المتصايحة منذ الأزل ؟
تحطم الكثرة جمال وجه الشجرة
وتنشر لا كينوناتها الظلم في ممرات الحديقة .
ينبغي تخليص الطبيعة من هذه الأعداد المتوالية للهوام
لا حصّة ولا حقيقة لها في العسل المتحرك للأرض .
والقضاء عليها يجعل الحركة تواصل مسيرها ما بين الاحسان
وما بين الكلمة بعدالة قابلة للايمان .
تسأم الكينونة من الحشرات
وينبغي الآن محو التفكير الشائع في تفاهة الأضداد اللامثمرة .

94

لا تعدنا صلواتنا الى آلهتنا المريضة بصيرورة ما
ولا الايمانات العتيقة بغفرانات كثيرة للفضل الإلهي .
ينبغي الآن أن نحرّر أنفسنا من وحشية حشرة فرس النبي
ونحنُ نمارس الجنس في انتظاراتنا اللازمة لطيران الزمن
في الدرورات المحمومة والظليّة لولاداتنا المتعاقبة .
ممالح الصيف وأبدية اللهب بتخديداتها الوديعة
والعطسات المتشابهة للموتى
والتراخيات المتسلسلة للأحلام التي علّقوها فوق أشجار الضفاف
الغامضة واللاشكل لها في حيواتهم .
تنهض كلها في التطابقات الحادة
لمسير النملة التي تقرض التابوت .
النبضات اللامسموعة للتفاحة الخائفة في سقوطها
هي الصيحات الانصهارية لاحساساتنا في التوترات
التي يحدثها الزمن في سيلانه الحرّ والمتغير .
أسرار ملح التماثيل الكثيرة والمنتصبة في طرقات أحلامنا
والسلسلة الطويلة والمترابطة لهزائمنا التي تتعدّد
في الاصطفافات المفكّكة لترقبات موتنا
هما الجريان السريع للسأم الذي لا يمكن ازاحته
أو دحرجة صخوره .

95

لا شجرة الألوهية
لا الأبدية
نحيا في اللاشيء والمتاهة
ونتحسسُ في المجهول، النسيان العميق لأسرار صمتنا .
سألنا السنبلة عن الفراغ الذي يقرض ملح غبطاتنا
فذابت الطبيعة ورغيفها المرّ في اللامرئي.
نعانق في اللاشيء والسكون موتنا الرخوّ وتبتعد عنّا الغفرانات
التي لا تتقاسم .
هل نستطيع أن نعيش اللحظة من دون أن نستعيد امتلاكها مرة أخرى ؟
استدلالاتنا الأكثر تفرساً في الظلمة العميقة للوجود . تضيّعنا قبل أن نصل
الى الشواطىء اللامرئية للزمان .
البيت
والعلامات
والذكريات
والأمل الذي تحطمه القيود ، حيث أرض اللاأحد واللاحلم
كل الأشياء تقلق نومنا المستند على حشرجاتنا وفراغ لحظتنا من النور المتحرك .
أيتها الأبدية – حلم الصخرة
قنديل الغصن والاحسان
في صوتك يتنفس لهب الوردة المنفتح على الشواطىء الغامضة لليل
لكن حجارة شفتك المخربة بلدان رغباتنا
تبقي النهار أسير أمطاره الجصّية .
هل الانسان هو الوحيد من بين كل موجودات العالم الذي يظهر تصوره لعلته
في التناظمات والمعاينات المتعددة لقلقه الشفيف ؟
في بحثنا عن برق الصلوات اللامجدية للشرط الانساني في العصور المتقلبة
في عثراتها . انزلقت من تحت أقدامنا الأرض وانخلع فجر الأبدية
وتجاهلت الصخرة المتنفسة المبدأ الزائف لعلة وجودها ولم تكترث لتعريته .
ما الذي يثبّت تصوراتنا المتكئة على المذاق الأسيان للفناء ، سوى هذه الجبال
التي عاينّاها وهي تحطم الشروط القاسية لامكانية الحركة ؟

96

هل الفكرة ضفة تبحث عن نهرها ؟
لا الشعائر تجدي الانسان نفعاً ولا الطقوس
وحدها الاشارات
هي من يقرّب صلواتنا الى الفكرة وغطرستها .
اخترعت البشرية طوال التاريخ الكثير من الآلهة والأديان
كل دين مؤسسة
والمؤسسة سلطة
والسلطة تحتكر الحقيقة وحدها .
السقطات المتحدة للزمان ، تُنير في تشظي أسلحتنا الايمانية
كل فراغ عباداتنا التي تجتثها الفكرة المنغلقة على ذاتها .
لا صيرورة الإله المقنعة في نومنا المُعاش ما بين الفيض والحجارة
ولا النذور في المراتب المتحفظة لهدناتنا ومخاوفنا من لحظة النهاية
حيث الدودة توقظنا من كل أوهامنا وترهاتنا .
وحدها الترصعات الملطخة لأحلامنا ، هي ما يمكن أن يعيننا على السهر
في القرون المتدثرة بشموس الشواطىء وانعكاساتها .
الفكرة
هي الجرح الغائر للوهم الانساني ووشمه الذي له
رموش مجرّحة تقوّض نفسها بنفسها
ومصائرنا جداول تنحدر باتجاه الهاوية دائماً .
لا خلاص
ولا معين .

97

ماذا أبقت لنا صاعقة حبكِ يا ليليت بين الأشجار التي تحاصرها
التغضنات المشتعلة لحشرة الزوال على لحظتنا الحانية ؟
في القنديل الأزرق المتصالح للشمس . مالك حزين القصيدة ، يعانق
ثمرة الكستناء في وثبتها المدندنة صوب حبل الشنق المنير للتراب
وتتوهجُ صخرة الغفران الوسنانة لاحتضاركِ ، بين تموجات تضرعاتنا
وتواتر رصائع رحمتكِ الغفيرة . لا وميض الآن لأسلحتنا التي يتعذر علينا
حملها في الطريق الى الحلم ، ولا انجذابات لصلواتنا المترنحة صوب
النعمة الجريحة لآلهتنا ، ولا ايناع لثمار صيفنا عبر البوابات
العتيقة لأضرحة موتانا وشواطئها المغلقة . كتائب من الأمطار المسمومة
يستدرجها العويل الطويل للهفتنا الى سهر الشجرة وعطورها المنذرة .
في حيوات قادمة أخرى ، وفي معابد تنتظر مجيئنا . لن نقدم تقدمات
ولن ننحت ذبائحنا على الأعمدة المتثائبة للينابيع المتعانقة لسيدتنا الشفيعة .
كل شرارة حبّ . قصيدة ومجالدة مع الضجر العظيم في العالم
ومع الكينونة والماضي والحاضر . مع الأحلام والقلق الذي لانارته
يقوّض الانسان الهذيانات اللامتناهية لرغيف حياته ، من أجل الظفر
بأشواك النعمة المعفرة بالانزلاقات الرخوة للرجاء .
ليليت فيض نعمتنا عبر الأروقة القرمزية للقرون المقنعة بالقناديل
وقمح صلواتنا المنحني على الركيزة الخفيفة لصحراء حياتنا .

98

ينسدلُ الظل المتغضن لذكرى الذين رحلوا في صمت أعماقنا
وتحجبُ عنا أبواب الغياب ، الينابيع المردومة لنومنا .
لكن مراكب الصيف بحجارتها الحادة ، تتلوى مترهلة في
احساساتنا المنوّمة .
هل الضعف والضعة هما ما يجعلان الانسان . يلهث في أحلامه
الملحية المهيّجة ، خلف الماوراء ؟
جيش من الإبر تمرّ كراديسه في أرض حياتي ، وما مِن قنديل
يعينني على انارة المفتاح الأسود لمصيري .
في مدن جرداء يتحطم فيها نيزك الفعل والكلمة . أضعتُ إلهي ونقيضه
وأفرطت في التحالفات الصلبة مع الشرائع الجليلة للسنبلة
وقلتُ للوردة :
أنتِ مرفأ ألمي
وظهيرة عوسج أيامي
لا الوهية تحت أهدابكِ
ولا سهر للعظمة وتضوعاتها المرصودة في نسيم الفاجعة الأبدية
ولا مجد للانسان الواقف تحت ليل أجنحة الفراشات المتصدعة
في الرماد وانهياراته التي تغطي الشواطىء المنثنية للنجوم .
البذرة المتنفسة للموت والمنعكسة على الاغماضة الرخوة للزمان
تكبر وتتقدم في كل آنٍ صوب الفتحات الحرّة لمصائرنا العليلة .
لماذا لا يتحركُ الهواء بين جدران أحلامنا المحمومة والمدوّية ؟
ولماذا لا تطن فيها اليعاسيب العتيقة ؟
نتوءات بعلو السهاد تصعد صوب وجوهنا وتهدم البراثن الخائرة لأحزاننا
التي يرصّعها المساء بولائمه الجنائزية .
كيف لنا أن نحلّ اللغز المبعثر للثمرة الفظيعة للهاوية التي ستنجدنا وتنجد
شقائنا في النسيم المتقوس والمحمول في الصخور الصلدة للأرض ؟
النداءات العالية التي تحيّي موتنا
وتروّض تماثيل آلهتنا
أضعناها في طريقنا الى الموت
وفي الميزان الصافي في الطريق الى طروادة
وقفنا وعرّتنا الشهادة المصفحة بالرأفة
لكن ، لا الشرارة المتحفزة للوعد الإلهي
ولا بروق التمزقات الكبيرة لعصرنا
تهدىء الخوف المتوالد دائماً في الفوران العظيم لأسرارنا .

99

ليست المقابر لأحد .
تتلاشى الروح في ضفة مرآة تعانق الظلمة وشحنتها المحظورة
وتنغلق الأبواب الخاوية بعصف أسود على لفائف وصايا آبائنا .
خشخشة أوراق تسقط من الأشجار في المنحدرات الشاطئية لسنواتنا
المضطرمة التي عشناها بين الغلالات الشفّافة للألم الطويل.
ينبغي أن نصعد الشعلة الصافية للتاريخ ونحمل قرابيننا الأكثر
ترنحاً من التقديس الخائر لصلواتنا المروّضة .
وحدها الثمرة المتعفنة تنضج وتكلل بالرماد ميراث الانسان
ميراثنا الذي يحجّر دائماً لحظته المثقلة بطعم الزوال .
هل لنا وفاق مع العفة المتأرجحة
ما بين الطبيعة وما بين اللاوجود ، لزهرة الحلم ؟
لماذا لا يحصد الفجر في ارتواء حيواتنا المتململة
سنابل توحشاتنا الفولاذية في الأرض المنفتحة على العظام
والروائح الكريهة ؟
التنفسات في أسرتنا. نهر عتيق يسترجع نفسه ويسير
بمحاذاة المسلات المحطمة للزمن .
لا قرص العسل في الشجرة ينعطف على جروحنا
ولا الومضة الرصينة في القيثارة
ينبغي لنا أن نتقدم في امتنان عظيم صوب الأريج المصفوف لموتنا
ونفتح مزاميرنا المتلألئة على خلجان الأرض وعلى القناديل .
لا أشرعة في اضمحلال لحظتنا الأسيرة في الملح
ولا صمغ ، ولا علامات مقروءة تسهر في الجبين
أمضينا أزمان طويلة نتحرك على الحجارة الغريبة للشواطىء
وتحالفنا مع هياكل الأمطار في الزرقة الملائكية للمراكب .
الحاضر والمستقبل ينبوع احتضار طويل يقتلع الشرارة
المرفرفة في مرايا حيواتنا ، ولا يقدم لنا إلاّ ثقل ضجرنا الذي
يتعدد ويتمدّد في اللهفة المدوخة لتحركاتنا وصرخاتنا المتلاشية .
معصم صاعقة كبيرة يلّف مصائرنا منذ بدء الخليقة
وما من محارات إلهية نعقدُ تحت ظلالها هدناتنا مع الكلمة
ولآلىء غفراناتها المظلمة .

100


لَكِ السَّلامُ يا شَفيعةُ . يا صَيفَ اللهِ المتوسّدَ شَفاعتَهُ مابَينَ النارنجاتِ الأثيرةِ لعصياناتِ جروحِنا . لَكِ الثَمراتُ المنخفضةُ التي تفصلُ النجومَ عَن النجوم . تَنامينَ تَحتَ شَجرةِ التنهّداتِ وتتدلّى فوقَكِ شعائرُ الدَفنِ المتواطئةِ مَعَ خياناتكِ المنزلقةِ صَوبَ فجرِ الشّواهدِ العَتيقةِ لأسلافِنا العشّاق . لماذا تَترنّحُ بكِ الهاويةُ في السّنواتِ المزدحمةِ بالصّرخاتِ ؟ هَل استراحَتْ ، اطمأنت مَعصيّتُكِ ؟ الآنَ خَمدتْ ظَهيرةُ تَنفساتكِ واستراحَت الأرياف . في نومكِ تَحتَ الشّجرة التي لا تَثمرُ إلاّ أكماتٍ وهدايا . تَتسلقينَ البَراكينَ المنتصبة تَحتَ أهدابِ أشواقنا وتَقودكِ الظّلالُ البَنفسجيةُ لأسرار العَرّافات . يا شَمسَ موتِنا المتلعثمة فوق وديانِ الليالي ، ويا ميراثَ القرونِ المنحنيةِ والمتعاقبةِ في ليَلِ مرايا الساعاتِ العشقيّة . وَميضُ وَجهكِ الإلهيُّ يَخترقُ هاويةَ عطشِنا ، وأصواتُ عطوركِ المحمّلة بالهذيانِ ، تَتخطّى وتَتجاوزُ بانفتاحاتِها وتعرجاتِها بَين الأيّام المصيرَ الانسانيّ . يا أملُ ، شَفيعتَنا الأخيرةَ في صحراءِ العالم .هَل يَمحو الموتُ الحبَّ ويصهرُهُ في التماثلات العموميةِ المنسجمةِ والمتحالفةِ مَع عَوسج الأيام ؟ لماذا مصابيحُ عشقِنا معلقة دائماً بَين غيابِكِ وَغيمةِ الزمان ؟



101


في شَمسِ النذور المعذبةِ وَتحتَ قَوانين اللبلابِ ، في حَنانِ الرملِ للإعصار ، عبرَ ضفائر
الهاوية الشاطئيةِ لجذور تثاؤباتِنا المقوِّضةِ العَتيقةِ .. مَشيتُ مَعَ مَلائكةٍ سودٍ . تَتعثَّر بي
المنحدرات ، ورأيتكِ مستَيقظة تَحتَ رابيةِ جروحِ لآلئِكِ التي تسندُها الرياحُ وَنحلُ
الساعات . في التّحفظاتِ الشَّفيفة لايمانكِ المتنزّهِ والمتموّجِ مثل أسرار الصّلصال ،
في ثَباتِ الاوّزاتِ المَلاّحاتِ وحركتِها ، تَحتَ شَجرةِ كَسْتناء قَبركِ المنعطفةِ والسَهرانةِ ،
في عَجزي عن الامساكِ بنَسمة برهان.. بَكيتُ طَويلاً لكي أطردَ مذنَّبات موتِكِ مِن شَدوِ
حَياتي وملحِها . لماذا رَحلتِ الآن وَتركتِ اجاباتِ الزّيزان العاشقةِ معلقةً ومتهدهِدةً في
المَتاهات ؟ أرضُ نعاسِنا العَليلةُ متناهيةُ العلاماتِ وايماضةُ عينِ مالك الحزينِ تَحتَ الهلال ،
ونبتةُ العَسَلِ السّامةُ فوق مرتفعاتِ الأصائلِ تقولُ لنَا : لا تطردوا حَريرَ الموتِ مِن سنبلةِ جروحِكم المضاعَةِ
في الهذياناتِ . هَل يَنبَغي دائماً تَثبيتُ مشاعلِ النَظراتِ الهاديةِ على وَردةِ الهاوية .

