أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم حسين صالح - الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 5-5 العراقيون بريئون من النفاق وازدواج الشخصية















المزيد.....

الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 5-5 العراقيون بريئون من النفاق وازدواج الشخصية


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2895 - 2010 / 1 / 21 - 18:06
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تعمد وسائل الاعلام العراقية والقنوات الفضائية العربية الى التركيز على الظواهر السلبية في المجتمع العراقي المعاصر ، وتستنج منها صفات تنسبها الى ( الشخصية العراقية ) بعين التضخيم وحكم التعميم ، وتغفل حقيقة كبيرة هي لو أن ما أصاب المجتمع العراقي في السنوات الثلاثين الأخيرة أصاب أي مجتمع آخر ..لانهار ، لأن في الشخصية العراقية " ثوابت" صمدت بوجه عواصف الأنهيار ..ونتجاهلها للأسف.
ولأنني أكاديمي،درسّت مادة (الشخصية) أكثر من ربع قرن ، ولي فيها مؤلفات تدرّس في جامعات عراقية وعربية،وأشرفت على أكثر من خمسين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه معظمها لها علاقة بالشخصية، ولأنني " برفيسور " من عشرين عاما ،فانه من حقي أن " أفتي " بما أنا مختص فيه ، ومن واجبي أن أنصف العراقيين بتبرأتهم من صفتي النفاق وازدواجية الشخصية ، اذا كان المقصود بذلك أن العراقيين ينفردان بهما ، أو أنهما توجدان في المجتمع العراقي بنسبة أكبر من وجودهما في المجتمعات الأخرى.فالذي يحز بالنفس ،ليس الأشقاء والجيران فقط من ينعت العراقيين بهاتين الصفتين ، بل حتى نحن نرى كذلك . ففي دراسة ميدانية أجريتها على عينة من أساتذة الجامعة ( وهم نخبة اجتماعية) وضعوا صفتي النفاق وازدواجية الشخصية بالمرتبة الأولى بوصفهما أكثر الصفات السلبية شيوعا بين العراقيين.

النفاق ..مفهومه وأنواعه

لنبدأ بـ"النفاق " ولنتعرف على مفهومه وأنواعه وخصائص المنافق وما اذا كان فعلا " ماركة مسجلة " باسم الشعب العراقي أم أن هذه الصفة ألصقت به لأغراض ودوافع معينة .
يعدّ الإسلام أكثر الأديان تنبيها الى الابتعاد عن النفاق والتحذير منه إذ خص النفاق بسورة كاملة في القرآن الكريم بعنوان ( المنافقون ) و بآية صريحة بسورة البقرة :" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام ،204 ". وكان المقصود به " الأخنس بن شريق " فقد كان هذا الرجل حلو اللسان عذب المنطق معسول الكلام ، وكان اذا لقي النبي محمد (ص) أغدق عليه بكلمات الحب والمودّة والإطراء وأنه مسلم ، وكانت له عبارة يختم بها كلامه بقوله : " يعلم الله أني صادق " فيما حقيقته عكس ذلك وأنه ألدّ الخصام ، ولهذا قيل بالمنافق في الدين هو من ستر كفره وأظهر إيمانه ، فيكون بوجهين ، وفي هذا يقول النبي محمد (ص) : " من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائنا من كان " .

والنفاق على أنواع :
• نفاق اجتماعي : مثال ذلك جار يكره جاره وحين يلتقيه يبدو له كما لو أنه يحبه.
• نفاق وظيفي : مثال ذلك موظف يكثر من كلمات الترحيب والاطراء حين يدخل عليه مديره ،وما أن يخرج هذا المدير ويعطيه ظهره حتى يسبه بيده.
• نفاق عاطفي : كأن يظهر الشخص مشاعر الحب وانفعال العشق نحو امرأة لا يحبها في حقيقته ولكنه يريد أن يتزوجها طمعا في ثروة لديها أو لأنها ابنة رجل يمتلك سلطة أو جاها .
• ونفاق سياسي : ويعني اظهار الفرد تأيده للسلطة فيما هو يلعنها في داخله.
ويبدو أن النفاق السياسي هو المقصود من وصف العراقيين به ، بمعنى أن العراقيين يؤيدون في الظاهر من يستلم السلطة ويخفون عدم رضاهم عنه ، ويمدحون الحاكم في وجوده ويذمونه في غيابه ، ويظهرون للمسؤولين مشاعر الودّ والاحترام ساعة يلتقون بهم ويسلقونهم بألسنة غلاظ حين يغادرونهم .

