أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الإله السباهي - نصائح منسية















المزيد.....

نصائح منسية


عبد الإله السباهي

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 23:57
المحور: كتابات ساخرة
    


في أيام الحقبة الستالينية شيدت عشرات المباني الشامخة في موسكو تعكس شموخ الدولة والقائد ستالين.
كانت البناية التي خصصتها الدولة لإقامة جامعة الصداقة فيها واحدة من تلك البنايات، والتي كانت مخصصة أصلا لمدرسة عسكرية.
كي تصل إلى باب تلك البناية عليك أن ترتقي سلما عريضا انتصبت أمامه أعمدة مرتفعة بشكل تجعلك صغيرا مهما أسرعت في ارتقاء السلم، وليس لتلك الأعمدة أي وظيفة هندسية غير التعبير عن العظمة.
كنا قد غادرنا العراق ونحن شباب مشبعين بالشعارات والأفكار الماركسية وبالطموح الجامح من أجل التحصيل العلمي، ولكن كانت تعوزنا بجد المعرفة بالحياة الجديدة وبعادات الشعب السوفيتي الغريبة عنا.
كنا منبهرين بكل ما نراه ومنذ يومنا الأول في هذا البلد العظم
سبقتنا بعام دراسي مجموعة من الشباب العراقيين إلى تلك الجامعة، فأخذنا نتمسك بأذيالهم كأطفال صغار في يوم عيد متمسكين بثياب أمهاتهم.
كانوا شبابا كرماء حقا فلم يبخلوا علينا بخبراتهم وتجاربهم في الحياة الجديدة، فعقد لنا مسئول المنظمة الحزبية( الحزب الشيوعي العراقي) اجتماعا فور وصولنا ضم كل الطلبة الجدد بغض النظر عن مدى علاقتهم بالحزب.
استهل المسئول الاجتماع بشرح مستفيض للحياة الجديدة، مذكرا بالواجب الوطني الملقى على عاتقنا في ( تبييض وجه العراق أمام السوفيت بالدراسة الجادة) معرجا على السلوكية التي يجب أن نتبعها في حياتنا اليومية الجديدة، محذرا من الاندفاع بالملذات:
خذوا كل شيء بهدوء وروية يعني على (كيفكم) حتى رفيقاتنا السوفيتيات ( لما تكونوا وياهن فعلى كيفكم ).
طبعا أصبحت تلك نكته نتذكرها بمرح إلى اليوم، فكلما تتعرف إلى فتاة لابد أن تسمع تعليقا من أحدهم (على كيفك ويه رفيقتنا !).
مرّت سنين الدراسة مشحونة صعبة. فالمناهج الدراسية كانت مكثفة والدروس صعبة و الجو قاس، وفوق كل هذا كانت تحاصرنا معاملة الإداريين المتشددة في الجامعة، وفي القسم الداخلي الذي نسكنه.
كان في الجامعة عددا من الموظفين مخصصين فقط للعمل معنا.
مهمتهم الأساسية هو مراقبة سلوكنا وتحركاتنا فكانوا يضيقون علينا بحجة الإرشاد وتقديم النصائح.
لكل مجموعة منا لها موظف مسئول تحت تسمية المدرس الأقدم.
قضيت سنين وأنا في تلك الجامعة ألاقي الأمرين من الفاقة والبرد ومن مضايقات (المعلم الأقدم).
وذات يوم وقبل أن ينتهي الدوام اهتم المدرس الأقدم في البحث عني سائلا كل طالب عراقي يصادفه، وقد ساعده بالبحث عني عدد كبير من هؤلاء المدرسين بما فيهم مساعد عميد الجامعة لشؤون الطلبة وتبرع عدد من طلبتنا العراقيون من باب الفضول بالمساعدة أيضا في البحث عني.
عثروا على (عبد الإله) أخيرا في أحد الصفوف الفارغة حيث كنت أحضر لامتحان الرياضيات مع إحدى رفيقاتنا السوفيتيات.
أخذوني إلى الباحة الرئيسية في الجامعة وهم يحطون بي من كل جانب وكأنني في زفة عرس وعيون الطلبة شاخصة تنظر إلي مستغربة هذه الزفة.
