سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 00:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم تكن حادثة نجع حمادى هى الأولى , ويؤسفنى القول أنها لن تكون هى الأخيرة .
فمنذ بدايات السبعينات من القرن المنصرم طفى على سطح الحياة الإجتماعية فى مصر العشرات والمئات من الأحداث التى نالت من أقباط مصر فى أرواحهم ودور عبادتهم وأموالهم , وللأسف لم تتغير من الأمور شيئاً فنفس تقبيل اللحى ظاهراً دائماً فى نهاية كل مشهد , ونفس العبارات المكررة الممجوجة عن الوحدة الوطنية والنسيج الوطنى الذى لن ينال منه أحد يتم ترديدها بلا ملل .
البدايات كانت مع عصر السادات الذى فتح الطريق أمام كل التيارات الدينية السلفية فى أن تتحرك وتنطلق فى ربوع مصر بغية إستئصال وتحجيم القوى اليسارية والمشروع الناصرى , وفتح الطريق أمام مشاريعه وخططه السياسية والطبقية , وبالفعل قد يكون النظام مدركاً حينها لحجم الفاتورة التى سيتم دفعها فداء ذلك , ولكن هذا لم يحول من المكاسب التى ستتحقق من وراء فتح الباب حينها لكل القوى السلفية الإسلامية فى أن تنطلق .
أهتمت هذه القوى فى بداياتها أن تؤسس لمشروعها صارفة نظرها تماماً عن كل الهم المصرى وكل السياسات التى يتم قلبها رأساً على عقب ..
لذلك إهتمت فى طرح قضية الحجاب , كما بدأت فى تسميم الأجواء المسيحية والإسلامية بحكم التراث الدينى الحافل بكل ما هو رافض ونابذ للأخر والذى يعج به التراث والتاريخ الإسلامى , ومن جهة أخرى فهى تخلق عدو مفترض يشحذ المسلمين ويستميلهم إلى مشروعها محدثة عملية إستقطاب هائلة وجذب للمشروع الإسلامى الذى يدغدغ العاطفة بالضرورة ويعبئها ضد القوى الصليبية واليهودية والشيوعية .
لاقى المشروع الإسلامى المتطرف قبولاً فى أوساط من الشعب المصرى وخصوصاً فى الطبقات الشعبية التى عانت من عدم وجود قوى يسارية تعبر عنها أمام الهجمة الشرسة لسياسات الإنفتاح والتهمييش لشرائح عديدة من المجتمع المصرى , ليصبح الإسلام هو الحل أو طوق النجاة الإفتراضى للإنتشال من واقع شديد المرارة .
فى ظل هذا الهوس الإسلامى الوافد بدأ إستدعاء نصوص وتراث قديم قد تم نسيانه سابقاً للحضور والتفاعل ..وبدأ المجتمع المصرى يشهد إرهاصات موجات من التعصب المتمثل فى الخطب والشعارات التى تذم وتحتقر المسيحى ليلاً ونهاراً لتكتمل فى النهاية بأفعال عنيفة تمثلت بالإعتداء على دور العبادة وأرواح الأقباط وممتلكاتهم كما شهدنا خلال الأربعون عاماً السابقة .
أى أن الأقباط كانوا من ضمن الملفات التى تم تقديمها وحرقها لإرساء قواعد وتوجهات قوى طبقية محددة أدركت منذ البدايات أن أقباط مصر هم ضمن الفواتير التى سيتم دفعها ولكن للأسف لم يكن النظام المصرى فى أى فترة من هذه الحقبة معنياً ومهموما ً بفداحة هذه الفاتورة , طالما أن فى كل أزمة سيقبل الشيوخ والقساوسة لحى بعضهم البعض .
ولكن ما هو السبب فى إمتداد هذا الهم إلى السنوات السابقة بالرغم من تغير الكثير من التوجهات السياسية التى جعلت النظام المصرى يحول إتجاهه من التحالف الشديد إلى المواحهة مع القوى الإسلامية .؟
الأرض التى تمت زراعتها بكل حنظل ومر أتت أكولها ..والقمقم الذى تم إستحضاره ليس من السهولة قمعه فى ظل ظروف مادية تسمح له بالتعايش والتصاعد .
