أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيتوني ع القادر - جهنم الطرف الاخر من الحدود















المزيد.....


جهنم الطرف الاخر من الحدود


زيتوني ع القادر

الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 22:21
المحور: الادب والفن
    


TANELLA BONI
ازدادت ب: ابيدجان-ساحل العاج تحمل شهادة دكتوراه دولة في الادب ...تشغل الان منصب استاّذة فلسفة بجامعة-ابيدجان-تراست اتحاد كتاب بلدها من 1991 الى 1997 . ضيفة شرف للعديد من المؤتمرات العالمية. عضو نشيط في الاكادمية العالمية للشعر. من مؤلفاتها: 1-Une vie de crabe-1990 2-les baignieurs du lac de rose-1995 Matins de couvre feu-2005-3 4-Les negres n iront jamais au paradis-2006 ولها في الشعر: 1-Labyrinte-1984 2-Grains de sable-1993 3- Il n ya pas de paroles heureuses-1997 كما انها مهتمة بادب الاطفال ولها مؤلفات عديديدة في المجال. ومن قصصها اخترنا:

L enfer de l autre cote de la frontiere جهنم الطرف الاخر من الحدود
-شكرا لك على عودتك..ظننت اني لن اراك ثانية.
طاطات راسي..لم يكن لي جواب..
.لقد كنت بليدا مثل حيوان...قبل رحيلي اعتقدت ان الجنة توجد في مكان ما ..هناك اين لا نعمل كثيرا ونربح كثيرا..هناك اين نشبع حد التخمة ونحتفل متى نشاء.. هناك اين يجتمع الاطفال مع ابائهم الطيبين الذين يحبونهم كثيرا..
كنت احلم بالجنة...هل تذكرين والان عندما عشت جهنم الطرف الاخر للحدود اعلم بانني كنت اعامل مثل حيوان...اعرف باني لست ملكا ولكني احب الشمس التي توقظني باكرا...احب ظلك والمسالك المؤدية اليه...


****

حقا انه لا يمكن ان تجدي رجلا اغبى مني في ارض الرجال.. اعرف ان –ارض الرجال-بالنسبة لك سبة ومعرة... تعتقدين اننا بنينا الارض حسب مقايسنا ونسيت البحار...مجاري المياه..الاشجار والحيوانات.. لا حظي بانك لست على حق....ولكني طفل اصبح رجلا..كنت تؤكدين انني احمل جميع خطايا الكبار... الاطفال لهم حقوق وانت اول من علمني ذلك...الاطفال لهم الحق في رفع النظر الى الاشجار وحق الكلام..


****

اتركيني اروي لك قصتي..
اعتقد انني لا زلت استطيع ان استعيد من ظلك الحبيب كما في السابق عندما كنت اجلس عند جذورك لاسمع ذكرياتك واحكي لك مغامراتي
تلاحظين منذ عودتي لم اعد ذلك الطفل الشقي الحركات...وتشعرين ان ما احكيه لك حقيقة انصع من كل الحقائق التي سمعتها....انا سعيد برؤيتك ثانية
هل تعرفين لماذا؟
لانك لم تنس ما عشناه زمنا...لم اكن ابلغ الثالثة عندما بدات تحييني ب-منقاتك-العطرة كل صباح احلم بموسم-المونجا- لم يكن أي طرف يحي الايتام الذين كنا....لقد صادفت اشجارا غير معروفة على حافة الطريق...في الغابة...على حوافي التلال..لم تكن تجبني عندما اكلمها......اعرف انك كنت وحيدة من نوعك...شجرة ليست ككل الاشجار...ولكنك رفضت تتبعي.....الاسفار لا تعنيك ولكني احب اكتشاف الطبيعة..وصديقيني انني رايت من كل الانواع...لذا دعيني اجلس بجانبك لا احدا يعرف انك تنصتين لقصتي...


