أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض الحبيّب - هكذا قرأتُ القرآن ٦ سورة المَسَد- ثانياً وأخيراً















المزيد.....


هكذا قرأتُ القرآن ٦ سورة المَسَد- ثانياً وأخيراً


رياض الحبيّب

الحوار المتمدن-العدد: 2896 - 2010 / 1 / 22 - 02:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ركّزت في القسم الأول من قراءتي سورة المَسَد على تفنيد قول الإمامين القرطبي وابن كثير حول وجود (معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة في السُّورة بحجّة بقاء أبي لهب وزوجته على الكفر إلى الموافاة) بأربع نقاط: 1. اشتراط توفر قياسات علميّة متفق عليها لتحديد ظاهرة ما أو اعتقاد ما يمكن تصنيفه كعلم صحيح وحقيقي، فإن لم يجتز أنواعاً وأعداداً من الإختبارات العلميّة فإنّ تصنيفه سينتهي إلى صنف يُسمّى بالعلوم المُزيّفة أو الكاذبة 2. محاولة سبّ أبي لهب وزوجته ليست طريقاً سليماً إلى تحقيق نبوّة ما ولا إعجاز 3. الرّهان على حصول حدث ما والصدفة والتوقّع ومرادفاتها عوامل كافية لجعل رصيد النبوّة أو الإعجاز مُفلِساً 4. قيام شخص بإعلام النبيّ أو إخباره بحدث متعلّق بحياة النبي نفسه يكفي لتجريده من صفات النبوّة، كذلك جهل النبيّ بمصيره الشخصي يجرّده من نبوّته.

فوددت أن أضيف 5. وجب أنْ تعود رسالة الرسول على البشرية بفائدة من طراز خاص، لا يستطيع إنسان مثله الإتيان بمثلها مهما يبلغ ذكاؤه من الحِدّة، أمّا المعجزة التي بلا فائدة ولا جدوى فتُصنَّف في باب السّحْر والشعوذة والتسلية 6. يجب توفر شهود عيان للشهادة على حصول معجزة، أمّا محمّد فقد كان يتهرّب من هذا الموضوع بقوله (قالوا... ويقولون... ويسألونكَ...، قلْ... وجبريل أقرأني كذا... وأُمِرْتُ بكذا... إلخ) وهذا عين الهراء الذي تسبّب في ازدراء قريش له والإستخفاف بدعوته واحتقاره لدرجة أنّ أبا لهب وزوجته (من تفسير القرطبي أدنى) وأبا جهل (من سيرة ابن هشام) كانوا يقصدون ضربه بحجر. ولولا أنّ قريش كانت ترثي لحاله بسبب مرضه العصبيّ المُزمن (الصّرَع) ولولا أنّ قريش (التي سمِع أهلها بمعجزات الأنبياء من قبْلُ) لم تحسب حساباً دقيقاً للمخاطر التي ستنجم عن دعوته ولولا رعاية أبي طالب له ولولا وقوف السيدة خديجة وابن عمها القسّ ورقة بن نوفل وأبي بكر وغيره دعائم مادية ومعنوية ودفاعيّة، لما صمد محمد أمام محاولات قريش للقضاء عليه وقتاً أطول، قبل الهجرة إلى يثرب. وهنا مقتطفات تؤيّد ما تقدّم:

القرطبي- في معرض تفسير المسد: 1 زاد الحُمَيْدِيّ وغيره: فلمّا سمِعَت اٌمرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله (ص) وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر (رض) وفي يدها فِهْر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله (ص) فلا ترى إلّا أبا بكر .فقالت: يا أبا بكر، إنّ صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضرَبْتُ بهذا الفِهْر فاه، والله إني لشاعرة:
مُذمَّمًا عَصَيْنا
وأمْرَهُ أبَيْنا
ودِينه قلـَيْنا
ثم اٌنصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال: "ما رأتني، لقد أخذ الله بصَرَها عني" وكانت قريش إنما تسمّي رسول الله (ص) مُذمَّمَاً؛ يسبّونه، وكان يقول: "ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبّون ويهجون مُذمَّمَاً وأنا محمّد"
[تعليقي: إنّ الذي أخذ بصرها عن محمد غضبُها الشديد منه وليس الله، لأنّ شدّة الغضب تغشي البصر أحياناً]

