أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان ..2















المزيد.....

نذور السلطان ..2


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 15:29
المحور: المجتمع المدني
    


مرت أيامنا ثقيلة ، كنا نتسابق نحن وإياها محاولين اللحاق بما لدينا من نقود ، وكنا في أغلب الاحيان نكتفي بوجبة واحده فقط ، لنتمم يومنا بالتهام أي شيء شرط ان يكون رخيص الثمن .. الساحة الهاشميه تبدو وكأنها إحدى ساحات بغداد وليس في عمان ، حيث تسمع اللهجة العراقية بكل سهوله اينما قدر لك ان تحل .. مجاميع من الشباب عقدوا اجتماعاتهم وقوفا وجلوسا في الساحه ، وهم يرسمون خططا لما سيفعلونه ليفلحوا في ايجاد سبلا للهجرة أواللجوء .. في حين كنت وصاحبي نتلفت كالبلهاء ، وسط هذا الكم من الناس لا نعرف لوضعنا من تقييم ولم تنجلي امامنا وبوضوح آفاق الخلاص .. سمعت ما لم اسمعه واراه في اكثر الافلام السينمائية لا واقعيه .. عائلة تبعث بابنها الصغير بطائرة مدنية ضمن الركاب ، وبالاتفاق مع اجداده لابيه والمقيمين في احدى دول الاتحاد الاوروبي لكي يهبط في المطار، ويبدو ضائعا وتتلقفه الشرطه ، وفي تلك اللحظات يظهر الاجداد للتبرع بايوائه وفق الشروط القانونيه المعمول بها هناك ، وينتهي الفلم بان يصبح الطفل متبنى ، ويجري جمع شمله بعد حين مع امه وابيه المقيمين في عمان .. وعائلة اخرى تركب متن البحر لتجد نفسها في صحاري افريقيا لتبلغ من هناك مرادها بعد طول عناء .. كانت الساحة الهاشميه بمثابة ستوديو كبير لعرض بروفات اكثر الاحداث تراجيديا وابلغها تعقيدا .. واجمل ما صادفت في الساحه وجود تجمع للخرسان العراقيين ، حيث شكلوا دائرة على احد الارصفه وأيديهم تلوح في الهواء بعصبية ظاهره ، ولا أدري لماذا طاب لي ان اتوقف عندهم مما أثار غضبهم ، وتخلوا جميعا عن تبادل الاشارات وعيونهم مسلطة علي مستفهمة عن سبب لفضولي ذاك .. فتحولت عنهم مسرعا خشية ان يحدث ما لا أشتهي .

في لحظة من لحظات الحراك المتسارع لايجاد حل قريب لما نحن فيه ، خطرت لي فكرة ان اكتب لاحدى الصحف الصادرة عن حزب يساري ، بعد ان لمحت يافطة تشير الى مقره المركزي .. وكتبت فعلا لتلك الصحيفه علني اجد ما يوفر لي وصاحبي عونا ما .. نشر مقالي في اليوم التالي وفي مكان بارز ، الامر الذي شجعني لزيارة مقر الجريده وسط ترحاب رئيس التحرير والذي طالبني بالاستمرار بالكتابه .. وبلغ الامر بعد اسبوع أن راح المعنيون هناك يطالبونني بتخصيص عمود ثابت لما اكتب ، ولكن لم يعمد احد بالاستفسار مني عن احوالي ، ولم احضى بغير اقداح الشاي ، وتبادل اطراف الحديث في السياسة .. لقد آلمني جدا وقوفي على باب احدى المكتبات ، وانا متأكد من أن الصحيفة المعروضة امامي على واجهة تلك المكتبه ، تضم اخر مقال لي عن احوال العراق ، غير انني لم اكن املك ثمنا لشرائها ، وحين حاولت تصفحها ، كانت عيون صاحب المكتبه ترمقني بحده ، لتقول لي بان هكذا تصرف ممنوع .