102

نَحنُ الذينَ نودّ السَّهر تَحتَ مَصابيح شَواطىء ما وراء الطَبيعة . تَكسَرت الآنَ صَفائحُ
ذَهبِ أيامِنا في ريح السَّموم ، وانطفأتْ نَسائمُ أنهارنا على العظام . لم يُبقِ لَنا ميراثُ
الحياةِ أيَّ شيء . لا صورة ولا مادة ، وَحليبُ الهاويةِ أغرقَ كلَّ ذخائرنا . لماذا تُبحِرُ
مراكبُ رغباتِنا مسرعَةً ومتلهفةً صوبَ ظلال الشَعائر الجَنائزية ؟ أينَ اختَفت الكينونةُ
والبراكين والنغماتُ الإلهيةُ لممالكِ الصيف..خادماتُنا الجليلاتُ ؟ لم يَبقَ الآن مِن
شَمسِ ميراثنا أيُّ شعاع . لا بذرةَ الموتِ الراقدة تَحت نور الحبِّ في كَهفِ الرّاهنِ ،
ولا وَجهَ الرَغبةِ المنوَّر باللطافاتِ المتمهّلة ، ولا نجومَ موانئىء تَعبِنا على هذهِ الأرضِ
الفَقيرة ، ولا حمّى الثديِ الوَحيدِ لثمرة الارادة . هَل تَخلقُ شعلةُ الوَعيِ الأشياءَ ؟
هَل تُسرّحُ الرَغبةُ في التقاء العَقلِ والتجربةِ شَعْرَها تَحتَ الهالةِ الكَبيرةِ لقَناديلِ السنبلة ؟
أيتها الرَغبةُ ، يا موجَةً بَنفسَجيةً متألقة . وَرَدةُ شفتيكِ المنجِّمةُ والمتنزِّهةُ ما بَين الموتِ
وَبين الحياةِ ، ونظرتكِ الممدودةِ على آفاقِ الأزل : هُما أعشاشُنا في شَجرةِ دَرْدارِ
العَويلِ المُتريّثِ وَسطَ الملحِ والمياه . مَلائكةُ الهاويةِ يهدّمونَ قبورَنا العاليةَ وَيَبنونَ
أبراجَ الصمتِ في لَيلِ الغِياب .

103

تُوغِلُ قيثاراتِ العَقيقِ بَعيداً في عَتباتِ الهاويةِ ، وضوءُ صَمتِكِ الفردوسيُّ يُنوِّرُ الزَّمان .
أنتِ امتدادُ الدَيمومةِ ونارُ فصولِ فضّتِنا المتململةِ في الأنهار . لصَلاتِكِ المتضوّعةِ بَين
عرصاتِنا مذاقُ العِصْمةِ وَجلالُ الشَجرةِ المنفرجةِ والمطمئنّة . تكسَّرَتْ قَناديلنا في غيابِكِ
وأضاعَ مَقاليدَ نَجمةِ صبحِنا الأدلاّءُ . تعثَّرَتْ خطانا وغَمَرتْ تعرّجاتُ نَومِنا الداكنةُ
رياحُ النَفيِ والعَويل . لا تحالفاتٌ الآنَ بَينَ الصَّلاةِ وَبينَ عَطاءِ الملائكةِ للموتى .
زَحَفتْ على الياقوتِ الظلماتُ . زَحفَ الحمادُ على وَردةِ الشَّمسِ الحائرةِ في الظَّهيرة .
ثَمَرةُ عشقِكِ النّاضجةِ تَحتَ تنفساتِ دموعِنا ، سَقطتْ في تثاؤب لَيلِنا الوسْنان .
الذَهبُ المتحفّزُ واللمَعاناتُ هُما ارثُكِ الباقي في تَفجعاتِنا العَظيمة .

104

تَنغلقُ عَلينا المتاهاتُ
والرَغبةُ ملحٌ يَتمرَّدُ في جفني النَّهر .
في انتظارنا لعَطيةٍ تَتعفنُ في خَدَرِ السَنواتِ . يَتقدمُ الينا الموتُ ويَقتلعُ برفقٍ صَلواتِنا الشَفيفةَ ، وكما يُلقي الوقتُ جَمرتَه المرتعشة بَين ذراعي الليل ، تَتفتحُ وتسودُّ بَينَ أهدابنا القيثاراتُ والمرايا . هَل لي أن أمنحَ الفكرةَ حريتَها لترفرفَ فوق الروح الكليِّ للطبيعةِ ؟ هَل لي أن أمنحَ الطمأنينةَ الى الانسانِ الفردِ ، تَحتَ الشَجرةِ المظلمةِ للوجود ؟ صِمْتُ وَصلَّيتُ أنهاراً طَويلةً كي أمدَّ فجراً بَين الفكرةِ والواقعِ ومثلَ حلمٍ يُغمضُ عَينيهِ سَيفُ الكلمةِ خَلفَ الضفافِ ، ناحتْ عليَّ المياه نُواحَ الحِجارةِ الكريمةِ . أينَ ولّى مَلاكُ العَهدِ الذي أيقَظني تَحتَ النجومِ المصطفةِ مابَينَ الجَحيمِ والفردوس ؟ في الثَباتِ والاهتزاز،
في تَعالي الوجودِ على الفكر ، في الصدفةِ والاحتمال ، يُصالحُ القَلقُ بشِدقيهِ المفتوحينِ ،
مخالبَ الرَغبةِ والخوف . ما أجملَ صراخَ الانسانِ فوقَ قمم العالمِ . انحلّي مِن قيودكِ
أيتها الصَّيرورةُ المسبيّةُ . المُصابةُ غيرُ المتعزِّيةِ ، يا مَن كلُّ أبوابِها مِن النورِ والياقوتِ .
سأعطيكِ هذهِ السنبلةَ لميراثكِ . استيقظي ، استيقظي والبَسي مَجدَكِ .
لولا الخوفُ لكانَ موتُ الجنسِ البشريِّ بلا قيمة .

105

تَقولُ اليَمامةُ
وسِّعي يا آلهةُ عِصْمةَ أسلحتكِ بَين العَلاماتِ اللامرئيةِ ، واشتعلي متدليةً فوق نَهديَّ الحائرين . ظَليلةٌ عَطاياكِ يا آلهةُ وفَقيرةٌ أشجارُ صيفكِ المعلَّقةُ بَين القنديلِ والقنديل . افتحي بَنفسجةَ أهدابِكِ وامنحينا كلمةً تنعشُ صَلواتِنا وتعمّقُها في الظلمةِ الوردية . امنحي الانسانَ العاري في هاويتكِ الهيفاءِ ، احسانَ الفَراشاتِ وغُفرانَها الأزرَقَ الوَديع . بَين أروقة المحسوسِ والمعقول يَرفع الانسانُ ليَلَ النَّهر ويمحوهُ عبر شعلةِ وعيهِ المُتحفّزةِ الى الحريّة . فجرُ السَّنةِ الذي يَجرحُ نفسَه في تنفّسِهِ يمدُّ أشعتَّهُ ويأسرُ العناصرَ الكليَّةَ لنومنا الذي تثقبُه أسماكُ الأفياء . في تلمّسِ التصوّر والاستبطان ، في التَضاداتِ والمفارقات .
نَضْغَطُ على مِعْصَمِ الجَوهر ونُزيحُ عُلّيقَ التّصوراتِ الزائفة .
الارادةُ وحركتُها
والرمزُ المجرّدُ مِن الزَمنِ والبيت
يَدلاّن الانسانَ على الثلجِ المنتصبِ مثلَ الجهنميّات فوقَ القبور النَجميّةِ لتَضرعاتِنا المَمحوَّة . لا بَساتينَ ولا وَميض . وردةُ الأفولِ وتَجلياتُ الأنهار المنغلقة ، نَشيدُ محنتِنا الشبيهُ
بالصَلواتِ المزدوجةِ لنساءِ الاغريق . يَعِدُنا الثَعلبُ بَين أشجار السَرخس وَيقول :
إنْ جئتموني بآيةٍ ، فسوفَ أتبعُ أنهارَكم وأمشي وَسطَ مَصابيحِ الهَلاكِ . وقالَ الحَجرُ
: إذا لم تُحضِروا تقدماتٍ لآلهتِكم المقوضةِ الظِّلال ، فَسوفَ يَعصِمُكم الطوفانُ
مِن رَحيقِ الكلمةِ المجدولة . رُحْماكِ يا آلهةُ . يا خَصائصَ نَبيذ موتِنا ويا انعكاساتِ
قَناديلِهِ المترددةِ تردّدَ النَّغَماتِ بَينَ النفيِ والاثبات . ظلمةُ مغاراتِ الألم الانسانيِّ ،
تَتفجرُ وتَتوهجُ دائماً في شقائق نعمانِ أيامِنا .

106

في نِهاياتِ أعمالِكم المشيِّدةِ بحجارةِ القَرابين ، يحرِّضُ الشاعرُ الطَبيعةَ على تَخطّي
ذاتِها ويُغريها بالتَحرّكِ ، صوبَ قَناديل المطلقِ . يَنبَغي لَكم الآنَ أنْ تَعقِدوا هدناتٍ
مَع الفَراشاتِ وناياتِ الراعي المستسلمةِ للرَّمادِ والرِّياح . يَنبَغي الانصاتُ لِما يقولُهُ
العُصفورُ لشَجرةِ الزَّعْفَران حتّى تَتمدَّدَ وتَتوحَّدَ الأفكارُ الجنسيّةُ للشُّهب ،
مرشداتُ المَلائكةِ الى كَينوناتِ أفعالِكم . الظلُّ السَميكُ لشواطىء شِفاهِكم المعفرَّةِ بالرُّقاد ،
يرفرفُ في أعماقِ العِطْرِ الداكنةِ والمتنفّسةِ بَينَ اهراماتِ المادَّةِ وتحوّلاتِها الشَفيفةِ .
في الاندفاعاتِ العَظيمةِ لاراداتِكم المخترقةِ أبوابَ العالم . لا قَناديلَ ولا سَكينة .
تلميحاتُ نجومٍ مِن اللَّبْلابِ العَتيقِ تَتوزَّعُ ما بينَها مصائرُكم التي قوّسَتْها مَشاعلُ
الهاويةِ الذَهبيَّةُ والوَردية .

107

في جلوسنا الهَش على صخور الوَقت المعفّرة بتراب الحيرة
نمّدُ أبصارنا الذَليلة الى أنهار بَطيئة الجريان ونَنزلُ الى الهاوية
حاملين نذورنا ذات العطور الفَقيرة . نَتلمسُ كسرة مِن حَياة متعفنة .
أنتَ الفاني ولا تدرك فناءك
ومثل ريح تَستَرخي في فراش الحَريق
تَبحثُ الكلمة المتقنعة فيكَ عَن صَيف
تَطلقُ فيه ملح صرختها .
هَل الزَمن ايماءة بلا حراك ؟
هَل تَصقل الطَبيعة حَجر تحولاتنا وتسلط الأفكار المتضوعة على عظامنا ؟
هَل يوّسعُ الزَمن مَعرفتنا أم يَكشف دائماً عن جَهلنا بالطَبيعة وبأنفسنا ؟
ظَهيرة السنبلة التي نَتجولُ عبر دَهاليزها المفتوحة على العَدم
هي الطَبيعة التي لا زَمن لها .
أينَ وَميض البَراهين الذي نَحتتهُ القرون واجتَثتهُ الأجناس في ايابها وذهابها
الى ما وراء السور المظلم للخَليقة ؟
في صعودنا الى أعالي الميراث والجذور، نعايش النجوم الزرقاء لوجودنا
الأبدي والمتحقق ، وما بَين تهشم المادة وحراشف العدم
تَزيلُ الأفياء اليافعة عَن طرقاتنا عوسَج الأحلام والفيروز ؟
افتح يا ربُّ ممرات فَجرك الينا نَحنُ العطاش الى اللازمان
أبوابنا موصدة تئنُ فيها رياح الليل والمَخالب .
افتح أنهار النوم وَسَنواته الشَبيهة بغَنائم فَقيرة .
مفتاح وملح غيابنا يطيِّران الشَجرة وبروقها
يطيِّران لَحظة الموت التي تفصل الثَمرة عَن شَمسها .
يَعكسُ اليَنبوع مرآته ، شَقيقتنا
وَتنفجر البذرة في ايماضة العَقيق المطمورة تَحت رموشنا الَنجمية .