وقيل: إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي ص بحجر، فمنعه الله من ذلك، وأنزل الله تعالى: "تبّت يدا أبي لهب وتبّ" للمنع الذي وقع به.
[في مُعْجَم “لسان العرب” الفِهْرُ: الحَجَر قدْرَ ما يُدَقُّ به الجَوْز ونحوه؛ قال الليث: عامّة العرب تؤنث الفِهْرَ. وقيل: هو الحجر مِلْءَ الكف، وقيل: هو الحجر مُطلقاً. ابن الأَعرابي- القِلى: البُغض؛ ابن سيده- قليْتُه قِلًى وقلاء ومَقلِية: أَبغضته وكرِهْتُه غاية الكراهة فتركته]

وفي سيرة ابن هشام- قال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمداً قد أبى إلّا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا وإني أعاهد الله لأجلسنّ له غداً بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته فضختُ به رأسَه [الفضْخ: كسر كلّ شيء أَجوف نحو الرأْس والبطيخ– لسان العرب] فأسلِموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم. قالوا والله لا نسْلِمُك لشيء أبداً، فاٌمْض لما تريد... إلخ.
[تعليقي: القول "وإني أعاهد الله" يُشير إلى أنّ أبا جهل كان يعرف الله ويؤمن به، لكنّ محاولته المذكورة فشلت- بحَسَب السّيرة. قال ابن إسحاق‏:‏ ذكِر لي أنّ رسول الله ص قال‏:‏ "‏ذلك جبريل (ع) لو دنا لأخذه"‏]


أمّا بعد؛ هنا تساؤلاتي بصفتي قارئاً: 1. من هو أبو لهب ومن أعطاه هذ اللقب؟ لقد علمتُ من السيرة المُحمّدية (لا من القرآن) أنّ كنيته أبو عتبة وأنّ أباه (عبد المطّلب) هو من أطلق عليه ذلك اللقب لوسامته وإشراق وجهه ولكنْ 2. كم من المسلمين من غير العرب يعرفون شخصيّة أبي لهب وقصّته مع محمّد؟ لأنّ القرآن- كالعادة- يترك القارئ متسائلاً على الدوام ومضطرّاً للإستعانة بوسائل مساعدة- وحين يذهب القارئ الى التفاسير يصطدم باختلافٍ كثير في التأويل والتفسير 3. من سماتِ الوحي- لو كان إلهيّاً- أنْ يُخاطـَبَ رجلٌ باٌسمه المكتوب في “اللوح المحفوظ” والمفترض عبد العزّى لا بكنيته ولا بلقبه! ما سنرى لاحقاً أنّ زيداً بن حارثة (المذكور في سورة الأحزاب- الجملة ٣٧ بقوله: فلمَّا قضَى زيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زوَّجْناكهَا...) مذكور باٌسمه، شأنه شأن آدم ونوح وإبراهيم ولوط... إلخ فهل غيّر إله القرآن أسلوبَ المخاطبة فيما بعد؟ أم انّ زيداً (ابن محمد بالتبنّي- سابقاً) كان من أحبّاء الله والرسول بينما كان أبو لهب (عمّه من طريق أخ غير شقيق) من أعدائهما؟

في تفسير القرطبي: {ومَعْنى"تبَّتْ" خسِرَتْ؛ قالَ قتَادَة. وَقِيلَ: خابَتْ؛ قالَ اِبْن عَبَّاس. وقيل: ضَلَّتْ؛ قالهُ عَطَاء. وقيل: هَلكتْ؛ قالهُ اِبْن جُبَيْر. وَقالَ يَمَان بْن رِئاب: صَفِرَتْ مِنْ كُلّ خبَر} انتهى. وفي «لسان العرب» {في التنزيل العزيز: تبَّتْ يَدا أَبي لهَب أي ضَلَّتا وخسِرَتا. وقال الرّاجز: أخْسِرْ بها مِنْ صَفقةٍ لم تُسْتقلْ *** تبَّتْ يدا صافِقِها ماذا فعَلْ. وهذا مَثلٌ قِيل في مُشتري الفسْوِ} انتهى