***

كنت ارغب ان اقدم لك قصة مكتوبة..كان في امكاني كتابتها باليد...تعلمت كتابة بعض سور القران ولكنه ليس كافيا لكتابة حياة...في السادسة من العمر ذهبت الى المدرسة مع اطفال الحي ممن يملكون قدرة شراء دفاتر واقلام واشياء صغيرة للتعلم المهني...شهر فقط ورغبت في الذهاب الى أي مكان او العودة الى المنزل لاكون في البراري..كان الامر قاسيا...ولكنه كانت لي ام يجب مساعدتها...مساعدتها في زرع قطعتها الصغيرة مساعدتها في بيع اشيائها بالسوق مساعدتها في اعمال المنزل...
كانت تقول لي –طبقا للتقاليد-انت رب اسرة ويجب القيام بدورك ..صعب ا ن تكون مسؤول عائلة منذ ولادتك-لم يكن لي اب-لم اعرفه ابدا-اعرف انه لا بد ان يكون موجودا في مكان ما من المدينة في حي اخر او مدينة اخرى..كان لي احساس قوي بان ابي لم يغادر ارض الرجال..لا بد ان يكون هنا او هناك لا شك انه يعيش حياة هادئة بعيدا عنا
ولكنه كيف يتسنى له نسيان وجودنا كل هذه المدة؟


***

ليس عن ابي ما اريده قصه.. تعرفين انه لم يكن ابدا هنا
اريد ان افضي لك بانه في البداية لا المدارس القرانية ولا مدارس الاباء البيض كانت قادرة على تعليمي القراءة والكتابة
تعلمت التحدث بالفرنسية في الحي كباقي الاطفال لا اعرف متى تعلمتها منذ العاشرة من عمري جاء تاجر لمقابلة امي لا شك انه عاهدها بتعليمي اصول التجار والمساواة .. كانت البضائع تاتي من كل مكان عبر النهر الذي يعبر البلد عبر السكة الحديدية عبر شاحنات قادمة من الجنوب كان كل شيء يباع : الحليب... السكر... البن... الصابون ... الاواني والكؤوس في المتج الذي كنت به عاملا متعدد الخدمات رغم سن السابعة كنا نبيع الاحذية المستوردة من الغرب والملاءات المصنوعة في البلد المجاور...عند اقتراب مواسم الحفلات كانت النساء تصنعن الطوابير...احيانا لا يجدن ما يشتيرين به كيلوغراما من الارز ومع ذلك يحرصن على ارتداء العباءات اللاتي حلمن بها طيلة السنة....... كن يشترين بالسلف ولم يكن ينسين لا الجواهر ولا الاحذية الملائمة للحفلات....
في اوقات البيع كنت اقضي ايامي في حمل ونقل البضائع المطلوبة بكثر ة- بابا -معلم الحي كان ذكيا فقد فتح ثلاثة دكاكين للخياطة قرب السوق كانت النساء تترددن على متاجره ونظرا لكثر الطلب كان لا بد من الانتظار...
كان الجو حارا وكانت النساء تجدن لذة في الثرثرة وامام المتاجر كانت نساء اخريات تاتين لبيع الفواكه والاغذية المنزلية الفول السوداني لم اكن اهتم بذاك كنت فقط اعبر الشارع لارى امي وكان في امكاني ان اشبع رغم التعب الذي الاقيه طيلة النهار ...

****

عملت عند- بابا- ثلاث سنوات هل تذكرين
انها الفترة لتي لم يكن لي وقت لاجلس بجانبك كنت اعود متعبا لدرجة العجز عن غسل اطرافي فارتمي على فراشي كقطعة خشب لانه كان يجب النهوض باكرا لاحضار دلو ماء وحمله الى داخل المنزل ليستعمل كمرشة... لم تكن لي القدرة لقد كنت منهكا في المساء لا اغسل ابدا.. لا اكل... كنت فقط بحاجة الى النوم... ثم النوم.... فاليعذرني اجدادي عن الاوساخ المتراكمة على جسدي فروحي كانت نقية وهم يعرفون هذا
لذا كانوا يرعونني فلم احس باي مرض طيلة لك المدة.


***

ذات يوم في القيولة دون ان اعرف كانت الساعة الثامنة عندما دخلت المتجر قادني- بابا- الى غرفة مجاورة سدد لي نظرة فضيعة من الاسى دون ان ينبس ببنت كلمة ....كان يتناول فطوره..... بعد مدة دخل رجل القى السلام في مذلة وخشوع كان- بابا- حقا رجل السوق كان مضيافا ومعتزا باصوله, كان كثيرا ما يجمع حفظة القران ويكرمهم ........ هذا الصباح كان مسرورا باستقبال هذا الرجل الذي لا شك ان معه صفقات احسست ان وجودي محرج ولكن- بابا -امرني بالبقاء اخذت مقعدا وانزويت بركن... لم اعرف عما كانا يتحدثان ولكن بعض الكلمات وصلتني
قال التاجرلضيفه:
-انت ترى فقد هزل لست ادري ما اصابه وانت قادر على علاجه وارجو ان تهتم بروحه.
هذه الكلمات وصلني وصلتني مباشرة اجاعتني لم اكل منذ البارحة كانت بي رغبة لشراء موزة اعتقد انني ساجد دينارا .. تاملني- بابا- منذهلا ..
لقد قضيت عند الرجل ثلاث سنوات.. عملت بجد واخلاص كنت اعتقد انه يسدد راتبي لامي فقد كان يزورنا من حين لاخر ويبيت عندنا احيانا رغم زوجاته العديدات بالحي..عرفت ايضا انه كان يكسي اختاي في حين انه لم يعطيني سنتيما ربما كان يسدد راتبي لامي ترى ما هو راتبي؟


