أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رائد السمهوري - الإخوان المسلمون وضبابية مواقفهم الفكرية (الطائفية نموذجًا)















المزيد.....


الإخوان المسلمون وضبابية مواقفهم الفكرية (الطائفية نموذجًا)


رائد السمهوري

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 23 - 09:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يشير بعض الباحثين إلى أن هناك التباسات كثيرة في مواقف حركة الإخوان المسلمون، تجاه قضايا متعددة، تحدث ارتباكًا للباحث المحايد، بحيث يشعر أنه لا يقف على أرض صلبة ليحدد بوضوح مواقف "الإخوان المسلمون" من تلك القضايا، وليس هناك مرجع محدد يرجع الباحث إليه يجلي مواقف الحركة من تلك القضايا المفصلية لا سيّما مسألة الدولة المدنية، والعلاقة مع الآخر مثلاً، وقضايا المرأة، إذ ما ربما نسمعه أو نقرأه لبعض القيادات الميدانية والفكرية المنتسبة للحركة إما أنه يتناقض مع تصريحات أخرى لقيادات أخرى، أو أنه يدخل في العموميات التي لا تعبر بشكل كاف عن حقيقة موقف الإخوان المسلمون، وهذا ما يستدعي التعجل ببيان موقف الإخوان الجلي و"الرسمي" والتفصيلي والواضح تجاه تلك القضايا المطروحة بدلاً من تلمّس تصريحات القادة وتتبع ما يقولون هنا وهناك.
لقد أوضحت الانتخابات الأخيرة تناقضًا واضحًا تجاه بعض القضايا بين أبناء الحركة، مما يعبّر عن إشكاليات فكرية قبل أن تكون مجرد إشكاليات أداتية وتنظيمية فقط.
وسأتناول فيما يأتي مسألة من المسائل التي تستدعي كشف الغطاء عنها بوضوح، ألا وهي (الطائفية) وهي تدخل في صلب (هوية) حركة الإخوان المسلمون، وتحدد طبيعة دورها المستقبلي، وتبيّن بشكل أو بآخر نظرتها للآخر المسلم أو غير المسلم على السواء، فهل حركة الإخوان المسلمون حركة (طائفية)؟ تختبئ خلف أسلاكها الشائكة؟ وتضع بينها وبين الآخرين أسوارًا عقائدية منيعة؟ أم هي حركة إسلامية تستوعب الجميع؟
حين أطلق الأستاذ حسن البنا على جماعته الناشئة اسم "الإخوان المسلمون"، كان ينظر من خلف ستار شفيف إلى مشروعه الحضاري الكبير، الذي يجمع العرب والمسلمين ـ سواء أكانوا مسلمين ثقافة أو مسلمين ديانة ـ باختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومناهجهم تحت راية واحدة، تظللهم الأخوة الإسلامية، متسامية على الطائفية والمذهبية والعرقية والعنصرية، فهم "إخوان مسلمون" وكفى (1).
وعندما ألّف الأستاذ الإمام يرحمه الله رسالته في (العقائد) أبدى تسامحًا واضحًا مع المخالفين، وقرر فيها وجوب إعمال العقل وعدم التقليد في الإيمان، فلم تكن رسالته الشهيرة تلك "خطابًا تعبويًّا" ضد الفرق والطوائف الإسلامية المختلفة، وإنما كانت خطابًا موضوعيًا إيمانيًا يدعو إلى بناء الإيمان بأدلته العقلية والنقلية، بعيدًا عن تبديع وتضليل وتفسيق الخصوم وشن الغارات الكلامية والفكرية عليهم، وقد أرسى الأستاذ البنا قاعدة الأخوة الإسلامية التي وسم بها جماعته حين قال:"نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
ومن أجل هذا لم يقم المنهج الذي أسسه البنّا على عقائد معيّنة ومقولات محدّدة لا يجوز الخروج عنها، يتم على أساسها الانتماء إلى الإخوان، بل قام هذا المنهج على قاعدة التجميع لا التفريق، وعلى التوحيد لا التشتيت، وفق عقليّة "الجمع بين الفِرَق" وليس "الفرْق بين الفِرق" (2).
