أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان ... 4















المزيد.....

نذور السلطان ... 4


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2893 - 2010 / 1 / 19 - 21:01
المحور: المجتمع المدني
    


في غضون أيام ، كنت أحمل بندقيتي الكلاشنيكوف ، وبقية معدات القتال ، متوجها الى شمال العراق ، ليكون مقري في احد المواقع المتقدمه في جبهة الحرب مع ايران .. كان الموقع في اعالي جبل كردستان ليس بعيدا عن مدينة ( حلبجه ) .. وتحديدا في منطقة ( بياره ) .. والتي لا يفصلها عن الجانب الايراني غير سلسلة واحدة من الجبال .. فكانت القذائف الايرانية تبعثرنا عدة مرات خلال اليوم الواحد ، فيرد عليها الجيش النظامي بمدفعيته ، ومن مواقع لم نكن نعرفها بالضبط .. لم نكن سوى مجاميع من المدنيين لا نحسن اتخاذ ردود الافعال المناسبه لأي تحرك عسكري .. حيث يبقى دفاعنا عن النفس هو الهاجس الوحيد لدينا لا غير ، وكنا نمارس حياتنا اليومية والتناوب على الحراسات والمناورة اللحظية ، اعتمادا على الحدس الشخصي ومحاولة اتباع وسائل الحذر الممكنه ضد عدو لم نكن نحمل اتجاهه أية ضغينه .. ومع هذا فان حمم قذائفه تصلنا وبشراسة متناهيه كل يوم .. لقد كان الايرانيون يعلمون جيدا بمواقعنا من خلال عمليات الرصد المستمره ، ولذا فان نسبة الدقة في عمليات القصف تاتي دقيقة جدا في بعض الاحيان .. ففي يوم بدا لنا هادئا منذ الصباح ، وبينما كنت واقفا في المساحة الضيقه امام ربية الحراسه ، سمعت صوت لطلقتي مدفع من الجانب الايراني ، صرخت بعدها باعلى صوتي دون ان يكون احدا من الباقين بالقرب مني .. احتموا لقد ضربونا .. وقفزت الى داخل الغرفة الوحيده القريبة مني ، والتي كانت محلا لنومنا واعداد الطعام .. مرت ثواني فقط ، واذا بالانفجار يدوي في مكانين مختلفين قريبا من موقعنا .. تبعه سكون مطبق ورائحة حريق منبعثة من ملابس كنا قد نشرناها في الخارج لتجف بعد الغسيل .. انتظرت قليلا قبل ان اخرج من الغرفه ، وكنت وحيدا فيها ، خشية ان تطلق علينا قذائف اخرى تكون فيها الاصابات مباشره .. لم اعثر على احد في الخارج .. صرخت مرة اخرى .. اين انتم .. ليكلمني احدكم بسرعه .. فاجابني صوت من داخل انبوب تم انشاؤه اسفل الطريق الاسفلتي المقابل لموقعنا ليكون ممرا لمياه الامطار ، فأدركت بان مجموعة منا تحتمي هناك .. هممت بالتحرك اليهم .. وعدلت عن ذلك بعد ملاحظتي بان حريقا قد شب بالقرب من مشجب العتاد والمطمور تحت الارض ليكون مصدرا لتمويلنا بما نحتاج ، فيما لو حدث اشتباك مفاجيء .. النار تقترب وبسرعه من المشجب .. ولو قدر لها ان تصل اليه فسوف تحدث الكارثه .. وجدتني وبدون حساب لامر آخر ، وبفطرة من يحاول حماية نفسه ، قد قفزت حاملا جردلا من الماء كان قريبا مني لاركض صوب النار، ورميت الجردل وما فيه عليها وأنا أهرول متدحرجا اسفل الجبل باتجا ه الوادي .