****

هذا من الحكايات القديمة لاني غادرت المتجر ورحلت الى ولي من اولياء الله ولا اعرف ما ينتظرني لم يكن لي وقت لاودع الوالدة الجالسة امام خضرها بالسوق وكنت دائما جوعانا.
هل تتذكرين شجرتي يوم مررت بقربك كحالم زومبي؟؟
هذا اليوم كانت امي في ارضها امام بصلها.. كانت اختاي تلعبان مع صديقاتهن قرب المنزل... لم ارغب في تحيتهن لست ادري لماذا انا منفصل عنهما؟ منفصل عن كل ما يمت لي بصلة؟ كنت في حاجة الى البكاء...وشجعتيني على مواصلة الطريق قلت : ان مواصلة الطريق جزء من تربيتنا... وهذا ما تقوله دائما افريقيا ولكن احيانا تكون الطريق صعبة.. حجرية لدرجة التساؤل: لماذا نتابع السير مطاطئي الرؤس دون طرح اسئلة؟؟-


***

كنت متلفعا في عباءة فقدت لونها..تراكمت عليها كل اصباغ ادخنة الاحياء الفقيرة..كان لها طعم الجوع الذي لم يغادرني ..الجوع لون عند اقدام المدينة المتصاعدة...كنت اتسول لصالح السيد الجديد... سيد الجسد والروح .... سيد تعليمي الذي جاء ذات صباح يبرم صفقة انضمامي لساحته.
كنت ضمن خمسين من اترابي...نجتمع بالاشارات...عباءات بلا لون ..عيون غائرة ..اجسام هزيلة ولكن ارواحنا وعقولنا تختلف كما اعتقد... لم اكن قابلا للترويض...كان الغيض يسكن حركاتي... كنت اريد الارض كلها...لقد فصلت عن ظل شجرتي.... لم تكن لي رغبة في معرفة أي شي..الاطفال الاخرون لم تكن لهم رغبة في تغيير المكان لمتابعة حلم..للتفكير في مخلوقات عزيزة...اطفال اضاعوا الحياة فجاء اخرون للاخذ بيدهم وصياغة طريقهم.. لكي لا يتيهون في هذه الغابة الصعبة المساليك...اطفال مرمون خارج المستقبل لا امل لهم في الحياة...لقد كتب الكتاب الافارقة عن هذا الموضوع منذ اربعين عاما ولكن بدون جدوى..لا زال الاطفال تحت رحمة الكبار الذين يدعون اخوة الله.. اباء وامهات الارض...الاطفال يعملون بايديهم واجسادهم يحرقون اعصابهم.. عقولهم ولا يؤجرون... يتسولون في اطراف المدينة من اجل سعادة اشخاص لا يهتمون بهم ...لا احب هذه التربة التي تقتلنا شيئا فشيئا..ارغب في الخروج من هذا الجحيم.
ولكن لا اعرف ما ينتظرني.


***

لقد عرفت اركان واجواء المدينة...ترددت على الاسواق والمحطات احببت اماكن السمسرة...لقد كانت محطة القطار اكبر مركز للسمسرة والتهريب بكل انواعه..هنا توصلت لاول مرة لمعرفة كلمة حدود.
في محطة القطار تسمع حكايات الحدود..حكايات قديمة عن انفصال العائلات في نهاية القرن التاسع عشر بعد محاضرة برلين..اليوم في اطراف مختلف الحدود يعيش اخوة, اخوات,ابناء عمومة وخالات.... في فكر الناس لا وجود لهذه الحدود...ولكنهم ذات يوم يفاجؤون بجمركي يقول لهم بان وراء هذه الاشجار بلد اخر.. خلف النهر بلد اخر وان الطريق يقسم البلد الى ثلاثة او اربعة بلدان مختلفة العادات والقوانين.
ان محطة القطار هي ملتقى كل حكايات الحدود. وهنا لا يكتفى بالقص....... رجال ياتون..رجال يذهبون......جمارك في دوريات لا نعرف سببها..الاطفال المتسولون يقضون معظم اوقاتهم قرب المحطة يسمعون قصصا حقيقية واخرى خرافية..تتملكهم معرفة الاخر..يريدون تجربة الجنة..نعم الكتب المقدسة تتكلم ..يقال ان الجنة لا تسكن الارض...ويقال بان بالجانب الاخر للحدود اشياء عجيبة وحياة تستحق ان تعاش..وان الريح هادئة والطبيعة فاتنة ويوجد البحر...اجل البحر..