فحجم الكراهية ورفض الأخر الذى تم تأسيسه بناء على كم ذاخر من التراث العنيف القديم يجد حضوره فى المجتمع المصرى كشكل من أشكال إرهاصات الطبقات الشعبية المحملة بكم هائل من الغضب تطلب طريقها للخروج والإنطلاق .
فمع معاناة شديدة المرارة لطبقات إجتماعية مهمشة تغتصب يومياً فى حقوقها وحياتها ..فلا فرص عمل حقيقية بل بطالة تنهش فى الأوصال , مع غلاء فاحش يسحق أمامه الرواتب الشحيحة , ومع عدم وجود أى منفذ ديمقراطى للتعبير الحر..يزداد العبأ النفسى على أفراد الشعب المصرى والذى لا يجد له طريق للتعبير عن غضبه وسخطه إلا بالإتكاء على الشرائح الضعيفة فى المجتمع للتنفيس عن حجم غضبه .
بالفعل عندما يفتقد الإنسان الوعى الصحيح لسبب مشاكله العويصة والتى تمثل ضغطاً عصبياً ونفسياً رهيباً لن يتوانى فى ركل الطاولة أو الكرسى الذى يجلس عليه لكى يخرج طاقة إنفعاله وغضبه , ويكون أقباط مصر هم الكرسى والطاولة التى يتم ركلها من أن لأخر .
لا يكون أقباط مصر وحدهم هم من يتم ركلهم فكل الملفات الصغيرة الضعيفة كالشيعة والبهائيين يتم ركلهم من وقت لأخر للتنفيس عن طاقات رهيبة من الغضب الدفين .
هذا يفسر لنا أيضاً لماذا تكون الهبات ضد النظام فى المظاهرات ذات توجه دامى لو وجدت طريقها نحو التصعيد ..فلا نندهش هنا من حرق المحلات التجارية والأملاك الخاصة والعامة فى مظاهرة تدعو لحق نقابى مثلاً او لزيادة الرواتب .!!!
أنه الغضب الجاهل الذى يوجه عنفه نحو أى طاولة أو كرسى ليشفى غليله ويفك ضغوطات نفسية لإنسان يتم سحقه بإستمرار ولا يملك أدوات من الوعى التى تجعله يفهم سر شقائه سوى التنفيس العفوى عن غضبه بركل كرسى .
ولكن أليس أقباط مصر من ضمن الطبقات المهمشة التى يتم سحقها أيضاً وتعبئتها بأطنان من الغضب ؟
فلماذا هم إذن لا يركلون الطاولة والكرسى فى هبات عنيفة ضد الأخر الإسلامى مثلاً.؟
هنا لا يجب أن نغفل أو نغض الطرف عن التراث الإسلامى المحمل بكل تمايز وكراهية للأخر والذى يتم إستدعاءه لإستحلال أرواح ودماء وأموال الأخرين , والمصيبة ان هذا التراث المستدعى لايحمل صفة التاريخ بل صفة المقدس .
لن نتخلص من مسلسل المذابح والإنتهاكات الطائفية إلا بطريقين يحتاجا إلى وعى حقيقى وقدرة على المواجهة .
أن يدرك الجاهل والمغيب أن سبب مأساته ليس فى الأقباط أو البهائيين بل فى مجمل السياسات الفاسدة التى تنزع اللقمة من فمه وتنتزع حريته وكرامته ويكون هذا مسئولية كل القوى الوطنية والديمقراطية فى التوعية والتوجيه بأن حل الأزمة ليس بركل الطاولة أو الكرسى .
وفى الوقت ذاته يجب تخدير وطمس كل النصوص والتراث القديم الذى يتم إستحضاره ومحاولة إسقاطه على واقع معاش تم تجاوزه .
لابد من ترسيخ مفهوم النص التاريخى الذى ناسب ووائم ظرفه الزمانى والمكانى ولايجوز أن يتم إسقاطه أومحاولة تفعيله مرة أخرى بحكم أن الزمن والعصر تجاوزه وتعداه بدليل أننا لن نجد أكثر البشر سلفية وتخلفاً يدعو إلى إسترجاع عصر العبيد والأماء وما ملكت إيمانكم .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