أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان .. 5















المزيد.....

نذور السلطان .. 5


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2895 - 2010 / 1 / 21 - 23:10
المحور: المجتمع المدني
    


الوقت كان يقترب من الظهيره ، وهذا معناه بانني تفصلني عن نهاية المواعيد التي تتوفر خلالها وسائط النقل ساعات قليله .. فالمدينة بعد وقت الغروب ، تبدو خالية من أي تواجد للسكان المدنيين .. ومن يتحرك في احيائها في الليل من غير الاكراد ، سوف لن يأمن على حياته ، سيما وانني كنت ارتدي ملابسي العسكرية ، والتي ستكون هدفا لاعداء الحكومة في المنطقه ، فيما اذا تأخرت عن المغادرة وبسرعه .

من حسن الحظ ، أنني لحقت بآخر حافلة متوجهة الى بغداد ، ومن حسن الحظ ايضا أنها كانت مليئة بالجنود المجازين ، الامر الذي سيساعدني حتما في عدم تمييزي بسهوله من قبل نقاط التفتيش .. تحركنا حيث لم يكن العدد قد اكتمل لشغل كل المقاعد ، وذلك لكون ان السائق كان مضطرا للتحرك قبل حلول المساء .. حركة الاليات العسكرية كانت نشطة ولم تتوقف بين ذهاب وإياب على الجانب الاخر من الطريق ، وبعض الناقلات الضخمه تسير بهدوء ، وهي تحمل على ظهورها اعداد مرصوفة من الدبابات واشكال مختلفة من المدافع ، يخيل لي في بعض الاحيان بانها ستسقط عن ظهر الناقله من حدة تمايلها يمينا ويسارا .. نقاط التفتيش كانت محطات للانتظار الممل والمخيف في نفس الوقت .. عدد من العسكريين برتب مختلفه يتحركون في المكان ، وجميعهم رافع يده مؤشرا للسيارات وموجها لها بالتحرك صوب هدف معين .. فالبعض منها يتم توجيهه للتوقف على جانب الطريق ، والبعض الاخر يسمح له بالاستمرار في السير .. الحافلة التي كنت فيها لا ادري لماذا كانت وفي اكثر من نقطه ، يشار لها بتتمة المسير ، الامر الذي كان يدخل السرور على نفسي ..

حينما كنا نتوقف في أية نقطة للتفتيش ، كان الجنود داخل الحافله ، يصابون بخرس غريب ، على عكس الحالات التي نتحرك فيها مبتعدين .. فالصخب واختلاط الاصوات ، بل والنط بين الكراسي وتبادل المزاح بالايدي هو الذي يسود حينذاك .

كنت الوحيد من بينهم ملازم لمكاني دون حركة ولا حديث مع احد ، فانا ابدو كغريب ، إضافة الى أنهم يميزون ملابسي ، ويعرفون بانني من صفوف الجيش الشعبي وليس الجيش النظامي .. إنهم ، وهذا هو الشائع ، لا تربطهم مودة مع هذا الصنف ، لاعتقادهم بانه يمثل السلطة الحاكمه ، تلك السلطة التي كانت سببا في تأجيج نار الحروب ، وزجهم في أتونها دون مبررات بعينها .

حاولت التودد لمن كان بجانبي ، غير انه لم يكن مستقرا في مقعده ، وكثيرا ما يقفز من مكانه ليمازح رفاقه ، واحيانا يؤدي ذلك الى ركلي بكوعه أو لطم جبهتي بكفه .. ولم يكن مضطرا لالقاء كلمة أسف علي ...

وصلنا الى آخر نقطة للتفتيش قبل ان نصل الى محافظة السليمانيه .. وبدا لي وكانني قد عدت ثانية الى ساحة القتال من شدة الحركة في المكان .. الضباط مكشوفي الرؤؤس وبمعيتهم مجاميع من الافراد يحملون اسلحتهم بوضع قتالي ، والتشنج باد عليهم .. صفير محركات الناقلات الضخمه يعلو ، وهي تترنح تحت ثقل المعدات العسكرية الثقيله المحملة فوق ظهورها .. ورائحة الوقود المحترق تعم المكان .. وثمة مجاميع من المدنيين الاكراد يقفون على الجانب البعيد ، وهم يرتبون حقائبهم بعد ان عبث بها المكلفون بالتفتيش .. أوقفت حافلتنا على عجل .. وصعد رجل يحمل رتبة ضابط ، وصاح بالجميع .. من أية وحدة انتم ؟ .. إختلطت الاجوبه وضاعت وسط هبة واحدة من الاصوات ، تبعها صمت من قبل الجميع .. فصاح الضابط ثانية .. لم افهم .. انزلوا جميعا وبسرعه .