وأقتطف من تفسير الطبري الحديث 29588 عن ابن عباس قال: صعد رسول الله ذات يوم الصفا فقال: «يا صباحاه!» فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ قال: «أرأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مُصَبِّحكُمْ أو مُمَسِّيكُمْ، أما كنتم تصدقونني؟» قالوا: بلى، قال: «فإني نذير لكم بين يَدَيْ عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبّاً لك، ألهذا دَعَوتنا وجَمَّعْتنا؟! فأنزل الله: «تبّت يدا أبي لهب» إلى آخرها. وروى القرطبي رواية مشابهة عن ابن عبّاس، قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) - الشعراء: ٢١٤ ورَهْطك مِنْهُمْ المُخْلَصِين [وتعليقي هنا: يبدو أنّ هذه كانت جملة قرآنية تمّ إسقاطها من القرآن] قام رسول الله ص على الصفا ثم نادى: "يا صباحاه" فاجتمع الناس إليه... إلخ

تعليقي: أوّلاً- قول محمد «فإني نذير لكم بين يَدَيْ عذاب شديد» لا موجب له ولا داعِيَ سوى الصلف والاستهتار إذ وضع نفسه في مصاف الأنبياء ولم يأتِ بمعجزة ولو واحدة يتيمة كي يحظى بتصديق المُكذبين من الناس. 1. من ذا الذي أعطاه الحقّ ليقوم بالإنذار؟ لا دليل عقلاني. 2. ما هي ذريعة الإنذار، هل هي عبادة الله في وقت كان منهم من يعرفون الله ولا سيّما أهل الكتاب والحنفاء؟ 3. هذا الإنذار موجود في التوراة وفي كتب الأنبياء وفي الإنجيل وموجّه من الله لا لشعب دون غيره بل لكل الشعوب التي تسعى وراء آلهة أخرى، ما على الباحث المُنصِف سوى الإطّلاع على الكتاب المقدّس المتيسّرة قراءته على الإنترنت. لذا أكتفي بذكر ما ورد في سِفره الأخير- رُؤيا يُوحَنّا- الفصل 21 والآيات 5-8 حول الآخِرة:
وقال الجالس على العرش: ((ها أنا أصنع كلّ شيء جديداً)) وقال لي: ((أكتبْ، فإنّ هذه الأقوال صادقة وأمينة)) ثم قال لي: ((قد تمّ! أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية. أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجّاناً. مَن يغلِبْ يرثْ كلّ شيء، وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً. وأمّا الخائفون وغير المؤمنين والرّجسون والقاتلون والزناة والسّحَرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبُهُم في البُحَيْرَة المُتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني)) – ترجمة فاندايك.
إذاً الله هو الدّيّان؛ لم يُكلّف الله رسولاً بأن يقتل باٌسمه ولا بالجهاد في سبيله ولم ينتدب أوغاداً للإرهاب والتفجير ولم يستقدم صعاليك للتخريب والتدمير.

ثانياً- وجدت من الغرابة تدوين رواية ابن عبّاس حول المشادة ما بين محمّد وأبي لهب ضمن تفسير سورة الشعراء: ٢١٤ على أنها من أسباب “النزول” وبينها وبين سورة المسد زمن غير قصير إذا ما قيس بحسب ترتيب السور في مصحف عثمان، حيث ترتيب سورة الشعراء ٢٦ أمّا بحسب “التنزيل” فترتيب سورة الشعراء ٤٧ والسؤال المشروع هو: لماذا تمّ إدراج قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) في سورة الشعراء لا المسد بطريقة ما؟ لكني لاحظت أنّ القافية (أو الفاصلة) بقوله “الأقربين” تتماشى مع القوافي التي في الشعراء والتي غالبيتها من هذا القبيل: المُعَذَّبين، تعْمَلُون، الشَّيَاطِينُ، الغاوُون، لا من قبيل القوافي التي في المَسَد.