في قلب الوادي يقع المقر الرئيسي لآمرية القاطع الذي ننتسب اليه .. حين بلغت الى هناك ، توجهت فورا الى مكان بدالة الهاتف الميدانيه ، فوجدت الآمر مع مجموعة من حمايته ، يجلس وبكل استرخاء .. استقبلني ضاحكا وهو يقول .. ماذا ؟ هل هناك خسائر ؟... اين بقية جماعتك ؟ .. كان ردي حينها حازما بحيث وجدته يعود الى سحنته الاصلية من القسوه .
جماعتي تركتهم وهم يحتمون تحت الطريق الاسفلتي .. غير ان النار بدأت تقترب من مشجب العتاد ، .. قاطعني وكأنه شعر بفقدان هيبته .. الى الجحيم ! .. كان من المفروض ان تحتاطوا لهذا الوضع ..
- أي وضع نحتاط له ضد قذيفة موجهة تأتينا من الجانب الاخر ؟
- لماذا لم تزيلوا الاعشاب من حول المشجب ؟
- المنطقه كلها عبارة عن غابه .. وليس فيها مكان يخلوا من الاعشاب .. ثم ان المدفعية قادرة ان تحرق اليابس والاخضر .
- لماذا تكلمني وكأنك عسكري مخضرم .. تفضل واجلس مكاني وكن آمرا بدلا عني .
كنت اعلم لو أنني تطاولت اكثر على ذلك الوحش ، فلربما ينتهي الامر بي الى وضع لا يتيح لي ان اعود سالما الى رفاقي ، ومن المحتمل ان يرمي بي في السجن كأقل عقوبة محتمله .. تركته يهذي على راحته ، وانسحبت بهدوء ، وقلبي يخفق فرقا على اولئك المساكين ممن بقوا في الموقع المحترق .

لقد كنت مسرور للغاية بالعثور عليهم سالمين ، حيث افلحوا باخماد بقايا النيران ، واجتمعوا في مكان واحد ، وكانوا يضنون بان مكروها قد حل بي .

تجارب مره مررنا بها ، وارواحنا دوما كانت على الاكف ، لا ندري في أية ساعة سيكون حتفنا .. الطائرات من كلا الطرفين ، كانت تحوم فوقنا وليس لنا من رد غير الاحتماء بأي حاجز يحجبنا عنها ويبعد الخطر عن مواقعنا .. لم يعد وفي الاوقات الي تسمح بها ظروف المعارك ، غير ان أختلي بنفسي وأقضم ما في رأسي من أفكار مشتته .. ماذا يريد قادة البلدين من نتائج هم بانتظار تحقيقها لو انتهت هذه الحرب ؟؟ .. أليس الاحتمال الاقوى بان ايران ستعود بعد ان توقف الحرب اوزارها باعتبارها جارة مسلمه ؟ .. ما سر هذا الاستعراض البائس للقوى في صنع بؤر الشر، ودفع الشعوب إلى متاهات تؤدي بابانئها الى الفناء ؟؟ .. ويقطع مسار افكاري صوت احدهم وهو يصيح من ربوة في قمة تعلو المكان الذي اجلس فيه ، إنه يستنجد لانقاذه من آثار لدغة عقرب .. يتجمع الباقون من حولي ولا أحد يستطيع المجازفة للوصول اليه ، فرصد العدو متيقظ لهكذا افعال ليل نهار .. وكان لابد للمسؤولين ان يفعلوا شيئا لإخلاء الرجل ومعالجته عاجلا قبل ان يأخذ السم مفعوله في جسده . . أنا اعرفه ذلك الذي استهوت قدمه عقربا فهاجمته لتتركه بلا منقذ .. فهو مدرس يعمل في مدرسة لا تبعد عن دار سكني كثيرا .. كنت التقيه في حديقة نادي الموظفين في المدينه .. وطالما أحدث ضجة في جدله المتكرر حول لعبة الدومينو وهو يتبارى من خلالها مع أقرانه .. فذات مرة .. وهو يقف على طاولة اللعب ويصرخ بصاحبه محتجا على حركة معينة في اللعب ، انسلت بنطلونه وظهر سرواله الداخلي ، فما كان من غريمه الا واعلن تنازله امام الحاضرين وقال له .. خلص .. انت الرابح ، وسط ضحك ومرح الجميع .

صدرت الاوامر بان ينبري احدنا بالصعود لانقاذ المصاب ، ليصار بعئذ لنقله الى الوادي حيث يمكن معالجته .. وسرعان ما هب البعض لاخلائه وانزاله من مكانه ، وتم حقنه بمصل انقذه من محنته تلك .