لقد كان الأستاذ البنّا مهمومًا بهاجس الوحدة الإسلامية، ففي الإطار الشيعي السني ـ على سبيل المثال ـ نجد أن الإمام حسن البنا كان يستضيف الشيخ الشيعي محمد التقي القُمِّيِّ في دار الإخوان، وحين عزم الشيخ محمد التقي القمي على إنشاء مؤسسة تهدف إلى ترسيخ الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة، واحتار ماذا يسميها، اقترح عليه الأستاذ حسن البنا أن يسميها (دار التقريب)، وبالفعل سميت بهذا الاسم الذي اقترحه الأستاذ المؤسس، دلالة على انشغاله بهذا الهم "الوحدوي" اللاطائفي، وسعيه إلى تحقيقه على مقدار وسعه وطاقته، ومن المعلوم من سيرة الأستاذ البنّا أنه التقى بالعلامة الشيعي الكاشاني في السنة التي حج فيها وتحاور معه، وتلاقيا في مجموعة من النقاط، وحين كتب العلامة القمي رسالة في أحكام الحج على المذاهب الخمسة (= المذاهب السنية الأربعة إضافة للمذهب الجعفري)، لم يستطع أن يطبعها باسم دار التقريب لأنها شيعية فلا تلقى قبولاً في الحجاز، فقام حسن البنا بطبعها ضمن صحيفته التي كان يصدرها، وبالفعل دخلت الحجاز وقرأها المسلمون، وتعرفوا على مذهب فقهي لم يكن عندهم في دائرة المفكر فيه في ذلك الزمان (3) .
مرّ الإخوان بمحنتهم الشهيرة في حياة الأستاذ الإمام، الذي استشهد بعدها، ثم المحنة الأخرى في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والتي أثّرت كثيرًا في مسيرة "الإخوان المسلمون"، بل وفي بنيتهم الفكرية، وكان لها في نفوس جماعة الإخوان وقع شديد، أدى إلى ظهور أدبيات فيها نوع من التأصيل للعزلة الشعورية، وإطلاق الجاهلية على المجتمعات، بأسلوب لا يخلو من حدة ومفاصلة وشدة.
ثم جاءت محنة الإخوان السوريين التي أضافت إلى حساب الاضطهاد رصيدًا جديدًا، وفي البلاد العربية التي استضافت فلول اللاجئين والفارين من القمع التقى إخوان البلدين في أجواء من السريّة والشعور بالاضطهاد والعزلة تسيطر عليهم.
وفي إبّان صعود التيار الثوري الشيعي الخميني وتوليه سدّة الحكم في إيران، قامت علاقات جيدة بين الإخوان المسلمين بعامة، وبين النظام الإيراني الهدف الأبرز منها تحقيق الوحدة الإسلامية غير المؤطرة بأطر طائفية، وكان لهذه العلاقات ثمار مشكورة على هذا الصعيد، أوضحها الأستاذ يوسف ندا في شهادته على العصر في قناة الجزيرة (4)، لكن في الوقت نفسه برزت أدبيات إخوانية أخرى استدعت الإرث الفكري الاضطهادي الذي كان يحمله بعض الإخوان مع النظام البعثي الذي كانوا يسمونه النظام العلوي النصيري في سوريا (5)، استدعت تلك الأدبيات ذلك الإرث الاضطهادي، لتفرغه في هجوم طائفي على التيار الشيعي الخميني في إيران بكتاب قام بتأليفه أبرز القيادات والمرجعيات (الفكرية) في حركة "الإخوان المسلمون" بعد حسن البنا وسيد قطب، أعني الأستاذ العلامة سعيد حوّى يرحمه الله، إذ ألّف رسالةً بعنوان (الخميني شذوذ في العقائد، شذوذ في المواقف) شنَّ فيها حربًا مذهبية فكرية طائفية على الشيعة، مستحضرًا أقوالهم العقائدية، و"خياناتهم" التاريخية، لاسيّما القصة المنتشرة عن الوزير الشيعي ابن العلقمي التي فنّدها الأستاذ بجامعة الملك سعود الدكتور سعد حذيفة الغامدي وبيّن بطلانها، في دراسة أفردها للبحث عن سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والاتهام.
