أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - نجع حمادى.. - حقل الأرز- الذى أصبح -مزرعة ذئاب-!















المزيد.....

نجع حمادى.. - حقل الأرز- الذى أصبح -مزرعة ذئاب-!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 14:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كانت "نجع حمادى" مشهورة لدى المصريين بقناطرها الحارسة للنيل ومياهه المقدسة، كما كانت مشهورة بمجمع الألومنيوم، الأكبر من نوعه فى الشرق الأوسط، وأحد صروح الصناعة التى كنا نعول عليها فى الأيام الخوالي.
وقبل هذا وذاك كانت نجع حمادى مشهورة بالمكتبة التى تحمل إسمها، والمعروفة أيضاً باسم "المكتبة الغنوصية" التى تحتوى على الأناجيل والكتابات الغنوصية.. وهى ثروة تاريخية وثقافية كبيرة لهذه المدينة التى كان اسمها فى العصر البطلمى "خنوبوسكيون"، ويعني باليونانية "مزرعة الأرز".
الآن.. ومع دوران عقارب الزمن الى الوراء تحولت "مزرعة الأرز" إلى "مزرعة للذئاب" وأصبحت نجع حمادى مشهورة بكونها مسرحاً للفتنة الطائفية وإراقة الدماء والقتل على الهوية وترويع الآمنين فى ذات اللحظة التى كانوا يتأهبون فيها للفرح احتفالاً بعيد الميلاد المجيد.
لكن ما هو أبشع من هذه الجريمة الغادرة هو أن نجتر نفس الكلام الفارغ الذى تعودنا ترديده عقب كل حادث طائفي، دون العمل الحقيقي على تجفيف منابع هذه الكراهية الطائفية البغيضة، التى لم تعد كامنة تحت السطح وإنما باتت ظاهرة، بل ومتبجحة، بطول البلاد وعرضها. ورغم تحذيرات العقلاء من أن الفتنة نائمة وتنتظر من يوقظها فى أى لحظة تجاهل من بيدهم الحل والعقد كل صفارات الإنذار. وكانت نتيجة هذا التعامل البيروقراطي البليد مع ذلك الملف البالغ السخونة هو استمرار الاحتقان الطائفي وتكرار الحوادث الطائفية بمعدل حادثين شهريا خلال العام الماضي وحده، لأننا لم نواجه المشكلة من جذورها واكتفينا بالمسكنات المؤقتة والشعارات الجوفاء.
وها هى النتيجة المرة التى جنيناها نتيجة النظر إلى هذه القضية الخطيرة باعتبارها مجرد "ملف أمنى" رغم تعدد وتعقد جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وإذا كانت جريمة نجع حمادى تقول شيئا، فأن هذا الشيء هو أنه قد آن الأوان للكف عن هذه السياسة البيروقراطية السطحية الخائبة، وانتهاج سياسة جادة وعلمية تواجه المرض الدفين ولا تكتفي بتسكين الأعراض الظاهرية.
وهذه السياسة البديلة ليست "كيمياء" مستعصية على الفهم، بل هى معروفة وموصوفة، ولخص ملامحها الرئيسية "بيان المثقفين إلى الأمة" فى هذه المناسبة الحزينة، حيث أكد أن الإدانة السياسية والأخلاقية القانونية والأمنية يجب أن تكون هذه المرة حاسمة ولا تمر مثل غيرها من الوقائع الطائفية التى سرعان ما تم تناسيها. وانطلاقاً من ذلك طالب البيان بان تقوم الأجهزة السياسية والأمنية والقانونية والقضائية بإجراء تحقيق عاجل وشامل فى هذا الحادث البشع، وكشف خفاياه وإلقاء القبض على جميع المتورطين فيه، وتقديمهم إلى محاكمة علنية عادلة وعاجلة، وإعمال القانون بحزم والكف عن أنصاف الحلول والمساومات المستندة إلى تسويات عرفية عفي عليها الزمن ولم تعد تتناسب مع مبادئ دولة القانون والحق وروح الدولة المدنية الحديثة.
