أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد جاسم الساعدي - التعليم في العراق ونظرية التربية النقدية















المزيد.....


التعليم في العراق ونظرية التربية النقدية


عبد جاسم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 11:17
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تحقق شعوب العالم أسباب نهضتها وتقدمها ، حينما تتجاوز مرحلة السكوت على الأمر الواقع، وتدخل في فضاءات النقد والتحليل والمقارنة ، ويعتبر التعليم دائماً نقطة ارتكاز رئيسة في البحث ، باعتباره مفتاح حركة الإصلاح ، إذ به نبتدئ ونعالج الأزمات البنيوية الأخرى بعد مراحل الخراب والانتهاكات وهبوط المستوى التعليمي إلى أدنى مستوياته . ويعترف أهل الاختصاص والمعنيون بالفضاء العلمي والتربوي في العراق بانحدار التعليم ، وتلك صرخة وصدمة نفسية ، فيما يسهم الواحد منا في الخضوع للازمة والمشاركة فيها ، بتخريج دفعات لاتتوافر فيها الشروط الأولى للتعليم الجامعي، وكأننا جزء من الأزمة ومن عوامل استفحالها .
لقد وضعتنا تجربة العمل الميداني التي اشتغلت عليها ( جمعية الثقافة للجميع ) منذ ست سنين في مدارس بغداد ومعاهدها وملاحظة مئات المتعلمين والمعلمين والمتسربين عن الدراسة وكذلك في برنامج الجمعية لتعليم الكبار وبخاصة (النساء)، بالإضافة إلى الدورات التدريبية التي نظمتها الجمعية ، لأكثر من مئة وخمسين معلماً ومدرساً ، في مدينة الصدر والزعفرانية وما تقدمه تقارير وإحصاءات برنامج الأمم المتحدة والتقارير السنوية التي يصدرها قسم الإحصاء والتخطيط في وزارة التربية ، إلى استيعاب حجم المشكلة بأبعادها الاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية وما يترتب عليها من مضاعفات بنيوية ، تتصل بسلوك الإنسان وعلاقاته والمحيط الاجتماعي ، وتراجع بناءات وقيم ثقافية وأخلاقية ، فينشأ عنها عزوف عن المعرفة والتعليم وانحسار عن الحضور والمشاركة في الأفعال الإنسانية .
فالمشكلة التعليمية في العراق ذات بعد تراكمي ، يتصل بأربعة عقود من الخوف والقهر والطغيان السياسي وإتباع سياسة (العسكرة والتصنيع العسكري) والإهمال المنظم للكفاءات العلمية والثقافية في العراق بما يخدم الدكتاتورية وأهدافها التوسعية في الحروب والاعتداءات وخلق بؤر متوترة .
يمكن ملاحظة بعض قرارات النظام في هذا الشأن :
1- قرار رقم (1192) في 16 / 9 / 1978 :
- قبول كافة أبناء وبنات وزوجات الشهداء في الكليات والمعاهد في القطر ، استثناء من شرط المعدل والعمر .
2- قرار رقم (1225) في 10 / 9 / 1981 :
- تضاف إلى أخوة الشهداء ، وإخوانهم من خريجي وخريجات الدراسة الإعدادية خمس درجات فوق معدلات النجاح لكل منهم ، لغرض القبول في الكليات والمعاهد العالية في القطر .
- وضع مناهج تعليمية رديئة ، لا تشجع على المعرفة والحوار والسؤال والنقد ، أنها في خدمة النظام ، كما أصبحت المؤسسة التعليمية متضخمة في حجمها وحجم العاملين فيها من دون أداءات علمية أو طرق تربوية صحيحة ، تفتقر إلى المنهجية العلمية والى الإدارة الحديثة والتكنولوجيا .






وبقيت المؤسسة التعليمية بامتداداتها مع الماضي في بقاء المنهج التعليمي من دون تغيير يذكر ، أو يسهم في إعادة أصلاح التعليم .
- يلاحظ أن نسبة الالتحاق الصافية في التعليم ما قبل الابتدائي في العراق هي 5,8% مقارنة ب 29% في الأردن و66% في الكويت و59% في المغرب و65% في لبنان.
- وأنّ 35% من البنات يتركن الدراسة و55% من اللاتي يتركن الدراسة في الريف .
