أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جواد البشيتي - -ثقافة الزلازل- عندنا!














المزيد.....

-ثقافة الزلازل- عندنا!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 14:29
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إنَّ أحداً لا يجادل في أنَّ "الطبيعة" هي التي تتحمَّل مسؤولية الكارثة الإنسانية الكبرى التي حلَّت بالبشر في هاييتي إذ هيَّأت للزلزال الكبير المدمِّر أسباب وقوعه.

أقول ذلك، وأتَّهِم "الطبيعة" بارتكاب هذه "الجريمة الإرهابية"، مع أنَّ هناك من الناس من يؤمِن بأنَّ الزلازل على وجه الإطلاق هي ظاهرة من ظواهر نظام القضاء والقدر.

والقولان، أو الرأيان، إنَّما هما جزء من "ثقافة الزلزال" عندنا، وعند غيرنا من الأمم والشعوب؛ وإنَّ "ثقافة الزلزال" هي جزء من ثقافة أوسع تستبدُّ بأبصارنا وبصائرنا، وتستمدُّ جزءاً كبيراً من مقوِّمات وجودها من "العجز المعرفي الإنساني النسبي".

ولقد تذكَّرتُ الآن ليلة الخروج أو الهروب الجماعي من البيوت والمنازل في عمَّان إلى العراء، اتِّقاءً لشرِّ "زلزال"، بشَّرنا بوقوعه "منجِّم"، أو "مُغْرِض"، وكأنَّ أجلنا جاء فلا نستأخر ساعة ولا نستقدم!

لقد خُلِقَ الإنسان هلوعاً جزوعاً، ولكن قُلْ لي ماذا يُخيفُكَ، أقول لكَ من أنت، فـ "الخوف" هو المرآة التي فيها نرى صورة شخصيتنا الحقيقية. و"الخوف" إنَّما هو الخوف من خطرٍ مُحْدِق بنا، أكان هذا الخطر حقيقياً أم وهمياً؛ فمتى يخاف البشر، أكانوا أفرداً أم جماعات؟

بعضنا يخاف قبل وقوع الخطر، وبعضنا يخاف في أثناء وقوعه، وبعضنا يخاف بعد وقوعه. وغنيٌّ عن البيان أنَّ "الخوف الجيِّد" هو الذي نشعر به بعد وقوع الخطر، أي بعد خروجنا من مواجهته. و"الخوف السيئ" هو الذي نشعر به قبل وقوع الخطر. أمَّا "الخوف الأسوأ" فهو الذي يتملَّكنا في أثناء وقوع الخطر، أي حيث ينبغي للعقل أن يَبْرُد بما يكفي للمواجهة.

"الخوف" عندنا، أكان من نوع "الخوف مِن.." أم من نوع "الخوف على.." إنَّما هو "نمط عيش"، ونمط تفكير"، فنحن نخاف من أشياء ينبغي لنا ألا نخاف منها، ونخاف على أشياء ينبغي لنا ألا نخاف عليها.

المنجِّمون وأشباههم إنَّما يظهرون ويزدهرون ويشتد الطلب الشعبي على بضائعهم الفاسدة المغشوشة عندما يعجز العلماء (إلى حين) عن التفسير والتعليل والتوقُّع، فالعقل البشري، كما الطبيعة، يكره الفراغ، ويجتهد، بالتالي، في ملئه، ولو بأجوبة الوهم والخرافة.

وتذكَّرتُ، أيضاً، وأنا أتأمل في بعضٍ من أوجه "ثقافة الزلزال"، كيف فهمنا وفسَّرنا زلزال "تسونامي"، وكيف، بالتالي، وقفنا منه، ومن ضحاياه، مواقف عملية ونفسية وعاطفية.

لقد فهمناه وفسَّرناه في طريقة لا تسمح لنا بأن نمد إليهم يد العون والمساعدة. حتى الشعور بالتعاطف منعناه من الظهور. لقد نظرنا إلى زلزال "تسونامي" على أنَّه "قصاص ربَّاني"، أي أنَّ ضحاياه هُمْ أناس يستحقون هذا "العقاب الإلهي"، فهل نساعدهم فنُغضِب الله، فيَغضب علينا؟!

ولو صحَّ (حتى دينياً) فَهْم الزلزال على أنَّه "عقاب ربَّاني" فينبغي لنا عندئذٍ نبذ "علم الزلازل"، والنظر إليه على أنَّه جهد يبذله البشر لمنع أو عرقلة "العقاب الإلهي"!