108

أبحثُ في لَيل البَرية
عَن أصداء خلّفتها صَرخة الانسان
عَن جذوة شعلة وَشيكة العودة الى الأنهار
عَن حجارة وتنهدات نَملة فوق الثَمرة المحتضرة
عَن أبواب الزَمن المثقلة بالرماد ، وكلمة ناسك تَطوي انعكاساتها
تَعرجات الشؤم القَديمة لأنصابنا المُتعاقبة .
يَتقدمُ الزَمن فينا
ويشدّنا الى براثنه
كل لَحظة ، نأمة ، فكرة ، اندفاعَة ، برثنٌ وعظام العالم تَرتَمي مستَريحَة
في لَيل الماسة المنعطفة .
هَل نَنتَظرُ الآلهة في غبطتها وَهيَ تَترَقبُ قرابيننا المَشدودة الى السَراب ؟
هَل نَنتَظرُ تضرعاتها الحائرة في لبلاب العبادات وَصلواتنا الفانية والمتهجدة
فوق سهاد العالم ؟ الزَمن سَيفٌ يَشحَذ نَفسَه في الشَجرة الممعنة في تَهشمها
نقاسمهُ هواء الشَواهد المتغلغلة في شفاهنا وَيقضمنا مثل ايماءة موجة تَسهَرُ
في الافصاح عَن شَفافية نَهديها .
لَيل البَرية
العالم
سطوح غيوم تَنفلتُ عبر ضَربات طيور تقّوس الأحلام والاحساسات
التي يوقظها تَثاؤب المرجان في قبورنا التي تَستَعطف الريح .

109

نار الله تَتلظى عبر أدغال وَخرائب حَيواتنا المبعثرة في الهاوية .
أجراس الحَرير ومرايا فراديسه في الأعالي
وعصّارات الفضة خَضراء الجفون في أرض الفَجر المتلألئة .
يَنبَغي أن نَموت ميتة عَظيمة بلا خوف
لا أمل
لا أوهام
لا حلم بوعد .
موسيقى وَصرخات مصائرنا اللامرئية تفرغ حمولتها فوق جسور التاريخ
والقَبضة القوية للنور متنهدة فوق رَأس الشَجرة الإلهية .
مَجد موتنا معصم للكوكب الذي يَنفَلتُ ويَنسابُ هادئاً عبر ليَل الأزل .
يَنبَغي للانسان الواقف كَريشَة في سَعيه المَحموم للوصول الى سلّم الأبدية
أن ينظف العالم مِن قَذارات تَماثيل موته الشاخصة في أروقة الزَمن .

والطَبيعة تَستَردُ دائماً هباتها التي تَمنحها للانسان
يَنبَغي أن نُحيّي أولئك الذينَ رَحلوا وظلَّوا ماكثين في قَناديل الأزل .

110

قنديل وَجهها النعناع وَنهدها المسترخي فوق رموشنا العَليلة ، هُما سَرير شَجرة إيزيس
المحَّملة بأعشاش اليَمام . وَعدها الذي مِن زئبق ، وأغنيتها التي مِن ملح وَتنهدات .
ما أجملهُما وهُما يُجفَّفان ويرِّويان فَراديس وَبراكين العالم . قُلتُ لَها منذ سَنوات :
{ سأنسى حُبكِ هنا في أوروبا} ، لكني نَسيتُ انها كل النساء . الآن اعتَصمتُ بنارها
واعتَصَمت مَعي الكلمة ومياهها المتدثرة بالأسرار الكَبيرة . نَسيم قبلتها المَليئة بالصَلوات
المنحرفة مَع الغفران المتجبّر لشواطىء أنفاسنا . يُغطي عري السَنوات المرتجفة في
قيَلولة القرون . في فَجر ألمي الوَثَّاب الى مراكب جرحها ، وفي قيثارات دَمعَتي
المتنهدة في يَدها المسّيجة بالأقمار . تَحيا الطَبيعة وتشرقُ في كل حين عبر حرارات
عشقها المَحروسة حراسة السنبلة في لَيل الدَيمومة . البَريق الفضي لأصوات عضوها
الجنسي الذي تُنيمهُ وتنعشهُ أشجار الغابات . يُنادينا ليَل نهار ، وتنادينا أوزة سرتها النَحيلة ،
وكوكَب الشفة وَرعشتها . شَذرات عشقها الإلهية وَقناديلها المهفهفة في سواقي حَياتي ، وأنهار صمتها
الذي مِن جَحيم ، سَيقربان حلم الامساك بظلالها المزدوجة الأفياء . لأن في الذَهب علاءها .

111

يَسقطُ على وَجهي سَيف غيابكِ ، ويفقدني صَلاتي . يا ربِّ ابعد مَلائكتكَ عنَّي لَعَّلي
أصالح بذور شمسها والعلامات . آية مَوتي . التصادمات والتعارضات المتعددة لتمزقات
ليَلنا المرفرفة دائماً عبر الشواطىء اللانهائية لنيران عشقها المحركة للتاريخ .
الآن أقفلتُ الأبواب وتَنهدَت رغبة الينابيع الأخيرة . تَنَهدت الاهتزازات وارتعادات
الغَسيل المشروطة بالتوبة ، للصخور التي تدحرجها البروق في الوديان .
احسان القرابين والتقدمات اللامتساوية يَتحللُ وَيَتحولُ الى قرنفل مسّود بَين الأنقاض .
أطالَ الربّ مرجان أيامكِ وقناديلها . أطالَ ظلال أيائلكِ التي تعاقبُ ظَهيرة الجرح
الوَسنان بَين المعسكرات العَميقة لحجارة ليَلي الكَريمة . نامت الآن أنهارنا في غيابكِ ،
نوم النحل في الهضاب كَثيرة الكحل . لماضي عشقكِ ومستقبله فَجر
يتفيأُ تَحت نذور الحاضر .

112

بلاد وَجهكِ العوسجي أنقى مِن خَمر القيثارات ، وليَل دَمعتكِ المتخفية ما بَين التناغمات
اللامرئية لفيروز الآلهة المتعثرة بتضاداتها . شعاع السروة وَخَميرة البركان .
أعيشُ في كهوف لا يَقينكِ وتقودني ظلال عشقكِ في وَتيرات وَتعرجات صَوب
أحلامكِ التعاقدية المبعثرة في حَدائق السَنوات وتنسيقاتها المبهرة . في انعطافات أنهار ضَوءكِ
الوَحشية مِن الوجود الى الصَيرورة ، يَمتلىء الزمان وَيحنو على الأبدية . فراشات صوتك المتنهدة
طوال النَهار ومعابد غيابكِ المسترخية في لألائها العَذب عذوبة النمور البيض ، وشفة نَهدكِ وَشفافية
انشادها بَين الحجارة وَبين البسَاتين ، والنداءات الغَريبة
لصفائح أرض الشَمس التي تَفيض غبطة ومغفرة . أدراج موتكِ المتعرجة
وباب قَبركِ المنحدر صوب أنهار الفَجر العُريان . يَدلان قبائل المرجان في اندحاراتها
على طرقات الليل المصطفة والمتمايلة ما بَين المدّ وما بَين والجزر ، على الحَريق والمرايا .

113

آدم الاغراءات ونسله الهائم تَحت الاعصارات المتعددة للوجود . أكثر الكائنات شَقاء
في جَحيم الأرض . شَقاء في فَجر السنبلة المجّرحة الظلال ، شَقاء في نَدى الأنهار
وتغنجاتها ، شَقاء في أخوة النار ونارجيلها المتمايل في صَلاته على قبور الأيام .
أينَ ديونيسيوس إلهنا الرَحيم والمعذب الذي ناحَت روحه ورَفضَ التَعزية ؟
أعياد الانسان في كل العصور متعرية مِن أشجارها ومِن ضوء الوَثبات ،
ومطفأة كل قناديله المنحَنية على الجبال السوداء . هل كانت تضرعاتنا لافروديت
القَبيحة وعطورها الصيّاحة وَسط مجامر السنديان ، وَهماً وهروباً مِن الثَمرة المتعفنة
للهاوية التي تَنتَظرنا دائماً ؟ في انكساراتنا وهدناتنا الشكوكية مَعَ قَرابيننا
التي اخترعناها في متاهاتنا المضيِّعة والمتماثلة ، في التَخمينات ، في الحَركة والكثرة
وفي عَسل التَحريمات . تَغتَسل أوراق مصائرنا عبر تعرجات الفصول ،
وتبعثر نسَائم حَيواتنا شَرارات الصَيف في الغَيمة الفَقيرة ويماماتها التي تَطير عَميقاً
في ليَل الهاوية . يا مياه . لا سلطان لَكِ على صَخرة تعفنات الانسان . الفراشة التي انجَرحَ حلمها
وهو حلم فكرتنا الوَحيدة عن القطاف . محنتنا شَديدة الوطأة . نَحنُ وَرَثة آدم الاغراءات .

114

لا أحَد يرتََقي شَجرَة الغفران ، والنمر لا ينامُ في حَديقة الظلام . في حَضيض مِن الغبار
والزَمهرير ، ترتَّجُ عَلينا النوافذ وتَتزعزَعُ الأنهار . أعداؤنا بتعدياتهم الشَديدة عَلينا ،
سقطوا في الهاوية وَصَعَدت عندنا البشارة . علَّقنا بنادق الصيد على أشجار الكستناء
وانتظرنا الله تَحت وَميض الأفق والانصعاقات . عبر أبواب أمطار العبودية وفي
صَمت الكلمة الساهية . اقترن الحَجر بالماء وَتقوضت سلطة الوردة ووظائفها
المتماهية مَعَ رَغباتنا الأثيرة ، وسمعنا كاهن الغَيم المتقدم مَعَ صقوره مِن الركن
المكين لأرض الفَجر الفيّاضة بالليمون وبالقصدير يَقولُ : - { بسَبب آثامك الكَثيرة
يا انساناً خاطئاً ، سأدلكَ على مَناجم الذَهب والفَراديس ، وما لم تَحفظ كلمة الله ،
فلا مَفر مِن تَعظيمك } . هل لنَا أن نَنالُ معمودية التوبة نَحنُ الذينَ تُكبلُ ضَمائرنا
الاضطهادات الكَبيرة ؟ هَل تَنسَكبُ على معاصينا البَركات ؟ هَل لَنا أن نعبر مَتاهة
شَقاء الانسانية المتورمة جيلاً بَعد جيل ؟ لا نعمة ، لا تعزية . يَخلق الانسان
الآلهة وَحينَ تَضمحل سَطواتها ، تَزداد تَقواه .

115

في شَرط الوَردة ومسلماتها ، عبر الدراسات المَنهَجية لصيرورات العَصافير .
يَبحَثُ الانسان عَن المقدس لأسباب ايديولوجية ، وَيتَوسدُ في نومه الروث والعظام .
الالتزامات الكَبيرة التي نَتخلى عَنها للسنبلة في فَجر الصيف ، هي توجسات طائر
الخَطّاف بَين الأغصان الهاذية لأشجار الشَواطىء الساهرة في ليَل الأبدية ،
هي تَقديرات الوَردة لتضحياتنا المتعددة للألم العَميق للحياة . في التلميحات الطفولية
والايحاءات المعوِّضة تَنهَضُ دموعنا التي تَتلامسُ في طوابعها المتشابهة دائماً .
انطفأت أحلام جروحنا المتكافئة وانغَلَقت شَمس اليَنابيع . انغلقت البراعم المتكتمة
لارستقراطيات صَلواتنا واستراحت حَدائق الآلهة المتعففة في أعالي الأنهار .
في شَرط الوَردة ومسلماتها ، عبر الدراسات المنهجية لصيرورات العَصافير .
يَبحَثُ الانسان عَن المقدس لأسباب ايديولوجية ، ويتَوسدُ في نومه الروث والعظام .

116

قبركِ المستَريح في سطوع العصمة . عَسَل البَساتين وأفياء العَقيق المنحنية على نيران
السَنوات التي قوَّستها العصور . قَبركِ مرآة الكَينونة . بذور الشَمس وجسر الأبدية .
قبَركِ اللحظة المدوخة التي تَنسابُ على ظَهيرة الشواطىء وَمتاهاتها المتعددة بَين
الصيرورة الناعسة للطَبيعة . قَرابيننا المترنحة التي يصقلها النوم في صَلواتنا
المتمددة اليكِ . أشجار كستناء تَشحَذُ ثمارها لارساء العَدالة بَين فردوس الفَجر
وينبوعه الذي يَتسَلق شَجرة سهاد العاشق . قَبركِ ، انخيدوانا ، النَهر الذي يَغزلُ
أسراره ويَرفَع القنديل . هَل تَسيلُ قَطرات غيابكِ في الزَمان أم تَذوبُ في الديمومة ؟
هَل يَمحو ضوء عشقكِ في انعطافاته المزدوجة ، النجوم وغبطة النَسيم ؟
انغلقت الهاوية عليّ وَتشابهت النساء . تَشابهت الأمطار فوق كَتفي وترنحت
قيثارات السنبلة والحَديقة . صاعقتكِ المنعكسة ، انخيدوانا ، وَسط أزهار الصَمت ،
هي العصارات المذهبة التي ترطب جذور حَياتنا . اسكبي نوركِ الوَسنان عليّ .
يَتآزرُ فيّ الصَمت والاهتزازات .