وقد رُويَ في الحديث 29587 - قال أبو لهب للنبيّ: ماذا أُعْطَى يا محمّد إن آمنتُ بكَ؟ قال «كما يُعطى المسلمون» فقال: ما لي عليهم فضل؟ قال “وأيّ شيء تبتغي؟” قال: تبّاً لهذا من دين تبّاً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: «تبّت يدا أبي لهب» يقول: بما عملت أيديهم.
وفي الحديث 29589 حدثنا ابن حميد... حين أرسل النبي ص إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عمّ النبيّ، وكان اسمه عبد العزى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تبّاً لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل الله «تبّت يدا أبي لهب»

تعليقي- هنا الحادثة؛ قال أبو لهب لمحمّد: (تبّاً لك) أو (تبّاً لهذا من دين تبّاً...) فردّ محمّد: تبّت يدا أبي لهب... إلخ. تبدو لي مجرّد مشادة كلاميّة، من الدارج ما بين العرب حدثاً ولغة، مألوف مثلها في بداية الدعوة المحمّديّة سواء ما بين محمد وأبي لهب أو بين محمد وأبي جهل (وسواهما) فما دخل الوحي الإلهي بالموضوع؟ ولماذا نُسِبَ إلى الله أنّه أنزل هذه السورة (وغيرها) ولم تنزل من فكر محمّد نفسه؛ هل كان الله في مشادة مع أبي لهب وغيره؟! وهل كان محمّد- الرّجُل- عاجزاً من الردّ على رجُلٍ مثل أبي لهب ما استوجب اٌنتظار مَن أوحى إليه؟ ما الدليل على أنّ الله هو المُوحي لكي يُقال: قال تعالى؟ فمعلوم في الكتاب المقدّس أنّ فِكر الله راقٍ وأنّ كلامه محترم وبليغ- لا لبس فيه! إنّما هذه السّورة- المَسَد- من السُّوَر التي تسبّبت في تحجيم صورة الله بحجم الإنسان وتشويه ملامح الله لدى الذين لا يعرفون الله.


أمّا قول مؤلّف القرآن (سَيَصْلى ناراً ذات لهَب) فقد رأيت عند الجلالين: {أيْ تُلهَّب وَتُوقد فهِيَ مَآل تكنِيَته لِتلهُّبِ وَجْهه إشراقاً وحُمْرَة} انتهى. أمّا القرطبي فقد أفاد: {أي ذات اشتعال وتلهّب. وقد مضى في سورة "المُرْسَلَات" القول فيه. وقراءة العامة: "سيَصلى" بفتح الياء. وقرأ أبو رجاء والأعمش: بضمّ الياء. ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير، وحسين عن أبي بكر عن عاصم، ورُويَتْ عن الحسن. وقرأ أشهب العقيلي وأبو سمال العدوي ومحمد بن السميقع "سيُصَلّى" بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام؛ ومعناها سيُصْليه الله؛ من قوله: "وتصْليَة جحيم" - الواقعة: ٩٤ والثانية من الإصلاء؛ أي يُصْليه الله؛ من قوله: "فسوف نُصْليه نارًا" - النساء: ٣٠ والأولى هي الاختيار؛ لإجماع الناس عليها؛ وهي من قوله: "إلّا مَنْ هو صَالِ الجحيم" - الصَّافَّات: ١٦٣} انتهى

تعليقي: ١. على قوله "ذات لهب" هل توجد في علوم الطبيعة نارٌ بلا لهب يُصلى بها؟ هذا القول "ذات لهب" لا بلاغة فيه، بل مجرّد حشو الهدف منه تمشية القافية والتي اتخذ لها مؤلّف القرآن التفعيلة "فعَل" بتحريك العين في الجُمَل الخمس بقوله: وتبّ، كسَب، لهَب، حطب، مَسَد، بغضّ النظر عن حركة الحرف الأخير- أي اللام في فعل، مُستفيداً من توقّف العرب على ساكن في نهاية الكلام. لكنّ أقبح الشعر عند العرب هو الذي يتخذ فيه الشاعر أزيد من حرف رويٍّ واحد في القافية. أي أنّ سورة المسد لو كانت قصيدة يُقال لقافيتها: بائيّة، حيث الباء هو حرف الرويّ؛ لكنّ تغيير حرف الرويّ إلى الدال بقوله "مسد" هو القبيح في شعر العرب إن لم يكن الأقبح- أنظر كتيّب «ميزان الذهب في صناعة شعر العرب» للمؤلف: السيد أحمد الهاشمي. وسوف نرى لاحقاً أنّ محمّداً يعجز من الإستمرار في أساجيعه بحرف رويّ واحد! وكان ما لاحظنا في سورة المدّثّر خير مثال على ما تقدّم.
٢. على تفسير الجلالين: لقد أشار مؤلّف القرآن في الجملة الأولى إلى التكنية- أي إلى أبي لهب- في وقتٍ كان سبب تكنية عبد العزّى بأبي لهب معروفاً في قريش فقوله “سَيَصْلى ناراً” تفي بالغرض ولا حاجة لقوله: ذات لهب
٣. على تفسير القرطبي: شكراً للقرطبي على إحاطتنا علماً حول اختلاف القراءة، لكنّ المحفوظ في “اللوح” غير معلوم! فهل هو قوله: سيَصْلى (بفتح الياء) أم سيُصْلى (بضمّ الياء) أم سيُصَلّى (بضمّ الياء وفتح الصّاد وتشديد اللام)؟ ولقد كان ربّ القرآن في حاجة ماسّة إلى اكتشاف التنقيط والتشكيل قبل تورّطه في رسالة جديدة أثارت النقد من آلاف الأقلام الواعية والمُستنيرة. إنّ شهادة اثنين من الصحابة على قراءة ما كانت دليلاً كافياً خلال أيّام جمع القرآن، لكنّ عثمان حرق المصاحف- مع شديد الأسف- مُبقِياً على مصحفه الذي يُقرَأ اليوم.