الحجاج ..ونفاق العراقيين
يعد الحجاج أول حاكم في العراق (حكمه عشرين سنة ) ألصق صفة النفاق بالعراقيين وأكثر من عمل على أشاعتها بين الناس . ففي خطبته المعروفة بمسجد الكوفة خطب قائلا :
( والله يا أهل العراق أني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها واني لصاحبها ، والله لكأني
أنظر الى الدماء بين العمائم واللحى ...يا أهل العراق ، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ
الأخلاق ، أنكم طالما اوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مناخ الضلال وسننتم سنن العي ،
وأيم الله لألحونكم لحو العود ولأقرعنكم قرع المروة ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم
ضرائب غرائب الإبل ...).

وواضح من هذا الكلام الذي كان على الملأ في أجواء خطبة أن الحجاج كان متحاملا على العراقيين وأنه كان لديه تصور سيئ مسبق عنهم ، وأنه جاءهم مهددا ومعاقبا ومتوعدا باستخدام كل الأساليب لتأديبهم وإخضاعهم ..والغريب أنه قال هذا الوصف والوعيد بصيغة التعميم على العراقيين ولم يستثني منهم أحدا .
وغاضه العراقيون أكثر حين قال لغلامه أقرأ كتاب أمير المؤمنين ، فقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين الى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ". فسكت الحاضرون فقال الحجاج من فوق المنبر :
(أسكت يا غلام فسكت ، فقال : يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق ، يسلّم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام ، والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم ..ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ فيكم من جسده وفي نفسه شغلا).
وأمر الغلام أن يقرأ من جديد فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فلما بلغ موضع السلام صاحوا : وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته .
ويعترف الحجاج بان العراقيين أتعبوه واصلعوا رأسه :( يا أهل العراق ، أتيتكم وأنا ذو لمّة وافرة أرفل فيها فما زال بي شقاقكم وعصيانكم حتى حص شعري ).
ويبدو أن وصف الحجاج للعراقيين بالنفاق له علاقة بالإمام علي بن أبي طالب في قوله : (يا أهل العراق ، ما شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر كاذب إلا كنتم أشياعه واتباعه وحماته وأنصاره ).. إذ يرى المفسرون أن المقصود بالمشاغب هو علي بن أبي طالب ، وأن أهل العراق هم اتباعه ، وأن معظم أفراد جيش علي من العراقيين .



شهادة من التاريخ

من يستعرض تاريخ العراقيين في علاقتهم بالسلطة يجد أن صفات المنافقين لا تنطبق عليهم لأن تاريخهم يحدثنا بأنهم كانوا أكثر شعوب المنطقة قياما بالثورات والانتفاضات ضد السلطة ، ولو أن النفاق كان هو الصفة الغالبة عليهم لكانوا هادنوا السلطة وعاشوا معها في وئام وسلام ولكانوا أكثر شعوب المنطقة استقرارا. لكن حقائق التاريخ تقول لنا أن العراق كان لا يستقر على حال لمدة طويلة ، وأن " مقاومة السلطة " تصح أن تكون هي " الماركة المسجلة " باسم العراقيين اكثر من " ماركة " النفاق ، لأن الشعب المنافق لا يثور ضد السلطة إنما يتملق لها أو في الأقل يتركها لحالها ولا يقف بوجهها .
ومن يتصفح كتب التاريخ يجد فيه من يصف العراقيين بأنهم قوم يمتازون بعنفوانهم ويعتقدون برفعتهم وعلو شأنهم وأنهم كانوا حتى قبل الإسلام كبارا ، أعزّة ..ما استسلموا لضيم وما رضخوا لظالم ولا انبطحوا لسلطة . ولهذا كانت اعتراضاتهم متكررة على الولاة ، وكان الخلفاء الراشدون أول الحكام في التاريخ الإسلامي الذين فهموا سيكولوجية العراقي فكانوا يراعون العراقيين في التعامل ويأخذون اعتراضاتهم مأخذ الجد .
ونجد لدى الجاحظ تفسيرا لطيفا فيه بعد سيكولوجي للشخصية العراقية بقوله :
( والعلّة في عصيان أهل العراق على الأمراء ...أن أهل العراق أهل نظر وذو فطن ثاقبة ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث ، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء واظهار عيوب الأمراء...وما زال العراق موصوفا أهله بقلة الطاعة والشقاق على أولي الرئاسة ).