كما استحضر العلامة سعيد حوّى رحمه الله محاولة "الحشاشين" اغتيال صلاح الدين، على الرغم من أن الحشاشين إنما هم من الشيعة الإسماعيلية، وليسوا شيعة اثني عشرية! وقد أغفل سعيد حوّى حقيقة أن الشيعة صمدوا صمودًا بطوليًا لمدة أربعين يومًا في القدس قبل احتلالها من قبل الصليبيين، ومغفلاً كذلك أن ممن كتبوا سيرة صلاح الدين مؤرخًا شيعيّا اسمه يحيى بن أبي طي الحلبي، وكان من الموالين المعجبين بصلاح الدين، كما ذكر الدكتور محمد المختار الشنقيطي في مقالته (السلفيون والشيعة والذاكرة المشوشة) (6).
ويختم سعيد حوّى رسالته التعبوية تلك بقوله:" اللهم إني أبرأ إليك من الخميني والخمينية ومن كل من والاهم وأيدهم وحالفهم وتحالف معهم".
هاهنا يقف الناظر المحايد متحيِّرًا، إذ هذه "براءة إخوانية" من العلامة سعيد حوّى يعلنها أمام الله ممن يتحالف أو يحالف أو حتى يؤيد النظام الإيراني، بينما نرى أن هناك علاقات تصل في بعض مراحلها إلى أن تكون "تحالفًا" سياسيًّا ينتمي إلى محور الممانعة ـ كما يقال ـ بين حركة المقاومة الإسلامية حماس، وبين النظام الإيراني الخميني، وهكذا فمن حق الناظر المحايد أن يتساءل: هل هذه "البراءة" تنتمي إلى منهج الأستاذ حسن البنا يرحمه الله؟ وما موقف الإخوان المسلمون "الرسمي" من هذه البراءة من قيادي ومنظِّر "إخواني" لا خلاف على "إمامته" في صف الإخوان، بالنظر إلى تلك العلاقات في الماضي، وإلى ممارسة حماس "الإخوانية"؟
من جهة أخرى نجد على موقع "الإخوان المسلمون" الرسمي صفحة يظهر في أعلاها هذا العنوان (النصيرية أكفر من اليهود والنصارى)! وتحت هذا العنوان صورة ضريح يشبه أن يكون مزاراً من المزارات الشيعية التي تحظى بتقديسهم، وتحت هذه الصورة مقالة تعرِّف بالنصيرية مبيِّنةً أنهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى! (7) .
على أنه كان بالإمكان أن يؤتى بذكر عقائد القوم بشكل معرفي من دون الحاجة إلى إطلاق أحكام معيارية كفرًا وإيمانًا.
وعلى صفحات موقع الإخوان المسلمون، يكتب الأستاذ يوسف ندا مقالة يبين فيها موقف الإخوان من الشيعة، وهو موقف يشابه بحد كبير موقف الأستاذ حسن البنا ويعبر عن روح حركة "الإخوان المسلمون" الحقيقية اللاطائفية ، غير أن التعليقات الواردة على هذا المقال كان أغلبها معارضًا لفكرته، مما يبيّن لنا البعد الطائفي الذي يخيّم على الأجواء (8).
ثم تكتمل الصورة بكتابة مقال للدكتور محمود غزلان يناقض فيها مقالة الأستاذ يوسف ندا ويرد عليه، وكلاهما من الإخوان (9)، وتتعالى أصوات المعلقين بطلب تصريح "رسمي" من الجماعة لبيان موقف الجماعة "الرسمي" من الشيعة، ليأتي بعد ذلك تصريح فضيلة المرشد الأستاذ مهدي عاكف ليزيد الأمر ضبابية ليعلن: أن رأي المهندس يوسف ندا، ورأي الدكتور محمود غزلان يعبران عنهما ويخصانهما، ولا يعبران بالضرورة عن موقف مكتب الإرشاد ! (10) والسؤال هو: ما الموقف الرسمي للجماعة؟ وهل الجماعة حركة (سنيّة) عقائدية تنظر إلى الشيعة كفرقة مخالفة؟ أم هي حركة (إسلامية) تنظر إلى الشيعة كمسلمين بغض النظر عن إطلاق أحكام عقائدية عليهم؟
هذا ما نبحث عن إجابة عنه، وإن كنا نجد علمًا من أعلام الحركة الإسلامية هو الأستاذ راشد الغنوشي ينشر مقالاً بعنوان:"حماس والحرب على غزة" (11) يصف فيه "حماس" بأنها حركة إسلامية (سنيّة) في تعبير طائفي واضح، وهو ما يعزز فكرة قيام الحركة الإسلامية على قواعد فِرَقيَّة طائفية تميّز نفسها عن الآخر بسياج عقائدي محكم.
