أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - ما وراء كلمات العريفي















المزيد.....

ما وراء كلمات العريفي


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 08:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تصريح العريفي وما أعقبه من ردود أفعال ساخنة أعاد الأنظار إلى ما يحدث داخل أسيجة الصمت وقلاع العتمة، فبغير قصد أعاد المسألة الطائفية إلى الواجهة بكل ما تحمل من اشكاليات وتقاطعات مع تراجع وفشل المشاريع الوطنية الجامعة. لقد فجر العريفي المسكوت عنه واللا مفكر فيه وأعاده إلى السطح وكشف القناع عن نزق طائفي متجذر ومستكن في اللاوعي ، وكما أعاد النهايات إلى بداياتها فقد أستعيد السؤال مجددا فيما إذا كان يمكن تجاوز العصبيات والانتماءات الموغلة في الطائفية إلى عصبية أو انتماء وطني، وفيما إذا كان العريفي يمثل نفسه فقط أم هو نتيجة طبيعية للبنية السياسية والاجتماعية؟ ألا يتماهى ما قاله الداعية الصحوجي مع اتجاه ديني مهيمن على مؤسسات حكومية كالتعليم والقضاء؟ ألا يمثل تعبيرا صادقا عن الفكر والآيديولوجية التي تتبناها الدولة بدليل التأكيدات التي تتردد مرارا على لسان أكثر من مسؤول من أن منهج الدولة هو سلفي والتفكير السلفي هو وحده المرجعية التي تمنح الشرعية للسلطة؟

لست من الذين يتفاعلون كثيرا مع المقولات المذهبية أو الانتصار للزعماء والرموز والقادة، كما أنني لست معنيا بتفاصيل الجدل القديم الجديد حول أحقية هذه الجماعة أو تلك، فمن الطبيعي أن أستبعد قراءة الحدث من منظور طائفي أو معالجة "نرجسية طائفية" بأخرى أو مواجهة "جنون عظمة" بجنون آخر، مما يعني أن ما يمكن أن يأتي في سياق الإدانة لداعية استئصالي ليس تبرئة للاستجابات التي هي في العمق تنحى نحو اتجاه يكرس النزق الطائفي ولا يلغيه. فمثلما تدان كلمات العريفي بوصفها استثارة للمكنون الطائفي فإن أي استجابة تتموضع طائفيا هي كذلك موضع ادانة.

على أن ما قاله العريفي ليس بجديد ولا هو وليد لحظته، من هنا فإن ما يستحق التصعيد ليس تصريح العريفي بحد ذاته بل ما يكمن خلفه، أي أن ما وراء التصريح هو ما يستوجب الادانة، مما يؤدي بنا إلى مجابهة مع السلطة المعرفية والسياسية ومواجهتها وجها لوجه بوصفها المسؤولة المباشرة عن انتاج هذا الخطاب، ولكن المؤسف أن ردود الأفعال تكاد تحجم عن مقاربة القضية في أبعادها الجوهرية وتكتفي باستنكار أو احتجاج يحمل في طياته موقفا يراوح بين تعزيز المكتسبات المذهبية واستعراض حجم النفوذ ومزيد من الانحياز إذ لا مكان أصلا للحياد.

ما أريد قوله والتأكيد عليه هو ضرورة أن تتجه القراءة إلى الخطاب ودلالاته وسياقاته وخلفياته لا إلى ما يفرزه من مواقف وتجليات، فالخطاب الذي أنتج موقف العريفي هو خطاب مدجج بتيمات التكفير والاقصاء، التكفير مقولة مستقرة في بنيته، لا تدع مجالا للاختلاف والتغاير، فلا مكان فيه للآخر أيا يكن، وسواء كان الآخر عقديا أو فكريا أو سياسيا فإنه يجب أن ينفى ويصادر، يستوي في ذلك الشيعي مع المتصوف والليبرالي مع اليساري بل حتى السلفي الذي قد يختلف كثيرا أو قليلا هو معرض مثل غيره لنفس التهمة.