النفاق ..ظاهرة اجتماعية

يصور الأمر وكأن النفاق خاص بالعراق فيما هو ظاهرة اجتماعية موجودة في المجتمعات البشرية لكنها تختلف في مدى انتشارها ونوع النفاق الأكثر شيوعا حين نوازنها بين الشعوب . فالمجتمعات التي تتبنى أنظمة الحكم فيها الفلسفة البراغماتية تكثر فيها ظاهرة النفاق الوظيفي . ففي المجتمع الأمريكي مثلا تحول الإنسان الى سلعة تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء ، ويكون لا كما يريد هو أن يكون بل كما يريد له المشتري أن يكون ، حتى لو اقتضى الأمر أن يتجرد من قيمه ، وفقا لتحليل عالم النفس والناقد الاجتماعي الكبير أريك فروم . وفي المجتمعات التي تتبنى أنظمة حكم دينية ، يكثر النفاق الديني ، بمعنى إظهار الالتزام المتشدد بالدين واخفاء حقيقة الرغبة في التحرر من هذا التشدد. وفي مجتمعات أنظمة الحزب الواحد يكثر النفاق الايديولوجي ، بمعنى إظهار الإيمان بمبادئ الحزب الحاكم واخفاء عدم الاقتناع بها ، كما كان الحال في الاتحاد السوفياتي سابقا ودول أوربا الشرقية.
ونرى أن الذي يحدد نوع النفاق ومدى شيوعه ثلاثة عوامل أساسية هي : الفلسفة التي تتبناها السلطة ، وأساليب التعامل التي يعتمدها النظام في إدارة شؤون الناس وحكم المجتمع، وطبيعة الأحداث التي تقع له وما ينجم عنها من تغيير أو تخلخل يصيب المنظومات القيمية للناس.
والذي يستعرض تاريخ هذه العوامل الثلاثة في العراق يجد أنها تتصف بعدم الاستقرار ، وأن السلطات التي توالت على حكم العراق ،لاسيما الأجنبية منها وبخاصة الحكم العثماني ، كانت تتعامل مع العراقيين بقسوة ولم تكن عادلة في حكمها للناس وتحديدا في توزيع الثروة ، وأن الأحداث التي واجهها العراقيون عبر تاريخهم الطويل كانت في معظمها كارثية ، منذ أن هاجر إليه أشد المحاربين من الأقوام المجاورة قبل آلاف السنين الى الحال الذي ينفرد به الآن بين الشعوب في فواجعه الكارثية التي لا يستوعبها وصف . فماذا نتوقع من شعب يعيش هذه الأحوال ؟ وكيف يتكيف من اجل أن يضمن سلامته " الحاجة النفسية الى الأمن " أولا وأن يؤمّن " حاجات الحياة الفسلجية والمادية " ثانيا ؟.
ومع احترامنا للشعوب فأننا نعتقد أن لا منصف يعترض على قولنا لو أن ما أصاب الشعب العراقي أصاب شعبا آخر لكان في حال آخر لا كما عليه العراقيون الآن الذين يصرّون ، برغم ما حصل ويحصل لهم من فواجع ،على بقاء العراق موحّدا وكأنهم يرون أن العراق قلبهم اذا قطّعوه ماتوا بموته !.
لقد أفرزت الأحوال الكارثية المحمّلة بالضغوط النفسية الحادّة والحياتية المتنوعة التي عاشها العراقيون ،ثلاثة أصناف بارزة في المجتمع العراقي فيما يخص العلاقة بالسلطة ،هي :
• فئة المسالمين ، الذين يعدّون السلطة " شرّا " وأن البعد عنها أسلم .
• فئة المعارضين للسلطة الذين وقفوا بوجهها وعملوا على الإطاحة بها ، ونظّموا أنفسهم في أحزاب سياسية وحركات دينية وتجمعات وطنية أو عشائرية .
• وفئة المنافقين الذين يظهرون للسلطة عكس ما يخفون ، يتوددون لها طمعا في سلطة أو مال أو جاه أو دفعا لشرّ يتوقعونه.
ونرى أن الفئتين الأولى والثانية ( المسالمون والمعارضون ) هما أكثر الفئات شيوعا بين العراقيين خارج نظام السلطة وأجهزتها ، بمعنى أن المنافقين هم الفئة الأقل في المجتمع .غير أن طبيعة السيكولوجية البشرية أنها تميل الى التقاط عيوب الناس وتضخيمها .ولأن العراق قد وضع نفسه على سكة الديمقراطية وصار يشكل خطرا على أنظمة معينة ،فان المغرضين فيها استغلوها في الاساءة للعراقيين قاصدين منها أن شعبا منافقا لن ينجح في مواصلة سيره على سكة الديمقراطية .

