أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - الأسطورة ضرورية للإنسان















المزيد.....

الأسطورة ضرورية للإنسان


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 2893 - 2010 / 1 / 19 - 16:05
المحور: الادب والفن
    


إن الأسطورة هي تكرار الحياة بتعاقب فصولها وعصورها، والشخصيات الرئيسة في الحكايات والأساطير تلقى ذات المصير المتشابه. و إنّها - كما قال بعض المفكرين الكبار- هي مادة الفن، كما أن الأفكار مادة الفلسفة. و إنها ليست مجرد قصة تروي حكايات الآلهة؛ بل هي قصة رمزية ذات مستويات متعددة، لأنها تحمل بذاتها معنى سرديا بسيطا وتتضمن معاني إنسانية مجردة ومطلقة.
يستطيع المرء أن يحكي في الأسطورة ، في أجواء مفعمة بحرية الحالم و الشاعر, أيةَ قصة ذات مغزى إنساني جميل ، دون طلب رخصة من المنطق أو الواقع. و لا يهم ، في هذه الحالة،أن يكون غول القصة أو وحشها حاضرا معاشا في الواقع , ولا يغير من القضية شيئا أن يقتلَ يقوم الوحش بقتل البشر بزفيره، أو أن يتم ترويضه بتقديم القرابين له ، أو توهب له العذراوات.
و لا يحتاج المرء أن يكون طفلا لكي يتماهى مع شخصيات القصة ، بل يكفيه أن يكون إنسانا فحسب. فإن ّ الحكاية والأسطورة تجعلان من الحياة اللامنطقية طيعة وسهلة القياد. فكلّ إنسان بحاجة لأن يروي حكايته ليتعرف على تلك القوى التي تهدد سعادته و أمنه . فالتنّين الذي يكون غالبا بدون وجوه حاضر دوما , لكن ملامحه تكتمل في الأحلام, ويتم تصوره في الحكاية كتفسير أحلام ، و شرح لمعاني ظواهر غامضة . وإنّ الضعيف يجد سبيله ليواجه المخاطر و التهديد. و الإنسان الذي لا حول له ولا قوة ، يكتشف السبيل المؤدي إلى التخفيف عن معاناته وآلامه في الأسطورة والحكايات.
الأسطورة طريقة لتطويع التهديدات الكبرى و التحديات الرئيسية : الحياة - الموت , الرغبة -الضرورة. الأسطورة والحكاية ( المنظرون فقط يمكنهم التمييز بين النوعين) ليستا ميتتين في المجتمع التكنولوجي الحديث ، بل أمستا ضرورة لحياة الإنسان المعاصر ، وحاجة روحية تزوده بالمعاني . ففي القرن العشرين, اكتشف فرويد و وبيتلهايم الكثير من التفاسير الجديدة للقصص القديمة، وظهرت أساطير جديدة. وفي العقد الثاني من القرن العشرين حلل فلاديمير بروب مئات الحكايات الشعبية الروسية و استنتج أن عناصرها الأساسية ثابتة و بسيطة ، إذ اعطت أبحاثه قوة دفع كبيرة لفرضيات تركيبية مختلفة مستقبلا. كل الحكايات تبدأ بلقاء أو وداع عناصرها , يبرز صراع أو يظهر خطر ما , يبدو أن القيام بعمل ما ضروريا و مقبولا من قبل الشخصيات الرئيسة ، و التي تواجه فيما بعد مقاومة من البعض و دعما من آخرين, أي تحدث مواجهة ما ( ذروة الحكاية) و تنتهي بنصر أو هزيمة. و أخيرا تقع الشخصيات الرئيسة في حالة اصطفاف جديدة و موازنات قوى مستجدة , والتي بدورها تعطي قوة دفع لاستمرار الحكاية.
المثال يكرر نفسه , و القصة يجب أن تتبع المثال. فمن يبتغ ِ كتابة سيرته أو سيرة شخص آخر, عليه أن يأخذ في الحسبان أن الحياة نفسها تروى وفقا لهذا المثال النموذج البسيط.
تتبع ج. ك. رولينج نفس المثال في " هاري بوتر" . يعيش هاري عند رابّيه الغريبين حياة تعيسة. يأتي إلى المدرسة ويتعرض إلى تهديد يواجهه بطريقة غير تقليدية. إنه مهدد دائما بالطرد من المدرسة , لكنه يعذر دوما. ثمة لعبة كويدتش ماتش قاسية . لا يعرف المرء من هو الشرير قبل نهاية القصة. يتكرر المثال والنموذج في الكتب , لكن الحبكة مثيرة ،مثلما هي في أية قصة جيدة.
هاري بوتر حكاية موجهة إلى الطفل والبالغ على حد سواء. إنه البطل في مواجهة التنين, المتمثل في مظالم و قسوة الرابّين الخيالية في الحياة اليومية . والتنين يتمثل أيضا في منطقة " فالدمورت" السحرية بشكل أساس والتي تمثل الموت .. " مورت" تعني الموت بالفرنسية, التهديد الأقصى.