وفي سياق آخر مختلف عن الإطار السني الشيعي، (وقد أطلت في استحضار شواهده وأمثلته لأنه أبرز الأطر وأحظاها بالاهتمام على الساحة لأسباب مختلفة) ربما نتحدث عن أطر أخرى، فهذا قائد "قسّاميٌ" رمزٌ من قادة الجهاد في حماس يُذكَر في عداد أكابر المجاهدين "العلماء"، هو الدكتور نزار ريّان يرحمه الله والذي أضحى بثباته وبأخذه بالعزائم رمزًا ساطعًا من رموز المقاومة، يحتفي الإخوة في كتائب القسّام بذكرى استشهاده الأولى في هذه الأيام، وينشرون وصيّته التي كتبها قبل أيّام من وفاته على موقعهم (12) ، والتي جاء فيها ما يلي:" فإن الله تعالى قد وعدنا ووعده الحق بتتبير ما علو تتبيرًا (13) , والعمل الجهادي المتواصل حتى تحرر بلادنا فلسطين, وبقية بلاد المسلمين المغتصبة من الكفار أو العلمانيين؛ مرتزقة أمريكا؛ أعداء دين أمتنا.".
والسؤال هنا: من يقصد هذا القائد "الحمساوي" القسامي بمن وصفهم بالعلمانيين مرتزقة أمريكا أعداء الدين الذين يريد أن يحرر فلسطين و"بقية بلاد المسلمين المغتصبة" منهم؟ وواضح هنا جعل الكفار والعلمانيين في سلة واحدة، وجمعهم جميعًا بحكم واحد، هو أنهم أعداء دين أمتنا، مما قد يفهم منه أنه خطاب تكفيري طائفي مبطن لمن وصفهم بالعلمانيين مرتزقة أمريكا!
ويقول هذا القائد الحمساوي للمجاهدين من بعده:" وأوصيهم بعقيدة الإمام الطحاوي خيرًا, فإنها بشرح ابن أبي العز الحنفي العقيدة الصحيحة بإذن الله تعالى, وأن يبتعدوا عن مهاترات الضالين مَن كانوا"!
فمتن الطحاوية هو "العقيدة الصحيحة"! ولا التفات إلى مهاترات "الضالين من كانوا" فهاهنا نلمح خطابًا طائفيًّا من نوع آخر مبني على عقيدة بعينها داخل إطار أهل السنة، وذِكْرُ "الضالين من كانوا" في سياق الحديث عن كتاب معيّن بشرح محدد، يعرض عقائد محددة، لفئة محددة داخل دائرة أهل السنة، يجعل الحق في متبعي هذه العقيدة المحددة و"الضلال" في من يقول بغيرها أيًّا كان! فلا مجاملة في هذا لقريب فضلاً عن البعيد، فمن يا ترى هؤلاء الضالون أيًا كانوا؟
ثم يقول:" وأوصي أسرتي أن يكونوا بيتًا واحدًا, وألا يشمتوا بنا زنادقة العلمانية"!.
ويتساءل الإنسان من هم "زنادقة العلمانية" المقصودون هنا؟!
وما مقصد الإخوة في كتائب القسّام من نشر وصية المجاهد العالم والتي لم يكتبها لتنشر في الإعلام ابتداءً؟ وكيف سيرى الناس ويفهمون هذا الخطاب "العقائدي الطائفي" الضيق في وصية هذا القائد "الحمساوي" الرمز؟!
ربما يختلف أبناء الملة الواحدة، أو القومية الواحدة، أو المذهب الواحد اختلافًا سياسيًّا، يصل في بعض الأحيان إلى حد الاقتتال، غير أن هذا شيء، ومعاملة الناس وترتيبهم قربًا وبعدًا انطلاقاً من منظومة طائفية أو عقائدية شيء آخر. وما أتكلم عنه في هذه الورقة منصبٌّ على الطائفية ولا علاقة له بالنزاعات السياسية المصلحية.
