أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - المقامة الدينارية-قصة















المزيد.....

المقامة الدينارية-قصة


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 20:56
المحور: الادب والفن
    


قال : في هذه البادية التي لا إسم لها مرت بنا أيام أقسى من هذه. جعنا ، عرينا ، بل اضطررنا مرتين أو ثلاثا الى سرقة ما يسد الرمق .. ولكننا لم ننخذل ، لم ننكسر .. ولم نشعر بالضياع كما في هذه السنين العجاف .. كنا موقنين بأن هناك ، في الأرض أو في السماء ، من ينظر الينا ، من يذرف من أجلنا دمعة أو يخرج من صدره آهةً أو من ينظر الينا في دهشة أو فضول أو رثاء أو احتقار على الأقل … فما بالنا اليوم أفردنا كبعير معبّد عجوز ذاو السنام ؟!
أخبرونا أنها سبع فاحتسبنا وصبرنا . ثم قالوا بل هي ثمان فقلنا لا بأس ، إن هي إلا واحدة أخرى. ولكنهم عادوا فقالوا أخطأنا في حساب الأبراج فقلنا جل من لا يخطئ. وحين أكملت عشرا ولم تلد سكتوا وما أحاروا رداً . وحين ألححنا (ونحن كما ترى قوم لجوجون مزعجون قليلوا صبرٍ وإيمان ) نظر بعضهم في وجوه بعض ثم فتحوا كتب الطلاسم وضربوا المندل وكشفوا الزايرجات وقالوا هذا منتهى علمنا وقالوا إن كلمة لا أعلم نصف العلم. وقالوا عليكم بالأولياء والصالحين فمضينا اليهم زرافات ووحداناً ..
وفي الطريق رأينا نسوةً كثيرات غطين أوجههن وكشفن صدورهن وسيقانهن يصيحون بنا أن هلموا ، قد هئنا لكم .. ليلة كاملة نظير حفنة من طحين !!
كنا نعرفهن من أصواتهن؛ قال واحد تلك زوجي ، وقال آخر تلك ابنتي ، وبكى ثالث وقال تلك أمي. ومضينا ولم نساوم في البضاعة. وظللنا نسمع من وراء ظهورنا الشتائم على مرمى سهمين.
كان الطريق طويلاً والشمس في السمت لا تبارحه. وفي اليوم السابع صاح روادنا أن ابشروا ، قد لاحت القباب المذهبة في الآفاق .. فدسنا على أوجاعنا ونسينا أظفارنا فوق الرمل الساخن وهرولنا صائحين لبيكم لبيكم .
قال : وكنا كلما ازددنا دنواً كلما فترت هممنا وخف ضجيجنا وخاب فألنا وبانت على الوجوه خيبتنا. وقال عجوز منا إني جئت هذه القباب رضيعا على متن أمي ، وجئتها صبيا يردفني أبي على دابته ، ورأيتها فتى أختال على مهرتي الكحلاء وكهلاً وخط الشيب لحيتي لكني لم أنكرها مثل انكاريها هذه النوبة.
وصاح رجل منا ما هذا ذهبا . فقلنا قد قال حقا.
كانت صفائح التبر فوق القباب وعلى الجدران والبيبان قد أخلت أماكنها لرقائق من نحاس مزرق فأدركنا أن ذلك كان في السني الأولى. ثم أن بقعا أخرى كانت مصبوغة بالورس فعرفنا أن ذلك حدث في السني الوسطى ، ورأينا بقعاً طليت على عجل بأصفرَ فاقعٍ شابَهُ الطين فجزمنا أنه من فعل من ظل حياً الى الأمس القريب.
وخرج علينا من المحراب عجوز فانٍ يدب على عصا عوجاء. قال: ما جاء بكم ؟ ألم تعلموا أن القبور غادرها أهلوها ليبحثوا عن الماء في أرضٍ غير هذي ؟ ألم ينبئكم بذلك هذا الصمت المرين ؟ قال قائل منا : بلا والله قد رابنا أن لا حمام بهذه العراص ولا صبية يركضون خلفها ولا نساء يركضن خلف الصبية يعوّذنهم باسم الله ويقمنهم إذ ينكفئون فيحضنّهم وينفضن عنهم التراب ويفدّينهم.
قال العجوز : فما مقامكم هنا ؟ قلنا : نصلّي ونبيت ليلتنا عند الأضرحة علّنا نرى في المنام ما يفتح الله به علينا. قال : ويحكم ألا تفهمون !؟ قلت لكم إن القبور صوّحت فلا علمٌ ولا حلم. قلنا : لا نزول من ها هنا حتى نبيت. قال : شأنكم فافعلوا فما أظنكم تعقلون !
ونزلنا وتيممنا الصعيد الطاهر وصلينا ونمنا كأنا حصى يسقط في الماء. وما هي إلا ساعة حتى قمنا وقد امتلأت بطوننا هواءً وأفواهنا رملاً وجلسنا يبشر بعضنا بعضاً بالويل وسوء العاقبة. وقلنا ننقلب الى أهلينا نموت وإياهم في منازلنا فيكون لنا من يدفنا ويبكي علينا.