وقائع الحياة اليومية مليئة بناس يقدرون على بيان السحر, ومن يمتلك المفتاح , يمتلك لغة الحيوانات أيضا. فما عادت الدنيا غرفة محصنة تحت الأرض , بجدران غليظة مبنية بالجبر و الإلزام , بل فيها العديد من المخارج للذي له عيون يرى بها , على عكس أولئك المغفلين , الواقعيين المزعجين المملين , الذين يتصورون أن كل شئ هو ما يطفو على السطح رجراجا يرونه بعيونهم المجردة ، ويلمسونه بأيديهم . المخرج يسمى بيرو نج 33-4 عند محطة كينج كروس . هناك يدخل المرء في عمود من القرميد و يخرج من الجانب الآخر . إنه حقا عالم إمكانيات لا حدود لها .
يقبل هاري في مدرسة السحر والشعوذة في مدرسة هوغوارتس. وقد أصبح مشهورا بعد أن حطّم فالدمورت. يتمتع هاري بحريته الجديدة, قبل أن يظهر فالدمورت مكسّر و لازال خطرا ثانية لمصادرة حجر الفلاسفة والذي يعطيه القدرة على استعادة قوته السابقة ..يتعلم التلاميذ في المدرسة موادا من قبيل أشربة الشعوذة, العناية بالحيوانات السحرية و الصيانة من فنون الشر , كلها خلال كتب دراسية مثل " مبادئ فنون التحويل" و " المسخ الخيالي وأين يجدها" . الكويديتش هو الرياضة الخاصة في المدرسة, صيد هجين لطبائع الواقع. نعلم أن البروفيسور البوس دومبلدور, مدير المدرسة, انتصر أخيرا في السنة الحاسمة 1945 على الساحر الشرير غريندفالد. و تمكن ترجمة الاسم إلى " العنف الظالم" ( بالارتباط مع بوتشنوالد) ويفسر كاسم تغطية لهتلر. هنا تلعب رولينج لعبة واضحة بالتاريخ الواقعي). دومبلدور معروف أيضا بكتابه في الكيمياء, والذي شاركه نيكولاس فلامل في تأليفه. يبلغ دومبلدور تقريبا 150 عاما من العمر بينما صاحبه فلامل 665 .
فلامل و زوجته شخصيتان تاريخيتان حقا. مات فلامل في باريس في العام 1418, كان مثيرا للجدل و معروفا بنشاطاته الخيرية. ( وصيته باقية إلى اليوم , مثلها مثل شاهدة قبره برمزه الكيماوي, المحفوظ في المتحف دي كلوني) . يقال إنه أسس 14 مستشفى. كان واحدا من اعظم الكيميائيين. يعتقد الناس انه حاز على حجر الفلاسفة, الذي عالج به الأمراض , أرجع الشباب , ومنح الحياة الخالدة و حول الحجر غير الكريم إلى كريم. هكذا فسروا أسباب ثرائه. أنه كان واحدا من بضعة كيمائيين ناجحين!
حجر الفلاسفة Lapis philosophorum; أسرع في عملية تحويل المعادن العادية إلى أحجار كريمة, لكن في نفس الوقت أدى إلى تطهر التلاميذ " adepter" و نضجهم . تحويل المعادن الخسيسة إلى كريمة كان يقام في طقوس كيماوية لإزالة الأوساخ والشوائب : هكذا يحضر "الإكسير" بواسطة العلم توزيع اليبوسة و الرطوبة والبرد و الحرارة في الرصاص والنحاس بالنسبة الموزعة في الذهب .، حسب ارسطوطالس .
الكسير مرادف آخر لحجر الفلاسفة, عقار الجامعة ضد كل الأمراض ووسيلة للخلود. يبادر هاري بوتر إلى أساطير كيماوية. لا ينفك يبحث الكيماوي عن إمكانات تحويل ما هو لا قيمة له إلى أشياء ثمينة . على الأقل يقال إن شخصا واحدا قد توفق , ألا هو نيكولاس فلامل, والذي اصبح خالدا في هاري بوتر.
فلامل هو مؤلف كتاب" الجاذبية المجذوبة" . ففي هاري بوتر يلقى الأطفال مرآة عملية في السقف كتب تحتها : لا أريك وجهك , بل ما يشتاق إليه قلبك

I show not your face but
Your heart’s desire.