- بلغ عدد التلاميذ المتسربين من الدراسة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة حوالي ثلاثة ملايين تلميذ ، تشكل البنات النسبة الأكثر منهم .
لعلّ ذلك يعود لهيمنة الطابع السياسي / الديني وتغييب الباحثين والاكاديميين التربويين المختصين لمرحلة الإصلاح في التعليم .
وبرزت الظاهرة / الطائفية / والمحاصصة السياسية ، وثقافة العنف في المدرسة والجامعة وتأثير الهجرة القسرية على الطلاب والأسرة . إنّ قائمة الجوانب السلبية التي رافقت العملية التربوية في العراق طويلة ومتعددة ، وتشكل خطراً حقيقياً على مستقبل العراق وبرامجه الثقافية والعلمية ومحاولات إقامة مجتمع جديد ، يخلو من العنف والخوف ، ويعتمد على الإنسان والجماعة لنشر ثقافة القانون والدستور وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وإشاعة المعرفة وثقافة النقد والحوار والمشاركة .
نستدل من خلال التجربة والعلاقات المتواصلة مع المعلمين على مدى تأثير الأزمة وضغوطها على اشكال الأداء والحضور والمشاركة والمبادرة ، بالتراجع والانحسار وتعليق الحال على وزارة التربية وحدها ، وكأن المعلم غيرمعني بتطويرالتعليم ومعالجة الثغرات .
لهذا يبدو أنّ الأزمة مركبة بين المدرسة والمعلم والوزارة والمحيط الاجتماعي ، لقد أجمع المعلمون في ورشات التدريب على وجود ضغوط وأعباء ثقيلة تتجلى في :
- اكتظاظ الصفوف التي وصل بعضها إلى مئة تلميذ، ووجود الدوامات المزدوجة والثلاثية، وغياب الدورات التدريبية للمعلمين .
- افتقار المدارس كلها،إلى وسائل الإيضاح والمختبرات والتجهيزات ، بمعنى أنّ المدارس هياكل من دون حياة ونشاطات غير مدرسية ، فالمدرسة تعاني من إهمال مقصود للنشاطات الفنية والرياضية والعلمية والثقافية والمكتبية أيضاً ...
وماذا بقي من المدرسة ومن حيوية وجودها وتأثيرها على المحيط الاجتماعي ؟
تظهر الحوارات مع المعلمين على حال الاعتكاف والاستسلام للازمة ومضاعفاتها ، إذ أنّ القراءة تكاد تكون اختفت وأن الكتابة قد سبقتها في الانحسار والخفوت ، وأصبح المعلم رقماً غير منتج وفعالّ في الأداء اليومي لشعوره بحجم المشكلة ومضاعفاتها وما ينتج عنها من مشكلات متعددة في الحياة اليومية .
إنّ الغالبية الغالبة من المعلمين الذين نلتقي بهم ونحاورهم قد اخذ منهم الإحباط مأخذاً وجعلهم نمطيين يائسين غير مبالين بما يجري حولهم فلا تجد شيئاً من المبادرات والإبداع والعمل الجماعي .
إنّ تراجع التعليم في العراق يرتبط بتراجع الابعاد الأخرى في الوضع الثقافي والاجتماعي وضمور التواصل والحيوية وغياب النقد والحوار .
لهذا فالتعليم ذوصلة بالإنسان والثقافة والفكر والإصلاح التعليمي ويرتبط بحركة الإعلام وبرامج الأحزاب والمنظمات السياسية والثقافية بالانتقال من مرحلة الركود والخضوع للازمة إلى مرحلة التجديد بحسب برامج علمية ، ينهض بها مختصون في كل مجالات الإبداع والفلسفة وعلم النفس والاجتماع والثقافة .
تقدم ورقتنا مقترحات لعلها تسهم في معالجة أزمة عضوية ذات تأثيرات سلبية على الحياة العامة في العراق وقد تؤدي إلى مضاعفة عناصر العنف والموت والإرهاب وتراجع الابعاد الإنسانية والوطنية والثقافية .
- الاعتمادعلى الطاقات العلمية والتربوية والثقافية المختصة بمناهج التعليم والبحث الأكاديمي وتوفيرإحصاءات دقيقة تكون في فائدة العملية التربوية ويمكن الاستعانة بباحثين عراقيين في الخارج على أن تنظم الطاقات في هياكل تنظيمية تتمتع بالحرية والوصول إلى المعلومات الدقيقة واختيار أفضل السبل لتحقيق دراسات حديثة من دون الخضوع للمحاصصات الطائفية والسياسية .