إن لأفراد حركة "الإخوان المسلمون" مرجعيتهم الفكرية ولا بد!، ولكن السؤال هو: إذا كان الأصل الأول من الأصول العشرين المعروفة لديهم هو "الفهم"، فهل يعبّر أولئك القائدة الذين صدرت منهم تلك التصريحات التي سقتها هنا ـ وقد أسقطت بعضها لئلا يطول المقال ـ والتي تعبّر عن نفس طائفي، هل يعبِّر أولئك القادة عن فهم صحيح لمنهج الحركة أو لا؟
إن كانت الإجابة نعم، فمعنى هذا أن حركة الإخوان المسلمين هي حركة طائفية عقائدية، تنظر للآخر من منظار طائفي، وإن كانت الإجابة: لا، لا تعبّر تلك التصريحات عن فهم منهج الإخوان، فالسؤال هو: فكيف أصبح أولئك في أكابر قادة الحركة إما على المستوى التنظيري، أو على المستوى الميداني؟ بحيث يكون لكلامهم قبول لدى الناس؟
وإذا قيل بأن هؤلاء لا يمثلون مرجعية فكرية داخل الحركة نفسها فهل هم لا يمثلون مرجعية فكرية لدى جمهور كبير يطلع على كتاباتهم ويهتم بتصريحاتهم حال كونهم قادة ووجوهًا بارزين داخل الحركة؟
وإذا كان أولئك القادة لا يمثِّلون العقل "المكوِّن" داخل الحركة يؤثر في أبنائها، فهل من غير الواضح أن الحركة الإسلامية بكل رموزها ـ ومنهم الرموز الذين ذكرتهم ـ تمثّل العقل "المكوِّن" لجماهير الأمة العريضة؟
ذاك أن أولئك القادة ذوو حضور ولهم متابعون ومستمعون، وهم رموز لها مصداقيتها وسمعتها الطيبة، وسيرتها العطرة، فكيف سيكون تلقي هؤلاء الجماهير لهذه الأفكار الطائفية من أشخاص تجعلهم الحركة الإسلامية رموزًا؟ أسئلة تنتظر الإجابة.
هذا، ويحسن بي أن أختم بإطار ثالث يصب في الخطاب الطائفي لكن لا على مستوى المذهب أو العقيدة، بل على مستوى الدين ككل، أختم بذكر مسألة علاقة "الإخوان المسلمون" بـ "المواطنين العرب" غير المسلمين ـ وإن كانوا مسلمين حضارة وثقافة ـ الذين ما نزال نعاملهم كـ "أهل ذمة" في استدعاء تاريخي ولى زمانه، وغاب أوانه، إذ على الرغم من تصريحات الإخوان المتتالية والمؤكِّدة بأن الأقباط مواطنون مصريون وأن الجميع سواء أمام القانون، نجد الأقباط يُحرمون من حقهم كمواطنين كاملي الأهلية ـ ولو نظريًّا ـ من تولي السلطة العليا، كما صرّح بهذا نائب المرشد العام السابق الدكتور محمد حبيب في مقابلة أجراها معه موقع إسلام أون لاين (14) ، في زمنٍ الدولةُ فيه عمل مؤسسي جماعي قائم على دستور ومواطنة، حيث لا أثر لدين القائمين عليه أو عقائدهم في نظام يتحاكم إلى دستور وقوانين واضحة، ولا ينفرد الرئيس فيه برأي يستبد به دون المؤسسة! والحجة المرفوعة: أن هذا يخالف الفقه الإسلامي! وهو ما قد يفهم ـ إضافة إلى ما سبق ـ فهماً طائفيًّا قائمًا على الدين ككل لا على المذهب العقدي هذه المرة بين أبناء الوطن الواحد!
إن ضبابية النظرية الإخوانية ـ لو كان هناك نظرية أصلاً ـ وضبابية مواقفهم الفكرية، لا تبعث على الارتياح ولا الطمأنينة، وتكاد تفقد هذه الحركة العريقة مصداقيتها، وتؤدي بالباحثين والمراقبين إلى الارتباك في فهم مواقفها وأهدافها، مما يجعلها في موظن ظنة وارتياب هي أغنى الناس عنهما.