قليلة تلك الساعات التي كنا خلالها نستريح في مكان ما ، ولا أدري لماذا كنا ندور وندور بلا معنى ، وليس هناك من هدف معين نقصده .. كانت مخياتي تذهب بعيدا ما إن يتاح لي الحصول على فرصة الاتكاء على كنبة في متنزه عام ، تاركا لصاحبي فرصته في تكرارسرد جوانب من قصته مع زوجته الاولى كما يفعل كل يوم .. ترى ماذا يجري الان لعائلتي في العراق ؟؟ .. الاخبار لا زالت تحمل لنا إستمرار حالة الطواريء واضطراب الوضع العام ، النظام هناك لا زال مصرا على امتطاء صهوة القتال ، بل هو الان ومع مرور الوقت اصبح مهووسا باعلان الحرب ، وتوزيعها كما يحلو له في الداخل ومحيطه الخارجي ... وعلى حين غره .. تتوقف عندي كافة الارتدادات الذهنية حينما تبدو امامي صورة شاب وشابه يجلسان غير بعيد عنا ، وهما يتناجيان بصوت غير مسموع .. كم هي حلوة تلك اللحظات ؟ .. ويعود الذهن من جديد الى حيث البعيد من الذكريات .. لقد كانت ابنة لاحد الاقطاعيين المتنفذين في الريف الذي ننتمي اليه ، وجهها مطلي بطلاء العافية ، ويبدو وكأنه يصدر حزم من الضوء البراق ، ناعمة في كل شيء ، قامتها ليس بالطويله ، وجسمها مفصل بامعان بالغ .. كانت تزورنا بحجة ان اقوم بتدريسها علم الرياضيات ، ولم تكن تفهم مني ما اجهد نفسي بتقديمه لها من دروس .. كنت عندما أنحني قليلا لاقترب منها بهدف الاشارة الى قانون رياضي ، تلفحني ريح غريبة لم تألفها أحاسيسي من قبل ، وكانت هي تلحظ من جانبها حرجي فتبتسم .. لتحل بي مصيبة المصائب .

في يوم ربيعي جميل ، وعند حلول المساء ، وعندما غادرت بعد انقضاء الدرس ، كنت اتبعها مودعا ليس كعادتي ، فتوقفت فجأة عند شجرة سدر ضخمة كانت تضلل مدخل منزلنا من الخارج ، وشعرت وكأنني اصبحت خارج العالم تماما ، ففي الريف ، وحينما تبتعد قليلا في المساء ، عن اخر حزمة ضوء في المنزل ، تجد نفسك وكانك في غابة تؤمن لك خلواتك وما تريد ان تفعله بعيدا عن الرقيب .. التفتت نحوي ودنت مني .. احسست وكانني اقتربت من عالم الاموات ، فقد توقف في جسدي كل شيء عدا حاستي للشم ، انها عاصفة من عطور يصعب التمييز بينها في تلك اللحظات .. خليط من رائحة البخور .. وما تنفثه براكين الجسد الانثوي المتوثب من حمم لذيذه .. أحسست بنعومة عبائتها المعفرة برائحة الفتاة الريفية الاخاذه ، وهي تلتف حولي لتجعلني حبيسا لا اقوى على الحركه .. وغصت في عوالم كانت مجهولة بالنسبة لي حينما دفنت وجهها في صدري .. فقبلتها على خدها المتوهج ، قبلة واحدة لا غير ، لانسحب من امامها مسرعا الى الداخل .. لقد احسست حينها بان اطرافي جميعا قد اصابها التنمل ، وشعرت بحالة من الخفة في الوزن غير اعتياديه ، وطفقت اجري باتجاه الباب مرة اخرى حيث لم تكن هناك .. لم اعد ليلتها الى المنزل ، واتذكر بانني لففت كل زوايا القرية ، وانا اغني بصوت منخفض مرددا كلمات هي اشبه بالهذيان .

كم هي جميلة تلك المشاعر المراهقة المسروقة على عجل .. انها عندما تحل ، يبدو وكأن الطبيعة قد فقدت خاصيتها بتحريك الاشياء وفق قوانينها الخاصه .. ترى لماذا كتب على البشر ان يستبدلوا تلك اللحظات الفريدة ، بنوع آخر لا يحمل تسمية بعينها ، يزخر بالألم والعذابات ، وإحداث النزيف الدموي ، وانواع مبتكرة من الموت والتشريد واحلال الفناء المتعمد ؟!.. ماذا يريدون غير السلطان وامتلاك ناصيته وهتافات بالتمجيد تلاحقهم اينما حلوا وارتحلوا ؟ .. لماذا يتعمدون خلق جحيم لانفسهم ولشعوبهم ، ويمعنون في حرق اوطانهم بلا طائل ؟؟ ..

ويوقضني فجأة صوت صاحبي وهو يقول .. سمعت بان طريقا يوصلنا الى مصر عن طريق ميناء العقبه ، بالامكان سلوكه لنختار من هناك سبيلا اخر .. لم اكن قبلا أعرف من الموانيء العربية غير اسمائها على صفحات كتب الدراسه .. ومع هذا لم يكن بد من الموافقة على سلوك أي سبيل يوصلنا الى موقع جديد يقربنا من الهدف .. هدف الاستقرار والحصول على عمل ينقذ اسرنا ، ويهيء لها امنا وسلام ... اذن لابد من اخضاع الامر اولا لما تفضي به الساحة الهاشميه من رأي ، فهناك فقط يمكنك ان تخرج بنتيجة نهائية لسلوك سبيل ما من عدمه .. واستفسرنا من الشباب المتحمسين دائما لحل معضلات الاخرين .. وكان الرد بان هذا الطريق سالك لمن يريد البقاء في حدود الوطن العربي ، ولا يؤدي الى العوالم الاخرى .