117

نَموتُ في كل آنٍ بَعيداً عن شَواطىء رَغباتنا وسطَ رياح الادراكات التي تَتعَثر
بَين الكلمة والفكرة . طائر السنونو الذي يُحركُ عشه بَين السروات المرفرفة
في ليَل الصَيف الطنّان ، هو قَلَق الانسان الأزلي في انبثاقاته المتعرجة صوب
السقوط في الهاوية . هَل المادة هيَ الوَردة العَميقة للوجود أم ستار الطاقة ؟
هَل تَتماهى ادراكاتنا مَعَ موضوعاتها ؟ هَل الحَديقة والجبال والأنهار والتراب
هيَ احساساتنا ؟ نيران ارادتنا تُرسخ نَفسها بقوة في ظلمة العالم ، لكن فَجر
الزَمان الممتد بَين الوجود والماهية ، والاضافات المتعددة للفراغ ، تَطيحُ بالعَظمة
الانسانية وَهيَ تَتزَلزلُ وتَتقدم صوب الهاوية التي نُسميها الايمان . الأشجار
المحملة بالأثداء الكَبيرة في طيرانها المترنح وَهيَ تَنفساتنا ، تَخفقُ في الهبوط
فوق وَميض المطلق . الطَبيعة والتاريخ تجليات لروح الانسان الكَبيرة التي
تضيء في رفرفتها الإلهية ظلمة العالم .

118

تنَّور لآلىء جَبينكِ الوردي في لَيل القبلات المرتعشة ، الطرق المتعرجة في مرتفعات
أحلامنا . نَحنُ الذين صَلَّينا في انتظار مفتاح يَنبوعكِ الذي يَتلألأ في سهادنا .
يَسيلُ ذَهب الدهر فوق وجوهنا الحلوة الأسيانة وتَتجددُ الخَليقة في كل لحظة .
أشجار أهدابنا التي يكسوها غبار الصيف والتجليات المتعددة للعالم في تردد قناديل
المادة . اتحدت بالكلمة والارادة العَميقة للروح الكلية ، بانتظار ثمارك السهرانة
التي تتَرَقبُ مَجيئنا مِن فضة الزَمان . أشجار أهدابنا التي يكسوها غبار الصيف
تَحت الظلال الأكثر نعمة مِن عَطايا الآلهة المعظمة . تعاودُ الهبوط في الهاوية
وكلماتنا المنذورة لهيكل عشقكِ ، انغلقت على الطَبيعة وامتدت على بعدي الزمان
والمكان . في أفعالنا المنعكسة ازاء رغبة ما . في نذورنا مِن أجل نَسيم أصواتكِ
اللامرئية تَسطعُ شهب الزعرور البري بَين الاهرامات وبَين الأنهار ، وَتربضُ فوق قمم جبال الفَجر عذوبة غيابك المجلدة الوَديعة .

119

تَستَريحُ في ليَل وَنهار صَلاة اخناتون مذنبات مصائرنا المتعاقبة في الانشاد وفي النَشيج .
تَستَريحُ احساساتنا المقوِّضة والمُسيِّجة بالتوت البري في تبدلات النار المتمايلة ما بَين
ليَل الشواطىء وثمار الصيف الريّانة . أينَ ولّى أولئك الذينَ استباحوا مَشاعل فَجرنا
وقَرابيننا وأحرقوا الفَراديس ؟ استراحت تَحت الظل العَظيم للّحظة السَرمدية أحلام
الخَليقة وانزاحت الأوهام . وانخَسَفت جبال النوم الذي تَعبَث بَراكينه بمصائرنا تَحت
ظلمة القانون الكلَّي للحظة الميلاد المشؤومة . نار صَلاة اخناتون وأورادها الرؤومة
تُنجِّينا مِن الهاوية المتعرجة والمفترسة . تُنّجي سنبلة الحياة التي تظللُ مَسراتنا
وقيثاراتنا في ليَل الزَمان الضَنين . في ليَل ونهار صَلاة اخناتون يَقودُ طائر
الطيطوة مَسيرة الدفء الرَحيمة صوب يَنابيع وَعسل القرون ، ويَزيحُ الثلوج عَن قَناديل ليَل الانسان .

120

يَتَململُ في تجسُّماته المتعددة النجوم ، ماضي حياتي عبر صفائح ذَهب مَتاهات
تَغنجاتكِ الزَفافية . أيتها السَيدة المتألمة والمنقسمة بَين الأفياء الضامرة وبَين النور ،
والمنحنية على غُصينات الفَجر في شدّو الصيف . يا عَقيق الأسرار الذي يَتلألأ
كما ميراث الشهب الحانية على هاويات وجوهنا المأتمية المرجومة .
يا فَراشة نطق الشَمس ويا سَهر الشعلة في تشققات الأيام . هَل لي أن أرى ماضي حَياتي
عبر صفائح ذَهب مَتاهات تغنجاتكِ الزَفافية ؟ براهين صَرخات الحب بين شواطىء لَيل الغياب ،
لا يمكن الوثوق بها ، والنهايات المرتعشة لصوان وقَناديل تَراتيل العاشق في الليالي القرمزية للعَوسج ،
شَبيهة بالتجمدات المزدوجة لغيوم الأمل الرَهيفة . هَل أضعنا بَين ضَمير النَسيم وأشرعته التي تومىء
لأشجاننا وَسط فصول السَنة المرمدة الفطنات ؟
هَل أهملنا عَذاب البراهين ؟ فيروز عشقكِ الذي يفرق اللعثمة في وفرة السنديان ،
هو ما ينجّينا مِن التَهشمات ، وَيزيح عَن رغباتنا وأحلامنا النتانات .

121

ما بَين تَصعيدات رغبتكِ المبعثرة في تَقطيبة شَجرة التفاح ، ومقدّرات شفتكِ الوردية
المرفوعة لسلطان النيران الكامل . تلهبُ سياط السرّ ظَهر دَليل القافلة العاشق في
ليَل الصحراء المتورطة بانصاتاتها الحَميمة لصعود رَغبة السوسَنة وغاياتها
الموثقة في هجرات النسور ، وما بَين شَجرة أغنيتكِ ونعمتها المأهولة بالاغواءات
المدخنة للمشاعل الخالدة لمحياكِ المنتصب فوق ثَمرة بروق العالم ، والتماسات المَصابيح المرهقة حيث يَتفتحُ فَجر الانسان بتمرداته المتدفقة بَين دمدمة الممكن واللاممكن ، وما بَين تنفسات الغَسق البنفسجي التي تَضرب الأمثال لتجذيفات القش الإلهي بَين المياه المهيِّجة ، وضوء الملامسات وجموحها المدلل فوق عشب الأرداف المتقلبة واللاهثة . تتَضوعُ السنبلة المجنحة لسرتكِ وَهيَ تَغطسُ في التواءات الفراش ونبل الدفء المرتخي على عهود وَثيقة مَعَ خبز الخيانات .

122

يَتَكىءُ صيف انخيدوانا على مرايا ثمار ليلي ، ومرآته الرشيقة المذهبة بالبروق ،
نشيد نعاسي اللامع مثل منقار طائر البرهان . غبار غيابها المترنح على الأثداء
البنفسجية الصبورة لقناديل لعثمتي ، يَمتدُ ويَتعددُ على الحافات المتكسرة لضفاف
الأبدية . مياه البحيرات التي تتململُ في يدي الآنَ ، هي الخامات المعدنية لوعودها
التي أضاعها شدوّ الطيور في المنفى . هل تَتلعثمُ الكلمة بَين الذات وبَين الوجود ؟
صوت الوقواق في أصيل الحديقة العظيمة للقلق الانساني ، يوقرُ الأوراد العالية
للحظات موتنا المجيدة . انخيدوانا . يا عظام الصفصاف المُنيرة ويا براكين اللبلاب
في الهاوية . يا نمور الرَغبة ويا ملح الدهر المتلفع بالقسوة . تَشققات ميراثنا
المتعاقبة في لوائح ووقائع التحريمات ، وعناد الأسلحة المصقولة التي تتسلقُ
الأنوار الغرناطية لحجارة هجركِ ، وضَراوة متاهات مجاهيلكِ . لن يباركها الملاك
المحتضر الذي يزيحُ الينبوع عن حشرجته بين الأغصان وبين وريقات موسيقى
الرمّان المتراصة . انخيدوانا يا محطمتي . أيتها الثاوية في زهرة لوتس أيامي .
يا من يستظلٌ تحت أشجار يواقيت سهرها الزمان . طائر الوقواق الإلهي رفيقي
من الصبا ، هو الرائد الطليعي الذي يوصل صرختي صوب ضوء رحمتكِ الطوفانية .

123

أضاعَت طيور انخيدوانا المنخرطة في ثنائية الصَمت والصراخ مواثيقنا في تواطؤاتها
المنعشة مَع الاستعارات المنحنية لغوايات الخلود . في الأفلاك العشبية الخدَّاعة
لشواطىء سَهرنا الحَميمة . في انحرافات لَيل الوَردة المثقلة بالفَرضيات التَعذيبية .
في المطالبات التي نَتمسكُ بها مِن أجل القطيعة التامَّة مَع الانجذابات اللزجة
لمحراث الماضي . في تَعويلنا على البداهات الخَفيفة . تَستحوذُ الكلمة على
صلاحياتنا في ترسيخ البلبلة ، مِن أجل السطوع الإلهي للحيرة العَميقة للانسان
المُسيِّج بالخَدائع المتعاقبة . في المطابقات المتعددة لعَطش الحب ما بَين المنحوتات المتمددة في الشعاب
، تقيِّد الرَغبة في دندنات ديالكتيك الماضي والمستقبل ، لَحظة الموت المشبوبة سروراً في نار التَمهيدات
وناي البَراهين . شَقيقاتنا اللواتي تغرقُ طوفاناتهن
الحَديقة النَحيلة للنَهار ، وأصوات جدائلهن الذَهبية التي تَدعونا لتَدنيس الذَبيحة
المنحنية على أوراق اليَقطين . هو كل ما تبقى لنا الآن مِن التَعارضات
المزدوجة المعبَّر عَنها بتَوطيد الرَغبة .

124

تفك الرغبة قيودها وتستريحُ مَع البروق المتهدهدة فوق شَجرة موت الانسان
المتكللة بالنسمات الرفرافة . هل خابت استقصاءاتنا عن النشوات المرتعشة في
ليل الفقدان المتضوع هاوية هاوية ؟ النور الذي يطوِّقُ المادة وشدَّاتها المتضادة
عبر التقطيعات الموغلة في أدغال الفجر ، يَصهرُ ويبعثرُ كل تصنيفاتنا لحَتمية الموت .
هل نَحتاجُ نحنُ الأكثر تَفككاً في هاوياتنا الى تَمهيدات عَظيمة للصعود الى ضوء القرابين ؟
في انقاصنا لقيمة الوجدان المحرِّضة ، تَزدوجُ مَتاهة السنبلة المرَّسخة التي تقوِّضُ
الرنَّات المتتابعة للحظة الموت العذبة ، وتواسي الشعور بحيواتنا المنزلقة صوب الفناء .
في اجبارنا الرَغبة على التناقضات . في حلولنا المعقودة مَع الكلمة ونحلتها التي تَنقضّ
ُ على ذخائرنا في تتابع الأفياء . في اللحظة المذعنة للخراب . تَتعددُ الأضداد وتصبح
كل هاوية رابية . أفعالنا المسطحة التي تنبثقُ بفعل الرعب مِن تعددية الدوَّامات
المدّوخة للهاوية ، تدمرُ كل استقصاءاتنا عَن النَشوات المرتَعشة في لَيل الفقدان .

125

تَحكُ أنثى طائر الهدهد سرّتها بَين الأشجار المدندنة في الفَجر ، وتفرغُ رَغبتها
بَينَ الأعمدة المصفوفة للسَنة المنغلقة على ذاتها . في المفترقات المتعرجة لليَنابيع
التي أنشدنا فيها صَلواتنا ، اندَحَرت فراشاتنا المصطفة في صيف الساعات الإلهية
وتراكَمت هزائمنا في ميزان الشمس . نَجمة السنبلة المتأرجحة في مرايا الجرح
المنسدل على ضفاف الخريف ، والشَجرة النائمة في جَناحي الملاك – اللقلق ،
والصَلاة العقربية لنفرتيتي في الأصائل النَجمية . غابَت كلها في نعاس الأنهار
وليلها الذي أجتثتهُ القناديل في شدّو الانسان الذي تلوكهُ الظلمة الحانية على أبواب الحَصاد .

126

أضعنا في لَيل الزَمان شهب بَنفسَج وياقوت السَنوات ، وَتركنا ايثاراً لتَوهجات
قيثارات عشقها الظَليلة ، كل نَفائس الأرض ، والآن – اسودَّت رَغباتنا في العَسل
تحَتَ قَناديل عصمتها الهيفاء . هَل نَطلبُ مِن الجبال أن تَسقط عليها لتزيح عن
ضَمائرنا العَذابات ؟ في وَميض وَجهها الإلهي الذي يَهجَعُ بَين الفَراديس العالية
لسُهاد العشّاق . في ملح الأنهار الناعسة في الحَديقة العراقية الطائرة في المَتاهة
التي تبعثر شغفنا بالحياة . في تَقديراتنا البَديعة والنَشوانة لصَدمات العشق حينَ
تراودنا الرَغبات بامكانية الَبقاء اللامتناهي في العالم . يَعلو النَسيم الرواقي
ويهدهدُ ظلال حقولنا تَحتَ نجوم الصَيف التي لأثدائها مَذاق الشَفاعات .
هَل هذهِ الثمرة الارجوانية التي تيِّسرُ ابراء الآفاق مِن هَذياناتها المحمومة ،
هي دَمعة السيدة الشَفيعة المتمددة ما بَين الأروقة المُنعَطفة للزَمان ؟
أينَ انحَدرت مَشاعل أعراس وعودكِ التي خدَّرتها الأيام يا شَفيعتنا الجَليلة ؟
هل اضمَحلَّت مَراسيم عصمَتكِ تَحتَ عَصف مَكين ؟

127

سيدة القَناديل والحجارة
سيدة النجم والحَديقة
سيدة الأنهار وعقيقها
فيروز غفرانك اللامع بَينَ جَناحي طائر الوقواق ، وضياء صَلاتكِ المنحرفة
والمفضضة بأشجارنا المثقلة بالعَلامات ، هُما ما يَجعَلنا نُعالجُ الندبات التي تَركها
الغثيان في براكين أرواحنا ، بالتجرد مِن كلّ التلاعبات والاثباتات الإلهية المُختزلة .
نَحنُ الآنَ بحاجة الى شَفاعتكِ أنتِ . بحاجة الى أنظمة خَطرة تحِّطمُ كل الأطر
المُرسّخة للقانون الإلهي وخاصياته عَديَمة الرَحمة . يَنبغي الآنَ أن نُرسِّخُ تطابقات
حدوسنا وأعمالنا في الانغماسات والتورطات العَميقة لنيران عشقكِ . يَنبغي أن نزيح
الانجرافات المتعددة التي تكتسحُ آمالنا وتستأثر بكل امكانياتنا العَظيمة في
الخروج مِن الهاوية . مفاهيمنا ورغباتنا في التعلقات السَريعة للفناء ،
والاملاءات المظفرة للارادة الإلهية واستأثاراتها المنطوية على شَهوة الموت ،
سَنجعلها تَترنَحُ وتَتبعثرُ في رَماد اللاهوت وتشظياته المتعفنة .