ازدواج الشخصية
حين عاد الدكتور علي الوردي منهيا دراسته في امريكا القى محاضرة في بداية خمسينيات القرن الماضي وصف فيها الفرد العراقي بأنه مصاب بازدواج الشخصية .ومع أنه أشار بالنص أنه لا يدّعي " بأن هذه المحاضرة بحث قد استوفى شروطه العلمية " إلا أن عددا من الباحثين والناس بشكل عام عدّوا ما قاله حكما قطعيا ، واستلطفوه وظل المفهوم شائعا الى يومنا هذا.

والخطأ العلمي الذي وقع فيه أستاذنا الكبير (وتربطني به صداقة وأهديت كتابي الشخصية العراقية الذي اصدرته "الصباح" الى روحه الطاهرة )هو أنه طبّق مفهوما طبيا نفسيا على سلوك اجتماعي عدّه ظاهرة.
فأصل المصطلح يعود الى ظهور حالة واقعية في أمريكا لفتاة أسمها "Sybil"كانت لها ثلاث شخصيات : شخصية عادية ، موظفة تمارس عملها حسب الأصول ، وشخصية متدينة تذهب الى الكنيسة في أيام الآحاد ، وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل . وكان لكل شخصية أسم خاص بها ولا تعرف إحداهن الأخرى . ولأن الحالة مثيرة فقد التقطتها السينما وحولتها الى فلم بعنوان " ثلاثة وجوه لحواء ، Three Faces of Eve"
عرض عام 1957.
وللإيضاح فان ما يحدث في هذا الاضطراب " الفانتازي " ، الذي ما يزال يثير الجدل، أن الشخصية الأصلية أو المضيفة يحل أو ينزل عندها ضيوف هي الشخصيات البديلة . فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد ( الأصلية والضيفة ) فانهما تتناوبان السيطرة ، والمثال الكلاسيكي هو " دكتور جيكل ومستر هايد " حيث يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب فيما يتحول في الليل الى مجرم سفّاح باسم هايد .. وهو رواية حولت الى فيلم سينمائي ايضا.
ولأن السينما والصحافة أشاعت في الخمسينيات هذا المفهوم الذي اثار استغراب الناس ودهشتهم فان الوردي استعاره وتحمل – دون قصد - تحويل أو ترحيل مفهوم يتعلق بمرض نفسي يصيب أشخاصا معدودين الى مفهوم اجتماعي يصين الملايين من الناس .

وليته استخدم المفهوم مجازا أو استعارة إنما استخدمه بنفس المعنى الشائع لمرض ازدواج الشخصية في الخمسينيات . لكنه يقول بالنص :" إن العراقي هو في الواقع ذو شخصيتين ، وهو إذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الأخرى.. وانه اذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمردّه الى ظهور نفوس أخرى فيه ( لاحظ هنا تعدد وليس ازدواج ) لا تدري ماذا قالت النفس الأولى وماذا فعلت ). وواضح لجنابك أن الوصف هذا ينطبق على حالة مرضية صرفة.
إن الذي قصده الوردي هو على وجه التحديد :( التناقض بين الأفكار والسلوك ) ، بمعنى أن السلوك الذي يتصرف به الفرد يتناقض أو يتعارض مع الفكرة أو القيمة التي يحملها. وإليك بعض الأمثلة مما يذكر :
" إن العراقي ، سامحه الله ، أكثر من غيره هياما بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته ، ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته ".

" ومن العجيب حقا أن نرى بين مثقفينا ورجال دين فينا من يكون ازدواج الشخصية فيه واضحا : فهو تارة يحدثك عن المثل العليا وينتقد من يخالفها ، وتارة يعتدي أو يهدد بالاعتداء لأي سبب يحفزه الى الغضب تافه أو جليل ، ضاربا عرض الحائط بتلك المثل التي تحمس لها قبل ساعة ".