سورة التكفير هذه لا تستثني أحدا، فهي عادلة تماما مع الآخر، فتارة تتجه إلى الآخر المذهبي كما فعل العريفي، وتارة أخرى تصب جام خضبها وإن بشكل موارب على الآخر الفكري كما فعل الشيخ البراك الذي أفتى في العام 2008م بكفر الكاتبين يوسف أبا الخيل وعبد الله بن بجاد قبل أن يصدر فتوى مشابهة في العام 2010م ضد روائيين سعوديين كعبدة خال صاحب "ترمي بشرر" المرشحة لجائزة البوكر العربية، ورجاء عالم وغازي القصيبي حيث وصفهم بالرذيلة والفسق وأنهم أعداء للمملكة وذلك على خلفية ترشيح وزارة التعليم العالي لترجمة مجموعة من أعمالهم.

التكفير عند العريفي كما التفسيق عند البراك، يتسق تماما مع ما قاله قبلهما الشيخ اللحيدان حين أفتى بقتل ملاك القنوات الفضائية العربية. يشكل الثلاثة عينة من خطاب تكفيري يراد له أن يكون بعبعا وشماعة لتعليق كل المشاريع الاصلاحية المزمعة، بذريعة أن الواقع ليس مهيئا للتغير، ولذلك وفي قفزة نحو المحجوب والمتواري والمسكوت عنه فإن ما يعنيني ليس الموقف ذاته بقدر ما يكمن خلفه من دوافع وعوامل تلامس قبل كل شيء بنية السلطة السياسية.

ومثلما لا يترشح الواقع التعددي عن البنية الاستبدادية، ولا يمكن أن تعيش رغبة الاصلاح الجذري مع السلطة المطلقة، كذلك لا يمكن تبرئة الكيان السياسي من تكريس خطاب موغل في الاقصاء، فالسلطة السياسية حتى وإن كانت افرازا طبيعيا للمجتمع فإنها قادرة على الفعل والتوغل في عمق المجتمع لاحداث التغيير.

إن كثيرا من المنعطفات التاريخية التي اجتازتها بعض الأمم والمجتمعات كانت نتيجة فعل أو قرار سياسي، وحتى الديانات لم تسلم من تدخل السياسي وتأثيره، يمكنني أن أذكر المأمون والمعتزلة أو المتوكل والحنابلة، كذلك الكنيسة الانجليكانية التي جاءت نتيجة حسم سياسي، أو التشيع الصفوي الذي بشرت به طلائع القزلباش في ايران، أو المد السلفي الذي باركته السلطة السياسية وأغدقت عليه من موائدها وكرمها.

هذه الحقائق تعيد فتح الجدل الذي يدور أحيانا حول تحديد مسؤولية التقدم أو التخلف في حركة التاريخ، وفيما إذا كانت ترجع إلى السلطة أم إلى المجتمع. في سياق هذا الجدل ثمة انشطار في الثقافة العربية والاسلامية بين من ينحي باللائمة على الثقافة "المجتمع" وبين من يحمل السلطة كامل المسؤولية، ويمكن التمثيل على الاتجاه الأول بمسكويه الذي كان اشتغاله الأساسي على المنظومة الأخلاقية التي يترشح عنها السلوك وبالتالي السلطة السياسية، فيما يمثل الاتجاه الآخر التوحيدي المعاصر لمسكويه أو ابن خلدون الذي يصل إلى نتيجة مفادها أن "الناس على دين ملوكهم" أو الكواكبي الذي أرجع كل مظاهر التخلف والتراجع الحضاري إلى بنية الاستبداد وخاصة في بعده السياسي.

ولكن يحدث أحيانا أن تتخلف السلطة السياسية عن المجتمع، أو يكون الكيان السياسي متأخرا من الناحية الحضارية والتاريخية عن المجتمع الذي يتقدمه في السباق التاريخي. هنا تبرز أهمية الاصلاح وتأخذ بعدها الجدلي والديناميكي، وحينئذ يصبح الحديث عن مسؤولية المجتمع ودور الثقافة في تكريس بنية التخلف تبريرا لوضع مصطنع وطارئ وغير شرعي. وهو تبرير يسعى لترويجه عادة المهرجون من مثقفي السلطة الاستبدادية التي لا تنفك عن تكرار ديباجة "الواقع الذي لم يتهيأ بعد للتغيير" والغريب أن هؤلاء المثقفين يتواجدون في قلب المطالب السياسية الترقيعية التي تعزف على نغمة المجتمع المدني والمواطنة وادانة الفكر الظلامي الذي يسعى إلى تحويل العالم إلى عبوة ديناميت دون أن تسعى إلى زحزحة الاستبداد والسلطة المطلقة.