- لابدّ من توفير ضمانات قانونية وتشريعية يتولاها مجلس النواب لحماية الباحثين ومركز الدراسات من التدخل الطائفي والعنف والتهديد ، على أن تدعم الخطوة العلمية بحركة إعلامية وثقافية وبرامج أحزاب سياسية ذات أبعاد وطنية وتحررية بالإضافة إلى منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتعليم والثقافة ومستقبل العراق.
ويمكن أن تكون من مهمات مركز الدراسات :.
- إعادة النظر بمناهج التعليم كلها .
- إعادة النظر في طرائق التدريس .
- تحديث الإدارة، نعني بها ادرة المدرسة والجامعة والمعاهد واعتماد الأساليب الديمقراطية في اختيار الإداريين ابتداء من رئيس القسم والعميد ورئيس الجامعة ومساعديه الإداريين، ومدراء المدارس والمعاهد .
- إعادة النظر في الكادر التعليمي لأن أعداداً كبيرة منه قد تجاوزها الزمن فاحالتها على التقاعد أولى من وجودها.
- تنظيم دورات تدريبية علمية ، تبقى في العراق ثابتة ومتطورة مع كفاءات واختصاصات تتولى تدريب الأساتذة والمعلمين ويمكن الاستعانة باختصاصيين عراقيين أوعرب أو أجانب .
- تنظيم دورات علمية في التكنولوجيا الحديثة والإدارات وعلوم المختبرات ووسائل الإيضاح .
- الاتفاق مع دول متطورة وبخاصة (العربية) التي تدعم العملية السياسية في العراق لعقد اتفاقات تعاون في التدريب والتأهيل وإعادة تدريب الأساتذة .
- الاهتمام بالمكتبة المدرسية والجامعية ومعاهد المعلمين والمعلمات والمعاهد التقنية والفنية.
- تشجيع حركة الفنّ التشكيلي والنحت والموسيقى والإبداع وبالتنسيق مع وزارة الثقافة .
- خلق أجواء علمية وثقافية في الفضاءات التربوية كلها بما يعزز الانتماء إلى الوطن وثقافة المحبة والتسامح .
- تشجيع الطلاب على الكتابة والإبداع والمبادرة وتنظيم منافسات شبابية متنوعة تطور كفاءاتهم وتخلق جوّا من الوئام والمودة والسلام .
- إيلاء الأهمية للمدرسة بوصفها وحدة تربوية أولى في المحيط الاجتماعي وتوفير الظروف البيئية والصحية والمناخات الكفيلة بتفاعل المدرسة وتنمية العلاقات الثقافية والاجتماعية والتربوية .
- تحسين ظروف المعلمين وتشريع قانون يوفر الضمانات الاجتماعية والصحية لهم ولعوائلهم وبناء مجمعات سكنية للمعلمين الشباب وتشجيعهم على الإبداع والتواصل مع المحيط الاجتماعي والعلمي والثقافي .
يتضح لنا من خلال قراءة حركة التعليم في العراق على المستوى العلمي والنظري ، أنها من اعقد القضايا التي تواجه المجتمع العراقي لصلتها بفكر الإنسان وبنيته العقلية والثقافية والاضطرابات السياسية والإيديولوجية والانتماءات الدينية وتراكمات الشعور بالخوف والعزلة وعدم جدوى التعليم.
لذا يقتضي توافر شروط حركة الإصلاح التعليمي والاجتماعي والثقافي لا على مستوى الشعارات والحملات الانتخابية ، بل الاشتغال الدؤوب لتحريك الأجواء الساكنة وتفعيل الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات غيرالحكومية والنقابات العمالية والمهنية والصحافية .
فقوى التغييرالقادمة في العراق، معنية بوضع برامج وإستراتيجية علمية تحتفظ بالاستقلالية والوضوح والانفتاح على الطاقات والجماعات والأحزاب والحركات ذات الاهتمام في الإصلاح وعلى التعدد الثقافي والتنوع والحوار وأن يجري التعامل مع التراكمات الثقيلة في نسبة الأمية والجهل والمتسربين من الدراسة وظاهرة الغش وتزوير الشهادات والمناهج التعليمية والإدارة والعقليات المحافظة التي تخشى التغيير ، بحسب منهج علمي وبخطوات ممكنة تقود الواحدة إلى الخطوة التالية بمقدرة عالية على الحوار والإقناع والاشتغال لكسب الرأي العام العراقي وقنواته الثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والدينية .