128

في ذهابنا الى الوعود الساهرة في قَبسات الأحلام ، يَستَحوذُ الموت على قَناديل
أشجارنا الفَقيرة ، ويهدمُ كل الأطر المعقدة لصَلواتنا الأثيرة في لَيل الحقول .
يُهدمُ العتبة المتمايلة للوَردة وتَفتحاتها المستندة على الدرج القوطي لشعاع الشمس .
هَل كانت رحلات بوذا وتداخلات أحلامه بين الفظاظات وبين التيقظات ،
تنفسات محسوسة للّحظة الأبدية ؟ يَنبَغي للانسان السير بعظمة في الظلمة
الرَحيمة للنَهار . تَمجيداتنا وتقدماتنا للصَخرة التي تَكتم تَنفساتها عبر الموت والحياة ،
والَتماثلات المنبثقة مِن نبالة وقداسة الَينابيع التي تُفرغُ تَعددياتها في
صحارى انهداماتنا ، وطقوسنا المندَمجة مَعَ التَنجيمات الطَويلة لملاك البَراكين
وهو يَحرثُ أرض اللحظات المتتابعة والمتعارضة لحيرة الانسان .
هي آخر ما تبقى مِن انشغالاتنا بتصعيد الفرضيات المضيِّق عليها ما بَين تشويقات
الرماد والفردوس . هل تُخففُ شهقات الزهور السهرانة في تَجويفات
الحجارة الصلدة ، ارتجافات لا طمأنينتنا في العتمة الهادية التي تَستبعد دائماً
مطالباتنا المتعددة بتصعيدات الرَغبة ؟ أزهار القرون المضيئة في نار اللحظة المدوخة ،
هيَ ما يرسخ الحاحاتنا في ازاحة الظلمة السرمدية عَن تَنفسات قَناديل أحلامنا المرتعشة .

129

في الانعكاسات المعاندة لمرايا تَنهداتكِ وتنفساتكِ المَحمومَة في السَرير .
عبر فراء فخذكِ العَذب عذوبة ضوء الَنبيذ . في نَجمة نَهديكِ المتمايلة بَين
الفصول التي تَسطَعُ فيها زُهيرات النعمة والغفران . تحَّطُ طيور الصاعقة
وتَنتَصبُ أقمار وأشجار ذَهب الفَجر فوق نَحلة فَرجكِ التي تَطنُ طوال الليل .
رَغباتنا العَصية المرتعشة في أعالي أنهار سرتكِ المنّورة الليالي ،
وتوحيداتنا للآلهة التي نَنسفها أمام سلطانكِ في كل حين . وانتفاضات
مَصائرنا المعلقة ما بَين الهاوية والأدراج اليَقظة عبر تهشّمات القَناديل
النَجمية لعَطشنا الى يَنابيع وَجهكِ الذي تُقاسمنا فيه النمور فرائسها وسَفرجل الرَغبات .
تَضيعُ كلّها تَحت لَهب شمعَدانات فَراديس عريكِ المنفَتحة على لَيل أعياد حَصادكِ كَثيرة الغبطات .

130

في تَصعيدات القَنائص لرنّاتها المتقطعة عبر غابات الليل . في اطلاق اليورانيوم
للطاقة العَظيمة لسنبلة الذرة وعهودها . في شعلة العَلامات المدركة للذكرى العَميقة
للطيور النقّارة بَينَ اهراء الغلال . تَنكَشف خَدائع سَهراتنا تَحتَ خيوط الليف
والحلفاء في أرض صَمتك المنحنية على نفسها ، وتعرّي نظراتكِ المصطدمة
بطرائدنا المنقسمة بَين الالحاحات الكَثيرة للخلود ، شَفافية ثمرة عشقكِ وامتلاكنا
لعقيقها ما بَين الأشجار وما بَين اليَنابيع . مرجان بحر شفتكِ القانصة لفَضائل
رَغباتنا ، يدمِّر كل الايمانات الضرورية لمطالباتنا في استعادة البندق الذي
ادخرناه لسنجابكِ أسفل شَجرة الصيف . في التَدشينات المتحفظة لسَنوات
عشقكِ وَعَظمة حدوسنا المترجمة دائماً للارادة والادراك ، يَتعانق الله
والشيطان في فردوس وَعدكِ الذي بلا جسور . ضُمِّينا بَين طيّات رحمتكِ المتحايلة
وخلّصينا مِن التعلقات المستمرة في الحجارة الكَريمة لانتظاركِ بَين شَواطىء الزَمان المتهدمة .
131

في تَركيزاتنا على استثمار لَحَظات شغفكِ بقَناديل عشقنا وفضائله المَخفية .
في تَشديداتنا على المُتغيرات المعمقة والمنقِّية لتنهداتكِ في الرياح وفي هَياكل
الأحلام . تَتوَغلُ مشاركاتنا بصَمتٍ في اللَحظة الضَميرية لنومكِ الذي تَملأهُ
الوَثائق والفَرضيات . العَلامات الوضّاحة لانحرافات غيابكِ ، والأصوات
الاشتقاقية لتَنعيماتكِ في السَقطات المتمايلة للنجوم على الشَواطىء المَأتمية وَفَتحاتها ،
والأرصدة المُعَظمة لعَذاباتنا المنحَنية تَحتَ عصور أشجار كستنائكِ في الصَيف ،
والالزامات الكَبيرة التي نثقلُ فيها السُهاد في فَراديس اللَيالي . تَغيبُ كلها في
أروقة صَمتكِ الطَويلة والمُسِّيجة بالندبات المستَرخية فوقَ شَمس السَنوات .
معالجاتنا وَتَصويباتنا لفظاظات ترملكِ في الهاوية وفي الانفتاحات المتيقظة
لتَنفسات الرابية ، هي نَفسها الاعتراضات التي نَبذلها وَنحنُ نَتناغَمُ مَع الانقلابات
الموصوفة للزَمان . هَل تغرق وَردة صَلواتكِ تَحقيقاتنا في الفَجر ، للعثور على
سَفرجلة الأحلام النَّوارة ؟ الكلمة المُتحيزة لا توحي ، والاطروحات التي نقدمها
بتعاضدات ثنائية لتَكتيكات هَجركِ ، مَشروعات رثائية في مَكتَبة صَدركِ حَيث
يَتجرَّع العشاق لوعات القراءة وَوميض أشواقها ، تَحت هَناء
جَمرَتكِ العشقية وحرشَفتها الساهرة والمرهفة .

132

رَفيقة رَغيفنا وغيمته المستنطقة . يَعسوب سرتكِ ونبيذها الأكثر صَفاء مِن شَجرة
محاطة بالأهداب . ضَباب لأعيادنا المضادة وسخط مرآتها المتدرجة . ضَباب قمح
ساقكِ لعري الشَجرة في ليَل العشبة الصافية . ترنحات منزل وجهكِ الذي يلامس
الصخرة الصلدة لمرتفعات الحصاد ، وصقركِ المنقلب باتجاه اللحظة الأخيرة للرغبة ،
ونهد فجركِ المفرد وصياحه في ظلمة الصيد . قناديل للثمرة التي تحضن نهار
اليمامات . زجاجة عشب الله المتوردة دائماً في غفلتها . غرفة موعودة في شجر
السيسبان المضاء بنوم النجمة المترملة . الحب ناحل ، والعاشق يغني في زرقة
الوادي الأثير لليل . هواء نهاركِ الحسَّاس وسرير الفكرة العذبة بين الاهتزازات
وتمزقاتها . هما ينبوعا أظافركِ في امتداد القوس . ليلكِ ونصله يذهِّبان نهر الملاك .

133

في سقوط الطَبيعة على النجوم . في نزف الوَردة الأليم لثَمرة حيرة الانسان .
في ترنحات عش أمشاط الأفعى الشائهة بَين السَنوات ، لا تَستقيم ضوضاء الميت ،
ولا صلابة حبه البالغة النقاوة في ليَل الصَقيع . ليد الميت دَمعة خَفيفة يغطيها العوسج
بعشب الهلال . رموش أسلحة جرحه المرتعشة في حلم الحريق ، اشارات لخديعته
وبردها الأطول عمراً من صيحة مظللة . أيامه النَقية المفطومة بين الكلمة
والساعات ، نعناع يعرّي السطوة وظلمتها المديدة . تفرغ الثعالب ذبذبات
صراخها في النعوش القرمزية للصيف .

134

ينطلقُ اللهب من رتابة الأغنية في الأوراق المحترقة لصيف الشجرة .
السطوة على الجبين
والغبار في فعل الانسان .
كل ميت وصفاء سريرته
كل برودة ونسيجها .
قناديل حشرة الغراب التي ترهقها مروج الآلهة الملموحة في يتم الوردة
وأيل الأم الميتة في أرض الفجر ، ودليلها الذي يكسر المحراث فوق الجبل
الممحو . انعكاسات لعنفنا المنُدّي طباشير الحياة الجنسية .
في صفاء عتمة البنفسج ودراسات الصخور بين الأنهار المتأملة
سمعنا ترنحات الأمطار فوق غابة البلد المضّحي بقناديله الفتية .
تحطمات ريشة الشجرة في ضوء الخريف
والثلج يحني هامته لمرور انعقادات سهراتنا في حديقة العالم المحيّرة .

135

اهتزازات نجمة طفولة الانسان وانطفاؤها تَحتَ ظلال سَيف النوم .
قبلة بطيئة وباردة تشبه الضفة المطعونة للوردة .
شعلة فارغة .
سهر الانسان المنبطح على ليل الغابة الفانية
سهر عزلته وصلابة لغزه عبر الهاوية المنغلقة على ذاتها
سهر نملته
وجداول ملحه المرتجفة
سهر لعثمته القائمة في الغلالة السميكة للرماد .
لا تغريدات
لا حرائق أمل
لا فيضانات
لا نقاءات .
حدقات القنديل – الكفن
والحمى الخصيبة لظلال الموت ، هما الارث الباقي
للانسان الطائر في نسيم الجرح .

136

كُلما أومأتُ لمنازل غيوم انخيدوانا العَتيقة ، تَحولت الى بركان .
لا ميثاق لي مع النور والمرايا .
أصوات مرتبكة
وفوضى عذابات .
آمال لا تحصى وأوراق ذكريات وَضيئة ، وخَسارات الحب
الصائتة تَترنَحُ فوق مَداخن أحلامي .
لا ميثاق لي مع انعكاسات سنبلة الغفران
وفيض النعمة ووعد شَفاعتكِ .
تَنسابُ حمم البَراكين في ظَهيرة حَياتي وتداهمني الأباطيل .
تَجمَّدت وَردة أشواقي وَخرَّت صَريعة حاصدات سنوات المصير
وَضاقت في حمّى ليَلي الارادة والطاقة المنقذة .
يَنسابُ في نهر نومي المحموم صوتكِ الجَريح ، ويَتضوعُ ميراث الذكرى بين
أروقة الأحلام المضمرة ، يا امرأة تَرعى قطعان عَقيقها وفيروزها في وديان النجوم
الهانئة . أنفاس أشجار جوز حُبكِ الكَبيرة الداكنة الزرقة . راكَمت الأسلاك
فوق نَسيم وَقناديل حَياتي المنزوعة الأثداء . أينَ ولَّت أقمار صَوتكِ الأسيرة
بَين ملح السنوات ؟ أتعثرُ الآنَ بكلمة البئر المنكسة ولا أستبينُ فتنة المجرات .
أتعثرُ بصوت الظلال وَوثائق شتاءات الكرة الأرضية .
تجمَّدت كل أيامي في صخور ومعادلات نواقيس غيابك الشَجية .

137

تغيبينَ في تسكعات طويلة حول غفران الشمس واحسانها ، وحجر براءتكِ
في استغاثته البليغة بين الغرق الصيَّاح ، يجبرُ الوردة التي لا تميلُ الى الجماع
على الصمت . ماسة سيول تنفساتكِ ما بين أثداء سنواتنا المعذبة ، تحتالُ على
الساعات المجهولة لتعليمات البذرة في ظهيرة الحصاد . أيامنا وحظوظنا الشفهية
التي تمحوها متعة الايمان بإلوهيتكِ ، دعابات نجمة طويلة الحزن . لماذا لا تتوقف
القناديل البودليرية لموتكِ عند شواطىء ليلنا البيضاء ؟ نريدُ المزيد من الحضورات
لذروتكِ المزرقة من شدِّة العداوة لقيثارات نومنا واعتداله بين التضليل وبين
التواطوءات المتعددة مع الصرخات . مقصورات الفردوس في وجهكِ الحلو ،
وعدالة مجيئك المتطيرة بسبب نظرتكِ اللؤلؤية لحجارة جوعنا الارجوانية السامية .
هما بصمة الحب وتمرداتها عبر المشاريع التي تضعفُ نسيم مصابيح الآلهة .
رجفة نسمتكِ واحسانك القادر على الامحاء . ورجفة عصافير تطريزاتكِ لعذاباتنا .
هما الأوراد العالية للدرس الحميم الذي تعلمناه ما بين خليج فخذيكِ في
الدغل النشوان ، نريد الآن ليل تنهداتكِ المحتفظة بملصقات نشوتها ،
ونريدُ صمتكِ الذي يتصدر الشجرة الكبيرة للشهقة المحتاطة على هاويتها .
يترك العشاق في التويجات الخفيفة للغياب روائح اشاراتهم وظلام أصداغهم
التي تصعب معرفة اتجاهاتها . نزف البذرة ومداعباتها للشمس العصية الأكثر
شؤماً من لحظة اللبلاب بين المعاصم الرخوة للجرح .