والآن ماذا جمع لنا السادة المفسّرون من أحاديث وروايات حول قوله: (وامْرَأتهُ حَمَّالة الحَطب ٤ في جيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ٥)؟ سأكتفي بمقتطفات- فمن تفسير الطبري:
{واختلفت القرّاء في قراءة "حمّالة الحطب" فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: "حمّالة الحطب" بالرفع، غير عبد الله ابن أبي إسحاق، فإنه قرأ ذلك نصْباً فيما ذ ُكِر لنا عنه... وأمّا النصب فيه فعلى الذمّ، وقد يحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة، لأن المرأة مَعْرفة، وحمّالة الحطب نكِرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لأنه أفصح الكلامين فيه، ولإجماع الحجّة من القراء عليه.
[في تفسير القرطبي- قرَأ أبُو قِلَابَة "حَامِلة الحَطب"]
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "حمّالة الحطب"... حديث 29600 حدثنا بـِشْر... عن قتادة: أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض... وعن قتادة قال: كانت تحطِب الكلام، وتمشي بالنميمة. وقال بعضهم: كانت تُعَيِّر رسول الله ص بالفقر، وكانت تحطِب فعُيِّرَتْ بأنها كانت تحطب.
[في تفسير القرطبي- وقالَ قتادة وغيره: كانتْ تُعَيِّر رَسُول الله ص بالفقر. ثمّ كانتْ مَعَ كثرة مالِها تحْمِل الحَطب على ظَهْرها؛ لِشِدَّةِ بُخْلها، فعُيِّرَتْ بالْبُخْلِ]
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي [والكلام للطبري] قول من قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله ص، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك. 29602 حدثنا ابن حميد... قال: لما نزلت "تبّت يدا أبي لهب" بلغ امرأة أبي لهب أن النبيّ ص يهجوك، قالت: علامَ يهجوني؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمِل حطباً "في جيدها حبل من مسد"؟ فمكثتْ، ثم أتته، فقالت: إنّ ربّك قلاك وودعك، فأنزل الله: "والضحى والليل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى"} انتهى

واقتطفت من تفسير القرطبي-
{قال الشاعر: إنَّ بَنِي الأَدْرَم حَمَّالُو الحَطَبْ*** هُمُ الوُشَاة فِي الرِّضَا وفِي الغضَبْ*** عَليْهِم اللَّعْنة تتْرَى والحَرَبْ
[بحر الرّجز- لم يذكر القرطبي من هو الشاعر لكنّي لاحظت أنّه اقتبس من شعراء عاشوا قبل الزمن المحمّدي أو خلاله]
وقال سَعِيد بْن جُبَيْر: حَمَّالَة الخطايا والذنوب؛ مِنْ قوْلهمْ: فلان يَحْتطِب عَلى ظهْره؛ دَلِيله قوْله تعَالى: "وهُمْ يَحْمِلُون أوْزارهم على ظُهُورهم" - الأنعام: ٣١ وقِيلَ: المَعْنى حَمَّالة الحَطب فِي النّار؛ وفِيهِ بُعْد} انتهى