كما طالب البيان بمحاسبة جميع الأجهزة الرسمية التى يثبت تقاعسها، أو إهمالها، فى التعامل مع هذا الملف الملتهب، مما أتاح لحفنة من المتعصبين اقتراف هذه المجزرة.
ورغم ان البيان حمل المسئولية الأولي لبعض المؤسسات الرسمية عن استمرار هذه الأحداث المؤسفة، وطالب الدولة ومؤسساتها باعداد حزمة من السياسات واستراتيجيات العمل اللازمة فى المجالات السياسية والإعلامية والتعليمية والدينية والثقافية للتصدي لجذور المسألة الطائفية فى مصر، فانه أهاب بالمجتمع المدني بالقيام بمسئولياته لنزع فتيل هذا الحريق الطائفي الذى يهدد الوطن والأمة والدولة الحديثة،
فهذا الاحتقان الطائفي هو "نتيجة " لـ "مقدمات" كثيرة سكتنا عنها أو أغمضنا عيوننا أمام استفحالها.
وقد آن الأوان للكف عن سياسة "الإنكار" والادعاء بان كل شيء تمام. وأن هذه الانفجارات الطائفية ليست أكثر من أخطاء "فردية".
آن الأوان للاعتراف بان هناك مشكلة، بل ومشكلة خطيرة، ليس فى مصر فقط وإنما فى العالم العربي كله، ويكفي ان نلقي نظرة على الخط البياني لأعداد المسيحيين العرب لنكتشف الحقيقة المرة، ألا وهى أن المناخ السائد فى هذه البلدان أصبح طارداً لهؤلاء المواطنين المسيحيين، الذين أصبحوا يفضلون الهجرة إلى المجهول بدلا من البقاء فى هذه البيئة غير الصديقة.
أنظروا إلى المسيحيين فى العراق.. الذين كان تعدادهم قبل الحرب الأمريكية على بلاد الرافدين يزيد على مليون نسمة. الآن هاجر معظمهم ولم يبق إلا طارق عزيز فى السجن وبضعة آلاف من العراقيين المسيحيين الذين يعدون حقائب السفر استعداداً لمغادرة "جحيم الوطن" الذى لم يسمح لهم حتى بالاحتفال بعيد الميلاد لتزامنه مع احتفالات الشيعة بـ "عاشوراء"!!
حتى فلسطين التى كان المسيحيون يمثلون ما يقرب من ربع اجمالى عدد سكانها، أصبحت طاردة للمسيحيين من بلد المسيح ومهد المسيحية، ولم يعد هؤلاء يمثلون أكثر من 5% من إجمالي عدد السكان... و "الفضل" فى ذلك يعود إلى إسرائيل اليهودية من جهة و "حماس" الإسلامية من جهة ثانية .. ويا لها من مفارقة!!
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية فى مصر، فان هناك شواهد كثيرة على تزايد معدلات هجرة أقباط مصر فى السنوات الأخيرة.
ولا يحتاج الأمر إلى ذكاء خاص للربط بين هجرة المسيحيين العرب، والمصريين، وبين استشراء التيارات الأصولية الإسلامية من المحيط إلى الخليج وترهل الحكومات العربية كلها، بل ومنافسة بعضها لجماعات الإسلام السياسي فى ارتداء عمامة الإسلام لترميم شرعيتها المشروخة.
وهذا المؤشر بالغ الخطورة لأنه يعني باختصار زيف كل الشعارات الأصولية التى تتغنى بالتسامح، ويعني أن التعصب قد نجح فى احتلال مساحات شاسعة من المجتمع فقدت التراث المصرى الحضاري فى التعايش والتسامح وقبول الآخر الديني، الذى هو فى الوقت نفسه مكون رئيسي من مكونات الجماعة الوطنية.
ولعنا لم ننسى بعد تصريحات الشيخ يوسف القرضاوى، وهو مرجع ديني له تأثير واسع النطاق،
والتصريحات التى نقصدها هى الخاصة بعيد الميلاد المجيد، والتى قال فيها أن الاحتفال به "حرام وعيب ولا يليق". وطالب التجار الذين يبيعون شجرة عيد الميلاد بالامتناع عن عرضها والإعلان عنها بصورة "تؤذى مشاعر المسلمين".