مرت ثواني واذا بي وسط صف منتظم ممن كانوا معي في الحافله ، حيث تركنا الضابط وهرول الى جهة اخرى ، وسمعنا أصوات تنم عن ان مشادة ما قد حدثت هناك ، وحضر شخصان آخران وقف احدهم في رأس الصف ، والاخر كان قريبا مني .. وبينما انشغل الاول بتفحص اوراق الجنود واحدا بعد الاخر .. رفعت يدي للرجل القريب مني كاشارة بطلب الحديث ، حملق بوجهي في البداية ثم اشار لي بيده للخروج من الصف والاقتراب .. ماذا تريد ؟ .. هل انت جيش شعبي ؟ .. قالها وعيونه مثبتة على حذائي ولسبب غير مفهوم .. سارعت بالاجابة متعمدا استخدام كلمة ( سيدي ) لاشبع رغبته بالاكتمال ، رغم انه لم يكن يحمل رتبة عسكريه .. نعم سيدي .. وقد سمح لي بالذهاب الى عائلتي وبشكل عاجل كون ان زوجتي ترقد في المستشفى ويتطلب الامر وجودي بجانبها ..
- كم يوم وتعود الى مقرك ؟
- ثلاثة أيام فقط .
- الم يمنحوك ورقة إذن بالانسحاب ؟
- كلا .. لان آمر القاطع كان بعيدا عنا في تلك اللحضات ، واتصلوا به فسمح لي بالسفر .
لا اعرف كيف ترتبت اجوبتي بحيث نالت قناعة الرجل .. ولكنه اشار علي بالعودة الى الصف ، وبقي في مكانه ينظر الي بين الحين والاخر ، فاحاول عدم تركيز اهتمامي به .. اقتربت من نهاية الصف وهذا معناه بانني ساخضع للسؤال عن اوراقي .. وبشكل مفاجيء ، هاج الجميع لسماعهم صفارات تنذر بقدوم مسؤول ومروره عبر النقطه ، تحرك المفتش عدة خطوات الى مؤخرة الحافله لاستبيان ما يجري .. شعرت بيد تمسكني من قفا رقبتي لتدفعني صوب باب الحافله وبقوة ، رميت نفسي في الداخل دون ان يلحضني المفتش ، وسارعت بالجلوس في مقعدي .

كنت اخشى بان يشي بي احد ممن هم معي في الحافلة ، واصبحت متيقظا لأية حركة مشبوهه ، افهم منها بان واحدا منهم قد تبدو عليه إمارات القيام بتلك الوشايه اثناء ما تبقى من الطريق .. تجاوزنا محافظة السليمانية ، لنتوقف عند نقطة تفتيش اخرى حيث قرر السائق المبيت قربها لخطورة السير ليلا ..

لم يكن مسموح لنا بالنزول من الحافلة .. ورغم ذلك فقد عمد البعض للنزول والتمدد على الارض .. الجو داخل الحافله كان خانقا تملؤه رائحة دخان السكائر ، تختلط بها هبات مما تتركه الاقدام المنزوعة من احذيتها بعد طول سفر ، وشعرت وكأن ضبابا قد عم المكان وأنني ساختنق تماما إن لم اجازف ، والقي بنفسي على الارض مع من قرروا القاء اجسادهم هناك .. وهكذا فعلت ..