ربما يهوّن البعض من شأن تلك التصريحات المتنافرة من قادات الإخوان المسلمون، غير أن الأمر بخلاف ذلك، فإن تلك الأصوات تؤذن بتنام ملحوظ بين أبناء الحركة، وقد أوردت من الأدلة على ذلك ما يكفي.
إن الخطاب الطائفي ـ لاسيّما المبني على أسس دينية أو عقائدية ـ يؤدي إلى نتائج خطيرة تودي بالمنطقة إلى مزيد من التفتت والتشتت والضعف والتبعية، وهو ما يناقض ولا شك مشروع الحركة الإسلامية النهضوي والوحدوي الذي تظهره وتنادي به، وعلى الحركة الإسلامية اتخاذ موقف حازم، وفتح الأعين والآذان، على مثل هذه التوجهات التي قد تتنامى داخلها، إذا لم يلتفت إليها على الوجه المطلوب، لما للخطاب الطائفي والعنفوي من أثر سلبي لا تحمد عقباه في منطقة تغلي على فوهة بركان!
====================================================================================
الهامش:
(1) أذكّر هنا بأن العرب غير المسلمين، إنما هم مسلمون (ثقافة) وإن كانوا غير مسلمين (ديانة)، وهذا ما يفتح الآفاق مع الأشقاء العرب من غير المسلمين فهم شركاء الثقافة والتاريخ والقضايا، وإن اختلف الدين.
(2) اسم كتاب في الفرق للإمام عبد القاهر البغدادي الأشعري.
(3) http://www.taghrib.org/arabic/nashat/elmia/markaz/nashatat/elmia/matboat/resalataltaghrib/53/053_01.html
(4) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/BFC52150-5FCA-48F3-8E15-7080405A641C.htm
(5) لم يكن حزب البعث الاشتراكي حزبًا يقيم حسابًا للدين أصلاً، ولم تكن منطلقاته دينية ولا مذهبية أصلاً، وإن كان السياسي قد يستفيد من الديني بأكثر من شكل فيما يحقق أهدافه ومصالحه، ولكن الخطابات الإخوانية في ذلك الوقت كانت تستحضر فتوى ابن تيمية بأن النصيرية أكفر من اليهود والنصارى.
(6) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/765529F9-8F7D-48C4-A1BD-5A4B0319FA50.htm
(7) http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=3537&SecID=0
(8) http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=45436&SecID=0
(9) http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=45768&SecID=0
(10) http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=48149&SecID=0
وكذلك ينظر في هذا الموقع:
http://www.aljazeera.net/News/Templates/Postings/DetailedPage.aspx?FRAMELESS=false&NRNODEGUID=%7BC6DAFA5A-B701-412E-93BB-49B4CC35B9A9%7D&NRORIGINALURL=%2FNR%2Fexeres%2FC6DAFA5A-B701-412E-93BB-49B4CC35B9A9.htm&NRCACHEHINT=Guest

(11) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/4141C46B-68B7-4AEE-B4B3-82049F1A0B75.htm
(12) http://www.alqassam.ps/arabic/special_internal.php?id=141
(13) أنبّه هنا إلى أن هذا معتمد على الآيات الأولى في سورة الإسراء، وهي من (المتشابه) الذي يختلف تأويله، فالقطع بأن الوعد الوارد هو لنا تحديدًا ينسب لله فعلاً يلزم صاحبه أن يقيم عليه دليلاً فلقد قال تعالى:" وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"! والجزم بأن هذا الوعد وقع أو لم يقع بعد أو سيقع وأن المقصود بهذا الوعد نحن أو غيرنا، كل ذلك من التأويلات، التي لا تحمل محمل القطع الذي يصبح عقيدة ـ أو أدلوجة ـ ينظر من خلالها إلى الواقع ويترتب عليها التعامل معه.
(14) http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1184649919338&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout



#رائد_السمهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رائد السمهوري - الإخوان المسلمون وضبابية مواقفهم الفكرية (الطائفية نموذجًا)