تولي مراكز البحث في العالم أهمية استثنائية لمتابعة عناصر العملية التربوية التعليمية وتنمية قدرات العاملين بها، وتخصص حكومات البلدان المتقدمة نسبة عالية من موازناتها السنوية للغرض نفسه .
وتستحوذ طرائق التدريس على موضوعات البحث النظري والتطبيقي لوجود فضاءات معرفية وفكرية متعددة، تنفتح على مساحات ثقافية وإعلامية في النقد والحوار والاقتراب من الجمهور والمعنيين بالعملية التربوية .
فيخرج التعليم عن الغرف المظلمة والقرارات السياسية والحزبية أو (المذهبية والطائفية) كما في بلداننا العربية، فيصبح عندئذ موضوعاً مفتوحاً للمناقشة وابداء الرأي في كل مفاصل التعليم، ابتداء من المدرسة والمنهج وطرائق التدريس ووسائل الايضاح والمختبرات والأجواء الصحية والبيئية ورعاية المواهب والطاقات الخلاقة والاحتفاظ في الاعداد المقررة لطلاب الصف الواحد بما لايزيد
عن خمسة وعشرين طالباً في أقصى طاقات الاستيعاب .
وتأخذ طرائق التدريس أبعاداً ثقافية وفكرية لصلتها بالانسان والمجتمع والتطورات الاقتصادية، ولاتخلو من تجاذبات يميل بعضها الى القديم والمحافظة على ومفرداته ومنهجية العمل به، خشية الدخول في مغامرات الحداثة والتجديد فيفقد المعلم سطوتة التقليدية في قاعة الدرس .
وطرائق التدريس، كما ذكرنا ذات أشكال متعددة الاوجه في أساليب عملها وتخضع لروئ ثقافية وفكرية .
إلا أننا نحاول أن نركز في ورقتنا على طرائق التدريس الحديثة وبخاصة (النقدية) لما لها علاقة بثقافة السؤال النقدي والمعرفي في إعداد الطاقات الهائلة التي تحتويها قاعات الدرس في مراحلها المختلفة، تشارك في بناء عالم جديد، يتوهج بالمعرفة والحضور الثقافي ويقضي على الخمول والزوايا المغلقة، فالتعليم لدى هؤلاء المفكرين ليس سلعة تخضع للعرض وطلب السوق، كما تشاء الانظمة الرأسمالية، بل هو إنتاج جديد للانسان يعيد له اعتباره في الحياة ودوره في قيادة المجتمع .
لذا نجد حجم العلاقة التفاعلية بين النظريات النقدية الحديثة في الأدب ونظرية التربية النقدية التي حمل لواءها المفكر الاميركي (هنري جيرو) يضع وجه المقارنة المعرفية بين نظرية الأدب والتعليم، من حيث العناصر المشتركة في علم اجتماع الأدب، التي تعنى بالانسان أولاً وتشتغل لتحريره من القيود والضغوط الكامنة في داخله وتلك التي تفرض شروطها اليومية عليه لعزله وتهميشه من الحضور والمشاركة والتفاعل مع الجديد في الحياة .
فانغمرمفكروالأدب ونقاده منذ عقود في فكّ رموز القهر والاستلاب ، كما نجد لدى ، انطونيو غرامشي ، وآلان روب غرييه ، وميشيل بوتور، ورولان بارت والتوسير وميخائيل باختين ولوسيان غولدمان وغيرهم .
تشتغل التربية النقدية على رفع مستوى الوعي لدى الطلاب ومنحهم الفرصة الكافية في الحضور والمناقشة وابداء الرأي وأن يكونوا طلاباً مشاركين في قاعة الدرس وفي البحث والحوار .
وأن يتمكنوا من تقديم الاسئلة عن المؤسسات الحالية وتفكيكها ومناقشة أهدافها ودواعيها، ويرى (جيرو) بأن التربية التي تنمي ثقافة السؤال والنقاش فقط، لاتقول شيئاً عن نوع المستقبل الذي ينبغي الدعوة اليه، ولا عن قيمة الحرية والعدالة فيه، ولا بأي نوع من التعليم وبأية كيفية يتحقق هذا المستقبل .