السماء جادت بلمعان نجومها ، حيث احسست بسكينة غريبه وانا اتطلع لها ، مستلقيا على قفاي واضعا كلتا يدي تحت رأسي بدل الوساده .. ولا ادري لماذا كنت وفي مرات عديده ، حينما ارتبط بسماء صافية كهذه .. أتخيل بان النجوم في تلك اللحظة ، عبارة عن عيون ضخمه ، ترى العالم برمته ، وتضيق مخيلتي لتجعل من تلك العيون شاخصة الى مساحات اعرفها أنا دون غيري .. إنها الان ترى عيالي .. وتتشبع روحي برغبة مجنونه لأن انطق وبصوت مسموع كي أسأل –
- أيتها النجمة الاكثر لمعانا من سواها .. اراك تنظرين الان الى سطح داري ؟؟ .. ماذا يجري هناك ؟؟ .. هل ترينهم نيام .. أهم سعداء ؟؟ .. أيتها النجمة الاكثر لمعانا .. أيوجد لديك مبرر لما أنا فيه ؟؟ .. أترضين بان يحشر هؤلاء المساكين وانا معهم في مصانع لتفريخ الموت ؟؟ .. لماذا لا يكون هؤلاء الابرياء ، والذين أتخيل احيانا بان البنادق التي يحملونها هي أطول من قاماتهم .. لماذ لا يكونون في بيوتهم يحضون برعاية أهليهم .. أو أنهم على مقاعد الدرس ؟؟ .. ماذا جنينا ، أيتها النجمة الأكثر لمعانا ، حتى نكون كما نحن الان ، لا معنى لوجودنا غير أننا وقود لاحتراب السلاطين ؟؟ .. أتعلمين ، أيتها النجمة الاكثر لمعانا ، بأنني لا أطيق قتل صرصور حينما الحظ وجوده على وسادتي ، فكيف لي ان اقتل بشر ؟؟ .. أو أحاصر بشر .. أو أتسبب بقطع اطراف بشر ؟؟ .. أجيبيني .. ايتها النجمة ، ماذا علي ان افعل كي اتجنب واجنب ابنائي تبعات هذا الموت البطيء ، والذي يزحف على جسدي واجسادهم في كل لحظه ، في حين لم يقل لي أحد لماذا علينا أن نموت لتلقى اجسادنا في ضلمات الارض الحرام .. ولمذا على زوجاتنا ان تترمل .. ويحاصر ابناؤنا بذل اليتم .. وتهتك اعراضنا .. وتتفتت اواصر اسرنا ، وبعدئذ سيخرس التاريخ حتما حينما يعجز في العثور على مبررات هذا القتال الدامي ؟!.

في الصباح الباكر ، تحركت بنا الحافلة .. ولم يذق أحد منا طعاما منذ ليلة أمس .. والخوف لا زال زاد الجميع .. وكان المجهول .. هو الدرب الذي أسير فيه .

ملاحظه
ــــــــــــــــــــ
لقد تلقيت العديد من الرسائل عبر بريدي الالكتروني ، وما دونه اصدقائي من الكتاب المحترمين في تعليقاتهم المتكرره ، بما يوحي بان هذه السلسلة ، قد نالت استحسانهم سواء من حيث طبيعة السرد ، أو الواقع الذي إنعكس من خلال فصولها المتتابعه .
ولكوني اطمح الى بناء رواية متكاملة عن تجربتي الحياتية ، والمتداخلة في العديد من فصولها بما كتبته لحد الان بعنوان ( نذور السلطان ).. فانني ساتوقف عند هذا الحد .. مع شكري الجزيل لجميع من شجعني باحاسيسه الطيبه ، ومتابعته المشجعه ..



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لا يدركه الرجال .
- نذور السلطان ... 4
- نذور السلطان ..3
- نذور السلطان ..2
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
- رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
- إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
- أفكار من أعماق الذات
- حقوق النساء ، وإستحالة الحضور مع الواقع العربي الراهن .
- إبحار في مشاعر أنثويه
- عام جديد .. وأمنيات شخصيه .
- حينما راح جذع النخلة يئن لفراق النبي
- معامل الطابوق في العراق تجسيد حي لعذاب البرزخ .
- تردي حالة البيئه في دول الشرق الاوسط وشمال افرقيا .. إلى أين ...
- متى يصار الى دعوة أفذاذ العراق وتكريمهم في بلدهم كما يستحقون ...
- قول في العيد الثامن لتأسيس الحوار المتمدن
- متى لهذا العراق أن يستريح ؟؟
- من بقايا الزمن الجميل .. عبد العزيز المعموري إنموذجا


المزيد.....




- جندته عميلة أوكرانية.. اعتقال المشتبه به الثالث في محاولة اغ ...
- الحكومة اليمنية تطالب الأمم المتحدة بإعادة النظر في التعامل ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى إجراء تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعي ...
- مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: نحاول إعادة تشغيل مستشفى الأ ...
- الأمم المتحدة: توزيع مساعدات على نحو 14 ألف نازح حديث في الي ...
- خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا: انتقادات حقوقية ولندن تصر
- حملة -تطهير اجتماعي-.. الشرطة الفرنسية تزيل مخيما لمهاجرين و ...
- الأمم المتحدة تطلب فتح تحقيق دولي في المقابر الجماعية في مست ...
- أرقام صادمة.. اليونيسيف تحذر من مخاطر -الأسلحة المتفجرة- على ...
- أهالي الأسرى الإسرائيليين يحتجون في تل أبيب لإطلاق أبنائهم


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان .. 5