قال : وحين رجعنا الى الموضع الذي تركنا فيه عيالنا أبصرنا قباباً حمراً وخياماً حسنة وبغالاً فارهة . ورأينا صغارنا يأكلون الموز ويترامون بقشوره وقد لبسوا حللا جديدة ونعالاً .. نعم وأيم الحق ! كانوا يلبسون نعالاً !
ودلفنا بين الخيام فرأينا تنانير موقدة وخبراً طرياً ساخناً فأكلنا قبل السؤال والتسليم ورأينا صبايانا يتضاحكن ويتراشقن بفاحش القول وقد تحلقن حول حوض من ماء دافق .. نعم والله ماء دافق من عين رقراقة فشربنا وغسلنا جلودنا التي تعطنت ولممنا التي تلبدت ولم ننهرهن ولم نسأل عن شيء.
حتى إذا شبعنا وروينا جلسنا الى نسائنا وساءلناهن عن تبدل الأحوال. فقلن :
بينا نحن جالسات على مفترق طريق القوافل حيث وجدتمونا (وأطرقنا خجلين حين سمعنا ذلك) مرت علينا قافلة باذخة مترفة فقلنا : من القوم ؟ قالوا : رجال من آل دينار. فقلنا : هلاّ نزلتم بنا وتمتعتم رويدا نظير كسرة من رغيف. قالوا : بلى والله نفعل. فنزلوا وتمتعوا ما شاءت لهم أكياسهم. ثم مضوا سالمين غانمين ووعدونا بالعود الحميد وفعلوا في كل يوم ما فعلوا في اليوم الاول حتى اذا صار اليوم الخامس جاؤوا معهم بقوم آخرين وقالوا هؤلاء اولاد عمومتنا قدموا معنا ليصيبوا ما اصبنا. فقلنا وعلام نمنعهم وهذه اكياسهم منفوخة وجمالهم موقرة بالسمن والدقيق والسكر؟ قالوا بل ازود من ذلك. فقلنا وهل ازود من ذاك؟ هل ازود من السمن والدقيق والسكر ؟ قالوا نعم يحفرون بأرضكم آباراً يفجرون منها ماءً وأشياء أخر ، يتركون لكم الماء ولا يأخذون منكم إلا ما ترضاه انفسكم من تلكم الأشياء ، فتأكلون وتشربون وتقر عيونكم بالمال وناعم الديباج والفاكهة والحلي والحلوى والعطور . قلنا فليفعلوا. قالوا وما أدرانا أن أزواجكن يرضون بذلك ولا ينقلبون علينا إن عادوا ؟ قلنا ليس عليكم منهم بأس فافعلوا بورك فيكم وأكثروا وأنعموا وتنعموا وطيبوا نفسا.
قال : فسألنا نساءنا : والأطفال ؟
قلن : ما شأنهم ؟
قلنا : أما استحييتن منهم ؟
قلن : قد أمرناهم في المرة الأولى أن يلعبوا بعيداً في منعرج اللوى فأبوا وتمنعوا وقالوا نريد أن نتفرج ، أن نلهو. ولا تخشوا علينا فنحن نعرف كل شيء..
...
قال : فلطمنا جباهنا وخمشنا وجوهنا وشققنا جيوبنا وأقعينا وأهلنا التراب على هاماتنا. ثم شددنا على بطوننا ودسسنا أصابعنا في حلوقنا نريد نقيءَ ما أكلنا وشربنا من سحت فما خرج من أجوافنا شيء .. وما هي إلا سويعات حتى جعنا وعطشنا من جديد فأكلنا وشربنا ثم نمنا الى العصر فأقبلت وفود آل دينار وأبناء عمومتهم فأخلينا لهم الخيام وجلسنا في العراء نحرس لهم الجمال …. 2002



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشر قصائد للشاعرة الأمريكية مايا أنجلو
- سيدي أيها الشحاذ البوذي-قصيدة
- الأجراس
- حساءٌ ساخنٌ.... في العاصفة الثلجية
- أغنيات خالدات-اللقة الاولى-لويس ارمسترونغ
- نشيد الى ذاكرة العالم
- هذه صورتي-قصة
- المحجر الأبدي
- الشاعر .. قصيدة
- نشيد القاعدة الأممي-مع الترجمة الانكليزية
- النهر .. قصيدة
- نشيد الى اللا جدوى
- ناجون بالمصادفة .. مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقي ماجد ال ...
- قصائد مختارة للشاعرة التشيلية غابرِييِلاّ مِسترال
- قصائد مختارة للشاعرة الامريكية آن سكستون
- رائحة البطيخ-قصة قصيرة
- أخبرني العراف-الى يوسف الصائغ
- الربان والبحر
- الهؤلاء
- نشيد الى صديقي التعيس 13


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - المقامة الدينارية-قصة