مرت اشهر ثلاث ونحن على هذه الحال ، واضطررنا للاستدانة من احد الميسورين العراقيين كان يشاركنا السكن في ذات الفندق ، ولا اعرف كيف طاب له ان يتبرع باقراض مبلغ لاثنين ممن لا يعرف لمصيرهم نهايه .

لقد اصبحت حالنا لا تحتمل الانتظار دون اتخاذ أي اجراء مناسب للتحرك من الاردن ، أو العودة الى العراق في اسوء الاحوال ، فوضع اسرتي اصبح مترديا وبشكل ينذر بالخطر .. وزوجتي راحت تستفسر مني بواسطة الهاتف عن نقطة النهايه .. أين انت الان ؟؟ .. ما هي وجهتك ؟ .. الوضع عندنا لا يبشر بخير .. لا زالوا يسألون عنك لزجك في صفوف الجيش الشعبي ، ويريدون اعادتك للجبهه .. إفعل شيئا وبسرعه لكي تستقر احوالنا معا ..

أوباش ومجرمين .. ماذا يبتغون من وراء مطاردة الناس وبهذه الطريقة الوقحه ؟ .. لقد كان احدهم من اولئك المتطوعين لايذاء البشر ، ينام عند عتبة باب داري ولثلاثة ايام متتاليه ، على أمل القاء القبض علي وتسليمي لما كان يسمى بالجيش الشعبي ، حيث يزج بمن ينتسب لذلك الجيش في الخطوط الامامية للقتال .. لم يكن أي واحد ممن كانوا يطاردون غيرهم من ارباب العوائل ، يحمل صفة رسمية غير كونه من المتحمسين لنصرة السلطان ، وجلهم لا يقرأ ولا يكتب .. إنني احتفظ بالمئات من الصور التي تثبت بان للجماهير دورها في صنع مآسيها .. وهي التي كانت تعين اعدائها بنصب سرادق الموت لابنائها ، في حين تنشغل هي بالتصفيق ورفع صور التمجيد .

في هذا الوقت العصيب ، حدث ما لا يضيف لوضعي خيرا .. فقد اتفق احد اقارب صاحبي من الاكراد المقيمين في سوريا معه لتسهيل سفره الى هناك ، وذلك من خلال توجيه دعوة رسمية تتيح له السفر الى دمشق بسهوله ، وعبثا حاولنا اقناع الرجل بشمولي بتلك الدعوه ، حيث كان يرفض وباصرار ، ولم اكن افهم الاسباب .

غادرني رفيق هجرتي في صباح كنت اودعه فيه ، وكأنني فقدت دلالتي في درب مجهول .. لابقى وحيدا في عمان حيث بدأت افكاري تتشتت يوما بعد يوم ، وقراري بالعودة الى العراق يقترب من قناعتي كأسوء الحلول .

وللقصة بقيه



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
- رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
- إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
- أفكار من أعماق الذات
- حقوق النساء ، وإستحالة الحضور مع الواقع العربي الراهن .
- إبحار في مشاعر أنثويه
- عام جديد .. وأمنيات شخصيه .
- حينما راح جذع النخلة يئن لفراق النبي
- معامل الطابوق في العراق تجسيد حي لعذاب البرزخ .
- تردي حالة البيئه في دول الشرق الاوسط وشمال افرقيا .. إلى أين ...
- متى يصار الى دعوة أفذاذ العراق وتكريمهم في بلدهم كما يستحقون ...
- قول في العيد الثامن لتأسيس الحوار المتمدن
- متى لهذا العراق أن يستريح ؟؟
- من بقايا الزمن الجميل .. عبد العزيز المعموري إنموذجا
- مهلا .. لقد إكتشفنا مؤخرا ما يحميكم من ( انفلونزا الخنازير ) ...
- من يحمي النساء المتزوجات من ( عرب ) في البلدان الاوروبيه ؟؟ ...
- عن أي مسرح نتحدث ، والمواطن في بلادنا تأكله أرضة الفقر ؟؟
- لتتوحد كافة الأصوات الوطنية والتقدمية في بلادنا من أجل نصرة ...


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - نذور السلطان ..2