ناداني أحد العراقيين من بعيد مرعوبا ها عبد شكو؟ لم أستطيع الرد عليه إلا غمزا وأظنه قد فهم أنها كبسة !
في باحة الجامعة وقفت سيارة تعود للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي من نوع (جايكه) وكان ذلك حدثا فريدا في الجامعة.
من هو هذا الطالب العراقي الذي تهتم به اللجنة المركزية وترسل له إحدى سياراتها؟
فتح لي المدرس الأقدم باب السيارة والذي كان يضطهدني بالأمس مناديا:
تفضل رفيق، الرفاق في اللجنة المركزية يطلبونك!
جلست في المقعد الخلفي الوثير وأنا في حيرة من أمري ولم يسعفني خيالي في تفسير هذا الإجراء. ما علاقتي أنا باللجنة المركزية؟
صحيح إنني كنت حينها رئيس رابطة الطلبة العراقيين في تلك الجامعة، ولكن ما علاقتنا بقمة هرم السلطة السوفيتي؟
حاولت فهم الموقف من سائق السيارة بسؤاله عن الوجهة التي سنذهب إليها ولكن دون جدوى فهو أخرس أطرش.
بعد ما يزيد على الساعة، خرجنا من المناطق السكنية في موسكو إلى غاباتها الجميلة الخضراء التي لا تنتهي.
شق طريق وسط أشجار غابة البتولا راحت السيارة تقطعه بكل هدوء فصلنا دون ضوضاء إلى بناية جميلة وادعة تظللها الأشجار التي ابيضت سيقانها ومختلف أنواع الزهور التي زرعت بعناية أضفت على المكان سحرا لا ينسى.
تفضل رفيق: فتح السائق باب السيارة لي بكل أدب وظهر أنه رجل لبق، لا أخرس ولا أطرش كما كان في داخلها.
قادني إلى غرفة الاستعلامات في تلك البناية وتركني هناك ملمحا أنه سيكون في انتظاري متى شئت.
في الاستعلامات تبين لي إنني في مستشفى اللجنة المركزية، عندها هدأ روعي وخمنت أن أخي الشيوعي المخضرم أو واحد معارفه من قادة الحزب الشيوعي العراقي راقد هناك وطلب رؤيتي لغرض ما.
صدق ظني تقريبا ففي إحدى غرف المستشفى المؤثثة كفندق ذو نجوم خمسة التقيت بشاب يصغرني قليلا ولم أكن أتوقع رؤيته إطلاقا.
نهض من سريره وراح يضمني بعناق صادق سالت دموعنا خلاله.
إنه قريبي وصديق طفولتي بهجت، ولم أكن أعرف أنه قد ارتقى في منصبه الحزبي إلى هذا الحد بحيث تستضيفه اللجنة المركزية السوفيتية وتلك قصة أخرى.
بعد الاطمئنان على صحته، وقد صعب عليّ حقا كونه يعاني مشاكل جدية في الكبد.
وبعد السؤال عن أهلنا في العراق والذين كنت أشتاق لهم بكل كياني وغيرها من الأسئلة، وبعد أن طمأنني عليهم. قضينا ساعة نستعيد فيها ذكرى أيام قلعة صالح واللطلاطة وأيام الشواكة.
الضيافة التي حظيت بها شملت على أنواع من المشروبات التي لم نكن نراها في حوانيت موسكو ولا حتى في السوق الحرة الوحيدة في المدينة والتي كنت أزورها بفترات متباعدة برفقة بعض الطلبة الميسورين. وبعدها تناولنا الفواكه الناضجة وغيرها من الطيبات التي غطت المائدة التي توسطت الغرفة.
تخرج بهجت حمد الشيخ زهرون من الكلية العسكرية بعد ثورة 1958 وأرسل من قبل حكومة عبد الكريم قاسم إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة اللاسلكي.
قبل أن ينهي تلك الدورة حدث انقلاب 63 الأسود فاستدعي من قبل حكومة البعث وحين رفض العودة خوفا من القتل فصل من الدورة وقطعت عنه المخصصات.