شاع بين الجميع بان سلاطين البلدين ، العراق وايران ، وحينما استهوتهم لعبة الاقتتال ، قرروا تطوير مناهج اللعبة الى ما هو اكثر استحسانا ، وافضل من حيث النتائج المسرة للنفوس .. فابتكروا ما يسمى بحرب المدن .. وقامت المدفعية في كلا الجبهتين بقصف المدن القريبة من حدود البلدين وبشكل عشوائي ، احرق البيوت والاشجار والحيوانات ، واغلق على السكان سبل عيشهم .. ولكون ان مدينة ( حلبجه ) الكرديه ، والقريبة منا ، كانت من المدن الحدودية ، فقد طالها ذلك القرار ، وبدأت المدفعية الايرانية تدكها ليل نهار بنيرانها دون توقف .. فكنا نسمع صفير القذائف وهي تعبر فوق رؤوسنا باستمرار، معلنة الويل والثبور للسكان المدنيين ، حتى أحالت قسما كبيرا من بيوتهم الى أنقاض .

في هذا الوقت الصعب .. كانت مجموعتنا تنتدب في نهاية كل اسبوع اثتين من افرادها للذهاب الى ( حلبجه ) ، لغرض شراء ما يمكن العثور عليه من غذاء يخرجها عن روتين ما تأكله يوميا مما هو سقط الطعام وأفقره .. ومن ثم التمتع بفرصة الاتصال الهاتفي بالاسره .. وحينما حل دوري .. حزمت امري بان اكون مبكرا في المدينه للاتصال بعائلتي ومعرفة ما حل بها من حال .. المدينه كانت محاطة باعداد كبيرة من السكان المهاجرين من منازلهم ، وقد اتخذوا من المزارع موضعا يحميهم من القصف .. دخلنا المدينة انا وصاحبي وكنت مستغربا لما وجدته من محلات للبيع لا زالت تمارس نشاطها رغم ظروف الحرب .
وقبل ان نبدأ بالتسوق ، سارعت لاقرب تلفون عام واتصلت بزوجتي ، فجائني الرد مخيبا ويدعو للحزن الشديد .. لقد ابلغتني بان حالها وحال ابنائها أصبح لا يطاق ، وان شعر رأسها بدأ يتساقط .. والاسرة بجميع افرادها هم في وضع مأساوي يتطلب مني الحضور وانقاذهم مما هم فيه ... سلمت ما لدي من عهدة مالية مخصصة للتسوق الى صاحبي ، واخبرته بانني قررت العودة الى بيتي فورا .. لم يكن الامر سهلا .. لانني لا احمل ترخيصا بالانسحاب .. وامامي العشرات من مراكز التفتيش الصارمه .. وليس لدي ملابس مدنية احتمي بها وانما ارتدي ملابسي العسكريه .. ومع هذا فقد تشنجت جميع مفاصلي وبدأت العن في سري قصور الامارة ومن سكن فيها .. أيمكن ان اموت وتموت عائلتي ثمنا للعبة مجنونة ، تحمل في ثناياها ابشع رغبة بالتشفي والقتل العمد ، يقوم بها من لا يحمل ادنى احساس بقدسية حياة شعبه وبهذه الطريقة الفجه ؟؟ .. سوف أنسحب .. وليكن ما يكون .

وللقصة بقيه







#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نذور السلطان ..3
- نذور السلطان ..2
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
- رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
- إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
- أفكار من أعماق الذات
- حقوق النساء ، وإستحالة الحضور مع الواقع العربي الراهن .
- إبحار في مشاعر أنثويه
- عام جديد .. وأمنيات شخصيه .
- حينما راح جذع النخلة يئن لفراق النبي
- معامل الطابوق في العراق تجسيد حي لعذاب البرزخ .
- تردي حالة البيئه في دول الشرق الاوسط وشمال افرقيا .. إلى أين ...
- متى يصار الى دعوة أفذاذ العراق وتكريمهم في بلدهم كما يستحقون ...
- قول في العيد الثامن لتأسيس الحوار المتمدن
- متى لهذا العراق أن يستريح ؟؟
- من بقايا الزمن الجميل .. عبد العزيز المعموري إنموذجا
- مهلا .. لقد إكتشفنا مؤخرا ما يحميكم من ( انفلونزا الخنازير ) ...
- من يحمي النساء المتزوجات من ( عرب ) في البلدان الاوروبيه ؟؟ ...


المزيد.....




- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان ... 4