ويميز كل من نيكولاس بيربلس ورابرت برك، بين التربية النقدية والتفكير النقدي كمدخلين نقديين في التربية، فالتربية النقدية تركز على التغيير وعلى العمل الجماعي الذي يحققه، وبذلك فانها تتجاوز الشواغل الرئيسة للتفكير النقدي الذي يهتم فقط، بالسعي لتعليم الآخرين التفكير بطريقة نقدية.
فالشخص النقدي، من منظور التربية النقدية، هوالشخص الذي يسعى لاقامة العدل والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .




فينصبّ اهتمام التربية النقدية على مقاومة الظلم الاجتماعي والامساواة الاقتصادية والقهر السياسي وإعادة غرس الامل في إمكان التغيير، انطلاقاً من الايمان بفعل الانسان وقدرته على صنع التاريخ .
فالسعي لمقاومة بنى القهروتغييرعلاقات السيطرة أمر في صميم التربية النقدية، وترجع جذورهذه الفكرة الى المفكرالتربوي النقدي باولو فريري ، فالتربية النقدية بالنسبة لفريري تهتم بتنمية الوعي النقدي، والحرية عنده، تبدأ بادراك منظومة علاقات القهر والوعي به، وإدراك الفرد لمكانه في هذه المنظومة .
وتتمثل التربية النقدية في تنمية وعي الفئات المقهورة بوضعها في منظومة علاقات القهر كخطوة اولى ثم السعي العملي لتغيير الوضع القائم .
ويؤكد باولوفريري بأن التربية النقدية ذات هدف ووسيلة للتغيير في الوقت ذاته، إذ تسعى التربية لخلق مجتمع جديد، والتربية كوسيلة للتغيير تمثل شكلاً من أشكال العمل الذي ينبثق عن الربط بين لغة النقد ولغة الممكن انها تمثل الالتزام القوي من جانب رجال التربية باضفاء السمة السياسية على العمل التربوي، أي توظيف الوعي النقدي والعمل النقدي في إطار مشروع سياسي للتغيير والتحرير الاجتماعي .
ويشير جيرو، الى أن فريري يضع التعليم في قلب الحلقة السياسية مباشرة من خلال القول، بأنّ التعليم يمثل ليس فقط صراعاً على المعنى ولكن أيضاً صراعاً على علاقات السلطة، وتتضح هذه الحقيقة بمقولة غرامشي الشهيرة، من أنّ كلّ علاقة هيمنة هي بالضرورة علاقة تربوية .
وهذا ما دفع غرامشي الى المناداة باضفاء الصبغة السياسية على العمل التربوي وإضفاء الصبغة التربوية على العمل السياسي لذا يرى جيرو،أنّ التربية التي قد أصبحت من منظورغرامشي وفريري مشروعاً راديكالياً للتغيير الاقتصادي والسياسي والثقافي يتم فيه تغيير علاقات السلطة .
فالتربية السياسية تعني القضاء على مركزية السلطة في قاعة الدرس وغيرها من المواقع التربوية، لذا يمكن مناقشة الآليات التي تستخدمها السلطة لفرض اللامساواة التي تعمل على تهميش بعض الجماعات الاجتماعية ومحاصرة أنواع معينة من المعرفة وكبت الحوار النقدي، وتطورالقدرة على إصدارالاحكام، وهي القدرة التي تتطلبها المواطنة الديمقراطية، لذا فالتربية السياسية، شيء مختلف عن الصورة القمعية لتسييس التربية، تشجع التلاميذ على أن يصبحوا مواطنين يعارضون هؤلاء الذين يملكون زمام السلطة في المجتمع، وفي الوقت نفسه يحترمون الاتجاهات النقدية داخل الثقافة المسيطرة .
خلاصة القول، ينادي جيرو بتربية للمواطنة تكون على فهم وعلاقة مباشرة وتفاعلية بالمدارس وغيرها من المواقع الثقافية بصورة تمكن الطلاب من التعرف على كيفية بناء المجتمع تاريخياً واجتماعياً، وفهم أشكال القهر الطبقي والعرقي الكامنة في العلاقات الاجتماعية الحالية، والنضال من أجل ايجاد ثقافة نقدية عامة تقاوم وتغير أشكال السلطة التي تسيطرعلى النظام الحالي للتعليم والبناء الاجتماعي الكبير.