فإذا كان هذا رأى مرجع ديني يصنفه الكثيرون ضمن فئة "أئمة الاعتدال"، فماذا عساه أن يكون مضمون الخطاب الثقافي الذي يروجه "أئمة التطرف"!!
علماً بان هؤلاء الذين يرفضون مظاهر احتفال المسيحيين بعيد الميلاد فى البلاد العربية هم أنفسهم الذين ملأوا الدنيا صراخاً احتجاجاً على نتائج استفتاء سويسري بحظر بناء مآذن للمساجد الجديدة فى هذا البلد غير الإسلامي.
وها هى مذبحة نجع حمادي تأتى لتبرهن لنا على ضرورة نبذ هذا الخطاب المنافق والمزدوج، وضرورة الاعتراف بالمشكلة وحجمها، من أجل تحليلها وتشخيصها ووضعها على طريق الحل.
وطريق الحل يبدأ بأن يأخذ المجرم جزاءه، فليس منطقيا أو مقبولاً أن تمر كل حوادث الفتنة الطائفية السابقة دون أن يصدر فيها عقاب رادع لشخص واحد!!
وطريق الحل يبدأ بإصدار تشريعين عاجلين كفيلان بتخفيف حدة حالة الاحتقان الطائفي الراهنة:
القانون الأول هو قانون دور العبادة الموحد الذى يكفل هذا الحق لكل المصريين على قدم المساواة.
والقانون الثاني هو قانون مناهضة التمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو الوضع الاجتماعي، وعزل الموظف العمومي الذى يتورط فى مثل هذه الممارسات التمييزية.
هذان القانونان يمكن أن يخلقا مناخاً مواتياً لمواجهة حالة الاستقطاب الديني الحالية والتقدم نحو تحقيق الاندماج الوطني على قاعدة المواطنة وقاعدة التنوع.. فما أتعسها من أمة تفقد – بإرادتها- أحد مكوناتها الأصلية، وتقضى بنفسها على تراثها الحضارى فى التسامح واحترام التعدد،... فكأنها شخص يبحث عن القوة من خلال قطع يده اليوم وبتر ساقه غداً..
باختصار.. لقد أصبحنا أمة فى خطر.. وعندما تكون الأمم فى مفترق الطرق لا مجال للعب على الحبال أو إمساك العصا من المنتصف ...



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادرة «شق» الإخوان (1)
- مبادرة «شق» الإخوان (2)
- ممنوع الدخول: توارد الخواطر بين -الإمارة- و-الحارة- و-النقاب ...
- علاقة مسمومة: ظلم عواطف حميمة.. واستفزاز مجتمع فقير
- الدعائم الأربع لحرية الصحافة فى مصر
- هل كان مفروضاً أن يكون مصر حامد أبوزيد.. لاعب كرة؟!
- قبل أن نسير فى جنازة الصحافة التى أحببناها
- الأذان فى مالطة.. وسويسرا!
- ضمائر حية.. وقلوب مازالت تنبض.. في الجامعة العربية
- هل يأتى حل عقدة خلافة الرئيس على يد الدكتور يسرى الجمل؟!
- إعلام لا يعلم ولا يتعلم:استنساخ الفشل والغوغائية وابتذال الو ...
- سائق حافظ المرازى.. الفيلسوف
- مصابيح التنوير والابداع التى تنطفئ
- نتائج خطيرة لدراسة ميدانية مهداة للنخبة الحاكمة والمحكومة:«ا ...
- السائرون نياماً .. على أرض -المريخ-؟!
- درس من أوباما فى مسئولية الدولة عن صحة أبنائها
- هل يتساوى الشهيد الذى ضحى بحياته مع لاعب الكرة الذى سيتقاضى ...
- إنها مجرد لعبة.. فلماذا كل هذا الصخب؟!
- قطار -الخصخصة- وصل إلى تاريخ الحركة الوطنية!
- كنيسة -الوطن-.. أم حائط مبكى -الطائفة-؟!


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - نجع حمادى.. - حقل الأرز- الذى أصبح -مزرعة ذئاب-!