أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - مشكلة التدين في مصر














المزيد.....

مشكلة التدين في مصر


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2896 - 2010 / 1 / 22 - 15:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجزء الأكبر مما يبدو في مصر كمشكلة صراع ديني بين طوائف المجتمع المصري، ليس مشكلة الأديان في ذاتها، بقدر ما هو مشكلة تدين. . فالتدين هو فهم الناس للدين، وانعكاس ذلك الفهم على نظرتهم للعالم وللآخر، وبالتالي على علاقاتهم في مختلف جوانب الحياة. . أيضاً جزء من مشكلة التدين المصري، نراها ترجع إلى ما يبدو عجزاً للعقلية المصرية عن التجريد، ولجوئها لتحويل المجرد إلى حسي. . فرغم أن الأديان السائدة في مصر، وهي المسيحية والإسلام تعبد إله متسام، يخاطب ضمير الفرد، بما تصلح به دنياه وآخرته، إلا أن ما نزعم من عجز للعقلية المصرية عن التعامل مع ما هو مجرد، جعل التدين المصري يتحول من المعنوي السماوي، إلى الحسي الأرضي، مما يفرغ الدين من محتواه الرئيسي، ويحوله عن طبيعته المتسامية، إلى شيء آخر مختلف كل الاختلاف.
لقد ترتب على هذا التحول من المجرد للحسي ثلاثة نتائج رئيسية:
• في ظل تغيب مفهوم التدين كعلاقة بين الإنسان والخالق المتسامي، تحول التدين إلى أيديولوجيا خصامية بين أتباع الدين الواحد وسائر أتباع الديانات الأخرى. . أي صار مجرد رابطة عصبية غير مستقرة، إذ تتوالى فيها الشروخ والتصدعات الداخلية، بظهور الطوائف المختلفة داخل الدين والواحد، لينتقل الصراع الخارجي إلى داخلها. . ويصبح هكذا أي تفسير شخصي للدين وكأنه انشقاق ليس فقط يهدد وحدة المؤمنين، وإنما يضرب الدين ذاته. . يتبدى هذا بنفس القوة والوضوح في كل من المسيحية والإسلام، فالصراع المتبادل بين أتباعهما على قدم وساق، بذات قدر وضراوة الصراعات الداخلية بين كل فريق، بل وكثيراً من تفوق الصراعات الداخلية بين أبناء الدين الواحد في ضراوتها، ذلك الصراع التقليدي بين أتباع الديانات المختلفة.
• ترتب على ذات العجز أيضاً في العقلية المصرية، أن تحول التقديس من الإله المتسامي، إلى البشر الذين قاموا بدور الوكلاء عنه في مفهوم وتدين الناس، فتحول الكهنة في المسيحية إلى كائنات مقدسة، ممتنعة على النقد والمراجعة، التي عدت في نظر العامة من المؤمنين بمثابة تجرؤ بل وتطاول على الدين ذاته، ففي ظل مفهوم أنهم معينون بواسطة الإله، وليس بموجب خيار أو رغبة بشرية، صار لهؤلاء ذات قداسة الإله وعصمته!!. . وفي نظر المسلمين تحول رجال الدين من مساعدين للمؤمنين على فهم ما استعصى عليهم في دينهم، إلى أصحاب أمر ونهي باسم الإله. . يصدرون أوامرهم في شكل فتاوى، امتدت لتشمل كل مجالات الحياة الإنسانية، وليست فقط الجانب الديني. . صاروا مرجعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقانونياً، بل ومرجعاً طبياً وجنسياً أيضاً!!
• النتيجة الثالثة للتحول من العبادة المجردة إلى عبادة المحسوس هي أخذ التدين صورة شكلية مظهرية، تتجاهل وتكاد تجهل أهم ما في الأديان من قيم روحية وإنسانية سامية. . فالمفهوم الحسي للدين لا يعترف أو لا يعرف غير الالتزام بطقوس محددة، وبمظاهر خارجية من الأزياء واللحى وما شابه. . من الطبيعي في هذه الحالة أن يهتم المسلم ببول الرسول وبلباسه ولحيته، ويتناسى القيم والمثل والأخلاق التي دعى لها، والتي هي عند القادرين على استيعاب المجرد صلب رسالته، إن لم تكن هي الرسالة ذاتها ولا شيء أكثر. . على ذات النهج الحسي نرى الأقباط المحاصرين بالتمييز والازدراء لهم ولدينهم من قبل التيارات المتعصبة، التي تمرح ما شاء لها الهوى في ربوع مصر. . لا يجد الأقباط وسيلة للإعلاء من شأنهم وشأن دينهم، غير البحث عن تصورات وتجسيدات حسية يتفاخرون بها، ويطمنون بها أنفسهم بأنهم على حق، وبأن دينهم هو الدين الحق، مثل انسيال الزيوت من الأيقونات، أو ظهورات للعذراء مريم على قباب الكنائس، وأحاديث عن معجزات شفاء تصاحب هذه المظاهر. . يتجه المسيحيون المصريون هذه الوجهة، رغم أن هناك وصية واضحة للسيد المسيح تقول: "ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات". . لكن معيار التفوق والفخر الذي تشير إليه هذه الوصية، وهو المعنى والمثل العليا المضمرة في الأعمال الصالحة، لا تتناسب مع عقلية المصري العاجزة عن التجريد، سواء عقلية المؤمن المسيحي الذي يبحث عن مثار فخر، أو عقلية غير المسيحي المستهدف إقناعه بتفوق المسيحية!!
لو صح ما زعمنا في هذه السطور، من أن طبيعة التدين المصري الحالي ترجع لقصور في عقلية الإنسان المصري عن التعامل مع المجرد، وهو ما يمكن اكتشافه أيضاً في طبيعة الحضارة المصرية القديمة في الحقبة الفرعونية، التي انحصرت في الإنجازات الحسية، من إنشاءات حجرية ضخمة، تم الاعتماد في تشييدها على التجربة والخبرة التطبيقية، دون أن يمتد ذلك إلى العلم المجرد كما حدث في الحضارة اليونانية. . لو صح هذا التصور، فإن مهمة الإصلاح والتنوير في مصر تكون هكذا أمام عقبة كأداء، تحتاج لمجهودات علمية للوصول إلى حل لها.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الأقباط إلى الساحة
- مقاربة لرواية د. يوسف زيدان: عزازيل
- حتمية الحل العلماني
- الأصل والصورة
- رواية: ينابيع وادى حوران
- الإخوان المسلمون والدولة المحظورة
- الرفض العنتري الرث
- مسألة الصلح – تساؤلات بريئة
- في زمن الغيبوبة والجنون
- الحوار المتمدن قصة نجاح
- مصر مصرية يا د. أبو المجد
- الأقباط ومصيدة الفاشية
- المظلوم ينقذ ظالمه
- تهمة ازدراء الأديان
- هذا يحدث في مصر
- فسيولوجيا القيم المجتمعية
- يوم الحداد الوطني
- ثقافة الهيمنة
- العقل والميتافيزيقا والوجود
- الشرق وفلسفة التواطؤ


المزيد.....




- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - مشكلة التدين في مصر