138

انسلال شَمس رموشكِ وَعَتباتها ، وَمديح أسراركِ الطانّة بالصَلوات المنزوفة بقوة القانون،
وَتمطط سَنوات انخطافاتكِ وأنتِ تَصعَدين الهَضبة العالية للرَغبة . ما يَغرينا الآنَ في
صَلاتكِ المَمنوحة للاوز البَري ، هو لَحظة انفلاتكِ الانسانية وأنتِ تُوسّعين أصوات
لَهفتكِ لعباداتنا لتَماثيل صَدركِ الأكثر قابلية على الغفران . في استعصاء وَردتكِ
الغَطَّاسة في السهاد على الانتظام في الصفوف المتمايلة للحُب ، تَطولُ وَساوسنا
المُتَنبهة طوال الصَيف . تبليغاتكِ لعَذاباتنا بالدَيمومة بَينَ تَجعدات الليالي المُمتَثلة
دائماً لتوقيرات شَعب الاسكيمو ، وأرق فَرجكِ الذي يَرشَحُ بيَن غروبات عصابية ،
وتَناسقات تَنهداتكِ المُتكونة مِن شَعائر ومداعبات أضاعَتها القرون ، والمَشيات
الطَويلة التي أرهَقنا بها أنفُسنا صَوب غيوم وثمار سرتكِ ، وَتدعيمنا لحجارة تَنفساتكِ
من أجل الاحتفاظ بالمسلّمات العشقية التي تَتظاهَرين بقداستها . ضاعَت كُلها في
انطفاءات تأملاتكِ الوَردية في القَوانين المُتَسرعة للحُب وشروطه الجَوهَرية عبر
انعكاسات ضَجر ولَطافات الزَمان . لم يَبق لَنا الآنَ إلاّ نجوم أظافركِ وَضَفائرهن .
ونجوم كهفكِ وهندباء مؤامرات شفته المَكشوفة للعَقيق في
نزهاته ما بَين النباتات المخيفة للصلاة .

139

قَناديل أعضائكِ وتفجراتها في الفَضائل المتجانسة للمَناجل الذَهَبية للزَمان ،
هيَ نَفسها التَرنيمات الملساء للجنادب في تحولاتها المضادة للانقلاب الكوني ،
وَهيَ نَفسها أيضاً بروق رَغبتكِ وتناسلاتها في المرآة المزدَوجة والمدوّخة
لسهادات الطيور والرياح ما بَين أشجار الطَيف الشَمسي . التعاظمات المتغلبة
لعَلانية تأوهاتنا الأقل ارباكاً للنوم في صاعقة حلمتيكِ السَميرة للحيازات
وبصماتها التألمية ، هيَ تدفقات تَنهداتكِ وخطورتها المحاذية للأبواب الكَبيرة
لايماناتنا . هَل لنَا أن نحوّل الأنظار عَن تَفتحات بذور سنبلتكِ التأملية في
تَلاصقات الأعياد ؟ لافشاء رَجعات رَعشتكِ التَناوبية ما بَين المنحنيات العالية
لعَسل غفرانكِ في الليل المَملوء بالملح ، تَتعددُ الأضواء المغنطيسية لتهيجاتكِ
في أروقة الأحلام . الأساور المأسورة في يَديكِ البلوريتين ، وَشمس العَدالات
التي أطفأتها غَثاثات دَورانكِ المضني حول الشحنة العَظيمة للخيانة ، والتباسات
قَفزات صَرخاتكِ وارتباطاتها في الوَسائد المنصاعة للانزلاقات في اللذة .
هيَ الأرض الغنائية الشقراء لشفتكِ وَقَناديلها التراتبية الموسّعة للحَدائق
السرية لّلآلىء وَتدويخاتها لمشاغلنا في لَهب الأحلام .

140

تَتفاقمُ انقطاعاتكِ المُثيرة للجَدل عنَّا في تَعاقبات القرون . لا حظوظ لَنا الآنَ في
التَعايشات الطَويلة مَعَ تَدشيناتكِ لمشاريع الحُب الممضة . شعلة لَهفتنا المبُقاة
تَحتَ تَهشمات لَحظتكِ المُنحَنية وانكاراتها . تُثقبها فضة تَهديداتكِِ لعاطفة
الضوء المُتحَجبة بمتاهَة مَصائرنا . في الاجتهادات التَجريبية لصَيف ضَفائرك
المُعدة للطيران في صَمت الحَريق ، والتأسفات الحَميمة لتَشنجات نَشيدكِ في
رَحمة الطوفانات الصَديقة ، والاعترافات وَهاوية تَعقيداتها والتي لا قابلية لَنا
للافلات مِن تشابهاتها ، واحتياطاتنا التي لا تَصونها الفَرضيات المُساورة
لاسراركِ وافشاءاتها . تَتريضُ كُلها تَحتَ قداسات قَناديلكِ المفصولة عَن يَنابيعنا
المضُحية . الاستعدادات العَظيمة التي نَقومُ بها في منتصفات حقول الشوفان
لاستقبال فَجر وَجهكِ الفصَّال للظلمة وَتمهيداتها المُنزَلقة عبر أرضنا ذات
الأهداب الحَدائقية ، والماحاتكِ عَميقَة النَقاوة في آفاق البَجعات الحانية
على توترات مَصائرنا في لَيل الطَيران ووشائجه المُنقَضة على حُميات
مَلامساتنا للعَلامات العشقية وريشها . انطَفأت كُلها وَلم يَبق سوى
شَجرَة ركبتكِ التي تُركز ضوءها وتوسعهُ في حمّى الرَغبات .

141

كنتُ مريضاً طوال الصَيف في مَدينة صداقتكَ الغريبة ، وعلى عَينيّ تَسيلُ موسيقى السأم الشَجية . هَل كُّنا برابرة الايمان وَخشخَشته المتصدعة ما بَين مَخالب الزَمان ؟
مَن مِنا حَفرَ قبر صَرخته المختومة وَسط الجروح السرمدية لعروق السنبلة ؟
الدفء والطمأنينة
هُما ما يَنبغي أن نَتسلَط على ديمومتهما .
الحياة التي استنفدنا فيها كل المصدات اللازمة للشمس الخضراء وَهي ترخي ظلال
الشَجرة ولا تصغي لاجابتها ، وضياء الفضة المنبعث مِن غبار تجديفاتكَ في الموت وفي الميلاد ، هُما القرابين المتمايلة لكلماتنا في تَنظيمات الريح العَصماء .
في الأخطاء المنتصبة لشرائعنا فوقَ وَميض السَنوات ، والاغراءات المتعددة التي نُحملق في عري رَغباتها المعاندة ، والأشجار التي نُكلم مِن وراءها آلهتنا الدائخة في الليل . يَستَمني الصيف كلُّما تَحسست شَجرة دفلى فرجها .
ماء عهدكَ المنقذ مِن عدوان الملائكة المتخفية ما بَين أشجار الضجر في أرض كركوك ،
هوَ الذَيل البَنفسجي لضوء اغتراباتكَ المتعثرة في ليل الهذيان .
عندما أجدفُ في ذروة يأسي ضد موتكَ الكافر ، أو ضد الغراميات الأولى لسنوات مراهقتي المعذبة . تَنغَلقُ عليّ الأبواب العَظيمة للنعمة ويهجرني العصفور والحَديقة .
أينَ أيامنا شَقيقة الصَيف والخمر يا جان ؟

142

في الايقاعات العَميقة لتعاقبات جنونكَ في مقاهي { كوبنهاكّن } ، بَحثاً عَن الانخطافات المروّضة لاكمال تَرانيمكَ المستعصية دائماً ، وعذاباتها الخلاّبة ، يَتشظى نعاسكَ الضَئيل في الأرض المحرّمة التي تفصلكَ عَن الهاوية المطمئنة . هَل لَكَ ملاذ في هَذه المَتاهة التي تَتمددُ وتَتجمدُ في كل لَحظة ، وأنتَ تَقتَرب بصمت وتَنزفُ أقماركَ فوقَ الصَخرة الخادعة ، واندفاعات اليَقين الواهمة التي تُداهمكَ ولا تدرككَ ؟ زهرة الغفران العَتيقة في جَبينكَ ، وفي يَديكَ ناقوس الزَمان والطَبيعة . هَل أحصيتَ مَن ماتوا ومَن ولدوا ؟ ماذا تَقول للبَرية النائمة في دَغل هواجسكَ المدوّخة ؟ ارادتكَ الحازمة في بَحثكَ عَن مَنفذ خَطر للآفاق المُتشابكة التي تخفي فَجر البَشر المرضى ، أضحَت الآنَ مثل حلمكَ المتلألىء . عصمَة لتقدمات الأفاعي في الأنهار القاسية لحلمات أثداء الليل الكَبيرة . ما جدوى أن تفرغ التاريخ مِن حمولته وأنتَ تَتلاشى في الطَريق الى أرض المستقبل المداهمة ؟
ستبقى دائماً الغَريب في صَمت وسَكينة الصفقات المؤرشفة للفردوس والعَسل الأسود لجبال المنفى .

143

في خروجه الأخير مِن القَصر المترف وَحيداً ، بَحثاً عَن التَقشفات والتأملات تَحت شَجرة التين – شَجرة الحكمة . مِن أجل التَيقظات واستناراتها العَظيمة . علّمني أن الآلهة لا قدرة لها على تَغيير انفجارات وخمودات الطَبيعة .
تَحت شَجرة التين ، سَمَعَ الصوت العَظيم :
في العالم ، أيها الناسك ، هناك الكَثير مِن العَدالة
وفي الحَياة ميزان ذَهبي كَبير . حاول الحصول عَليه دائماً.
تَسربَلتُ بنوره الذي ملأ العالم وَفتحت عَينيّ
وَرأيت مَجده الآتي مِن العَلاء ، وَحين أردت الذهاب الى الفرات لأتطهر
مِن خَطاياي . قالَ لي : { استحم هنا . لا تَذهب الى الفرات .
كُن رَحيماً بالكائنات كلُّها ، واذا لَم تَنطق كَذباً وَلم تَقتل روحاً وَلم تأخذ
ما لم يعط لَكَ ، وعشت متأملاً في أرض انكاركَ للذات .
ما جَدوى الذهاب الى الفرات ؟
احفظ هذه الوَصايا
وَسَتكون لَكَ عندئذ كل قَطرة مَطر الفرات .

144

المصابيح ورائحة النجيل فوق ساعات قبورهم ذات الظلال المتذبذبة المحمومة . عطايا فقيرة تتجنب الظل اللزج لصلابة الايمان . كانت عطاياهم التي دفعوها للآلهة المتوترة ، عاطلة من كل نغمة وسلطان . انهم قتلانا المضيّق عليهم في كل الدروب والذين يسيرون بتثاقل في أحراش الماضي ، والذين أضاعت خواتيم أعمالهم مشاحنات الأدلاء في البرية ولم يبق لأحد منهم غصن عنب . قتلانا الأجلاّء ، في الغبار العاصف عند منتصف المسافة الى الأبدية وجدوا شجرة . في الشجرة حانة . لكن الخمر والماء لم يرّويا عطشهم للموت وللميلاد . أرض الصلوات المتخمرة التي شبكت أنهارها لنار قرابينهم في صيف الفراشات . فتحت عروقها المتضخمة لأشجار حيرتهم في صحراء النهار ، وخذلان قناديلهم لهم في حملاتهم ضد ملائكة الرقاد في الظلمة المتحركة للفراديس . مجاهداتهم المستمرة طوال الليل في سعيهم للوصول الى أبواب الفجر المتلهفة للانبثاقات والعناصر الجديدة التي يحملونها بدفء واحسان ، انحدرت مع ارادتهم صوب الرؤيا العميقة في اجتيازهم لرمال الرغبات ، من أجل التمثلات الحارة للادراك في أرضه النيزكية . كانوا في أشواقهم للمطلق وهو يتلألأ في تألقاته واشعاعاته العظيمة والرحيمة ما بين الحجارة وتنفساتها ، وفي ترفعاتهم البطولية التي اتسموا بها دائماً ، يدركون الطابع الزائل للأشياء في العالم ، لكنهم في ضوضاء الفجر المتخلية عن وظائفها للتعفنات . ذابوا في الصيرورة الأبدية للارادة في ألمها وفي حسرتها . أشجار الصفصاف تومىء دائماً لروابطهم ومواثيقهم معها في كل العصور .

145

وردة الماهية يا صديقي ، لا تتفتح إلاّ في ليل ضجرك المقيم .
هل كنت معي في المسيرات الاحتجاجية لكهنة آمون في شوارع { طيبة } ؟
كانت المتاريس والتحصينات قد هجرها إلهنا ولم يعد يمدّ
تراب الأرض بالنسيم .
خيَّم النسيان على الشجرة
خيَّمت الخشونة في طريق الحديقة
وظللت شمس وجوهنا شباك العناكب .
في الومضات المطمئنة للنبيذ الباكي يا صديقي فوق جبينك
الأكثر لمعاناً من الغفران
يكشف جوز البلوط ، نديم النار النقاب ويواسي الطبيعة .
والزمان
هو الستائر المرفرفة في نيران الأزل .
سيكون المستقبل هو العودة الى الماضي
وسنموت ونحيا في اليوم عدة مرات .