يرى هاري في مرآة أر يسد والديه الميتين. يكمن في الجانب الآخر ما لم ينله بعد حيث هناك الواقع الواقعي.
فقصة الحلقات و هاري بوتر , مثلها مثل الكثير من القصص الخرافية الكومبيوترية, يثبت لنا أن الأسطورة ضرورية, ليس فقط لأجدادنا المتحلقين حول النار في كهوفهم بل لأطفال اليوم أيضا أمام شاشات الحاسوب و البلاي ستيشن. فالثقافة التكنولوجية نزعت السحر عن الواقع مثلما يقول ماكس فيبر , لكن الأساطير المنتجة حديثا تجعلنا نعتقد بضرورة عودة السحر, لكي يعترك المرء الحياة.

خلاصة القول إن الأسطورة هي نظرة جديدة إلى الحياة لا تقوم على التفكير المنطقي ، وتعود إلى فوضى الخيال الجميلة وإلى جوهر الطبيعة الإنسانية المتمثلة رمزيا في تجمّع الآلهة القديمة. وإن ثمة تشابه كبير ، في المضمون على الأقل ، بين أساطير مختلف الشعوب . وقد اكتشف عالم النفس الألماني كارل غوستاف يونغ ( 1875- 1961) وجود رموز يكررها الإنسان في كل زمان ومكان أطلق عليها اسم النماذج الأصلية، جعلها النقاد الأسطوريون ( الذين يتبنون منهج النقد الأسطوري) أساسا لدراسة الأدب.
و أن الأسطورة ليست قصة خرافية تستلهم أحداثا لا علاقة لها بالواقع: وأن كلمة أسطورة ليست معادلة للكذب كما كان سائدا في القرن الثامن عشر. وقد أكدت الدراسات الأسطورية الحديثة أن الأسطورة ركن أساسي من أركان الحضارة الإنسانية، لأنها تعبير فنّي جماعي عن أعمق ما في النفس الإنسانية من قضايا لا تخصّ فردا واحدا أو شعبا معيّنا، بل هي حقيقة إنسانية مشتركة تتخطى الفرو قات المكانية والزمانية. فالأسطورة لا يكتبها فنان أو شاعر واحد، لكنها تأليف جماعي يبدعه شعب ما عبر حقبة طويلة من تاريخه. فلا تكون عودة إنسان هذا العصر إلى الأساطير القديمة ارتدادا إلى البدائية يتعارض مع التطور الحضاري، بل استجابة لحقيقة مطلقة لا يحدّها زمان ولا مكان. ومن هنا أرى أن لا اختلاف بين رجل الأسطورة و رجل العصر الحديث .
كل قادة الشيوعية ، حسب علمي، وكما تحكي سيرهم ، كانوا يبحثون عن السكينة و الطمأنينة النفسية في عالم الأدب و الفانتازيا الشعرية؟ و ما اجمل ماركس وهو يتعزى بشعر غوته!!!!
هذا وأن المثقف التقدمي والماركسي ينظر إلى الحياة نظرة واقعية وفق رؤيته الماركسية ، و أن على المثقف الماركسي أن يجعل الأساطير في خدمة دراسة الواقع المزري الذي يعيشه المجتمع الذي ينبغي أن يتغير نحو الأفضل. الفلاسفة الماركسيون درسوا الأساطير و الحكايات ، ليكتشفوا النفس الانسانية ، وخدمة كفاح الإنسان في سبيل الاشتراكية والحرية والمساواة.



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشعر الكردي : تفاحات بيروت لجمال غمبار
- مذابح أهالي شمالي اليمن، لمصلحة من ؟
- الحوار المتمدن ولد ليختلف، و يواجه فلول الظلام
- ما سعر كيلو من الشعور الطازج؟
- الحرب.. قصيدة للشاعر الكردي قوباد جليزاده
- جدار برلين كان مسخا للشيوعية و مبادئها الإنسانية
- قصائد للشاعرة الأمريكية إيميلي ديكنسون
- نوبل للسلام ، أم لخدمة الرأسمالية؟
- قوباد جليزاده : نسفّد القُبَل و نشوي النهود
- المرأة مجرمة وفق الأعراف القبلية
- قصيدة - الحب ّ الكلّي- للشاعر الإيراني الكبير أحمد شاملو
- في قطران الليل للشاعر الإيراني سهراب سبهري
- تجربة اليسار الايراني مع الاكليروس ، دروس لا غنى عنها لليسار ...
- الشاعر الإيراني اسماعيل خوئي
- جماهير إيران تسير في طريق الثورة على استبداد ولاية الفقيه
- ترنيمة زهرة الخلود
- عندليب الامبريالية الأسمر : وداعا حقوق الإنسان
- برتولت برشت و الأزمة الراهنة للرأسمالية
- ليكن الأول من أيار هذا العام حافزا لليسار العراقي في إيجاد أ ...
- قصيدة - ترافيك- للشاعر السويدي توماس ترانسترومر


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - الأسطورة ضرورية للإنسان