***

ونعرف ان اطفالا يختفون يوميا فندرك ان الحدود تبتلع الاطفال..الحدود غول..
لقد اصبحت محطة القطار مكاني الذي اقضي به نهاري كله...اجد ما اكل واتلذذ بالحكايات..ولكن انا ايضا رغبت يوما في الذهاب....الرجال الكبار لا حظوني..لم انس ان المحطة كانت مكان كل الصفقات..ورغبتي في الذهاب الى الجنة اثارت انتباه كبار السماسرة, فقد راوا في شخصي مشروع غنى حقيقي واكيد ..ولكن كل سمسرة لها سلسلتها التي لا يعرف الية عملها الا معلمي الجوقة من هذه المافيا.. وانا كنت طفلا صغيرا ذا الحادية عشر عمرا وكنت مولعا بالكل وكان العالم لا يزال يدس لي من مفاجأته..


***

لما اتوصل الى ترقيع اجزاء هذه الحكاية..حكاية حياتي الممزقة وذكراياتي الهاربة..لا اعرف من تكلم عن النقود اثناء مروري للطرف الاخر من الحدود... كحلم اسر لي احدهم بانني ساجد ابي على الضفة الاخرى للنهر..عند الغابة الكثيفة.هناك اين تجد الارض لامعة والاضواء كثيفة..تتابعت الصور المجنونة في راسي.وسمعت يوما ان عما يريد رؤيتي..-عم لم تات سيرته مسبقا- وجاء اليوم الذي قيل لي فيه:
-يجب ان تذهب الان نتمنى لك حظا سعيدا.
عد رجل وريقات بنكية..وريقات وسخة وممزقة..سلمها لسائق الحافلة المعدة للرحلة الى الطرف الاخر ..كنت ضمن كوكبة من المسافرين.. لم يكن معي الا دريهمات كسبتها من التسول ولم يسعني الوقت لتسليمها لابي الروحي.
سقط الليل..انطلقت الحافلة تحت سحابة من الغبار..كان الليل طويلا وثقيلا..لم اكن اخشى الليل كنت متحفزا للقاء النهار لكنه تباطا ..كنا نقضي الساعات في مساومة رجال القانون كانوا في زيهم الرسمي يتحدثون مع السائق ويطالبون بنصيبهم ..كل مسافر يدفع رسوماته..من يملك ورقا يدفع اكثر.. كان معنا رجل يبدو انه يفهم في القانون احتج على هذا الوضع فافهموه بان التقاليد الشفاهية اكثر قوة من القوانين المكتوبة..اشربوه شيئا من الضرب وهددوه بالرمي الى اسماك النهر الشرسة التي سمعنا عنها بانها مشحونة بتيارات كهربائية وقادرة على بلع أي طريدة في ثوان معدودة..لا احد عاد سالما في محاولة قطع هذا النهر...اعتذر المسافرون لرجال الزي الرسمي وواصلت الحافلة زحفها وسط الاف التعليقات حول رجال القانون الذي اعتقد جازما.. انهم منهمكون في عد مداخلهم اليومية التي تثبت تواجدهم بالطرقات.


***

اول مدينة قطعناها بدت لي عادية, فقد فهمت لغتها..كانت لي فرصة نزول لشراء سفنج ..نزل كل الركاب لقد كانت المحطة النهائية..انا لا اعرف احدا بهذه المدينة..لم تكن الجنة التي حلمت بها وبعيدا عن المسافرين تساءلت كيف تكون حياتي بدون دراهم؟
تقدم رجل مني:
-لا تحزن ولدي ستقضي اياما عندي ريثما يصل عمك.
تبعته الى منزله..كانت به ساحة كبيرة ..طافحة بالاطفال دليل على تعدد زوجاته...لما اصل الى محطتي لم تكن الجنة على الارض....بعد اسبوع اقدم رجل انيق كوزير.....شكلا كان رجلا من كبار المدينة يحمل حقيبة لا يطلب منك ان تكون منجما لتدرك ما بها..نقود كثيرة..تخيلي شجرتي ..
.لقد كان العم الذي كلموني عنه هل تتخيلين هذا؟؟
عمي في لباس سياسي...عمي المبتسم والمضياف ....عمي الناثر للغنى اينما مر ويمر.