إن مثل هذه الحالات بعيدة جدا عن أن نصفها بـ" ازدواج الشخصية " إنما هي تناقض بين الأفكار والسلوك ، أي أن الفرد يؤمن بقيمة أو يتبنى فكرة أو يدعو لها أو يصرّح بها لكنه يتصرف بسلوك مناقض لها ، كأن يدعو الى أن تمارس المرأة العمل ضابطا في الشرطة أو الجيش غير أنه يمنع ابنته من التقديم الى كلية الشرطة أو الكلية العسكرية .
وعليه فان الأصوب علميا وعمليا أن نصف ذلك بـ " تناشز الشخصية " الذي يعني التنافر أو التناقض أو عدم التطابق بين ما يعتقد به الفرد وبين ما يقوم به من سلوك . وطبيعي أن ابتكار مصطلح جديد لن يزحزح مصطلحا استقر في ذاكرة الناس منذ نصف قرن حتى لو كان أكثر انطباقا على الحالة ، فضلا على أنهم كانوا استلطفوه وأشاعوه .

ان هدفنا ليس تفنيدا أو تقويما لطروحات أستاذنا الكبير الوردي الذي يبقى عالم اجتماع فذ يدهشنا بنباهته وفطنته وعمق تحليله ويمتعنا بأسلوب عرضه وجزالة لفظه وسهولة معناه الذي جاء من نوع السهل الممتنع ، إنما هدفنا تبرئة العراقيين من وصفهم بازدواجية الشخصية بمفهومه العلمي وبانفرادهم به عن باقي الشعوب .
العراقيون ..شعب رائع لكل شعب جميله وقبيحه ..لكن ما هو جميل في الشعب العراقي له نكهة خاصة..مميزة.فجميله أشبه ببستان ورود تعددت فيه أنواعها والوانها وتنوعت فيه روائح عطورها . في العلم ، خذ التعليم العالي مثلا تجد أن العقل العراقي ظل صامدا وبنى جامعات في اليمن وليبيا ودول الخليج برغم أربعة حروب كارثية وثلاث عشرة سنة عانى فيها أساتذة الجامعة حصارا اقتصاديا قاسيا وعلميا وثقافيا .وفي الطب تجد الأطباء العراقيين مميزين على المستويين العربي والعالمي .وفي أرقى أنواع الهندسة ..المعمارية ..يكفي أن تشير الى زهاء حديد .وفي الشعر ، يكفي ان تذكر المتنبي والجواهري ومظفر النواب ونازك ولميعة عباس عماره والسياب الذي يعد أول شاعر عربي يخرج على قواعد الشعر ويسير على دربه المحدثون .
والعراقيون أهل طرب وكيف وهم أول من ابتكر آلة موسيقا وأول من ألّف أغنية وأول من كتب ملحمة خالدة..جلجامش..ولك أن تضيف أول وأول ما شئت من فنون الابداع في ميادين المعرفة . وأنت أينما وليت وجهك الآن في بلدان العالم تجد العراقي مميزا ومنافسا للمبدعين من أهلها حتى في برطانيا وأمريكا. ولو أنك جئت بخمسهم وتعاونوا مع الكفوئين والنزيهين في الداخل ..لجعلوا الوطن في حال آخر . والعراق ينفرد عن باقي بلدان العالم بامتلاكه ثلاث ثروات : تحت الأرض وفوق الأرض وفي رؤوس أهله ..أعني العقول .وكيقيني بأن الشمس تشرق غدا ..فان في المجتمع العراقي ثوابت تمنحنا نفس اليقين بأنه سيأتي يوم يكون فيه العراق جنة الله في الأرض.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 4-5 سادية طائفة.. ...
- الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 3-5 .ثقافة الولاء ...
- الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 2-5
- ما هكذا تكون الدعوة لتحرير المرأة
- الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 1 - 5
- ميكافيللي الشرير القابع في زعاماتنا
- السياسيون وبذيء الكلام
- انتخبوا ..القائمة النفسية!
- التعصب والاتجاهات
- نهاية العراق :في الانتخابات المقبلة!
- سادية حاكم ..مازوشية شعب
- زيارة لمدينة الناصرية - قراءة في ثقافة العشيرة
- الفؤوق الجندرية بين العلم والخرافة
- رسالة إلى نفسي
- الانتخابات العراقية ..وسيكولوجيا الاحتواء -قراءة نفسية-سياسي ...
- سيكولوجيا الفوضى بين بغداد وبيروت
- نحو فهم جديد لسيكولوجيا الشيخوخة
- العار ..للقتل غسلا للعار !
- التقاعد = مت وأنت قاعد!
- العراق : وطن بلا طفولة


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 4 - 11 العراق الملكي 2 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قاسم حسين صالح - الثابت والمتحول في المجتمع العراقي المعاصر 5-5 العراقيون بريئون من النفاق وازدواج الشخصية