وهذا يعني بالنسبة لجيرو أن ينتظم التعليم في تصور يربط القضايا الأخلاقية والسياسية بمتطلبات الحياة الديمقراطية .
كما يعني أيضاً توفير الشروط المادية والايديولوجية اللازمة للطلاب كي يصبحوا فاعلين يفكرون بطريقة نقدية، ويتجشمون المخاطر، ويفهمون كيف تعمل السلطة لخدمة كل من السيطرة والتحرير.
كما تعني تربية المواطنة بالنسبة لجيرو، جعل المنهج وما يصاحبه من ممارسات اجتماعية متفقاً مع المبادئ الأساسية للحرية والعدالة والمساواة .
نخلص بأن التربية النقدية عند هنري جيرو، تقدم رؤية مختلفة لطبيعة العلاقة بين التربية والمجتمع، نوجز اهم ملامح التربية النقدية بالآتي :
1. التربية نشاط غير محايد، فالمعرفة التي تقدم في المدارس، ليست محايدة، كما يدعي المحافظون، فالمعرفة المختارة تكون منحازة لفئات اجتماعية على حساب فئات اجتماعية آخرى .
2. التربية نشاط سياسي وأخلاقي، لذا يجب النظراليها في إطارعلاقات السلطة وصراع المصالح، فالتربية تفترض تصوراً عن الحياة والمستقبل من بين الكثيرمن التصورات، وتنطلق من رؤية معينة عن المجتمع والذات الانسانية من بين رؤى كثيرة ، وتؤثر بشكل مباشر في تحديد مكانة الأفراد في المجتمع، وهذه كلها ذات أبعاد سياسية وأخلاقية، كما أن الطبقة الحاكمة، هي التي ترسم للتربية أهدافها بصورة تتفق مع سياستها ومصالحها .
3. التربية ذات نشاط مسيس، لكنها لاتخضع تماماً للسيطرة الكاملة من جانب الفئات الاجتماعية السائدة ، لكنها ميدان للتناقض والصراع، فالمدارس ليست وسائل لمعاودة الانتاج الاجتماعي والثقافي فحسب، كما أنّ الفئات الاجتماعية المهمشة لا تتلقى الرسائل المعرفية للمدرسة بصورة سلبية دائماً ، بل تقلبها حينا وتتكيف معها حيناً وتقاومها أحياناً أخرى .
فالتربية ميدان كما ذكرنا للصراع والتناقض والرفض للثقافة السائدة في المدارس .
4. يمكن الاستفادة من مناخ التناقض والصراع السائد في المدارس لتغييرالجوانب السلبية ومحاولات إخضاع الطلاب لاتجاه سياسي أو ثقافي يعبر عن هيمنة السلطة السائدة. لهذا يمكن استخدام المدارس ساحة عامة لمناقشة الشأن العام وتنمية وعي الأفراد بحال القهرواللامساواة في المجتمع وتشجيعهم على تحمل المسؤولية المدنية والعمل بصورة ايجابية ومنتظمة لمقاومة القهر ونشر الحرية والديمقراطية .



المراجع
- مستقبل الثقافة في مصر / طه حسين، دار المعارف ط2 1996
- برنامج الأمم المتحدة الانمائي العام 2003
- آفاق تربوية متجددة في التربية والتحول الديمقراطي :
دراسة تحليلية للتربية النقدية عند هنري جيرو، تأليف : سعيد اسماعيل عمرو 2007



#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من شقاوات الحزب والثورة !
- مغامرة العوم في أعالي الفرات
- الجامعة المستنصرية : الخوف والعنف وهبوط المستوى العلمي
- العنف وانقلاب 8 شباط 1963 في الذاكرة العراقية...
- رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي
- التعليم في العراق: الواقع والآفاق
- في قاعة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين!
- حملة لتفعيل الحوار وثقافة المجتمع المدني
- المؤلف/ الراوي/ البطل في القصة العراقية القصيرة في المنفى*
- كتاب (الحركة الوطنية في العراق وإضراب عمال الزيوت النباتية)
- العراق بين ثقافتين...ثقافة المجتمع المدني وثقافة العنف
- منصور حكمت: قراءة جديدة للماركسية الشيوعية فقدت معناها وارتب ...


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد جاسم الساعدي - التعليم في العراق ونظرية التربية النقدية