***

ولكن اسمعي بقية القصة:
في الغد تبخر عمي..لم اره ابدا..اعرف انه اتى بالدراهم لاحملها الى رجل اخر عبر طريق الغابة..اعتقد انني اخيرا ساصل الى الجنة..كنت متيقنا..
نسيت ان اخبرك انني كنت بلا هوية..لم اكن اعرف بانه يجب ان تكون لك هوية بالضفة الاخرى..هذه الورقة تجعل منك رجلا في الحياة وانا الذي لم اكن الا طفلا لم اكن اعرف شيئا عن الحياة....رحلتي في الغابة ستجعل مني رجلا رجلا بمعنى الكلمة.
وصلت اخيرا الى قلب الغابة الثقيل..المكان الذي لا تدخله الشمس..المكان الذي لا تنقطع عنه الامطار طيلة السنة...المكان الطافع بالافاعي من كل الالوان والاشكال المكان الذي تعيش به العناكب الضخمة وحيوانات لا اعرفها.....كنت في الغابة..كنت اعمل في حقل –كاوكاو-كان الحقل يمتد عبر البصر..المطلوب منا قص الاعشاب الضارة, معالجة الاشجار المثمرة باستعمال المواد الكمياوية..العناية بالبنج الابيض والاخضر ..يقال ان هذه الزراعة مربحة..
منذ الاسبوع الاول كنت منهكا...كنا في خم وسط الغابة.. ثلاثة اطفال...كان الاخران اكبر مني...يتفقدنا رجل من حين لاخر...يراقب اعمالنا وعند ما يرى تقصيرا يلهب ظهورنا بسوطه..لم يكن يتكلم كثيرا... ولكني عرفت انه من اهلنا...عرفنا اسمه وتاكدنا انه واحد من ذوينا المهجرين الى هذه الغابة المظلمة والرطبة.....كنت اختنق وكانت بي رغبة بالمغادرة..لم نكن نرى الشمس....لم تكن معي نقود...لم اكن اعرف متى ساتقاضى حقوقي على هذه الاعمال الشاقة ولكني حفظت كلمات مقدسة..:ان احمل شقائي بتان وصبر..الغنى يجب ان يكون على اطراف الجهد.لم تخلق الجنة على الارض..كانت ذكرياتي تتلاحق الى ان سقطت يوما مغما علي...حملوني الى مخبا الرجل الذي يحول التربة ذهبا..تركني وغاب..كل ذلك كان عصيا على فهمي.. فهم العملية من المالك الى غاية الوصول الينا اضراس سلسلة طويلة لم يكن بوسعي عدها الى يوم انفجار الاوضاع.
ترجمة:زيتوني ع القادر


***

نعم يا..... يجب ان اكلمك....لا استطيع كل المعاملات السيئة التي رايتها هناك.. بعيدا.. بلا هوية ولا اباء وحيدا بين الاطفال الوحيدين مثلي...يجب القول ان جهنم موجودة في كل مكان ولا حياة مشابهة للاخرى...يجب عيش السعادة عندما تاتي على حين غرة..لم امتلك القدرة على مواجهة مسائل الشقاء عندما يعلن قدومه من بعيد.
في الغابة كنا بلا اوراق ولا دراهم ..مقطوعين عن العالم..اطفال قادمون من كل الجهات لهدف واحد : العمل في مزارع مالك لا يملكون حق مقابلته.....
ذات مساء زارنا طفل من المخيم المجاور...جاء ليختفي. قال لنا ان هناك سوء تفاهم بين السكان الاصليين والمهاجرين...مضينا ثلاثة ايام بدون حارس..لقد اختفى دون ترك اشارة..لم ننشغل بغيابه....فجاة احسست بخفقات قلبي لا بد من البحث عنه رغم انني لا اعرفه ولا اعرف اين ولا كيف ابحث؟؟