على أثر ذلك وفرت له الحكومة السوفيتية فرصة إكمال دراسته في معهد خاص جدا للاسلكي. أي أن الأجانب لا فرصة لهم في دخول هذا المعهد نظرا لسرية الأبحاث فيه عدى أفراد محدودين استثنوا من ذلك وكان بهجت واحد منهم.
تفوق بهجت في دراسته في ذلك المعهد في قسم الاتصالات بالفضاء الخارجي ولم تبقى له إلا سنة واحدة ليكمل دراسته في المعهد ويحصل على اختصاص لم يسبقه عراقي إليه دعته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي للعودة إلى العراق، ربما لتأسيس إذاعة للمعارضة، أو لمهام أخرى.
عاد إلى العراق بشكل سري مضحيا بفرصة العمر وهناك استخدم اسما حركيا هو أبو عبد الله. وبعد أن ساءت صحته أرسل إلى موسكو من جديد للعلاج على حساب اللجنة المركزية السوفيتية حيث التقيت به.
بعد أن انتهينا من سرد أهم الأحداث، وبعد أن أتخمتنا الضيافة الكريمة سألني أبو عبد الله إن كنت أرغب في لقاء خالد بكداش ؟

من منا لا يتمن لقاء ذلك القائد الأسطورة؟
اقتادني إلى غرفة قريبة منه حيث يرقد فيها بكداش للعلاج، وفي جناح خاص ملحقا بالغرفة استقبلنا رجل جاوز الخمسين من العمر بكل أدب وترحاب، وراح يمدح الشيوعيين العراقيين دون أن يعرف علاقتي بهم.
دار حديث عام عن العراق والجوع الذي يعيش فيه الفلاح العراقي.
قدم خالد هنا نصيحة لأبي عبد الله في محاربة الجوع الذي يعيشه الفلاح العراقي وخاصة في الجنوب وطلب منه أن ينقلها لرفاقه في الحزب عند عودته، وكانت كما يلي:
رفيق أبو عبد الله عندكو في المنطقة الجنوبية مسطحات مائية شاسعة وهناك ثروة أهم من الثروة السمكية وهي الدفادع (الضفادع) فعودوا الفلاحين هناك على أكلها وتحل مشكله الجوع عندهم!
ولكن أبو عبد الله يعرف عدم التزامي بالأدب في مثل تلك الحالات راح يتطلع بوجهي بخوف ليرى ردة فعلي التي لم أستطع لجمها إلا بآخر لحظه.
سألته غير مصدق ما قاله: رفيق هل تعني أن الشيوعيون في العراق يطلبون من الفلاح العراقي أن يأكل( العقروق) الضفادع؟
نعم أيها الرفيق الشاب.

ليتنا علمنا العراقيين حينها على أكل الدفادع كما نصحنا الرفيق خالد بكداش لكان خير لهم من أكل ال...........هذه الأيام!
خرجنا من عنده متمنين له الصحة.
تمنيت لأبي عبد الله الصحة وودعته شاكرا محمله أطنان من التحيات والتوصيات لأهلي وأصدقائي في العراق، وعدت إلى القسم الداخلي الذي أعيش فيه قرب الجامعة في سيارة اللجنة المركزية بكل أبهة
راح الطلبة المجتمعين دائما عند الباب وموظفي الاستعلامات يرمقونني بكل تقدير بعد أن ترجل سائق (الجايكه) فاتحا لي الباب ومودعا بكل احترام.
حظيت بعدها بمعاملة خاصة من قبل جميع المسئولين في الجامعة وخاصة من قبل المعلم الأقدم.
عبد الإله السباهي



#عبد_الإله_السباهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تموز وسيف الدين
- أبيت اللعن
- الحب في زمن طغرل بيك
- لطلاطة سلمان
- الصدفة
- خروف البنجة
- جذور واهية...قصة قصيرة
- الخل والخمرة والصديق
- دردشة عجائز مغتربات
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(4)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(3)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار *(2)
- كشف الأسرار عن سحر الأحجار
- أولاد المهرجان
- هكذا تسقط الأنظمة
- لعبة في الطبعة الأخيرة


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الإله السباهي - نصائح منسية