146

يحطُ طائر موتكَ الجميل فوق الأشجار المنتصبة دائماً في الصقيع ، وتفسد الذكرى خميرة رغباتكَ حين تضغطها قناديل الصيف . في سعيكَ الحثيث للاحتفاظ بخاتم الشمس ، وفي تأملاتكَ تحت أحجار الماضي حول وطأة الأيام . تتمددُ مرايا شواطئكَ المطوقة بنور الموت ، وتحترس من الفساد . انحنت فوق حرير ليلكَ الرياح . انحنت سنوات الفقدان والأشواق . أيامكَ المضّيق عليها ما بين الوحدة الصديقة وأشجار كستناء الصمت . متاهة يصعب علينا اختراقها . هل فشلتَ في العثور على صخرة رحيمة تستريح تحت شمسها في هاوية الزمان ؟ في غاليري { الفينيق } وفي حانة { الياسمين } بعمّان كان الكثير من الفتيات يحاولن أن يرضينكَ جنسياً ، لكنكَ كنت تتحدث عن باسترناك وتحيا لحظات حداد طويلة لموت دزدمونة . كنت تود لو أن ملاكاً يقاسمكَ صمتكَ وخمرتكَ القوية ، وكنت َ تطعم الطيور المهاجرة وردة أحلامكَ ورغيفكَ الشفيف شفافية الاحسان . النبضات المسموعة لتأملاتكَ في الأنفاق المتعددة للامساك بالضروريات . إمحت الآن كلها . هل يدفعني شعورك بالقرف من كل شيء الى التوبة ؟ الحب والحقد . الذهب والعقيق . لا يغيران انطباعاتكَ عن اللغو عديم الرحمة الذي تمنحنا إياه الحياة .

147

لعبد الوهاب البياتي في صبح الخليقة فردوس وأدراج ، وله في شبابيك القرون رونق الذهب واشراقة العشاق . هلكَ الفقراء في روضته رحمة ونشوة ، ونام الغمام الشيرازي الطلعة على العسل والديباج . مضى الملوك وتهدمت القلاع , وغطست في النسيان سطوة الطغاة ، وما لاح لهم أبداً نهار ، وظل الطالع السعيد لنجمة موته صائت الأقمار . تنام بلابل انخيدوانا في بستانه عاشقة ومطمئنة ، وجادات شيراز الناعسة ، نعمة وشفاعة تفيض . في أسفاره الطويلة وشوقه الى الامساك بعشبة ربه المنعشة ، كان يريد الفناء في المحارات المضيئة لعدله العظيم ما بين الحشائش العالية للأسرار وصمت السيرينيات في الشواطىء الدامية للحكمة . يا عبد الوهاب البياتي . يا معلم النجم والصيد والايثار . نحن الآن بحاجة الى المزيد من توضيحاتك للتمائم المخفية في نار التقبيل وفي صلاة المتاهة وأفيائها خفيفة الحمولة . لا نجمة تضيء ليل موتنا في غيابك ولا نشيج ، والأدلاء أضاعوا طائرهم في الضحى ونجمتهم الشفيعة ، وغابوا في أشجار قطن الصمت والنسيان . الغصن المعقوف لنار حلمك ، يخشخش في باب عصر أضعنا مفاتيحه في الترتيب الممل للرغبات . انقطع الآن يا سيدي المطر وتفتحت أنفاسك الوردية فوق الجسور . صيف نسمتك القصيرة وطيران ظلالها العميق فوق المستشفيات النجمية لحيرتنا المعذبة والموصولة بالأبدية ، يغرق الجهات كلها ويحول الرغبات في أحلام العشاق الى عشب يتجمد في شفاه الهاوية . وحدها في رماد القرون ، تحرس طمأنينة البرق الإلهي روضة وردك الندية العائشة في الشمس وفي قناديل الضمير .

148

تتمرأى في ليل الانسان تشابهات العظام ، ولا يثبت الايقاع .
هل تفصحُ النجمة عن ظلمتها في البروق البلهاء لحيواتنا المختالة والمقتنصة ؟
هل يفصحُ الموت عن أوراق أشجاره المترامية في الشروط القاسية لاجابات الصيف ؟
نتقدمُ صوب أرض المعركة وفي يقين كلٌ منا ، العديد من الندبات والمفارقات :
جنرالات بثياب المسيح يهشمون ألأقمار الفقيرة للأشجار في المدينة .
ذئاب جائعة تطاردُ عبر المنحدرات الصخرية أحلام الانسان .
ديونيسوس بأعياده الإلهية العظيمة ، يصغي لموعظة الشيطان في المرحاض
ليس للانسان في تعاقب الفصول ، سوى دفء أحلام الكلمة والانحدارات المتعددة لحجارة القرون .
ليس له سوى مفاتيح الأنهار التي تدفىء فضاءاتها ، زوال الساعات وأرض اللاعودة .
ينزلق صمتنا في كل آنٍ ، ويدوّي في آبار النسيان عتاد الأحلاف ، ويتلاشى الوميض
الحرّ لتنفساتنا في الغسيل الأخير للغبار .
لا عصف ولا اعصار
ولا ومضة ولا ظلام
خمدت في عروق الأرض وأوغلت في صمتها الأقمار
وانطفأت تحت كونكريت الرغبات المشاعل
وها نحن من جيل الى جيل ، يستحوذ على تمزقاتنا الخراب
فيا بروق آلهتنا ويا رحمتها التدميرية في الصحراء وفي الخلجان
تقدمي وانسفي طحالب هذا الليل الذي طال ، وخلصينا من عفونات الستائر
المتعرجة لأحجارنا المريضة والنائمة في جحور الأرانب وسحب العظام .
هل بوسع الانسان المحاصر والوحيد في حقل الشوفان
أن يطير كما تطير الجبال ؟
هل بوسعه أن يجدد ميثاقه مع الطوفان ؟
تتمرأى في ليل الانسان تشابهات العظام ، ولا يثبت الايقاع .

149

للموت سلطان
ولنا سلطان .
تبدأ رحلتنا الأخيرة صوب الهاوية تحت الايماضات الكستنائية في الأوراق النحيلة للخريف ،
لكن في تعرجات الطريق يضيع النهم الانساني ، كل الدلالات والارشادات .
يلزمنا الآن التقدير الكامل للوصول الى الهدف والانصات الى أصوات طرائده المتعددة
من أجل الحفاظ على الوديعة التي سنخلفها
من أجل الكرامة الانسانية
من أجل الأنفاق العميقة والموقظة لمصائرنا .
تموت أختنا النملة من دون رغبات أو توترات ، في الحقل الشذري لحياتها ، وتكرمها قبيلتها ، لكن موت الانسان لا يجلب له الرحمة . أشجار الرمان هي من تختار موتها وتبقي على أولئك الذين يتسمون بفضيلة ما . جميلة كل المصائب والآمال المنغلقة في الريشة الثقيلة لحياة الانسان . الأحلام التي نحترس في السير ما بين طرقاتها شديدة الدفء ، وباب الوجود الذي نود لو يبقى مفتوحاً في وجوهنا الصقيعية الى ما لانهاية ، والطمع في تمدد العمر ، والعادات والقوانين اللامتكافئة . بامكاننا الآن أن نصالح كل هذه الأشياء مع ثمار ضمائرنا الأسيانة ونتخاطب بصلابة مع نحّات الأزل ، ونكمل الرحلة من دون احساس في الخسارة . انني الآن أتصفح مجلدات قديمة عن عبادات الشمس وعن الغناء عند شعوب طيور السمان ، وأدون احساساتي في الموت ، لكن تفكيري يظل عالقاً في الذين سيولدون وعندهم رغبات رثة وفقيرة . النجمة المنعكسة في الينبوع وفي مرايا الحديقة ، هي صورة الغائب . كل من يموت يبقى ماثلاً هنا في هذه النجمة . يشدنا الماضي ويشدنا المستقبل ، وما بينهما يثبت أصواتنا الأمل في ضياء فراديسه العالية . كل عفن في الغصينات الشفيفة للحياة ، يمكننا ازالته بشرط أن نتخلى عن ضعفنا الانساني ، والعادات غير المحمودة التي نتسم بها دائماً .

150

رغباتنا الراهنة بحاجة محمومة الى تثبيت التألقات الفريدة للرحمة الإلهية على الأشجار الهرمة والمريضة للعالم . ما هي أهدافنا في النهوض المؤلم صوب الفضائل المعرية لأسرار وحدتنا في هذه البرية الغريبة ؟ ينبغي للانسان أن يطرد الألطاف النحيلة للسلوك الاجتماعي ، ويناجي النمور في صلاته بأنانية حادة . نحن الآن بحاجة الى انتفاضة فريدة ضد وضعنا البشري وشروطه العجفاء . ينبغي أن نغيّر العادات والاعتقادات من أجل صيانة الزهرة الذهبية لكرامة موتنا . لا فرصة لنا في الخروج من هذا البؤس الذي ينضج في كل لحظة . عبرنا مرات طويلة الحاجز الأخير للسأم ، وانزلقت حيواتنا في متاهة من المصائب والعلل . هل يظللّنا غفران الآلهة في تلاصقاتنا المحكمة والموصولة بالهاوية الممتدة عبر اللمعان الأزرق لفجرنا الأسيان ؟ في الظلمات المعادية لأشجار ضجرنا وتمايلاته الحادة . في رطوبة العتبات المنهكة لأبواب نومنا الضنين . في الفضاء المسموم لصمت تنهداتنا وجذورها المتقطعة في الظلام . يحطم الأمل المرّ كل دفاعاتنا في الليالي المتهدمة ويطفىء الوشيعة الفقيرة لذكرى موتانا في الغبار وفي النحيب . في نجوم فراشات صرخاتنا الحمراء والسقوف الطويلة لسنبلة الحياة . نصعد مع نفائسنا الى الهاوية في ارتباك عظيم ، تاركين خلفنا عطونة أصداء وعيدنا لشمسنا المغبرة وشعلة الغريزة . يحتاج الوضع الانساني الآن ، اخلاصكِ أيتها الآلهة . يحتاج شرارة احسانكِ وحنان الرقاد . لماذا لا تستثير صلواتنا المرفرفة في الوحشة المضيّقة للنعمة . البراكين العظيمة لعطفكِ ؟ يحمل الانسان في ليل الحيرة على كاهله وهو يرحل الى أرض العظام . خسته ونفاياته المصففة ، ولا ينال الرحمة المشجرة العتيقة للآلهة .

151

نجوم الصيف المعادية لضرائح حكمائنا المتحركة في الزمان ، وتسكعات الملاك الأسود ما بين الأفلاك وما بين المذنبات الميتة والحية ، وريبته المعهودة من العودة الى الأرض الشائخة ، والتماسكات المهتزة لهجرات طيور الغاق التي نلحظها في الاعياء الواضح لتعرجات الأنهار في الغروب . مرايا متقلبة لموتى بلادنا في الصقيع الحميم للمنافي . لا تحجبنا هذه التغريدات الرهيبة للطيور عن نور موتنا الشفيف ، ولا تجمّد خطواتنا شديدة اليقين في الوصول الى الهاوية ، الغضبات البغيضة لمصائرنا . تزلزلنا ذكرى من رحلوا في الأصائل العطرية والارشادات الضئيلة لهجرات الكواكب ، ولا اجوبة لدينا عن التكدرات الدائمة للمناخ في طوابع السنة ، ولا التوازنات السرية في الافصاح عن رغباتنا المحطمة . وحدها موسيقى نمش وجوه موتانا الأجلاء ، تشتعل برحمة عظيمة باتجاه الملصقات الكبيرة للفضاء الخارجي .

152

تلفحنا في تشعبات الألم نار الرغبة ونار الزوال ، وتركلنا التجلدات الضخمة لجدران الأحلام . لا لآلىء لنا في الممشى النحيل للفناء ، ولا شواهد صديقة في صحراء الفقدان . هل نحتاج الآن الى اصلاحات جديدة في ايماناتنا ؟ لا شيء يجمع بيننا وبينك يا انزياحات الأنهار ، ويا توترات الشواطىء في هجرات الرمال . تتمايل في كل لحظة أنفاسنا في الظلمة الشديدة للحيرة ، ولا دليل يحكم اغلاق الرتاج ، وتتشظى في الرنين العالي لوجوهنا فراشات الآمال ، ويمتنع النور عن الاجابات . نمشي تحت الشمس الحرّة في خنوع تام ، ويقلبنا البرد في ليل العزلة من دون شفاعة أكيدة . أغصان أيامنا القلقة مندحرة منذ الأزل في الهبوب الطويل لضجر الآلهة المحايدة ، والكلمة تصدح بألم في السفوح الزرق للفجر الوسنان . لماذا لا توسّع الأفعى فحيحها في التحطيمات العمياء لتعرجات الصيف ؟ في موت نبتة أو طائر أو انسان . تنفضح خديعتنا التي أورثتنا إياها أوهامنا الجليلة . لكننا في الارادة الموجهة الجسورة ، وميراثها المنقذ من صقيع الملائكة الذي أذعنت له المرايا في دوران الأجرام . نمشي تحت الشمس الحرّة في خنوع تام . لا صلاة لنا الآن إلاّ صلاة اللاكينونة ، ولا غفران لنا إلاّ غفران اللا دينونة .

153

أقرأ في لحظات فزعي باسم آنوبيس ، صلاتي الجنائزية من أجل راحة أمواتي وراحتي .
ذكرى سفرجل حياتي الدمَّاع
والقرعيات التي حلمتُ في امتلاكي لها بالفردوس
والصموغ التي تعثرت فيها في الوطن وفي المنفى
تتخاذل كلها في تعبي على هذه الأرض وتضيعني في المتاهة الليلية للمصير .
ها أنا الآن أضعت في الأصائل المتعاقبة دلالة التاريخ ، ونسيت النوم في التيقظات التي يصعب الانحراف ما بين ممراتها والحافات المنزلقة للزمان .
في العطونة الفائحة لطقوسي اليومية الاستعطافية من أجل التألقات الخفيفة لضوء الكلمة وكنهها ، وفي الرفرفات السود لأيام حياتي الصائحة تحت الترائك القديمة لماضيّ ، وفي الرنين المتشقق للون النحاس في الغروب . تضغط على أعصابي التخرصات المؤسفة للحياة في وداع من أحببتهم .
لا ثمرة الآن لي ولا زلازل
لا بركة ولا سراب .
التهدلات الهتَّافة والظليلة لرموش ايماضة الصائد الذي يطاردني ما بين الشقائق المتنفسة في الخميلة ، والنهضات المندفعة التي تخّدر الفراغ والظلام في الأعالي المتيقظة لوردة التابوت . هما ما يجعلا ظلال موتي الهانئة والمقصوصة في المنعطفات النجمية للصيف ، أكثر نعمة . ندى السنونو وعطش الغريق . تنتظرهما الريح المتكسرة في شهادة القناطر وأسرار الأبواب .