***

خرجت في الصباح الموالي واصدقائي نيام..خرجت من المخيم دون وجهة ...نسيت الثعابين..الزواحف المتنوعة..الحيوانات المفترسة والقرود المشاغبة..لم يكن معي الا نصلا كان كافيا لفتح الطريق والانغماس في المغامرة..بعد لاي صارت الغابة اكثر وضوحا..اثا ر نيران....مخيمات محترقة...مزارع ملتهبة.
.رغبة في معرفة ما حدث توغلت اكثر..اقتربت من منازل مهشمة..رائحة الشواء الادمي تملا الغابة..رجال ...اطفال ...نساء جثث مرمية هنا وهناك..انها قصة محزنة..لم اتخيلها ابدا قبل رحلتي لبلاد الاحلام...رايت جثة معلمنا بسوطه.اقتربت منها ..يبدو ان احدا مسح جيوبه..لم يحترق..تتطايرت بعض الاوراق حوله...وجدت بطاقة هوية....مدفوعا بحب الاستطلاع وميتا من الخوف دسستها في جيبي المكان الوحيد الذي ليس به رقع..هنا يمكن الاحتفاظ ببطاقة الرجل الذي عاملنا كحيوانات..الرجل الذي كانت نهايته ماساوية..لم اكن في حاجة لفتح الطريق فقد كانت معدة.. تابعتها حتى القرية التي بدت هي الاخرى مأساوية. يبدو انها عاشت نفس الاحداث... توقفت عند احد اطرافها..نسيت الجوع عجزت رجلاي عن حملي...فقدت الوعي....غبت.....عندما غفوت وجدت طفلة عند راسي.....عيونها مليئة بالاسى...ابتسمت لي...فقدت الكلمات... كانت تتزاحم بحلقي ولا تخرج... ساعدتني ...اخبرتني ان اباها مات وقد وجدتني وامها قرب الحقل المحترق فساعدتني في حين ان امها هربت لقد ضاعت عن الانظار وهي امراة من البلد وتعرف مسالك الغابة لانها تقضي بها ايامها في جمع الحلزون......لقد جلست قربي حتى المساء ..فحكت لي تفاصيل حياتها وذهلت عندما ذكرت اسم ابيها ...الرجل الذي اعرفه ... صاحب السوط استجمعت قوتي وارخيت ظهري لحائط:
-ما اسمه؟
اعتقد انك تعرف اسمه.
اسمي هو ايضا اسمه ولكن استغرب عدم تكلمه معنا في الحقول وضربنا كلما حلا له ذلك.
كان يعتقد انه يطبق اوامر اسياده وهاهو يقتل ككلب مجذوم كبقية امثاله من الغزاة
لقد نسيت طلب اسمك.
انا جبريل وانت
سيتا
احمر وجه الفتاة وايقنت ان لابيها اطفال بالجهة الاخرى من الحدود.. في البلد الذي حلمت كثيرا برؤيته.


***

انظري شجرتي المفضلة..لم اقص لك القصة كاملة..اعلمي انني عدت باختي التي كنت اجهل وجودها وانني التقيت ابي بالغابة التي غابت عنها الشمس...لم يعرفني..بل عرفني ولم يرغب ان اناديه ابي امام الاطفال الاخرين الذين يمكن ان يكونوا اطفاله...لقد سلم جسده وروحه للغابة... هو رجل البراري والاغشاب... هو الجائل منذ فجر الانسانية لقد ترك لي دون ان يدري بطاقة هويته ولكن هذا لا يكفي... ..امي لا زالت تحكي بان هذا الرجل ليس ابي فابي مات اثناء ولادتي..لا اقول لك ان الرجوع كان سهلا لقد كان مريرا ..ولكنني لم ارجع وحيدا فقد كانت معي بطاقة هوية ابي واختي العائدة...احملي هذا الاسم الذي هو منك علانية.........
.جاء الاوان لاسكت فاني اسمع خطوات اختي....يكفيها ان تجد مكانا بين اخوتها..لا احب ان تبكي عند رجليك لقد عانت الكثير في رحلتها...هي قادمة لزيارتك فلا تحرميها من ظلك.



#زيتوني_ع_القادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الطغاة
- هموم قزحية التقاطع
- الصقيع
- من ذاكرة الهنود الحمر
- هذه المدينة التي صفعتني
- قصة
- اخبار عاجلة
- نائب الفاعل
- ندى
- انتم
- قصة: قصة قصة
- انتهى الدرس يا غبي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيتوني ع القادر - جهنم الطرف الاخر من الحدود