إنَّها طريقة في الفهم والتفسير والنظر إلى الأمور لا يقرها لا عقل ولا دين؛ ومع ذلك كانت طريقة "مفيدة"، فمن خلالها اختبرنا أنفسنا وقوانا.

في "الزلزال"، أكان من صنع قوى الطبيعة أم من صنع قوى التاريخ والتطوُّر الاجتماعي، يكون "الاختبار الحاسم"، فالبشر المتأثِّرون به، من أفراد وجماعات، يخضعون لاختيار تُخْتَبَر فيه قواهم كافَّة، فينجحون أو يفشلون.

إنَّ كثيراً من القوى (الإيجابية أو السلبية) الكامنة فينا لا تظهر إلاَّ عندما يضطَّرنا "تغيير واقعي كبير" إلى إظهارها، فإنْ هي ظهرت (ولا بدَّ لها من أن تظهر) فإنَّ مواطن القوة والضعف فينا تصبح في متناول أبصارنا وبصائرنا، فنتغيَّر ونُغيِّر.

حتى في "المصائب والكوارث السياسية" التي أصابتنا، والتي هي من صنع أيادينا نحن ضحاياها، فضَّلْنا الفعل المبني للمجهول، أو تفسير تلك المصائب والكوارث على أنَّها من صنع القضاء والقدر، أو "قصاص ربَّاني"، فبرَّأنا ساحة المتَّهم الحقيقي، لنضع "البريء" في قفص الاتّهام!

ولقد صدق من قال "لكل امرئٍ في ما يحاول مذهب"؛ وأحسبُ أنَّ هذا القول يدحض زَعْم "موت الفلسفة"، فليس من إنسانٍ لا نرى في تصرُّفه وسلوكه وجهة نظر فلسفية أو فكرية عامة؛ و"الوعي الفلسفي" ليس بالشيء المعدوم التأثير في سلوك البشر في أوقات الضيق والشدَّة على وجه الخصوص، فلو أنَّ صاعقة انقضَّت (أو أوشكت أنْ تنقض) على منزل يسكنه كاهن لاتَّخذ هذا الكاهن الصلوات وسيلة لدرء الكارثة عنه؛ أمّا لو انقضت على منزل يسكنه رجل مختلف في "طريقة التفكير" فإنَّ "السلوك" سيختلف، فهذا الرجل سيسرع في تركيب "مانعة الصواعق".

وفي الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل، ليست كل العواقب من صنع الطبيعة، فبعضها من صنع الحكومات والدول، وينبغي لنا، بالتالي، أن نرى "الذاتي" من عواقب الكارثة الطبيعية حتى يستطيع المجتمع معاقبة الجناة من أبنائه؛ ونحن لن نرى هذا "الجزء" وهؤلاء الجناة إذا ما فهمنا "الزلزال" على أنَّه "قصاص ربَّاني"، فهذا الفهم لا يعود بالنفع والفائدة إلا على أولئك الذين لهم مصلحة واقعية في اتِّهام السماء والقضاء والقدر بكل ما يجلبونه علينا من مصائب وكوارث.

في أسباب زلزال هاييتي، ودرجة قوَّته، وزمن وقوعه، نرى، على وجه العموم، الجانب الموضوعي من الكارثة؛ أمَّا جانبها الذاتي فيمكننا وينبغي لنا أن نراه في كثيرٍ من النتائج والعواقب والآثار، فالفقر، والفساد في بناء المنازل والبيوت، ونظام الحكم المُسْتَرْخِص لآدمية وأرواح مواطنيه المحكومين بالحديد والنار، وتركيز الإنفاق للمال العام في حيِّز المصالح الفئوية الضيقة، وفي سبيل تعزيز وتوطيد أمن مغتصبي الحكم والسلطة، هي جميعاً جزء من العوامل والأسباب الذاتية لكارثة الزلزال هذا.

إنَّ "الزلزال نفسه" يعطي نتائج إنسانية واجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات وأنظمة الحكم، فما رأيناه من الصور والمشاهد في هاييتي لن نراه في السويد مثلاً إذا ما ضربها زلزال بقوَّة زلزال هاييتي، أو أقوى منه.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
- مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
- سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
- حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
- مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
- نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
- الأجهزة الأمنية العربية!
- ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
- الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
- -سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
- احذروا فضائيات التكفير!
- شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
- قيادات في تيه سياسي!
- -جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
- أزمة الإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن
- الحقُّ في السؤال!
- معالي الوزير!
- ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!
- بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
- أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - جواد البشيتي - -ثقافة الزلازل- عندنا!