قلتُ: واضح أنّ حَمَّالة مؤنث حمّال. وفي لسان العرب: {قال أبو المُثَلَّمِ يَرْثي صَخْر الغـَيّ:
هَبَّاطُ أوْدِيَةٍ حَمَّالُ ألوِيَةٍ *** شَهَّادُ أندِيَةٍ سِرْحانُ فِتيانِ [بحر البسيط] والسِّرْحانُ الذئب وقيل: الأسد بلغة هذيل؛
وفي حديث عليّ [بن أبي طالب] لا تُنَاظِروهم بالقرآن فإنّ القرآن حَمَّالٌ ذو وُجُوه أَي يُحْمَل عليه كُلُّ تأْويل فيَحْتمِله، وذو وجوه أَي ذو مَعَانٍ مختلفة} انتهى


أمّا في تفسير قوله "فِي جيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ" فقرأت للقرطبي:
{قوْله تعَالى: "فِي جيدها" أيْ عُنُقهَا. وقال امرُؤ القيْس:
وجيد كجيدِ الرِّيم ليس بفاحِشٍ *** إذا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّلِ
"حَبْل مِنْ مَسَد" أيْ مِنْ لِيف؛ قالَ النابغة: مَقذوفة بدَخِيسِ النَّحْض بازِلُهَا *** لهُ صَرِيف صَرِيف القعْو بالمَسَدِ
وقال آخر: يَا مَسَدَ الخُوصِ تَعَوَّذ مِنِّي*** إِنْ كُنْت لدْنًا ليِّنًا فإِنِّي*** ما شِئت مِنْ أَشَمَط مُقسَئِنَّ
وقد يكون مِن جُلُود الإبل، أو مِن أوبارها. ودابَّة مَمْسُودَة الخـَلْق: إذا كانتْ شدِيدة الأسْر، قالَ الشاعِر:
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ*** صُهْب عِتاق ذات مُخّ زاهِقِ*** لسْن بأنياب ولا حَقائِقِ
وجَمْع الجيد أَجْيَاد، وَالمَسَد أمْسَاد. أبو عُبَيْدَة: هُوَ حَبْل يَكُون مِنْ صُوف. قال الحَسَن: هِيَ حِبَال مِنْ شَجَر تنبُت باليَمَنِ تُسَمَّى المَسَد، وكانتْ تُفتَل. قالَ الضَّحَّاك وغيره: هذا في الدّنيا؛ فكانتْ تُعَيِّر النّبيّ ص بالفقر وهي تحتطِب في حَبْل تجعَلهُ في جيدها مِن لِيف، فخنقها الله جَلَّ وَعَزَّ بهِ فأهْلكها؛ وهو في الآخِرَة حَبْل مِن نار. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً- وقاله مجاهد وعروة بن الزبير: مِن فِيهَا، وتخْرُج مِنْ أسْفلها، وَيُلْوَى سَائِرها على عُنُقها. وقال قتادة: مِنْ وَدَع. الوَدَع: خـَرَز بـِيض تَخْرُج مِن البَحْر، تتفاوت في الصِّغر والكِبَر. الحسن: إنما كان خرزاً في عنقها. سعيد بن المَسِيب: كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد. ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة... إلخ. فقيل- اعتراضاً: إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به، فكيف يبقى في النار؟ وأجيب عنه بأنّ الله عزّ وجلّ قادر على تجديده كلّما احترق} انتهى

تعليقي أخيراً: حين قرأت هذه السورة المرّة الأولى تساءلت: لماذا ازدرى محمد هذه السيدة- زوجة أبي اللهب- بقوله- حمّالة الحطب؟ فمعلوم أنّ “حمّالة” صفة مبالغة لـ “حاملة” وصفة المبالغة تُستخدَم إمّا تقديراً وتكريماً- كما مرّ: هَبَّاطُ أوْدِيَةٍ حَمَّالُ ألوِيَةٍ... إلخ أو تحقيراً لأنّ الإبل أقوى من الإنسان وأكثر احتمالاً فالإبل هي التي تستحق صفة المبالغة “حمّالة” وليس الإنسان في هذا المثال- أي حمّالة الحطب. والذي يؤيّد ظنّي هو من جهة: معرفتي بأسلوب الإزدراء لدى مؤلّف القرآن ممّا قرأتُ له في كتابه- ومن جهة أخرى، وجدتُ- بصفتي مهتمّاً بالأدب العربي القديم- انّ في قوله “في جيدها حبل من مسد” دلالة على التحقير ما أغفلته كتب التفسير أو غضّت عنه النظر، إذ لم يقل [في خصْرها حبل من مسد- مثالاً لا حصراً] ولم يقلْ [في جيدها عقد من ذهب- مثالاً أيضاً] مع احترامي لجميع التفاسيرعلى اختلافها، لهذا السبب- في تقديري- استشاطتْ زوج أبي لهب غضباً في تلك الحادثة، ما أثـّر بشدّة على بصَرِها فنجا محمّد من فِهْرِها.
____________________________