154

حَنّت الى سرر لي وأسرار ، وحنَّ لها السرير
وانطبعت فتوقها في بيرق البرق ، وماضيّع النرجس الولهان لها التورد والعبير .
كهناء من ملل أثقبتها لوائحه ، وماجت شعقاتها في صرّة الصرير
تقول للعاشقين في دلال المدل . ميلوا على بصر الأبصار
واغزلوا جلسة في حسن صفصاف السعير
دانت لها المشركات ودانت قواميس الفواريق
وانحدرت في لعب ، لا وية أعناقها القراقير .

155

عباداتنا التي نزنها بفوهات البراكين ، تكسرت صناديقها العتيقة في غابة الصلاة ويبست المحاصيل . في استخداماتنا الخاطئة لكلمات رحمتكِ وأصواتها المعانية التي نتركها خلفنا في تقدمنا صوب الأبديات . تطير الخطّافات بين أشجار التفاح طوال الليل ، ولا تفضل النوم فوق أشجار أسرارنا شديدة الالتهابات . هل تتبين الفصول الشدوّ العاصف لصمتكِ ؟ هل يمكننا اغفال مخطوطات ذهب وحمرة وعدكِ في ذهابنا للاستشفاء من سلطان عشقكِ المشؤوم ؟ تتخفين في ظلمة العصور وتدلنا عليك بروق الآلهة وأهدابك الفضة .
نجوم نومكِ التي تتفاوض مع الأنهار وتعود الى السماء برسائل خادعة ، والتخمينات السحاقية لأشجار القنب في أقمار الصيف ، والتبادلات الفعّالة للرأفة بين الكواكب ومداراتها . نرقبها كلها عبر تعثراتنا بالجادات كثيرة الألم في الحياة .
في انفتاح سرّكِ على الطبيعة
وفي أريج نباتات الزنبق مفتوحة العيون في المنفى
تتوسع وتنبسط رنّات صوتكِ الهلالي . عائدة في الفجر الى شواطىء عشاق الطيور .
الحبّ معبر طويل
والقبلة نهاية الحصباء .

156

في تقويضنا للركائز المصفوفة لقرنفلة نومكِ وعقيقها المتخفي في التماثلات والتجريدات المصححِّة لأمراضنا العشقية ، وفي تشديدادتنا على التطلعات المحمومة صوب نار شفاعتكِ المتماهية مع صيف السنبلة والعطور المغالية في يقينها . يلتحمُ البؤس الانساني مع بؤس الطبيعة . هل ينبغي تحويل اعتراضاتنا ضد قوانينكِ وضد الخواص المتعددة لحجارة عشقكِ الكريمة التي تحرس أبواب عافية العالم ؟ مصابيحكِ { المنقوعة في شفاعاتكِ }* وكلمات حلمكِ المتناظرة . تجرد لوعاتنا شديدة الأشجان من أغصانها وشدائدها المعلِّمة . هل يترك الله صلواتنا وقرابيننا لقلاع عشقكِ ، تذهب منسدلة في الرياح المنكشفة لسقوف الايمان ؟ الشذرات الضئيلة لفجر أساليبكِ في الاحتراس من جنوناتنا . تجعلنا نبدل مناهجنا الراهنة في تعلم صلاتكِ وأنهارها التي لا يكشف ميثاقها إلاّ التخفيف من اندفاعات افتراضاتنا ، ومشياتنا المتعرجة على الشواطىء الصيفية المنفصلة عن ظلال السنة . تنوِّر نظراتنا المجذافية الحديقة المتنفسة لسطوات سهركِ في برق العقاقير . وغلبة لؤلؤة سرتكِ المتلألئة في نسيم الصراعات في الخليقة ، والأنغام مطبقة الجفون في المنازل الشراعية لأشواقنا ودسائسها . هما ارثك الباقي في عناق الهزائم المضحّية بعسل خيباتنا وشفاعاتها العنيدة .

* انخيدوانا

157

تتعدد في ظلمة البؤس الانساني وفداحة تشظياته ، اخفاقاتنا المستمرة في الوصول الى القنديل الموصل صوب الحقل والباب . فرضياتنا الأساسية في الحب والموت ، استناداً الى خبراتنا العميقة في عداوة الأنهار وصياغة القوانين تحت أشجار اللبلاب ، هي الركائز المترسخة لحيرتنا وتلعثماتنا في الحاضر المتحقق وبذرته المتحفظة . المصابيح المسموعة لاحتضار الانسان المتمدد ما بين العدم وما بين الماهية ، والحشائش الغليظة لعطونة حياته في عسل الشمس ، وصمته غير القابل للترميمات وسط ظلال الزنبق في الصيف . تتابعات منظمة للّحظات الثابتة للزمان .
بعيدة قناديل تيقظاتنا وصامتة ضربات أجنحتها .
تخفت في عجز الوردة عن اعطاء أيّ معنى لأريجها الفقير . ايضاحاتنا المنهجية دائماً وترتيباتنا للأفكار ، وللتخفيف من شدة صدماتنا المستمرة في ليل العالم . تتجسّم صخرة سيزيف في كل حين ، وتعذبنا أحلامنا وشواطىء نجومها القاحلة .
مستشفيات كثيرة تدوخنا مشياتها المتعرجة الطويلة فوق رماد أيامنا ، وتهدم صيدلياتها المفزعة أسرتنا وآمالنا المصابة في الشلل .
أشجار الحياة المحملة بصليل أسلحة مشحوذة . يعذبنا وميضها الأكثر عذوبة من القبلة في كل فصول السنة .

158

في انزياح العتمة عن الصلوات المتهجدة لطيورنا وادعاءتها الرنّانة في المنفى ، وفي الالتباسات المحيرة للمادة ورفرفاتها فوق القرابين الفقيرة لأنهار بلادنا ، وفي سطوع هاوية تعويلاتنا المتشككة على القوة العظيمة لنسمات وظلال الصيف الذي ادخرناه في الهاوية . نمزج العتمات والقبسات في الرياح القانصة مصائرنا وظلال الأحلام . تعلقاتنا الممتحنة في فراغ الضفاف المتهشمة ، وجسامة الأعباء المفروضة علينا في التخلص من الشهقات التي لا نطيقها . هما ما يحيّران آمالنا اللامنتهية عند العتبة الأخيرة لضوء السنبلة .
لا قدرة لنا الآن على الاندفاعات الفيّاضة ونحن نواجه اللحظات المترجرجة في عبورنا الأرض الى الحضور الأكثر تحققاً وصيرورة .
نحن الآن بحاجة الى فضيلة اللاطمأنينة من أجل العبور الصلب لهذه المتاهة الطويلة .
من أجل الكرامة الانسانية واشعاعاتها التي تدمرها البداهات الشيطانية للعادات والايمانات القديمة . من أجل أخوتنا للتراب والمطر والجبال المتعالية .

159

بعينين مرّمدتين ندى ومغفرة . أتمشى عبر شواطىء ذهب ليل الشفيعة . تنسج عرّافة الفراشات في استراحاتها برق حياتي ، وترفعني بغفران من هاوية يأسي قرنفلاتها الطويلة . في الرهانات العديدة حول امكان انعطاف نجوم شفاعاتها صوب أرضي القاحلة ، ونسيم عشب سهادي الذي بعثرته احساناتها وجواهرها الزفافية ، وفي بحثي الطويل والمحموم عن الأنساق الأكثر رحمة للحب فوق ضوء نهد النحلة ، وفي تحديدات السنبلة للمظاهر المتعطفة للعادات العشقية الظليلة في المشيات الى تلامساتها المنعّمة كما النعمة الإلهية .
أترك صلاتي التي ستصوغ جنّاتها بعد موتي في الأثير .
العاشق الغطّاس في أشواقه النحيلة
ترتق قيثاراته المعاقبة أشجار التفاح
مجازفة في جحيم الصيف بأيامها العليلة .
لم يبقِ طائر الشاهين لتعرجات صوتي في مواجهة الزمان مع فضتها الأساسية لماضي الذين رحلوا في ندى نيران الضفاف ، أي طموحات متشوقة للعناقات المتلهفة .
يتبعني النشيج وشوائبه من دون رحمة ، وأنا أتقدم صوب شرارات موتها المصطفة في نهر حياتي . أين صاعقة نشورها وقريناتها العديدات في النداوات العظيمة لصيف الحب ؟
التعميمات المتعددة لنشيدي التي استخلصتها الرياح في المديح الطويل لذهب وجهها الوردي الجميل ، والاثباتات التي أستدل بها على الرهانات الأخيرة لشفاعاتها وتمثلاتها عبر سنوات الماضي التعويضية ، للتدليل على الانخطافات العشقية في شمس موتها . اختفت كلها في الانصياعات التلقائية لنداءاتها وتردداتها المعذبة في هاوية الزمان .

160

سنوات طويلة تزّكي الصقور أمثولاتنا في هذه البرية ، وتميط اللثام عن تجرعاتنا للضجر الذي تنقّيه حرائق أعماقنا . كلماتنا تتقوس في الصمت ويجرفها رماد الآفاق . الرغبة الحقيقية هي أن ينفلت الانسان من عهوده الأشدّ صرامة ، الى مواثيق أكثر شفافية في الرقاد ، وفي تفضيل الصخرة على الوردة ، وفي الترددات وصعوباتها على الدروب المتعرجة للموت ودعاماته المنزلقة والمشؤومة دائماً . هل من تحطيمات لهذه المؤونة الفقيرة التي نواجه فيها ريش الشمس في المرتفعات ؟ أيام الانسان تتبعثر في صخرة سأمه عبر الأصائل المخوّفة . لا البالغة ، ولا الأقل ظلمة . ثقل الحيرة في متاهة العيش ، هو مايوسم العتبات العالية لتجلداتنا ونحن نتقدم صوب السرير وظلاله الأبدية . حيوات كثيرة ترفض الهروب من التخويفات المصلصلة والزائفة للحافات المنزلقة على أفعال الخير والشر ، غير أن الندم هو ما ينبغي الحذر من فراغه العقيم . كان ينبغي أن نترك الضوضاء تبعثر أشناتها في الساعة المنعزلة الغليظة لفجر المستقبل . لا تهمنا الصعوبات الآن . الحياة بحاجة الى فضيلة الأنانية أذا أردنا أن نصون ضوء الوحدة . لا علامات ، ولا يد شجرة تومىء وتدلنا على ذلك المكان المصطفة في جوانبه الفاقة والبؤس . للحصول على حاجز حقيقي يمنعنا من رؤية الصلابة الشديدة للتفاهات . ينبغي أن نحفر لأعدائنا شواطىء أكثر ظلمة . في هذه اللحظة المداومة يود أولئك الحمقى أن تتخلل النيران صقيعهم وأنفاق حيواتهم الممتقعة . لو كانت لهم القدرة في الصيف على ازالة الانعكاسات والظلال المنفصلة عن ذخائرههم ، لاستعطفت الينابيع صواعق سلطانها وحرثت نوم احساساتهم اللزجة . انسان الكلمة الممهورة الصادرة من العينين المتواضعتين . يسير ويتحدث مع سنبلة سهره الجنائزية . لا يميّز العصفور المؤتلق في اصطدامه بالشبكة ، الصوت المقوس لوجنته الكستنائية . كل اثم هذا النهار يفرّ من الأجمات المتشابكة لحلم الانسان ، ويظفر بفريسته بين أعشاب وقبلات ضائعة . لكن الخوف يصل الى ذروته في أيلول العظام ، وتورق في نوم شقيقة النعمان البراعم المتجمدة لماضي حيواتنا . شمس آلهة محبوبة تتوهج في ضمائرنا وتعيننا على السهاد . مشدودة الى الهاوية وتتملى صورتها ، حياة الطائر الغرّيد في الغابة الممتحنة .

161

في تحديات الانسان لهذه الأنقاض المتعاظمة منذ بدء الخليقة ، وفي الاحاطة المعذِّبة للشمس بندى قبره الذي تنمو فوقه تغريدات طائر الشحرور في الفجر . لا علامات هادية ولا تقنيات تنزع الظواهر الغريبة في تصوراته عن اللحظات العظيمة للفناء . هل تنبغي الاشادة الآن في محاولاته الدائمة للوصول الى الهدف وكشف القناع عن المصدر الأساسي الذي تنطلق منه الغثيانات ؟. يضع الانسان الفرد وهو ينزع الجوهر اللّماع عن المطلق عبر ادراكاته وتأليهه لنفسه . صخرته فوق أبدية الطبيعة ويتحلل بعيداً عن نوعه .



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثيتان
- ما ينشده الشيوخ المحقى
- كتاب صوت سنبلة قمح لم تولد
- مرضعات الموتى
- العتمة اللامتناهية للفناء
- يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر
- سهر الشجرة وعطورها المنذرة
- أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء
- للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
- عندما ارتعد عدي صدام من قصيدة دادائية
- حوار السيد والعبد
- قصيدتان
- صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية
- كتاب الحكمة الغجرية
- 3 قصائد
- 4 قصائد
- عبد الرحمن الماجدي في مجموعتيه الشعريتين { أختام هجرية } و { ...
- 10 قصائد
- 8 قصائد
- الجثث مجهولة الهوية ببغداد والإرث العراقي في القتل


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - أشياء ما بعد الموت