ولكن "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".. قالها أحدهم وهو ملهم بلا شك. والاصلاح لا يلتئم مع السلطة المطلقة، فهما نقيضان لا يقوم أحدهما إلا على حساب الآخر، وتبعا لذلك فإن التغيير والتحديث والتنمية السياسية وبناء المجتمع المدني وكل هذه العناوين، هي بمثابة اقتلاع كامل لعرش السلطة المطلقة، فأن تحارب الفساد في قلعة الفساد أو أن تستنبت بذرة الحرية في معتقل كبير بحجم الوطن يعني أنك تدعو إلى سلخ الكيان السياسي عن جلده وتستبدله بكيان آخر، وهذا أمر عسير يتطلب "عملية جراحية" وليس مجرد حلول قشرية تسعى إلى تمويه القبح وتأبيد الفساد.

ولكي لا نسهب كثيرا في كلام تنظيري دعونا نسأل: هل أمكن للعريفي ومعه البراك واللحيدان أن يحرض دون خوف لو لم يكن مُمثلا داخل السلطة؟ هل كان بوسعه أن يفعل ذلك فيما لو كانت هنالك مواطنة حقيقية في بلد يتغافل ويسهو عن ما يعتمل في داخله ليدعو إلى حوار أديان في الخارج كأن المسألة الدينية قد حسمت في الداخل أو أنه يعيش في جنة من الأديان والمذاهب المتعايشة.

عندما ناشد الشيخ الشثري الملك عبد الله بمنع الاختلاط في "كاوست" كان للارادة السياسية اجراء حاسما: إقالته من عمله في جامعة الملك سعود، رغم أن ما قاله ليس فيه أي خطورة ولا يتعدى خانة حرية الرأي، هذه الارادة نفسها –على ما يبدو- باتت عاجزة عن وضع حد لمسلسل التكفير رغم أن التكفير بوصفه تحريضا يعتبر في خانة الجنايات والجرائم التي يحاسب عليها القانون، وحتى لو توفرت الارادة السياسية الجادة في لجم نزعات التكفير فستظل ناقصة وغير فعالة ما دام التكفير والتعليم الطائفي يجد له حضورا مكثفا في المناهج الدراسية ومؤسسات التعليم، ولا يقتصر ذلك على المذهب الشيعي وحده، لأن التكفير "في وطني" لا يستثني أحدا. مما يعني أن ادانة تصريح العريفي والبراك واللحيدان وغيرهم تتخذ بعدا حقوقيا جامعا يشمل جميع الطوائف والأقليات.
هكذا يجب أن تقرأ كلمات العريفي وهكذا يجب أن تفهم، فما وراء التصريح ثمة حقيقة مستقرة هي أن خطاب التكفير يعاد تشكيله باستمرار.




#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي
- بين المتدين الأصولي والشامان
- البطولة الزائفة
- أنفلونزا التبشير المذهبي
- ذهنية التحريم في العقل الشرعوي
- عيد وطني ينقصه وطن !!
- حول اشكالية العلمانية في الاسلام
- المهدي المنتظر في القرن الواحد والعشرين
- قناة العربية ترشق الحجارة وبيتها من زجاج!
- الأيديولوجيات الدينية وسؤال الحداثة
- أعداء الحرية ينتصرون لها في ايران!
- ثمرة المعرفة: أول ارتفاع، آخر تمرد.
- عن تآكل الاصلاحات في السعودية
- أكثر من كلباني.. أكثر من لوثر!
- المرحلة البينية وتحديات التنوير‏
- أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة
- حفاظا على السلم الأهلي.. قدم استقالتك يا سمو الأمير
- حينما لا تصبح العمامة كالنعامة!
- بين بيان التصحيح وأحداث المدينة: مفارقات وخطاب مشترك
- أنقذوا السعودية قبل أن تحترق


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - ما وراء كلمات العريفي