شكراً جزيلاً لجميع الأحبّاء- الإخوة والأخوات- ذوي الأقلام المتألقة في فضاء الحوار المتمدن سواء بالمقالات أو التعليقات على التفضّل بالتعليق في حقول القسم الأوّل والشكر عينه لمن تفضل-ت بالتصويت على المقالة: أبو لهب المصرى (لو كنت في زمن أبي لهب لأهديته والسيدة زوجته هذه المقالة بقسمَيها، لكنها اليوم مهداة لكلّ من يُدافع عن قضيّتهما. كلّ سنة وأنت طيّب) – عراقي (بل لم يذكر اسم أحد من الصحابة في القرآن سوى زيد لأنّ المصلحة اقتضت ذلك ولم يكُ بليغاً ما يكفي ليتجنب ذكر اٌسمه أسوة بغيره من الصحابة- ذلك إمّا جاز اعتبار زيد من الصحابة بعد إلغاء التبني) – سناء (أتفق تماماً مع ما تفضّلتِ به سيدتي. سَلِم يَراعُكِ مع فائق الإحترام) – حمورابي (أبادلك أطيب التحيّات) – عيساوي (أبادلك التحية متشرّفاً بشهادتك. أحسنتَ فيما تفضّلت به- ومن النادر من جهتي أن أقرأ لكاتب يخشى التعليق ويهاب التصويت. وعفواً إذ لا شكر على واجب) - mama (تشرّفت بمرورك وشهادتك، أبادلك فائق الاحترام والتقدير. وربّنا يباركك) – AL (إنّ موضوع إبليس داخل في ديانات عدّة كروح شرّيرة خفيّة لا يُعرَف لها جنس بالمقياس المادي، متعدد الأسماء بحسب اللغات والثقافات. أمّا الذين يؤمنون بالله- الذي من خلائقه إبليس- فأزيد من مليارين ونحن المؤمنين بالله ننسب أعمال الشرّ المختلفة لإبليس) – Brader (أتفق تماماً معك، أحسنتَ بل ما تفضلتَ به يُعَدّ بيت القصيد لجزئيّة مهمّة ممّا في هذه المقالة) - فيصل البيطار (أعِدك بالمتابعة، تشرّفتُ بشهادتك وسرّني أسلوبك الذي أثلج الصدر- كالعادة. وعفواً إذ لا شكر على واجب) - يوسف حنا بطرس (إنّ الفضول العلمي في الأقلّ دافع رئيسي وراء مَن يسمعون- ويسمعن- ويقرأون- ويقرأن- ويفهمون- ويفهمن- بعدما تيسّرت سبل سريعة للوصول إلى المعلومة العلمية سواء عبر الإنترنت والقنوات الفضائية. والربّ يباركك ويحميك والناس جميعاً في تللسقف وسائر المعمورة.
____________________________

قريباً- قراءة في سورة التكوير



#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا قرأتُ القرآن ٦ سورة المَسَد- أوّلاً
- هكذا قرأتُ القرآن 5 سورة الفاتحة
- هكذا قرأتُ القرآن 4 سورة المُدَّثِّر
- هكذا قرأتُ القرآن 3 سورة المُزَّمِّل
- هكذا قرأتُ القرآن 2 سورة القلم
- هكذا قرأتُ القرآن 1 سورة العَلَق
- 69
- حوار مع “الحوار” فهل من محاور؟
- الجهل الإسلامي والتجاهل العلماني في الحوار
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم الرصافي- أخيراً
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 25
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 24
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 23
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 22
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 21
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 20
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 19
- رُبّ لبْسٍ في حروف الهِجا
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 18
- تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 17


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رياض الحبيّب - هكذا قرأتُ القرآن ٦ سورة المَسَد- ثانياً وأخيراً